هل صحيح أنَّ مَن دفن الإمامَ الحسين (ع) هو الإمام السجاد (ع)، وإذا كان كذلك فكيف اُتيح له دفن والده وهو أسير بيد النظام الأموي، وقد أخذوه ضِمن عائلة الحسين (ع) إلى الكوفة يوم الحادي عشر من المحرَّم؟!
المشهور بين مؤرِّخي السنَّة أنَّ مَن دفن الحسين (ع) والشهداء الذين قُتلوا معه هم أهل الغاضريَّة من بني أسد، فقد ذكروا أنَّ عمر بن سعد جمع قتلى المعسكر الأموي وصلّى عليهم ثم دفنهم وترك الحسين (ع) ومَن كان معه من الشهداء دون تجهيز ثم إنَّه رحل عن أرض كربلاء في زوال يوم الحادي عشر من شهر محرم مصطحباً معه عائلة الحسين (ع) على هيئة الأسرى، وحينئذٍ خرج أهلُ الغاضرية من بني أسد وقاموا بتجهيز الشهداء ودفنهم بعد الصلاة عليهم(1).
وقد تبنَّى هذا القول عددٌ من العلماء ومؤرِّخي الشيعة مثل الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس وابن شهراشوب(2).
وفي مقابل هذا القول ثمة قولٌ آخر لا يبعد أنَّه الأقرب للواقع على أنَّه غير منافٍ للقول الأول وهو أنَّ الذي تصدَّى لتجهيز جسد الحسين (ع) ومَن كان معه من الشهداء هو الإمامُ السجَّاد (ع) وأعانَه على ذلك أهلً الغاضرية من بني أسد.
ويُمكن الاستدلال على ذلك بالروايات التي أفادت أنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمامٌ مثله، وهي روايات متعدِّدة بل ومستفيضة بل لا يُجازف من يدّعي القطع بصدورها في الجملة نظراً لكثرتها واختلاف طرقِها واشتمالها على ما هو معتبرٌ سنداً.
فمِن هذه الروايات ما رواه الشيخُ الكليني في الكافي بسندٍ معتبر إلى أحمد بن عمر الحلال أو غيره عن الرضا (ع) قال: قلتُ له: إنَّهم يُحاجّونا يقولون: إنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام. قال: فقال (ع): فما يدريُهم من غسَّله، فما قلتَ لهم؟ فقلتُ: جُعلت فداك قلتُ لهم: إنْ قال إنَّه غسَّله تحت عرش ربّي فقد صدق وإنْ قال: غسَّله في تخوم الأرض فقد صدق قال (ع): لا هكذا فقلت: فما أقول لهم؟ قال: قل لهم: إنِّي غسلتُه، فقلتُ: أقول لهم إنّك غسّلته؟ فقال: نعم"(3).
مفاد هذه الرواية الشريفة هو أنَّ -رجالاً والظاهر أنّهم من الواقفة- كانوا يحتجُّون على دعواهم بعدم إمامة الإمام الرضا (ع) بأنَّه لم يكن قد تصدَّى لتغسيل الإمام موسى بن جعفر (ع) نظراً لكونه في المدينة والإمام الكاظم (ع) قد استُشهد في بغداد، ولأنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام، فعدمُ تغسيل الإمام الرضا (ع) للإمام موسى بن جعفر (ع) يسلبُه بزعمِهم واحداً من أمارات الإمامة.
ولأنّ الراوي المتلقِّي للاحتجاج مؤمنٌ بقضيَّة أنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام لذلك التمس جواباً نظريَّاً، وحين راجع الإمام الرضا (ع) بعد ذلك أقرَّه على ما يُؤمن به وأفاد أنّه(ع) هو من تصدَّى لتغسيل الإمام موسى بن جعفر (ع)، ولو كانت القضيَّة مورد الاحتجاج باطلة لكان على الإمام (ع) بيان ذلك كيف ولحن حديثِه (ع) صريحٌ في تقرير هذه القضية، وليس لمتلقِّي الخطاب من الإمام (ع) أنْ يُنكر عليه الذهاب إلى بغداد وهو في المدينة يوم استشهاد الإمام الكاظم (ع) بعد التسليم بصدقِه وإمكانيَّة حصول ذلك بنحو الإعجاز.
وعليه فتقريبُ الاستدلال بهذه الرواية هو أنَّها ظاهرةٌ في مركوزيَّة هذه القضيَّة عند الشيعة وإقرار الإمام(ع) لهذا الارتكاز.
ومنها: ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن المفضَّل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) من غسَّل فاطمة ؟ قال: ذاك أميرُ المؤمنين (ع) وكأنِّي استعظمتُ ذلك من قولِه فقال: كأنَّك ضقت بما أخبرتُك به؟ فقلتُ: قد كان ذلك جُعِلتُ فداك، فقال: لا تضيقنَّ فإنّها صدِّيقة ولم يكن يُغسِّلها إلا صدِّيق، أما علمتَ أنَّ مريم لم يُغسِّلها إلا عيسى"(4).
ومنها: ما رُوي مسنداً في إثبات الوصية وغيره عن أبي بصير قال: قال الإمام موسى بن جعفر (ع): فيما أوصاني به أبي قال: يا بنيَّ إذا أنا متُّ فلا يُغسِّلني أحدٌ غيرك فإنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام(5).
ومنها: ما رواه الشيخُ الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) بسنده عن هرثمة بن أعين في حديثٍ طويل كان بينه وبين الإمام الرضا (ع) قُبيل استشهاده ورد فيه:"فإذا أنا متُّ سيقول -يعني المأمون- أنا أُغسِّلُه بيدي، فإذا قال ذلك فقل له عنِّي بينك وبينه أنَّه قال لي: لا تتعرَّض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني فإنَّك إنْ فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أُخّر عنك وحلَّ بك أليمُ ما تحذر فإنَّه سينتهي... إلى أن قال: فإنَّه سيُشرف عليك ويقول : يا هرثمة أليس زعمتم أنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام مثله، فمَن يُغسِّل أبا الحسن عليَّ بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟
فإذا قال لك ذلك فأجبه وقل له: إنّا نقول : إنَّ الإمام لا يجب أن ُيغسِّله إلا إمام فإنْ تعدَّى متعدٍ وغسَّل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدِّي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غُلِب على غسل أبيه، ولو تُرك أبو الحسن عليُّ بن موسى بالمدينة لغسَّله ابنُه محمد ظاهراً مكشوفاً ولا يُغسِّله الآن إلا هو من حيثُ يخفى"(6).
وثمَّة رواياتٌ أخرى أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة.
وتقريبُ الاستدلال بالروايات هو أنَّ مفادها امتناع وقوع تغسيل الإمام المطلوب شرعاً من قبل غير الإمام، وكذلك امتناع تغسيل الصدِّيق من قبل غير الصدِّيق.
