عاشوراء والأربعين

قراءة في توجيهات «المرجعية الدينية» بخصوص زيارة الأربعين

من يطالع توصيات المرجعية الدينية العليا يلاحظ مدى اهتمام سماحة السيد السيستاني "دام ظله" بالجوانب التربوية والأخلاقية للزيارة المليونية ويعتبرها محطة سنوية لتربية النفس وتهذيبها، كما يركز على روحية العمل والإخلاص فيه إلى الله خلال زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، فقيمة العمل لا تأتي بكثرته ولا مدى اتساعه أو تسليط الأضواء عليه و انما يقترن بنيِّة من يقدم هذا العمل، فمن كان عمله خالصاً إلى الله سيضاعفه على قدر إخلاصه فيه ومن كان عمله للناس فسيكون أجره على الناس ولن يتقبله الله منه

القيمة الحقيقية للعمل

وقد صرّحت المرجعية الدينية في توجيهاتها بخصوص زيارة الأربعين قائلة: " الله الله في الإخلاص فإنّ قيمة عمل الإنسان وبركته بمقدار إخلاصه لله تعالى ، فإنّ الله لا يتقبّل إلاّ ما خَلُص له وسلم عن طلب غيره، وقد ورد عن النبي (ص) في هجرة المسلمين إلى المدينة أنّ من هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إليه ومن هاجر إلى دنيا يصيبها كانت هجرته إليها"

وقد وردت آيات قرآنية مباركة تبين هذا المعنى ومنها قوله تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27

ووفق هذا المنطق القرآني فإن الله سبحانه وتعالى لا يتقبل من غير المتقي فالتقوى مقدمة وشرط يضعه القرآن الكريم للتعامل مع الإنسان، فلا يمكن لمن لا يتقي الله في سلوكه أن يقدم بعض الاموال ليرضى الله عنه {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6.

كما بيّنت التوجيهات المباركة : أن العمل الخالص لوجه الله " سيبقى مخلّداً مُباركاً في هذه الحياة وما بعدها"

كما تعتمد " مضاعفة أجر العاملين بحسب درجة الإخلاص فيه حتّى يبلغ سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء" .

"فعلى الزوار الإكثار من ذكر الله في مسيرتهم وتحرّي الإخلاص في كل خطوة وعمل"

تنزيه الشعائر عن الشوائب غير اللائقة

أما الجانب الآخر الذي تضمنته التوصيات فيتعلق بشخص الزائر وقيافته فقد حثّت المرجعية الدينية على العفاف والتستر في نص يتأصل من عمق القرآن الكريم والسيرة العطرة لأهل البيت الكرام (صلوات الله وسلامه عليهم) بما نصه

" الله الله في الستر والحجاب فإنّه من أهمّ ما اعتنى به أهل البيت (عليهم السلام) حتّى في أشدّ الظروف قساوة في يوم كربلاء فكانوا المثل الأعلى في ذلك، ولم يتأذّوا (عليهم السلام) بشيء من فعال أعدائهم بمثل ما تأذّوا به من هتك حُرَمهم بين الناس،

" فعلى الزوار جميعاً ولا سيّما المؤمنات مراعاة مقتضيات العفاف في تصرفاتهم وملابسهم ومظاهرهم والتجنب عن أي شيء يخدش ذلك من قبيل الألبسة الضيّقة والإختلاطات المذمومة والزينة المنهيّ عنها،

بل ينبغي مراعاة أقصى المراتب الميسورة في كل ذلك تنزيهاً لهذه الشعيرة المقدّسة عن الشوائب غير اللائقة"

الحكمة من الزيارة

وقد أشارات التوجيهات الدينية المباركة إلى الحكمة من زيارة هذه المشاهد المباركة للأئمة الأطهار للتعرف على سيرة المعصومين والاقتداء بنهجهم القويم ويذكرهم بالله تعالى كما جاء في نص التوجيهات

" ليكون ذلك تذكرة للناس بالله تعالى وتعاليمه وأحكامه"

والاقتداء بصالح العباد حيث " انّ الله سبحانه وتعالى جعل من عباده أنبياء و أوصياء ليكونوا أسوة وقدوة للناس وحجّة عليهم فيهتدوا بتعاليمهم ويقتدوا بأفعالهم ، حيث انهم كانوا المثل الأعلى في طاعته سبحانه والجهاد في سبيله والتضحية لأجل دينه القويم "

كمن عاشوا معهم

وقد بينت التوجيهات أننا يمكن أن نكون كمن عاشوا مع الأئمة لأن مواقفهم وأخلاقياتهم محفوظة ونستطيع ان نقتدي بها ونتواصل مع مراقدهم كما نتواصل معهم بشكل مباشر فهم شهداء والله سبحانه وتعالى يقول : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }البقرة154

فهم أحياء بمبادئهم وأخلاقياتهم وسيرتهم التي نستطيع أن نتخذها منهجاً في حياتنا ونسير على خطاهم

وقد أوضحت هذه التوجيهات  " إننا وإن لم ندرك محضر الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) لنتعلم منهم ونتربى على أيديهم إلاّ أنّ الله تعالى حفظ لنا تعاليمهم ومواقفهم"

" ليكونوا أمثالاً شاخصة لنا واختبر بذلك مدى صدقنا فيما نرجوه من الحضور معهم والإستجابة لتعاليمهم ومواعظهم ، كما اختبر الذين عاشوا معهم وحضروا عندهم ،

فلنحذر عن أن يكون رجاؤنا أمنية غير صادقة في حقيقتها ، ولنعلم أننا إذا كنّا كما أرادوه ( صلوات الله عليهم ) يرجى أن نحشر مع الذين شهدوا معهم،

 فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال في حرب الجمل : أنه ( قد حضرنا قوم لم يزالوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء )

فمن صدق في رجائه منّا لم يصعب عليه العمل بتعاليمهم والإقتداء بهم، فتزكّى بتزكيتهم وتأدب بآدابهم .

استذكار التضحية

ووفق هذه التوجيهات فإن من أولويات الزيارة الاربعينية هو استذكار تضحيات الإمام الحسين (عليه السلام) لنتعلم منها كيف يقف المجاهد وسط الميدان وإن تركه الناس وحيداً، مستمسكاً بكلمة الحق ومسافراً إلى الله تعالى، ومضحياً بكل ما يملك في سبيل عقيدته وإعلاء كلمة الحق ورفض الباطل وإن تجبّر وتفرعن الطغاة والفراعنة، وهذا من أهم الدروس التي تزودنا بها مدرسة كربلاء ولابد من استحضارها والتدبر فيها لتكون جزء من حياة كل فرد مسلم.

آداب الطريق

لا يخفى على كل متابع أن الطريق فيه الكثير من المتاعب التي لا يتعرض لها الانسان في كل يوم كونه يمشي لأيام وليالٍ طويلة مع الملايين من الناس من حوله، ولابد من التعرض لموقف هنا أو هناك فتشير المرجعية الدينية في توجيهاتها إلى "الاهتمام بمراعاة تعاليم الدين الحنيف "  مثل " الإصلاح والعفو والحلم والأدب وحرمات الطريق وسائر المعاني الفاضلة"

خطوة في سبيل تربية النفس

وقد اعتبرت التوجيهات ان المشاركة في هذه الزيارات المليونية سواء بالزيارة او خدمة الزائرين هي محطة في سبيل تربية النفس على تحمل المصاعب وتهذيبها لخدمة الناس كون الخدمة قيمة مهمة في المنظومة الاسلامية كما بينت الأحاديث النبوية المباركة ومنها (أمرني ربّي بمداراة الناس، كما أمرني بأداء الفرائض)، حتّى يكون الزائرين في سيرهم وسيرتهم في زيارتهم هذه وما بقي من حياتهم مثلاً لغيرهم

استمرار الأثر التربوي

وقد حثّت هذه التوجيهات على أهمية أن تشيع هذه الروح التعاونية والمُحِبة للآخرين والخادمة لهم طوال العام، ولا تقتصر بأيام الزيارة المحدودة ، فتكون هذه الزيارة نشاط عملي يستمر أثره حتى موعد الزيارة المقبلة فتمثل هذه الزيارات محطّات امداد اخلاقي وتربوي للمجتمع والحضور فيها بمثابة الحضور في مجالس التعليم والتربية لدى الإمام المعصوم.

قرينة قبول الاعمال

كما أفردت هذه التوجيهات قسماً خاصاً بالحث على الإلتزام بالصلاة معبرة إياها شرطاً في قبول الاعمال و مذكرة بالأحاديث النبوية المشرفة ومواقف الامام الحسين عليه السلام في كربلاء جاء فيها:

" فالله الله في الصلاة فإنها (كما جاء في الحديث الشريف) عمود الدين ومعراج المؤمنين إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغي الإلتزام بها في أول وقتها فإنّ أحبّ عباد الله تعالى إليه أسرعُهم استجابة للنداء إليها ، ولا ينبغي أن يتشاغل المؤمن عنها في اول وقتها بطاعةٍ أخرى فإنها أفضل الطاعات ، وقد ورد عنهم (ع) : ( لا تنال شفاعتنا مستخفّاً بالصلاة ).

" وقد جاء عن الإمام الحسين (ع) شدّة عنايته بالصلاة في يوم عاشوراء حتى إنّه قال لمن ذكرها في أول وقتها : (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين الذاكرين) فصلّى في ساحة القتال مع شدّة الرمي ."

دعوة خاتمة

وقد اختتمت التوجيهات للزائرين بالدعوة لهم بتقبل الأعمال بعد الدعاء للنبي وأهل بيته الكرام حيث ورد فيها :

" نسأل الله تعالى أن يزيد من رفعة مقام النبي المصطفى (ص) وأهل بيته الأطهار(ع) في الدنيا والآخرة بما ضحّوا في سبيله وجاهدوا بغية هداية خلقه ويضاعف صلاته عليهم كما صلّى على المصطفين من قبلهم لا سيما ابراهيم وآل ابراهيم ،

كما نسأله تعالى أن يبارك لزوار أبي عبد الله الحسين (ع) زيارتهم ويتقبلها بأفضل ما يتقبل به عمل عباده الصالحين حتّى يكونوا في سيرهم وسيرتهم في زيارتهم هذه وما بقي من حياتهم مثلاً لغيرهم

وأن يجزيهم عن أهل بيت نبيّهم (ع) خيراً لولائهم لهم واقتدائهم بسيرتهم وتبليغ رسالتهم عسى أن يُدعَوا بهم ( عليهم السلام ) في يوم القيامة حيث يدعى كل أناس بإمامهم

وأن يحشر الشهداء منهم في هذا السبيل مع الحسين (ع) وأصحابه بما بذلوه من نفوسهم وتحمّلوه من الظلم والاضطهاد لأجل ولائهم إنّه سميع مجيب .

2018/10/21
البعد الاجتماعي في زيارة الأربعين

كل ظاهرة دينية يمكن دراستها بلحاظ البعد الإيماني العَقدي مرة وبلحاظ البعد العملي التقنيني أخرى وبلحاظ تاريخي تحليلي ثالثة فهذه الأبعاد الثلاثة هي الرائجة في دراسة الأديان والظواهر الدينية؛ ولكن لكل من الدين وظواهره أبعاد ولحاظات أخرى لابد من إشباعها بحثا وتنقيبا بشكل ينسجم مع واقعها وعمقها ومن هذه الأبعاد بل في مقدمتها الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية والنفسية … وغيرها

و زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام باعتبارها ظاهرة دينية تكرارية – تتجدد في كل عام – لابد من دراستها بجميع أبعادها لأجل اقتطاف الثمرة المرجوة منها؛ لان السلوك دينيا كان أم غير ديني إذا لم يخضع للفكر سيكون عشوائيا ويذهب سدى دون فائدة تذكر لذا قيل: أصل السلوك فكرة

أضف إلى ذلك أن السلوك المستند إلى فكر رصين يكون المحرك والباعث عليه قناعة راسخة في ذهن الإنسان منشئها الفكر تولد التزاما وحرصا ودقة في مقام التطبيق

انطلاقا من ذلك سنسلط الضوء وبشكل مختصر على الأبعاد الاجتماعية لهذه الزيارة التي صارت بحق أكبر التجمعات الدينية في جميع أصقاع العالم وأكثرها تنوعا من حيث الانتماءات والقوميات إذ يمكن تلخيص تلك الأبعاد بعدة نقاط أهمها:

1- التلاقح الفكري:

إن التلاقح الفكري والتواصل المعرفي يعتبر احد أهم الركائز التي بنيت عليها الحضارات في شرق الأرض وغربها وسبب أساس في التعايش السلمي.

وزيارة الأربعين توفر فرصة لالتقاء شتى الحضارات الشرقية منها والغربية بما يكفل لكل زائر أو صاحب موكب أن يخرج بحصيلة معرفية ومبادئية متنوعة المصادر ففيها تجد الشرقي والغربي ومن شتى الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية في حالة من التوائم والتعايش تكفل تحقيق هذه الثمرة إن تم رعايتها بالشكل المطلوب.

أضف إلى ذلك أنها تمثل نقطة تلاق بين الشيعة أنفسهم ومن شتى بقاع العالم وبين مبادئهم الإنسانية التي تم اختصارها بنقطة تدعى ” طف كربلاء ”

2- تكريس ثقافة العمل التطوعي:

إن فكرة العمل التطوعي قد أسهمت في بناء الكثير من الدول الحديثة وتقدمها فما أحوج بلداننا إلى تفعيل هذه الثقافة.

وزيارة الأربعين بما لها من خلفية دينية عاطفية فكرية تملك من المحركية والباعثية على العمل التطوعي قدرا يفوق كل الإمكانات المؤسساتية العالمية في هذا المجال فعلى مدى آلاف الكيلو مترات ومن جميع الاتجاهات المؤدية إلى كربلاء ولعدة أيام تجد الشيبة والشباب؛ الرجال والنساء في حركة متواصلة يبذلون جهودا جبارة وأموالا طائلة عن قناعة وإخلاص دون أدنى تذمر أو إحباط ودون أي أجر مادي دنيوي في قبال ما يبذلونه

3- تكريس ثقافة التكافل الاجتماعي:

إن التكافل الاجتماعي قيمة إنسانية قبل أن تكون مبدءا دينيا فالشارع المقدس قننها وارشد إليها ولكن لم يكن مؤسسا في تشريعها؛ كما ويعد هذا المبدأ من أهم المبادئ التي تضمن للإنسان حد الكفاف على اقل التقادير بما يمنحه حياة كريمة بعيدة عن الذل والامتهان لذا أتصور أنها أهم مبدأ تفتقر له مجتمعاتنا اليوم.

وزيارة الأربعين عندما تجمع بين العمل التطوعي من جهة والعطاء المادي والروحي اللامحدود ودون مقابل من جهة أخرى بذلك تبلغ ذروة التكافل التي لم تبلغها المؤسسات الدولية فضلا عن غيرها؛ إذ من أهم السمات التي يكتسبها الانسان في زيارة الاربعين هي سمة العطاء الذي يورث بدوره خصالا اخلاقية وانسانية كثيرة من قبيل الكرم والجود والايثار وتغييب البخل والانانية والحب المفرط للذات

4- القضاء على التمييز العنصري وتكريس ثقافة المساواة والتواضع والتذكير بالاخوة الانسانية عامة والاسلامية خاصة:

التمييز العنصري على اساس اللون والعرق والجنسية والانتماء الفكري والديني يعد من ابرز اللعنات التي اصابت المجتمع البشري بصورة عامة شرقا وغربا حتى ان الدول الحديثة رغم تسارع عجلة التقدم والتطور فيها ورغم ما شرعته من قوانين للحيلولة دون هذا التمييز لا زالت نشرات الاخبار تطل علينا بين الفينة والاخرى باحداث مروعة من عنف مادي ومعنوي فيها بسبب العنصرية رغم التكتم الاعلامي الشديد.

ولكن زيارة الاربعين بما تستمده من الامام الحسين عليه السلام من قيم دينية ومبادئ انسانية ورصيد فكري رصين تمكنت من اذابة جميع الفوارق العنصرية بين الحشود المليونية الزاحفة الى كربلاء اذ تجد فيهم شتى الجنسيات والقوميات والاديان والاتجاهات الفكرية كما تجد الاسود والابيض وقد تساوى الجميع في ( الملبس، المطعم، المجلس، المنام، الخدمة ….الخ) بل يسير بعضهم الى جنب بعض في اجواء مشحونة بالاخوة والمحبة ونسيان الذات وكأنهم تخلوا عن جميع الفوارق وانتزع الغل من قلوبهم بمجرد ان وضعوا اقدامهم على طريق كربلاء حتى يبلغ ذلك ذروته عندما تجد ان هذه القوميات والاعراق والالوان كل منها يفتخر بان يكون خادما للآخر بروح ملئها المحبة والعطاء.

5- تمنح الفرد الكثير من القيم الانسانية التي تساعد في بناء مجتمع متماسك وتمنحه القدرة على الصمود بوجه كثير من المزالق ومن هذه القيم ( ترسيخ الإيمان، الحرية، العالة، الصبر ….)

6- تذكير المجتمع بالمبادئ الحسينية الإنسانية.

7- تعد فسحة للتعبير عن عاطفة ممزوجة بالفكر والتعقل مما يثمر نضوجا في المنهج الإيماني والإنساني على حد سواء.

وأخيرا لا يخفى أن زيارة الأربعين تكتنز قيما ومبادئ اجتماعية أخرى وسواء التي ذكرتها أو التي لم اذكرها كل واحدة منها تتطلب بحثا مفصلا على حدة لا يسعه المقام.

2018/10/17
إنسانية الحسين (ع): مواقف من الطف واحترام حقوق الآخرين

مما ذكرته المصادر التأريخية في وقائع ليلة عاشوراء ما جاء في المعجم الكبير للطبراني عن موسى ابن عمير عن ابيه قال: "امرني الحسين بن علي عليهما السلام فقال: نادِ في الناس ألا يقاتلنّ معي رجل عليه دين فانه ليس من رجل يموت عليه دين لا يدع له وفاء إلا دخل النار".

ومثله في مصادر أخرى نفس الرواية وردت في مصادر اخرى بنفس السياق لكن مع اختلاف في بعض الالفاظ، في نص آخر قام اليه رجل فقال ان امرأتي تكفلت عني فقال وما كفالة امرأة؟ وهل تقي امرأة يعني ليست لها امكانية ان تقضي عنك الدين.

وفي سير أعلام النبلاء أيضا ورد مثل هذه الرواية وفي احقاق الحق ايضا، هناك أيضا روايات اخرى في هذا السياق في سياق وقائع ليلة عاشوراء جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ دمشق عن الاسود ابن قيس العبدي قيل لمحمد ابن بشير الحضرمي وهذا من انصار الحسين (عليه السلام) "قد أسر ابنك في ثغر الري قال: عند الله احتسبه واحتسب نفسي ما كنت احب ان يُأسر ولا ان أبقى بعده فسمع قوله الحسين عليه السلام فقال رحمك الله انت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك، قال: اكلتني السباع حيا ان فارقتك قال فأعط ابنك هذه الأثواب والبرود يستعين بها في فكاك أخيه فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار".

من هذه الروايات سننطلق للحديث عن المشهد الانساني في عاشوراء من اجل ان نستجلي هذا المشهد. الحسين ع في سيرته بكربلاء وفي مجمل الاحداث التي حصلت منذ ان خرج من المدينة الى مكة الى ان وصل إليها، والى ما بعد الشهادة، نجد ان هناك اهتماما بالبعد الإنساني، وهذا هو الدرس المهم في هذه الروايات التي ذكرناها.

إنسانية الحسين (ع)

في الروايات آنفة الذكر، يقدم الامام الحسين عليه السلام مسألة اداء الدين على نصرته ، نصرة الإمام المعصوم  جهاد مقدس ، لكن الإمام الحسين ع يجعل اداء الدين مقدما على ذلك. وفي ذلك الموقف أب يُأسر ابنه مع ان المعركة مقدسة ومع ان الحسين ع في حاجة الى أنصار لكنه عليه السلام يبدي اهتماما بهذا البعد الانساني وتعاطفا مع هذا الاب الذي أسر ابنه، ويأذن له في الانصراف حتى يعمل لفكاك ابنه وحينما يصر الرجل على البقاء مع الحسين عليه السلام قدّم له المال الكافي واللازم حتى يعطيه لولده الاخر من اجل فكاك اسر اخيه.

وهذا مؤشر للبعد الانساني في ثورة الامام الحسين عليه السلام والذي يجب التركيز عليه، لأنه أصبح مغيّباً من فهم كثير من المتدينين ومن سلوك الكثير منهم، وأصبح سلوك كثير من المتدينين سلوكا جافا فيه، واهمال الانسان لهذا البعد فيه اهمالٌ لحقوق الانسان وللتعامل مع الاخرين تعاملا مناسبا.

احترام الحقوق

إن الامام الحسين عليه السلام ينطلق من الفهم الاصيل للدين الذي يتكون من بعدين: البعد الاول هو الايمان بالله وعبادته، أما البعد الثاني فهو الاهتمام بالناس ومراعاة حقوقهم ولا قيمة للبعد الاول اذا تجاهلنا البعد الثاني. لو ان انسانا كان مؤمنا بالله على المستوى العقدي وكان يقوم بالوظائف العبادية الشعائرية لكنه كان يسيء الى الناس ويتعدى على حقوق الاخرين كان جافا في تعامله مع عباد الله هل يمكن ان نعتبره متدينا حقيقيا؟ هل يمكن ان نعتبره قد التزم كما اراد الله؟ بالتأكيد كلا.

القرآن الكريم يذكرنا بالبعد الإنساني

والقران الكريم يتكلم بصراحة عن الشعائر الدينية واستقبال القبلة للصلاة وعلى أنه ليس هو الجانب الوحيد في الدين وانما هناك جوانب اخرى يقول الله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ على حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).البقرة 177.

