فقهيات

أقسام فرعية

أقسام فرعية

لماذا أخذ المسلمون الجزية من أهل الكتاب؟

الجزية هي مال يؤخذ من أهل الكتاب أعني اليهود والنصارى، ومن له شبهة الكتاب كالصابئة، على حسب عقد الذمة، وهي تدفع بالتراضي ومن دون اجبار، وقدرها يحدده الحاكم الشرعي بما لا يثقل كاهل الذمي، وأما سبب أخذها منهم فهو عوضاً عن خدمتهم العسكرية حيث يعفون منها، فإن رغبوا بها سقطت عنهم.

من هنا لابد من اثبات جملة من الأمور:

أولاً: انها تؤخذ منهم بالتراضي لا بالإجبار.

ثانياً: قدرها قليل يحدده الحاكم الشرعي على خصوص من يقدر على حمل السلاح، فلا تشمل النساء ولا الأطفال.

ثالثاً: أنها تؤخذ عوضاً عن تكليفهم الجهاد، فإن رغبوا به سقطت عنهم.

أما الأمر الأول: فلما اتفق عليه فقهاء الفريقين في ذلك فمن فقهائنا قول الشيخ الطوسي (قدس) سره: الجزية لا تتم إلا بالتراضي[1].

ونقل ابن العربي عن أصحاب الشافعي أنهم قالوا: الدليل على أنها وجبت بدلاً عن حقن الدم، وسكنى الدار، أنها تجب بالمعاقدة والتراضي[2].

فالمتأمل في مقاصد الشريعة يجد بوضوح أن غايتها التربية الصالحة لنوع البشر، والذي لا ينسجم مع اجبار هؤلاء على شيء، ألا تسمع قوله تعالى: (لا ينهيكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)[3].

فالإسلام هو دين البر والقسط إلى المواطنين الذميين بمقتضى هذه الآية الكريمة وغير واحد من الأخبار الحاكية عن سيرة المسلمين وأئمتهم في هذا المجال.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام خطابا لرجل من ثقيف استعمله على بانقيا[4]، وسواد من سواد الكوفة... إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو[5]. وفي هذا النص اشارة الى الأصلين الأولين، فلا يجوز اجبار الذمي على دفع الجزية، ولا يجوز ارهاقه بقدرها بل يأخذ ما زاد عن حاجته وهو المقصود بالعفو.

وفي كتاب (الخراج) ليحيى بن آدم القرشي، بإسناده عن عبد الملك بن عمير قال: أخبرني رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب رضي الله عنه على برزج سابور، فقال: لا تضربن رجلا

سوطا في جباية درهم ولا تبعن لهم رزقا، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها، ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم.  قال: قلت: يا أمير المؤمنين!

إذا ارجع إليك كما ذهبت من عندك.  قال: وإن رجعت كما ذهبت، ويحك، أنا أمرنا أن نأخذ منهم العفو[6].

وهو في الدلالة على الأمرين الأولين اوضح من سابقه.

وفي الخراج أيضا بإسناده عن زيد بن رفيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه إلى يوم القيامة[7].

وأما الأمر الثاني: فقد اشتهر بين الأصحاب شهرة عظيمة أن الجزية لا حد لها بل تقديرها إلى الإمام.

قال الشيخ في المبسوط: وليس للجزية حد محدود ولا قدر مقدور، بل يضعها الإمام على أراضيهم

أو على رؤوسهم على قدر أحوالهم من الضعف والقوة[8].

وقال المفيد: وليس في الجزية حد مرسوم لا يجوز تجاوزه إلى ما زاد عليه ولا حطة عما نقص عنه، وإنما هي على ما يراه الإمام في أموالهم، ويضعه على رقابهم على قدر غناهم وفقرهم[9].

وفي الغنية والمختصر النافع والجامع والمراسم واللمعة مثل ذلك[10].

وقد وافقهم من العامة الثوري وأبي عبيد ومالك والأثرم وعطاء بن أبي رباح ويحيى ابن آدم.

فإذن تحديد مقدار الجزية راجع الى الإمام وقد عرفت بحسب الروايات المتقدمة أن الإمام عليه السلام أمر بأخذ العفو ـ اي ما زاد عن حاجتهم ـ وعدم اثقال كاهلهم بشيء.

وأما فيما يخص الأمر الثالث: وهو أنها تؤخذ عوضاً عن تكليفهم الجهاد، فقد ذكروا أدلة كثيرة عليه نكتفي بالإشارة الى خمسة منها:

الأول: تصريح فقهاء المسلمين بذلك منهم السرخسي - من فقهاء الحنبلية -: المقصود من الجزية ليس هو المال، بل الدعاء إلى الدين بأحسن الوجوه، لأنه بعقد الذمة يترك القتال أصلا ولا يقاتل من يقاتل، ثم يسكن بين المسلمين، فيرى محاسن الدين ويعظه واعظا فربما يسلم[11].

وقال رشيد رضا في تفسيره: إن الجزية ما كانت تؤخذ من الذميين إلا للقيام بحمايتهم والمدافعة عنهم، وأن الذميين لو دخلوا في الجند أو تكفلوا أمر الدفاع لعفوا عن الجزية[12].

واليه يشير الطباطبائي في ميزانه: وأما الجزية فهي عطية مالية مأخوذة منهم مصروفة في حفظ ذمتهم وحسن إدارتهم ولا غنى عن مثلها لحكومة قائمة على ساقها حقة أو باطلة[13].

الثاني: أن الجزية ليست من مخترعات الإسلام ومجعولاته، لكونها معمولاً بها عند الأمم الأخرى أيضا، وإنما الإسلام أمضاها بصورة خاصة، فاللازم التفحص عن فلسفتها والحكمة منها عند تلك الأمم.

ومن الواضح أنها كانت تؤخذ من أصناف معينة بدلاً عن مدافعة الجنود عنهم، بدلالة قول أنوشروان كسرى في توجيه أخذ الجزية عن بعض الطوائف: فأما المقاتلة فإنهم يطلبون أجورهم من أهل الخراج وسكان البلدان لمدافعتهم عنهم ومجاهدتهم من ورائهم، فحق على أهل العمارة أن يوفوهم أجورهم [14].

ويؤكد ذلك جرجي زيدان بقوله: والجزية ليست من محدثات الإسلام، بل هي قديمة من أول عهد التمدن القديم، وقد وضعها يونان أثينا على سكان سواحل آسيا الصغرى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، مقابل حمايتهم من هجمات الفينيقيين، وفينيقية يومئذ من أعمال الفرس، فهان على سكان تلك السواحل دفع المال في مقابل حماية الرؤوس[15].

الثالث: ومن الدليل على انها تؤخذ بدلاً عن الخدمة العسكرية، أن الجزية المأخوذة من أهل الكتاب تدفع للجند، قال الشيخ في الخلاف: ما يؤخذ من الجزية والصلح والأعشار من المشركين، للمقاتلة المجاهدين... دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم في أن الجزية للمجاهدين لا يشركهم فيها غيرهم[16]. وفي الغنية: والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام[17]. وفي إشارة السبق للحلبي: وتصرف إلى أهل الجهاد[18]. وفي مختصر النافع للمحقق: يستحق الجزية من قام مقام المهاجرين في الذب عن الإسلام من المسلمين[19]. إلى غير ذلك مما ذكر في المتون الفقهية.

ويؤيده ما ذكرته كتب التاريخ من معاهدات الجزية وانها كانت تؤخذ نظير حماية المسلمين لأهل الذمة، منها: ما كتب خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا حينما دخل الفرات وأوغل فيها وهذا نصه: هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه، أني عاهدتكم على الجزية والمنعة، فلك الذمة والمنعة وما منعناكم - أي حميناكم - فلنا الجزية وإلا فلا، كتب سنة اثنتي عشرة من صفر.

ومنها: ما كتبه أهل ذمة العراق لأمراء المسلمين وهذا نصه: أنا قد أدينا الجزية التي عاهدنا عليها خالد على أن يمنعونا وأمرهم البغي من المسلمين وغيرهم[20].

الرابع: ومما يشهد لذلك سيرة أمراء المسلمين باسقاطها عن الذمي اذا قرر المشاركة في الجهاد مما يؤكد انها كانت مأخوذة لهذا الغرض، منها: الكتاب الذي كتبه عتبة بن فرقد أحد عمال عمر بن الخطاب وهذا نصه: هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان سهلها وجبلها وحواشيها وشغارها وأهل مللها كلهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وشرائهم على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم ومن حشر ـ أي جمع الناس وسوقهم للقتال ـ منهم في سنة وضع عنه جزاء تلك السنة ومن أقام فله مثل ما لمن أقام من ذلك.

ومنها: العهد الذي كان بين سراقة عامل عمر بن الخطاب وبين شهر براز كتب به سراقة إلى عمر فأجازه نقتطع محل الشاهد منه: على أن يوضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك ومن استغنى عنه منهم وقعد، فعليه مثل ما على أهل آذربيجان من الجزاء، فإن حشروا وضع ذلك عنهم.

الخامس: اعترافات بعض المنصفين من المستشرقين: منهم (توماس ارنولد) قال: لم يكن الغرض من فرض الجزية على المسيحيين، كما يريدنا بعض الباحثين الظن، لونا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة، وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول دياناتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين[21].

وقال أيضا: وقد فرضت الجزية على القادرين من الذكور مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يطالبون بأدائها لو كانوا مسلمين، ومن الواضح أن أي جماعة مسيحية كانت تعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة الجيش الإسلامي. وكان الحال على هذا النحو مع قبيلة الجراجمة، وهي قبيلة مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية، سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم وأن تقاتل معهم في مغازيهم، على شريطة ألا تؤخذ بالجزية، وأن تعطى نصيبها من الغنائم، ولما اندفعت الفتوح الإسلامية إلى شمال فارس في سنة 22 ه‍، أبرم مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود هذه البلاد، وأعفيت من أداء الجزية مقابل الخدمة العسكرية[22].

ومنهم (ول ديورانت)، قال: ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون، يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي لون خاص وأداء فرضة على كل شخص، تختلف باختلاف دخله وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير - من 75 / 4 إلى 19 دولارا أمريكيا - ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمى والشديد الفقر.

وكان الذميون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية... ولا تفرض عليهم الزكاة، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم[23].


[1] المبسوط ج 2 ص 38.

[2] أحكام القرآن ج 2 ص 924.

[3] الممتحنة / 7.

[4] قال ياقوت الحموي: بانقيا بكسر النون ناحية من نواحي الكوفة.  معجم البلدان ج 1 ص

331.

[5] فروع الكافي، ج 3 ص 540، كتاب الزكاة، باب أدب المصدق.  الحديث 8.

[6] الخراج ص 70، سنن البيهقي ج 9 ص 205.

[7] الخراج ص 71.

[8] المبسوط ج 2 ص 38.

[9] المقنعة ص 272.

[10] سلسلة الينابيع الفقهية ج 9 ص 153 و 226، اللمعة كتاب الجهاد، الجامع للشرائع ص

234، المراسم ص 141.

[11] المبسوط للسرخسي ج 10 ص 77.

[12] المنار ج 10 ص 347.

[13]

[14] الكامل في التاريخ: ج 1 ص 456.

[15] تاريخ التمدن الإسلامي ج 1 ص 227 - 228.

[16] الخلاف ج ٢ ص ١٢٧.

[17] سلسلة الينابيع الفقهية ج ٩ ص ١٥٣.

[18] المصدر ص 196.

[19] المصدر ص 227.

[20] وقد جمعها صاحب المنار ج 10 ص 347 - 351.

[21] الدعوة إلى الإسلام ص 79.

[22] المصدر ص 79 - 80.

[23] قصة الحضارة ج 13 ص 130 - 131.

2018/08/27

هل يجوز زواج «البكر الرشيدة» بغير إذن الولي؟

يتفق الفقهاء على ان الولد اذا كان بالغاً رشيداً لا ولاية للولي عليه فيجوز له الزواج ولا سلطة لاحد عليه في هذا القرار.

ويتفقون ايضا على ان المرأة إذا كانت ثيباً ـ وهي المدخول بها بزواج شرعي صحيح وان لم تفتضّ بكارتها ـ يجوز لها الزواج ولا ولاية للاب او الجد من الاب عليها.

ويتفقون ايضا ان البنت إذا كانت صغيرة لم تبلغ بعد فهي خاضعة لسلطة الولي الشرعي.

ونفس الحكم بالنسبة للولد الصغير والمجنون والمجنونة والسفيه والسفيهة فيرجع امرهم للولي الشرعي على تفصيل مذكور في محله.

انما الكلام ومحل البحث في البنت اذا كانت بالغةً بكراً رشيدةً فهل يجوز لها الزواج بدون اذن الولي الشرعي او لا؟

وقع الخلاف بين فقهاء الامامية في ولاية الاب والجد من طرف الاب على البكر البالغة الرشيدة في امر زواجها على اقوال سيتبين بعضها عند التكلم في جهتين:

الجهة الاولى: هل يحق للاب او الجد من طرف الاب ان يزوج البكر البالغة الرشيدة من دون إذنها، ام لا يحق لهما ذلك الا برضاها؟

 الجهة الثانية: هل يحق للبكر البالغة الرشيدة ان تتزوج من دون إذن ابيها او جدها لأبيها، أو ليس لها ذلك الا بإذن أحدهما؟

اما الجهة الاولى فقد ذهب جمع من الفقهاء منهم صاحب الحدائق الى ان الاب والجد من الاب لهما الولاية في تزويج البنت البكر البالغة الرشيدة من دون رضاها واستدلوا على ذلك بجملة من الروايات نذكر روايتين منها:

  1. صحيحة الحلبي، عن ابي عبدالله عليه السلام في الجارية يزوجها ابوها بغير رضاً منها، قال : ليس لها مع ابيها امر، اذا انكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهةً. الكافي ج5 ص393.
  2. صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: لا تُستأمر الجارية إذا كانت بين ابويها، ليس لها مع الاب أمر، وقال: يستأمرها كل أحد ماعدا الاب. الكافي ج5 ص393.

وأورد بعض الفقهاء على الاستدلال بهذه الروايات ايرادين:

الاول: ما ذكره السيد الخوئي (قد) من ان هذه الروايات معارضة بجملة من الروايات الدالة على لزوم استشارة البنت البكر كما جاء في معتبرة صفوان قال: استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه؟ فقال: افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها نصيبا، قال: واستشار خالد بن داوود موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر؟ فقال: افعل ويكون ذلك برضاها فإن لها في نفسها حظاً . الوسائل ج 14 ص 214.

فان قوله عليه السلام: ان لها في نفسها نصيبا او حظا يدل على عدم استقلالية الاب في امر زواجها فيكون بعض الامر بيدها.

