في كل مرة يقترب فيها موسم الامتحانات تزداد لدى الطلاب مشاعر القلق والخوف والتوتر، أيّاً كانت أعمارهم، وفي أغلب الأحوال، لا يقتصر فوبيا الامتحانات على الأبناء فقط، بل تتعداهم ليُصاب بها الآباء والأمهات أيضاً.
من منّا لم يُصب من قبل بمشاعر الخوف والقلق من الامتحانات؟ ومن منّا لم يتطور الأمر لديه وتحوّل هذا القلق والخوف إلى أعراض جسمانية، حتى تصل إلى الدّوار، والقيء، والرعشة، والأرق، وانعدام التركيز، ونسيان كل شيء؟
أعراض «فوبيا الامتحانات» وأبرز أسبابهفي البداية، يؤكد الدكتور وليد طلعت، استشاري الأمراض النفسية والعصبية والخبير في تعديل السلوك بالقاهرة، أن قلق الامتحان هو حالة نفسية انفعالية قد يمرّ بها الأبناء جميعاً، أيّاً كان مستواهم الدراسي، وتصاحبها ردود فعل نفسية وجسمية غير معتادة، نتيجة لتوقعهم، أو خوفهم من الفشل في الامتحان، أو سوء الأداء فيه، أو الخوف من الرسوب، ومن ردود فعل الأهل.
ويقول «الخوف من الامتحانات هو في الأساس ظاهرة طبيعية، ولا داعي للقلق من إصابة الأبناء بها، لكن هناك حدّ أدنى آمن من الإصابة بالقلق، وينبغي استثمار الأمر في انتظام الدراسة، والمذاكرة، وجعله قوة دافعة لهم للتحصيل والإنجاز، وبذل الجهد والنشاط لتحقيق النجاح والتفوق».
لكن الأهم، كما يرى الدكتور وليد طلعت، هو دور الأهل في تهيئة الجو المناسب، بعيداً عن الصخب وإثارة القلق والتوتر التي قد تسببها وسائل التواصل الاجتماعي.. خاصة دور الأم في إدارة الوقت، ومنع الأبناء من الإسراف في استخدام الهاتف المحمول في هذه الفترة، فيفضل مثلاً، عدم استخدام الهاتف المحمول قبل النوم بساعتين، وقبل المذاكرة بساعة.
ويشير الدكتور وليد طلعت إلى أعراض متنوعة لـ«فوبيا الامتحانات»، وتنقسم إلى:
أولاً: أعراض نفسية: والتي قد تراوح من العصبية البسيطة، إلى نوبات الفزع والهلع، قد تجعل الطالب في بعض الأحيان غير قادر على أداء الامتحانات، ولكن مهما كان مستوى القلق لدى أولادنا علينا أن نعلّمهم الحفاظ على الهدوء، وإدارة الخوف من الامتحان، وهو ما يتطلبه الأمر لتحقيق نتائج إيجابية، لأن ترك الابن فريسة للأعراض النفسية والقلق قد يعمق من مشاعر الغضب، والخوف، والعجز، وخيبة الأمل.
ثانياً: أعراض جسدية: من الممكن والشائع أن يصاب الأبناء بالصداع، ووجع البطن، والغثيان، والإسهال، والتعرق المفرط، وضيق التنفس، وسرعة ضربات القلب، والدوار، والشعور بالإغماء، كما أن نوبات الهلع نتيجة الخوف الشديد، أو الانزعاج قد تجعل الابن غير قادر على التنفس، أو يشعر باضطراب في دقات القلب، وعلاجها تمرينات التنفس، والحصول على حمام بارد، وتختفي الأعراض بعدها سريعاً.
ثالثاً: الأعراض السلوكية: حيث قد يتسبب «فوبيا الامتحانات» بإصابة الأبناء بعنف شديد، والرغبة في تحطيم الأشياء، أو النوم المفرط، أو الأرق الشديد، وكلها أعراض قد تؤدي بهم في النهاية إلى سلوكات غير مسؤولة، وغير متوقعة.
أخطاء أُسرية تضيع مجهود الأبناء وتزيد من توترهم
وتتفق معه الدكتورة رشا عطية، استشاري العلاقات الزوجية وتعديل السلوك والتحليل النفسي بالقاهرة، في أن «فوبيا الامتحانات» هو من أبرز أسباب الإخفاق في الاختبارات الدراسية، وتحدد بعض الأسباب الرئيسية لهذا العرض الذي كثيراً ما يصيب الطلبة:
· التنشئة غير السليمة من قبل الأهل في مرحلة الطفولة، فالأم كانت توبخ طوال الوقت، وفي كل مرة كانت تساعده فيها على التحصيل الدراسي، فيعمل عقل الطفل على تخزين رد فعل الأم في اللاوعي عنده، ويظهر على شكل رهاب من الاختبارات.
· عدم تنظيم فترات النوم للطلاب، خاصة في مرحلة الامتحانات والأيام التي قبلها، ليحصلوا على قسط كاف من النوم والراحة حتى يعيد الجسم بناء خلاياه، ومساراته العصبية، خاصة المتعلقة باسترجاع المعلومة والاستذكار والحرص على التغذية الجيدة للطالب خلال هذه الفترة.
· بعض الآباء يكون لهم دور كبير أيضاً في ظهور «فوبيا الامتحانات» عند أولادهم من خلال توقعاتهم السلبية لأبنائهم، كأن يسمع الطالب من والده عبارات محبطة، مثل «الامتحان أكبر من مستواك»، أو «أنت فاشل وغير مستعد للامتحان»، أو عبارات تهديدية في حالة حدوث نتائج غير مرضية.
