فقهيات

أقسام فرعية

أقسام فرعية

استفتاء: السيد السيستاني يوصي الزائرين وأصحاب المواكب بالنظافة وعدم التبذير

ينشر موقع الأئمة الإثني عشر، التابع لشعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية- العتبة الحسينية المقدسة، نص إجابات مكتب سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، دام ظله الوارف، حول مسائل تتعلق بالنظافة العامة في طريق الزيارة الأربعينية للعام 1438 هـ، وفي ما يلي النص الكامل للاستفتاء:

 

مع قرب الزيارة الاربعينية المشرفة، نود أن نسألكم عن مسائل تتعلق بموضوع النظافة العامة في طريق الزيارة، بعد أن صارت أعداد الزائرين بالملايين وصعبت السيطرة على الامور بجهود فردية متفرقة، وصار النقد واضحاً بهذا الخصوص:

1-    هل يعد التبرع بالمال من أجل شراء حاويات وأكياس النفايات لتنظيف المواكب الحسينية وطريق الزائرين أمرا مستحبا ومن مصاديق الانفاق في خدمة الشعائر الحسينية؟

-         بسمه تعالى، نعم فإن كل ما ييسر أداء الزيارة للمؤمنين ويرغبهم في القيام بها ويساهم في راحتهم أمر مستحب شرعا، وصرف المال في ذلك خدمة لزوار ابي عبد الله (عليه السلام) من الانفاق في سبيل الله.

2-    هل بذل الجهد من قبل مجاميع من الشباب للتفرغ لتنظيف طريق الزوار أمر مستحب؟

-         ان اماطة الأذى عن طريق المسلمين أمر مستحب في الشرع الحنيف، وإماطته عن طريق زوار الامام الحسين (ع) أكثر أجرا وثوابا.

3-    ما حكم القاء بقية الطعام على جانبي الطريق؟

-         لا ينبغي ذلك، بل إذا كان فيه اذى للمارة او كان من مصاديق التبذير فلا مسوغ له شرعاً.

4-    هل لكم من نصيحة لنا: اصحاب المواكب من جهة والزائرين من جهة ثانية، بخصوص رعاية النظافة وحسن التنظيم في خدمة زوار الحسين (ع)؟

-          ينبغي للجميع رعاية النظافة فإن النظافة من الايمان- كما ورد في الحديث الشريف- كما ينبغي لهم التعاون على تنظيم هذه الزيارة المباركة بأحسن صورة لتأمين راحة الزوار وسلامتهم، وما أجمل مشهد الزيارة اذا كان يتصف بالنظافة والنظم، وما أدله على ادب المجتمع الزائر وسلوكه الراقي،

 نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع للزيارة بآدابها ويتقبلها منهم بقبول حسن إنه ولي التوفيق.

اطّلع على نص الاستفتاء عبر الموقع الرسمي لمكتب المرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله

\width=972\

2017/11/08

إذا احتاجت الزائرة إلى "زرق إبرة" ولم تعثر على ممرضة.. ماذا تفعل؟

ما هو حكم كشف يد المرأة للوضوء أمام الرجال؟

من المسائلة المهمة للزائرات، هو الحاجة إلى زرق الإبر ومراجعة الممرضة لمرض أو لتعب شديد أثناء المسير إلى كربلاء المقدسة، ولكن في بعض الأحيان لا تتوفر الممرضة، فلا يكون لها إلا خيار مراجعة الممرض الرجل، فهل يجوز لها ذلك؟

في مثل هذه الحالة، عليها أولاً أن تنتظر إن أمكن لها ذلك، لحين العثور على الممرضة، أو تمكن إحدى الزائرات من زرق الإبرة لها، اما فيما لو كان هذا الانتظار يسبب لها حرجاً ؛فبإمكانها مراجعة الطبيب أو الممرض لهذا الغرض.

ما هو حكم كشف يد المرأة للوضوء أمام الرجال؟

في أيام الزيارة وغيرها، نلاحظ بعض الزائرات، وأثناء الوضوء، تكشف يديها أمام الرجال، وهنا على المرأة أن تذهب إلى مكان خالٍ من الرجال للوضوء، أو أن تكون في مأمن من أنظار الرجال لها.

وفي ما يلي، باقة من الاستفتاءات حول هذه المسائل الابتلائية التي نشرها الموقع الرسمي لمكتب المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله).

2017/11/07

متى لا يجوز للمرأة الذهاب مشياً إلى زيارة الأربعين؟
استحباب الزيارة ثابت للرجل والمرأة، ولكن على المرأة أن تأخذ الإذن من زوجها، إن كانت متزوجة، مع الالتزام بالحجاب والحشمة، أما فيما لو لم تكن متزوجة ولها أب أو أم، وكان هذا الذهاب يسبب لهما الأذى، كأن يخشيان عليها مخاطر الطريق؛ عند ذلك وفي هذا المورد، لا يجوز لها الذهاب للزيارة.

وقد أورد الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله، هذه المسألة في قسم الاستفتاء في السؤال التالي:

ما رايكم بزيارة النساء للاماكن المقدسة بمفردهن بدون ازواجهن او احد من محارمهن؟

وكانت الإجابة، بحسب الموقع الرسمي، "العبرة في ذلك بان تامن على نفسها من الوقوع في الحرام، نعم اذا كانت متزوجة فلابد ان تستأذن زوجها، واذا كان احد ابويها او كلاهما حياً وكان يتأذي خوفاً عليها من مخاطر السفر لم يجز لها مخالفته في ذلك".

2017/11/06

بالفيديو: متى يُقصر الزائر صلاته؟ وهل يجوز الوضوء بالماء المخصص للشرب؟

الصلاة الربّاعية «صلاة الظهر والعصر والعشاء» يجب أن تقتصر على ركعتين في السّفر، اِذا تمّت شروط قصرها التالية:‏

‏1 ـ أن يقصد الشخص السفر لمسافة تبعد «44 كليو متراً» تقريباً أو تزيد عن محل سكناه سواء أكانت هذه المسافة للذهاب فقط أم للذّهاب والاَياب.‏

ــ اِذا سافر مسافر ما لمدينة تبعد عن محل سكناه «44كم» فأكثر يجب عليه التقصير في صلاته بأن يصليّ الصلاة ذات الاربع ركعات ركعتين فقط.‏

وكذلك اِذا سافر لمدينة تبعد «22كم» عن بلد سكناه وكان عازماً على الرجوع منها لبلده مرة أخرى في ذلك اليوم مثلاً.‏

‏‏من أيِّ مكان يبدأ بقياس المسافة؟

يبدأ بقياس المسافة من المكان الّذي يعد الانسان بعد تجاوزه مسافراً عرفاً وغالباً ما يبدأ من آخر بيوت المدينة ولمسافة 44كم.‏