وذلك لا يعني انَّه لا يتَّفق تصدِّي غير الإمام لتغسيل الإمام إلا أنَّ ذلك يكون في الظاهر ويكون من المحتَّم تصدِّي الإمام في الواقع لتغسيل الإمام الذي سبقه، فالرواياتُ ليست متصدِّية لبيان الوظيفة الشرعية فحسب وأنَّ على الإمام تكليفاً شرعيَّاً هو تغسيل الإمام الذي سبقه بل هي متصدِّية للحكاية عن قضية واقعية حتميَّة الوقوع، فإنَّ ذلك هو المستفاد من رواية هرثمة صريحاً وممَّا هو مركوز في فهم الشيعة كما هو ظاهر معتبرة أحمد بن عمر الحلال حيثُ إنَّ المنكرين لإمامة الإمام الرضا (ع) احتجُّوا على نفي إمامته بعدم تصدِّيه لتغسيل الإمام موسى بن جعفر (ع) والراوي لم يُنكر عليهم الاحتجاج بأصل القضيَّة رغم انَّه كان من الأيسر عليه ذلك لو كانت باطلةً وإنَّما أنكر عليهم دعواهم الجزم بعدم تصَدِّي الإمام لتغسيل والده ثم إنَّ الإمام الرضا (ع) أقرَّه على إيمانه بلزوم وقوع تغسيل الإمام من قبل الإمام الذي بعده وعالج الشبهة بواسطة إخباره أنَّه هو مَن تصدَّى لتغسيل الإمام موسى بن جعفر (ع) واقعاً، فلو كان تغسيل الإمام من قِبل الإمام الذي يليه مجرَّد وظيفة شرعيَّة لما ساغ الاحتجاج بذلك على عدم الإمامة لأنَّ من الواضح أنَّ الوظائف الشرعية إنَّما تكون مُلزمة في ظرف القدرة ولا يُتصور غفلة المنكرين عن ذلك.
وأما معتبرة المفضَّل ورواية أبي بصير فهما غير منافيتين لما استظهرناه فإنَّ قول الإمام (ع) (ولم يكن يُغسِّلها إلا صدِّيق) يناسب جداً الحكاية عن أمرٍ واقعي وأنَّه لم يكن ليقع تغسيل فاطمة الصِّديقة(ع) إلا من قبل صدِّيق وأنَّ ذلك مقامٌ منحَه اللهُ تعالى للصدِّيق المتوفَّى بأن يُهيئ له صدِّيقاً يقوم بشأن تغسيله، لذلك هيئ للسيِّدة مريم صِدِّيقاً يقوم بتغسيلها وهو المسيح عيسى (ع).
فإخبار الإمام الصادق (ع) للمفضَّل عن تغسيل المسيح عيسى لإمه مشعرٌ إذا لم يكن ظاهراً في أنَّ الإمام(ع) أراد أنْ يُعبِّر عن أنَّ ثمة سنَّة إلهيَّة أجراها الله تعالى مع الصدِّيقين، ويُؤكِّد ذلك ما ورد في رواية أبي معمَّر عن الإمام الرضا (ع) قال: سألتُ الرضا (ع) عن الإمام يُغسِّله الإمام؟ قال (ع) سنة موسى بن عمران (ع)(7).
وأما رواية أبي بصير عن الإمام الصادق (ع) فهي أيضاً مناسبة لما استظهرناه وأنَّ الإمام(ع) كان في مقام الحكاية عن قضية واقعيَّة وليس في مقام بيان الوظيفة الشرعيَّة فحسب، إذْ لو كانت وظيفة شرعيَّة لما كان لأبي بصير شأنٌ بها حتى يُخبره الإمام (ع) بها ابتداءً.
ثمَّ إنَّه قد يُقال إنَّ أقصى ما أفادته الروايات المذكورة هو لزوم وقوع تغسيل الإمام من قِبَل الإمام الذي يليه والإمام الحسين (ع) كان شهيداً لا يُغسَّل بل يُدفن كما هو في ثيابه، نعم لو كان في الروايات ما يدلُّ على لزوم وقوع الصلاة على الإمام من قِبَل إمامٍ مثله لكانت صالحة للاستدلال بها على حضور الإمام السجَّاد (ع) لتجهيز أبيه (ع) لكنَّها خالية عن الدلالة على ذلك.
والجواب عن هذا الإشكال:
هو أنَّه من غير المحتمل وجود خصوصيَّة في التغسيل تقتضي لزوم وقوعه من الإمام دون سائر مراسم التجهيز فإنَّ الظاهر عرفاً من الروايات المذكورة أنَّ ذلك كان وِساماً للإمام المتوفَّى ومنصباً للإمام الذي يليه ولا نحتمل خصوصيَّة للتغسيل دون الصلاة مثلاً خصوصاً وأنَّ الصلاة أجلُّ شأناً في مرتكز المتشرَّعة من التغسيل.
لذلك يتقدَّم لإمامتها -عندما يكون المتوفَّى وجيهاً- الأُمراء وكبار العلماء، وعليه فالمستظهَر عرفاً من الروايات المذكورة هو أنَّه لا يلي أمر الإمام إلا إمامٌ مثله وأنَّ القاعدة لا تختصُّ بالتغسيل فحسب.
ويمكن تأكيد هذا الاستظهار ببعض من القرائن:
القرينة الأولى: دعوى الإجماع على أنَّه لا يلي أمر الإمام إلا إمام مثله رغم أنَّ أكثر الروايات لم تتحدَّث إلا عن التغسيل، وذلك يُعبِّر عن أنَّ المتشرعة فهموا من الروايات المذكورة المعنى الذي استظهرناه (8).
القرينة الثانية: تصريح بعض الروايات بذلك.
منها: رواية الكشي حيث ورد فيها أنَّ عليَّ بن أبي حمزة البطائني قال للإمام الرضا (ع) إنَّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله فقال له أبو الحسن الرضا (ع) فأخبرني عن الحسين بن علي (ع) كان إماماً أو كان غير إمام؟ قال: كان إماماً، قال (ع): فمن وليَ أمره؟ قال: عليُّ بن الحسين (ع). قال كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد. قال: خرج وهم لا يعلمون حتى وَليَ أمر أبيه ثمَّ انصرف. فقال أبو الحسن (ع): إنَّ هذا أمكن عليَّ بن الحسين (ع) أنْ يأتي إلى كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يُمكِّن صاحب هذا الأمر أنْ يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمَّ ينصرف وليس في حبسٍ ولا أسر(9).
فالرواية المذكورة صريحةٌ في أنَّ التغسيل ليس وحده الذي يجب وقوعه من الإمام وإلا كان أيسر على البطائني أنْ يُجيب الإمام الرضا (ع) بأنَّ الإمام الحسين (ع) لم يكن قد غُسِّل فلا يجب حضور السجاد (ع) في تجهيزه.
فالرواية وإنْ كان في سندها اشكال إلا أنَّها تصلح قرينةً وشاهداً على ما استظهرناه، وسنقف عندها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ومنها: ما رواه الكليني في روضة الكافي بسنده عن عبد الله بن القاسم البطل عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)(10) ورد في ذيلها (ولا يلي الوصي إلا الوصي)(11).
واشتملت هذه الرواية على أنَّ الذي يليه الإمام من الإمام ليس هو التغسيل فحسب بل هو مضافاً إلى التكفين والتحنيط والإيداع في اللحد، وهو يؤكِّد ما استظهرناه من الروايات موردَ الاستدلال.