فالآية تشير إلى البعد الإنساني بعد أن ذكرت اتجاه القبلة، وأكدت على البعد العقائدي الذي ينبثق عنه السلوك الإنساني.

وهذا البعد السلوكي يتمثل في الاهتمام بالضعفاء في صلة الاقرباء والارحام في حسن التعامل مع الناس هذا يعني ان الآية الكريمة تريد أن تقول لنا أن البر الحقيقي وأن الدين الحقيقي لا يتكامل الا بهذين البعدين: بعد الايمان بالله وبعد الاهتمام بعباد الله.

بل ان القران الكريم حينما يتحدث عن هدف رسالات الانبياء يؤكد على جانب التعامل بين الناس (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ)الحديد 25. أي ليقوم الناس بالعدل فيما بينهم لا يعتدي أحد على أحد ولا يجور أحد على حقوق احد، هذا هو هدف الرسالات السماوية والكتب الإلهية، فمن لم يهتم بهذا الامر يكون قد ضيع الهدف من الرسالات والاديان الإلهية.

وورد في الحديث عن رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وآله ما يؤكد هذه المعادلة وأنها من طرفين متوازيين مرتبطين ببعضيهما، فعنه صلى الله عليه وآله "خصلتان ليس فوقهما من البر شيء الايمان بالله والنفع لعباد الله ،وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء الشرك بالله والضر بعباد الله". ميزان الحكمة - ج ٢ - الصفحة ١٤٢٣

الفهم الخاطئ للدين

لماذا بعض المتدينين يتجاهل حقوق الناس؟! ولماذا يفسر هذا التجاهل وهذا العدوان ويبرره تبريرا دينيا وهذه أفظع اساءة للدين، أفظع اساءة للدين ان يصبح الدين تبريرا للظلم ان يصبح تبريرا للاعتداء على حقوق الاخرين. بعض المتدينين حتى حقوق الأقربين لا يراعيها حقوق زوجته حقوق ابنائه حقوق جيرانه حقوق أرحامه ويسوغ ذلك بمسوغات دينية، يسيئ لزوجته ويضربها يعتدي عليها يقول ان الدين قد شرع من حق الزوج لإلزام الزوجة بأداء الحقوق الزوجية، ومن حقه ان يضربها، ويفهم هذه الأمور وغيرها فهما خطأً سيئا يضعها في غير مواضعها، فيمارس هذا السلوك وباسم الدين، وهذا يسبب ردة فعل تجاه الدين وهو افتراء على الدين وتنفير الناس منه.

وقد رأينا قمة هذا الجفاف والتشدد عند الحركات المتطرفة المتحجرة وكلنا رأى ما فعلته عصابات داعش والقاعدة وطالبان حينما سيطروا على بعض المناطق وعلى بعض القطاعات البشرية، ماذا فعلوا من تشدد كيف أبرزوا امام الناس وامام العالم وكأن الدين دين قسوة دين غلظة وجفاف، وأنه دين قمع وتعدٍ على حقوق الانسان حتى مع الاقرباء.

مع اننا حينما نقرأ النص الديني نجد التأكيد على مكانة الانسان وكرامته. الله تعالى يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) الاسراء 70.

لاحظوا بني آدم ولم يقل المؤمنين ولم يقل المسلمين، والعلماء حينما يفسرون هذه الآية الكريمة يشيرون الى هذه الملاحظة، وأن مقتضى آدمية الانسان تقتضي له التكريم، والايمان يعطيه مرتبة أكثر ومرتبة أكبر، والنصوص الدينية تؤكد على هذا الجانب الانساني وعلى اهمية الانسان.

النبي صلى الله عليه وآله يقول: "ما شيء أكرم على الله من ابن آدم" ما شيء أكرم على الله من ابن آدم، وحينما نتحدث عن تكريم الانسان ومكانته عند الله كانسان من هو الانسان؟ الانسان بدءاً من زوجتك وابنائك من عمالك الذين يشتغلون عندك في البيت.. الخدم.. السائق، من موظفيك من جيرانك، اي واحد من الناس في محيطك الاجتماعي البشري، وهذا مصداق للإنسان حينما تريد ان تتعامل معه تذكر قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...).

إن الدين مع اهتمامه بالعبادات ومنها الصلاة، والتي توصف بأنها عمود الدين، لكنها تقطع اذا كان لإنقاذ حياة انسان تعرض للخطر، بل أن واجبه الشرعي ان يقطع صلاته ويذهب لإنقاذه، وكذا بالنسبة للصوم، الام اذا كانت حاملا والصوم يضر بها او بجنينها او كانت مرضعة وكان الصوم يؤثر على قوة حليبها فإن الشرع يأمرها ان تترك الصيام، فلا يجب عليها الصوم في مثل هذه الحالة، وهكذا الحج وهكذا مختلف العبادات.

ورد في الرواية عن الامام محمد الباقر عليه السلام "لئن أعول اهل بيت من المسلمين اسد جوعتهم واكسو عورتهم واكف وجوههم عن الناس احب اليّ من ان احج حجة وحجة وحجة ومثلها حتى بلغ عشرا ومثلها يعني عشرين وثلاثين حتى بلغ السبعين". الكافي ج4.

وهذا يعني ان كفالة بيت محتاج كفالة عائلة محتاجة الامام يراها افضل من سبعين حجة، والنصوص في هذا الاطار كثيرة ومتنوعة، ومن هنا فإن التدين الحقيقي يلزم الانسان اولا ان يراعي حقوق الناس، الزوجة تراعي حقوق زوجها الزوجة التي تهتم بالصلاة بالدعاء بالاستماع في المآتم عليها ان لا تقصر في حقوق زوجها الزوج عليه ان لا يقصر في حقوق زوجته، والاب ان لا يقصر في حقوق أبنائه، والجار مع جاره – أي: ايذاء –.

وقد ورد في الحديث (اذل الناس من أذل الناس) لا تهن احدا لا تذل احدا، احترام حقوق الناس واحترام الناس هذا من صميم الدين.


*تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي

2018/10/16
أطفالنا وأطفال الحسين (ع)

الى القائد الذي وضع خده على خد ولده ووضعه على خد عبد اسود، فلم يفرق بينهما. الى الغيور الذي رمى الماء من يده ولم يشرب منه وكبده كجمر الغضا من فرط العطش، حين قال له أحدهم أن حريمه قد هتكت". الى الرؤوم الذي بلغ أن قال لحصانه، وهو على ذلك الحال من العطش " أنت عطشان وأنا عطشان لا أشرب حتى تشرب". الى الابيّ الذي قال لجحافل اعدائه وهو وحيد " لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد". الى البطل الاسطوري الذي صرخ في مسامع التاريخ بأعظم "لا" قيلت لطاغية. الى المثال الاروع في المسامحة والصفح حيث يعفى عن الحر بن يزيد بعد ان جعجع بهم الطريق وكان السبب في دفعهم لمواجهة جيش جرار. الى المثال الذي لانظير له في الوفاء وفناء الاخ بأخيه. الى النموذج النسوي الخالد زينب، وهي تحمل ما ينوء به افذاذ الرجال. الى الاصحاب الذي ودّ واحدهم لو قطّع جسده الف مرة دون سيدهم. الى اطفال صغار بأعمارهم ولكنهم عمالقة بأفعالهم حين رفضوا الماء ترفعا وكبرياء. الى كل هذا المزيج من الخصال السامية والفضائل الفذة يسير السائرون حين يسيروا الى كربلاء، فكربلاء هي ثورة عبرت بأحداثها وجزئياتها عن حركة تمثل رسالة الهية ترسم للمجتمع الانساني صورته الفاضلة. وهذا ما يجعل علاقة الانسان بالطف علاقة استلهام وتشذيب للنفس وشدّ الى الافق العالي.

إن هذه الحقيقة، التي لا تنفك تتردد على السنة الواعظين المخلصين للإسلام والحسين عليه السلام والانسانية، والتي تجعل من الطف ثنائية مكونة من الشخوص والاحداث والمواقف من جهة والقيم والابعاد الاخلاقية والتربوية من جهة اخرى، هذه الحقيقة تشكل فيها مسألة الاجيال نقطة هامة للغاية، وهذه النقطة تقودنا الى فكرة لابد من الالتفات اليها بعناية وهي ان ما يتعلق بخلود الحسين عليه كذكرى عاطرة وشعائر تخلد الشخوص والاحداث والمواقف باقية بفعل يد غيبية تحفظ الرسالة الهية فتحفظ الثورة التي مثلتها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( الحجر9) ، فيبقى جانب الاستلهام وتفعيل قيم الطف على ارض الواقع بطبيعة الحال مهمة موكولة لاتباع اهل البيت عليهم السلام ممن ينتمون الى الحسين عليه السلام وحادثة كربلاء.

هؤلاء هم المسؤولون عن ديمومة التعلم والاستلهام من معاني الطف وما أبدعته من صور خالدة. فيجب ان تكون الشعائر الحسينية مدرسة للحاضر وللمستقبل ايضا، للجيل الحالي وللاجيال المتعاقبة على مدى التاريخ

ولا شك ان عملية الاتصال بالجيل القادم تنشأ من خلال الاطفال الذين سيشكلونه مع تقادم الايام، او الاطفال هم حلقة الوصل بين جيلين من اتباع اهل البيت ع، وعليه فإن عملية انتقال الاستلهام والاخذ بقيم كربلاء يجب ان تمر من الرجال البالغين الذين حملوا الحسين ع طقسا يؤدونه ومعنى يعيشونه في قلوبهم وسلوكهم الى الاطفال الذين يوصلونه الى رجال الجيل القادم كي يعيشوه طقسا ومعنى.

الطفل الحسيني حين نزجه في محافل عاشوراء فيقدم الخدمات ويبذل ما وسعه ان يبذله من خدمة الزائر ويحضر المجالس وينعى الامام الحسين عليه السلام، فيحفظ بذلك الطقوس والشعائر الى الجيل القادم، يجب ان نزرع فيه ايضا القيم والتربية الحسينية، فيحتفي سلوكه وروحه بالمعاني السامية التي عكستها ثورة الطف. يجب ـ في الوقت نفسه ـ ان نجعله يتشرب المفاهيم النبيلة التي جاءت هذه القيم لتخلدها في نفوس البشر.

ان اطفالنا، حين نتمكن من ان نجعلهم كأطفال الطف، بإبائهم وكرامتهم ونبلهم، حين رفضوا ما قدم اهل الكوفة لهم ـ وهم العطشى والجياع ـ وحين تحملوا قساوة السبي بكل قوة وايمان.

يجب ان نركز على الاطفال ونحن نعمل على اقامة الشعائر، إن نجعلهم طلابا حقيقين في مدرسة الطف، فمثلا يجب على الخطيب ان يخصص من أحاديثه شيئا موجها لهم.. كلام يمس الاطفال بأسلوب يفهمونه وبإرشاد يدلهم وينمي فيهم قيم الطف الفاضلة.. على الاب، وهو يحث ابناءه على الخدمة في المواكب وبذل الطعام والشراب، يجب ان يبيّن لهم لماذا هذا الثواب العظيم الذي وعد به الله الذين ينهضون بهذه الخدمة.

لو استطعنا ان نجعل اطفالنا يستلهمون هذا المثل الخالد من اطفال الحسين عليه السلام سيكونون حتما رجالا كرجال الطف، فتخلد بذلك معاني ثورة الحسين عليه السلام كشعلة لها تأثيرها في النفوس.    

2018/10/13
لهذه الأسباب نهض الإمام الحسين (ع)

قال الامام الحسين (عليه السلام) :(إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)([1]).

انطلاقا من الكلمات العظيمة التي صدح بها الحسين بن علي (عليهما السلام) نتحدث هنا في محورين:

المحور الأول: الأهداف الحسينية

المحور الثاني: دور الأمة اتجاه حركة الحسين عليه السلام

 

المحور الأول: الأهداف الحسينية

ما هي الأهداف التي رسمها الامام الحسين (عليه السلام) لثورته وحركته التغييرية؟

إن هناك مجموعة من الأهداف خطط لها ورسمها الامام الحسين (عليه السلام) بحركته وجهاده وتضحيته:

الهدف الأول: حفظ العزة للدين الاسلامي

رأى الحسين عليه السلام أن في بيعة يزيد ابن معاوية اذلالا للإسلام واذلالا للدين وقد عبر عن هذا الموقف بقوله (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله) ([2])، وعبر عن هذا الموقف بقوله: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) ([3]).

فقد كان الامام الحسين (عليه السلام) مجسدا لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)([4])، حفظ للدين عزته وللإيمان شموخه وللإسلام سموه وعلو شأنه برفضه بيعة يزيد بن معاوية مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال.

الهدف الثاني: تحريك ارادة الأمة

إن الأمة في زمن معاوية ماتت ارادتها وخمد ضميرها واستسلمت للواقع الأموي فأراد الحسين (عليه السلام) أن يعيد لها نشاطها وضميرها الذي قد خمد، وأن يحرك ارادتها نحو المطالبة بحقوقها، ولم يجد طريقا لتحريكها وبعثها من نومها ورقدتها إلا بإراقة دمه الطاهر، رأى أن دمه الطاهر هو أغلى دم في تلك الفترة وأنه اذا أريق هذا الدم سيتحرك ضمير الأمة وستتجدد أرادتها وستشعر الأمة بأنها أمة خانعة خاضعة لسياسة أموية باطشة، فكان كما خطط له الحسين ابن علي (عليهما السلام) حيث قال : (ألا وإنّي زاحفٌ بهذهِ الأُسرةِ معَ قِلَّةِ العددِ وخُذلةِ الناصر، ثمَّ أيْمُ اللهِ، لا تَلْبَثُونَ بعدَها إلاَّ كرَيْثِما يُركَبُ الفرَسُ، حتَّى تدورَ بكُمْ دَوْرَ الرَّحى وتقلقَ بكُمْ قلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عنْ جدِّي. فأَجْمِعُوا أمرَكُمْ وشُركاءَكُم، ثمَّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرون، إنّي توكَّلْتُ على اللهِ ربِّي وربِّكُمْ، ما منْ دابَّةٍ إلاّ هوَ آخذٌ بناصِيتِها، إنَّ ربّي على صراطٍ مستقيْم.)([5]).

وفعلا نرى أن الامام الحسين (عليه السلام) قُتل لكن الحركة تجددت في ارادة الأمة، فكانت حركة التوابين وكانت حركة المختار وكانت حركة زيد بن علي وكانت حركة الحسين ابن علي صاحب وقعة فخ، فتوالت الثورات والحركات امتدادا لصوت الحسين عليه السلام امتدادا لحركته وامتدادا لإرادته، فالحسين عليه السلام حقق هدفه من خلال دمه من خلال جهاده عندما حرك ضمير الأمة وبعث ارادتها من جديد.

الهدف الثالث: اعادة الدور الرسالي للمرأة المسلمة

المرأة المسلمة منذ عهد خديجة بنت خويلد ومنذ عهد فاطمة الزهراء عليها السلام انتهى دور المرأة المسلمة ولم يعد لها دور رسالي بارز على مستوى الأمة ومستوى يقظتها ومستوى رسالتها ومستوى وعيها، فأراد الحسين عليه السلام أن يعيد دور المرأة لكي تشارك في احياء الأمة الاسلامية فاصطحب النساء، وما اصطحب النساء لأجل بكاء أو مظلومية بل ليعيد للمرأة دورها الرسالي والحركي وموقعها في النهوض بالدين الاسلامي.

وفعلا كما خطط الحسين عليه السلام فإن زينب وأم كلثوم وسكينة عليهم السلام قمن بدور عظيم في دعم ثورة الحسين عليه السلام ، فلولا صوت زينب وبلاغتها ووعيها بالمسؤولية لماتت ثورة الحسين عليه السلام وخمدت حركته، ولكن العقيلة زينب عليها السلام بوعيها لأهداف الثورة وبلاغة منطقها وقوة حجتها وشموخها بتجسيدها لصبر أبيها المرتضى وارادة أمها الزهراء وعبادة جدها المصطفى صلوات الله عليهم فقد فضحت خطط الأمويين ومكائدهم وواجهتهم مواجهة علنية دامية الى أن حركت الضمائر وحركت الإرادة وقالت ليزيد بن معاوية : (أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وضيقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في أسار، نساق إليك سوقا في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا؟! وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك؟!! فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك([6]) .. حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ([7]) والأمور لديك متسقة([8]) وحين صفا لك ملكنا، وخلص لك سلطاننا، فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول الله عز وجل : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)([9]).... كد كيدك، واجهد جهدك فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتخاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يرحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المنادي ألا لعن الله الظالم العادي..)([10]).

الهدف الرابع: نشر مظلومية أهل البيت عليهم السلام

هنالك مجموعة من الروايات الواردة عن اهل البيت ع تؤكد ذلك، فالإمام الرضا ع يقول: (يا بن شبيب ، إن كنت باكيا لشيء ، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام).... إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء)[11].

والإمام الصادق ع يستقبل السيد الحميري لرثاء الامام الحسين ع ، كما استقبل الامام الرضا ع دعبل الخزاعي، وهذا التوجيه من اهل البيت ع في حث الأمة على البكاء على الحسين ع يحكي عن هدف من أهداف الامام الحسين ع ، فقد أراد الامام الحسين ع بيان ونشر مظلومية عترة رسول الله ص ، وأراد أن يبقى جرحه نازفا ويُذكر الأمة بمظلوميته جيلا بعد جيل ليكون محركا لهم ضد كل ظلم وطغيان.. وهذا المعنى المشار اليه في قول النبي ص المنقول عن الامام الصادق ع : (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا)([12]).

الهدف الخامس: حركة الاصلاح

هناك مشروعان متعاكسان: المشروع المحمدي والمشروع الأموي، وقد أدرك الامام الحسين ع أن عهد معاوية جسد المشروع الأموي بكل وضوح إذ حول - بفترة حكمه - من دولة محمدية الى دولة أموية، فقد حققت الدولة الأموية تغييرا فكريا وسلوكيا على مستوى الأمة، فأما التغيير الفكري فبمجرد تقصي الروايات المدسوسة والمختلقة نجد أن أغلبها قد وضعت في زمن الدولة الأموية.

فأغلب الأحاديث التي تجسد الله (سبحانه وتعالى) - إذ تقول رواياتهم الموضوعة أن لله يدا ورجلا وأنه ينزل كل ليلة جمعة - كلها نجدها قد وُضعت في زمن الدولة الأموية، وكذا الروايات التي تشوه صورة النبي ص ، من قبيل يبول واقفا، وحاول الانتحار ، وقتل عصماء... كل هذه الموضوعات في أيام الأمويين، كذلك فكرة عدول كل الصحابة، وكذا حرمة الخروج على السلطان الجائر...

 وأما على المستوى السلوكي فقد انتشرت الرشاوى لدى القضاة في أيام بني أمية، وكذا قتل الصحابة في أيامهم كقتل رشيد الهجري وكميل ابن زياد وحجر ابن عدي وأصحابه...

وقد أستُغل الضعفاء، وقدمت قريش على غيرها وقدم العرب على غيرهم، كل ذلك حدث في زمن بني أمية.

فالمشروع الأموي أراد محو المشروع المحمدي على المستوين الفكري والسلوكي، فواجه الامام الحسين عليه السلام هذا الانحراف بقوة وقد بين هذه المواجهة بقوله: (إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما؛ وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..)، وعليه فالإمام الحسين ع لو قيل له لن تقتل وستبقى آمنا؛ كان سيخرج على الدولة الأموية، بل حتى لو لم يحصل على أنصار كان سيخرج على كل حال، لأن له هدفا ساميا وهو مواجهة المشروع الأموي مهما كلفت الظروف لإحياء المشروع المحمدي.

المحور الثاني: دور الأمة اتجاه حركة الحسين عليه السلام

هناك عدة أدوار تقع على عاتق الأمة تجاه حركة الإمام الحسين عليه السلام:

الأول: الدور الإعلامي

مازال الدور الاعلامي تجاه حركة الامام الحسين عليه السلام دورا عاطفيا على مستوى الفضائيات والشعائر والاحتفالات. فهي تحقق دورا عاطفيا، نعم نحن بحاجة لهذا الدور والى زخمه وآثاره، ولكننا نتطلع الى تحقق بقية الأدوار كالفكر والأهداف ومثل الحسين ع ، فنحن معنيون بأن نحول الفكر الحسيني الى فكر جامعي يغزو جامعات العالم، نحول الفكر الحسيني الى مبادئ تُدرس في الجامعات، والى شعارات انسانية يهتف بها الجميع، فالحسين ع مصلح انساني ورائد حركة تغييرية انسانية، فلا نخنق هذا الفكر العظيم في الاطار المذهبي، فالحسين ع لكل الانسانية فلابد أن نبرز الفكر الحسيني لجميع البشرية، يوجد من المؤمنين مَنْ يملك الأموال والعقول والمؤسسات.. ولهم القدرة على تحويل الفكر الحسيني الى دروس انسانية تُدرس في جامعات العالم بنشرهم ذلك بمختلف اللغات والثقافات والوسائل.. حتى يصل صوت الحسين ع الى جميع أحرار العالم.

الثاني: الدور التربوي

لابد أن نربي أبنائنا على المثل الحسينية، فالحسين ع جسد الاسلام تجسيدا عمليا فلابد ان نربي أجيالنا على صبر الحسين عليه السلام وعطائه وتضحيته... ليفهموا الاسلام فهما عمليا تطبيقيا ينسجم مع المنهج الحسيني والأهداف الحسينية.