‏ 2 ـ ان يستمر المسافر في قصده فلو تغيّر رأيه وبدا له في امره أتمّ صلاته اِلاّ أن يكون قد عزم على الرجوع الى بلده وكان مسيره المتقدّم بضميمة العود والرجوع بمقدار المسافة فيجب عليه حينئذٍ القصر.‏

‏ 3 ـ ان يكون سفره سائغاً، فلو كان نفس السفر حراماً كما في بعض حالات سفر الزوّجة بدون اذن زوجها أو كان يقصد الحرام في سفره بان قصد السرقة في سفره مثلا كان عليه ان يتم صلاته، ويلحق بذلك ما اذا سافر للصيد لهوا فانه ايضا يتمّ صلاته.‏

‏ 4 ـ أن لا يمر المسافر بوطنه وينزل فيه أو مقر أقامته فيقيم أثناء السّفر وان لا ينوي الاقامة عشرة أيام فصاعداً في البلد الذي سافر اِليه، وأن لا يكون قد بقي متردداً لا يدري متى سيسافر من تلك البلدة التي سافر اِليها لمدة ثلاثين يوماً. فأنّه عندئذٍ يقصر في صلاته من أوّل سفره ولا يتم.‏

‏‏ واِذا مرّ بوطنه أو مقر اِقامته أثناء سفره ذاك ونزل فيه أو كان عازماً على الاقامة في البلد الذي سافر اِليه عشرة أيام فصاعداً، أو كان قد بقي متردّداً لا يدري متى سيعود من سفره ذاك مدّة ثلاثين يوماً؟

ــ عندئذ يتم صلاته، ويتم المردد بعد اليوم الثلاثين ما دام باقياً في ذلك البلد.‏

5 ـ أن لايكون السفر من طبيعة عمله كأن يمتهن عملاً سفريّاً كالسائق والملاّح والرّاعي أو يتكرر منه السفر خارجاً لاَجل عمله أو لغرضٍ آخر.‏

هل يتم السائق صلاته اثناء السفر؟

ــ نعم، فمن كانت مهنته السياقة الى خارج المسافة يتمّ صلاته أثناء ممارسته مهنته.‏

‏‏ والتاجر والطالب والموظف اِذا كان يقيم في بلد ما وجامعته أو دائرته أو مركز تجارته في بلد اَخر يبعد عن محل أقامته 22 كم فأكثر وهو يسافر كل يوم أو يومين ليلتحق بها؟

ــ يتم صلاته ولا يقصّر.‏

‏6 ـ أن لا يكون ممّن لا مقرّ له بان يكون بيته معه كالسائح الّذي ليس له وطن أو اعرض عن وطنه وهو يدخل من بلد الى بلد وليس له مقر في أيّ منها.‏

‏‏ متى يبدأ المسافر بالتقصير؟‏

ــ يجب عليه التقصير اِذا توارى عن أنظار أهل بلده لا بتعاده عنهم، وعلامة ذلك غالباً أنّه لم يعد يرى أشخاص ساكنيه فاِنّه عندئذٍ يقصِّر في صلاته.‏

‏‏ ما هو الوطن؟

أ ـ مقرّه الاَصلي الّذي ينسب اِليه ويكون مسكن أبويه ومسقط رأسه عادةً.‏

ب ـ المكان الّذي اتخذه الانسان مقرّاً ومسكناً لنفسه بحيث يريد ان يبقى فيه بقية عمره.‏

جـ ـ المكان الّذي اتخذه مقرّاً لفترة طويلة بحيث لا يقال عنه ما دام هو فيه أنّه مسافر.‏

‏‏ معنى هذا.‏

‏ 1 ـ اِذا مرَّ المسافر بوطنه ونزل فيه.‏

‏ 2 ـ واِذا قصد الاقامة عشرة أيام متتالية أو أكثر في مكان ما قد سافر اِليه.‏

هل يجوز الوضوء بماء مخصصٍ للشرب؟

الجواب: لا يجوز

2017/11/05

كيف يتصرّف أصحاب المواكب بالأموال والتبرعات الفائضة عن الحاجة ومفقودات الزائرين؟

يسأل بعض أصحاب المواكب الحسينية عن التبرعات التي يحصلون عليها لخدمةالزائرين، ولكن قبل انتهاء موسم الزيارة يتفيض قسم من هذه التبرعات والمواد، وتخزينها للمواسم القادمة قد يتسبب بتلف جزء كبير منها، خصوصاً وان أغلبها من المواد الغذائية.

وهنا يجب عليهم أولاً صرفها في موكب الذي وصلت إليه هذه التبرعات، ومع وجود الحاجة لهذه المواد في الموكب ذاته، يمكن اعطائها لموكب آخر، وفيما لو فاضت لدى بقية المواكب لانتهاء الزيارة مثلاً؛ يمكن إبقائها إلى السنة القادمة، إذا كانت هذه التبرعات أمولاً مثلاً، أما المواد الغذائية التي يتعذر  تخزينها، فيمكن تحويلها إلى أموال وإبقائها حتى العام القادم.

ما حكم مفقودات الزائرين في المواكب والمنازل؟

السؤال: بمناسبة زيارة الأربعين للإمام الحسين (ع) ومرور الزائرين على المواكب الحسينية ومكثهم عندها وبسبب التعب والإرهاق فإنهم كثيراً ما ينسون حاجياتهم لدى المواكب، ولكن هناك صعوبة تحصيل أصحابها لعدم وجود آثار تدل على أصحابها. فما هو تكليف أصحاب تلك المواكب؟

الجواب: مع اليأس من الوصول إلى صاحبها يتصدق بها على الفقراء المتدينين.

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على التيلغرام عبر الرابط التالي:

https://telegram.me/TwelveImamsWeb

 

2017/11/03

إطالة العمر أصبح أمراً متاحاً.. فقط هذا ما يجب عليك فعله!

من منّا لا يرغب أن يعمّر في هذه الدنيا مدة طويلة، ومن منّا لا يبحث عن الأسباب التي من خلالها تتحقق هذه الرغبة، هذه الحقيقة شيء جبلت عليه الطبيعة البشرية، وعلى الرغم من أننا كبشر نعلم أن مآل هذا الجسم إلى الفناء، إلا إننا نحاول بكل ما أوتينا من قوة وما منحنا من إمكانيات مادية أو معنوية إبعاد خطر التلف أو الضرر الذي يمكن أن يعتريه في لحظة ما.