ومنها: ما رواه ابن شهراشوب في المناقب قال: وقد روي أنَّا أهل بيت النبوة والرسالة والإمامة... وإنَّ الإمام لا يتولَّى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلا إمام مثله".(12).
وبما ذكرناه نخلصُ إلى هذه النتيجة وهي إمكانيَّة التمسُّك بإطلاق ما دلَّ على أنَّ الإمام لا يُغسِّله إلا إمام مثله لإثبات أنَّ من تولَّى شأنَ تجهيز الإمام الحسين (ع) ودفنِه هو الإمام السجاد (ع).
وثمة دليلٌ آخر يُمكن التمسُّك به لإثبات هذه الدعوى، وهو مكوَّن من عدة أمور يحصل بمجموعها الوثوق بأنَّ الذي كان قد تصدَّى لتجهيز الإمام الحسين (ع) ودفنه هو نجلُه الإمام السجاد (ع).
الأمر الأول: ما ورد من رواياتٍ خاصَّة تنصُّ على تصدِّي الإمام السجاد (ع) لتجهيز والده الحسين الشهيد (ع)، وما وقفنا عليه في ذلك روايتان.
الأولى: رواية الكشي والتي ذكرناها سابقاً وتقريب دلالتها على الدعوى هو أنَّ الإمام الرضا (ع) أقرَّ البطائني على دعواه وأنَّ الذي وليَ أمر الإمام الحسين (ع) هو السجاد (ع)، ولو كان الواقع على خلاف ما ادَّعاه البطائني لكان المناسب تفنيد الإمام لدعواه.
هذا ما يتَّصل بالدلالة -ولنا عودة للرواية- وأما ما يتصل بالسند فهي ضعيفة السند بالإرسال واشتمالها على أحمد بن سليمان وإسماعيل بن سهل إلا أنَّ ذلك لا يمنع من اعتبارها شاهداً على الدعوى.
الثانية: ما رواه العلامة المجلسي في البحار عن بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد وأحمد بن إسحاق عن القاسم بن يحيى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: لما قُبض رسول الله (ص) هبط جبرئيلُ ومعه الملائكة والروح الذين يهبطون ليلة القدر قال: ففُتح لأمير المؤمنين بصرُه فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يُغسِّلون النبيَّ معه ويُصلُّون معه عليه ويحفرون له، واللهِ ما حفر له غيرُهم حتى إذا وُضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلَّم، وفُتح لأمير المؤمنين على سمعِه فسمعه يُوصيهم به فبكا، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنَّما هو صاحبنا بعدك إلا أنَّه ليس يُعايننا ببصره بعد مرَّتنا هذه، حتى إذا مات أميرُ المؤمنين (ع) رأى الحسنُ والحسينُ مثلَ ذلك الذي رأى ورأيا النبيَّ (ص) أيضاً يُعيين الملائكة مثل الذي صنعوا بالنبيِّ حتى إذا مات الحسنُ رأى منه الحسينُ مثل ذلك ورأى النبيَّ (ص) وعليَّاً (ع) يُعيينان الملائكة، حتى إذا مات الحسينُ رأى عليُّ بن الحسين منه مثل ذلك ورأى النبيَّ وعليَّاً والحسن يعينون الملائكة، حتى إذا مات عليُّ بن الحسين (ع) رأى محمَّدُ بن عليٍّ مثل ذلك ورأى النبيَّ وعليَّاً والحسن والحسين يُعينون الملائكة، حتى إذا مات محمد بن عليٍّ رأى جعفرٌ مثل ذلك ورأى النبيَّ وعليَّاً و الحسنَ والحسين و عليَّ بن الحسين يُعينون الملائكة حتى إذا مات جعفر رأى موسى منه مثل ذلك، هكذا يجري إلى آخرنا(13).
هذه الرواية كما تلاحظون صريحة في تصدِّي الإمام عليِّ بن الحسين (ع) لتجهيز والده الشهيد الحسين بن علي (ع) إلا أنَّها ضعيفة السند، فلتكن مؤيِّداً آخر على الدعوى.
الأمر الثالث: ما ورد من أنَّ الإمام الحسين (ع) دُفن في قبرٍ مستقلٍّ ودُفن ابنُه عليُّ ابن الحسين الأكبر (ع) ممَّا يلي رجليه، ودُفن الشهداء من بني هاشم في قبرٍ واحد ودُفن الشهداء من غير بني هاشم في قبورٍ جماعيَّة أو في قبرٍ واحد ممَّا يلي رجلي الحسين (ع) وأمَّا العباس بن علي (ع) فدُفن في الموضع الذي قُتل فيه على طريق الغاضرية(14).
وهذا التفصيل والذي هو موردٌ لتسالم العلماء ومؤرِّخي الشيعة لا يتناسبُ مع دعوى تصدِّي أهلِ الغاضرية من بني أسد بنحو الاستقلال لتجهيز الحسين (ع) ومَن كان معه من الشهداء خصوصاً مع الالتفات إلى أنَّ رؤوس الشهداء قد فُصلت عن أجسادهم، فمن أين لبني أسد العلم بهويَّات الشهداء، وهم من أهل البادية ولم يشهدوا المعركة، وقد لا يكون منهم من تشرَّف برؤية الإمام الحسين (ع) فضلاً عن بقية الشهداء (ع).
فحينئذٍ كيف يُقال إنَّهم أفردوا للحسين (ع) قبراً ودُفن الأكبر قريباً منه ممَّا يلي رجليه، ولو تجاوزنا ذلك فكيف نتجاوز عن سبب دفنهم للعباس (ع) وحده، وهم لا يعرفونه قطعاً وقد كان أيسر عليهم أنْ يضعوه مع سائر الشهداء في القبر الجماعي الذي حفروه لهم، فليس ثمة ما يقتضي دفنه مستقلاً بعد افتراض جهلهم بهويَّته، فلم يكن من البُعد بحيث يكون دفنُه مستقلاً أيسر عليهم من حمله ووضعه مع سائر الشهداء.
إنَّ كلَّ ذلك يُعبِّر عن أنَّ الدفن بالكيفيَّة المذكورة لم يكن اتفاقيَّاً وجزافيَّاً بل كان عن تخطيط لا يناسب واقع أهل الغاضريَّة من بني أسد، وذلك ما يُؤكِّد ما ادَّعيناه من أنَّ الإمام السجاد (ع) هو الذي كان قد باشر الإشراف على تجهيز الإمام الحسين (ع).
ثمَّ إنَّ هنا رواية ينقلها السيِّد ابن طاووس في كتابه مصباح الزائر ورد فيها أنَّ جابر بن عبد الله الأنصاري جاء لزيارة قبر الإمام الحسين (ع) يوم العشرين من صفر بصحبة (عطا) عطية العوفي وبعد أن اغتسل وتطيَّب وقف على قبر الحسين (ع) وكبَّر ثلاثاً ثمَّ خرَّ مغشياً عليه، ولمَّا أفاق سلَّم على الحسين (ع) ولمَّا انتهى من السلام عليه وصلَّى ركعات جاء إلى قبر عليِّ بن الحسين (ع) فقال السلام عليك يا مولاي وابن مولاي لعن الله قاتلك لعن الله ظالمك أتقرب إلى الله بمحبتك..) ثمَّ قبَّله وصلَّى ركعتين والتفت إلى قبور الشهداء وقال: (السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله، السلام عليكم يا شيعة الله وشيعة رسوله..)(15).