الثالث: الدور السلوكي:

إن الحسين عليه السلام قدم وأعطى لمبادئ الاسلام وقيمه ما قدم، فماذا قدمنا نحن؟

علينا أن نبذل كما علمنا الحسين ع البذل من أجل المبادئ علينا ان نقدم كما علمنا الحسين عليه السلام، بذل الجهد والأموال والوقت.... في كل مشروع ديني وثقافي واجتماعي وخيري، ككفالة الأيتام ومساعدة الفقراء... كل ذلك يصب في أهداف الحسين عليه السلام.

الرابع: تعليم ثقافة الانتظار

نحن نعلم أن حركة الامام المهدي ع هي امتداد لحركة الامام الحسين ع ، لذا فالإمام المهدي ع وقت ظهوره يرفع راية كتب عليها يا لثارات الحسين ع ، فما هي ثارات الحسين ع ؟

إن ثارات الحسين ع هي تحقيق أهداف الحسين ع ومبادئه، ففي الزيارة (السلام عليك يا ثار الله وابن ثأره) ثار الله أي تحقيق مبادئ السماء، ليس ثأر الامام الحسين ع ثأرا انتقاميا أو عشائريا أو دمويا؛ بل هو عبارة عن تطبيق مبادئ السماء الكامنة في المشروع المحمدي في جميع أرجاء المعمورة.

*تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي


[1] بحار الأنوار: ج44 ص329 .

[2] بحار الأنوار: ج44 ص325 .

[3] كتاب اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص59 .

[4] المنافقين: 8 .

[5] كتاب اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص59 .

[6] نظر في عطفه: أي أخذه العجب .

[7] مستوسقة: أي مجتمعة .

[8] متسقة: أي مستوية .

[9] آل عمران: 178 .

[10] كتاب الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص35 .

[11] أمالي الصدوق: 190 .

[12] مستدرك الوسائل: ج10 ص318 .

2018/10/10
في القصيدة وغيرها.. كربلاء مشهد درامي بلا بعدها الفكري والفلسفي

إن أعظم معطيات الطف هي انها جعلت هناك إسلاما جوهريا يسمو في نقائه وأصالته وقد حصنته ـ على مدى الزمن ـ كربلاء من أي عبث، وآخر ظاهر ما برحت أيادي العابثين تشكله على الهيئة التي تقتضيها مصالحهم واغراضهم، وكمثال فإن عالم الآثار الانجليزي وليام لوفتس حين يقول "لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة". وأشباهه من أفذاذ الشخصيات الفكرية في العالم، من الذين تعرفوا على الامام الحسين عليه السلام، لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يصدقوا ان الاسلام، الذي سعت قوى الشر اليوم ان تصوره في نموذج الجهاد السلفي "داعش" بكل ما في ذلك النموذج من انحطاط انساني واخلاقي، هو نفسه الاسلام الذي استشهد في سبيله الحسين عليه السلام.

من هذه النقطة المفصلية في عملية الحفاظ على رسالة خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله، انطلق ائمة اهل البيت عليهم السلام في جهودهم المقدسة في الحث على تنشيط الشعائر الحسينية وديمومتها، بعد أن ارادوا لهذه الشعائر ان تكون قناة اعلامية تنهض بأعباء التذكير والتخليد لواقعة كربلاء بكل محتواها المأساوي وبعدها الفكري الفذ، لتظل الشعائر الخط الملتهب الذي يمتد بموازاة خط الزمن ويؤجج في الاجيال قول الامام الحسين عليه السلام "انما خرجت طلبا للاصلاح في أمة جدي" التي رسم من خلاله فلسفة ثورته.. أرادوا ع الشعائر قناة اعلامية تحفظ للدم الحسيني الزكي تألقه الفذ فتحفظ الاسلام الحق الذي أهرق في سبيله ذلك الدم.

وعليه فإن الخطاب الاعلامي الذي على الشعائر التزامه، لابد فيه من تلازم جانب المأساة وجانب الفكر الاسلامي معا، حيث أن معركة الحسين عليه السلام ويزيد هي معركة القيم الاسلامية التي جسدها الامام الحسين عليه السلام وجسده النبي الامين صلى الله عليه وآله والقيم الجاهلية التي عمل يزيد وابوه على انبعاثها من جديد في زي اسلامي. بل ان على الخطاب الاعلامي للشعائر ان يظهر القيم الاسلامية من خلال عرض المأساة، تماما كما أراد الحسين عليه السلام وخطط له في ثورته المقدسة، فجعل الاطياف المأساوية التي ضجت بها ملحمة عاشوراء من ذبح وعطش وسبي النساء وصولا الى نحر الطفل الرضيع.. جعلها الامام الحسين  مفردات صارخة تُفهم العالم كيف داس الامويون قيم الانسانية التي جسدها الإسلام.

إن مأساة كربلاء بلا بعدها الفكري والفلسفي لن تعدو أكثر من مشهد درامي يمكن ان يتكرر، او هو قد تكرر بالفعل، في شخوص اخرين على مر التاريخ، ولكنها بفلسفتها الاساس "الاصلاح" نموذج فريد يعنى بعموم المجتمع البشري بكل شرائحه وأطيافه، أي أن الخطاب الحسيني موجه الى أطياف الناس كافة لان المقصود هنا بالإصلاح هو اصلاح الانسان لإنسانيته.

وهذا ما يجعلنا ننتهي الى حقيقة هامة وهي أن كل الناهضين بالشعائر الحسينية هم اعلاميون في قناة الطف، يجسدون المأساة ومنها ينطلقون الى المعاني السامية الكامنة فيها، وهذه الحقيقة توصلنا الى سؤال هام لا يمكن اغفاله وهو أن "هل كل الناهضين بالشعائر الحسينية بمستوى الخطاب الحسيني ومطالبه العميقة؟"      

إن ما ذكرناه من كون الخطاب الحسيني موجه لكل شرائح المجتمع يجعلنا ننحو بالجواب الى ضرورة جعل الخطاب على مستويات عدة، فالعالم المفكر يتناول المأساة وما هو كامن فيها من عمق فكري، محولا إياها الى طرح فكري عال وموجه الى النخبة المثقفة، والخطيب الذي يضطلع بنفس المهمة ولكن بمستوى اقل حتى يصل الدور الى القصيدة الحسينية، الذي لن نجانب الحقيقة اذا ما قلنا ان اذاعتها عن طريق الرادود، هي الفعالية الاكثر التحاما بالعامة. مما يعني ان على صاحب القصيدة مسؤولية كبرى في إيصال البعد الفكري والقيمي لعموم الناس بالمستوى الذي يفهمونه وبالأسلوب المحبب الى نفوسهم، وكل ماعدا هذا الدور من تعبيرات غير لائقة او تصويرات تخدش مقامات الحسين عليه السلام ومن كان حوله في الطف من نماذج مقدسة او معان فارغة او غير ذلك.. كلها إخلال بالمسؤولية التي توجبها طبيعة الشعائر الحسينية

إن كل فعاليات الشعائر الحسينية يجب ان تكون ادوات لبث الثقافة والتوعية، وعلى القصيدة الحسينية على الخصوص أن تكون نشيدا ملحميا يلهب النفوس ويبث فيهم القيم العاطرة التي عبرت عنها كربلاء.. أن تعدل القصيدة الحسينية واقع المجتمع الى الصورة الصحيحة لا أن تنتج القصيدة وقراءتها من واقع المجتمع القاصر والمعبأ بما هو سلبي لتشكل الشعيرة بعد ذلك وفق ذلك الواقع. 

2018/10/09
هل يعذّب الميت ببكاء أهله؟!

روى البخاري ومسلم حديث: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، وبصـرف النظر عن الفصيلات، فقد أجمعوا على أنه محمول على البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد الدمع وحمله عامة أهل العلم على ما إذا أوصى بذلك، وأما من بكوا عليه وناحوا من غير وصية فلا لقوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ([1]) وعلى الحديث جملة من المناقشات والنقود نجملها في نقاط كالآتي:

اولاً: الاختلاف في نقل الحديث ورد عائشة له:

ثمة أمران يدخلان تحت هذا النقد:

اولاً: رفض عائشة للحديث برواية عمر وابنه عبد الله، وثانياً: لعائشة رواية أخرى، وهذا يؤسس عنوانا جديداً "اختلاف لفظ الحديث".

وقد عبرتْ عائشة عن ذلك بأكثر من عبارة ولها أكثر من لفظ في هذا السياق، ففي أحدها تقول: ان عبد الله بن عمر راوي الحديث وهلَ ـ كما في البخاري ـ او نسـي او اخطأ وان اللفظ الصحيح "إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ".

وفي تعبير آخر تقول: إنّ الصحيح هو: "إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا" وان عمر وابنه قد اخطئا السمع وليسا بكاذبين او مكذّبَين.

وفي ثالث ترى أنّ ابن عمر: "سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ، إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ، وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ تَبْكُونَ، وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ".

وغير ذلك كله تفيد أيضاً: "إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» كل ذلك في مسلم"([2]).

ثانياً: مخالفة الحديث للفطرة والعقل والقران:

أما مخالفته للفطرة، فواضح بعد الالتفات إلى أنّ البكاء ظاهرة فطرية في الإنسان كما مرّ عليك، مضطر إليه ومجبول عليه عند حدوث أسبابه كفقد عزيز عليه، ولا شك أنّ أحكام الإسلام لا تتعارض بحال مع فطرة!  "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"([3]).

وأما مخالفته للعقل، فلمنافته للعدل الإلهي فما هو ذنب الميت ليعذب بفعل غيره وهو بكاء اهله؟! وفي هذا السياق يقول المفيد (توفي سنة: 413 هـ ): "إن هذا جور لا يجوز في عدل الله تعالى وحكمته، وإنما الخبر فيه أن النبي 9 مر بيهودي قد مات وأهله يبكون عليه، فقال إنهم يبكون عليه وإنه ليعذب ولم يقل إنه معذب من أجل بكائهم عليه. وهذا مذهب أهل العدل كافة ويخالف فيه أهل القدر والإجبار"([4]).

ومخالفته للقرآن حتمية، فإنّه يقرر أنّ "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" ([5]) وأنّ الوزر لا يتحمله إلا وازره: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى".([6])

 وقضية أنّ الانسان لا يؤاخذ إلا بذنبه  مسلّمة قرآنية: )وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(([7])  ودفع هذه المعارضة بـما إذا كان البكاء بصوت أو إذا أوصى الميت بذلك لا دليل عليه ولا ترتفع به المعارضة بين الحديث وبين آيات الكتاب العزيز.

التوجيه المقبول للحديث

لم يرد حديث: "إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" إلا عن طريق عبد الله بن عمر وأبوه ، وهو مخالف لما تواتر عن أهل البيت الذين حصـر تلقي الدين ومعارفه بهم، وهذه في الحقيقة قادحٌ آخر للحديث، بيد أنّا هنا نقبله لكن لا برواية عبد الله بن عمر، بل بما مرّ عن عائشة من أنّ ثمة خطأ او نسيان وقع في سماعه عن النبي الاكرم (9) وان الصيغة الصحيحة له "إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ".

 او غيرها من الصيغ التي تؤدي نفس هذا المعنى، أكّد المفيد ذلك بقوله أعلاه: وإنما الخبر فيه أن النبي صلى الله عليه وآله مر بيهودي قد مات وأهله يبكون عليه، فقال إنهم يبكون عليه وإنه ليعذب ولم يقل إنه معذب من أجل بكائهم عليه ([8]).


 

([1]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، ص 565، تأليف: أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي - توفي 1231 هـ، تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان،  الطبعة الأولى 1418هـ - 1997م.

([2]) روى مسلم والبخاري  القصة الكاملة والمطولة للحديث ، يمكن مراجعتها في مسلم:22 - (928).

([3]) الروم: 30.

 ([4])أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص: 125.

([5]) المدثر: 38.

([6]) الأنعام: 164.

([7]) الجاثية: 22.

([8]) المفيد – المصدر السابق.

2018/10/08
رؤية السيد «السيستاني» للمنبر الحسيني ووصاياه للخطباء

ينظر السيد السيستاني (دام ظله) الى (المنبر الحسيني) كوسيلة تغييرية مهمة وأداة إعلامية وتربوية يُمكن من خلالها الرُقي بالمجتمع وإصلاح مشاكله التي يعاني منها في كل عصر، وهو وسيلة مهمة لتربية الفرد المسلم على الفضيلة والورع والقيم المُثلى وغرس الحكمة في قلوب المؤمنين،

 فالمنبر الحسيني امتداد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ودوره ووظيفته تتمحور حول الحفاظ على الدين وتبليغه الى الناس وترسيخه في نفوسهم وتربية الأجيال عليه، وإن أبرز أدواره في العصر الحاضر هو التصدي لدفع الشبهات المطروحة في مقابل الدين، خصوصاً تلك المنتشرة بين أفراد المجتمع والتي تساهم في تضليلهم وزيادة الصراعات بينهم، والابتعاد عن إثارة الشبهات المغمورة التي لا يعلم بها عامة الناس.

كتاب الله وعتره نبيه

يرى السيد السيستاني (دام ظله) أن المنبر أولى من غيره في بيان المعارف والعلوم القرآنية وتبيانها الى الناس للاستفادة من العِبر الواردة فيه، فالقرآن الكريم ومعارف أهل البيت (عليهما السلام) هما الثقلان اللذان أوصى النبي بهما ( معاً ) وهما لن يفترقا أبدا، إذ لا بد من الاستفادة من معين علوم أهل البيت (سلام الله عليهم)المأثور عنهم بالطرق المعتبرة والمصادر الموثوقة، وقد ورد عنهم (سلام الله عليهم) ((إِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ‏ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا)) ويشتمل محاسن كلامهم على منظومة فكرية متكاملة متنوعة المضمون كالقرآن الكريم، ففيها من روائع الحِكَم ومعالم الاخلاق وإثارة دفائن العقول ودفع الشبهات ما يُنير الانسان المسلم ويجعله واثقاً بعقيدته ودينه، وذلك هو مقتضى كونهم الثقل الثاني للقرآن بصريح حديث الثقلين وغيره.

محطة التقاء

كما يعتقد سماحة السيد المرجع (دام ظله) بوجوب ان يكون (المنبر الحسيني) محطة التقاء النفوس والعقول ويعمل على التقريب بين افراد المجتمع الحسيني ولا يثير النزاعات بين أفراده بطرح الخلافات الفكرية والشعائرية مما يؤدي الى انحيازه لفئة دون أخرى مما يثير الفوضى الاجتماعية ويؤجج الانقسام بين المؤمنين.

«مشكلة من دون حل» هي مشكلة أخرى

و يعتبر السيد السيستاني (دام ظله) إن طرح المشكلة من دون حل يثير الجدل في المجتمع ويزيد من مشاكل المجتمع وهو بعيد عن دوره الإصلاحي، لذلك فإنه يتأمل من رواد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من أهل الخبرة الاجتماعية والمتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع في تحديد الحلول الناجعة للمشاكل الاجتماعية المختلفة ليكون عرض المشكلة مشفوعة بالحل ليكون عرضها على المنبر عرضاً تغييريا ينقل المنبر من حالة الجمود الى حالة التفاعل والريادة والقيادة في اصلاح المجتمعات وتهذيبها.

الخطيب الحسيني

أما مواصفات الخطيب الحسيني فقد ورد في توصيات سماحته للخطباء بعض النقاط نذكر منها

1- ان يكون الخطيب مواكبا لثقافة زمانه، وهذا يعني استقراء الشبهات العقائدية المثارة بكل سنة بحسبها واستقراء السلوكيات المتغيرة في كل مجتمع وفي كل فترة تمر على المؤمنين، فان مواكبة ما يستجد من فكر او سلوك او ثقافة تجعل الالتفاف حول منبر الحسين (عليه السلام) حياً جديداً ذا تأثير وفاعلية كبيرة.

2- أن ينوِّع الخطيب في اطروحاته  فان المجتمع يحتاج الى موضوعات روحية وتربوية وتاريخية وهذا يقتضي ان يكون الخطيب متوفرا على مجموعة من الموضوعات المتنوعة في الحقول المتعددة تغطي بعض حاجة المسترشدين من المستمعين وغيرهم.

3- أن يتحرى الخطيب الدقة في ذكر الآيات القرآنية أو نقل الروايات الشريفة من الكتب المعتبرة أو رواية القصص التاريخية الثابتة حيث أن عدم التدقيق في مصادر الروايات أو القصص المطروحة يفقد الثقة بمكانة المنبر الحسيني في أذهان المستمعين.

4- ان يترفَّع خطيب المنبر عن الاستعانة بالأحلام والقصص الخيالية التي تسيء الى سمعة (المنبر الحسيني) وتظهره وكأنه وسيلة إعلامية هزيلة لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين.

5- أن يهتم الخطيب بما يطرحه من موضوعات من حيث ترتيب الموضوع وتبويبه وعرضه ببيان سلس واضح واختيار العبارات والاساليب الجذابة لنفوس وعقول المستمعين ، فان بذل الجهد الكبير من الخطيب في إعداد الموضوعات وترتيبها وعرضها بالبيان الجذاب سيسهم في تفاعل المستمعين مع (المنبر الحسيني) .

6- أن يختار خطيب المنبر المواضيع التي تشكل جاذبية لجميع الشعوب على اختلاف أديانهم ومشاربهم الفكرية والاجتماعية انتهاجا لما ورد عنهم (عليهم السلام) (إنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)، ومحاسن كلامهم هو تراثهم الذي يتحدث عن القيم الانسانية التي تنجذب اليها كل الشعوب بمختلف توجهاتها الثقافية والدينية مع أن تراث اهل البيت (عليهم السلام) كله عظيم وجميل ولكن مهارة الخطيب وابداعه يبرز باختيار المواضيع التي يتفاعل معها الناس في عصره.

7- يحث سماحة السيد السيستاني ( دام ظله) خطباء المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من اهل الخبرة والتخصص في المواضيع العلمية التي يطرحونها.

8- ان يتسامى الخطيب الحسيني عن الخوض في الخلافات الشيعية سواء في مجال الفكر او مجال الشعائر فان الخوض في هذه الخلافات يوجب اثارة فوضى اجتماعية او تأجيج الانقسام بين المؤمنين.

9- أن يهتم الخطيب بالمسائل الفقهية الابتلائية (التي يعيشها الفرد اليوم في تعاملاته) في مجال (العبادات والمعاملات) من خلال عرضها باسلوب شيق واضح يُشعِر المستمع بمعايشة المنبر الحسيني لواقعه وقضاياه المختلفة.

10- أن يُركِّز الخطيب على أهمية المرجعية والحوزة العلمية والقاعدة العلمائية التي هي سر قوة المذهب الإمامي ورمز عظمته وشموخ كيانه وبنيانه.

هذه النظرة العميقة (للمنبر الحسيني) وردت في عدة توصيات من قبل المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلّغين في شهر المحرّم الحرام لعام 1438 هـ وأكدت عليها في لعام 1440هـ، لتجعل من (المنبر الحسيني) وسيلة مهمة في إكمال ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وتحقيق أهدافه في إصلاح أمة جده (صلوات الله وسلامه عليه) في كل زمان.


*نقلاً عن كتابات

2018/10/07
2018/10/01
هذا هو واقع «الكوفيين» وقت معركة الطف

في حديث طويل سأل سدير الإمام الصادق عليه السلام: وكم محبوكم -ويقصد أهل الكوفة- يا ابن رسول الله؟ فقال: على ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية، ولم يحبونا في السر، وطبقة يحبوننا في السر ولم يحبونا في العلانية وطبقة يحبوننا في السر والعلانية، هم النمط الاعلى، شربوا من العذب الفرات وعلموا تأويل الكتاب، وفصل الخطاب، وسبب الاسباب، فهم النمط الاعلى الفقر والفاقة وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا، فمن بين مجروح ومذبوح، متفرقين في كل بلاد قاصية بهم يشفى الله السقيم ويغني العديم، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، وبهم ترزقون، وهم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا وخطرا.

والطبقة الثانية النمط الاسفل أحبونا في العلانية، وساروا بسيرة الملوك، فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا.

والطبقة الثالثة النمط الاوسط أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ولعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار، القوامون باليل، ترى أثر الرهبانية في وجوههم، أهل سلم وانقياد...الحديث.

واستناداً الى هذه الرواية يمكن تقسيم محبي أهل البيت في الكوفة الى ثلاثة طوائف:

الطائفة الأولى: الأشخاص الذين كانت قلوبهم مع اهل البيت عليهم السلام، وكانوا يدافعون من الناحية العملية ايضاً عن مبادئ هذه الأسرة، ولكن عددهم كان ضئيلاً.

الطائفة الثانية: الأشخاص الذين كانوا يحبون أهل البيت عليهم السلام قلباً، ولكنهم لم يكونوا يجرؤون على الدفاع عن مبادئهم، وكان عددهم أكثر من الطائفة الأولى، وأقل من الطائفة الثالثة.

الطائفة الثالثة: الأشخاص الذين كانوا يُظهرون ولائهم لأهل البيت عليهم السلام من اجل مصالحهم السياسية والاقتصادية يتبعون من يؤمن لهم مصالحهم، ولذلك فقد بايعوا مسلماً في ظل الأجواء التي أحسوا بها بغلبة الحسين عليه السلام، لكنهم انضموا الى بني أمية عندما أدركوا أن تعاونهم مع الأمام الحسين عليه السلام يشكل خطراً عليهم.

اقول: بالنظر لصفات المجموعات الثلاث تمثل المجموعة الثانية غالبية اهل الكوفة في عهد حكومة الأمام علي عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام، وذلك بدليل أنهم الذين كان الأمام علي يشكو منهم بشكل متواصل في آخر حكمه، حيث كان يقول: يا أشباه الرجال ولا رجال. ويقول منيت بمن لا يطيع. ويقول: لا غناء في كثرة عددكم. ويقول: لبئس حشاش النار انتم. هيهات أن أطلع بكم أسرار العدل. ولا يخفى انه عليه السلام كان يخاطب جمهور اهل الكوفة.