يلاحظ أن سبب الخوف من الموت لا يختص بالذين لا يدينون بعقيدة معينة بل يشمل حتى المتدينين من البشر، الذين يعتقدون بما وراء المادة، مرجع ذلك الى عدة أسباب أبرزها:

إن المتدينين وإن كانوا يعتقدون بأن الموت ليس المحطة الختامية لنهاية كل إنسان بل هو ـ كما عبر عنه ـ قنطرة تعبر بنا من هذه الدنيا الى عالم آخر هو البرزخ، الذي له أحكامه وقواعده الخاصة.

لكن كل هذه المعلومات لا تزال إجمالية لا تفصيل فيها عند السواد الأعظم من المتدينين، فيترتب على هذا الأمر أن الموت سيقود ذلك الإنسان الى المجهول.

الأمر الآخر أن لهذا الإنسان متعلقات في هذه الدنيا لم ينجز أغلبها، ومن أبرزها الأموال والعيال، حيث ينظر الى تلك الأموال التي جمعت من حلٍ وحرمٍ سيؤول مصيرها الى غيره، وربما كان له أطفال وزوجة يعولهم يخشى أن يكون غيابه عنهم سبباً في تعسر حياتهم، إذ كان بالنسبة لهم كالشمعة التي تحرق نفسها ليبصرون دربهم في هذه الدينا.

إذاً، ما هي الأسباب التي تجعل فكرة إطالة العمر أمراً متاحاً؟

في هذا التساؤل يمكن أن نطرح إجابتين:

الجواب الأول: أن تكون هذه المسألة متعلقة تمام التعلق بعلم الطب وما يدور حوله من إكتشافات، وقد أثبت هذا العلم أن مسالة طول العمر ممكنة ولو من الناحية النظرية .

الجواب الثاني: أن نقول إن الجانب الغيبي له تدخل مباشر في هذا الموضوع.

بيان ذلك: إن علم الله تعالى ينقسم الى قسمين:

1ـ العلم الذاتي: وهذا القسم لا يمكن أن يطرأ عليه التغير والتبدل، كعلمه بذاته.

2 ـ العلم الفعلي: وهذا القسم في بعض الموارد يكون قابلاً للتغير والتبدل، لكن وفق شروط وضوابط، وتلك الموارد القابلة للتغير والتبدل هي ما دُوِنَ في لوح يعرف باللوح المحفوظ، والأعمال المدونة في هذا اللوح يطرأ عليها البداء هو ما كتب في ذلك اللوح.

جاء في تفسير العياشي أن الإمام الصادق (عليه السلام) سئل عن قول الله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب} قال: ان ذلك الكتاب كتاب يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت, فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاءَ, وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء, حتى أذا صار الى أم الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئاً.

كيف تطيل عمرك؟

فيتحصل من ذلك مسألة العمر يمكن أن تخضع لقانون البداء، وعليه تكون من المتغيرات لا من الثوابت، وقد ورد في النصوص أنه بالإمكان إطالة العمر عبر القيام بمجموعة من الأعمال، منها:

1 ـ صلة الأرحام: عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ما نعلم شيئا يزيد في العمر الا صلة الرحم، حتى أن الرجل يكون عمره ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة، ويكون اجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله عز وجل ويجعل أجله إلى ثلاث سنين.

2 ـ وفي البحار عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قَالَ وَ مِمَّا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ:

تَرْكُ الْأَذَى .

وَ تَوْقِيرُ الشُّيُوخِ .

وَ صِلَةُ الرَّحِمِ .

وَ أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الرَّطْبَةِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ .

وَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ .

وَ حِفْظُ الصِّحَّةِ

3 ـ الدعاء: عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) ، فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي‏ عَلَتْ سِنِّي ، وَ مَاتَ أَقَارِبِي ، وَ أَنَا خَائِفٌ أَنْ يُدْرِكَنِيَ الْمَوْتُ وَ لَيْسَ لِي مَنْ آنَسُ بِهِ وَ أَرْجِعُ إِلَيْهِ .

فَقَالَ لَهُ : إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَباً أَوْ سَبَباً وَ أُنْسُكَ بِهِ خَيْرٌ مِنْ أُنْسِكَ بِقَرِيبٍ ، وَ مَعَ هَذَا فَعَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ ، وَ أَنْ تَقُولَ عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّادِقَ الْأَمِينَ ( عليه السَّلام ) قَالَ : إِنَّكَ قُلْتَ مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْ‏ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ لِوَلِيِّكَ الْفَرَجَ وَ الْعَافِيَةَ وَ النَّصْرَ ، وَ لَا تَسُؤْنِي فِي نَفْسِي ، وَ لَا فِي أَحَدٍ مِنْ أَحِبَّتِي .

ـ ثم قال ـ : إِنْ شِئْتَ أَنْ تُسَمِّيَهُمْ وَاحِداً وَاحِداً فَافْعَلْ ، وَ إِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقِينَ ، وَ إِنْ شِئْتَ مُجْتَمِعِينَ .

قَالَ الرَّجُلُ : وَ اللَّهِ لَقَدْ عِشْتُ حَتَّى سَئِمْتُ الْحَيَاةَ .

4 ـ الصدقة : وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السَّلام): الْبِرُّ وَ الصَّدَقَةُ، يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ، وَ يَزِيدَانِ فِي الْعُمُرِ، وَ يَدْفَعَانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا سَبْعِينَ مِيتَةَ سَوْءٍ.

 

 

2017/12/13

ما هي التوبة؟ وهل قبولها واجب على الله؟!

التوبة بتمام معناها الوارد في القرآن من التعاليم الحقيقية المختصة بهذا الكتاب السماوي فإن التوبة بمعنى الإيمان عن كفر و شرك و إن كانت دائرة في سائر الأديان الإلهية كدين موسى و عيسى (عليهما السلام) لكن لا من جهة تحليل حقيقة التوبة، و تسريتها إلى الإيمان بل باسم أن ذلك إيمان.

هذا و قد انجر أمر الكنيسة بعد إلى الإفراط في أمر التوبة إلى حيث كانت تبيع أوراق المغفرة و تتجر بها، و كان أولياء الدين يغفرون ذنوب العاصين فيما اعترفوا به عندهم!

إن الملاك الذي شرعت لأجله التوبة هو التخلص من هلاك الذنب و بوار المعصية لكونها وسيلة الفلاح و مقدمة الفوز بالسعادة كما يشير إليه قوله تعالى: {و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} (النور: 31).

التوبة دواء

و من فوائدها مضافة إلى ذلك أن فيها حفظا لروح الرجاء من الانخماد و الركود فإن الإنسان لا يستقيم سيره الحيوي إلا بالخوف و الرجاء المتعادلين حتى يندفع عما يضره و ينجذب إلى ما ينفعه، و لو لا ذلك لهلك، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم و أنيبوا إلى ربكم} (الزمر: 54).