وهذا يُفرض في البكر البالغة الرشيدة، لان الثيب امرها بيدها. كما ان الصغيرة ليس لها من الامر شيء فيتحقق التعارض بينها وبين الروايات الدالة على استقلالية الاب.

الايراد الثاني: ما أفاده سماحة السيد السيستاني دام ظله، وحاصله:

ان بعض تلك الروايات دلت على استقلالية الاب مطلقاً كصحيحة الحلبي المتقدمة، لكن بعضها الاخر كصحيحة محمد بن مسلم دلت على ولاية الاب في خصوص البكر التي بين ابويها لا مطلقا، فتقيد صحيحة الحلبي المطلقة بمفهوم الشرط في صحيحة محمد بن مسلم، والشرط هو قوله عليه السلام: اذا كانت بين ابويها.

والنتيجة المترتبة على ذلك هي: التفصيل بين البكر التي بين ابويها فيكون للاب الولاية في تزويجها، وبين البكر التي لا تكون كذلك فلا ولاية للاب عليها.

الجهة الثانية: هل يحق للبكر البالغة الرشيدة ان تتزوج من دون اذن ابيها وجدها لأبيها، ام ليس لها ذلك الا بإذن احدهما؟

المشهور بين الفقهاء ان البنت البكر البالغة الرشيدة مستقلة في امر زواجها كما هي مستقلة في سائر شؤون حياتها وقد استدلوا على ذلك بعدة روايات.

 منها: مرسلة أبي سعيد القماط عمّن رواه ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سراً من أبويها ، فأفعل ذلك ؟ قال : «نعم واتق موضع الفرج» . قال : قلت : فإن رضيت بذلك ؟ قال : «وإن رضيت ، فإنه عار على الأبكار» (الوسائل باب 11 من أبواب المتعة ، ح 7 .) .

لكن الاستدلال بهذه الرواية وامثالها مبني على التعدي عن موردها وهو المتعة الى الدائم، لكن هذه الرواية مرسلة فتكون ضعيفة.

ومنها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام، قال: المـرأة التي قد ملكت نفسها، غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز.

ومنها: عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإن أمرها جائز تزوج إن شاءت بغير إذن وليها وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بإذن وليها. (تهذيب الاحكام  ج7 ص378).

ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها فإن شاءت جعلت وليا. الكافي ج ٥ - الصفحة ٣٩٢.

وقد ناقش السيد الخوئي قدس سره بما حاصله: ان الموضوع للحكم بجواز التزويج من دون اذن الولي في هذه الروايات هي (المرأة) وهي أعم من البكر والثيب فيجب تخصيص هذه الروايات الثلاث بصحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه السلام: لا تنكح ذوات الآباء من الابكار الا بإذن آبائهن. الكافي ج5/393

لكن هذه المناقشة مبنيّة على ان يكون المقصود بقول الامام ملكت نفسها، ومالكة لأمرها هو ما يتراءى منه في بادئ النظر من ان المرأة التي قد ملكت امرها ونفسها شرعا بأن لا يكون عليها ولي في غير النكاح.

وأما بناء على تفسير سماحة السيد السيستاني دام ظله، حيث جعل قول الامام عليه السلام قد ملكت نفسها او مالكة لأمرها في مقابل ما ورد في جملة من النصوص من التعبير بالتي بين ابويها، وافاد ان المراد بالمالكة لأمرها هي التي ملكت نفسها عملاً وممارسة لا شرعاً فقط، اي: انها التي تكون مستقلة في امور حياتها، وتتصدى لها بنفسها، فتبيع وتشتري وتوقف وتؤجر وهكذا في جميع معاملاتها في سائر شؤون حياتها.

والسؤال هو: ما هو الوجه والقرينة لاختيار هذا التفسير لقول الامام عليه السلام: "قد ملكت نفسها او مالكة لأمرها، مع وجود احتمال كون المراد منه مَن لا أب له، او المراد به الثيب؟".

الجواب: الوجه في ذلك:

اولا: نفس رواية زرارة المتقدمة فان الظاهر منها ان قول الامام عليه السلام: تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي بيان لقوله: مالكة لأمرها، نظرا الى ان الامام جعل التصدي الخارجي للبيع والشراء... موضحا للمراد بـمالكة لأمرها.

وثانيا: معتبرة ابي مريم، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: الجارية البكر التي لها اب لا تتزوج الا بإذن ابيها، وقال: اذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت. الكافي ج5/391.

ووجه الاستشهاد بها هو: ان مرجع الضمير في قوله عليه السلام: اذا كانت هي الجارية البكر التي لها اب، فيكون معنى الكلام: الجارية البكر التي لها اب لا تتزوج الا بإذن ابيها، واذا كانت الجارية البكر التي لها اب مالكة لأمرها...

فلا يكون المراد من قول الامام مالكة لأمرها: الجارية التي لا اب لها، ولا (الجارية الثيب.

الى هنا تبين الوجه ـ اجمالاـ من التفصيل الذي اختاره سماحة السيد السيستاني دام ظله، من ان البكر البالغة الرشيدة ان كانت مستقلة في شؤون حياتها عن ابويها فيجوز لها الزواج من دون اذن ابيها ، وان البكر البالغة الرشيدة غير المستقلة لا يجوز لها الزواج من دون اذن الاب، ويجوز لأبيها ان يزوجها من دون رضاها.

ولكن سماحته احتاط لزوماً بعدم تزويج المستقلة بدون اذن ابيها، وان لا يزوّج الاب غير المستقلة من دون رضاها.

ويمكن ان يُوجه الاحتياط في الموردين بالنظر الى معتبرة صفوان المتقدمة حيث ورد فيها فإن لها في نفسها نصيبا وفإن لها في نفسها حظا.

حيث يدل هذا التعبير على اشراك الامر بينها وبين ابيها، فلا يجوز للاب ان يزوجها من دون رضاها، كما انه ليس لها ان تتزوج من دون اذنه.

الخلاصة: ذهب صاحب الحدائق الى ان الاب والجد من الاب لهما الولاية في تزويج البنت البكر البالغة الرشيدة من دون رضاها.

وذهب البعض الى رضا الطرفين الولي والبنت البكر.

اما من ناحية البنت فقد ذهب المشهور الى صحة العقد برضا البنت فقط وذهب البعض الى اشتراط رضاهما.

وذهب سماحة السيد السيستاني دام ظله الى التفصيل بين المالكة لأمرها فاحتاط برضا الطرفين وبين غير المالكة فأفتى بالاشتراط.

 

 

2018/08/19

الإجهاض... متى يجوز إسقاط الجنين؟

من المسائل المتجددة في واقعنا المعاصر، مسألة الإجهاض للجنين ، حيث ان هذه المسألة قد انتشرت بين الناس انتشارا كبيرا صار من اللازم البحث عن هذه المسألة من جهة شرعية وبيان الموقف الشرعي فيها.

ومن هنا فقد تكلم الفقهاء عن الإجهاض ، وفرقوا بين حكم الإجهاض قبل نفخ الروح، وبعده، وراعوا موارد الضرورة والحرج ، ومع تقدم الطب في عصرنا الحاضر، امكن معرفة حجم الخطر الذي يَحِلُّ بالأم بسبب بقاء الجنين، ودرجة الضرورة في ذلك، حيث صرح الفقهاء بأن كلام الاطباء معتبر ما لم يُوثق بخطاهم، ومن خلال هذه المقالة سنسلط الضوء على هذا الموضوع مبتدئين ببيان معنى الاجهاض وبيان الحكم في نفسه ثم ببيان حكمه اذا طرأ عليه عنوان ثانوي على الام من هلاك او ضرر او حرج، ثم الاشارة الى الخلاف بين الفقهاء الناشئ من فهمهم للأدلة الواردة في هذا الموضوع.

الإجهاض في اللغة

الإجهاض مصدر أجهض بمعنى إسقاط الحمل. ( الصحاح، ج۳، ص۱۰۶۹).

وليس لدى الفقهاء اصطلاح خاص فيه، بل يستعملونه بما له من المعنى عند أهل اللغة، وكثيراً ما يعبّر عنه بالإسقاط والإلقاء كما قد يعبّر عنه بالطرح أيضاً وهو تعبير يستعمله العرف كثيرا.

حكم الإجهاض في نفسه

لا خلاف بين الفقهاء في حرمة إسقاط الجنين عمداً في نفسه مع قطع النظر عن العناوين التي تطرأ عليه وسيأتي، سواء كان بعد ولوج الروح فيه أو قبله، برضا من الزوجين أو بدونه، بالمباشرة من الام او بالتسبيب بسبب الطبيبة.

قال السيد السيستاني في مسألة 73 المنهاج ج1/ مستحدثات المسائل: لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان بويضة مخصبة بالحويمن...

دليل الحرمة

يستدلّ الفقهاء على حرمة إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه - والذي يكون عادة بعد أربعة أشهر من انعقاد النطفة وقد يحصل قبل الاربعة اشهر- بصدق قتل النفس المحترمة، مضافاً إلى الروايات الآتية.

وأمّا قبل نفخ الروح فيه فيستدلّ على حرمة اسقاطه مضافاً إلى أنّه متسالم عليه بين الفقهاء بمجموعة من الروايات:

منها: موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: المرأة تخاف الحَبَلَ فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها، قال: «لا»، فقلت: إنّما هو نطفة، فقال: «إنّ أوّل ما يخلق نطفة». الوسائل، ج۲۹، ص۲۶، ب ۷ من قصاص النفس، ح ۱.     

ومنها: صحيحة رفاعة قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أشتري الجارية فربّما احتبسُ طمثُها من فسادِ دمٍ أو ريحٍ في رحم فتُسقى دواءً لذلك فتطمث من يومها، أ فيجوز لي ذلك وأنا لا أدري من حَبَلٍ هو أو غيره؟ فقال لي: «لا تفعل ذلك»، فقلت له: إنّما ارتفع طمثها منها شهراً ولو كان ذلك من حبل إنّما كانت نطفةً كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: «انّ النطفة إذا اوقعت في الرحم تصير إلى علقة ثمّ إلى مضغة ثمّ إلى ما شاء اللَّه، وأنّ النطفة إذا اوقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء فلا تسقها دواءً إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيها». (الوسائل، ج۲، ص۳۳۸، ب ۳۳ من الحيض، ح ۱).   

ومنها: الروايات الواردة في لزوم تأخير رجم الحامل إلى أن تضع وترضع ولدها، منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مُحصنة زنتْ وهي حُبلى؟ قال: «تقر حتى تضعَ ما في بطنها، وترضع ولدها ثمّ تُرجم». (الوسائل، ج۲۸، ص۱۰۶، ب ۱6 من حد الزنا، ح 4).

ظاهر هذه الرواية ـ عرفاً ـ وجوب حفظ الجنين وعدم جواز التفريط به شرعاً.  

إجهاض الجنين الميت

إنّ حرمة الإجهاض تختصّ بما إذا كان الجنين حيّاً، وأمّا إذا كان ميتاً في بطن امّه فلا إشكال في جواز إسقاطه؛ لانصراف الأدلّة المتقدمة وعدم شمول شيء منها لهذه الحالة، بل قد يجب الإجهاض عندئذٍ لنجاة امّه وحفظ حياتها. وهذا كلّه واضح فقهياً وإن لم يصرّح به الفقهاء.

اجهاض مشوّه الخلقة

 لكن وقع الكلام بين الفقهاء فيما اذا كان الجنين حيّاً ولكنه ثبت علمياً كون الجنين مشوّهاً ومصاباً بعاهات أو عاهة واحدة، فهل يجوز اسقاطه؟ أو نحو ذلك من الأمور المشينة التي يصعب تحمّلها وتشقّ على الأبوين.

الواقع أنّ هذه من المسائل المستحدثة التي لم تكن مطروحة في كتب الفقهاء سابقاً لعدم معرفة حال الجنين، وأما الان ولتطور العلم الحديث اصبح من الميسور معرفة حاله فقد بحثها الفقهاء ضمن المسائل الفقهية المستحدثة .

 فقد يحتمل جواز الاسقاط نظراً إلى انصراف أدلّة الحرمة عن مثل هذه الحالات الشاذّة والنادرة، أو تمسّكاً بأدلة نفي العسر والحرج بالنسبة للأبوين لما فيه من الحرج الشديد المتوجه لهما جراء معرفة ان الجنين مشوه.

وهذا ما يظهر من رأي سماحة السيد السيستاني دام ظله لكن خصّه بما قبل ولوج الروح، جاء في جواب موجود على الموقع الرسمي: (اذا كان في استمرار الحمل او القيام بمقتضيات الحضانة بعد الولادة حرج شديد علي الام بحد لا يتحمل عادة جاز الاجهاض قبل ولوج الروح في الجنين واما بعده فلا يجوز على الاحوط وجوباً).

وبعض الفقهاء ذهب الى عدم الجواز لان ادلة تحريم الاجهاض مطلقة، خصوصاً إذا كان بعد ولوج الروح الذي يصدق عليه عندئذٍ قتل النفس البشريّة.

قال السيد الخوئي قُدس سرّه: (لا يجوز الاجهاض في هذا الفرض في تمام صوره، والله العالم). في جواب عن سؤال ما هذا نصه: إذا ثبت بطرق التشخيص أن الجنين مشوه بدرجة كبيرة أو مصاب بمرض لا علاج له، أو الطفل المولود سوف يكون عالة على أبويه وعلى مجتمعه باعتبار تشوهه؟

إسقاط الجنين لحفظ حياة الامّ

إذا دار الأمر بين حفظ الجنين وحفظ حياة الامّ بأنّ علم أنّ كليهما معاً لا يبقيان على قيد الحياة فالمستفاد من مباني المشهور في أمثال المقام هو التفصيل بين ما قبل ولوج الروح فيجوز الإسقاط وبين ما بعد ولوج الروح فلا يجوز الاسقاط.

 أمّا الجواز قبل ولوج الروح فلأنّه مقتضى إطلاقات أدلّة الاضطرار ونفي الضرر الحاكمة على أدلّة المحرمات، بل قد يقال بوجوب الإسقاط حينئذ؛ لأنّ فيه حفظ النفس المحترمة الواجبة الحفظ وهي حياة الامّ، وهو أهم من حرمة إسقاط الجنين الذي لم تلجه الروح بعدُ.

 وأمّا الحرمة بعد ولوج الروح فلأنّ أدلّة الاضطرار ونفي الضرر لكونها امتنانية لا تشمل القاء الضرر على إنسان آخر، خصوصاً في باب القتل فانّه لا فرق بين حرمة نفس ونفس فتبقى حرمة قتل النفس المحترمة ثابتة حتى للُامّ فيجب عليها الصبر.

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: (وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً حتى في حالة الضرر والحرج على الأحوط لزوماً...) المنهاج ج1 مستحدثات المسائل.