ثمَّ جاء إلى قبر العباس بن أمير المؤمنين (ع) فوقف عليه وقال: " السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عباس بن علي، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين...".
هذه الرواية صريحةٌ في أنَّ قبر الحسين (ع) وقبر عليِّ بن الحسين الأكبر (ع) والعباس بن علي (ع) كانت مشخَّصة عند جابر بن عبد الله الأنصاري رغم أنَّ الزيارة كانت قبل الالتقاء بالركب الحسيني العائد من الشام -هذا لو تمَّ الالتقاء بهم- فمن أين لجابرٍ العلم بموضع قبر الحسين (ع) والأكبر والعباس (ع)؟
إنَّ هنا احتمالين لا ثالث لهما، فإمَّا أن تكون القبور المذكورة قد كُتِب عليها أسماء أصحابها، وإمَّا أنْ يكون تشخيصها قد تمَّ بواسطة مَن حضر مراسيم الدفن، وعلى كلا الاحتمالين يتعيَّن حضور الإمام السَّجاد (ع) لمراسيم الدَّفن، وذلك لأنَّه من غير المتاح لأهل الغاضرية القدرة على تشخيص هويَّات الشهداء بعد أنْ لم يكونوا عارفين بمشخَّصاتهم قبل القتل ولم يكونوا ممَّن شهد المعركة، ولأنَّ الشهداء قد فُصِلت عنهم رؤوسهم، وإذا كان من الممكن تشخيص جسد الحسين (ع) فإنَّ تشخيص جسد العباس وكذلك عليٍّ الأكبر مستبعدٌ جداً نظراً لما ذكرناه.
وعليه فالمتعيَّن هو أنَّ منشأ تشخيصهم لمواضع القبور كان بسبب إرشاد الإمام السجاد (ع) وتعريفه لهم بهويَّات الشهداء حين كان يُشرف على تجهيزهم ودفنهم.
الأمر الرابع: ما ورد في الروايات من أنَّ الإمام الرضا (ع) كان قد ولي أمر الإمام موسى بن جعفر (ع) فقد روى الشيخ الصدوق وغيره أنَّ الإمام الرضا حضر إلى بغداد وغسَّل والده وكفَّنه ودفنه، وقد نقلنا فيما سبق ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن أحمد بن عمر الخلال وما رواه عن أبي معمر، فرغم أنَّ الإمام الرضا (ع) كان حين استشهاد والده في المدينة إلا أنَّ الروايات أكَّدت حضوره إلى بغداد لتجهيز والده (ع).
وورد في الروايات أنَّ الإمام الجواد (ع) كان قد وليَ أمر أبيه الرضا (ع) كما في رواية هرثمة المتقدِّمة ومعتبرة أبي الصلت الهروي وقد جاء فيها: " فبينا أنا كذلك إذ دخل عليَّ شابٌّ حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا (ع)، فبادرتُ إليه وقلتُ له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومَن أنت؟ فقال لي: أنا حجَّة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن عليٍّ ثم مضى نحو أبيه... ومضى الرضا (ع) فقال أبو جعفر (ع) يا أبا الصلت قم ائتني بالمغتسل والماء من الخزانة... فقال لي تنحَّ يا أبا الصلت فإنَّ لي مَن يُعينني غيرُك فغسَّله ثم قال لي: ادخل الخزانة فاخرج السفط الذي فيه كفنُه وحنوطه... فحملتُه إليه فكفَّنه وصلَّى عليه.."(16)
فرغم انَّ الإمام الجواد (ع) حين استشهاد والده كان في المدينة وكان الإمام الرضا (ع) في خراسان إلا أنَّ الروايات أكَّدت حضوره وتولِّيه شأنَ تجهيز والده (ع).
وورد أيضا في الروايات المأثورة عن أهل البيت (ع) أنَّ الإمام الصادق (ع) أوصى ابنه الإمام الكاظم (ع) بأنْ يليَ شأن تغسيله كما في رواية أبي بصير وأفاد أنَّ الإمام لا يُغسِّلُه إلا إمام، ولهذا تولَّى الإمامُ الكاظم (ع) شأن تجهيز والده الإمام الصادق (ع) كما أفادت ذلك الروايات، فرغم أنْ الإمام الكاظم (ع) لم يكن الولد الأكبر للإمام الصادق (ع) إلا أنَّه ونظراً لكونه الإمام بعد أبيه تصدَّى هو دون غيره لتولِّي شأن تجهيزه(17).
وهكذا الحال بالنسبة للإمام المهدي (عج) فرغم ظروف الغيبة تصدَّى هو للصلاة على أبيه كما أفادت ذلك بعض الروايات والتي جاء فيها: "فلما صرنا في الدار إذ أنا بالحسن بن عليٍّ (ع) على نعشه مكفَّناً فتقدَّم جعفر بن عليٍّ ليصلِّي على أخيه، فلمَّا همَّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة، شعره قَطَط بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن عليٍّ وقال: تأخَّر يا عم فأنا أحقُّ بالصلاة على أبي، فتأخَّر جعفر وقد أربدَّ وجهُه واصفرَّ فتقدَّم الصبيُّ وصلَّى على أبيه.."(18)
وقد نقلنا لك قريباً معتبرة عبد الرحمن بن سالم والتي أفادت أنَّ الإمام أمير المؤمنين غسَّل فاطمة (ع) وذلك لأنَّها صدِّيقة ولم يكن يُغسِّلها إلا صدِّيق وورد ذلك في رواياتٍ أخرى أيضاً، فرغم أنَّ مذاق العرف يستوحش من تصدِّي الرجل لتغسيل زوجته خصوصاً مع وجود المماثل إلا أنَّ الإرادة الإلهيَّة المُلزمة قد اقتضت ذلك نظراً لكون فاطمة صدِّيقة، والذي هو أكثر استيحاشاً من ذلك أن يتصدى الابن لتغسيل والدته إلا أنَّه ورغم ذلك تصدَّى السيدُ المسيح لتغسيل والدته السيدة مريم كما أفاد الإمامُ الصادق (ع) في معتبرة عبد الرحمن بن سالم مبرِّراً ذلك بأنَّه لم يكن لغير الصدِّيق أن يتصدَّى لتغسيل الصدِّيق.
وبهذا الذي ذكرناه هنا تتأكد صوابيَّة ما ادَّعيناه من تصدِّي الإمام السجاد (ع) لتولِّي شأن تجهيز والده الحسين الشهيد (ع) إذ أنَّ ما تمَّ بيانُه يُعبِّر عن أنَّ ثمة سنَّةً إلهيَّة أجراها المولى جلَّ وعلا في أوليائه المعصومين (ع) فليس اتَّفاقاً أن يُناط هذا المنصب بمَن سبق الإمام السجاد (ع) ومن لحقه من المعصومين (ع) ولا نتعقل مانعاً يحول دون جريان هذه السنَّة الإلهيَّة في سيد الشهداء، فلو كانت العوائق الظاهريَّة مانعاً لمنعت دون وصول الإمام الرضا (ع) إلى بغداد ولمنعت دون حضور الإمام الجواد (ع) إلى خراسان كيف وقد تواترت الروايات تحكي كراماتٍ أظهرها الله جلَّ وعلا على يد وليِّه ونجيبه زين العابدين (ع).