و لا يزال الإنسان على ما نعرف من غريزته على نشاط من الروح الفعالة و جد في العزيمة و السعي ما لم تخسر صفقته في متجر الحياة، و إذا بدا له ما يخسر عمله و يخيب سعيه و يبطل أمنيته استولى عليه اليأس و انسلت به أركان عمله و ربما انصرف بوجهه عن مسيره آيسا من النجاح خائبا من الفوز و الفلاح، و التوبة هي الدواء الوحيد الذي يعالج داءه، و يحيي به قلبه و قد أشرف على الهلكة و الردى.

و من هنا يظهر سقوط ما ربما يتوهم أن في تشريع التوبة و الدعوة إليها إغراء بالمعصية، و تحريضا على ترك الطاعة، فإن الإنسان إذا أيقن أن الله يقبل توبته إذا اقترف أي معصية من المعاصي لم يخلف ذلك في نفسه أثرا، دون أن تزيد جرأته على هتك حرمات الله و الانغمار في لجج المعاصي و الذنوب، فيدق باب كل معصية قاصدا أن يذنب ثم يتوب.

وجه سقوطه: أن التوبة إنما شرعت مضافا إلى توقف التحلي بالكرامات على غفران الذنوب: للتحفظ على صفة الرجاء و تأثيره حسن أثره، و أما ما ذكر من استلزامه أن يقصد الإنسان كل معصية بنية أن يعصي ثم يتوب، فقد فاته أن التوبة بهذا النعت لا يتحقق معها حقيقة التوبة فإنها انقلاع عن المعصية، و لا انقلاع في هذا الذي يأتي به، و الدليل عليه أنه كان عازما على ذلك قبل المعصية و مع المعصية و بعد المعصية، و لا معنى للندامة أعني التوبة قبل تحقق الفعل بل مجموع الفعل و التوبة في أمثال هذه المعاصي مأخوذ فعلا واحدا مقصودا بقصد واحد مكرا و خديعة يخدع بها رب العالمين، و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله.

حقيقة التوبة

تفسير معنى التوبة أنها عبارة عن أمور ثلاثة مترتبة الأول منها يقتضي الثاني وهو يقتضي الثالث، وهذه الأمور هي العلم والندم والإرادة المستتبعة للعمل، أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها هي التي تمنع الإنسان من الوصول الى ما يحبه سواء كان هذا المحبوب دنيوياً أو أخروياً، فإذا عرف الإنسان ذلك معرفة حقيقية بيقين غالب على قلبه، حصل ألم في النفس بسبب فوات المحبوب فإن القلب متى شعر بفوات محبوبه تألم، خصوصاً  إذا كان الفوات بسببه هو، ويسمى تألمه بسبب فعله الذي فوت محبوبه ندماً، فإذا غلب هذا الندم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم حالة أخرى تسمى إرادة وقصداً بأن يترك الذنب الذي كان يذنبه وبسببه فات المحبوب، وأن يعزم على عدم العودة إليه مستقبلاً بأن يعزم على ترك الذنب الى آخر العمر، فالعلم هو الأول ومطلع هذه الخيرات، والمراد من العلم الإيمان واليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة فيثمر نور هذا الإيمان مهما اشرق على القلب نار الندم فيتألم به القلب حيث يدرك أنه صار محجوباً عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمه فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب او انحسار حجاب فرأى محبوبه وهو لا يقدر على الوصول اليه فتشتعل نيران الندم في قلبه، فتنبعث من تلك النيران إرادة لتدارك ما فاته، علّه يحصل مطلوبه.

إن حقيقة التوبة وشأنها وحكمها من الحقائق الإسلامية العالية والتعاليم القرآنية الراقية، والتوبة هي الرجوع، وقد تكون من العبد فيكون معناها رجوع العبد إلى الله سبحانه بالندامة و الانصراف عن الإعراض عن العبودية، وقد تكون من الله بتوفيق العبد للرجوع إلى ربه أو بغفران ذنبه، وقد أشار تعالى للقسمين بقوله: {..ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ([1]).

ثم إن توبة الله على العبد أو قل رجوعه عليه تارة بتوفيقه للعبد من خلال توفير الأسباب حتى يتمكن العبد من التوبة و يتمشى له الانصراف عن التوغل في غمرات البعد و الرجوع إلى ربه، وهذه هي التوبة الأولى، وقد أشارت الآية المتقدمة لهذا النوع، وأخرى بالرجوع عليه بالرحمة والحنان و العفو والمغفرة لتطهيره من هذه الألواث، وإزالة هذه القذارات، والورود والاستقرار في ساحة القرب، وهذه هي التوبة الثانية، وإليها أشار تعالى بقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ([2])، وبين التوبتين منه تعالى توبة العبد فتوبة العبد إذاً محفوفة بتوبتين منه تعالى.

وفي هذا السياق قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} ([3]).

فالإنسان لما كان فقيرا في نفسه لا يملك لنفسه خيرا ولا سعادة قط إلا بربه كان محتاجا في هذا الرجوع أيضا إلى عناية من ربه بأمره، وإعانة منه له في شأنه فيحتاج رجوعه إلى ربه بالعبودية والمسكنة إلى رجوع من ربه إليه بالتوفيق والإعانة، وهو توبة الله سبحانه لعبده المتقدمة على توبة العبد إلى ربه كما قال تعالى: {ثم تاب عليهم ليتوبوا} (التوبة: 118)، وكذلك الرجوع إلى الله سبحانه يحتاج إلى قبوله بمغفرة الذنوب وتطهيره من القذارات وألواث البعد، وهذه هي التوبة الثانية من الله سبحانه المتأخرة عن توبة العبد إلى ربه كما قال تعالى: {فأولئك يتوب الله عليهم}.

وإذا تأملت حق التأمل وجدت أن التعدد في توبة الله سبحانه إنما عرض لها من حيث قياسها إلى توبة العبد، وإلا فهي توبة واحدة هي رجوع الله سبحانه إلى عبده بالرحمة، ويكون ذلك عند توبة العبد رجوعا إليه قبلها وبعدها، وربما كان مع عدم توبة من العبد كما يمكن استفادة ذلك من قوله: { وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} وأن قبول الشفاعة في حق العبد المذنب يوم القيامة من مصاديق التوبة ومن هذا الباب قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.

وكذلك القرب والبعد لما كانا نسبيين أمكن أن يتحقق البعد في مقام القرب بنسبة بعض مواقفه ومراحله إلى بعض، ويصدق حينئذ معنى التوبة على رجوع بعض المقربين من عباد الله الصالحين من موقفه الذي هو فيه إلى موقف أرفع منه وأقرب إلى ربه، كما يشهد به ما يحكيه تعالى من توبة الأنبياء وهم معصومون بنص كلامه كقوله تعالى: {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}: (البقرة: 37).