 وقد أفتى بعض الفقهاء المعاصرين بجواز الإسقاط للُام فقط ولا يجوز لغيرها إبقاءً لحياة نفسها، مستدلًا على ذلك بأنّ هذا بابه باب التزاحم بين واجبين، وجوب حفظ النفس ووجوب حفظ الولد أو حرمة قتله، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر في الأهميّة؛ لكون كلّ منهما نفساً محترمة- لو لم نقل باحتمال أهمية الامّ على الولد الجنين- فمقتضى القاعدة التخيير كما هو الحال في سائر موارد التزاحم. التنقيح في شرح العروة، ج۹، ص۱۹۲.

فالجواز من باب القاعدة العقلية في موارد التزاحم لا من جهة روايات التقية أو الاضطرار ليقال بأنّه لا تقيّة في الدماء أو أنّها لا تشمل المقام.

قال السيد الخوئي: (... وأما إذا كان بعد ولوج الروح، فإن كان بقاؤه مؤديا إلى هلاكها جاز إسقاطه وإلا فلا). صراط النجاة.

إذا كان في الحمل مشقّة أو ضرر على الأم

إذا كان في الحمل أو الولادة مشقّة أو ضرر على الامّ- زائداً على الكُره والمشقّة الموجودة في نوع الحمل والولادة- ولكن دون أن يكون خطراً على حياتها فالمستفاد من مباني المشهور في أمثال المقام التفصيل بين ما قبل ولوج الروح فيجوز الإسقاط تمسّكاً بأدلّة نفي الحرج والضرر الحاكمة على أدلّة المحرمات الأوليّة. وبين ما بعد الولوج فلا يجوز؛ لعدم شمول الأدلّة الامتنانية لحالات القتل، بل الضرر على النفس الاخرى فتبقى أدلّة حرمة قتل النفس المحترمة محكمة.

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله في مسألة 73 من مستحدثات المسائل: لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان بويضة مخصبة بالحويمن إلا فيما إذا خافت الأم الضرر على نفسها من استمرار وجوده أو كان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمل عادة فإنه يجوز لها عندئذٍ إسقاطه ما لم تلجه الروح، وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً حتى في حالة الضرر والحرج على الأحوط لزوماً.

2018/08/12

لماذا لا تفتي المرجعيّة بحرمة إيـذاء المتظاهرين؟

الجواب:

أولاً: هناك إلتفاتة لابدّ مِن التنبيه عليها وهي:
إنّ حرمة إيذاء الإنسان أمـرٌ بديهيٌ قبـل أن تنص عليه الشريعة، ثـم أنّ حرمة ذلك امرٌ اتفق على حكمه كافة الفقهاء.
والحكم الشرعي منشور في موقع سماحته وبإمكان مقلّديه مراجعته.
نقرأ معاً ما نصّ:
في سؤالٍ مفاده: ماهي المحرّمات في الشريعة الإسلامية؟
أجاب:
"قتل المسلم بل كلّ محقون الدم، وكذلك التعدّي عليه بجرحٍ أو ضربٍ أو غير ذلك..."(1).
وعليه لانتخذ من المرجعيّة شمّاعة لتغافلنا وجهل البعض.

ثانياً: لا أعلم لماذا لايوجّه هذا الخطاب إلى الجهات القانونيّة؟! 
سيـما وأنّ قانون العقوبات قد أشار إلى ذلك، نقرأ معاً ما نصّ:
"مَن اعتدى عمداً على آخر بالــجرحِ أو بـــالضربِ أو بالعــنفِ أو بإعطاءِ مادّةٍ ضارّةٍ أو بـإرتكابِ أي فعلٍ آخر مخالف للقانون قاصداً إحداث عاهة مستديمة به يُـعاقب بــــالسجن مدّة لاتزيد على خمس عشرة سنة، .... وتكون العقوبة السجن مدّة لاتزيد على سبع سنوات أو بالحبس إذا نشأت عن الفعل عاهة مستديمة دون أن يقصد الجاني إحداثها"(2).

وعليه نسأل الله تعالى الإستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة، ودوام سلميّة المتظاهرات وفقاً للآداب العامّة، وعدم التجاسر على ممتلكات الدولة فهي ملك الشـعب نفسه، ولايحق لأحدٍ إتلافها تحت أيّ مسمى.
_____________
(1) موقع مكتب سماحة السيّد السيستاني (دام ظلّه)
(2) قانون العقوبات العراقي المعدّل لسنة 1969، م412، ف1-2.

المقال شخصي وليس تابعاً لجهةٍ قط.

2018/07/23

القصاص في الإسلام: تربية أم انتقام؟

ذهب البعض إلى اعتبار عقوبة القصاص في الإسلام ثأراً وانتقاماً من القاتل ولا تناسب الواقع المعاصر ولا الحضارة المعاصرة، والآية الكريمة التي تدعو إلى القصاص من القاتل ـ على حسب رأيهم ـ خاصة بزمان النبوة ولم نعد في حاجة إلى تطبيقها، حتى لا نُتّهم من قبل الغرب بالرجعية ومخالفة مواثيق حقوق الإنسان...

ونحن هنا نتعرض لمفهوم وحكم القصاص من الناحية القرآنية حيث قال الحق في محكم كتابه العزيز: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»[1]:

 كانت العرب أوان نزول آية القصاص وقبله تعتقد القصاص بالقتل لكنها ما كانت تحده بحد وإنما يتبع ذلك قوة القبائل وضعفها فربما قتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فسلك في القتل مسلك التساوي وربما قتل العشرة بالواحد والحر بالعبد والرئيس بالمرؤوس وربما أبادت قبيلة أخرى لواحد قتل منها.

وكانت اليهود تعتقد القصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس و الثلاثين من العدد، وقد حكاه القرآن عن توراتهم الأصلية، حيث قال تعالى: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ»[2]، وكانت النصارى على ما يحكى لا ترى في مورد القتل إلا العفو والدية، وسائر الشعوب والأمم على اختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تام حتى القرون الأخيرة.

والإسلام سلك في ذلك مسلكاً وسطاً بين الإلغاء والإثبات فأثبت القصاص وألغى تعينه بل أجاز العفو والدية ثم عدل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول، فالحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.

وقد اعترض على القصاص مطلقاً وعلى القصاص بالقتل خاصة بأن القوانين المدنية التي وضعتها الدول الراقية لا ترى جوازها وإجراءها بين البشر اليوم.

و قد أجاب القرآن بكلمة واحدة، و هي قوله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً»[3].

بيان ذلك: أن القوانين الجارية بين أفراد الإنسان حتى  الوضعية منها بنيت وفق الطبيعة الإنسانية فلا فرق بين المجتمع والإنسان الواحد في ذلك، والنفس مفطورة على حب الوجود، و تطرد كل ما يسلب عنه الحياة بأي وسيلة أمكنت وإلى أي غاية بلغت حتى القتل والإعدام، ولذا لا تجد إنسانا لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلا به، وهذه الأمم الراقية أنفسهم لا يتوقفون عن الحرب دفاعاً عن استقلالهم وحريتهم وقوميتهم، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها، ويتوسلون إلى حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها، تلك الحرب التي فيها فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا تزال بعض الدول تتقدم بالتسليح و آخرون يتجهزون بما يجاوبهم، فما بال هذه الدول المتحضرة تجوز القتل الذريع و الإفناء و الإبادة لحفظ مبدأ من مبادئها كالحرية او الاستقلال، بل حتى مصالحها الاقتصادية ولا تجوزها لحفظ حياة نفسها؟ و ما بالها تجوز قتل من يهم بالقتل ولم يفعل ولا تجوزه فيمن هم وفعل؟ و ما بالها تقضي وعلى طول التاريخ بقانون (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره) لكنها تعد القتل في مورد القتل ظلما.

ثم أن الإسلام يشرع للدنيا عامة ولكل الأمم لا لقوم خاص او أمة معينة، وهذه المجتمعات المتحضرة إنما حكمت بعدم الحاجة الى القتل والإعدام بعد ما تيقنت ـ من خلال الإحصائيات في مورد الجنايات ـ أن سائر أفراد المجتمع ينفر ويقبح القتل فلا تتفق بينهم إلا في الشذوذ و إذا اتفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل، و الإسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية و أثرها الذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على ساق.

و يلوح إليه قوله تعالى: في آية القصاص «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ»[4]، فاللسان لسان التربية و إذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأن الفخر العمومي في العفو لم ينحرفوا عنه إلى مسلك الانتقام.

و أما غير هؤلاء الأمم فالأمر فيها على خلاف ذلك والدليل عليه ما نشاهده من حال الناس وأصحاب الجريمة والفساد فلا يخوفهم حبس ولا عمل شاق ولا يصدهم وعظ ونصح، والحياة المعدة لهم في السجون أرفق وأعلى و أسنى مما لهم في أنفسهم من المعيشة الردية الشقية فلا يوحشهم لوم ولا ذم، ولا يدهشهم سجن ولا ضرب، وما نشاهده أيضا من ازدياد عدد الجرائم في الإحصاءات يوماً فيوماً فالحكم العام الشامل للفريقين - و الأغلب منهما الثاني - لا يكون إلا القصاص و جواز العفو فلو رقت الأمة و ربيت تربية ناجحة أخذت بالعفو و الإسلام لا يألو جهده في التربية فتأمل في قوله تعالى: «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ»، ففي التعبير عن ولي الدم بالأخ إثارة لحس المحبة و الرأفة و تلويح إلى أن العفو أحب.

  • مقتبس من مجلة البلاغ الصادرة عن شعبة البحوث والدراسات – العدد الثاني

 


المراجع: تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ج1

[1] البقرة: 179.

[2] المائدة: 45.

[3] المائدة - 32.

[4] البقرة: 178.

2018/07/22

الدين أصل الشرور و الإرهاب ؟!

هل الدين وبالذات الإسلام أصل الشرٌ كما يكرر دوماً " الإلحاد الجديد - New Atheism  " الذي ظهر كحركة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م ، و كمصطلح يعبر عن تلك الموجة الجديدة ضد الدين في وسائل الإعلام سنة 2006م  ؟!

المقال يتعقب ذلك وبالأخص ريتشارد دوكنز بوصفه أشهر شخصيات هذه الحركة .

الدين في نظر الملحدين

يرى الصحفي والكاتب الأمريكي كريستوفر هيتشنز  (توفي سنة :2011م )  : الدين قتّال ، و يسمم كل شيء ، والأخير جزء من عنوان كتابه ([1])  يشاركه عالم الأحياء التطوري البريطاني ريتشارد دوكنز : تخيل عالماً بدون دين ، عالم بدون انتحاريين أو تفجيرات 11 أيلول ، وبعد أن برأ الملحدين بقوله : لا أظن بأنّ هناك ملحداً في العالم يمكن أن يفكر بأن يهدم مكة بالجرافة ... اقتبس عن استيفن واينبيرغ : " تحتاج للدين كي تجعل أناس طيبين يفعلون الشر " ([2]) يعتبر هيتشنز ودوكنز من أشهر رموز حركة الإلحاد الجديد ([3])  

ومن الواضح أنّهم يعنون بالشر هنا الإرهاب المرتكب باسم الدين ، وبالرغم من أنّ هذه المفردة (الارهاب) تم تداولها كثيراً لكن مفهومها لم يحدد إلى الآن وحتى الأمم المتحدة لم تضع لها تعريفاً يتفق أعضاؤها عليه ، مع أنّ القاعدة العقلائية تفيد : الحكم على الشيء فرع تصوره ! المهم أنّنا سنأخذ بالمفهوم المستوحى من الأمثلة والمصاديق ، قتل الأبرياء عبر التفجيرات ، الإنتحاريون ، وأحداث 11 سبتمبر وفعال داعش في بلداننا ، كلها أمثلةُ للشر والإرهاب ، ولا يختلف معنا هيتشنز دوكنز وغيرهما على ذلك .

الدين بين تطرفين

كسائر عقلاء الأديان في العام نبدي موقفاً رافضاً لكلا التطرفين ، تطرف داعش وتطرف الإلحاد الجديد ، ولأسباب معقولة جداً نعتبر الملاحدة الجدد متطرفين : إذ لو صحت مقالتهم تلك في الدين صح قول القائل : إنّ نسبية أنشتاين ارهابية لأنّها أنتجت معادلة E=mc²  وأولى تطبيقاتها هي صناعة القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة هيروشيما و ناجازاكي في اليابان ابان الحرب العالمية الثانية ، وإذن : فالعلم ارهابي لانه أنتج لنا كل الأسلحة والقنابل النووية التي فتكت البشرية !

ولو كان الدين " جذوة الشر ، وأصل الشرور كلها أو بعضها " كما يطيب التعبير لدوكنز وزملائه فكيف تولّد كل ذلك الخراب والعنف الذي لم يشهد له التأريخ له مثيلاً في دول خلت تماماً عن الدين كالأنظمة الشيوعية في روسيا والصين وكمبوديا في القرن العشرين ؟!

يعلم دوكنز جيداً أنّ اثنين فقط من الملاحدة قتلا ما يزيد عن مئة مليون إنسان وقضيا على كل معالم الدين ، ماو تسي تونغ (زعيم شيوعيي الصين ، توفي : 1976م ) وجوزيف ستالين (رئيس الإتحاد السوفيتي بعد لينين ، توفي سنة : 1953 م )  أما أدولف هتلر(مؤسس ورئيس الحزب النازي ، انتحر سنة : 1945م ) فيشكك دوكنز في إلحاده ! وتغاضى عن ماو وبقي ستالين فألمح إلى أنّ عنفه يعود لأصوله الدينية ، وبشكل عام : إنهم لم يرتكبوا تلك الجرائم باسم الإلحاد ([4])  وبقصد المحاكمة والتقييم لا السخرية نقلنا هذا الجواب عن دوكنز !

والواقع إنّ " دوكنز يفشل في تقدير أنّه حين يرفض مجتمع ما فكرة الإيمان بالله فإنّه يميل إلى إعلاء البدائل ـ مثل الحرية والمساواة ـ فهذه تصبح الآن سلطات شبه مقدسة من غير المسموح لأحد أن يتحداها ، ربما المثال الأشهر عنها يعود إلى الثورة الفرنسية ... لما سيقت مدام رولان سنة : 1793 إلى المقصلة بتهمة ملفقة أنحنت أمام التمثال الذي يشخص الحرية في ساحة الثورة وقالت : " أيّتها الحرية أية جرائم ترتكب باسمك " ([5])  

والفكرة ذاتها تنطبق على الماركسيين إذ جعلوا الدولة المطلق فيما جعل النازيون العرق والدم وهكذا .

ومع أنّه ملحد ، يصف عالم السانيات الشهير والفيلسوف الأمريكي المعاصر (نعوم تشومسكي ) في مؤتمر صحفي شخوص الإلحاد الجديد بالقول :

" متطرفون دينيون لكنهم يؤمنون بدين الدولة وهذا أخطر بكثير من الأديان الأخرى ، كلاهما يدافعان عن دين الدولة ، خصوصا الدين الذي يقول : علينا أن ندعم عنف ووحشية وظلم دولتنا لانّ هدفنا ونوايانا طيبة وهذا ما يقوله كل متدين بدين الدولة في أي دولة ..."([6]) !

