ويعرف الإدمان الرقمي على: أنه حالة من الاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية والتواصل عبر الإنترنت، إذ يقضي الشخص المدمن ساعات طويلة أمام الشاشات، متجاهلاً مسؤولياته ومتطلبات الحياة اليومية الأساسية.
ولهذا السلوك المرضي آثار سلبية خطيرة على الصحة العقلية والجسدية للفرد، فمن الممكن ان يؤدي إلى مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى اضطرابات النوم وزيادة الوزن، اما على المستوى الاجتماعي، قد يكون الإدمان الرقمي سبب في عزلة الفرد وضعف علاقاته مع المحيطين به، فضلا عن تراجع مستوى إنتاجيته ومردوده الوظيفي.
وسط هذه التأثيرات الناجمة عن الإدمان الالكتروني تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التربوية والصحية مسؤولية التصدي لهذه المشكلة، وذلك من خلال تطوير برامج توعوية وتثقيف للمواطنين، حول خطورة ظاهرة الإدمان الرقمي التي اخذت بالانتشار مؤخرا.
ولا يقف الخطر عند حدود الإدمان الرقمي فحسب، بل يتعداه إلى ما يُعرف بالإنترنت العميق (Deep Web)، هذا الجزء المظلم والمجهول من الإنترنت هو ذو محتوى إجراميّ ومواد محظورة، قد تكون مدمرة للفرد والمجتمع على حد سواء، وإنّ الوصول إلى هذا الجزء من الويب قد يؤدي إلى انخراط في أنشطة إرهابية أو إجرامية خطيرة، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والسلامة العامة.
أسباب الإدمان الرقمي:للإدمان الرقمي العديد من الأسباب، يمكن ذكر أهمها انشغال الاهل في الاعمال اليومية بالمنزل وعدم متابعة الأطفال ومعرفة أين يقضون معظم وقتهم في حال وجود الاهل وفي حال خروجهم.
ومن الأسباب الأخرى تعوّد بعض الأمهات على إعطاء الأبناء الأجهزة اللوحية لإلهائهم والتفرغ للعمل المنزلي او الاختلاء من اجل تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، والحديث بالمجموعات العائلية، وتمضية الكثير من الوقت في الأحاديث التي تبتعد في العادة عن هموم تربية الأطفال وغيرها من شؤون الحياة، وفي هذا الخصوص يقول الإمام الصادق، عليه السلام، “أيّما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدَب على معصية فإن الله عز وجل أول ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم”.
فمن الضروري مراعاة عمر الطفل فلكل عمر سياسة تربوية خاصة فمدرسة أهل البيت، عليهم السلام، سبقت المدارس التربوية المعاصرة بالأخذ بمبدأ (التدرج) ومثال لذلك: يؤدب الطفل على الذكر لله إذا بلغ ثلاث سنين، يقول الإمام الباقر، عليه السلام: “إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرات: قل: لا الله إلا الله ثم يترك”.
ثم نتدرج مع الطفل فنبدأ بتأديبه على الصلاة يقول الامام علي، عليه السلام: “أدب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً بعد ذلك: يؤدب الصبي على الصوم”.
فأين أسرنا اليوم من توصيات وتعليمات اهل البيت عليهم السلام واتخاذها السراج الذي ينير طريقهم نحو بلوغ الهدف التربوي.
كيف نواجه ظاهرة الإدمان الرقمي؟ولمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة، لابد من اتخاذ إجراءات فعالة على المستويين الفردي والمجتمعي، فعلى الصعيد الفردي، يجب على الأفراد تطوير ضبط النفس والوعي بحدود استخدام التكنولوجيا، كتقليل وقت الشاشة، وتخصيص فترات راحة، والمشاركة في أنشطة بديلة صحية أمور ضرورية للسيطرة على الإدمان الرقمي، كما ينبغي على الأشخاص المتأثرين طلب المساعدة المهنية واتباع برامج علاجية للتغلب على هذه الحالة.