وقوله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل} - إلى قوله -: { وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 128).

وقوله تعالى: حكاية عن موسى (عليه السلام): {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (الأعراف: 143). وقوله تعالى خطابا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (المؤمن: 55).

وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}  (التوبة: 117.)

وهذه التوبة العامة من الله سبحانه هي التي يدل عليها إطلاق آيات كثيرة من كلامه تعالى كقوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (المؤمن: 3).  وقوله تعالى: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (الشورى: 25) إلى غير ذلك.

فتلخص مما مر:

أولا: أن نشر الرحمة من الله سبحانه على عبده لمغفرة ذنوبه، وإزالة ظلمة المعاصي عن قلبه - سواء في ذلك الشرك وما دونه - توبة منه تعالى لعبده وأن رجوع العبد إلى ربه لمغفرة ذنوبه وإزالة معاصيه - سواء في ذلك الشرك وغيره - توبة منه إلى ربه.

ويتبين به أن من الواجب في الدعوة الحقة أن تعتني بأمر المعاصي كما تعتني بأصل الشرك، وتندب إلى مطلق التوبة الشامل للتوبة عن الشرك والتوبة عن المعاصي.

وثانيا: أن التوبة من الله سبحانه لعبده أعم من المبتدئة واللاحقة فضل منه كسائر النعم التي يتنعم بها خلقه من غير إلزام وإيجاب يرد عليه تعالى من غيره، وليس معنى وجوب قبول التوبة عليه تعالى عقلا إلا ما يدل عليه أمثال قوله تعالى: {وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غافر: 3). وقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} (النور: 31).

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (البقرة: 222)، وقوله: {فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية من الآيات المتضمنة لتوصيفه تعالى بقبول التوبة، والنادبة إلى التوبة، الداعية إلى الاستغفار والإنابة وغيرها المشتملة على وعد القبول بالمطابقة أو الالتزام، والله سبحانه لا يخلف الميعاد.

ومن هنا يظهر أن الله سبحانه غير مجبور في قبول التوبة بل له الملك من غير استثناء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فله أن يقبل ما يقبل من التوبة على ما وعد ويرد ما يرد منها كما هو ظاهر قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}  (آل عمران: 90) ويمكن أن يكون من هذا الباب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} (النساء: 137).

 



([1])  التوبة: 118.

([2])  البقرة: 160.

([3])  النساء: 17 ـ 18.

2017/12/04

هل يقهر العلم الكوارث الطبيعية؟!

أشار الله سبحانه في خلال جملة من الآيات إلى حقيقة ناصعة هي المدار الذي يدور عليه أساس نزول النعم والنقم على العالم الإنساني من ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}   (1).

فأشار به إلى سبب نزول النعم؛ وقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2). الذي يشير إلى سبب نزول النقم العامة.

وتوضيح ذلك: أن العالم بما فيه من الأجزاء متعلق الأبعاض مرتبط الأطراف يتصل بعضه ببعض اتصال أعضاء بدن واحد، وكما إن أجزاء البدن الواحد يتأثر بعضها ببعض من ناحية الصحة والمرض، فيختل صدور آثار بعض الأجزاء نتيجة الخلل الصادر من الجزء الآخر، ويستقيم صدور الآثار الحسنة فيما لو استقامت باقي الأجزاء؛ كذلك أجزاء هذا العالم.

فمثلاً إذا اختل بعض أجزاء السيارة بأن تعطلت بعض أجهزتها الأساسية والمهمة، فإننا نجد أن كامل محرك السيارة قد تأثر بهذا العطل واختلفت آثاره.

 وهنا نقول: إن الجميع على ما يبينه القرآن الكريم سائر إلى الله سبحانه سالك نحو الغاية التي قدرت له {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} (3).

فإذا اختل أمر بعض أجزائه، وخاصة المهمة منها كالإنسان، وضعف أثره وانحرف عن مستقيم صراطه بأن أثر فساده في غيره من الموجودات، فحينئذ سينعكس ذلك عليه – أي الإنسان - في الآثار التي يرسلها ذلك الغير إليه، وهي آثار غير ملائمة لحال الإنسان - و هي المحنة و البلية - فإن استقام بنفسه أو بإعانة من غيره عاد إليه رفاه حاله السابق، ولو استمر على انحرافه واعوجاجه، وأدام فساد حاله دامت له المحنة حتى إذا طغا وتجاوز حده، انتهضت عليه سائر الأجزاء الأخرى للعالم وهاجت بقواها التي أودعها الله سبحانه فيها لحفظ وجوداتها فحطمته ودكته ومحته بغتة وهو لا يشعر.

انحراف الأمم واختلال نظام الكون

فالأمة من الأمم إذا انحرفت عن صراط الفطرة انحرافاً يصد باقي أفراد النوع الإنساني عن الغاية التي قدرت لمسيره في الحياة كان في ذلك اختلال حال غيره مما يحيط به من الأسباب الكونية المرتبطة به، وينعكس إليه أثره السيئ الذي لا سبب له إلاّ انحرافه عن الصراط وتوجيهه آثاراً سيئة من نفسه إلى تلك الأسباب، وعند ذلك يظهر اختلالات في نظام الكون، ومحن عامة وتهجم النوائب وتتراكم المصائب والبلايا الكونية كامتناع السماء من أن تمطر، والأرض من أن تنبت، والبركات من أن تنزل، ومفاجأة السيول والطوفانات والصواعق والزلازل وخسف البقاع وغير ذلك كل ذلك آيات إلهية تنبه الإنسان وتدعو الأمة إلى الرجوع إلى ربها، والعود إلى ما تركته من صراط الفطرة المستقيم، وامتحان بالعسر بعد ما امتحنت باليسر.

وقوله تعالى السابق: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (4).  خير شاهد على ذلك، فالآية تذكر أن المظالم والذنوب التي تكسبها أيدي الناس توجب فساداً في البر والبحر مما يعود إلى الإنسان كوقوع الحروب وانقطاع الطرق وارتفاع الأمن وغير ذلك، أو لا يعود إليه كاختلال الأوضاع الجوية والأرضية الذي يتضرر به الإنسان في حياته ومعاشه.

وبالجملة فإن رجعت الأمة بذلك - وما أقله وأندره في الأمم - فهو، وإن استمرت على ضلالها وخبطها طبع الله على قلوبهم فاعتادوا ذلك، وأصبحوا يحسبون أن الحياة الإنسانية ليست إلاّ هذه الحياة المضطربة الشقية المقهورة للطبيعة.