والدليل الأوضح تصريح الأمام الحسن عليه السلام في بعض الروايات عند بيان حكمة صلحه مع معاوية، وهو يصف اهل الكوفة قائلاً: يقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا!

ويقول الفرزدق في وصف هذه الطائفة من محبي اهل البيت عليهم السلام عند لقائه الأمام الحسين عليه السلام: القلوب معك والسيوف مع بني أمية. والملاحظة الملفتة للنظر في وصف المجموعة الثانية من محبي أهل البيت عليهم السلام هي السنتهم معنا وسيوفهم علينا، ولكن جاء في كلام الفرزدق والآخرين أن القلوب مع اهل البيت والسيوف ضدهم. والحقيقة أن القلوب لو كانت مع اهل البيت عليهم السلام، لما أمكن للسيوف ان تكون ضدهم. وتظهر المناهضة العملية لهذه الطائفة لأهل البيت عليهم السلام في ان ولائهم لهذه الأسرة لم يكن يتجاوز اللسان.

2018/09/26
2018/09/24
2018/09/19
2018/09/18
2018/09/18
تعرّف على 4 أدلة لجواز البكاء على الميت

في هذا المطلب تضيق دائرة البحث، فالمطلب السابق كان يهتم بظاهرة البكاء بشكل عام بصـرف النظر عن أسبابه وموارده ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يأخذ وجهة نظر فئة محددة من الناس، أما في هذا المطلب فتخصص الموضوع أكثر وتضيق لأمرين:

فأولاً: نفس الموضوع المبحوث عنه، فبعد أن كان البكاء تكون البكاء على الميت لا عموم البكاء.

وثانياً: أخذ منظور جماعة محددة من البشـر أعني موقف خصوص المسلمين من البكاء على الميت.

وبذلك يكون السؤال الذي يسعى هذا المطلب لجوابه هو: ما موقف المسلمين من البكاء على الميت؟

أـ موقف المذاهب الاربعة

اتفق العامة بمذاهبهم الفقهية الأربعة على جواز البكاء على الميت لكن دون صوت فيما اختلفوا فيما كان بصوت فذهبت المالكية والحنفية للتحريم بينما ذهبت الشافعية والحنابلة للتحليل.

في مبحث البكاء على الميت، يقول الجزيري (المتوفى: 1360هـ): "يحرم البكاء على الميت برفع الصوت والصياح، عند المالكية، والحنفية، وقال الشافعية، والحنابلة: إنه مباح، أما هطل الدموع بدون صياح فإنه مباح باتفاق".

وكذلك لا يجوز الندب؛ وهو عد محاسن الميت بنحو قوله: واجملاه، واسنداه، ونحو ذلك، ومنه ما تفعله النائحة "المعددة" كما لا يجوز صبغ الوجوه، ولطم الخدود، وشق الجيوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري؛ ومسلم.

هذا ولا يعذب الميت ببكاء أهله المحرم عليه، إلا إذا أوصى به، وإذا علم أنه أهله سيبكون عليه بعد الموت، وظن أنهم لو أوصاهم بتركه امتثلوا ونفذوا وصيته، وجب عليه أن يوصيهم بتركه، وإذا لم يوص عذب ببكائهم عليه بعد الموت"([1]).

ب ـ موقف اهل البيت

ما قاله الشافعية والحنابلة وإن كان هو الاقرب لرأي اهل البيت: اذا ما قيس برأي المالكية والحنفية من جهة الحكم بالإباحة بيد أنّهم يحرمون ما زاد على البكاء من نياحة او صياح وما اشبه الأمر الذي لا دليل على حرمته، بل الدليل ناهض على إباحته، وإليك أدلة الإباحة:

أدلة جواز البكاء على الميت

الأول: الأصل فإن كل ما لم يقم دليل على حرمته في الشـريعة المقدسة فهو محكوم بالحلية ولم يدلنا دليل على حرمة البكاء على الميت.

الثاني: السيرة المستمرة المتصلة بزمان المعصومين: ولم يردعوا عنها بوجه فلو كان البكاء على الميت محرما لانتشـرت حرمته ووصلت إلينا متواترة لكثرة الابتلاء بالأموات والبكاء عليهم.

الثالث: الأخبار الواردة في أن النبي صلى الله عليه وآله بكى على إبراهيم وقال "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب" وبكي أيضا على جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة.

وكذلك بكت الصديقة عليها السلام على رقية بنت رسول الله وعلى أبيها - صلوات الله عليه وآله - وبكى علي بن الحسين عليه السلام على شهداء الطف مدة مديدة بل عدت الصديقة الطاهرة وزين العابدين عليهما السلام من البكائين الخمسة لكثرة بكائهما.

بل ورد الأمر بالبكاء عند وجدان الوجد على الميت في رواية الصيقل فراجع.

نعم: ورد في حسنة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام "كل الجزع والبكاء مكروه ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام".

 إلا أنه في مقابل السيرة والأخبار لا بد من تأويل الكراهة فيها بحملها على كون البكاء مكروها عرفيا لعدم مناسبته مع الوقار والعظمة والمنزلة ومن ثمة لم ير بعض الأعاظم (قده) باكيا على ولده المقتول لدى الناس وقالوا: إنه كان يبكي عليه في الخلوات في داره لا أنه مكروه شرعي أو يحمل على أن مجموع الجزع والبكاء مكروه فإن الجزع غير مرغوب فيه شرعا إلا على أبي عبد الله الحسين عليه السلام([2]).

تنبيهات:

الروايات المشار لها في الدليل الثالث متواترة تواتراً معنوياً، قال في الجواهر: "لا ريب في جواز البكاء على الميت نصا وفتوى للأصل، والأخبار التي لا تقصـر عن التواتر معنى".([3]).

ويضاف للأدلة: الإجماع، فقد نص عليه غير واحد من الأعلام، منهم صاحب الحدائق، قال: الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في جواز البكاء على الميت قبل الدفن وبعده ([4]).

رواية الصيقل المشار لها أعلاه هي ما رواه الكليني باسناده عن مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَجْداً وَجَدْتُهُ عَلَى ابْنٍ لِي هَلَكَ حَتَّى خِفْتُ عَلَى عَقْلِي فَقَالَ إِذَا أَصَابَكَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ فَأَفِضْ مِنْ دُمُوعِكَ فَإِنَّهُ يَسْكُنُ عَنْكَ"([5]).

والخلاصة:

إنّ الأدلة على جواز البكاء على الميت أربعة:

1ـ أصالة الإباحة.

2ـ الاجماع.

3ـ والروايات المتواترة.

4ـ السيرة المتصلة بالأئمة.


الهوامش:

 ([1])الجزيري - الفقه على المذاهب الأربعة، ج1 ص 484، ط: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.

([2]) الخوئي – التنقيح في شرح العروة الوثقى- كتاب الطهارة: ج  9/ ص 342.

([3]) الجواهري – جواهر الكلام ج 4 :ص 365

 ([4])البحراني - الحدائق الناضرة ، ج ٤ ص ١٦٢

([5]) الكليني –  الكافي ج: 3 ص: 250، باب النوادر، ح 3.

2018/09/16
2018/09/15
لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة: لماذا خرج الحسين (ع) إلى كربلاء وهو يعلم إنه مقتول؟

النهضة الحسينية ودرء الشبهات

اسعد عبد الله عبد علي

في كل عام تعود من جديد الاثارات للشبهات التي تطرح حول ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعض الاثارات تطرح بدافع السعي للمعرفة وفهم ما جرى وكشف للمبهمات، لكن هناك طرح أخر يقصد منه التشكيك بثورة الإمام الحسين، ويهدف لزعزعة الأيمان بمنطلقاته الثورية، وهذا الطرح يجب أن يرد عليه لإسكاته، وإيقاف مخططه الخبيث، فان عدم الرد عليه يخلق مفسدة كبيرة، وهنا يأتي دور الخطباء والنخبة في عملية تشكيل محور الدفاع عن الثورة، وتوضيح الإشكالات للجماهير، كي يتحول جهد الخبيث الى سراب.

وهناك طرح يقصد منه التذكير، واعتبار أيام محرم موسم سنوي لشرح منطلقات الثورة ورد الإشكاليات التاريخية، بهدف تثقيف الأجيال ونشر الوعي الحسيني. سنتطرق الى أهم الإشكالات بشكل متتابع، وهنا نطرح أشكال سنوي، قد دعمته السلطات من زمن بني أمية الى اليوم لأبعاد تهمة الظلم عنهم ووضع الأمر برقبة الإمام باعتباره ليس ثائرا، الإشكال: عندما خروج الإمام الحسين الى كربلاء ضد سلطة بني أمية وحاكم الشام يزيد، وهو يعلم بأنه مقتول، بحسب إشارات نبوية، أو قراءة للواقع القائم، الا يعتبر ذلك ألقى النفس في التهلكة؟ وهو حرام بنص القران الكريم (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة)-البقرة-195 ؟، للجواب عن هذا الإشكال نحتاج لعدة وجوه: الحقيقة بحثت عن الجواب في كتاب الأعلام، فوجدت أن رد هذه الإشكالية في اربع مستويات، وهي كالأتي:

أولا: حول الآية الكريمة التي ذكرت بالإشكال، يمكن القول أن الآية خاصة وغير عامة، حيث أن المخاطب بها غير محدد، وبالتالي أن عمومها غير محدد. وقد يقول قائل أن الأشهر بخصوص الآية هو العموم، وأن الضمير يعود الى سائر المسلمين بما فيهم الأئمة (عليهم السلام)، وهذا الكلام يكون صحيحا لو خلي وطبعه، الا أنه توجد في الآية قرائن صادقة عن كون الخطاب لغير المعصومين (عليهم السلام)، فانه تعالى يقول: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة وأحسنوا أن الله يحب المحسنين"، ومن الواضح أن الأمرين الأول والأخير خاص بغير الأئمة عليهم السلام، بل بغير المعصومين وغير الراسخين في العلم عموما، لأن أمثال هذه المستويات العليا من الإدراك لا تحتاجه، وإنما يعتبر إليها من توضيح الواضحات بل يكون الخطاب بهذه الأمور قبيحا، وحاشا أن يكون كلامه جل وعلا من القبيح. النتيجة: أذن فقد وقع النهي عن التهلكة في سياق الخطاب لغير أهل البيت (ع)، فنعرف من وحدة السياق أن النهي عن التهلكة غير شامل لهم أيضا، وهكذا ينتفي الإشكال.

ثانيا: من الثابت عند الشيعة الأمامية أن المعصومين (عليهم السلام) مسددون بالإلهام من قبل الله سبحانه وتعالى، ولذا لديهم نوعان من التكاليف: ظاهرية وباطنية. التعاليم الباطنية يعرفونها بالإلهام، وهي أهم وأخص من التعاليم الظاهرية، فلا يكون هذا المورد حراما على المعصوم، بل يغدو واجبا بمقتضى الإلهام الإلهي الثابت لديه، فيتقدم نحوه بخطوات ثابتة، ممتثلا أمر الله سبحانه وتعالى، وراجيا ثوابه الجزيل ببذل النفس في هذا السبيل، ولعل في قول السيدة زينب (عليها السلام) بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام): "ربنا تقبل منا هذا القربان" خير دليل على ذلك. هذا الدليل لرفع الشك عند من شكت قلوبهم بابن بنت رسول الله.

ثالثا: هنا تصور مهم يدفع الإشكال تماما، وهو انه من الممكن ألا يراد من التهلكة المنهي عنها في سياق الآية الكريمة التهلكة الدنيوية، بل المقصود هو الهلاك المعنوي أي الكفر وإلقاء النفس في الباطل والعصيان والانحراف، وهو أمر منهي عنه بضرورة الدين. وبذلك تكون الآية أبعد ما يكون عما يريد الاستدلال بها عليه، بل على العكس تكون حركة الحسين (عليه السلام) مصداقا لها، حيث أن من أهم أهداف حركة الحسين (عليه السلام) التصدي للانحراف عن خط الإسلام الأصيل. فانظر لحجم التضليل الذي يمارسه أعداء أهل البيت والمدافعين عن الباطل في كل عصرا ومصر.

رابعا: لو قلنا بحرمة التهلكة، فإنها إنما تحرم ما دام صدق العنوان موجودا، والمفهوم عرفا وعقلائيا أن التهلكة هي الصعوبة البليغة دون نتيجة صالحة لتعويضها. فإذا طبقنا ذلك على حركة الحسين (عليه السلام)، فلاحظنا نتائجها الدنيوية والأخروية لم تكن تهلكة بأي حال، بل تضحية بسيطة مهما كانت مريرة في سبيل نتائج عظيمة، ومقامات عليا في الدنيا ولآخرة.

خامسا: انه لا يحتمل فقهيا وشرعيا في الدين الإسلامي أن تكون كل تهلكة محرمة، بل الآية الكريمة أن وجد لها أطلاق وشمول فهي مخصصة بكثير من الموارد، مما يستحب أو يجب فيه إلقاء النفس في المصاعب الشديدة أو القتل كالجهاد وكلمة الحق عند سلطان جائر وتسليم المجرم نفسه للقصاص. أذن فليس كل تهلكة محرمة، وثورة الحسين (عليه السلام) أحد هذه الاستثناءات. سبب أخير مهم بسبب ردة الفعل الجماهيرية العنيفة ضد السلطة الأموية بعد انتهاء واقعة كربلاء، فهي لجأت لرواة الحديث والكتاب والشعراء كي تؤثر في المتلقي، ونسبت قتل الأمام بسبب خروجه على التقي النقي يزيد! وعمدت على تكريس هذه الفكرة الخبيثة، والتي بقي والى اليوم يرددها الكثير من الكتاب والمنافقين والنواصب، فاليوم هنالك من يغرد عبر المنابر طعنا بالإمام الحسين، ويدافع عن يزيد! ممن يأخذون دينهم من السلطة. ويحاول هذا الخط التأثير على عقيدة الجماهير وإخضاعهم للسلطة، وهذا الإشكال احد أسلحته لتسفيه وعي الأمة، لان الإيمان بالحسين وشعاراته، يعني قيام ثورة ضد الظلم، وتعرية دين النواصب، وفضح للمخطط القديم للقضاء على الإسلام الأصيل، وهذا ما لا يريده الطغاة في كل عصر ومصر.


*نقلاً عن شبكة النبأ

2018/09/13
من أين جاءت مشروعية البكاء؟!

البكاء في العلم

في عام 1981، اكتشف الطبيب النفسـي "وليام إتش. فراي الثاني" في ولاية مينيسوتا الأمريكية أن الدموع التي نذرفها عند مشاهدة أفلام حزينة، تحتوي على نسبة أكبر من البروتين، مقارنة بالدموع التي نذرفها كاستجابة تلقائية لشرائح البصل التي تقطع بجوارنا.

وفي دراسة نشـرت عام 1986، توصل أحد علماء النفس إلى أن 94 في المئة من المقالات التي تناولت البكاء في الصحف والمجلات الشهيرة في الولايات المتحدة ذكرت أن البكاء ساعد في تخفيف العديد من التوترات النفسية.

وتوصلت دراسة أخرى أُجريت عام 2008، وشملت نحو 4300 شخص بالغ من 30 دولة، إلى أن معظم هؤلاء الأشخاص حققوا تحسنا في الحالة النفسية والبدنية لديهم بعد مرورهم بنوبة بكاء([1]).

في الفلسفة والأدب

أرسطو: البكاء ينظف العقل.

شيكسبير: أن تبكي هو أن تخفف من عمق الأحزان.

موسيه: دموع العين اجمل من ابتسامة الشفتين.

كامبل: دموع الجميلة احلى من ابتسامتها.

هاريك: الدموع لغة العين.

فولتير: الدموع لغة الحزن الصامتة.

ديكنز: الدموع تفتح الصدور وتغسل العيون وتلطف الاطباع.

روبرت هاريس: انبل اللغات الدموع.

هانز: الدموع عطية الهية ونعمة دعها تترقرق وتسيل([2]).

في الشعر

الحطيئة:

اذا ما العين فاض الدمع منها

اقول بها قذى وهو البكاء.

الفرزدق:

سابكيك حتى تنفد العين ماءها

ويشفي مني الدمع ما اتوجع

ديك الجن:

ويعذلني السفيه على بكائي

كانّي مبتلى بالحزن وحدي ([3])

البكاء في القرآن

في القرآن الكريم سبع آيات تتحدث عن البكاء لفظاً او معنى، إذا استثنينا قوله تعالى: )وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (([4]) وقد قيل في تأويلها:

(أراد به الضحك والبكاء المتعارف عليهما بين الناس، فهو الذي يجريه ويخلقه).

ويقال: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر.

ويقال: أضحك أهل الجنة بالجنة، وأبكى أهل النار بالنار.

ويقال: أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا، وأضحك الكافر في الدنيا وأبكاه في الآخرة.

ويقال: أضحكهم في الظاهر، وأبكاهم بقلوبهم.

ويقال: أضحك المؤمن في الآخرة بغفرانه، وأبكى الكافر بهوانه.

ويقال: أضحك قلوب العارفين بالرضا، وأبكى عيونهم بخوف الفراق.

ويقال: أضحكهم برحمته، وأبكى الأعداء بسخطه([5]).

وبالعودة لآيات البكاء: لم يرد في الآيات ذمٌ للبكاء، وعلى العكس وردتْ في مدحه وخصوصاً إذا كان من خشية الله تعالى:

(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)([6]).

(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) ([7]).

(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) ([8]).

(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) ([9]).

(تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ( ([10]).

 )وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ( ([11]).

 )فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( ([12]).

في السُنة

أ‌-عند الشيعة:

عنون ثقة الاسلام في الكافي باباً في البكاء واخرج فيه احد عشـر حديثا نورد اثنين معتبرين منها هما السابع والثامن من الباب:

عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد الله 7: أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى.

وعن عنبسة العابد قال: قال أبوعبد الله عليه السلام: إنْ لم تكن بك بكاء فتباك ([13]).

ب ـ عند أهل السنة والجماعة:

 وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...عد منهم: رجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

وفي البخاري أيضاً عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " قَالَ: أَمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ"([14]).

البكّاءون خمسة

روى الصدوق حديثاً بسنده مرفوعاً إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: البكّاءون خمسة:

آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين عليهم السلام.

فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية.

وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصـره وحتى قيل له تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ.

وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما.

أما فاطمة فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضـي حاجتها ثم تنصرف.

وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عليه السلام عـشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني ما أذكر مصـرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة([15]).

يتبع...


الهوامش:

([1]) نقلاً عن تقرير كتبه الصحفي العلمي: جيسون جي غولدمان على موقع bbc على الرابط التالي: www.bbc.c) m/arabic/vert-fut-40113246

([2]) منير عبود - موسوعة الامثال والحكم والاقوال العالمية.

([3]) علي القاسمي - معجم الاستشهادات.

([4]) النجم: 43.

([5]) القشيري – تفسير لطائف الإشارات، ج 3 ص 489.

([6]) مريم: 58.

([7]) يوسف: 84.

([8]) الإسراء: 109.

([9]) المائدة: 83.

([10]) التوبة: 92.

([11]) النجم: 60.

([12]) التوبة: 82.

([13]) الكليني – الكافي ج: 2 ص: 483، باب البكاء، ح7 و8.

([14]) البخاري - الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه (صحيح البخاري) الحديث الأول برقم: 620 والثاني: 4216.

([15]) الصدوق – الخصال ج: 1 ص: 272، باب الخمسة، ح 15.

2018/09/12
بالفيديو: شابة مسيحية من بريطانيا جاءت إلى كربلاء بحثاً عن العباس (ع)... شاهد ما حدث معها!

أيمي كامل، شابة بريطانية كانت تعتنق الديانة المسيحية، جاءت إلى كربلاء لزيارة حرمي الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، تابع معنا ماذا حدث معها وكيف وجدت العباس عليه السلام:

المصدر: مركز الكفيل للثقافة والإعلام الدولي

2018/09/12
2018/09/11
2018/09/11
كيف تعاملت "رويترز" و "بي بي سي" مع زيارة الأربعين؟!!

عالم اليوم الذي تسوده الصورة اكثر من اي شيء، اختلط فيه الواقع بالخيال، وذابت المصداقية في وحل التضليل، وتسنمت السياسة عرش الاهتمام الاول عن طريق اليات صنع الواقع وتهميش الحقيقة عبر وسائل الاعلام، وهنا اصبح امتلاك قضية سامية غير كاف لعولمتها بدون تغطية وسائل الاعلام التي امتلكت مفاتيح العقول والقلوب.

زيارة الاربعينية كما يحلو للعراقيين تسميتها، تمثل اكبر تجمع بشري عقائدي بالعالم. اعداد مليونية قل نظيرها تزحف نحو مدينة كربلاء على بعد مئات الكيلومترات قد تصل الى ما يقرب من 500 كيلومتر من اقصى جنوب العراق، في رحلة تمتد على عشرين يوما (من اول صفر حتى العشرين منه)، وينطلقون باعداد غفيرة من محافظات الوسط والجنوب كافة، وسكان العاصمة بغداد وديالى وبعض الاقضية والنواحي الشمالية، يضاف لهم الوافدون من خارج العراق والذين يدخلون من الحدود البرية لدول الجوار او عن طريق النقل الجوي، ليجتمعوا جميعا في كربلاء المقدسة في مشهد قل نظيره في العالم وربما لا يشابهه اي تجمع عالمي من حيث التنظيم والخدمات المجانية.