· كما أن بعض الآباء يظهرون توقعات غير منطقية لأبنائهم، غير مبالين بمسألة قدرات الأبناء الحقيقية، ويجبرونهم على تحقيق نتائج ليس في استطاعتهم تحقيقها، ويمكن لهذه الحالة أن تتعمق عند الطالب إذا سمع من والديه بعض العبارات التي تؤثر في تفكيره، وتعمل على حدوث قلق الامتحان لديه.
· قيام بعض الأهل بمقارنة الابن ومستواه ونتائجه بآخرين، وهذا ما يظهر عنده قلق الامتحان، ويمثل ضغطاً شديداً عليه يفسد نفسيته، ويجعل في قلبه ضغينة تجاه كل من تتم مقارنته بهم.
وتشدد الدكتورة رشا عطية، على أهمية فهم قدرات الأبناء وتوجيهها التوجيه الأمثل، وتضيف «لكن للأسف بعض الأهالي يلجأون إلى استخدام العنف، بدرجاته المتفاوتة، لمواجهة عناد أبنائهم، وتمرّدهم، وعدم التزامهم، وحرصهم على التحصيل الدراسي، أو تحقيق التفوق في ما يتمنونه»، مؤكدة أنه يجب على الآباء والأمهات أن يصوّبوا لهم الاختيارات الخاطئة التي تضر بهم نتيجة قلّة الخبرة.
وتحذّر الدكتورة رشا عطية الآباء، من خطورة شعور الابن بأن والديه يتوقعان منه ما لا يقدر عليه، وأن أي نتيجة منه غير ما يحلمان بها هي فشل بالنسبة إليهما، فيتكون لدى الابن إحساس بالفشل، والتقصير المستمر، وتحميل نفسه ما لا طاقة له به، وهذا ما يدفع بعض الأبناء للإصابة بحالة الفوبيا الشديدة من الامتحانات، وفي حالات متعددة الانتحار، أو الانحراف هرباً من المسؤولية الكبيرة الملقاة على كاهلهم في سنّ صغيرة.
كما تلفت إلى أهمية التعرّف إلى مواهب الأبناء وتنميتها وتقديرها، حتى إن كانت بسيطة، لأنهم لا يشعرون بذاتهم إلا في تلك الأنشطة، وهناك الكثير من الرياضات والمواهب تحفز الأبناء على التحصيل الدراسي والتفوق العلمي، إذا ما منحناهم الفرصة لممارستها بجانب الدراسة.
11 نصيحة للتغلب على الخوف من الامتحاناتمن جانبها، تحدد الدكتورة إيناس إحسان، استشارية التربية وتعديل السلوك في القاهرة، عدداً من التوجيهات والنصائح في ما يتعلق بمسألة قلق الامتحان الذي يتحول إلى فوبيا، وكيف يتعامل معه الأهل والأبناء:
1- عدم فرض حظر التجوال على الأولاد وقت الامتحانات، لأن هذا الأمر وحده كفيل بزيادة الخوف والقلق من الامتحان.
2- عدم المبالغة في التوقعات من الابن، حتى إن كانت في صورة تهديد، أو ترغيب، لأنها تصيب الأبناء بالقلق والرعب، ووقوع عكس ما يتوقع والداه.
3- أولياء الأمور أدرى وأعلم بأهمية الوقت، لذا عليهم مساعدة الأبناء في تنظيم الوقت، والحفاظ على كل دقيقة في يوم الطالب، وتجنّب إهدار الوقت.
4- قيام الأبناء بعمل جدول تصاعدي من آخر اختبار لأول اختبار، والبدء بالأسهل.
5- أخذ فترات راحة كافية كل ساعتَي مذاكرة، لتنشيط المخ، كما أن ممارسة رياضة المشي، ولو لمدة نصف ساعة يومياً، تجدد خلايا الجسم، وكذلك المذاكرة في مكان مفتوح يهدئ الأعصاب.
6- إبعاد الأبناء عن الشائعات التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تداولها بين الطلاب في فترة الامتحانات وما قبلها، ومراجعتهم في كل ما يتعرضون له من أخبار في هذه الجروبات يحقق السكينة والهدوء لدى الأبناء، ويقلل من تأثير مصدر قوي للقلق في هذه الفترة الحرجة من حياتهم.
7- ممارسة الرياضة أمر مهم فهي تنظم الحياة وتحدث التوازن النفسي للطالب، لأنها تكمل الدور التعليمي والتربوي وتقلل من ضغوط فترة الاختبارات.
8- عدم عزل الطالب في غرفة مغلقة ومنعزلة، وتركه بمفرده طوال اليوم لا يخرج منها إلا للضرورة القصوى، فهذا أمر متعب للأعصاب، وحتماً سيزيد من إصابته بالقلق والتوتر، لذلك ينبغي تهيئة الأمر معه ليكون مريحاً نفسياً، والخروج للهواء الطلق كل عدة ساعات، لتجديد النشاط.
9- الضغط على الأبناء ومحاولة تحقيق أحلام الآباء من خلال الأبناء، تعتبر محاولة فاشلة في كل الأحوال، فلا يمكن إجبار أحد على التفوق والحياة داخل حلم لا يخصّه في الأساس.
10- البعد التام عن المنبهات، مثل القهوة، واستبدالها بالينسون، والكركديه، والشاي الأخضر، والمشروبات التي تفيد في استرخاء العضلات والأعصاب.
11- تنظيم المذاكرة من خلال جدول، بحيث يتم اختيار مادة علمية مقابل مادة نظرية حتى يتم التحصيل بشكل أفضل خلال اليوم.