الإسلام وتهمة الشرور

ينطبق على مُطلقي هذه التهمة على الإسلام تحديداً المأثور العربي : رمتني بدائها وأنسلّت ([7]) فإنّ مروّجيها إمّا ملحدين أو مسيحيين وأعلى نسب القتل وقعت تحت غطائهما .

والملحدون بالذات لا تسعفهم رؤيتهم الإلحادية من إدانة أي جريمة بما فيها جريمة القتل بل  شرور البشر كلهم ـ ملحدين أو غير ملحدين ـ لا يسع الإلحاد التملص منها إن وقعت منه او إدانتها لوكانت من غير الملحدين ، والسبب واضح ، وهو فاقدان الرؤية المادية للوجود لأصل معيار الخير والشر وللوجود الموضوعي للأخلاق ، إذ لا ترى الوجود إلا في إطار الطبيعة فلا وجود لشيء يقال له خير أو شر بوصفهما قيمتان متجاوزتان للمادة !

على خلاف الملاحدة الجدد كان الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه (توفي سنة : 1900م )وفياً لرؤيته الإلحادية ملتزماً بتضميناتها ولوازمها حين قال : " تخلص من الضمير ومن الشفقة والرحمة ...اقهر الضعفاء واصعد فوق جثثهم " ([8])

وأما المسيحيون فقد كشفت دراسة قامت بها جامعة "متشيغن الأمريكية" حول ضحايا القرن العشرين ، إنتهت أنّ قتلى القرن العشرين ١٠٢ مليون قتيل ، قتل منهم أقل من 2% على أيدي المسلمين فقط والـ98% والباقون قتلوا على أيدي المسيحيين ([9])

وفي دراسة أوسع حول أعداد القتلى في الأحداث العامة الكبرى كالحروب والحروب الأهلية والمذابح السياسية والعرقية في الفترة منذ بداية التاريخ الميلادي إلى عام 2008 (من 0 – لـ2008م) تناولت 321 حادثة  عامة تورطت فيها الحضارات الإنسانية ومعتنقو الديانات المختلفة ، أظهرتْ الدراسة كلاً من الهندوس والمسلمين في آخر القائمة فيما تصدر القائمة المسيحيون والملحدون . ([10])

على الجانب الآخر ، في دراسة أجراها الباحث الأمريكي روبرت بابيه للهجمات الإنتحارية من سنة 1980 م إلى سنة : 2004 ، استنتج منها إنّ دافع الهجمات الإرهابية الانتحارية في مجملها ليس الدين بأي حال من الأحوال بل هدف استراتيجي واضح وهو إجبار الأنظمة الديمقراطية الحديثة على سحب قواتها العسكرية من الأراضي التي ينظر إليها منفذو هذه الهجمات باعتبارها وطناً لهم .

وفي استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة جالوب أيّد سبعة في المئة فقط من المسلمين الذين شملهم الإستطلاع هجمات (11 سبتمبر) مؤكدين أنّ لها ما يببرها ولكنّهم قالوا : إنّهم لن يرتكبوا مثل هذه الفضائع التي تقع مسؤليتها الأساسية في تقديرهم على سياسة الغرب الخارجية التي تسببت في هذه الاحداث الشنيعة ...أما غالبية المسلمين ممن أدانوا هجمات سبتمر فقد ساقوا أسبابا دينية مستشهدين في ذلك بالآية القرآنية : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا }" ([11])

ختاماً

الواقع الراهن ، تصريحات الصحف ، نتائج الدراسات ، كلها  تشير إلى أن المسلمين هم أكثر ضحايا الإرهاب وأكد ذلك أيضاً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  في خطابه أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض إنّ " أكثر من 90% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين" .

 

الإنفوجرافيك يلخص أهم إحصاءات الدراسة:

 


([1]) عنوان كتاب هيتشنز :  الإله ليس عظيمًا: كيف يسمم الدين كل شيء ؟

([2]) ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 250 ، ترجمة : بسّام البغدادي .

([3])ظهر " الإلحاد الجديد - New Atheism  " كحركة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 و كمصطلح يعبر عن تلك الموجة الجديدة ضد الدين في وسائل الإعلام سنة 2006.

([4]) دوكنز – المصدر السابق صفحة 274 .

([5]) ليستر إدغار ماكغراث–  ( وهم دوكنز ، الأصولية الملحدة وإنكار الإله )  صفحة 84 ، ترجمة محمد عودة ، نشر : العتبة العباسية - المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ، الطبعة الأولى : 2017 م .

([6]) نشر هذا التصريح في مقطع مرئي على الإنترنت  بعنوان : ( الالحاد الجديد والعلمانية هي مجرد دين جديد ) .

([7]) يضرب لمن يُعَيِّر صاحبه بعيبٍ هو فيه ، راجع : مجمع الأمثال للميداني (توفي سنة : 581 هـ) تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد ، الناشر: دار المعرفة - بيروت، لبنان .

([8]) رحابة الإنسانية والإيمان ص113 ، دار الشروق ، مصر – القاهرة .

([9]) رابط الدراسة : https://www.juancole.com/2013/04/terrorism-other-religions.html

 ([10]) نقلاً عن موقع ( ساسة بوست sasapost )  والدراسة الأصلية منشورة باللغة الأنكليزية على الرابط التالي : https://www.sasapost.com/body-count-a-quantitative-review-of-political-violence-across-world-civilizations/

([11])كارن آرمسترونغ – مسعى البشرية الأزلي - الله لماذا ؟ ، ص455 ، ترجمة : فاطمة نصر و هبة محمود ، ط 1، ، الهيئة  المصرية للكتاب 2010 م – القاهرة .

2018/07/03

متى بدأ الشيعة بتقليد «الفقيه»؟

هناك سؤال يُطرح عن نشوء "بداية التقليد" ما إذا كان قد بدأ بعد وفاة آخر وكيل للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف، او في زمن الشيخ الانصاري رحمه الله كما يزعم البعض.

ان التقليد الشرعي هو التقليد العرفي المتمثل برجوع غير العالم إلى العالم، مع فارق أن التقليد الشرعي يلتمس فيه الحجة لما يترتب عليها من تنجيز وتعذير.

ونعني بالتنجيز: هو أن غير المختص عندما يثبت لديه أن هذا الفقيه العالم بالأحكام الشرعية قد توفرت فيه الشروط التي تصحح الرجوع إليه واخذ الأحكام الشرعية منه، وان فتواه حجة تنجز التكليف في حقه، أي تجعله جاهزاً للامتثال، و يستحقّ المكلّف العقاب في حالة تخلّفه عن هذه التكاليف.

 والتعذير: هو انه يعطي المجال للاعتذار أمام اللّه تعالى عند عدم إصابة الفتوى للواقع المطلوب.

وجاء هذا لان التقليد العرفي ظاهرة بشرية عامة قامت عليها سيرة الناس (العقلاء) في جميع شؤونهم الحياتية، حيث يرجع غير العالم في كل مجال من مجالات الحياة الى العالم.

وجاء المشرع الاسلامي، واقر هذه الظاهرة في مجال الامتثالات الشرعية فانبثق منها مظهر من مظاهر سيرة المتشرعة (المسلمين) حيث يرجع غير المختص الى المجتهد.

وتاريخ المسلمين المتشرعين (وهم المسلمون الملتزمون بالتشريع الاسلامي) أقوى شاهد على ذلك.

هل قلّد المسلمون في زمن النبي (ص)؟

فقد بدا التقليد الشرعي، بوصفه ظاهرة شرعية اجتماعية، في عهد رسول اللّه (صلى الله عليه و آله)، وبتخطيط منه (صلى الله عليه و آله) ثم بتطبيقه من قبل المسلمين بمرأى ومسمع منه (صلى الله عليه و آله) وتحت إشرافه و بإرشاده.

وتمثل هذا في الأشخاص الذين كان ينتدبهم (صلى الله عليه و آله) للقيام بمهمة تعليم الأحكام الشرعية في البلدان و الأماكن التي اسلم أهلها في عصره.

ومن هذا بَعْثه (صلى الله عليه و آله) مصعب‏ بن عمير إلى المدينة المنورة، و معاذ بن جبل إلى اليمن.

فقد كان المسلمون في هذه ألاماكن النائية عن مقر النبي (صلى الله عليه و آله)،

يتعلمون الأحكام من هؤلاء الصحابة المنتدبين لهم و المبعوثين إليهم، ويعملون وفق ما يتعلمون منهم.

وكان المسلمون عندما يحتاجون إلى معرفة حكم شرعي للعمل به يسألون هؤلاء ويجيبونهم ويعملون وفق ما يفتونهم به.

في هذا الصدد يقول السيد الخوئي قدس سره: "التقليد كان موجودا في زمان الرسول (صلى الله عليه و آله) وزمان الأئمة عليهم السلام لان معنى التقليد هو اخذ الجاهل بفهم العالم، ومن الواضح أن كل احد في ذلك الزمان لم يتمكن من الوصول إلى ‏الرسول الأكرم أو احد الأئمة عليهم السلام و اخذ معالم دينه منه مباشرة، واللّه العالم‏ ".

الأئمة عليهم السلام والتقليد

أما الأئمة عليهم السلام فقد أرجعوا شيعتهم الى المتخصصين في معالم الدين، وهناك جملة من الروايات استدل بها على حجية الفقيه ورد بعضها عن الصادقين (عليهما السلام)، ومنها روايات الامر بالإفتاء والارجاع الى آحاد الفقهاء والعلماء.

فعن الحسن بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليهم السلام): جعلت فداك! إنّي لا أكاد أصِل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج من معالم ديني؟ فقال: نعم

وعن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليهم السلام) قال سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟

فقال: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي، فعنّي يؤدّي. وما قال لك عنّي، فعنّي يقول. فاسمع له! وأطِع! فإنّه الثقة المأمون». قال: وسألت أبا محمد (عليهم السلام) عن مثل ذلك، فقال: العمري وابنه ثقتان. ...

وعن أبان تغلب، قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليهم السلام): جالس أهل المدينة، فإنّي أحبّ أن يروا في شيعتنا مثلك.

 و عن سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليهم السلام) يقول: «ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي(عليهم السلام)، إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء، ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي(عليهم السلام) على حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة».

 وعن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا، فيسألني، وليس عندي كلّما يسألني عنه، قال: فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي؛ فإنّه قد سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً.

و عن شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال: عليك بالأسدي، يعنى أبا بصير.

و عن علي بن المسيّب، قال: قلت للرضا(عليه السلام): شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال: من زكريّا بن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا.

ان هذه الروايات وغيرها تبين دور المتخصصين كوسطاء لبيان معالم الدين في زمن الظهور قبل الغيبة، وهذا هو الدور الذي يقوم به الفقيه في زمن الناس هذا مع تفاوت في بعض الجوانب التي تفرضها طبيعة الغيبة والبعد الزمني الطويل بيننا وبين عصر الظهور، الا ان الرجوع الى المتخصص والاعتماد على قوله كطريق الى الواقع لم يختلف من حيث الجوهر والمضمون.

التقليد على لسان علمائنا القدماء

قال الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه كمال الدين وتمام النعمة: "فإن قيل: فكيف التمسك به ولا نهتدي الى مكانه ولا يقدر أحد على إتيانه؟

قيل له: نتمسك بالإقرار بكونه وبإمامته وبالنجباء الاخيار الفضلاء الابرار القائلين بإمامته المثبتين لولادته وولايته، المصدقين للنبي والائمة في النص عليه باسمه ونسبه من ابرار شيعته العالمين بالكتاب والسنة. ..".

وهذه دعوة صريحة للتقليد واتباع العلماء أشار إليها الشيخ، رحمه الله، بالنجباء الأخيار والفضلاء الأبرار.. ألخ.

وقال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الرسالة الاولى في الغيبة: "فإن قال: اذا كان الامام عندكم غائبا ومكانه مجهولا فكيف يصنع المسترشد ؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحَن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما والى مَن يرجع المتنازعون ؟ لاسيما ان الامام نُصب لما وصفناه.

قيل له: هذا السؤال مستأنف... الى ان يقول: فأما الممتحَن بحادث يحتاج الى علم الحكم فيه فقد وجب ان يرجع في ذلك الى العلماء من شيعة الامام عليه السلام".

وقال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الذريعة: "والذي يدل على حسن تقليد العامي للمفتي انه لا خلاف بين الامة قديما وحديثا في وجوب رجوع العامي الى المفتي وانه يلزمه قبول قوله لأنه غير متمكن من العلم بأحكام الحوادث ومن خالف في ذلك كان خارقا للإجماع".

وقال شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتابه عدة الأصول‏: "اني وجدت عامة الطائفة (يعني الإمامية) من عهد أمير المؤمنين إلى زماننا هذا (القرن الخامس الهجري) يرجعون إلى علمائها و يستفتونهم في الأحكام و العبادات، و يفتونهم العلماء فيها، و يسوغون لهم العمل بما يفتونهم به‏".

 ويقول أيضاً رحمه الله "و ما سمعنا أحدا منهم قال لمستفتٍ: لا يجوز لك الاستفتاء، و لا العمل به، بل ينبغي أن تنظر كما نظرتُ، و تعلم كما علمت، و لا أنكر عليه العمل بما يفتونهم. وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة عليهم السلام، و لم يُحكَ عن واحد من الأئمة النكير على هؤلاء، و لا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوبونهم في ذلك، فمن خالف في ذلك كان مخالفا لما هو المعلوم خلافه".

وقد استمر الرجوع الى المتخصص واشتدت الحاجة اليه في عصر الغيبة الكبرى وما زال الله يمن علينا بعلماء عدول ثقات متخصصين في معارف الدين كالشيخ الصدوق والمفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وابن ادريس الحلي و القاضي بن البراج والمحقق الحلي والعلامة الحلي والشهيدين العاملين وما زالت معاهد العلم والتحقيق تزخر بالعلماء وتعد المحققين المدققين زاد الله في توفيقهم وحرسهم بحراسته من كيد أعداء المذهب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مقتطف من مجلة «البلاغ» الصادرة عن شعبة البحوث والدراسات – العدد الأول

 

2018/07/01

2018/06/19

زكاة الفطرة: الأصل القرآني والحكم الفقهي

"زكاة الفطرة" عبارة مؤلفة من كلمتين: زكاة – فطرة.

الأولى: الزكاة تعني في أصل وضعها النماء والزيادة، وشرعياً لها قسمان: مستحبة وهي الصدقة، وواجبة وهي أيضاً بدورها قسمان: زكاة المال (في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلات الأربع: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وفي النقدين: الذهب والفضة )، والقسم الآخر الواجب من الزكاة هو: زكاة الفطرة وعنها نتحدث هنا.