إذا اتَّضح ما ذكرناه وتبيَّن أنَّ مجموع الأمور الأربعة مُنتجة للاطمئنان بصحَّة ما ادَّعيناه نشير إجمالا واستكمالاً للبحث لما قد يرد من إشكال حول بعض الأمور المتصلة بالبحث:
الإشكال الأول: وهو يرتبط برواية الكشي التي نقلناها فيما سبق، وحاصل الإشكال أنَّه قد يقال إنَّ الرواية لا ظهور لها في أنَّ الإمام السجاد (ع) كان قد وَليَ شأن تجهيز والده الحسين (ع)، وذلك لأنَّ الإمام الرضا (ع) كان في مقام الاحتجاج على ابن أبي حمزة البطائني، فأقصى ما يظهر من الرواية هو أنَّ الإمام الرضا (ع) أراد القول بأنَّ افتراض تمكُّن عليِّ بن الحسين (ع) من العودة إلى كربلاء وتجهيز والده (ع) يقتضي إمكانيَّة حضوره إلى بغداد لتجهيز والده الإمام موسى بن جعفر (ع) أي أنَّه إذا جاز عقلاً صحَّة الفرضيَّة الأولى فلماذا يمتنع افتراض صحَّة الثانية، فليس في الرواية ما يقتضي ظهورها في إقرار الإمام(ع) بوقوع القضيَّة الأولى وهي تصدِّي السجاد(ع) لتجهيز والده الحسين (ع).
والجواب عن هذا الإشكال:
أنه لو تمَّ القول بعدم ظهورها فيما ادعيناه فإنَّ ذلك لا يؤثر على النتيجة التي خلصنا إليها، ذلك لأنَّها لم تكن وحدها الذي تمسَّكنا به حتى يكون إسقاطها منتجاً لسقوط الدعوى، على أنَّ القول بعدم ظهورها في المطلوب ساقط جداً، وذلك يتَّضح بالوقوف على ما هو الشيء الذي كان يُنكره عليُّ بن أبي حمزة على الإمام الرضا (ع) فالذي يظهر من الرواية وما هو المعلوم قطعاً من غيرها أيضاً أنَّ عليَّ بن أبي حمزة كان يُنكر إمامة الإمام الرضا (ع) ويدَّعي عدم موت الكاظم (ع) وقد جاء ومَن كان معه إلى الإمام الرضا (ع) لغرض البرهنة على صوابيَّة إنكارهم لإمامته، لذلك سألوه أولاً كما في الرواية "ما فعل أبوك قال: مضى، قال: مضى موتاً قال: (ع) نعم، قال: فقال: إلى مَن عهِد؟ قال (ع): إليَّ، قال: فأنت إمامٌ مفترضُ الطاعة من الله. قال (ع): نعم.
قال ابن السراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه.." (19)
ثم بدأ ابنُ أبي حمزة بالاحتجاج عليه.. قال: إنَّا روينا عن أبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله.." (20).
فأراد أن يقول أنَّك لم تحضر لتجهيز والدك الذي تدَّعي خلافته، فلو كنتَ إماماً لكنت مَن تولَّى تجهيزه لأنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، وهذه القضيَّة بصغراها وكبراها تقتضي هذه النتيجة وهي أنَّ الإمام الرضا (ع) لم يكن إماماً.
ويكفي لإسقاط هذه النتيجة اعتماد أحد الطرق الآتية:
الطريق الأول: إنكار الكبرى وهي أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، فحيثُ أنَّه (ع) لم ينكرها فذلك تعبيرٌ عن إقراره لها وتأكيده على صدقها، وما قد يقال إنه لم يكن يسعه إنكارها لأنَّهم لن يقبلوا ذلك منه نظراً لعدم إيمانِهم بإمامته فيكون إنكارُه بغير حجَّة بنظرهم، إذ لهم أنْ يردُّوا على إنكاره لو أنكر بأنَّ هذه الكبرى مستندة إلى حجَّة وهي ما نرويه عن آبائك الذين تُؤمن أنت بإمامتهم، فلأنه لم يكن يسعُه الإنكار لذلك اتَّخذ طريق المجاراة معهم ليخصمهم بعد ذلك بقولهم.
لو قيل ذلك فإنَّه يُجاب عنه بأنَّه لو لم يكن يُصحِّح الإمام هذه الكبرى لوسعه أنْ يُكذِّبهم ويُنكر عليهم روايتهم ذلك عن آبائه، بأنْ يؤكد أنَّ قول آبائه وانْ كان حجَّة إلا أنَّ دعواكم أنَّ ذلك ممَّا قد صدر عنهم كذبٌ وافتراء، وحينئذٍ تسقط الكبرى التي أرادوا التمسُّك بها للوصول إلى غرضهم نظراً لكونها غير مبرهَنة ولا مسلَّمة للخصم، فتكذيبُهم لو لم تكن القضية واقعيَّة كان هو الأيسر على الإمام لإسقاط دليلهم.
على أنَّ الإمام لو أنكر عليهم هذه القضية لم يكن من الصعب عليه البرهنة على إنكاره كما فعل ذلك في الحجَّة الأخرى التي احتجُّوا بها على الإمام (ع).
فقد ورد في نفس الرواية أنَّ عليَّ بن أبي حمزة قال للإمام (ع) لقد أظهرت شيئاً ما كان يُظهره أحد من آبائك ولا يتكلَّم به فقال الإمام (ع): بلى والله لقد تكلَّم به خير آبائي رسول الله (ص) لما أمره أن يُنذر عشيرته الأقربين، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً وقال لهم إنِّي رسولُ الله إليكم، وكان أشدَّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمُّه أبو لهب فقال لهم النبيُّ (ص).. إنْ خدشني خدشٌ فلستُ بنبيٍّ، فهذا أول ما أُبدِعُ لكم من آية النبوَّة، وأنا أقول إنْ خدشني من هارون خدشاً فلستُ بإمام فهذا ما أُبدع لكم من آية الإمامة.(21)
فابنُ أبي حمزة في هذه الفقرة احتجَّ على عدم إمامة الإمام بدعوى أنَّ السيرة القطعية للأئمة (ع) كانت جارية على إخفاء إمامتِهم وعدم البوح بها إلى مستوىً يؤدِّي إلى علم السلطان، فلأنَّ الإمام الرضا (ع) قد أظهر إمامته فذلك يُنافي ما عليه سيرة الأئمة (ع)، وهو دليل على عدم إمامته بزعمه.
فكان جواب الإمام (ع) هو إنكاره للكبرى التي تمسَّك بها عليُّ بن أبي حمزة ثم أنَّه تصدَّى للبرهنة على إنكاره بأمرين أحدهما الإشارة إلى الآية وأنذر عشيرتك الأقربين والثانية أنَّه تحدَّاه أنْ يتمكَّن هارون من أنْ يمسَّه بسوء وهو إخبارٌ عن الغيب.