 فهذه حقيقة برهانية تقرر أن الإنسان كغيره من الأنواع الكونية مرتبط الوجود بسائر أجزاء الكون المحيطة به، ولأعماله في مسير حياته وسلوكه إلى منزل السعادة ارتباط بغيره فإن صلحت للكون صلحت أجزاء الكون له وفتحت له بركات السماء، وإن فسدت أفسدت الكون وقابله الكون بالفساد فإن رجع إلى الصلاح فبها، وإلاّ جرى على فساده حتى إذا تعرق فيه انتهض عليه الكون وأهلكه بهدم بنيانه وإعفاء أثره، وطهر الأرض من رجسه.

ومن هنا ينهض سؤال آخر، وهو:

هل يمكن دفع قهر الطبيعة بالعلم؟

قد يتصور البعض إن بإمكانه التغلب على هذه البلايا والمصائب العامة بما يملكه من الأسباب، فيظن أن التقدم فيما يسميه حضارة وعلماً سيغلب به طبيعة الكون.

فإذا تقدم في العلم وتجهز بالحيل الفكرية فله أن يبارزها ويتخذ وسائل كافية في دفع قهرها وإبطال مكرها كما اتخذ اليوم وسائل تكفي لدفع القحط والجدب والوباء والطاعون وسائر الأمراض العامة السارية، وأخرى تنفي بها السيول والطوفانات والصواعق، وغير ذلك مما يأتي به طاغية الطبيعة، ويهدد النوع بالهلاك.

يظن الإنسان بما يملك من العلم وباقي الأسباب قادر أن يقف بوجه سنن الكون، ويبطل عزائمها، ويقهرها على أن تطيعه في مشيته، وتنقاد لأهوائه، وهو أحد أجزائها المحكوم بحكمها.

وذكرنا مراراً إننا لا ننكر تأثير الأسباب الأخرى، وإن المعرفة الدينية لا تروم أن تبطل نسبة الحوادث العظام إلى أسبابها الطبيعية وتضع زمامها في يد صانعها.

فالله عز اسمه ليس سبباً في عرض الأسباب، وعلة في صف العلل المادية والقوى الفعالة في الطبيعة بل هو الذي أحاط بكل شيء، وخلق كل سبب فساقه وقاده إلى مسببه وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى ولا يحيط بخلقه ومسببه غيره فله أن يتسبب إلى كل شيء بما أراده من الأسباب المجهولة عندنا الغائبة عن علومنا.

بعبارة أخرى إن هناك أسباباً غيبية ومادية أخرى غير هذه الأسباب فيسوق الكون بها، وحينئذ لا تنفعهم هذه العلوم والحيل التي تدرعوا بها فتمنعهم عن قضاءه، فيما لو استحقوا العقوبة.

وإلى ذلك يشير نحو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} (5). وقوله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (6). وقوله: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير} (7)، وقوله:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (8). إلى غير ذلك من الآيات.

وكيف يسع للإنسان أن يحارب الله في ملكه، ويتخذ بفكره وسائل لإبطال حكمه وإرادته، وليس هو سبحانه في عرضها بل هو في طولها أي هو الذي خلق الإنسان وخلق منه هذه الإرادة ثم الفكر ثم الوسائل المتخذة، ووضع كلاً في موضعه، وربط بعضها ببعض من بدئها إلى ختمها حتى أنهاها إلى الغاية الأخيرة التي يريد الإنسان بجهالته أن يحارب بها ربه في قضائه وقدره، ويناقضه في حكمه، أيعجز سبحانه عن إيقاف هذا الفكر وقبضه عن غايته، أو التسبب بأسباب أخرى للوصول إلى ما يريد من عقوبات استحقها الإنسان بما كسبت يدا.

------------------

الهوامش:

([1])  سورة الأعراف: 96.

([2])  سورة الروم: 41.

([3])  سورة الانشقاق: 6.

([4])  سورة الروم: 41.

([5])  سورة الطلاق: 3.

([6])  سورة يوسف: 21.

([7])  سورة الشورى: 31.

([8])  سورة العنكبوت: 41.  

2017/11/22

الحروب والكوارث.. غضب الإله أم غضب الطبيعة؟!

ينقسم البلاء إلى بلاء خاص يصيب الفرد من الناس، وإلى بلاء عام يشمل المجتمع برمته، وقد أشار الى الثاني قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (سورة الروم: 41).

ما هو متعارف في الأدبيات الدينية، هو أن بلاء الحوادث الكونية تأتي نتيجة لمعصية العباد وطاعتهم؛ فاذا وافقت الأعمال أمر الله تعالى ونهيه، وجرت سيرتها في طاعة الله سبحانه استتبع ذلك نزول الخيرات، وانفتاح أبواب البركات، وهذا ما نصّ عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة الأعراف: 96.

 وأما إذا انحرفوا عن صراط العبودية، وتمادوا في الغي والضلالة والدونية، أوجب ذلك ظهور الفساد في البر والبحر وهلاك الأمم بانتشار الظلم وارتفاع الأمن وبروز الحروب وسائر الشـرور الراجعة إلى الإنسان وأعماله، وكذا ظهور المصائب والحوادث الكونية المبيدة والتي تكون خارج إرادة واختيار الانسان، كالسيل والزلزلة والصاعقة والطوفان وغير ذلك، وقد عد الله سبحانه سيل العرم وطوفان نوح وصاعقة ثمود وصرصر عاد من هذا القبيل.

\width=780\

فإذاً، انغمار الأمة في المعاصي والسيئات سبب لجملة من الابتلاءات العامة، قال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللهُ مِنْ وَاقٍ} سورة غافر: 21.

وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} سورة الإسراء: 16. 

[ذات صلة]

وقال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (سورة المؤمنون: 44). هذا كلّه في الأمة الطالحة، والأمة الصالحة على خلاف ذلك.

 

ماذا عن الحوادث الكونيّة الطبيعيّة؟

ولكن، هذا فيما يتعلق بالمصائب والابتلاءات الراجعة إلى الإنسان وأعماله كالحروب وانتشار الظلم وارتفاع الأمن، أما الحوادث العامة والخاصة كالسيول والزلازل والأمراض المسرية، فلها أسبابها الطبيعية المطردة، فإذا تحققت هذه الظواهر، تحققت سواء صلحت النفوس أو طلحت، وعليه فلا محل للتعليل بالأعمال الحسنة والسيئة بل هو فرضية دينية، وتقدير لا يطابق الواقع.