\width=780\

 

اذ تمثل مدينة كربلاء المقدسة العاصمة الدينية لغالبية الشعب العراقي، يجتمعون فيها بافراحهم واحزانهم، فضلا عن اجتماعهم التقليدي في نهاية الاسبوع رغبة في كسب الثواب وتجديدا لبيعة الولاء لثورة سيد الشهداء الامام الحسين عليهم السلام. واعظم الزيارات من حيث الاعداد البشرية هي زيارة الاربعينية التي تصادف في العشرين من شهر صفر، ذكرى عودة سبايا الامام الحسين عليه السلام من الشام وزيارتهم قبور شهداء الطف الذين استشدوا في واقعة كربلاء عام 61 هجرية على يد الجيش الاموي بقيادة عمر بن سعد وبامر من يزيد بن معاوية.

ومنذ ذلك التاريخ يواظب الشيعة_ والعراقيون منهم في اغلب الاحيان _ على زيارة الامام الحسين بهذه المناسبة وتعرضوا لابشع انواع المعاملة وانتهاكات حقوقهم من قبل السلطات الحاكمة على مر التاريخ، واستمر الحال الى ان جاءت حقبة ما بعد الحكم الصدامي حيث فسحة الحرية التي منحت للشعب العراقي والشيعة من الدول الاخرى في ممارسة شعائرهم من دون قيود.

وسائل الاعلام الدولية مارست ابشع صور التعتيم الاعلامي خلال سنوات القمع التي كان يمارسها نظام صدام حسين خلال فترة تحالفه مع المحور الغربي، وحتى بعد تحوله الى خصم لدود ادت خلافته العميقة الى الاطاحة به، وبعد عام 2003 استمرت وسائل الاعلام الغربية بنفس طريق التعتيم الاعلامي، او توظيفها بطرق تحرف مسار الزيارة واهدافها النبيلة، وحتى حينما تتناولها فهي تقطع اوصال التاريخ لتقدمها بدون اي جذور ولا اهداف.

وغالبا ما يعترض الكثير من خبراء الاعلام في العراق طوال السنوات الماضية على الطريقة التي يتم تناول الحدث العراقي بشكل عام والزيارات المليونية خصوصا، اذ تبتكر تلك المؤسسات الكبرى طريقة خاصة لتناول الحدث العراقي كجزء من استراتيجياتها في التسويق لقضايا سياسية معينة بما يخدم الاطراف الممولة لها.

في هذا الموسم تم رصد ممارسات لا تتوافق مع المهنية واخلاقيات العمل الصحافي التي ابتكرتها وتروج لها وسائل الاعلام الغربية الكبرى وعلى رأسها وكالة رويترز وقناة بي بي سي البريطانيتين (عينة الرصد لمقالنا)، اذ حاولت الاولى تقزيم الزيارة الى اعداد غير معقولة فيما قامت الاخرى بتوظيفها في اطار سياسي لا يخلو من لغة تحريضية طائفية.

تقزيم الزيارة المليونية

في وكالة رويترز نشرت موضوعا مقتضبا يتحدث عن مئات الالاف يتوافدون الى مدينة كربلاء ونساء يحملن اطفالهن وزوار من ايران وباكستان والبحرين. وخلفية خبرية تذكر بان الزوار كانوا يتعرضون لتفجيرات ارهابية.

\width=780\

في هذا الخبر حاولت الوكالة طمر الحدث بطريقة مروعة، اذ ان الصحفي لديه ما يسمى بـالاسئلة الستة التي يجب على كل صحفي ان يجيب عليها ليعتبر موضوعه مطابقا للقواعد المعمول بها في وسائل الاعلام، وهذه الاسئلة هي من، ماذا، اين، متى، لماذا، كيف، لكنرويترز لم تجيب على هذه الاسئلة.

فالسؤال الاول من يجيب عن الفاعل الاساسي في الحدث او اطرافه الاساسية، وفي حدث زيارة الاربعينية كان الطرف الاساسي هو الزوار والاطراف الاخرى هم اصحاب المواكب الذين يقدمون الخدمة على طول الطريق، والقوات العراقية التي تحمي الزوار، والهيئات الحكومية التي توفر الخدمات الرسمية.

والسؤال ماذا يجيب عن طبيعة الحدث، انفجار، افتتاح مشروع، مسابقة رياضية، وغيرها والحدث الذي تناولته رويترز هو زيارة مليونية يشارك فيها اناس من داخل العراق وخارجه تجمعهم فكرة الولاء الديني.

والسؤال اين يجيب مكان وقوع الحدث والدائرة التي يجري فيها، ومكان الزيارة هو الهدف النهائي للزوار في كربلاء المقدسة.

والسؤال متى، يجيب عن زمان الحدث وهي الفترة الممتدة من بداية شهر صفر وحتى العشرين منه، بالاضافة الى خلفياته السابقة.

والسؤال لماذا، يجيب عن اسباب الحدث، وفي زيارة الاربعينية احد اهم اسبابها هو مواساة اهل البيت وتجديد البيعة، وتاكيد الانتماء لخط اهل البيت عليهم السلام، ليكون بالنهاية احد اهم الطقوس السنوية.

والسؤال كيف يعني طريقة وقوع الحدث وتطور الاحداث فيه، وهي طريقة مجيء الزوار من اقصى جنوب العراق حتى مدينة كربلاء لمسافة تصل لحوالي 500 كيلومتر، وامور اخرى، وبالطبع ما ذكرناه هو المرتكزات الاساسية لهذا الحدث المليوني اذا ما اريد تناوله بطريقة مهنية صحيحة.

وهنا نسال هل خبر رويترز، كان مستوفيا لهذه الشروط؟ الاجابة واضحة ولا تحتاج الى تفسير، فالوكالة العالمية مارست عملية تقزيم الحدث وهو خلاف للمصداقية، ولم تجيب على جميع الاسئلة الصحفية الستة وبعض الاجابات التي اوردها لم تكن كافية ابدا، فكل اجابة منها تحتاج الى عشرات الموضوعات المنفصلة لتوضيح جزء بسيط منها، وهنا مارست رويترز، تعتيما اعلاميا على حدث كبير جدا.

توظيف الزيارة في الصراعات الدولية

لكن ما فعلته البي بي سي قد يكون اسوأ بكثير مما قامت به رويترز فالقناة البريطانية بي بي سي التي يقدسها الكثير من الصحفيين العرب، قامت باخذ جانب واحد من الحدث وابرازه باعتباره هو الكل، وبعد ان حصرت الملايين في خبر صغير، ذكرت بي بي سي في الشريط النصي اسفل التقرير السي جي ما نصه كربلاء تحيي ذكرى (اربعينية الحسين) وسط استنفار امني لتامين اكثر من 2.5 مليون زائر ايراني. والصحفيون يعرفون ان هذا الشريط يمثل خلاصة الحدث واتجاه القناة ازاءه.

هذه التغطية غير المنصفة لاقت ردود افعال غاضبة من قبل الصحفيين العراقيين الذين وجدوا فيها تحريفا للحقائق واقحاما للمارسات الدينية في الصراعات الدولية الكبرى، اذ كتب الصحفي سلام الحسيني على صفحته في فيس بوك، ان قناة بي بي سي تسقط في وحل الانحطاط الاعلامي، وهذا ليس جديدا على من يتلاعب بالمفاهيم لتضليل العالم بالمال الذي توظفه ادارة المخابرات الدولية وكل من له خلاف (...) لفرض الاسقاطات الخبيثة على العراقيين (...) ماذا يعني رقم 2مليون زائر ايراني امام ما يقرب من 20 مليون اخرين؟ لماذا تهتم البي بي سي بالرقم الاول بدل الاخير؟ لمصلحة من تسعى القناة لتحديد هوية الزائر؟.

اذا هي لعبة سياسية كبرى وصراع دولي يريد استخدام كل ما هو عراقي كوقود لحرق خصمه، واذا فقد الحدث العراقي مقومات الصراع يتم تهميشه بكل بساطة مهما حمل من معايير العمل الاعلامي وقيمه الاخبارية، وحينما يتم اعداد عشرات التقارير عن مولود جديد لحيوان الباندا باعتباره حدثا استثنائيا، مقابل تجاهل اناس يجمعون قوت 365 يوما من اجل اطعام غيرهم رغم الفقر والحرمان؛ هنا يصبح عدم الايمان بنظرية المؤامرة هو مؤامرة بحد ذاته او جهلا بمجريات الامور.

2017/11/13
بركات زيارة الأربعين: العودة إلى "الهوية الوطنية" و "القضاء على الفساد"

زيارة الأربعين وبركات الحسين عليه السلام

لا تحتوي كل الامم والشعوب على نفس القدر من الثروات والهبات الطبيعية، بعضها فقير الى حد اليأس، وبعضها غني الى حد التخمة، لكن هذا ليس مقياس على استقرار الدول وقوتها، فهناك من يوظف النعم الموجودة في بلاده ويسخرها لبناء مستقبل مزدهر حتى لو كانت قليلة، وهناك من يبعثر ثرواته المادية والمعنوية ويصبح العوبة بيد الدول الاخرى.

العراق، قال عنه علماء اسرائيل بأنه: البلاد التي انحاز لها الرب. لأن الله قد وضع فيها نعم كثيرة، مادية ومعنوية، فهو ارض الزراعة والانهار والنفط، والانسان المعطاء. وهو صاحب الارض التي احتوت الانبياء والمرسلين والاولياء واهل بيت النبي الاطهار، والصحابة، والعلماء والمفكرين والادباء.

ومن بين اهم النعم التي حبا الله بها ارض العراق، ان جعلها المكان الذي فجرت فيها ثورة الاصلاح الاسلامية الاولى، عندما هم حفيد النبي محمد (ص)، الامام الحسين (ع)، لإصلاح النظام السياسي الفاسد في عصره، فضحى بحياته، كي يبقى علامة مضيئة في التاريخ.

ان مشهد انجذاب ملايين الناس للطواف حول هذا الرجل، هو مشهد محزن ومفرح في نفس الوقت، محزن لأن هذه البلاد تعاني من مشاكل كبيرة، ومفرح لأن ارض العراق قد تحولت الى مزار، يأتيه الناس من كل فج عميق.

الحكومة العراقية من الممكن ان توسع بركات وجود الامام الحسين على ارضها، عبر آليات مدروسة لا تمس قدسيته كشخصية اسلامية، لكنها تجعل من البلاد التي سالت فيها دماءه نموذجا في التقدم والاستقرار والازدهار، ومن هذه الاليات:

اولا – الهوية الوطنية:

لم نسمع ان هناك بلاد على وجه الارض تقدس تربتها، وتقبلها، وتزداد حسنات من يصلي عليها، الا ارض العراق. اذن، الامام الحسين عليه السلام قد اضفى قدسية على ارض بلادنا.

ومن جهة ثانية لا يوجد في العراق من يبغض هذا الشخص او لا يفتخر بالانتماء اليه، بل ان جميع الاديان والمذاهب والقوميات والملل والنحل، تهفوا قلوبها اليه.

إذا كان الامر كذلك لماذا لا يتم التعامل مع قضية الحسين على انها قضية وطنية. ان التعامل مع القضية الحسينية على انها قضية وطنية عراقية، سيزيد من قدسية ارض العراق، وسيفوت الفرصة على اولئك القائلين بأن الحسين عليه السلام هو يمثل هوية فرعية تهتم بها الدولة دون غيرها.

ثانيا – السياحة الدينية:

ومن بركات الامام الحسين (ع) التي تجهلها النظم السياسية العراقية المتعاقبة، هو السياحة الدينية، فحتى القران الكريم قد ذكر بأن في الحج منافع تجارية، ومن هذا الباب من الممكن ان تشكل وزارة كاملة للسياحة الدينية، مهمتها البحث عن فرص الاستفادة الاقتصادية، بحيث تكون مواسم الزيارة مواسم للخير والنماء، عبر ايجاد آليات وقوانين تدر العملة الصعبة على البلاد، مثل قطاع الفنادق وقطاع الخدمات والنقل، ووسائل الاعلام. وهذه كلها مصادر للدخل القومي فيما لو تم استغلالها من قبل الدولة.

ثالثا – القضاء على الفساد:

من الخطأ حسب وجهة نظر اغلب علماء الدين، النظر الى قضية الحسين على انها صراع بين يزيد والحسين (ع) فحسب. بل هي صراع بين الفساد والاصلاح. اذا تم تنشئة الاجيال العراقية القادمة، على ان مكافحة الفساد اي كان نوعه وعصره هو جزء من الدين وهو اقتداء بالحسين وثورته، فسنخلق ثقافة اصلاحية عامة، تنبذ الفساد وتحرمه وتحترم الاصلاح وتقدسه.

وهذه العملية تحتاج الى اعادة كتابة التاريخ الحسيني، وضخه الى المتلقين عبر وسائل التنشئة المعروفة، من مدارس ووسائل اتصال ومنابر رجال الدين، وغيرها.

اذن، في القضية الحسينية بركات وخير ومنافع للبلاد وخير كثير، لابد من استغلاله لجعل العراق بلدا نموذجيا، يقول الناس عنه يوما لقد من الله عليه بأن زرع في ارضه قطرات دم الحسين، فانبثقت منها ونبتت عليها ومنها: الزراعة والصناعة والاستقرار والامان والقوة والتضحية.

2017/11/11
لم يعد الحسين وحيداً بل أصبح له جيوش مليونية!

عينٌ على الأربعين.. قراءة المثقفين للحدث والصورة

رأى عدد من المثقفين العراقيين والعرب أن المليونية الأربعينية في كربلاء تمثل اليوم صورة حية لتوق الإنسانية إلى الحرية ورفض الظلم، وشغفها بالبطل المصلح والفادي المنادي بحقوقها "الحسين". 

وقد سجل استطلاعي لآرائهم جملة من الالتفاتات المهمة والنقاط الجديرة بالقراءة والتأمل.. فإليكموها من أرباب الثقافة كما هي: 

الدكتور أحمد راسم النفيس (كاتب وناشط مصري):

إنه مشهد يقترن فيه الوعي والبصيرة مع الشجاعة والتضحية بالنفس وهما أمران إذا اجتمعا لدى الجماهير يشكلان سلاحا لا يقل مضاء عن السلاح النووي بل هما أمضى منه لأن السلاح النووي سلاح تدمير شامل وخراب، في حين أن ثنائي (البصيرة والشجاعة) هما سلاح بناء ونماء.

بعد أربعة عشر قرن من الزمان لم يعد الإمام الحسين وحيدا فريدا في ثلة قليلة من الأهل والأصحاب بل أصبح له جيوش مليونية تهتف: لبيك يا حسين، امض بنا حيث شئت ولو إلى عنان السماء.

بعد أربعة شعر قرن أصبح يوم العاشر من محرم ويوم العشرين من صفر يوما يحيي ذكرى الشاهد والشهيد (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ). 

محمد عبد الجبار الشبوط (رئيس شبكة الإعلام العراقي سابقاً):

الطاقة الروحية التي تدفع الناس الى زيارة الأربعين يمكن أن تدفعهم الى نشاطات إيجابية اخرى.. الذاهبون مشيا لزيارة الامام الحسين والقائمون على خدمتهم يجسدون مفهوم "المواطن الفعّال"..

لنترك قليلا ما في نفسي ونفسك من ملاحظات عن ممارسات فردية او جماعية تجري هنا وهناك باسم الامام الحسين في زيارة الأربعين لان استحضار هذه الملاحظات دائما يحمل معه خطر حرمان الناظر من روية المعنى الايجابي او المعاني الإيجابية لزيارة الأربعين.

عملياً. نحن نشهد ولادة وتكون مظاهر اجتماعية بدوافع دينية في هذه المناسبة سنويا. ما نشهده هو ظواهر "اجتماعية- دينية"، وككل الظواهر الاجتماعية فإنها قد تنطوي على سلبيات، تقابلها ايجابيات، وهذا ما يفرض علينا ان ندرسها على هذا الاساس بحثا لا عن السلبيات، وانما عن الايجابيات، لأننا في نهاية المطاف معنيون اجتماعيا ودينيا بالاستفادة من هذا الايجابيات.

يجري سنويا اتساع وتعميق ارتباط الناس بحدث تاريخي فريد ذي دلالات سياسية ودينية واجتماعية عميقة ومهمة مثل: طلب الاصلاح، ومثلي لا يبايع مثله، هيهات منا الذلة، الخ. وهذا امر نافع اجتماعيا.

كما يجري سنويا اتساع ظاهرة التسابق في فعل الخيرات للآخرين، من بذل المال بلا تحفظ من اجل اطعام الناس وإسكانهم وتوفير الخدمات المختلفة وتقديم اسباب الراحة لهم وهم يحثون الخطى مشيا نحو مرقد الامام الحسين. 

يجسد هذان الأمران مفهومين في غاية الأهمية وهما: الإيمان بقضية عادلة، والتطوع من اجل الخير العام. ولا يمكن لأي مجتمع ان يتطور ويتقدم بدون هذين الامرين. بل هما افضل ما يمكن ان يقدمه مجتمع ما لنفسه وللعالم من حوله.

ولهذا أقول: إن زيارة الأربعين، بكل ومختلف ما تنطوي عنه من ممارسات وأفعال، تخرج الى العلن افضل من في مجتمع المؤمنين من صفات خيرة، وتفعلها، وتراكمها، ما يشكل طاقة مجتمعية هائلة قادرة على فعل الكثير الكثير لصالح المجتمع ككل. ما عليكم الا استثمار هذه الطاقة بشكل يسهم في بناء حاضر افضل.

بلحسن اليحياوي(أديب وناشط تونسي):

هل يمكن عد خطوات "المشاية" في مسيرة الاربعين؟ خطر هذا السؤال بذهني وانا أطل على جحافل العاشقين الزاحفين نحو قبلة الهوى ومهوى القلوب من شاشة التلفاز. ما المغزى وما المعنى وما الدافع وما كل هذا الجهد المبذول؟ كل هذه الأسئلة لا يجيب عنها إلا أولئك الذين يؤثثون الطريق الى كربلاء بأسمى معاني الجود والسخاء.. نساء رجال أطفال، فأباريق الشاي وصواني الفاكهة وصحون الأرز وقوارير المياه وأصوات الداعين بل المتوسلين بالمشاية في طريق الحسين أن يجلسوا الى موائدهم ويباركوا مجالسهم وفي الطريق أيضا في كل القرى تفتح البيوت أبوابها تحتضن الزائرين. 

كل الأسئلة لا يجيب عنها عقل بارد رياضي وإنما يجيب عنها فؤاد يجيش بحب الحسين.. ومن هذا الحسين؟ إنه قبلة الثائرين وجرح ينزف منذ أبد الآبدين وعطش لا يسقيه بكاء الحافين بمرقده ونداء الناظرين الى مسجده ونشيد الواله بذكره وأبيه وأخيه وجده وبنيه.. حسين، حسين، حسين، ولا ينقطع النفس ولا تمل الألسن ولا تكل الأيدي الداقة على الصدور لوعة وعشقا وحبا وولها. أسئلة الحسين لا يمكن للغات الإجابة عنها. أسئلة الحسين ستبقى إلى الأبد.. صرخة في وجه الظلم ولوعة في قلوب العاشقين ووعدا ينير ظلمة الآملين وعهدا على لسان المؤمنين وصورة راسخة أبدا في أذهان ووجدان وعقول الثقلين يؤثثها ملايين الزائرين وشعب الرافدين.

الدكتور علي شمخي (أستاذ جامعي وإعلامي):

هذا الفيض الإسلامي الذي تشهده كربلاء يتدفق من كل بقاع العالم ويحمل مدلولات انسانية بالتضامن مع نداء ابي الأحرار الحسين عليه السلام. وقد أصبحت أربعينية الإمام الحسين سفراً رائعاً لإعلان الولاء للرسالة المحمدية التي لولا دماء الحسين الشهيد ما كان لها ان تتوهج من جديد وتقاوم الطغيان والفساد والظلم. 

يكفي أن نقول ونحن نشاهد هذه الحشود المليونية إن الحسين وحد هذه الأمة وهو اليوم رمز إنساني ومنارة للشرق والغرب حاضرا بأفكاره وسيرته حيا يرزق بشهادته في سبيل الله.

محمد الميالي (كاتب وشاعر):

كربلاء بوابة فتح آت.. فتح بعين الله.. بجمال يوسف.. وأسرار فتية الكهف.. وبرد وسلام نار ابراهيم.. وتراتيل عيسى في مهده.. وطوفان نوح.. فتح بين شفرتي ذي الفقار.. وتكبيرة الانتصار فتح بين كفي أبي الفضل وقربة اﻹرواء.. فتح شعاره هيهات منا الذلة.. فتح (لا) الرفض وصلاة الفرض تحت ظلال النبال.. كتب بوريد عبد الله الرضيع الظامئ وختم بدم وريد سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام ليخط دستور الحياة الدنيا واﻵخرة على جبين السماء. ها هو من كربلاء من القصر الملكي العالمي يعلن البيان رقم واحد لبسط السلام ما بين مشرق اﻷرض ومغربها. فحق على اهل اﻷرض ان تهتدي بهدى اهل السماء وتستنير بمصباح الهدى وتركب في سفينة النجاة.. الطوفان قادم فويل ﻷعداء اﻹنسانية أينما وجدوا. وطوبى لعشاق الحرية وطلابها. الحسين عليه السلام قادم بفتحه الموعود. والأربعينية المليونية هذه تجسد عالميته الموعودة.

الدكتور عبد عون المسعودي (أستاذ جامعي): 

الزيارة الأربعينية تعد من أهم الشعائر الدينية الحسينية المقدسة من حيث آثارها وحجمها وتفاصيلها فهي مناسبة إنسانية يشترك فيها الناس باختلاف دياناتهم وطوائهم معتبرين أن الحسين عليه السلام رمزا ثوريا للتحرر من الطغيان. كما أنها من وجه علم النفس تجعل من الزائر يشعر بأنه متصل مع الله وبالتالي يشعر بالأمان وتجعل من الزائر يشعر بالانتماء لهذا الكم الهائل من الناس وهنا سيتولد لديه الشعور بالقوة والتوافق. وتنمي الكثير من القيم الإيجابية كالكرم والتسامح والمحبة والتضحية من أجل الآخر وغيرها.