ثم إنَّ من غير المناسب أن يُفترى على آبائه الطاهرين في محضره وفي قضيةٍ هي من الخطورة بحيث يكون عدم تفنيدها موجباً لضلال الكثير من الناس، من غير المناسب أنْ يكون الأمر كذلك ثم لا يتصدَّى لتكذيب هذه الفِرية، خصوصاً وأنَّ واحداً من أهمِّ وظائف الإمام هو ردُّ الشبهات الاعتقاديَّة بنحوٍ ينتفي أثرُها في التضليل، ودعوى عدم ظهور جواب الإمام في التسليم بالقضية لا ينهض لمستوى الإنكار لصدقها وهو خلفُ وظيفته من جهة وإهمالٌ لخطورة الأثر المترتِّب على عدم التصريح بالإنكار من جهةٍ أخرى.
إذن فعدمُ تصدِّي الإمام(ع) صريحاً لإنكار الكبرى وهي أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله يساوقُ الإقرار بها والتصديق بصوابيَّتها.
الطريق الثاني: لإسقاط النتيجة التي يروم البطائني الوصولَ إليها وهي البرهنة على عدم إمامة الإمام الرضا (ع) هو أنْ يتصدى الإمام الرضا (ع) لنفي إطلاق الكبرى بأنْ ينفي أن تكون هذه القضية مطَّردة مع كلِّ إمام، وهو (ع) لم يفعل ذلك فلم ينفِ إطلاق أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، وذلك يقضي الإقرار بتماميَّة إطلاقها.
ولو قيل إنَّ الإمام نفى الإطلاق بواسطة التمثيل بما وقع للإمام الحسين (ع) فكأنَّه أراد القول أنَّ هذه القضية غير مطَّردة بدليل أنَّ الإمام الحسين (ع) كان إماماً باعترافكم ومع ذلك لم يتصدَّ لتولِّي شأنه الإمامُ السجاد (ع) رغم أنَّه الإمام باعترافكم، فتمثيله بالإمام الحسين(ع) تعبيرٌ آخر عن عدم قبوله باطِّراد القضية.
والجواب: إنَّ الإمام الرضا (ع) لو أراد من تمثيله بالإمام الحسين (ع) الطعن في إطلاق الكبرى لأنكر على البطائني دعواه أنَّ الإمام السجاد (ع) كان قد خرج من الحبس من حيث لا يعلمون وتولَّى شأن أبيه ثم عاد إلى الكوفة، فعدمُ إنكاره عليه ذلك يُظهر البطائني في مظهر الغلبة وأنَّ ما أراد الإمام (ع) أنْ يتمسَّك به لإثبات عدم اطِّراد الكبرى لم يكن تامَّاً.
فكان على الإمام (ع) لو أراد نفي الإطِّراد للكبرى أنْ يؤكِّد عدم وقوع ما أدَّعاه من تولَّي السجَّاد (ع) لشأن الحسين (ع) لا أنَّه يُجاريه ليثبت له بعد ذلك إمكانيَّة حضوره إلى بغداد لتجهيز والده الإمام موسى بن جعفر (ع).
إذ أنَّ هذه المجاراة لو كانت كذلك لانتهت إلى نفس الإشكال والذي ذكرناه أولاً وهو التسليم بالكبرى وإطرادِّها أو على الأقل عدم الظهور في الإنكار الموجب لاحتمال التضليل إذ أنَّ الإمام لم ينفِ الكبرى بذلك ولم ينفِ اطَّرادها بعد أنْ لم يُنكر على البطائني دعواه بأنَّ السجاد (ع) خرج من الحبس وتولَّى شأن والده، وكلُّ ما فعله الإمام بناءً على ذلك هو إثبات إمكانيَّة حضوره بعد أنْ أمكن للسجَّاد الحضور إلى كربلاء وهو في الحبس، وهذا المقدار لا يُلغي البحث ولا يُوجب خصم البطائني، لأنَّ من المُستبعَد جداً أنَّ البطائني لا يُدرك إمكانيَّة حضور الإمام إلى بغداد وهو الذي يُؤمن بإمامة الأئمة السبعة واعترف بإمكانيَّة حضور السجاد إلى كربلاء وقد كان في الحبس.
فالمتعيَّن أنَّ الإمام الرضا لم يقصد من تمثيله بالإمام الحسين (ع) النقض على اطَّراد الكبرى بل قصد استدراج البطائني من خلال قضيَّة واضحة ومسَلَّمة.
والذي يُؤكِّد أنَّ الإمام (ع) لم يكن بصدد الطعن في إطلاق الكبرى ما ورد في نفس المناظرة من إنكاره على البطائني دعواه أنَّ الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه، فالإمامُ (ع) هنا أجابه أنَّ هذا الخبر ليس على إطلاقه وتصدَّى لتأكيد ذلك بما يُوجب اندفاع الشبهة التي أراد البطائني تمريرها.
"قال له عليُّ البطائني: إنا روينا أنَّ الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه؟
قال فقال أبو الحسن (ع): أما رويتم في هذا الحديث غير هذا؟
قال: لا، قال: بلى والله لقد رويتم فيه إلا القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولِمَ قيل، قال له عليٌّ: بلى والله إنَّ هذا لفي الحديث، قال له أبو الحسن (ع) ويلك كيف اجترأتَ عليَّ بشيءٍ تَدعُ بعضه"(22).
هذه الفقرة من المناظرة تصدَّى فيها الإمام (ع) لنفي دعوى الإطلاق بصورةٍ واضحة لا تدعُ مجالاً لتمرير الشبهة، وذلك ما يُؤكِّد أنَّ الإمام (ع) في الفقرة موردَ البحث لم يكن بصدد نفي الإطلاق.
الطريق الثالث: لإسقاط النتيجة التي يريد البطائني الوصول إليها هو أنْ يدَّعي الإمام أنَّه حضر إلى بغداد وتولَّى شأنَ أبيه الإمام موسى بن جعفر(ع)، إذ أنَّه بذلك يُسقط الحجَّة التي أراد أنْ يعتمدها البطائني، لأنَّها تتقوَّم بمقدمتين، الأولى هي قضية أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، والثانية أنَّ عليَّ بن موسى (ع) لم يتولَّ أمر والده الإمام موسى بن جعفر (ع)، فإذا لم يتمكَّن البطائني من إثبات ذلك تكون حجَّتُه ساقطة، فحيث أنَّ المقدمة الأولى كانت تامَّة فالمتعيَّن هو عدم تماميَّة المقدمة الثانية.
والواضح من الرواية أنَّ البطائني لم يستطع إثبات عدم حضور الإمام الرضا (ع) إلى بغداد إذ لو كان عنده من حجَّة على ذلك لذكرها ولما انتقل إلى محورٍ آخر.
قد يُقال إنَّ الإمام لم يذكر في المناظرة أنَّه حضر إلى بغداد وقام بتجهيز والده، فكأنَّه سلَّم بالمقدمة الثانية فالمتعيَّن أنَّ المنفي هو المقدمة الأولى أو إطلاقها، قلنا إنَّه اتَّضح ممَّا تقدَّم إقرار الإمام بتماميَّة المقدِّمة الأولى إذ أنَّ عدم إنكارها صريحاً لو كانت فاسدة يقتضي الإيقاع في التضليل وذلك مناف لوظيفته الشرعية كما أنَّه غير مناسبٍ لما وقع منه في الفقرات الأخرى من المناظرة.