الثانية: الفطرة وتعني في اللغة الابتداء والخلق ( فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام: 14] ومن ثمّ فزكاة الفطرة يعني أحد وجوه ثلاثة: فهي إمّا بمعنى زكاة خلقة البدن حفظاً له عن الأمراض وعن الموت وتطهيراً عن الأدران و الاوساخ، وإما بمعنى الدين  ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30].  أي زكاة الاسلام والدين، ولا مانع من إرادة المعنيين، وثمة وجه ثالث أفاده بعض العلماء هو بمعنى الافطار، من حيث أنّ وجوبها يوم الفطر، لكن قد يوجه عليه أنّ المناسب هو تسميتها حينئذ زكاة الفطر كما يسميها أهل السنة، لا زكاة الفطرة كما وردت في الأخبار عن عترة النبي الأطهار !

هذا من حيث اللفظ والعبارة، وثمة أسئلة عنها: هل لها جذر قرآني ؟ فإن كان فما هو ؟ ثمّ وماهي أهم مسائلها الابتلائية دون الخوض في التفاصيل ؟

آية زكاة الفطرة:

أصل زكاة الفطرة في القرآن هو قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى: 14] فإنّها نزلت في زكاة الفطرة  فهي القصودة بـ" تزكى" لا زكاة الأموال فإنّها شرعت كغيرها من كثير من الواجبات في المدينة والآية مكية على المشهور، مضافاً إلى تفسير الاحاديث لها بزكاة الفطرة  :

تفسيرها في الروايات:

اليك ثلاثة اخبار فسّرت قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى) بزكاة الفطر:

1ـ ما ورد عن زكاة الفطرة في صحيح هشام بن الحكم عن الامام الصادق عليه السلام فِي حَدِيثٍ: قَالَ نَزَلَتِ الزَّكَاةُ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَمْوَالٌ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْفِطْرَةُ / الوسائل حديث رقم [ 12110]

2ـ في من لا يحضره الفقيه وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل" قد افلح من تزكى" قال: من اخرج الفطرة.  قيل له : "وذكر اسم ربه فصلى" قال: خرج
إلى الجبانة (اي الصحراء ) فصلى.

3ـ وروى حماد بن عيسى عن حريز عن ابى بصير وزرارة قالا: قال
أبو عبد الله عليه السلام: ان من اتمام الصوم اعطاء الزكوة يعنى الفطرة، كما ان الصلوة على النبى صلى الله عليه وآله من تمام الصلوة، لانه من صام ولم يؤد الزكوة فلا صوم له اذا تركها متعمدا، ولا صلوة له اذا ترك الصلوة على النبى وآله، ان الله عز وجل قد بدء بها قبل الصوم قال" قد افلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى".

الأحكام الفقهية لزكاة الفطرة:

ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية أحكام [ زكاة الفطرة ] بعد زكاة الأموال، ونحن ذاكرون أهم احكامها.

*فمنها: وجوب اخراجها على المكلف عن نفسه وعن كل من يدخل تحت كفالته ورعايته في المعيشة ولو لمدة قصيرة حتى الضيف لو بات عنده. 

*ومنها: ان ما يدفعه في زكاة الفطرة هو كل ما يعد قوتا لأهل البلد، يتعارف عندهم التغذي به كالأرز وغيره في بلداننا، ويكون بمقدار ثلاثة كليوات، أو 1500دينار عراقي للفرد الواحد تقريبا.كما حددها مكتب سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، دام ظله الوارف، ينويها بدلاً عن الطحين 

* ووقت دفعها: يجوز إخراج زكاة الفطرة خلال شهر رمضان مقدماً على وقت وجوبها. ويجوز التأخير في إخراجها في يوم العيد إلى زوال الشمس لمن لا يصلي صلاة العيد، وأما من يصليها فالأحوط لزوماً أن لا يؤخر إخراجها عن أداء الصلاة. وإذا أخر المكلف إخراج فطرته عن زوال الشمس فليؤدها بقصد القربة المطلقة من دون نية الأداء والقضاء.

*لمن تدفع: تدفع زكاة الفطرة لفقراء ومساكين المؤمنين، نعم تحرم فطرة غير السادة على السادة، ويستحب تقديم الارحام والجيران على سائر الفقراء وينبغي الترجيح بالعلم والدين والفضل، كل ذلك ذكره الفقهاء في بحوثهم الفقهية ورسائلهم العملية فراجع هناك.

2018/06/14

بالفيديو: لماذا يختلف الفقهاء في ثبوت رؤية الهلال؟
 المستفاد من النصوص الشرعية ان العبرة في دخول الشهر القمري بوجود الهلال في الأفق عند غروب الشمس بدرجة من الارتفاع والاضاءة بحيث يكون قابلاً للرؤية بالعين المجردة الاعتيادية لولا الموانع.

[اشترك]

المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع شاهد الفيديو أدناه:

2018/06/13

"النشوز" عند الزوج والزوجة... كيف نعالجه؟

وضعت الشريعة الاسلامية حدودا وتكاليف منها تلك الحدود والواجبات التي فُرضت على الزوجين، والتي بالرغم من وجودها، إلا إنه قد يقع الاختلاف بينهما، سواء كان من الزوج فقط، او من الزوجة، او من كليهما، وهو ما يُصطلح عليه بالنشوز، او الشقاق، وسنسلط بعض الضوء في هذه المقالة لفهم معناهما وما هو العلاج اذا وقع أحدهما؟

ولبيان مفردة "النشوز" لا بد من اللجوء إلى اللغة لكشف غموضها عن القارئ، إذ تعني "الارتفاع"، وسمّي خروج أحد الزوجين نشوزاً لأنّه بمعصيته قد ارتفع عمّا أوجب الله تعالى عليه من ذلك للآخر، ولو كان الخروج من الزوجين معاً خصّ باسم الشِّقاق كما سيأتي بيانه.

نشوز الزوجة

يقول المرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله: "النشوز قد يكون من الزوجة، وقد يكون من الزوج اما نشوز الزوجة فيتحقق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدم تمكينه مما يستحقه من الاِستمتاع بها، ويدخل في ذلك عدم ازالة المنفرات المضادة للتمتع والاِلتذاذ منها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا بخروجها من بيتها من دون اذنه...".

وهل يتحقق النشوز بخروج الزوجة عن طاعة الزوج المستحبة؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: "ولا يتحقق بترك طاعته فيما ليس واجباً عليها كخدمة البيت ونحوها...". منهاج الصالحين ج3م350.

فعليه لا يتحقق نشوز الزوجة بترك خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاِستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش وإن كان يستحب لها ان تقوم بذلك.

وهل تسقط النفقة بنشوزها؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا امتنعت الزوجة من تمكين الزوج من نفسها مطلقاً لم تستحق النفقة عليه... واما إذا امتنعت من التمكين في بعض الاَحيان لا لعذر مقبول شرعاً "كما إذا كانت مريضة او كانت حائضا"، أو خرجت من بيتها بغير اذنه كذلك فالأحواط وجوباً عدم سقوطها بذلك.

ما هو العلاج لنشوز المرأة؟

 أولا: الموعظة

قال تعالى: (واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ)، أن يعظها الزوج لتليين قلبها وإيصالها إلى التفاهم بأن ترك المرأة لحقوق الزوج يعتبر معصية لله تعالى، فالوعظ هي أَولى العلاجات لأي خلاف بين الزوجين.

ثانياً: الهجر في المضاجع

قال تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ) فإذا لم تؤثر الموعظة هجرها في المضجع إذا احتمل نفعه، كأن يحوّل إليها ظهره في الفراش، أو يعتزل فراشها إذا كان يشاركها فيه من قبل.

ثالثا: الضرب

قال تعالى: (وَاضْرِبُوهُن)، فإذا لم يؤثر الهجر ايضاً جاز له ضربها إذا كان يؤمِّل معه رجوعها الى الطاعة وترك النشوز.

شروط ضرب المرأة:

ويقتصر منه:

1- على اقل مقدار يحتمل معه التأثير، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلاّ تدرج الى الاقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثراً في اسوداد بدنها أو احمراره.

2- و ان يكون ذلك بقصد الاِصلاح لا التشفي والاِنتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغُرم (الغرامة الشرعية).

 وإذا لم تنفع معها الاجراءات المتقدّمة واصرّت على نشوزها فليس للزوج ان يتّخذ ضدها اجراءً آخر سواء أكان قولياً كإيعادها بما لا يجوز له فعله (كإيعادها بالتشهير بها او بالقتل) ـ بخلاف الاِيعاد بما يجوز له كالطلاق أو التزويج عليها ـ أو كان فعلياً كفرك اُذنها أو جرّ شعرها أو حبسها أو غير ذلك، نعم يجوز له رفع امره الى الحاكم الشرعي ليلزمها بما يراه مناسباً.

نشوز الرجل

كما ان النشوز يحصل من الزوجة كذلك يحصل من الزوجة ويتحقق بمنع الزوجة من حقوقها الواجبة عليه، كترك الانفاق عليها، أو ترك المبيت عندها في ليلتها، أو هجرها بالمرة، أو ايذائها من دون مبرر شرعي (أي: لم تكن ناشزا).

ما هو الحل لو نشز الرجل؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا نشز الزوج على زوجته بمنعها حقوقها الواجبة (المتقدمة) عليه فلها المطالبة بها ووعظه وتحذيره، فان لم ينفع فلها رفع امرها الى الحاكم الشرعي وليس لها هجره ولا ضربه والتعدي عليه.

الشقاق

اذا كان كلا الزوجين لم يلتزما بواجباتهما اتجاه الاخر سُمِّي بـ (الشقاق)، فما هو الحكم حينئذٍ؟

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا وقع نشوز من الزوجين ومنافرة وشقاق بين الطرفين بعث الحاكم حكمين ـ حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجةـ للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه صالحاً من الجمع أو الفراق بإذنهما.

 ويجب عليهما البحث والاِجتهاد في حالهما؛ وفيما هو السبب والعلّة لحصول الشقاق بينهما؛ ثم يسعيان في امرهما فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً. (المنهاج ج3 مسألة 362).

وقال سماحته دام ظله: إذا اختلف الحكمان بعث الحاكم حكمين آخرين حتى يتفقا على شيء.

وينبغي للحكمين اخلاص النية وقصد الاِصلاح، فمن حسنت نيته فيما تحرّاه أصلح الله مسعاه.

2018/05/09

ما لا تعرفونه عن "الخيرة"... مشروعيتها وحدودها

الحيرة حالة طبيعية تصيب الانسان عندما لم يجد طريقا للتخلص من التحير والتذبذب الذي يصيبه فلا استشارة تريحه، ولا توكل وعزم يطمئنه، عندها يلتجئ للاستخارة.. فما هي الاستخارة؟ وهل هي مشروعة؟ وماهي مواردها؟ كل ذلك سنحاول الاجابة عنه من خلال هذه المقالة.

الاستخارة لغة

الاستخارة في اللغة، هي طلب الخيرة في الشيء، يقال: استخِرِ اللَّه يخر لك. والخيْرة- بسكون الياء- اسم من خار اللَّه لك، أي أعطاك ما هو خير لك، وأمّا بفتح الياء (الخيَرة) فهي الاسم من قولك: اختاره اللَّه تعالى. ( جمعا بين الصحاح والنهاية ولسان العرب).

الاستخارة في الاصطلاح  

ذكر الفيض الكاشاني في الوافي وصاحب الحدائق وغيرهما اربعة معانٍ للاستخارة ولكن الشيخ صاحب الجواهر اقتصر على معنيين للاستخارة فقط وهما:

الاول: طلب الخيرة من الله تعالى

طلب الخيرة من اللَّه تعالى، أي أن يسأل العبد في دعائه أن يجعل اللَّه له الخير، ويوفّقه في الأمر الذي يريده، فهذا المعنى للاستخارة هو مجرد دعاء وطلب من الله تعالى.

الثاني: طلب تعرف ما فيه الخيرة

وهذا المعنى هو المعروف بين المتشرّعة، وهو وإن كان يشتمل على الدعاء والطلب من اللَّه تعالى إلّا أنّه يشتمل أيضاً على نوع من المواضعة بين المستخير وبين اللَّه سبحانه وتعالى، فإنّ المستخير يعلّق فعله على حصول ما جعله طريقاً و علامة على معرفة كون هذا الفعل الخاصّ ممّا رأى اللَّه سبحانه مصلحته وخيره فيه، فإن كان عدد السبحة فرداً- مثلًا- فيأتي بالعمل الذي استخار له؛ فإنّه قد جعل ذلك العدد طريقاً وكاشفاً عن أنّ الإتيان بذلك العمل يكون فيه خيره ومصلحته، كما أنّ العدد إن كان زوجاً- مثلًا- فلا يأتي به؛ لأنّه قد جعل ذلك العدد طريقاً وكاشفاً عن أنّ الإتيان بذلك العمل لا يكون فيه خيره ومصلحته، وهذا بخلاف الاستخارة بالمعنى الاول.

متى نستخير؟

أيضا يقول العلامة الطباطبائي صاحب أشهر تفاسير الشيعة "الميزان": وقد وردت عدّة أخبار من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في جواز الأخذ بالخيرة من السبحة وغيرها عند الحيرة، وحقيقته أن الانسان إذا أراد أن يقدم على أمر كان له أن يعرف وجه المصلحة فيه بما أغرز الله فيه من موهبة الفكر أو بالاستشارة ممن له صلاحية المعرفة بالصواب والخطأ، وإن لم يهده ذلك إلى معرفة وجه الصواب، وتردد متحيرا كان له أن يعين ما ينبغي أن يختاره بنوع من التوجه إلى ربه). .( الميزان - - ج ٦ - ص ١١٩).

مشروعية الاستخارة وموردها

المعروف بين علمائنا مشروعية الاستخارة بأحد المعنيين المتقدمين وعلى الاقل يمكن الاتيان بها برجاء المطلوبية وهذا ما يظهر من جواب لسؤال مقدم لمكتب سماحة المرجع الديني الاعلى حول الاستخارة جاء فيه:

السؤال: هل الاستخارة بالطريقة المتبعة عندنا الان، محبَّذة شرعاً أو واردة ؟ وهل هناك من ضير في تكرار الاستخارة مع التصدق لتوافق رغبة المستخير؟

الجواب: يؤتى بها رجاء، عند الحيرة، وعدم ترجُّح أحد الاحتمالات بعد التأمل والاستشارة، وتكرار الخيرة غير صحيح الاّ مع تبدل الموضوع، ومنه التصدق ببعض المال.