الدكتورة إسراء شاكر (أستاذة جامعية):

صورة رغم الألم الذي يعتريك حين تسترجعها في مخيلتك إلا انها تمنحك قوة تنفذ الى العقل والروح.. صورة تعطيك معنى واحد يفنى الجسد وتبقى الروح الحقيقية والمؤمنة والصادقة لتمتد كشجرة اصلها ثابت لتمتد الى سماء الخلد والنور.. صورة رجل أعطى في سبيل الحق ونصرة المظلوم نفسه وأهله فداء.. ظمأ الحسين الذي نرتوي منه الى الآن نهر جار يمدنا بالخير والنماء بحب الله وحب الرسول المصطفى وال بيته الأطهار "عبد الله الطفل الرضيع اول روافده.. والعباس سيله الجارف ووو.. لينتهي مصبه عند العقيلة زينب سلام الله عليها لتكون محيط العلم والحق والنصر بعد السبي والانكسار بوفاة الاهل.. اربعينية الامام الحسين قاموس جامع لكل المفردات التي نحن بحاجة اليها في وقتنا الراهن لننهض بوطنٍ وشعب وارض اندثرت لولا وجود روح الحسين واهله واصحابه فيها.. هذا ما استحضرته في هذه اللحظة واعتذر عن قصر نظر كلماتي فقامة الحسين اكبر واعلى من بصري وبصيرتي.

محمد الدريني (ناشط مصري): 

الأربعين العظيمة هذا هو اسم الفيلم العالمي الذى اخترته عنوانا لكلمتي والذى تبلغ تكاليفه(٢٠٠ مليون دولار) للمخرجة الأمريكية كاثرين إيجلو بعدما احتلت فاجعة كربلاء مساحة من ضميرها مثلها مثل فريا ستارك التي قالت: إن مقتل الحسين من القصص التي لا أستطيع قراءتها دون ان ينتابني البكاء. 

أما جلهارد كونسلمان فقال في موسوعته تعليقا على فعاليات الاربعين: إن بإمكانها أن تهز العالم فيما لو سلكت طريقها الصحيح. واعتقد ان ذلك سوف يكون من بين ادوات الطالب بدم المقتول ظمآنا في كربلاء ليهز العالم حين تطأطأ له كل الرؤوس.

الدكتور محمد الطائي (أستاذ جامعي):

ربما ستتجاوز كلمتي حدودها لتسجل ما يجيش في صدري اتجاه هذا الحدث العالمي بمقالة تحت عنوان (الزيارة الاربعينية شعيرة أم مشروع حضارة). فأقول: قبل ما يقرب من الف واربعمائة عام وتحديدا في يوم الاربعين لشهادة الامام الحسين عليه السلام، وصلت صعيد كربلاء، قافلة العز والاباء لتسجل المشهد الاخير لأعظم واقعة عرفها التاريخ البشري، وهي تحمل بين انفاسها جبال الالام الاحزان التي كتب الله لها الخلود لتظل حية حاضرة في نفوس الملايين من محبي الامام الحسين عليه السلام عبر التاريخ.. لتكون حاضرة اليوم وهي تتجسد في تلك الحشود المليونية التي عبرت حدود الجغرافية المكانية والزمانية والحضارية.. فالزيارة الاربعينية اصبحت أنموذجا حيا للتلاقح الفكري والالتقاء الحضاري واضحت مثالا حيا للتعايش السلمي وتطبيقا ميدانيا للتكافل الاجتماعي ولا يبالغ المتتبع لأحداث تلك الزيارة اذا قطع بانه لا يوجد انموذج عبر التاريخ يجسد المعاني الانسانية كالزيارة الاربعينية. لذلك ينبغي على عالم اليوم الذي يعد الارهاب الفكري اكثر واخطر ما يهدد الوجود الانساني في وقتنا المعاصر. 

اقول يجب عليه ان يوظف هذا التقارب الانساني الراقي في تلك الزيارة المباركة في محاربة الارهاب ومواجهة التطرف والتكفير. لأن ثمار تلك الزيارة المباركة هي الدواء النافع والبلسم الناجع.

جمال أمين (ممثل ومخرج سينمائي):

إن المسيرة اتجاه قبلة الحرية كربلاء هي مسيرة صوب الحق ضد الباطل. أصبح الناس في الكثير من دول العالم ينظرون إليها باهتمام بالغ أنها مسيرة صوب الله صوب الحرية صوب النقاء. إن الحسين هو الحقيقة الوحيدة بكل معنى الكلمة. عندما أرى هذه الملايين وهي تزحف صوب كربلاء أشعر بمدى ما قام به الحسين من ثورة أزلية أبد الدهر.

حميد الهلالي (إعلامي وناشط سياسي):

لحظات عرفانية يعيش بها الانسان المحب لأهل البيت ايام تطهير روحي وتسامي في خلق لا مثيل له يتجسد بهذا العطاء المالي والجسدي والروحي. ان زيارة الاربعين ظاهرة لم تحظ بحقها من الدراسة والبحث.. فهي مجاهدة للنفس كي تجود بأفضل ما لديها من سلوك وخدمة وتواضع وعطاء ومفارقة لكي الأطر السابقة وتسابق على الخدمة تضيع به الرتب والمناصب والالقاب. 

انه فيض حب حسيني تجسد بأفضل صوره حينما صدرت فتوى الجهاد الكفائي فتسابق الحسينيون نحو سوح القتال محملين بهذا الولاء والعشق والرغبة بالتضحية. وهذه الزيارة فرصة للتذكير بان هذه الثورة قامت للإصلاح وما أحوجنا اليوم لمقارعة الفاسدين واصلاح شان البلد. فعراق الحسين لا يليق به ان يكون مخربا وهو يزخر بكل هذه الثروات واولها ثروة ثورة الحسين.

منير راضي (كاتب ومخرج مسرحي): 

للحسين عليه السلام دروب لا يفقهها إلى المخلصون وفي مقدمة ركبها الإصلاح والتبصر.

فرح صلاح الجراخ (إعلامية): 

أثبتت زيارة الأربعين أن حب الحسين عليه السلام منزل من الله. فهذا الجمع الكبير من شيعة آل البيت يأتون من كل بلد ويتحملون المشاق في سبيل رضا الله وحباً بإمامهم الحسين. وأثبتت ان شعب العراق هو الشعب المختار من الله لهذه الخدمة وهي خدمة زوار الحسين عليه السلام وهي معجزة خصها الله بهم فالخيرات تزداد والعطاء يكبر والتضحية تتعاظم فهنيئاً لهم وفخراً لنا بأننا من اتباع الحسين ومن بلد الائمة "العراق".

عدنان السوداني (‏كاتب ومحلل سياسي‏):

لابد للإنسان المؤمن أن يستوعب الواقع الذي يعكس في دواخله ابعاد صورة الحشود المليونية التي تمتد على مسافات طويلة تصل الى مئات الكيلومترات والى تلك الخيرات والبركات التي تعكسها صورة جهد الخيرين من محبي أل البيت عليهم السلام والتي لو أوكلت إلى أي دولة لا تستطيع فعل ذلك في ظاهرة تدلل على ماهية وإبعاد العشق الحسيني والتي لو أسأل كل واحد من الذين يدعون العلم والدين لا يستطيعون الإجابة على ذلك ويبقون فاغرين أفواههم في دلالة على عجزهم.. هذه البركات الحسينية تشمل الجميع.. الصغير والكبير، الغني والفقير، المرأة والرجل.. ابن البلد والغريب.. كلهم عشاق الحسين ممن تزداد وتستمر مسيرتهم كل عام..

نهلة غازي(محامية): 

هذا اليوم تاريخي قبل أن يكون يوما إسلاميا ويجب الظهور فيه بمظهر القوة والشجاعة و الذكاء امام العالم لأنه ينقل إعلاميا وهو يوم لتجمع المسلمين لأجل هدف معين لا يجب التثقيف له امام البسطاء انه يوم مسير من اجل الغذاء. ولمن يكون عاطلا عن العمل أو هو يوم تسلية. يجب أن يكون هناك توجه لجعله يوما تظهر فيه تجمع رجال المسلمين ووحدتهم الاسلامية لأنه يوم غير طائفي حدوثه حصل قبل وجود مذاهب الاسلامية. أساسه محاربة الظلم وسيبقى.. ويجب ان لا يتحول الى كرنفال انما ذكرى تاريخية تستحق التجمع يعني ذكرى احياء الدولة الاسلامية واستمرارها. 

حسنين الحسون (صحفي):

الزيارة الأربعينية ليست مجرد مسير جسدي نحو مكان ما، بل هي ميدان واسع من التجارب الإنسانية في اجمل صورها. الكل يعرف أننا شعب مولع بالتقاليد والاعراف. نخاف على نسائنا حد الموت. نمتلك عزة نفس هائلة. وأنفة شموخ كبيرة.. كلها ذابت في مسيرة الامان. فرغم حجم المساعدة الهائل من الجميع للجميع نرى هناك قدرا كبيرا من الحرية وعدم التدخل في شؤون الاخر.. هكذا رأيت المسير، مسير الامان نحو إمام الامان والطمأنينة.

الدكتور عبد العظيم الجميلي (أستاذ جامعي): 

الأربعين تجديد الامضاء على وثيقة مفادها تهذيب الأنفس والاقتداء بنهج القرآن والسنة والائمة الاطهار في الاصلاح والتضحية من اجل مناصرة المظلومين ومحاربة المفسدين واحترام الانسانية.

عادل الصويري ( شاعر): 

هذه الزيارة تؤصل قيم التصالح مع الذات عبر كرنفال أنسنة كبير تشهده كربلاء، وكأن القدر أراد لهذه البقعة من الكرة الأرضية أن تكون أيقونة إنعاش للذهنية البشرية، واستيقاظ الأرواح المتحدة مع رمزها الحسيني العظيم الذي صار هوية جمعية، ومقصداً لكل باحث عن قيم التضحية والتسامح.

حسن شاكر الأسدي (صحفي): 

زيارة الأربعين أو المشروع الحسيني هو تجمّع سلمي وتظاهرة ضد الفساد في أي مكان من المعمورة وهو ثورة اصلاحية ضد انظمة الظلم والاستبداد اينما كان في العالم ومدرسة لتخريج اجيال تكون قادرة على قيادة المستقبل لتأمين مستقبل آمن للبشرية جمعاء من منطلق الحسين للجميع.

طالب الدراجي (ناقد أدبي):

طوال تاريخ عريق وطويل محفوف بالمخاطر والتضحيات الجسام، وحدها زيارة الأربعين، تمتاز بنشاط يخترق أعتى جدران الظلام وعروش الاستبداد، هذه الزيارة التي تشعل روح المغامرة في أفئدة الموالين، لم يسبق في تاريخ الرحلات أن خاطرت أُمة من الأمم للوصول لمكان ما بمسمى ديني أو كهنوتي أو لاهوتي على امتداد التاريخ كما يفعل أهل هذه الأُمة لزيارتهم قبر الإمام الحسين عليه السلام. لم يحدث أن تعرض لمثل ما تعرض له أهل هذه الأمة بسبب ممارسة طقوس الزيارة، حتى الحج لم تحدث فيه قصص بحجم ما تحدث في قصص زوار الاربعين. 

للحسين حرارة في قلوب محبيه لا تنطفئ إلى يوم القيامة، وعلى مدار التاريخ قُطّعت الأذان والأيدي والأرجل، ودُفعت الغرامات وهدمت البيوت ولم يمتنع الشيعة أو يرهبهم احد من ظلام وسلاطين الطاغوت، لأن زيارة الاربعين بالنسبة لهم، تحد وشعيرة دينية تحفظ لهم هويتهم وتعكس انتمائهم وتؤكد جذرهم.

مسلم الركابي(صحفي):

ملحمة إنسانية تجسدها اليوم أربعينية الإمام الحسين عليه السلام فقد اتضحت للعيان الامتدادات الإنسانية لثورة الإمام الحسين في الجذور مما جعل هذه الثورة تكتسب الصفة الإنسانية العالمية بامتياز واستحقاق وهذا ما شاهدناه من مشاهدات يومية في زيارة الأربعين حيث ذابت جميع القوميات والاجناس والجنسيات في بوتقة واحدة وهي تعظيم ثورة الإمام الحسين عليه السلام والتي شعت بأنوارها في نفوس الإنسانية جمعاء وهذا الجمع المبارك من مختلف القوميات والجنسيات كان هو العلامة الفارقة في زيارة اربعينية الإمام الحسين عليه السلام.

نجاح ناجي اللوزة (صحفي): 

الحسين عليه السلام نبراس شع على الأمة الإسلامية بنور الهداية وتثبيت أركان الاسلام ودعائم الحق ودرس للبشرية بأن الدم ينتصر على السيف ولتعلم البشرية المعمى العميق لأعظم شعار ألا وهو هيهات منا الذلة. 

أمين السلامي (ناشط مدني): 

الزيارة الأربعينية دروس كبيرة، صور ومفاهيم صعبة الترجمة.. الشعيرة التي تساهم بشكل فعلي بتهذيب النفوس ففي كل عام نجد ازدياد الوعي.

عبد الرضا الويساوي (إعلامي):

زيارة الأربعين موسم لإنعاش الروح وجلي القلوب وايقاظ الضمائر وفرمتة العقيدة وتثبيت الإيمان. والتوقيع الولائي في قائمة العزاء للحجة المنتظر وجدته فاطمة الزهراء عليهما السلام .

عماد الشرع (إعلامي وناشط مدني):

في كل عام يكسب الزائرون الى ارض ألطف وعند قبر الامام الحسين الرهان.. رهان التمسك والثبات على المحبة والسلام. زيارة الأربعين تكون أعمق وادق في النظرة والمعرفة حينما تعيشها مع الماشين من البصرة او بغداد صوب كربلاء في الطريق تستشعر ذاك الحماس والإيمان والتوجه والبذل والعطاء انه كرنفال العطاء بلا حدود انه تحدي الموت بالحياة فمن كان في قلبه الحسين يعيش ابد الدهر حياً حتى وان نال الشهادة في المشي كل عام الى كربلاء لاشك انك ستحصل على معرفة أناس جدد ورصيد مضاف من الاصدقاء والاحبة من محافظات ومن دول مختلفة.

ميادة السلطاني (صحفية):

هؤلاء الزوار أدهشوا العالم بعشقهم الحسيني دون المبالاة بالحر أو البرد أو الإرهاب لأنهم يؤمنون بحبهم والإيمان بعقيدتهم.

العشق الحسيني تتكسر في وصفه الاقلام وتخرس الالسنة أمام تلك الجماهير الحسينية التي تقطع مئات الكيلومترات حبا بالحسين عليه السلام. ولا ننسى الذين يرسمون في هذه المناسبة صورا في غاية الجود والكرم التي فاقت كل التصورات من خلال المضايف الكبيرة التي تمد من كل المحافظات وصولا إلى كربلاء لأن كلمة خادم الحسين عليه السلام تعني خادم زوار أبو عبد ألله الحسين وهذه الخدمة تنظم تطوعية أو تلقائية دون تدخل أي جهة رسمية ويبقى حب الحسين حاضر في ضمائرنا لأنه رسالة إلهية.

الدكتور فلاح الحسيني (أستاذ جامعي):

زيارة الاربعين تعني اننا مع خط محمد وآله الطاهرين خط الرسالة الخالد خط العقيدة والموقف والمبدأ والوفاء والفداء، الخط الرافض للباطل والانحراف والزيغ والضلال.

زيارة الاربعين ترسيخ للعقائد الحقّة، التوحيد الناصع والنبوة الصادقة والامامة الهادية المعصومة والعدل والمعاد. زيارة الاربعين تجديد العهد مع الله واحبائه بقولنا: نعم لإمامة الحسين وعقيدته وفكره ورأيه واجتهاده ونهضته وتضحيته، و(لا) لأعداء الله ورسوله وأوليائه.

علي الموسوي (إعلامي): 

المليونية التي ادهشت العالم اجمع، بعد ان وصل عدد ضيوف الحسين في عاصمته كربلاء، ألى اكثر من 25 مليون شخص، وهو تجمع لم يشهده العالم. إحدى اهم معاجز اربعين الحسين عليه السلام، هي انها تنظم تلقائيا دون تدخل اي جهة رسمية او دولية، فهذه الملايين الهادرة نحو كربلاء الحسين عليه السلام، لم تأخذ إذنا من احد ولم تتلق اوامر من احد، فحب الحسين كامن في نفوس زواره، وهذا الحب هو الذي يدفع الملايين من البشر نحو كربلاء.

اما معجزة المضيف الذي يحتضن كل هذه الملايين الهادرة، ويوفر لهم المأكل والمشرب والمبيت والامان وكل اسباب الراحة من اخر شبر من جنوب العراق الى كربلاء وايضا من الشمال مرورا ببغداد وصولا الى كربلاء والغريب تشاهد المسلم والمسيحي والصابئي والعربي والكردي الكل يجتمع تحت راية واحدة وهنا تبين ان الحسين لجميع الأحرار واصحاب الضمائر الحية.

زهراء الكناني (صحفية):

لا يخفى عن الكثير فضل زيارة الإمام الحسين في الأربعين استناداً لأحاديث أهل البيت وامتداداَ لموقف الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري الذي تزامن مع عودة عائلة الحسين عليه السلام من الشام.

أما من الجانب الفكري فأن زيارة الأربعين تنتج تلاقحا فكريا عن طريق التواصل المعرفي, فالتقاء الحضارات بين المشرق والمغرب هو الركيزة الأساسية, التي بنيت عليها الحضارة من خلال تذكير المجتمع بالمبادئ الحسينية ورفضه للظلم والطاغوت، أما من الناحية الاجتماعية فقد ساد التعايش السلمي بين الزوار من شتى الأماكن من خلال العمل التطوعي الذي نراه في خدمة المواكب دون أدنى تذمر او ملل.

 

2017/11/09
أوفى الأصحاب.. ما فقده الأنبياء وجده الحسين (ع)!!

وجع واحد تقاسمه جميع الأنبياء والدعاة إلى الله، كان لهم بمثابة اللعنة التي أجهضت كثيراً من مشاريعهم الإنسانية والحضارية لإنقاذ مجتمعاتهم، ذاك هو وجع \الخذلان\ الذي يتشعب منه \قلة الناصر\ و \نقض العهود\.

مع تقدم العصور وتعدد وسائل الشر والخداع، وكثرة مغريات الحياة، يحدث خلل ما يشوّه فطرة الإنسان، ليجعل من قيم الفضيلة في القاع، فتعتلي الرذيلة وأدواتها قمة هرم الحياة، وهنا يزداد وجع الصالحين والدعاة إلى الله، حيث الشعور بالغربة بعد أن فقد أهل الدنيا بوصلة تحديد اتجاه الحق من اتجاه الباطل.

هناك، على صفحات التاريخ العتيقة، يوثّق الصالحون هزائمهم المتكررة، وهم يعيشون تجارب الـ \خذلان\ الذي انتهى بهم إلى قلة الناصر واجبرهم على \القعود\.

تروي لنا هذه الصفحات، ثمة حوادث ومواقف لا مسؤولة تبنتها المجتمعات المحيطة بالأنبياء والأئمة عليهم السلام، مع مقارنة تعكس حجم إخلاص ثلة طيبة من الأصحاب، اقترنت اسماؤهم بالإمام الحسين عليه السلام، وإنها لمفارقة عجيبة أن يجتمع نسيج واحد من ألوان متعددة بإرادة كانت فوق الانتماء، جمعت النصراني والعثماني والهاشمي في هدف واحد، وهو الدفاع عن بقية رسول الله في أرضه آنذاك، فيما يشير القرآن الكريم إلى أن غالبية الرسل والأنبياء كانوا من أبناء جلدة أقوامهم يعرفون جذورهم، إلا أنهم لم يلقوا منهم إلا الخذلان.

يا موسى.. اذهب أنت وربك فقاتلا!

البداية، مع بني إسرائيل، حيث عرفوا مع نبيهم موسى عليه السلام بواحدة من حوادث الخذلان التي كانت سبباً لنزول العذاب الذي طوقهم، وذلك عندما دعاهم إلى تحرير أحدى مدنهم التي غزاها \قومٌ عمالقة\ وصفهم القرآن الكريم بـ \قومٍ جبارين\، ومع أن موسى حاول مراتٍ عدة تشجيعهم وتبشيرهم بنصر حتمي في حال دخلوا مدينتهم فاتحين لا مدبرين؛ إلا أن الخوف والجبن كانا سيدا الموقف، فاطلقوا كلمتهم الشهيرة: \اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون\، حتى انها أصبحت فيما بعد شعاراً للجماعات المتخاذلة والمتنصلة عن مسؤولياتها!.

\\

ومن هنا، عمد قوم موسى إلى جملة من التبريرات بقولهم: \إنا نخاف أن تسبى عيالنا وأطفالنا بعدنا\ وهو ما لم يخفه أصحاب الحسين رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، بل راحوا يتسابقون في تقديم أنفسهم وعيالهم فداءً له.

ومع بني إسرائيل أيضا، ويتجدد الموقف اللامسؤول مرة أخرى في غياب موسى عليه السلام، إذ اتبعوا سريعاً \السامري\ في قصة معروفة، تروي قيادة الأخير لحركة مناهضة للتوحيد من خلال دعوتهم لعبادة العجل، ليُفتتن ويحيط الشرك ببني إسرائيل في أسوأ صورة.

معاجز خارقة لم تُقنع قوم عيسى (ع)!