وبذلك يتعيَّن أنَّ نفس الإقرار بالكبرى يُساوق إخباره بالحضور إلى بغداد، لأنَّ من غير المعقول أنَّه كان بصدد الدفاع عن إمامته وفي ذات الوقت يسلِّم بما هو نقيض غرضه إلا أنْ يكون إقراره بالكبرى عيَّن إخباره بالحضور وهو المطلوب.
قد يقال إنَّ مجرد إخبار الإمام بحضوره إلى بغداد لا يُثبت الحضور واقعاً عند الخصم لأنَّه غير مسلِّم بإمامته.
فإنه يقال لا يحتاج الإمام إلى إثبات ذلك لأنَّه كان بصدد دفع الحجَّة التي أراد أن يتمسَّك بها البطائني، فكان يكفي في سقوطِها عدم التسليم بالصغرى وحينئذ يلزم البطائني كما هو مقتضى المنطق العقلي أن يُبرهن على صحَّة الصغرى، وهي عدم حضور الإمام إلى بغداد وإلا لم تكن ثمة من قيمة لبرهانِه.
فلو جاءك أحد وقال: إنَّه لا يكون الشيء حيواناً إلا أنْ يكون حساساً، والسمك غير حسَّاس إذن هو ليس بحيوان، فإنَّه يكفي لإسقاط هذه النتيجة وهي أنَّ السمك ليس بحيوان عدم التسليم بالصغرى وهي أن السمك غير حساس، وحينئذ يكون على المؤلف للقياس أن يُبرهن على صدق الصغرى وليس على الطرف الآخر أن يُبرهن على كذب الصغرى.
قد يقال إنَّه إذا كان التسليم بكبرى أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام يُساوق إخبار الإمام بأنَّه كان قد حضر إلى بغداد فلماذا لم يُبرهن الإمام على حضوره تأكيداً لفساد دعوى البطائني.
فإنَّه يقال لا سبيل لإثبات ذلك إلا بأحد أمرين، إما بإيمانهم بصدق الإمام (ع) وهم لا يؤمنون بصدقه فضلاً عن صدق شهودِه لو جاءهم بشهود فإنَّهم سيدَّعون ممالئتهم للإمام (ع)، وهم قد كذَّبوه في أول المناظرة عندما أخبرهم أنَّ أباه قد عهِد إليه وانَّه قد مضى وانَّه إمام مفترض الطاعة.
والسبيل الثاني لإثبات حضوره هو الإعجاز، وذلك لن يجدي معهم أيضاً نظراً لتعنُّتهم، وقد أعطاهم أمارة إعجازيَّة في المحاجَّة الأولى حيثُ أفاد جازماً أنَّ هارون لن ينال منه خدشاً فلم يقنعوا منه بذلك، فلو كانوا يبحثون عن الحقيقة لكان عليهم الصبر والتربُّص ليتبيَّنوا صدق دعواه العلم بالغيب من عدم صدقه، فرغم أنَّ احتمال أنْ يناله السلطان هارون بسوء كان قريباً جداً ومع ذلك أفاد جازماً انَّه لن يصل إليه بسوء، فما اكترثوا بما أفاده الإمام (ع).
على أنَّه لا حاجة كما ذكرنا إلى أنْ يُثبت الإمام لهم انَّه قد حضر إلى بغداد بعد أن كان مجرَّد الإخبار بالحضور كافٍ لإسقاط حجَّتهم.
وبما ذكرناه يتبيَّن أنَّ ذكر الإمام الرضا (ع) لما وقع للإمام الحسين (ع) كان لغرض رفع الاستيحاش عن دعواه الحضور إلى بغداد ولغرض استدراج البطائني ليظهر بعد ذلك في مظهر المتعنِّت، إذ أنَّه لمَّا أن قبل بتولِّي السجاد لشأن أبيه (ع) رغم أنَّه كان محبوساً في الكوفة يكون إنكاره دون برهان لحضور الإمام الرضا (ع) إلى بغداد ناشئاً عن تعنُّتٍ وعناد.
فالإمام الرضا (ع) لم يقصد من التنظير بالإمام الحسين (ع) البرهنة على الحضور إلى بغداد إذ أنَّ ذلك لا يُثبت الحضور كما هو واضح وكذلك لم يقصد البرهنة على إمكانيَّة الحضور، إذ لا حاجة لإثبات ذلك بعد أن كانت الإمكانيَّة واضحة وهي ليست مورداً لإنكار الطرف الآخر، نعم قصد الإمام القول بأنَّ البطائني لمّا كان يقبل بدعوى أنَّ الإمام السجاد قد وليَ شأن أبيه الحسين (ع) رغم أنَّه لم يعلم بذلك وجداناً وإنَّما علم به بواسطة الأخبار فلماذا يُنكر حضور الإمام الرضا (ع) إلى بغداد رغم إخباره بذلك، والظاهر أنَّ البطائني لم يتلقَ خبر تولِّي السجاد لشأن أبيه من الأئمة مباشرة وإنَّما تلقَّى ذلك من الرواة، إذ لو كان قد تلقَّاه من الأئمة لقال روينا ذلك عن آبائك كما كان يردِّد ذلك في كلِّ خبرٍ يرويه عن الأئمة (ع) في هذه المناظرة.
وبذلك يتأكد أنَّ الإمام قصد من تنظيره بالحسين (ع) استدراج البطائني لإظهاره في مظهر المتعنِّت المعاند، إذ من غير المنطقي أنْ يقبل بالأمر الأول لمجرَّد الإخبار ويُنكر الأمر الثاني دون أنْ يكون له برهانٌ على إنكاره، وكان عليه إذا لم يكن يثق بصدق الإمام أن يبقى محتمِلاً لصدقه لا أن يُظهر تكذيبه له كما هو واضح من لحن حديثه مع الإمام، لذلك أفاد الإمام (ع) بما معناه أنَّ تصديقك لخبر تولِّي السجاد لأمر الحسين (ع) يقتضي إمكانيَّة صدق خبري، وكان المناسب منطقيَّاً وذوقياً عند عدم الوثوق بالصدق المطالبة بإمارة الصدق لا المجابهة بالتكذيب المعبِّر عن العناد، فهو لم يُطالب بالبرهان على الصدق وإنَّما انتقل إلى محورٍ آخر، وذلك ما يُعزِّز أنَّه كان ينكر على الإمام لمجرَّد الإنكار وبدافع العناد، وهذا ما كان الإمام يقصد إظهاره من حال البطائني، وذلك هو ما تحقَّق.
وبما ذكرناه يتبيَّن ظهور الرواية في إقرار الإمام الرضا (ع) بكبرى أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله وبأنَّ الإمام السجاد (ع) هو من ولي أمر الحسين (ع)، وبه يثبت المطلوب وهو صلاحية الرواية لأنْ تكون شاهدًا على دعوى أنَّ من تصدَّى لتجهيز الحسين (ع) ودفنه هو الإمام السجاد (ع).
الإشكال الثاني:
إنَّ من الثابت الذي لا ريب فيه أنَّ الإمام السجاد (ع) كان في الأسر ضمن عائلة الحسين (ع) إبتداءً من مساء يوم العاشر إلى ما يربو على الشهر فكيف تسنَّى له الإفلات من قبضة الأمويين والعودة إلى كربلاء لمواراة والده الحسين (ع) ومَن كان معه من الشهداء.