إلا أن غاية ما في الأمر، هو أن لكل معلول ومنها هذه الظواهر أسباباً طبيعية مادية وأخرى غيبية ملكوتية، وهذه الأسباب الغيبية أشد تأثيراً من الأولى، فليس مرادنا إبطال نظام السببية، بل إثبات علة في طول علة، وعامل معنوي فوق العوامل المادية، وإسناد التأثير إلى كلتا العلتين لكن بالترتيب: أولاً وثانياً، نظير الكتابة المنسوبة إلى الإنسان وإلى يده.

فقد بينا في أكثر من مناسبة أنّ القرآن الكريم يصادق قانون العلية والسببية، فما لم تكتمل أجزاء العلة التامة لا يوجد المعلول، وليست تقتصـر الأسباب على الأسباب المادية الطبيعية، بل لابد من اقترانها بأسباب غيبية راجعة إليه تعالى، وقد تقدم قوله عز من قائل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ} (سورة الحشر: 5).

 وقال:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} (سورة التغابن: 11).

 وقال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّه} (الأعراف : 58).

 و قال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} (آل عمران: 145).

فما من موجود يوجد أو يعدم إلاّ من بعد أذنه الذي هو عبارة أخرى عن الأسباب الغيبية، فإذن هناك أسباب مادية لهذه الحوادث الكونية؛  كالزلازل والسيول ونحوها من الكوارث، وهي ما أشار إليها الإشكال، وهناك أسباب غيبية هي ما تكلم عنها القرآن وأهله.

*مقتطف من كتاب الحكمة من البلاء والموقف منه – صادر عن شعبة البحوث والدراسات

 

2017/11/15

بين هدف أصيل وآخر تابع.. هل خلقنا الله ليعذبنا أم ليرحمنا؟!

إليكم خلاصة ما يدور من حديث اليوم بين أوساط بعض متبني ما يعرف بـ \الفكر الإلحادي\: 

إننا نعتقد – بحسب العقيدة الإسلامية – ان الله تعالى عالم بالغيب، ويعلم من سيكون مؤمناً ومن سيكون كافراً، وهنا يأتي السؤال والإشكال:

اذا كان الله تعالى يعلم بأن زيداً سيكون كافراً فلماذا خلقه، فهل خلقه ليعصي وبالتالي يعاقب بالنار؟!

ثم إن هذا يناقض قوله تعالى: {إلاّ من رحم ربك و لذلك خلقهم}، فتبين الآية الكريمة إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ليرحمهم لا ليعذبهم!!

فمثلاً لو كان الأبوان يعلمان انهما لو انجبا طفلاً فأنه سيولد مشوهاً فمن الظلم ان ينجبا ذلك الطفل؟

حسناً، سأبين لكم ما يلي:

اولاً: هناك فرق جوهري بين حالة الكافر المستحق للعقوبة وبين حال الطفل الذي يولد مشوهاً، فالأول يملك الاختيار دون الثاني، وهذا قياس مع الفارق.

لأنّ المفروض أنّه خلقنا وأعطانا حرية الاختيار وهدانا لما فيه مصلحتنا، ولم يجبرنا على معصيته، فإن عصيناه فبإرادتنا وسوء اختيارنا، وإن أطعناه فبإرادتنا وحسن اختيارنا، فليس في خلقه إيانا مع علمه بأننا سنختار طريق المعصية أي ظلم لنا، بل نحن من ظلمنا أنفسنا، قال تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النحل: 33)، بينما الطفل المشوه لا يملك هذا الخيار.

ثانياً: وهو الجواب التام ويتوقف على بيان مقدمات:

المقدمة الأولى.. غاية الخلق

 إن الله تبارك وتعالى قد تعلق غرضه الأساس في خلق اناس ليرحمهم رحمة خاصة، وهؤلاء هم الأنبياء واوصيائهم؛ لا سيما سنام الخلق اجمعين وعرفاء أهل الجنة محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام، والأحاديث في هذا الجانب مستفيضة، فبالإضافة الى ما تقدم من أحاديث تصرح بأنَّ محمداً وأهل بيته  هم غاية خلق السموات والأرض نورد لك هذه الأحاديث:

في حديث المعراج بعد تصريحه تعالى باختياره نبيّه وأولياءه الأئمّة المعصومين عليهم السلام قال تعالى: «فلولاكم ما خلقت الدّنيا والآخرة ولا الجنّة والنار ـ الخبر» (البحار ج 36 ص 302).

في الحديث القدسي عن الصّادق(عليه السلام) المرويّ في المعاني والعلل بعد بيان نبوّة الرسول(صلى الله عليه وآله) وإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولولاهما ما خلقت خلقي ـ الخبر )البحار ج38 ص81).

العلل، والعيون، والإكمال: عن الرّضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي... إلى أن قال : ـ يا عليّ، لولا نحن ما خلق آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض.. 

في النبويّ العلوي(عليه السلام): \ولولانا لم يخلق الله الجنّة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة\ ـ الخ (البحار ج36 ص337).

في رواية المفضّل عن الصّادق(عليه السلام) في وصف خلقة الأرواح قبل الأجساد بعد ما رأى آدم أسماء النبي والأئمّة صلوات الله عليهم على ساق العرش قال تعالى: «لولاهم ما خلقتكما ـ الخ. تمام الرواية في البحار\ (البحار ج11 ص172.)

فمن خلال ما تقدم يتضح ان الغرض من خلق العالم بأسره هم طائفة خاصة من الناس هم محمد  وآله صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

المقدمة الثانية: لماذا ميزهم الله عن غيرهم؟!!

ولكن هذه الغاية لا تتحقق إلاّ إذا كان في هؤلاء ما يميزهم عن سائر الخلق كالملائكة والسموات والأرض، وإلاّ لجاء السؤال: لماذا اعطاهم هذه الرحمات دون غيرهم؟

فلابد من اختبار وابتلاءات ينجح ويتفوق بها هؤلاء ليستحقوا الرحمة وبعبارة أخرى لابد من تكليف.

المقدمة الثالثة: 

ومما لا ريب فيه إن التكليف يقتضي الاختيار وهنا كانت الكرة في ساحة المكلف فإن شاء أطاع وإن شاء عصى، فاذا عصى البعض فهو باختياره، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} فصلت: 46.

وبعبارة مختصرة قد تعلق غرض الله تبارك وتعالى من خلق هذا العالم برمته بالرحمة الخاصة وهي لا تنال إلاّ بالاستحقاق المقتضي للتكليف، والذي سيؤدي بطبيعة الحال الى معصية البعض؛ فتكون الغاية من خلق العاصين هي غاية تبعية للغاية الأصلية وهي الخلق للرحمة.