أما مع المسيح عليه السلام، كانت هناك صورة اخرى من صور الخذلان، تجلت في عدم إيمان قومه بنبوته رغم المعاجز الخارقة الكثيرة التي كان يتسلح بها، والتي طالما استخدمها لإثبات صدق صلته بالسماء، ومنها إحياء الموتى ومعالجة الأمراض المستعصية على الطب المتقدم آنذاك، فضلاً عن علمه بالتوراة ومجيئه بالإنجيل ككتاب سماوي جديد، إلا أن عدد الذين آمنوا به (12) شخصاً فقط، وهم الحواريون الذين أعلنوا إيمانهم المطلق بعد أن قال لقومه يطلب النصرة والإعانة: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52 آل عمران).

 فأي معجزة خارقة هذه التي تقف دون إيمان القوم؟ ويصدق ويؤمن آخرين بقضية إمامهم دون أدنى درجة من الشك أو الريب أمام بارقة السيوف!.

\\

خاتم الأنبياء: ما أوذي نبيٌ مثلما أوذيت

أما الأمة التي تحدث عنها القرآن الكريم قائلاُ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ} (110 آل عمران)،  فهي الأخرى شاطرت من سبقها من الأقوام في مواقف مشابهة ولا تقل خطورة عما يحدث مع موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام، وهذا ما ظهر واضحاً في العديد من الحوادث، ومنها ما جرى في معركة \الخندق\ حيث أصاب المسلمين حالة من الخوف والهلع أمام \عمر بن عبد ود\ عندما أخذ يجول بفرسه أمام جيش المسلمين داعياً إياهم إلى المبارزة دون ان يتلقى الرجل أدنى استجابة منهم!.

ولم يجرؤ على مبارزته، وقتها، إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي طلب الإذن من النبي صلى الله عليه وآله، مراتٍ عدة لما رأى منهم شدة الرعب، ولعل عدم إعطاء النبي صلى الله عليه وآله الإذن لعلي بالمبارزة كان يستهدف بيان التخاذل الشديد في معركة تاريخية فاصلة آنذاك.

ويمضي النبي صلى الله عليه وآله مبلغاً لرسالته وسط تضييق وتنكيل قومه المتواصل، فمن رميه بالحجارة، إلى نثر التراب على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي ولجّهم في أذيته حتى قال: \ما أوذي نبي مثلما ما أوذيت\ وقال أيضاً بعد أن توفى عمه أبو طالب واستضعفه المشركون: \اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي وناصري...\.

علي (ع) يشكو خذلان أهل الكوفة

بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تبدأ مرحلة شديدة الخطورة، كشفت زيف وكذب الكثير من المتلونين الذين أظهروا ارتدادهم بعد وفاته، فنُصب العداء لعلي بن أبي طالب وحُرب بقوة على خلافة النبي، واستمرت هذه الحرب حتى بعد أن أصبح رابع خلفاء الدولة الراشدة، حيث اصطف القوم مع معاوية بن أبي سفيان، ونشوب حرب \صفين\ حيث قال علي ابن ابي طالب عليه السلام على إثرها مخاطباً اهل الكوفة: \قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان..\.

وللإمام الحسن (ع) نصيب أيضاً!

ويتكرر المشهد ذاته مع سبط رسول الله الإمام الحسن عليه السلام، حيث أدى فقد الأنصار والخذلان إلى التنازل عن حق خلافة المسلمين لمعاوية بن أبي سفيان، وتعرضه للكثير من محاولات الاغتيال التي كان يدبرها معاوية بمكرٍ ودهاءٍ شديدين.

وتصل مرحلة الانحطاط بالمجتمع المحيط بالإمام عليه السلام إلى اتهامه شخصياً بـ \خذلان\ الشيعة وإذلالهم، حتى ينقل أن احدهم كان يسلم عليه قائلاً: \السلام على مذل المؤمنين\! .

ويخاطبه أحدهم معترضاً على ذلك ويقول: \..... أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا بتسليمك الأمر لهذا الطاغية ـ أي معاوية ـ ... \.

وكان الإمام الحسين يجيب حول هذا الموضوع قائلا: \والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه \.

ثم يبين الإمام الحسن عليه السلام تخاذل أهل الكوفة بقوله: \ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا \.

وحقاً، إنه عليه السلام لو فكر حينها بمحاربة معاوية بن أبي سفيان لقتله قومه واهدوا رأسه لمعاوية!

\\

أوفى الأصحاب

إزاء ما تقدم من حوادث، تنبري ثلة من الرجال النبلاء الصادقين، قدموا أرواحهم وعيالهم يوم عاشوراء دون الحسين عليه السلام، ليتجلى الوفاء بالعهد مع الحسين وصحبه في أبهى صوره، عندما راح يتسابق الواحد منهم تلو الآخر للشهادة بين يديه.

لقد انفرد الحسين عليه السلام بهذه النخبة من الأصحاب حيث ويؤكد هذه الحقيقة بقوله: \فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي\.

 

2017/11/08
 كيف واجه الحسين (ع) الإرهاب فكرياً؟

نلاحظ في الخطاب الحسيني أنّه ركَّز على بيان المنطلقات الإيمانية له، وحاول جهد إمكانه أن يُقنع بها الآخر، فقد كان خطابه حافلاً بذلك، وكلماته مشهورة، ومنها ـ مثالاً لا حصراً: «فلمّا مات الحسن بن علي ازداد البلاء والفتنة، فلم يبقَ لله وليّ إلّا خائف على نفسه، أو مقتول، أو طريد، أو شريد. فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجَّ الحسين بن علي (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس معه. وقد جمع الحسين بن علي (عليه السلام) بني هاشم، رجالهم ونساءهم، ومواليهم، وشيعتهم، مَن حجّ منهم ومَن لم يحج، ومن الأنصار ممَّن يعرفونه، وأهل بيته، ثمّ لم يدَع أحداً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنُّسك إلّا جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين (عليه السلام) في سرادقه، عامّتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين (عليه السلام) فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم مَن أمنتموه ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون؛ فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. فما ترك الحسين شيئاً أنزل الله فيهم من القرآن إلّا قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأُمّه وأهل بيته إلّا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: اللّهم نعم، قد سمعناه وشهدناه. ويقول التابعون: اللّهم قد حدَّثنا مَن نصدِّقه ونأتمنه. حتى لم يترك شيئاً إلّا قاله، ثمّ قال: أنشدكم بالله إلّا رجعتم وحدَّثتم به مَن تثقون به. ثمّ نزل وتفرَّق النّاس على ذلك»[1].

وفي هذا النص عبرة لنا في شدّة اهتمامه (عليه السلام) بإيصال الحقّ والمحافظة عليه من الاندراس، ومواجهة عملية التجهيل المركّب الواسعة التي تقوم بها أجهزة إعلام الدولة التكفيرية الأُموية القمعية التي تُعظِّم الحاكم بالجور (الخليفة)، وتوظّف معالم الدين لخدمة سلطته المعادية لله وللرسول والمؤمنين.

وأيضاً بيان الحقّ في مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في تعريف الإسلام للنّاس، وأنّ أيّ حذف لهم عن مقامهم الذي نصّبهم الله فيه فهو تشويه للدين وإضلال للمؤمنين.

كما قد حفلت كلماته التي وصلتنا بتعاريف إسلامية للمفاهيم التالية:

1ـ الحياة والموت: عند انتشار الباطل وضياع المقاييس: «فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[2].

2ـ الدنيا: فقد رُوي عنه: «عِبادَ الله، اتّقُوا الله وكونوا من الدّنيا عَلى حَذَر، فإنّ الدنيا لو بقيت لأحدٍ وبقي عليها أحدٌ، كانت الأنبياء أحقّ بالبقاء، وأَوْلى بالرضا، وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحل، وسرورها مُكْفَهِر، والمنزل بُلغَة، والدَّار قُلعَة»[3].

3ـ الفتح (النصر): فقد رُوي أنّه أرسل إلى أخيه محمد بن الحنفية: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بعد: فإنّه مَن أُلحقَ بي منكم استُشهِد معي، ومَن تخلَّف لم يبلغ الفتح، والسّلام»[4].

---------------------

[1]-   الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص18  ـ19.  وقد وردت الرواية مفصَّلة في كتاب سليم بن قيس الكوفي: ص320.

[2]-   الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص305.

[3]-   ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج41، ص218.

[4]-  الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص502.

 

2017/11/08
لماذا يحاربون زيارة الاربعين؟

لا يخفى على احد في عالمنا اليوم ما تشهده الساحة الدولية من موجات إرهاب حولت حياة العديد من الشعوب الى جحيم، بما عكفت عليه المنظمات الارهابية من تجسيد لصور مهولة من القتل والعنف والذبح الذي لا يفرق بين رجل وامرأة وطفل، ومما يؤسف له ان هذه المنظمات انطلقت في مشروعها الارهابي بجلباب الدين الإسلامي، فحملت الاسلام شعارا وجعلت من فقهه واحكامه ومنهجه مادة لفتاوي القتل والعدوان وأساسا لمتبناها الفكري ومشروعها السياسي في إقامة دولة اسلامية تنفذ ـ حسب زعمهم ـ حكم الله على الأرض، وقد نمّ عن هذه المنظمات ـ بطبيعة الحال ـ وما قامت به من اعمال اجرامية بشعة استياء الملايين من بني البشر، كما أمتد ذلك الاستياء الى الاسلام نفسه عند الكثيرين في العالم بعد أن تعرفوا على الاسلام من خلال هذا النشاط الإرهابي، وتأكد لهم أن آيات الجهاد الموجودة في القرآن وما يحمله الفكر الاسلامي من مفاهيم كمطلقية الله وحاكمية الخطاب الديني على الناس، هي أسباب فعلية للقتل وإلغاء الاخر وعدم التسامح. 

\\

ولما كانت هذه الموجات الارهابية قد نبعت  بما بات أوضح من الشمس في رابعة النهارـ من جهات وقوى عالمية ذات أغراض سياسية تستهدف الاسلام وشعوبه. لم تعد للذابّين عن الدين الاسلامي والمدافعين عنه من وسيلة للدفاع سوى الاعتماد على حقيقة ان هذا الخط الارهابي بكل ما يحمل من فتاوى ومبان فكرية لا يمثل غير انحراف كبير عن الخط الاسلامي الحق.

ولهذا كان الحسين عليه السلام وشعائره في المقدمة عند متبني الارهاب ومموليه من حيث العداء والعمل على القضاء عليه, لأن ثورة الحسين عليه السلام مشروع عملاق لتأكيد الانحراف عن الخط الاسلامي

ويأتي تأكيد الثورة الحسينية على الانحراف من خلال عدة نقاط:

1- تأكيد الامامة المنصوص عليها من قبل السماء على أنها الاساس في قيادة الأمة, وان الخلافة المزعومة لاتمثل غير انحراف في المشروع الرسالي الهادف الى اصلاح البشرية, حيث أعلن الحسين عليه السلام في احدى أدوار ثورته عن ذلك بقوله ( إنا أهل بيت النبوَّة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله).

2- التأكيد على كون الاصلاح هو الغاية من ثورته وذلك بقوله (ماخرجت أشرا ولابطرا وإنما خرجت طلبا للاصلاح في أمة جدي) ولاشك أن الاصلاح مقترن بعملية الانحراف

3- الاشارة الى حقيقة أنه عليه السلام لايثور ضد انحراف محدد بشخص يزيد بن معاوية وحكومته بل إن ثورته على واقع منحرف صنعته الخلافات السابقة على خلافة يزيد حيث يقول الامام الحسين عليه السلام ( ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء  قل الديانون) .

4- مما دار في عرصة كربلاء من مشاهد الارهاب حين تعرض الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه من رجال واطفال للقتل والذبح والتمثيل بجثثهم, وحيث أن هؤلاء هم حملة دعوى الاصلاح ضد الانحراف من خلال رفضهم البطولي لمظاهر الفساد واللاانسانية, سننتهي الى أن  ثورة الحسين عليه السلام قد عكست مشهدا مهما له دلالته في أن المدافعين عن الاسلام الحق كانوا ضحية الارهاب والعنف.

\\

 

وهنا نصل الى حقيقة مفادها:

1- إن السبب في سعي الجهات المسؤولة عن الارهاب والتي تهدف لإظهار العنف والقتل على انه جزء من حقيقة الاسلام  لطمس معالم ذكر الحسين عليه السلام هو كي تمحو كل ما يوضح حقيقة الاسلام البعيد عن العنف والقتل.

2- إن السبب في محاربة النواصب للشعائر الحسينية سيما المسيرة الاربعينية كون هذه الشعائر الوسيلة الفعالة في التذكير بما جرى من أمر ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) حين رفض المسار المنحرف عن الاسلام الحق واستشهد في سبيل اصلاحه.

3- المسيرة الاربعينية على وجه الخصوص لها دورها الاعلامي الفعال في نقل صورة نابضة بالمحبة والسلام، فهي ـ كما هو واضح للعيان ـ مسيرة سلمية يشارك فيها الملايين من محبي آل البيت عليهم السلام، ليحكوا عن الامام الحسين عليه السلام الذي وقف في ساحة المعركة ولسان حاله يقول ( اذا كان دين محمد لايستقيم إلا بقتلي فياسيوف خذيني), وليحكوا عن الامام الحسين عليه السلام الذي أحاطت به فرقة صغيرة من العسكر قادر هو على التغلب عليها وهذه الفرقة تريد أن تحمله الى جيش لايطيق مواجهته، فاقترح عليه نفر من أصحابه أن يقاتلوا الفرقة الصغيرة فاجابهم عليه السلام قائلا ( ماكنت لأبدأهم بقتال), ويحكوا عنه عليه السلام حين حمل رضيعه لأعدائه، من جنود الخلافة المنحرفة، طالبا له منهم شربة ماء فكان جوابهم ان ذبحوه في حضنه. 

4- وعليه فهي همسة في إذن الذين لاينفكون عن تسليط الضوء على ما تشهده المسيرة الاربعينية من بعض المشاهد السلبية والصور الخاطئة من المشاركين. إن المشاركة المحضة من الناس لها تأثيرها الفعال في التحشيد لهذه المسيرة وبالتالي تعزيز الدور الاعلامي الذي بينته للمسيرة، فيجب العمل على معالجة هذه المظاهر الخاطئة ونشر الثقافة الكفيلة بذلك، بدل التنكيل بمثل هذه المشروع الاسلامي العملاق.      

 

2017/11/08
لماذا نزور الإمام الحسين (ع) في أربعينيته؟

في عام 61 للهجرة، وفي نصف يوم فقط، اختزل الإمام الحسين عليه السلام ومن معه، من ولده وأصحابه، مسافة قرون على ولادة القيم الإنسانية بما تحويه من إصرار وثبات، واستدعاها آنذاك على صحراء كربلاء، ليكتب بخط عريض: موت في عز خير من حياة في ذل.

نعم، الجانب المميز والمشرق من بدايات حياة الإمام الحسين، عليه السلام، لم يكن قصيراً، إلا أن سويعات الطف احتلت مساحة أوسع، بل كانت أبلغ تأثيراً في نفوس المجتمعات الإنسانية على تنوعها، لأنها لم تكن أوقاتاً اعتيادية، بل كانت كل لحظة من لحظاتها ترسم مشهداً تراجيدياً مؤلماً.

\width=720\

وكأن لحظتي الموت والولادة امتزجتا معاً في الحسين ناهضاً ومظلوماً ومنتصراً! فبطولاته ومواقفه الإنسانية يوم عاشوراء لاتزال بعد كل هذه القرون محط اهتمام البشر عموماً، أما على نحو الخصوص، فإن نسبة كبيرة من اتباع الحسين، عليه السلام، في يومنا هذا، يحفظون رواية المقتل بتفاصيلها عن ظهر قلب.

مضافاً إلى كل هذا، فإن ثمة حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً، كما يعبر عنها النبي محمد، صلى الله عليه وآله، مثلت شعلة الانفجار العاطفي الذي تسبب بامتداد المراسيم بشكل واسع منذ اليوم الأول لشهر محرم الحرام حيث يتوافد الملايين من المسلمين غالبيتهم من الشيعة لأداء مراسم الزيارة والعزاء.

وهنا ينهض سؤال، اذا كان مصرع الحسين عليه السلام، والمشهد المأساوي الذي جرى عليه، وحالة التعاطف الكبيرة التي تسيطر على أتباعه، هي من يقف وراء زيارة مرقده في العاشر من محرم الحرام؛ إذاً لأي سبب يعودون إليه في أربعينيته، وتحديداً في الـ 20 من صفر في ممارسة تعرف بـ زيارة الأربعين؟.

سمة الإيمان

في واحدة من الروايات الأشهر حول زيارة الأربعين، تظهر أهمية التواجد عند قبر الإمام الحسين، عليه السلام، في العشرين من صفر، وهي بمثابة المعيار في تحديد صفة محورية بالنسبة للإنسان المسلم وهي الإيمان.

حيث يذكر الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، في هذه الرواية: علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين، وبطبيعة الإنسان أنى كان انتماؤه، السعي إلى نيل الدرجات الأعلى، سواء كان على المستوى الديني أو الاجتماعي أو الوظيفي غيرها من باقي التوجهات ومفاصل الحياة التي يراها مهمة بالنسبة له.

وهكذا فإن المسلم الشيعي يسعى عبر هذه الممارسة الدينية (الأربعين) إلى نيل هذه السمة -الإيمان- كونها درجة عالية لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وفي عرض المشي الموسمي إلى قبر الحسين فرصة للفوز به.

التفاعل الكوني

إلى جانب ذلك، هناك جملة من الروايات التي تحدثت عن تفاعل كوني (أربعيني) مع مصيبة الإمام الحسين، عليه السلام، فعن الإمام الباقر، عليه السلام، الذي شهد تلك الحادثة المفجعة وهو في مقتبل العمر، إنه قال: إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء.....

\width=720\

وفي رواية أخرى ينقل زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إنّ السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما اختضبت امرأة منا ولا اكتحلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.

والإنسان كأحد أجزاء هذا الكون؛ حتماً سوف ينال نصيبه من هذا التأثير والتفاعل الذي اجتاح معالم الطبيعة، فعندما تبكي السماء والأرض والشمس والقمر وسائر المخلوقات لمقتل الإمام الحسين عليه السلام، أربعين صباحاً او يوماً؛ فمن الطبيعي أن يلاحقه هذا التأثير الذي يظهر على شكل ممارسات مختلفة في زيارة الأربعين أو عاشوراء، والتي يصفها النبي بـ \الحرارة التي لا تبرد\ كما أشرنا في بداية المقال.

ختاماً، إن لزيارة الأربعين التي تزداد مع كل عام اتساعاً وتفاعلاً وتأثيراً، محفزات إنسانية قبل أن تكون شرعية أو اعتقادية، فهذه الأمواج البشرية الهائلة إنما هي تجسيد على الأرض لفطرة الإنسان التي تتألم لوجع المظلوم وتسعى لمواساته.

2017/11/07
العباس (ع).. رؤية جديدة!

شخصية تشغل حيزا واسعا في التراث الشيعي، لما سطرته من صور إن توّجت برائعة كربلاء وما كان منه (عليه السلام) يومها من بسالة وبطولة ووفاء، فلن يسع المتأمل فيها حينئذ إلا أن يردد ما جاء في كتاب الله {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا}.

وإننا في دائرة هذه الشخصية الفذة إزاء محورين:

المحور المليودرامي: المتمثل بالقوة والشجاعة التي جسدها يوم الطف حين نازل الابطال وصال بين الحشود، كأنه جيش تجمع في رجل، حتى وصل المشرعة مخترقا صفوف الحرس الذين وقفوا لحراستها وقد تجاوزوا الاربعمائة ألف، ووفاؤه الفذ مع أخيه الحسين عليه السلام والعقيلة زينب عليها السلام، إضافة الى لوحة الاطفال والظمأ وفناءه في سبيل جلب الماء إليهم.

وغني عن الذكر أن هذا المحور طالما كان المادة التي اعتمدها اصحاب المنابر في محاضراتهم، بيانا لسماته ومآثره عليه السلام واستدرارا للعاطفة والدمعة. وهو جهد لا يملك المرء غير الثناء عليه واعتباره الوسيلة الخلاقة في حفظ تراث ال البيت عليهم السلام وتخليد ذكرهم. ولكن رغم هذا فإن مع المنبر ثمة إشكال مفاده الاقتصار على هذا المحور في التعريف بالعباس عليه السلام، فلا يغدو عليه السلام للمتلقي غير الفارس البطل والاخ الوفي والكفيل الغيور، حتى نجد الكثيرين ممن هم خارج المذهب ناهيك عن اعداءه، وهم يسارعون الى تفسير هذا التعريف والإجلال، على أنه ناتج للوعي الجمعي وما فيه من تحفز لخلق الشخصية البطولية الخارقة.  

المحور الاخر: وفيه نجد جانبا انسانيا متكاملا في شخصية العباس عليه السلام وهو ما أدى الى ظهور سمات المحور الاول في شخصيته العظيمة، ولتكون تلك السمات مبنية على قاعدة صلبة من التكامل والنضج والوعي، أي أن تلك السمات هي انعكاس لبناء روحي متين ووعي عال.

ويتبيّن هذا في نقطتين:

الاولى: لقد شاء الله أن يكون الكائن الانساني ملتقى الاضداد وحلبة صراع لهما، فيكون فيه ـ دون غيره من المخلوقات ـ العقل والغريزة، الحكمة والشهوة، وبإحاطة واعية للخير والشر والخطأ والصح وإرادة حرة، ليكون تغليبه العقل والحكمة بعد ذلك تساميا حقيقيا له، ويستحق الثناء والثواب، فالملائكة وكونهم لم يودعوا غير العقل لا يستحقون ثناء او ثوابا في التزامهم جادة الصواب والفضيلة.