فقد اشار هذا الجواب الى مسألة مهمة ايضا في الاستخارة وهي هل يمكن تكرار الاستخارة على موضوع واحد او لابد من تبدل الموضوع؟

وكان الجواب: وتكرار الخيرة غير صحيح الاّ مع تبدل الموضوع، ومنه التصدق ببعض المال.

ومن اسباب تبدل موضوع الاستخارة هو التصدق او اذا تغيّرت بعض الظروف أو مضى زمان بحيث يحتمل تغّير المصالح والمفاسد.

وقد بين استفتاء آخر ان المشورة تتقدم على الاستخارة اذ لعله تكون المشورة سببا لزوال الحيرة والتردد عند الانسان ومع عدم زوال الحيرة بالمشورة ينتقل الى الاستخارة، جاء في نص الاستفتاء:

السؤال: ما هو رأيكم بالاستخارة؟

الجواب: المتيقن من مشروعية الاستخارة هو مورد التحّير بعد الاستشارة.

الاستخارة في امر الزواج

في المشاريع الكبيرة المصيرية، ومنها الزواج، هل تصح الاستخارة او لا؟

هناك استفتاء في هذا الخصوص موجود في الموقع الرسمي للمرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله:

السؤال: هل تنصحون بأخذ خيرة في أمر الزواج ؟

الجواب: بعد المشاورة وعدم رفع التحير لابأس به.

وصفوة القول: إن الاستخارة المتيقن من مشروعيتها هو عند حصول التحيّر مع تعذّر الاستشارة او حصول الاستشارة لكن لم تنتهِ الى نتيجة كل ذلك يُؤتى به بنية رجاء المطلوبية.

 

2018/05/03

دية المرأة "نصف" دية الرجل؟... لماذا؟!

من المواضيع التي اخذت قسطا طويلا من البحث والاخذ والرد، ومحاولات للإجابة عن التساؤلات المثارة حولها هي مسألة "دية المرأة".

وقبل الخوض في تفاصيلها، لا بد من بيان مفهوم "الدية" بشكل عام وعلى نحو مختصر، فنقول: سُمّيت الدية؛ لأنّها تُؤدّى عِوضاً عن النفس، والمراد بها بالمعنى الفقهي المال الواجب بسبب الجناية على النفس أو على الاعضاء.

دية المرأة

اتفق فقهاء المسلمين من الخاصة والعامة على ان دية المرأة نصف دية الرجل ولم يخالف في ذلك الاّمَن لا يُعتَد بقولهم.

قال المحقق الحلي رحمه الله في الشرائع: (ودية المرأة على النصف من جميع الأجناس ـ أي من جميع انواع الدية المذكورة في الفقه).

وعلق الشيخ صاحب الجواهر رحمه الله على عبارة المحقق بقوله: وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أن دية المرأة الحرة المسلمة صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الأعضاء أو غير سليمتها، على النصف من جميع الأجناس المذكورة في العمد وشبهه والخطأ، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص، بل هو كذلك من المسلمين كافة إلا من ابن عُليَّة (كان من فقهاء المعتزلة) والأصم (هو عبد الرحمن الأصم أستاذ ابن علية وشيخ المعتزلة)، فقالا هي كالرجل... ( جواهر الكلام - ج ٤٣ص32)

قال ابن قدامة في المغني: (ودية الحرة المسلمة، نصف دية الحر المسلم).

وقال القرطبي في تفسيره: (وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل).

وقال السيد الخوئي قدِّس سرُّه في مباني تكملة المنهاج - الجزء الثاني: القصاص:  (من دون خلاف بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع بقسميه مستفيضاً، بل هو كذلك بين كافّة المسلمين إلاّ ابن علية والأصمّ.

وتدلّ على ذلك عدّة روايات:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في رجل قتل امرأته متعمّداً «قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاءُوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» (الوسائل 29ج: أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1.).

 ومنها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة ودية المرأة نصف دية الرجل» (الوسائل 29 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 2).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: في الرجل يقتل المرأة متعمّداً، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه «قال: ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل» الحديث (الوسائل 29 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3).

ما هي المصلحة في تنصيف الدّية؟

يقول بعض الباحثين: أن جعل دية المرأة نصف دية الرجل والتفريق بينهما ليس له مصلحة وهو تفريق بلا سبب.

وفي معرض الجواب عن هذا التساؤل والاعتراض نقول:

أولا: إن مسألة الدية هي أمر اقتصادي صرف، وليست هي معيار تقييم الإنسان، أنّ المرأة المسلمة كالرجل المسلم من حيث دورها وأهميتها في المجتمع، وليس اختلاف الديّة دليلاً على نقصان في كرامة المرأة، وليس لها علاقة من جانب التفاضل الروحي، وذلك أن البدن ليس أكثر من أداة، ولهذا البدن دية مشتركة سواء كان بدن العالم، أو طبيب أو مهندس، أو مبتكر أو عامل بسيط.

ومن هنا يتضح ان الدية شرعت لسدّ الضرر المالي الوارد على الأُسرة بسبب قتل النفس فهي لها علاقة بالبدن، وسد الفراغ الحاصل بفقدانه. لأنه من الواضح أنّ الضرر المالي والخلل الاقتصادي الّذي يصيب العائلة بفقد الرجل أكثر منه في حالة فقدان المرأة.

ولذلك أصبحت دية المرأة نصف دية الرجل. كلّ ذلك حسب طبيعة المجتمع الإسلامي الّذي حمّل الرجل مسؤولية إدارة الأُسرة والقيمومة.

 

2018/04/25

ادفع قبل استلام البضاعة... ماذا تعرف عن "العربون" وما هو حكمه؟!

تعارف بين الناس في المعاملات المالية أن الشخص الذي يرغب في شراء بضاعة أو عقار يعطي للبائع ـ بعد أن يوافق على السعر ـ مبلغا من المال (يسمى بالعَرَبون) وفي المقابل يكون البائع ملزما بحجز البضاعة أو الامتناع عن بيعها لطرف آخر لفترة معينة على الا يكون للمشتري حق الرجوع فيما دفع من العربون لو أعرض عن الشراء.

قبل بيان الحكم الشرعي نتوقف قليلا لبيان معنى العربون لغة واصطلاحا، ثم نتبعه ببيان آراء الفقهاء فيه.

العربون ـ لغة:

الْعَرَبُونُ بفتح العين والراء، وَالْعُرْبُونُ على وزن عُصْفورٍ، لغَة فيه. وَالْعُرْبَانُ بضم العين لغة ثالثة. وهو أعجمي معرب، وفسروه لغة: بما عقد به البيع. (المصباح المنير).

وذَكر ابن الاثير في (النِّهاية) بقوله: (قيل: سُمِّي بذلك لأنّ فيه إعراباً لعقد البيع؛ أي إصلاحاً وإزالة فساد لئلاَّ يملكه غيره باشترائه).

العربون ـ اصطلاحا:

العربون له معنى واحد عند الفقهاء: هو أن يبذل المشتري مبلغاً مِن المال مقدّماً بعد تمام عقد الشراء، على أن يكون للمشتري الخيار (أي: للمشتري فسخ العقد وتركه) مدة معلومة، فإن قرّر إمضاء الشراء صار العربون جزء من الثمن، وإن قرّر العدول عن الشراء فهل يكون العربون مستحقاً للبائع او لا؟.

قال العلامة الحلي قُدِّس سرُّه في التذكرة في بيان العربون: وهو أن يشتري السلعة فيدفع درهماً أو ديناراً على أنّه إن أخذ السلعة كان المدفوع من الثمن، وإن لم يدفع الثمن وردّ السلعة لم يسترجع ذلك المدفوع.

( تذكرة الفقهاء :1/174).

لكن السؤال الأهم هو: هل يجوز للبائع ان يأخذ العربون على تقدير اعراض المشتري عن السلعة او لا يجوز؟

هناك خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ العربون من قبل المالك، بعض الفقهاء ذهب الى عدم جواز اخذه، واستدلوا على عدم جواز اخذه بعدة ادلة منها: ان الاصل بقاء العربون على ملك مالكه وهو المشتري .

وهو ما استدل به العلاّمة الحلي وقال: الأصل بقاء الملك على المشتري فلا ينتقل منه إلاّ بوجه شرعي. ( نهاية الإحكام:2/523)

وذهب البعض الى جواز اخذ العربون من قبل البائع واستدلوا له بدليلين:

الاول: أنّ العربون عوض عمّا منعه ذلك من النفع، قال ابن الجنيد رحمه الله: العربون من جملة الثمن، ولو شرط المشتري على البائع أنّه جزء من الثمن فهو، و إلاّ فالعربون له كان ذلك عوضاً عمّا منعه من النفع، وهو التصرف في سلعته. ( مختلف الشيعة:5/317ـ318.)

فالعربون عند ابن الجنيد رحمه الله عوضٌ عما يمنع البائع مِن التصرّف في ماله.

الثاني: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): المؤمنون عند شروطهم

والشرط في العربون حين انشاء المعاملة بدفع جزء من الثمن من المشتري في مقابل له حق فسخ المعاملة الى مدة معلومة في قبال هذا المقدار (العربون)، ويبقى البائع منتظراً تلك المدة، فأما أن تتم المعاملة بدون فسخ فيكون ما دفع جزء من الثمن، أو يتم الفسخ فيرجع الثمن بشرط ان يستلم البائع مقدار العربون الذي هو في مقابل انتظاره لمعرفة لزوم المعاملة أو فسخها، وقد استحق العربون بالشرط.

رأي المرجع الأعلى

وهذا ما يظهر من جواب مقدم لمكتب سماحة المرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله عن العربون:

سؤال: العربون الذي يدفعه المشتري مسبقاً قبل استلام السلعة هل يجوز للبائع اخذه عند تراجع المشتري؟

الجواب: إذا كان العربون جزء من الثمن في البيع الواقع بينهما وقد اشترط المشتري لنفسه حق الفسخ مع الالتزام بتمليك العربون الى البائع على تقدير اعمال هذا الحق لزمه الوفاء بهذا الالتزام.

 ويتبين من هذا ان المشتري يشترط بالعربون حق الفسخ له ضمن المدة المحددة المتفق عليها بينه وبين البائع، وفي حال عدم التزام المشتري بدفع بقية الثمن يكون للبائع الحق بأخذ الثمن المدفوع مسبقا (العربون).

 

2018/04/22

غير ما نقرأه في الرسائل العملية.. علامات البلوغ من أين جاءت؟!

البحث عن البلوغ له جوانب متعددة فتارة يبحث عنه في علم الطب، كالبحث عن عوارض البلوغ المختلفة، من اشتداد العظم، وغلظة الصوت، وطول القامة، وظهور الثديين في المرأة، وظهور الشعر في العانة إلى غير ذلك من العوارض.

 وتارة أُخرى يُبحث في القانون الوضعيّ، وثالثة في الفقه الاِسلامي.

 والبحث عن البلوغ في الفقه من حيث كونه مبدأ للتكليف.

البلوغ في الآيات الشريفة

قد عبّـر سبحانه عن البلوغ في آياته المباركة بالتعابير الثلاثة التالية:

1ـ بلوغ الحلم. قال سبحانه: «وَإِذا بَلَغَ الاَطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكيمٌ» النور:59.

والمراد من الحلم في الآية الشريفة: الكناية عن خروج المنيّ، سواء كان في اليقظة أو في المنام.

2ـ بلوغ النكاح. قال سبحانه:(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) النساء:6.

اتّفق الفقهاء على أنّه لا يدفع مال اليتيم إلاّ بعد البلوغ واستئناس الرشد، فقد عبّرت الآية عن الشرط الاَوّل ببلوغ النكاح وهو في اللغة بمعنى الوطء.

3ـ بلوغ الاَشد. قال عزّ وجلّ: «ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» . الحج:5.

وقال عزّ وجلّ: «وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً». القصص:14.

والمراد من بلوغ الاَشد بلوغه من القوة الذي يكون مبدؤه الاحتلام.

البلوغ في السنة

قد وردت علامات للبلوغ في السنّة الشريفة:

1. الاحتلام. قال الامام الصادق عليه السلام: «...فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات». الوسائل: الجزء 1، الباب 4، من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 1،.

والظاهر من الروايات في هذا الباب عدم الفرق بين الذكر والاَنثى.

جاء في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل، قال: «إن أنزلت فعليها الغسل، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل». (الوسائل: الجزء1، الباب 7 من أبواب الجنابة، الحديث 5، راجع سائر أحاديث الباب).

2. الاِنبات. والمراد إنبات الشعر على العانة من دون فرق بين الذكر والاَنثى، جاء في رواية حمزة بن حمران عن  أبي جعفر عليه السلام: «لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت».

(الوسائل: الجزء 1، الباب 4، من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 1.)

والاِنبات هو وجود الشعر في العانة، بخلاف الشعر فإنه قد يوجد في غير العانة.

3. السن.

يقع الكلام في مقامين: سن البلوغ في الذكر، وسنّ البلوغ في الاَنثى.

اما سن البلوغ في الذكر، لا شكّ انه علامة للبلوغ ، والقول المشهور عند الشيعة هو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والدليل عليه رواية بن حمران المتقدمة، وصحيح يزيد الكناسي قال: قلت لاَبي جعفر  عليه السلام: متى يجوز للاَب أن يزوج ابنته ولا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسـع سنين ـ إلى أن قال:ـ قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال: «يا أبا خالد انّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك». (الوسائل: الجزء 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9).

اما سن البلوغ في الانثى: فقد دلت الروايات في ابواب مختلفة على ان حد البلوغ في الانثى هو تسع سنين . منها ما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح في «خصاله» عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «حدّ بلوغ المرأة تسع سنين».

وصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة، فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين». (الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1)

ويتبين مما تقدم انّ التسع أمارة طبيعية للبلوغ كشف عنها الشارع، وذلك لاَنّ المراد من البلوغ هو حدوث طفرة أو قفزة نوعيّة في مزاج الاِنسان وبُنيته توَثر في عظمه ولحمه وعصبه وحاسته وفكره شيئاً فشيئاً.

2018/04/19

لا مبدل لكلمات الله: كيف يغير "البداء" مصائرنا إذاً؟!

البداء في اللغة: الظهور، يقال: بدا، أي ظهر.

وأمّا اصطلاحاً، فهو: إظهار الله ما سبق في علمه المخزون، ذاك الذي خفي على عباده، ولا يحتسبون ظهوره، إلى الوجود؛ رحمةً بهم.

فكلّ ما كان في سابق علم الله تعالى، وأظهره لعباده ممّا لا يحتسبون ظهوره، فهو البداء، ومن ذلك نسخ التشريع، وهو معروف، ونسخ التكوين، كزيادة الأعمار والرزق وغير ذلك، والبداء بنسخ التكوين ألصق..

لفظ البداء في أحاديث السنة

أخرج البخاري قال: وحدثني محمد، حدثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا همام، عن إسحاق بن عبد الله، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي عمرة، أنّ أبا هريرة رضي الله عنه، حدثه: أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله عز وجل أن يبتليهم...» ([1]).