وقد اشار كبار المفسرين لهذه الحقيقة نذكر لكم اقوال بعض المعاصرين منهم:

فقد ذكر صاحب تفسير الميزان في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ...} (الأعراف: 179.) حيث قال:

الذرء هو الخلق، و قد عرف الله سبحانه جهنم غاية لخلق كثير من الجن و الإنس، و لا ينافي ذلك ما عرف في موضع آخر أن الغاية لخلق الخلق هي الرحمة و هي الجنة في الآخرة كقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، فإن الغرض يختلف معناه بحسب كمال الفعل و نهاية الفعل التي ينتهي إليها.

ولكن كيف يكون ذلك؟ إليك هذا المثال:

النجار إذا أراد أن يصنع باباً عمد إلى أخشاب يهيئها له ثم هندسه فيها ثم شرع في النشر و النحت و الخرط حتى أتم الباب فكمال غرضه من إيقاع الفعل على تلك الخشبات هو حصول الباب لا غير، هذا من جهة، و من جهة أخرى هو يعلم من أول الأمر أن جميع أجزاء تلك الخشبات ليست تصلح لأن تكون أجزاء للباب فإن للباب هيئة خاصة لا تجامع هيئة الخشبات، و لا بد في تغيير هيئتها من ضيعة بعض الأجزاء لخروجها عن هندسة العمل فصيرورة هذه الأبعاض فضلة يرمى بها داخلة في قصد الصانع مرادة له بإرادة تسمى قصداً ضرورياً فللنجار في صنع الباب بالنسبة إلى الأخشاب التي بين يديه نوعان من الغاية: أحدهما الغاية الكمالية و هي أن يصنع منها باباً، و الثاني الغاية التابعة و هي أن يصنع بعضها باباً و يجعل بعضها فضلة لا ينتفع بها و ضيعة يرمى بها، و ذلك لعدم استعدادها لتلبس صورة الباب.

و كذا الزارع يزرع أرضاً ليحصد قمحاً فلا يخلص لذلك إلى يوم الحصاد إلاّ بعض ما صرفه من البذر، و يذهب غيره سدى يضيع في الأرض أو تفسده الهوام أو يخصفه المواشي و الجميع مقصودة للزارع من وجه، و المحصول من القمح مقصود من وجه آخر.

و قد تعلقت المشية الإلهية أن يخلق من الأرض إنساناً سوياً يعبده و يدخل بذلك في رحمته، و اختلاف الاستعدادات المكتسبة من الحياة الدنيوية على ما لها من مختلف التأثيرات لا يدع كل فرد من أفراد هذا النوع أن يجري في مجراه الحقيقي و يسلك سبيل النجاة إلاّ من وفق له، و عند ذلك تختلف الغايات و صح أن لله سبحانه غاية في خلقة الإنسان مثلاً و هو أن يشملهم برحمته و يدخلهم جنته، و صح أن لله غاية في أهل الخسران و الشقاوة من هذا النوع و هو أن يدخلهم النار و قد كان خلقهم للجنة غير أن الغاية الأولى غاية أصلية كمالية، و الغاية الثانية غاية تبعية ضرورية، و القضاء الإلهي المتعلق بسعادة من سعد و شقاوة من شقى ناظر إلى هذا النوع الثاني من الغاية فإنه تعالى يعلم ما يؤول إليه حال الخلق من سعادة أو شقاء فهو مريد لذلك بإرادة تبعية لا أصلية.

\\

و على هذا النوع من الغاية ينزل قوله تعالى: {و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس}، و ما في هذا المساق من الآيات الكريمة و هي كثيرة (تفسير الميزان ج8ص187).

وفي نفس السياق يقول صاحب تفسير الأمثل:

وعلى كل حال، فإنّ الإشكال المهم في هذا التعبير هو كيف قال الله سبحانه {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس}؟ في حين قال في مكان آخر: {وما خلقت الجن والإِنس إلاّ ليعبدون}، وطبقاً لمعنى هذه الآية فإنّ الجن والإنس لم يخلقوا لغير عبادة الله والتكامل والسعادة، أضف إلى ذلك أنّ هذا التعبير تُشمّ منه رائحة الجبر في الخلق، ومن هنا فقد استدل بعض مؤيدي مدرسة الجبر من أمثال الفخر الرازي بهذه الآية لإثبات مذهبه.

لكنّنا لو ضممنا آيات القرآن بعضها إلى بعض وبحثناها موضوعيّاً دون أن نُبتلى بالسطحيّة، لوجدنا الجواب على هذا السؤال كامناً في الآية محل البحث ذاتها، كما هو بيّن في آيات أخرى من القرآن الكريم أيضاً ... بحيث لا يدع مجالاً لأنّ تُستغل الآية ليُساء فهمها لدى بعض الأفراد، فمثلُ هذا التعبير كمثل قول النجار إذ يقول مثلاً: إنّ قسماً كبيراً من هذا الخشب وقد هيأته لكي أصنع منه أبواباً جميلة، والقسم الآخر هو للإحراق والإضرام... فالخشب الرائق الجيّد المناسب سأستعمله للقسم الأوّل، وأمّا الخشب الرديء غير المناسب فسأدعه للقسم الثّاني.

هدفان: أصيل وتابع!!

ففي الحقيقة أنّ للنجار هدفين: هدفاً «أصيلاً» وهدفاً (تبعيّاً).

فالهدف الأصيل هو صنع الأبواب والأُطر الخشبيّة الجيّدة وما إلى ذلك، وهو يبذل قصارى جهده وسعيه في هذا المضمار...

إلاّ أنّه حين يجد أنّ بعض الخشب لا ينفعه شيئاً، فسيكون مضطراً إلى نبذه ليكون حَطباً للحرق والإشعال، فهذا الهدف «تبعيّ» لا أصلي.

والفرق الوحيد بين هذا المثال وما نحن فيه، أنّ الاختلاف بين أجزاء الخشب ليس اختياراً، واختلاف الناس له صلة وثيقة بأعمالهم أنفسهم، وهم مختارون وإرادتهم حرّة بإزاء أعمالهم.

وخير شاهد على هذا الكلام ما جاء من صفات لأهل النّار وصفات لأهل الجنّة في الآيات محل البحث، التي تدل على أنّ الأعمال هي نفسها أساس هذا التقسيم، إذ كان فريق منهم في الجنّة، وفريق في السعير.

وتعبير آخر فإنّ الله سبحانه ـ ووفقاً لصريح آيات القرآن المختلفة ـ خلق الناس جميعهم على نسق واحد طاهرين، ووفّر لهم أسباب السعادة والتكامل، إلاّ أنّ قسماً منهم اختاروا بأعمالهم جهنم فكانوا من أهلها فكان عاقبة أمرهم خُسراً ... وأن قسماً منهم اختاروا بأعمالهم الجنّة وكان عاقبة أمرهم السعادة (تفسير الأمثل ج5ص299.)

 

 

2017/11/14