ولما كانت الشهوة والغريزة عناصر لها ـ في واقع الطبيعة البشرية ـ القوة والقدرة الكبيرة في التأثير على الانسان واختياره، كان تغليب العقل والحكمة أمرا ليس بالهين، ويحتاج الى رياضة روحية صعبة يجاهد فيها الانسان نفسه كي يكون قادرا على تملك زمام شهوته وغرائزه وكبح جماحها، وعليه فإن العباس عليه السلام في موقفه الخالد والاسطوري حين امتنع عن شرب الماء وكبده كالجمر من شدة الظمأ يكون نموذجا أعلى في مجاهدة النفس والوصول بها الى قدرة كاملة ليس في مجال العطش بل عموم تغليب العقل على الشهوة، وعلى الناس أن لا تتعامل مع موقف العباس عليه السلام في رفض الماء على أنه مشهد مؤثر يدل على عظمة أخ الحسين عليه السلام، بل مدرسة عظيمة في الجهاد الاكبر يتعلم فيها ذو المنصب كيف يعف عن الخوض في المال العام بالباطل ويتعلم العامل والموظف كيف لا يتكاسلان في إداء العمل، والمثقف والفنان وكل شرائح الوجود الانساني كيف لا ينكصون الى الذات ويؤثِرون على أنفسهم لخلق المجتمع البشري المتكامل.

النقطة الثانية: الشرائع السماوية طرق لاحبة أرادها الله (رحمة منه ولطفا) لإيصال الانسان الى حالة الكمال في مختلف شؤونه وجوانبه، وجعل المعصومين عليهم السلام للناس نماذج متكاملة في تجسيد مفردات الشرائع، فعلى الناس حينئذ أن يسعوا جاهدين للامتثال والاقتداء والتسليم لهؤلاء المعصومين عليهم السلام كي يبلغوا الكمال والسعادة التي تريدها لهم الشريعة السماوية.

وفي هذا الصدد يطالعنا العباس عليه السلام في علاقته بأخيه الامام المعصوم الحسين عليه السلام بكل ما جسده فيها من إكبار وإجلال له ومن طاعة وتسليم مطلق وتفان يبلغ حد الفناء والاستشهاد.. يطالعنا في هذه العلاقة بصورة متكاملة عن الشكل الصحيح والمستوى المطلوب لعلاقة الانسان بالمعصوم، فهذه العلاقة لم تكن علاقة أخ بأخيه تقوم على احترام وتقدير بالغين، بل علاقة قائمة على وعي عال وفهم متكامل لدور الانسان تجاه المعصوم عليه السلام.

وعليه فالعباس عليه السلام قد أحرز مقامه المتسامي بما مثله من تجسيد للإنسان الكامل الذي خلقت كماله الحالة النموذجية لاتباع المعصوم عليه السلام.

 

 

2017/11/07
لماذا شاء الله أن يرى نساء الحسين (ع) سبايا؟

لماذا اصطحب الإمام الحسين، عليه السلام، النساء والأطفال معه في مسيره ونهضته المباركة؟ ألم يكن يعلم بالمأساة التي سوف تجري على عياله؟ وهل يعقل أن يعرض الإمام الحسين عليه السلام نساؤه وعياله للخطر؟

تكمن الإجابة عن هذا التساؤل هو في معرفة أسباب خروجه، إذ قال، عليه السلام، مبيناً السبب عندما اعترضه أخوه ابن الحنفية واستفهمه حول حمل تلك النساء معه في هذه الرحلة الشاقة المليئة بالمخاطر بقوله: "شاء الله أن يراهن سبايا".

ومن هنا، فلا بد من بيان هذه العبارة الشريفة التي صدرت من المعصوم (عليه السلام) وقبل بيانها لا بد من المرور على بعض التوضيحات:

 المراد من المشيئة الإلهية

المشيئة ابتداء العزم على الفعل، وأما الإرادة فهي العزم على الفعل أو الترك بعد تصور الغاية المترتبة عليه من خير، أو نفع أو لذة ونحو ذلك، وهي أخص من المشيئة، لأن المشيئة ابتداء العزم على الفعل فنسبتها إلى الإرادة نسبة الضعف إلى القوة، والظن إلى الجزم، فإنك ربما شئت شيئاً ولا تريده لمانع عقلي أو شرعي. وأما الإرادة فمتى حصلت صدر الفعل لا محالة ([1]). 

المشيئة التشريعية والمشيئة التكوينية

وتنقسم المشيئة الى قسمين هما المشيئة التشريعية والمشيئة التكوينية وسيتضح من خلال بيانهما معنى قول الإمام الحسين (عليه السلام): «قد شاء الله أن يراني قتيلاً، وقد شاء الله أن يراهن سبايا».

فمن المعلوم أن المولى عز اسمه شاء أن يخلق الدنيا ويجعلها دار اختبار للإنسان من خلال ابتلائه وامتحانه، وكذلك شاء تعالى أن يجعل في هذه الدنيا الأنبياء والرسل والأئمة، وشاءت قدرته أن يجعل هذا الانسان مركباً من العقل والغريزة وهذه الامور كلها هي من المشيئة التكوينية.

وأما المشيئة التشريعية:

فهي كون الله تبارك وتعالى شاء أن لا يعبد معه أحد بل تكون العبادة خالصة له وحده لا شريك له، وأوجب الايمان برسله وأنبيائه كافة، واقتضت مشيئته تعالى أن عباده يطيعون هؤلاء الأنبياء والرسل، وشاء أن فرض عليهم العبادات والمعاملات وشاء أن لا يظلم الإنسان أخاه الإنسان وغير هذه الامور المذكورة من التشريعات الإلهية وكلها ضمن مشيئته سبحانه.

إلا أننا نجد أن الخلط قد يحصل بين هذين القسمين  ولعل السبب في هذا الخلط راجع الى إيجاد المبرر والعذر لتبرير ما يقترفه الانسان من ذنوب ومعاصٍ وتعدٍ لحدود الله تعالى، فعلى سبيل المثال؛ قد يقتل شخص شخصاً آخر وغرضه من هذا الفعل هو  السرقة ثم يعتذر عن هذا الفعل بقوله: لو لم يشاء الله لم تزهق نفسه على يدي ولم أكن قاتلاً في حين أن الإنسان القاتل هو الذي شاء قتل أخيه بعد أن أطاع شهواته الشيطانية؛ فالموت هنا: مشيئة تكوينية، لكن طريقة الموت وهو القتل مشيئة تشريعية بمعنى: أن الله تعالى شاء حرمة القتل ونهى عنه وحذر منه وعاقب عليه لكن القاتل بيده شاء ذلك.

ومن هذا المنطلق نلاحظ ن القرآن الكريم لم يغفل عن هذا التقسيم بل تعرض له في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ([2]).

وفي بيان هذه المسألة يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله، وقوله تعالى: (...قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ...) جوابهم للدعوة إلى الانفاق، وإنما أظهر القائل ـ الذين كفروا ـ ومقتضى المقام الإضمار للإشارة إلى أن كفرهم بالحق وإعراضهم عنه باتباع الشهوات هو الذي دعاهم إلى الاعتذار بمثل هذا العذر المبني على الاعراض عما تدعو إليه الفطرة من الشفقة على خلق الله وإصلاح ما فسد في المجتمع كما أن الاظهار في قوله: (الذين آمنوا) للإشارة إلى أن قائل (أنفقوا مما رزقكم الله) هم الذين آمنوا.

وفي قولهم: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) إشعار بأن المؤمنين إنما قالوا لهم: (أنفقوا مما رزقكم الله) بعنوان أنه مما يشاؤه الله ويريده حكما دينيا فردوه بأن إرادة الله لا تتخلف عن مراده فلو شاء أن يطعمهم أطعمهم أي وسع في رزقهم وجعلهم أغنياء.

وهذه مغالطة منهم، فقد خلطوا فيه بين الإرادة التشريعية المبنية على الابتلاء والامتحان وهداية العباد إلى ما فيه صلاح حالهم في دنياهم وآخرتهم، ومن الجائز أن تتخلف عن المراد بالعصيان، وبين الإرادة التكوينية التي لا تتخلف عن المراد.

ومن المعلوم أن مشيئة الله وإرادته المتعلقة بإطعام الفقراء والانفاق عليهم من المشيئة التشريعية دون التكوينية فتخلفها في مورد الفقراء إنما يدل على عصيان الذين كفروا وتمردهم عما أمروا به لا على عدم تعلق الإرادة به وكذب مدعيه.

وهذه مغالطة بنوا عليها جل ما افتعلوه من سنن الوثنية وقد حكى الله سبحانه ذلك عنهم في قوله: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ([3]).

وقوله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء ...) ([4]).

وقوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ...) ([5]).

وقوله عزّ وجل: (...إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). من تمام قول الذين كفروا يخاطبون به المؤمنين أي إنكم في ضلال مبين في دعواكم أن الله أمرنا بالإنفاق وشاء منا ذلك) ([6]).

فمن خلال هذا البيان يتضح أن الله عز وجل حينما شاء أن يرى مخدرات بيت الوحي سبايا فهذه المشيئة تكوينية، كي يرى صبرهن وتجلدهن في ذاته تعالى ـ أي ضمن إطار المشيئة التشريعية ـ ومن ناحية أخرى فالله تعالى وضمن المشيئة التشريعية إبتلى هذه الامة بولاية أهل البيت ( عليه السلام ) فكان ما أقدم عليه الجيش السفياني هو انتهاك للمشيئة التشريعية باعتبار أن الله تعالى لم يرتضِ الظلم و قتل النفس المحرمة، فيكون ما قاسوه من سبي وتشريد وقتل هو من من أعظم الانتهاكات التشريعية لما يترتب على ذلك من تعد على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وجميع الرسالات والتشريعات الإلهية.

---------

*مقتطف من كتاب سفيرة الحسين (ع) – عن شعبة البحوث والدراسات


([1]) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص35.

(([2] سورة يس: 47.

([3]) النحل: 35.

(([4] الأنعام: 148.

([5]) الزخرف: 20.

[6]) الميزان في تفسير القران: ج17، ص47.

2017/11/06
كربلاء تستقبل عشاقها

 منذ اكثر من عشرة أيام وطريق العشق الحسيني الابدي ينبري من قلوب سالكيه ليرسم لوحة المسير الزينبي، لكن رواده عشاق الحسين يحملون في خواطرهم ويستشعرون مع خطوات المسير كل تلك الخواطر والسلوكيات التي تخللت مسير الحوراء زينب (عليها السلام) من كربلاء الى الشام ومن الشام الى كربلاء، وها نحن نشاهد بل العالم كله يشاهد، هذا السيل الجارف الذي يحمل ذلك العشق الذي لا ينتهي لسببين أثنين: أولهما وعد النبي (صلى الله عليه وآله) لابنته الزهراء (عليها السلام) حيث قال لها:{ يا فاطمة! إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة}.

والامر الاخر، قول سيدة المسير زينب بنت علي (عليهما السلام) حيث قالت لولد أخيها الامام السجاد (عليه السلام): {سينصب بهذا الطف علم كلما اجتهد ائمة الجور على محو اثره فلا يزداد الا علوا وارتفاعا}.

فكان أولئك الزاحفون نحو قبلة الاحرار ومحط رحال العشاق حقيقة هم مصداق وعد النبي (صلى الله عليه وآله) وعهد زينب (عليها السلام) فها هم يأتون لزيارة الاربعين المقدسة.

وها نحن بل العالم كله يرى بأم عينه تلك العجوز وذلك الشيخ تلك الطفلة وذلك الطفل تلك المرأة وذلك الرجل وهم يسيرون مع كل ذلك البعد للطريق الذي يتخلله التعب والعناء والبرد والحر حسب تغير اجواء الليل والنهار لكنهم لم يروا في طريقهم إلا حقيقة واحدة وهي حقيقة الوصول الى أرض حملت على اكفها جسد حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الامام الحسين (عليه السلام) أننا لو سألناهم لوجدنا من القصص ما لم تسمعها اذن سامع ولشاهدنا من معاجزهم ما لم ترى عين باصر، ابن يحمل امه مع مرضها وهي مصابة بمرض تسبب بقلع جزء من جسدها أو زوج ترك زوجته وهي بأيام ولادتها لرجع وأبنه يبصر النور ماذا نقص وماذا نقول عن سائر على ساق ليس لها قدم تسندها أو متكئاً على عربة علها تعينه على مسيره.

ثم لم ننسى أولئك الذين سهروا الليل وبذل المال والجهد لراحتهم انهم أعدوا بيوت العشق الحسيني مواكب الركب الزينبي أبوا إلا ان يملئوا طريق الحسين منازل للراحة والمبيت والاطعام أبوا ان لا تعاد غصة ألم سبي زينب والعيال وما لاقوه من جوع وعطش، وقفوا ليقولوا لها لم يعطش لكِ سيدتي طفلا ولا يجوع لكِ سيدتي يتيماً عاهدوها ان يفرشوا طريق سير محبيها بكل ما يسهل لهم غاية وصولهم فرشوا الطرقات واخلوا الدور ليكون نزالها سائري طريق الولاية. 

أما ما يقدمه أهم طرفا في القضية بل اساس القضية رجال السواتر وحماة المقدسات إذ لولا وقفتهم على سواتر العزة لما تمكن اهلنا من الحث بمسيرهم ولما تمكن خادميهم من الوقوف لخدمتهم انهم رجال الله من الحشد المقدس والقوى الامنية ورجال الاتحادية والجيش العراقي الغيور .

فكربلاء تفتح ذراعيها لقاصديها وها هي تستقبل زائريها وعشاقها بكل لهفة وذلة خدمة فنحن لهم خدم قائمون ليصلوا ويستنشقون من عطر معشوقهم حبيب قلوبهم الامام الحسين الشهيد (عليه السلام).

2017/11/06
زينب (ع).. عندما تواجه المرأة الطاغوت توقظ الضمائر!

حاول بنو أمية (لعنهم الله) بكل ما يملكون من تجبر وطغيان إركاع الثورة الحسينية بإركاع رموزها وما انفكوا يقرعون طبول الغدر والخيانة ليجتمع الناس حولهم بغية ردع الثورة وقهر الثوار ولكن مشيئة الله كانت هي الأقوى لإعلاء كلمة الحق ونصرة الدين وفضح الباطل ومن الرموز التي حاول الأمويون قهرها وإطفاء نورها هو شخص السيدة زينب (عليها السلام). 

فقد حاولوا جاهدين إخضاعها أمام تلك المصائب التي توالت عليها والمحنة التي عانتها بعد مقتل أخيها الحسين (عليه السلام) ليقتلوا بذلك آخر نفس في البيت الهاشمي. وليخمدوا صوت الحق ويطمسوا معالم الصدق بخبثهم ومكرهم.

ولكن عميدة البيت الهاشمي الرفيع أبت إلا أن تقف صامدة بوجه تلك الطغمة الأموية الفاسدة.

فخيبت آمالهم وكسرت اصنامهم وهزت عروشهم بصوت علي والحسين (سلام الله عليهما)، فكان لها (عليها السلام) الدور البارز والمهم في الحيلولة لمنع الإعلام الأموي آنذاك من نشر بدعه وظلالته وآراءه الفاسدة المزيفة التي نسجتها يد المكر والخديعة وحاكتها أصابع الشيطان الغوي بما ينسجم مع مصالحهم الخاصة، فقد وقفت (عليها السلام) بوجه الدعايات الأموية المختلفة التي اصطنعوها ليبرّروا بها شناعة فعلهم وعظم جرمهم بقتل الحسين (عليه السلام).

ومن المعلوم أن الوسائل الاعلامية يومها كانت بيد الحكومة الجائرة المتمثلة بحكومة يزيد (لعنه الله)، فقد قاموا بشن حملة دعائية واسعة المدى ضد الثورة الحسينية لتبرير الجرائم الشنيعة التي ارتكبوها مع الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، ولكي يقنعوا العامة من الناس ويمتصوا غضب الخاصة منهم ممن كان يوالي أهل البيت (عليهم السلام) ولجعلهم يدورون في فلك الحكم الأموي محققين بذلك المصالح والمطامع التي من أجلها تسلقوا على أكتاف المسلمين ليصلوا إلى ما وصلوا إليه.

ومن جملة الأمور التي ركزوا عليها هو سلب الشرعية عن الثورة الحسينية وجعلها غطاءً لهم، فزعموا بأن الحسين (عليه السلام) جائر بخروجه على يزيد (لعنه الله) فيزيد خليفة المسلمين والإمام المفترض الطاعة، ولا يحق للحسين (عليه السلام) أن يتمرد على إمام زمانه فإن لم يبايع ويتبع حَلَّ دَمُهُ وكان من العاصين خصوصاً بعد ما أيدوا هذا المعنى ببعض الكتب التي علقوها على أبواب المساجد ممن باع دينه بدنياه من أبواق الظلمة وأتباع الشيطان كشريح الشقي (عليه لعائن الله)، ومما ساعد على نشر هذه الأضاليل وتصديق الناس إياها ما كان يتمتع به المجتمع الأموي من مبادئ معادية للخط الرسالي لأهل البيت (عليهم السلام) بسبب التربية الأموية لذلك المجتمع الذي سرعان ما تلقف بدعهم وضلالاتهم، كونه مغرساً جيداً لها فنبت بذور الشرك والإلحاد لتنتج مجتمعاً معوجاً منحرفاً عن الجادة الحقة منقاداً لآراء أَسيادِهِ الأمويين منسجماً مع أهواءهم جاعلين منه أداة لقمع أئمة الحق واتباع الهدى.

فكانت هذه العوامل وعوامل أخرى سبباً في منع السيدة زينب (عليها السلام) من إبلاغ رسالتها بصورة طبيعية، بل كانت تصب في مصلحة العدو وداعماً قوياً لدعايتها ضد أهل البيت (عليهم السلام) وحائلاً دون نجاح مهمة العقيلة (عليها السلام) في إتمام دورها كحاملة لرسالة ابي الأحرار (عليه السلام).

ولكن تلك المرأة العظيمة التي ساخت الجبال وما ساخ صبرها وقفت بكل إصرار وقاطعية وبدون أي تردد أمام تلك العقبات لتذللها العقبة تلو الأخرى بروح ملؤها الإصرار والحزم، حتى شاء الله اسمه أن تكون المتممة لمسيرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

فقد وقفت بتلك النفس المتعالية السامقة المملؤة عزماً وثباتاً مصرة على مقارعة الباطل بكل أطيافه فاضحة للناس حقيقة يزيد وأتباعه الجبابرة ومدى تنكبهم عن الصراط المستقيم واستهانتهم بمقدرات الأمة ودماء المسلمين، فكان ذلك تعرية لحكومة يزيد وأتباعه الظلمة.

فما كان منها (عليها السلام) إلا أن تتصدى بنفسها للخطابة جهاراً أمام الناس رجالاً ونساءً وهي المخدرة بل سيدة المخدرات التي ما رؤى لها شخص وما سمع لها صوت.

ولكن الطابع الخاص للظروف التي مرّت بها السيدة زينب (عليها السلام) ومقتضيات المنهج الذي حارب من أجله الحسين (عليه السلام) ودواعي إتمام المسيرة الحسينية وتخليداً لدماء الشهداء من آل البيت (عليها السلام) وأنصارهم وكشفاً لكثير من الحقائق الغامضة جعلها عازمة للتصدي بنفسها (عليها السلام) فوقفت صادعة بالحق ناطقة به كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أومأت أن اسكتوا فسكتوا فارتدت الأنفاس وسكتت الأجراس، ثم انحدرت (عليها السلام) كأنها السيل الهادر تتدفق الحكمة من منطقها.

وكان لهذه الخطبة العصماء أثرها الواضح في نفوس الناس مما جعلهم يضجون بالبكاء ندماً على ما فعلوه مع أئمة الحق ودعاة الصدق من الخذلان وعدم النصرة.

فكانت هذه هي الخطوة الأولى في طريق الجهاد الزينبي إذ استطاعت (عليها السلام) أن تقرر حقيقة كبرى في أذهان الناس آنذاك بإماطتها حجب الباطل عن وجه الحقيقة لتنزع الشرعية المزعومة لخلافة يزيد وتكسر حاجز الظلال الذي آل إليه أمر الناس آنذاك، بسبب الفهم الفاسد لكثير من المعتقدات التي رسخها معاوية وأتباعه في أذهان بعض المسلمين ممن انجروا خلف الدنانير الأموية أو طليت عليهم الحيل الشيطانية التي تمتع بها معاوية ليظل الناس عن القيم الإسلامية الحقة ويسحبهم إلى جادة الباطل، خدمة للمصالح الأموية الاستبدادية اللامشروعة.

فبيّنت لهم بأن فعل يزيد الفاسق ومن نصره من رجالكم مريدي الدنيا وناصري الباطل وخاذلي الحق كان هدماً لركن الدين وفرياً لكبد النبي (صلى الله عليه وآله) ونكثاً لعهد الله وهتكاً لحرمة رسول الله (صلى الله عليه واله) وسفكاً لدمه الشريف، حتى كادت السماء أن تنفطر وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، فاستقرت لهم عن وجه فعلتهم الشنيعة وأشعرتهم بخسة أفعالهم وسوء منقلبهم وعظم جرمهم فأصبحوا يؤنب بعضهم بعضاً يتلاومون على ما فعلوه فتفرّقت كلمتهم وتبدّدت جموعهم وانشقت صفوفهم حتى آل أمرهم إلى الشتات.

وكان هذا أول مكسب حققته العقيلة (عليها السلام) على صعيد الثورة فقد أيقظت الضمائر النائمة وأثارت دفائن العقول وكشف عن زيف الباطل فحطمت تلك الادعاءات التي شمخت بها أنوف الكفرة ممن ينسبون إلى الإسلام وهو منهم براء. 

----------

*مقتطق من كتاب سفيرة الحسين (ع) - عن شعبة البحوث والدراسات

 

2017/11/05