قال ابن حجر في الفتح: قوله «بدا لله» بتخفيف الدال المهملة، بغير همز: أي سبق في علم الله، فأراد إظهاره، وليس المراد أنّه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأنّ ذلك محال في حق الله تعالى([2]).

قلت: ما ذكره الإمام ابن حجر العسقلاني في تفسير: «بدا لله» هو في الجملة عين ما يقوله مشهور الشيعة الأعظم في معنى البداء، حذو القذة بالقذة.

مثال تطبيقي للبداء في القرآن؛ قوم يونس عليه السلام

قال الله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [3].

أمر الله تعالى يونس عليه السلام أن ينذر قومه بنزول العذاب إذا أصروا على الكفر، فلمّا اصرّوا ولم يستجيبوا، أنزل الله تعالى عليهم العذاب قريباً منهم، فلم يبق شكّ عند يونس عليه السلام في أنّهم معذّبون؛ فلقد دنى العذاب فعلاً، ورآه حقّاً، وتهيّأ عليه السلام لتركهم طرّاً؛ فلقد أخبره الله تعالى بذلك إذا أصرّوا..

لكنّهم – وهذا هو البداء - جأروا إلى الله تعالى؛ ففرّقوا بين الرضيع وأمّه، والأنعام وصغارها، والزوج وزوجته، وامتنعوا عن الطعام والشراب، ثمّ آبوا إلى الله قائلين: «يا حيّ حين لا حيّ، يا محيي الموتى، لا إله إلا أنت...» فكشف الله تعالى عنهم العذاب؛ أي أظهر سبحانه ممّا في مخزون علمه، ومكنون فضله، للتائبين من عباده، ما كان خافياً حتى على يونس عليه السلام.

وهنا علم يونس عليه السلام أنّ أمر الله في خلقه لا يدور فقط على العلم المبذول لأنبيائه ورسله، بل أيضاً على علمه المخزون الخفي الذي لا يعلمه إلاّ هو سبحانه؛ لذلك صرخ يونس منادياً: (في الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [4] ؛ إذ: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وعنده أم الكتاب).

قلت: فهذا هو البداء بلحمه وعظمه؛ وخلاصته فيما نحن فيه، أنّ الله تعالى قضـى بعذاب قوم يونس إذا أصرّوا؛ فلمّا أصرّوا أظهر غضبه فأنزل عذابه عليهم، لكن لما تابوا، بدا لله تعالى أنْ يظهر لهم عفوه ورحمته..؛ فالبداء هنا إظهار الله ما كان خافياً حتى على يونس من عفوه، بسبب توبة قومه النصوح..

أركان عقيدة البداء

الأوّل: لا مبدل لكلمات الله تعالى

فلقد كتب الله تعالى مقادير الخلائق، وما هم صائرون إليه، قبل خلق الخلق بكذا ألف سنة، وأودعه في أمّ الكتاب أو اللوح المحفوظ (فيه خلاف) جفّ القلم وطويت الصحف، لا مبدّل لكلماته تعالى، جملة ً أو تفصيلاً؛ فالله منذ الأزل عالم بتوبة قوم يونس، كما أنّه سبحانه عالم أنّهم سيصرّون على الكفر قبل التوبة، وهكذا بقيّة التفاصيل؛ لكونه أحاط بكلّ شيء علماً، لكن كيف يتلاءم هذا مع البَداء؟!.

الثاني: لله تعالى في شأن عباده، كتابان أو قضاءان:

الكتاب الأوّل: كتاب القضاء المحتوم، وهذا ثابت لا يتغيّر؛ لأنّ الله تعالى عالم بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

وفيما نحن فيه فالله سبحانه عالم منذ الأزل بأنّ عاقبة قوم يونس التوبة، فلا تغيير.

الكتاب الثاني: كتاب القضاء الموقوف والمعلّق

وقد أطلق عليه بعض العلماء: كتاب المحو الإثبات، فلقد قضـى الله تعالى أن يعلّق الأمر على سعي العبد، فإن فعل العبد كذا فجزاؤه كذا، وإن فعل كذا فكذا..؛ فحسب المثال أعلاه؛ فإنْ أصر قوم يوم يونس على الكفر فجزاؤهم العذاب، وإنْ تابوا فالتمتع إلى حين، وقد حصل الأمران بنصّ القرآن، ومن هذا الباب قضيّة آجال العباد؛ فهناك أجلان: محتوم وموقوف.

الثالث: طويت الصحف وجفّ القلم

على كلّ من القضائين، القضاء المحتوم والقضاء المعلّق؛ فكلاهما ممّا جف القلم عليه في أم الكتاب (أو اللوح المحفوظ) وليس على المحتوم فقط، بهذا تندفع شبهة تنافي جفاف القلم مع المحو والإثبات.

وحاصل هذا، وقد جزم به بعض علماء الفريقين أنّ اللوح المحفوظ أو أم الكتاب، يضمّ مجموع الكتابين، كتاب القضاء المحتوم، وكتاب المحو والإثبات.

وذهب جماعة إلى أنّ ما في اللوح المحفوظ، أو أم الكتاب، لا يتغيّر، لا محو فيه ولا إثبات، لا يعلم بكل تفاصيله إلاّ الله تعالى، والذي فيه المحو والاثبات، هو ما أطلع الله تعالى عليه رسله وأنبيائه وملائكته..

قلت: لا ثمرة في هذا، بعد الاتفاق على الأركان، فالأشبه أنّه نزاع مصطلحات.

الرابع: البداء أعظم رحمة من الله لعباده الأشقياء

 سيتضح في مطاوي هذه الرسالة أنّ الغرض من البداء هو المطوي في قوله سبحانه وتعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) [5].

----------------------

([1]) صحيح البخاري (ت: زهير النار) 4: 171، رقم: 3464. دار طوق النجاة.

([2]) فتح الباري 6: 502.

([3]) سورة يونس: 98.

([4]) سورة الأنبياء: 87.

([5]) سورة النساء: 31.

2018/04/07

بلغة يفهما حتى البسطاء... هذه هي عقيدة "البداء" والحكمة منها

آلمنا أنّ الكلّ، شيعة وسنّة ووهابيّة، في الوقت الذي يقولون فيه بالبداء، ويعتقدون به، ويعظمون الله تعالى من خلاله؛ نرى الجلّ لا يعرف معناه، ناهيك عن حدّه المنطقي أو رسمه العلمي؛ وممّا يؤلم أنّ بعض العلماء قد تعثّرت أقلامهم في توضيحه، لينتج عن ذلك ارتباكاً غير محمود عند هذا الجلّ.

وأكثر من كلّ ذلك أنّ بعض فئات أهل السنّة عدّوا عقيدة البداء من أكبر معايب الشيعة، مع أنّهم في ذات الوقت يتدينون به، بل أنّ بعض علمائهم فيما سنرى أفتى - وإن لم يذكر لفظ البداء - بكفر من لا يقول بمعناه.

إذاً، فما هو البداء بلغة يفهمها حتى بسطاء الناس؟!

فالكلّ يعلم أنّ البداء لغة هو: الظهور، وقد بدا لله تعالى أي ظهر له، لكن ما معنى ظهر لله تعالى وبدا له سبحانه؟!! 

ضابطة البداء

البداء ببساطة شديدة جدّاً هو أنّ الله تعالى قضى بعلمه الأزلي المكنون ألّا يُظهِر لعباده، ثواباً أو عقاباً، رحمةً أو غضباً، إلاّ إذا ظهر له من العباد عملاً صالحاً أو سيئاً. هذا هو أصل معنى البداء، وهو مجمع عليه.

من هنا، فإن البداء - بأوجز عبارة هو مجموع الظهورين أعلاه.

إذاً، حقيقة البداء تدور على أنّ الله تعالى قضـى في سابق علمه الأزلي الذي لا يعلمه إلاّ هو، ألّا يظهر لعباده في عالم الابتلاء أيّ شيء من الثواب والعقاب والجزاء، إلاّ إذا أظهر العباد أعمالهم الصالحة أو الطالحة، فهذا متوقف على ذاك توقف المعلول على العلّة، والنتيجة على السبب..

الدليل القرآني على هذه الضابطة

قال سبحانه وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ([1]).

أجمع مفسرو السنة والشيعة أنّ معنى قول الله تعالى: (حَتَّى نَعْلَمَ) أي حتّى يظهر لنا جهاد المجاهدين خارجاً؛ فإذا ظهر لنا جهادهم، أظهرنا رحمتنا بإثابة الصابرين بالنصر والسكينة وحسن العاقبة، لكن إذا ظهر لنا جبن المسلمين وتخاذلهم، فإنّنا سنظهر غير ذلك..

ومن ذلك إجماع الفريقين سنّة وسيعة في تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ([2]).

فلقد أجمع السنّة والشيعة في تفسيرها أنّه إذا ظهر لله من أهل القرى الإيمان والتقوى، فإنّ الله تعالى سيظهر لهم بركات السماء والأرض، وبالعكس فإذا أظهر أهل القرى التكذيب؛ فإنّ الله تعالى سيظهر لهم عقاباً ونقمة.

ومن البداء ذلك أيضاً ما تواتر عند السنّة والشيعة، أنّ الله تعالى يظهر رحمته بإطالة أعمار من يصل رحمه من عباده، وينقص أعمار من يقطع رحمه.

البداء يتناول التشريع والتكوين

وهل هذا الذي يظهره الله تعالى من الثواب والعقاب، كنتيجة لما يظهره عباده من طاعة أو معصية، مختص بأمور التشريع؛ كالتشديد فيه من قبيل )فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ(([3])، أم يتناول التكوينيات؛ كإطالة الأعمار، ودفع ميتة السوء والأمراض العضال؟!.

الذي عليه جماهير المسلمين أنّه يتناول الاثنين، وإن كان قد تعورف أنّه بالتكوينيات ألصق؛ كإطالة الأعمار ودفع ميتة السوء، ألصق.

الزبدة: فالبداء بعبارة أخرى: هو نسخ في التشريع والتكوين؛ وإنّما قضـى الله أن يظهره ويحكم به سبحانه؛ نتيجة لما يظهره العباد من طاعة ومعصية.

لماذا عقيدة البداء؟!

الجواب التقليدي:

وهو جواب حقّ، موجزه: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ) ([4]).

فلقد قضى الله تعالى - بمقتضى عدله - أن لا يثيب أو يعاقب العباد في الدنيا والآخرة، إلاّ إذا أظهر العباد طاعة أو معصيةً..؛ قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) ([5])، وقد أجمع المفسرون أنّ معنى قول الله تعالى: (لِنَعْلَمَ) أي ليظهرَ له سبحانه إيمان المؤمن وكفر الكافر خارجاً، حتى لو كان به عالماً أزلاً أبداً.

الجواب التام

الجواب الأوّل، حقّ، لكنه لا يدفع شبعة لغويّة خلق الدنيا؛ فالله تعالى إذا كان عالماً علماً أزلياً بما كان ويكون وما لو كان كيف يكون..؛ قد قدّر مقادير عباده، حتّى صنّف من هم أهل الجنّة ومن هم أهل النّار، قبل خلق الدنيا بكذا ألف سنة، ثمّ كتب ذلك في اللوح المحفوظ أو أمّ الكتاب، جف القلم وطويت الصحف، فما الداعي لخلق الدنيا ونظام الابتلاء، بعد الطوي والجفاف؟!

الجواب التام كامن في مثل قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) ([6]). فلقد قضى الله تعالى أن يمحو أسماء كثيرٍ من أهل النّار من قائمة الأشقياء، ويكتبهم في قائمة السعداء، إذ اللوح المحفوظ فيه مجموع القضاءين المحتوم والمعلّق، وسيأتي التفصيل.

الزبدة

فثمّة حكمة عظيمة مطويّة في البداء؛ تلك الحكمة التي لولاها لكان خلق الدنيا لا معنى له، ولا فائدة منه، لغواً في لغو، وعبثاً في سفه، تعالى الله عن هذا علواً كبيراً..

يتبع...

  • من كتاب "البداء بين السنة والشيعة" – صادر عن شعبة البحوث والدراسات – قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

 

 

 


([1])  سورة محمد  9: 31.

([2])  سورة الأعراف: 96.

([3])  سورة محمد  9: 31.

([4])  سورة النساء: 165.

([5])  سورة سبأ: 21.

([6])  سورة النساء: 31.

2018/03/26

القصاص في الإسلام: هل يختص بزمان "النبوة" فقط؟

ذهب البعض إلى اعتبار عقوبة القصاص في الإسلام ثأراً وانتقاماً من القاتل ولا تناسب الواقع المعاصر ولا الحضارة المعاصرة، والآية الكريمة التي تدعو إلى القصاص من القاتل ـ على حسب رأيهم ـ خاصة بزمان النبوة ولم نعد اليوم في حاجة إلى تطبيقها، حتى لا نُتّهم من قبل الغرب بالرجعية ومخالفة مواثيق حقوق الإنسان.

سنتعرض هنا في هذه المقالة بشكل سريع لمفهوم وحكم القصاص من الناحية القرآنية حيث قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[1]

كانت العرب أوان نزول آية القصاص وقبله تعتقد القصاص بالقتل لكنها لم تكن تلتزم بحد معين، وإنما يتبع ذلك قوة القبائل وضعفها، فربما قتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فسلك في القتل مسلك التساوي، وربما قتل العشرة بالواحد والحر بالعبد والرئيس بالمرؤوس وربما أبادت قبيلة قبيلة أخرى لواحد قتل منها.

وكانت اليهود تعتقد القصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس و الثلاثين من العدد، وقد حكاه القرآن عن توراتهم الأصلية، حيث قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)[2]، وكانت النصارى على ما يحكى لا ترى في مورد القتل إلا العفو والدية، وسائر الشعوب والأمم على اختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تام حتى القرون الأخيرة.

والإسلام سلك في ذلك مسلكاً وسطاً بين الإلغاء والإثبات فأثبت القصاص وألغى تعينه بل أجاز العفو والدية ثم عدل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول، فالحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى. وقد اعترض على القصاص مطلقاً وعلى القصاص بالقتل خاصة بأن القوانين المدنية التي وضعتها الدول الراقية لا ترى جوازها وإجراءها بين البشر اليوم. و قد أجاب القرآن بكلمة واحدة، وهي قوله تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)[3] .