والجواب: إن هذا الإشكال لا يسترعي الكثير من العناء بعد الإيمان بإمامة السجَّاد (ع) وموقعه السامي عند الله تعالى، وقديماً تجلَّت قدرةُ الله تعالى على أيدي أوليائه اللذين اصطفاهم أدلاءَ عليه في خلقه، فليس بمستغربٍ أو مُستوحَش أو يُهيء اللهُ لوليِّه سيِّد الساجدين ما يتمكَّن به من التخلُّص من أسر أعداء الله والوصول إلى كربلاء لمواراة صفيِّه ونجيبه الذي بذل كلَّ ما لديه من أجل أنْ تكون كلمةُ الله هي العليا.
فهو تعالى مَن خلَّص يونس من بطن الحوت وقد كان قد مكث فيه دهراً (وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)(23) ولولا أنَّه كان من المسبحين للبث في بطنِه إلى يوم يبعثون.
وهو تعالى مَن هيءَ لجليس نبيِّ الله سليمان ما يتمكَّن به من أنْ يأتي بعرش بلقيس قبل أنْ يقوم سليمانُ من مقامه، وهيأ لآصف بن برخيا أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يرتدَّ لسليمانَ طرفهُ(24)، فلم يكن الأول نبيَّاً ولا كان الآخر نبيَّاً نعم كانا من أولياء الله وخالصة خلقه الذين منحهم من قدرته وأفاض عليهم من جلال عظمته.
فإذا جاز أن يتجلَّى شيءٌ من قدرته تعالى على أيدي مَن سبق من أوليائه فلماذا يمتنع ذلك على من لحق من نجبائه وأصفيائه اللذين ارتضاهم لدينه وجعلهم الذريعةَ إليه والوسيلةَ إلى رضوانه، ولو كنّا بصدد الحديث حول الإمام زين العابدين (ع) لأفضنا في نقل ما تواتر عن الثقاة من عجيب ما كان يجري على يديه من كراماتٍ إلا أنَّ من شاء الوقوف على ذلك فلن يجد عناءً يُذكر.
الإشكال الثالث: إنَّ ثمة روايات أفادت أنَّ النبي الكريم (ص) هو من تصدَّى لدفن الحسين الشهيد (ع)(25).
والجواب: عن ذلك إنَّ هذه الروايات غير منافية لما ذكرناه، إذ من الممكن جداً أنْ يُشارك النبيُّ الكريم? من وراء الغيب في تجهيز سيِّد الشهداء (ع) بل نحن لا نشكُّ في ذلك، وقد نقلنا ما رُوي في بصائر الدرجات عن أبي عبد الله الصادق (ع) من أنَّ الإمام عليَّ بن الحسين حين يتولَّى شأن أبيه يُعينه على ذلك النبيُّ الكريم (ص) وعليُّ بن أبي طالب والحسنُ بن عليٍّ والملائكةُ اللذين ينزلون في ليلة القدر وفيهم جبرائيل وأنَّه (ع) يراهم من وراء الغيب، لأنَّ الله تعالى يكشفُ عن بصره كما كشف عن بصر مَن كان قبله من الأئمة (ع) حين يتولَّون أمر مَن سبقهم.
وليس ذلك بمُستغرَب إلا عند من يجحدُ بالغيب، فقد ثبت عن الفريقين أنَّ ملائكةً يحضرون في تشييع ومواراة بعض المؤمنين(26)، نعم نحن لا نُدرك حقيقة هذا الحضور وكنهه نظراً لقصورنا إلا أنَّ ذلك لا يمنع من التسليم بالصدق بعد الإذعان بقصور عقولنا عن الإدراك للكثير من الحقائق وبعد أنْ كان المخبِر عنها هو من آمنَّا برسالته التي جاء بها من ظهر الغيب.
وبمجموع ما ذكرناه نكون قد خلصنا إلى هذه النتيجة وهي أنَّ الذي تصدَّى لدفن الحسين (ع) ومَن كان معه من الشهداء هو الإمام عليُّ بن الحسين زين العابدين (ع) نعم قد كان أعانه على ذلك ظاهراً رجالٌ من أهل الغاضرية من بني أسد.
الهوامش:
1- تاريخ الطبري ? الطبري- ج3 ص 335/ أنساب الإشراف ? البلاذري ? ج 3 ض 5411/ مقتل الحسين ? لخوارزمي ج 2 ص 44، الأخبار الطوال - الدينوري - ص 260/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 80/ البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 205/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 200.
2- الإرشاد - الشيخ المفيد - ج2 ص5114/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 259/ اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس ص 85 /العوالم، الإمام الحسين(ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 306/
3- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 385، باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة(ع)./ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 27 ص 290/ مسند الإمام الرضا(ع) - الشيخ عزيز الله عطاردي - ج 1 ص 93.
4- الدعوات - قطب الدين الراوندي - ص 255/ الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 459/ تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 1 ص 440.
5- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 351/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 46 ص 269.
6- عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق - ج 1 ص 276/ دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - ص 352/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 481/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 49 ص 294/ مسند الإمام الرضا(ع)- الشيخ عزيز الله عطاردي - ج 1 ص 197
7- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 385 باب: أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة(ع)/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 13 ص 364/ مسند الإمام الرضا(ع) - الشيخ عزيز الله عطاردي - ج 1 ص 93.
8- اختيار معرفة الرجال- الطوسي- ج2 حديث رقم 883.
9- روضة الكافي - الشيخ الكليني ج8 ص206 حديث رقم 250/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 48 ص 270/ مسند الإمام الرضا(ع) - الشيخ عزيز الله عطاردي - ج 2 ص 441/ اختيار معرفة الرجال - الشيخ الطوسي - ج 2 ص 764.
10- الاسراء: من الاية 4.
11- الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 ص 206 / مختصر بصائر الدرجات ? الحسن بن سليمان الحلي - ص 48 / مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 1 ص398.
12- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 1 ص 398 / بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار- ص245.
13- بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - ص 245/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 22 ص 513.
14- الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 114/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 108/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 368.
15- مصباح الزائر - السيد ابن طاووس ? ص 286.
16- الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 760/ عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق - ج 1 ص 272/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 230/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 482.
17- كمال الدين وتمام النعمة ? الشيخ الصدوق -ص475-476/ عيون أخبار الرضا(ع) - الشيخ الصدوق - ج 1 ص 97.
18- اختيار معرفة الرجال ? الشيخ الطوسي - ج2 حديث رقم 883.
19- نفس المصدر.
20- نفس المصدر.
21- نفس المصدر.
22- نفس المصدر.
23- الأنبياء: 88.
24- (قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ، قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) النمل: 39-40.
25- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 213/ الأمالي - الشيخ الطوسي - ص 315/ العوالم، الإمام الحسين(ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 507.
26- مسند أبي يعلى - أبو يعلى الموصلي - ج 11 ص 231/ تفسير القرطبي - القرطبي - ج15 ص262/ الكامل - عبدالله بن عدي - ج7 ص265/ ميزان.