أما على المستوى المجتمعي، فتقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التربوية والصحية مسؤولية التصدي لهذه المشكلة، وذلك من خلال تطوير برامج توعوية وتثقيف للمواطنين، حول خطورة الإدمان الرقمي، كما ينبغي على هذه الجهات وضع سياسات وتشريعات تنظم استخدام التكنولوجيا والإنترنت، بالإضافة إلى تعزيز دور الأسرة في توجيه الأبناء والحد من الإدمان.
في ظل هذه التحديات الخطيرة، لا يمكننا تجاهل مشكلة الإدمان الرقمي فإن التصدّي لهذه الظاهرة يتطلب جهودا متكاملة على المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية، فقط من خلال هذا النهج الشامل يمكننا الحفاظ على صحتنا النفسية والاجتماعية في عصر الرقمنة المتسارع.
يجب أن تكون هناك جهود مجتمعية منسقة لإيجاد الحلول الناجعة، فعلى سبيل المثال، يمكن تعزيز دور المدارس في تنمية وعي الأجيال الناشئة، وتشجيع الأسر اعتماد أساليب تربوية تضبط استخدام التكنولوجيا.
لقد أضحى الإدمان الرقمي والإنترنت العميق، من أبرز التهديدات التي تواجهنا في العصر الحالي، فهذه المشكلة المتفاقمة تؤثر سلبا على الصحة العامة والأمن المجتمعي، وقد ترتب عليها انعكاسات اقتصادية وتنموية خطيرة، وبالتالي فلا بد من العمل بحزم وجدية لصيانة مجتمعنا من هذه المخاطر المحدقة، لنضمن مستقبلاً آمنًا وصحيًّا لأجيالنا القادمة.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي المجتمعي حول خطورة هذه المشكلة، فالأفراد والأسر بحاجة إلى المزيد من التوعية والتثقيف بشأن آثار الإدمان الرقمي واحتمالات الانزلاق نحو الإنترنت العميق، وعلى المؤسسات الرسمية أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الصدد، من خلال تطوير البرامج التوعويّة والتشريعات الرادعة.
كما يجب أن تكون هناك جهود مجتمعية منسقة لإيجاد الحلول الناجعة، فعلى سبيل المثال، يمكن تعزيز دور المدارس في تنمية وعي الأجيال الناشئة، وتشجيع الأسر اعتماد أساليب تربوية تضبط استخدام التكنولوجيا، هذا بالإضافة إلى تطوير خدمات علاجية واستشارية للمتأثرين بالإدمان الرقمي، ودعم البحث العلمي في هذا المجال.
مواجهة مشكلة الإدمان الرقمي تتطلب نهجا شاملا وجهودا متضافرة على جميع المستويات، فالتصدي لهذه التحديات الخطيرة هو واجب وطني وأخلاقي، من أجل صيانة مستقبل مجتمعاتنا وحماية أفرادها.
المعالجة على الصعيد التربوي والتعليمي، يجب ان تقوم المؤسسات التعليمية تضمين مناهجها برامج توعوية حول استخدام التكنولوجيا بطريقة آمنة وصحية، فتوعية الأجيال الناشئة وتزويدهم بالمهارات اللازمة لضبط استخدام الأجهزة الرقمية أمر بالغ الأهمية في مواجهة هذه المشكلة.
في هذا الإطار، تبرز أهمية دور الأسرة في توجيه أبنائها والحفاظ على توازن استخدام التقنيات الرقمية، فالآباء والأمهات مطالبون بوضع قواعد واضحة، وبممارسة الرقابة الفعالة على نشاطات أبنائهم عبر الإنترنت، كما يجب تشجيع الأسر على تخصيص أوقات للأنشطة البديلة خارج الشاشات، لتعزيز التواصل الأسري والتوازن في الحياة اليومية.
في نهاية المطاف إن مواجهة مشكلة الإدمان الرقمي، تتطلب نهجا شاملا وجهودا متضافرة على جميع المستويات، فالتصدي لهذه التحديات الخطيرة هو واجب وطني وأخلاقي، من أجل صيانة مستقبل مجتمعاتنا وحماية أفرادها، لقد آن الأوان لنتحرك بحزم وفاعلية لاستئصال هذا الخطر الماثل، والذي يهدد كيان المجتمع في عصر التكنولوجيا المتسارع.
*نقلاً عن الهدى