بيان ذلك: أن القوانين الجارية بين أفراد الإنسان حتى الوضعية منها بنيت وفق الطبيعة الإنسانية فلا فرق بين المجتمع والإنسان الواحد في ذلك، والنفس مفطورة على حب الوجود، و تطرد كل ما يسلب عنه الحياة بأي وسيلة أمكنت وإلى أي غاية بلغت حتى القتل والإعدام، ولذا لا تجد إنسانا لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلا به، وهذه الأمم الراقية أنفسهم لا يتوقفون عن الحرب دفاعاً عن استقلالهم وحريتهم وقوميتهم، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها، ويتوسلون إلى حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها، تلك الحرب التي فيها فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا تزال بعض الدول تتقدم بالتسليح و آخرون يتجهزون بما يجاوبهم، فما بال هذه الدول المتحضرة تجوز القتل الذريع و الإفناء و الإبادة لحفظ مبدأ من مبادئها كالحرية او الاستقلال، بل حتى مصالحها الاقتصادية ولا تجوزها لحفظ حياة نفسها؟

[ذات صلة]

وما بالها تجوز قتل من يهم بالقتل ولم يفعل ولا تجوزه فيمن هم وفعل؟ وما بالها تقضي وعلى طول التاريخ بقانون (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) لكنها تعد القتل في مورد القتل ظلما. ثم أن الإسلام يشرع للدنيا عامة ولكل الأمم لا لقوم خاص او أمة معينة، وهذه المجتمعات المتحضرة إنما حكمت بعدم الحاجة الى القتل والإعدام بعد ما تيقنت ـ من خلال الإحصائيات في مورد الجنايات ـ أن سائر أفراد المجتمع ينفر ويقبح القتل فلا تتفق بينهم إلا في الشذوذ وإذا اتفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل، والإسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية وأثرها الذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على ساق.

و يلوح إليه قوله تعالى: في آية القصاص (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ، فاللسان لسان التربية و إذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأن الفخر العمومي في العفو لم ينحرفوا عنه إلى مسلك الانتقام.

وأما غير هؤلاء الأمم فالأمر فيها على خلاف ذلك والدليل عليه ما نشاهده من حال الناس وأصحاب الجريمة والفساد فلا يخوفهم حبس ولا عمل شاق ولا يصدهم وعظ ونصح، والحياة المعدة لهم في السجون أرفق وأعلى وأسنى مما لهم في أنفسهم من المعيشة الردية الشقية فلا يوحشهم لوم ولا ذم، ولا يدهشهم سجن ولا ضرب، وما نشاهده أيضا من ازدياد عدد الجرائم في الإحصاءات يوماً فيوماً فالحكم العام الشامل للفريقين - والأغلب منهما الثاني - لا يكون إلا القصاص وجواز العفو.

فلو رقت الأمة وربيت تربية ناجحة أخذت بالعفو والإسلام لا يألو جهده في التربية فتأمل في قوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)[4]، ففي التعبير عن ولي الدم بالأخ إثارة لحس المحبة والرأفة وتلويح إلى أن العفو أحب.

-----------

[1] البقرة: 179.

[2] المائدة: 45.

[3] المائدة - 32.

[4] البقرة: 178.

2018/03/06

هل يجوز شرب "ماء الشعير" المتوفر في الأسواق؟

 السؤال: هل الفقاع من الاعيان النجسة؟

الجواب: الفقاع ــ وهو شراب متخذ من الشعير غالباً يوجب النشوة عادة لا السكر، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء ــ يحرم شربه بلا إشكال، والأحوط لزوماً أن  يعامل معه معاملة النجس.

السؤال: من المعلوم أن سماحة السيد يحتاط في نجاسة الفقاع فما هي الوظيفة من الوضوء عند انحصار الماء في ماء وقعت فيه قطرة فقاع؟

الجواب: يتعين في مثل ذلك الرجوع إلى الغير في مسألة نجاسة الفقاع فأن أفتى له بالطهارة توضأ بالماء وصلى وان أفتى له بالنجاسة تيمم وصلى وان لم يتيسر له الرجوع إلى الغير لضيق الوقت فليصلي على أحد الوجهين ثم يقضي أو يرجع إلى الغير في الاجتزاء بما أتى به في الوقت.

[ذات صلة]

السؤال: البيرة الخالية من الكحول، هل يجوز شربها وهل هي طاهرة؟

الجواب: لعلك تقصد الشراب الذي يتعارف صنعه من نقيع الشعير المخمر ويوجب النشوة عادة ويسمى بالفقّاع وهو حرام كما انه محكوم بالنجاسة.‏ السؤال: ما هو رأيكم في شرب ماء الشعير المتداول في الاسواق وقد يكتب عليه خالياً من الكحول؟

الجواب: الشراب المتخذ من الشعير المسمى بـ (الفقاع) حرام بلا إشكال ونجس على الأحوط لزوماً وهو يوجب النشوة عادة لا السكر والظاهر ان ذلك من جهة ضآلة نسبة الكحول فيه. فان كان الشراب المذكور يصنّع خالياً من الكحول تماماً وبالتالي لا يصدق عليه اسم الفقاع عرفاً فلا بأس به والا فهو حرام ولا يجدي تخليصه من الكحول بعد تصنيعه.

2018/03/05

في "دولة الإسلام".. لماذا يُقتل المرتد؟

تثير وسائل الإعلام منذ زمن بعيد إلى يومنا هذا شبهات في القوانين الجزائية للإسلام، ولم تزل الفضائيات وإلى جانبها مواقع التواصل الاجتماعي تروّج تلك الشبهات، وتجترّها يوماً بعد يوم، وما ذلك إلاّ لزعزعة إيمان الشباب بالإسلام، ومنها حكم الاسلام بقتل "المرتد" باعتبار مخالفة هذا الحكم لقواعد العدل ولقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[1]، ونقف هنا في هذا المقال على حقيقة السبب الذي لأجله يقتل المرتد عن دينه.

الأنظمة العالمية على قسمين:

1- أنظمة قائمة على أُسس مادية، وقوانين اجتماعية مستمدة منها، ولا علاقة لها بالدين، وما وراء الطبيعة، ومثالها الأنظمة السائدة في الغرب، فإنّ اللازم على كلّ مواطن في تلك البلدان، هو العمل على وفق القوانين السائدة فيها، من دون أن يكون للدين والعقيدة، تأثير في تلك الأنظمة، ومن ثم فلو تحول المواطن المسيحي إلى بوذيّ، مثلاً، أو تحوّل البوذي إلى مسيحي، لا يكون مؤثراً في النظام ولا في استقرار المجتمع; لأنّ أعمدة النظام، هي تلك الأُسس المادية الّتي يقوم عليها النظام، وهي معزولة عن أي فكر ديني أو عقيدة إلهية.

2- أنظمة قائمة على أُسس دينية وعقائد إلهية، مرتبطة بما وراء الطبيعة، ففي هذه الأنظمة، يُعدّ اعتقاد المواطن بالدين وأحكامه، ركناً ركيناً في حفظ النظام، كما أنّ الخروج عن العقيدة، والتظاهر به، يعدّ خروجاً على أصل النظام، خصوصاً إذا أعلن المرتدّ عن فكرته، وفي المجتمع ضعفاء العقول سمّاعون لكلّ صوت، ففي هذه الحالة، يعدّ الشخص محارباً للنظام، داعياً إلى نقضه وهدمه.

فهل يُتصوّر أن يمهل مدير النظام ورئيسه من يحاول إلغاء وجوده وسلب أثره عن المجتمع؟ كلا، ولا، ولذلك لا ترى في أي مجتمع ينادي بالحرية، يسمح لمواطن أن يعمد إلى خلخلة النظام، وتعكير أمن المجتمع، والّذي يشهد لذلك أنّ الجاسوس في عامّة الأنظمة، يعاقب بأشد العقوبات، وما ذلك إلاّ لأنّه يحارب النظام ويعاديه.

المرتد.. رافض لنظام الحكم

 

من هنا يتضح ان حكم الاسلام بوجوب قتل المرتد لرفضه النظام برمته خصوصاً وان الفقهاء اوقفوا هذا الحكم على رفع شبهة المرتد أي لا يجوز معاقبته الا بعد رفع الشبهة عنه وايضاح الحق بنحو لا يبقى معه مجال للإشكال، فلو كان الجواب ضعيفاً لا يرقى لحل الشبه لم يجز قتله، وقد يطول الأمر.

يقول الشيخ السبحاني في كتاب الحدود: "لو كان ارتداده عن طروء شبهة من أصدقائه وزملائه أو من وسائل الإعلام الّتي تبثّ الشبهات كلّ يوم وليلة، على رؤوس الشباب المسلمين، ففي هذا المجال يجب على الحاكم، قبل كلّ شيء، رفع الشبهة باستخدام العلماء الواعين، الواقفين على الشُّبه ورفعها، من غير فرق بين المرتدّ الفطري، والمرتدّ الملّي، والأصحاب وإن أحجموا عن لزوم رفع الشبهة عن المرتدّ الفطري، وإنّما أشاروا إليها في المرتدّ الملّي، ولكن الظاهر عدم الفرق بين المرتدّين ولزوم رفع الشبهة قبل الحكم عليه بالارتداد"[2].

وعن العلاّمة الحلّي: أنّه ـ أي المرتد ـ قال: "حلّوا شبهتي، احتُمل الإنظار إلى أن تحلّ شبهته وإلزامه التوبة في الحال، ثم يكشف له"[3].

يشرح الفاضل الأصفهاني قول العلامة: (حلّوا شبهتي احتمل الإنظار إلى أن تحلّ شبهته): لوجوبه، وكون التكليف بالإيمان مع الشبهة من التكليف بما لا يطاق[4].

ولأنّ الغاية، هي إرشاد المرتدّ إلى الحقّ المبين، وهو بحاجة إلى قطع جذور الشبهة، فإذا كان المرتدّ مستعداً لسماع الجواب ورفع الشبهة فلا مجال لقتله.

وعليه فاتضح اختصاص الحكم بمن اتضح عنده الحق من الضلال واختار سبيل العناد والجحود.

مرتد لا يقتل!

اضف الى ان حكم الاسلام بقتل الكافر يتوقف على جهره بذلك، أما إن كان بينه وبين ربه كفاه التوبة، يقول الشهيد الثاني: وهذا الحكم  ]وجوب القتل[ بحسب الظاهر لا إشكال فيه، بمعنى تعيّن قتله. وأمّا فيما بينه وبين الله تعالى، فقبول توبته هو الوجه، وحينئذ فلو لم يطّلع عليه أحد، أو لم يُقدَر على قتله، أو تأخّر قتله وتاب، قُبلت توبته فيما بينه وبين الله تعالى[5].

[ذات صلة]

ضرورة توقف اثبات ردته على أمارات معتبرة تكفي في ثبوت هذا الجرم، لذا من أنكر ذلك ولم تكن هناك أمارة معتبرة ودليل ثابت يجرمه لم يحكم بردته، بل ولو ادّعى الإكراه مع وجود الأمارة، قُبل، كالأسير عند الكفّار، ترجيحاً لحقن الدمّ، واستصحاباً للإسلام، ودرء الحدود مع الشبهات. وأمّا مع عدم الأمارة، فلا يُقبل.

ماذا عن المرأة المرتدة؟

والأَولى أن يقال: إذا شهدت البيّنة على الردّة غير الإكراهية، لا يُقبل قول المرتدّ بأنّ ارتداده عن إكراه. نعم، إن شهدت البيّنة على صورة اللفظ الصادر منه، فيُقبل قول المرتدّ وإنّ لم يكن هناك أمارة. لاحتمال أنّ التكلّم بما يوجب الارتداد كان عن غير جدّ، والحدود تدرأ بالشبهات[6].

طبعاً هذه الأحكام مختصة بالرجل أما المرأة فلا يحكم الإسلام بقتلها أصلاً، وإنما تسجن ويضيق عليها.

والخلاصة: إن حكم قتل المرتد لا لجبره على الاسلام فيخالف الحكم الآية (لا إكراه في الدين)، وإنما لرفضه مجمل النظام القائم على أساس الإيمان بعقيدة التوحيد، ويؤيده ما حكم به الفقهاء من توقف تنفيذ الحكم على رفع الشبه عنه بنحو لا يبقى للالتزام بها مجال إلا العناد للحق، كما أن طريق ثبوت الردة بدون الجهر متعسر عادة.

 


[1] البقرة: 256.

[2] كتاب الحدود: ص448.

[3] قواعد الأحكام: 3 / 575 .

[4] كشف اللثام: 10 / 664 .

[5] مسالك الأفهام: 15 / 24.

[6] كتاب الحدود: ص443.

2018/02/24

المياه المختلطة بالطين في الشوارع.. طاهرة أم نجسة؟

السؤال: ما حكم مياه الشوارع وخاصة في الشتاء حيث يختلط الطين والمطر والمجاري المياه النجسة (تتعلق اجزاء من الطين او المياه في الأطراف السفلي من الملابس) وما حكم الملابس؟
الجواب: محكومة بالطهارة.
السؤال: البعوض او الحشرات الموجودة في بيت الخلاء عندما تحط على جسم هل هي نجسة ام لا؟
الجواب: طاهرة الا إذا انتقل الى بدن الإنسان عين النجاسة بسببها.
السؤال: الأبواب، والجدران المصبوغة بأصباغ بلاستيكية متنجسة هل يكفي في تطهيرها صبّ الماء على ظاهرها بعد ما تجفّ؟
الجواب: يكفي ذلك في طهارة ظاهرها.
المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

[ذات صلة]

2018/02/21

هل تطهّر "الغسالة الأتوماتيكية" الملابس المتنجسة؟

السؤال: في (الغسالات الأتوماتيكية) يوصل اليه الماء مباشرة (من ماء الاسالة أو الخزان)، وكلما أغلق باب الغسالة على الملابس زودت بالماء تلقائياً.

١ ـ فهل يتحقق تطهير الملابس التي تغسل داخلها ثم تشطف بماء جديد تلقائياً، ولو كانت متنجسة بالبول؟

٢ ـ هل يحكم على نفس الغسالة بالطهارة أو لا؟

٣ ـ ما حكم البخار المتصاعد الذي يتحول الى قطرات ماء على السقف والجدران ثم تقع على الملابس إذا كان الماء حاراً؟

الجواب:

١ ـ يتحقق التطهير إذا كان ذلك بالماء المطلق (مرتين للمتنجس بالبول ـ ولو بالكثير على الأحوط ـ ومرة واحدة لغيره)، ولا يقدح كون انفصال ماء الغُسالة أثناء التجفيف بواسطة قوة الدوران لا العصر.

٢ ـ نعم تطهر بالتبعية.

٣ ـ لا يؤدي ذلك الى تنجس الملابس في مورد السؤال.

السؤال: هل الماء الذي أضيف اليه الصابون او المسحوق يعد من المضاف او يعد ماء مطلقاً؟

الجواب: هو من المضاف.

السؤال: عندما أغسل الملابس في الغسالة تصبح راحة الماء كرائحة الملابس، فهل هذا الماء يُعتبر مضافا؟

الجواب: لا يعتبر مضافاً.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

 

 

2018/01/24

تطهير الملابس والسجاد بماء المطر

السؤال: عند هطول المطر نريد أن نطهر الملابس والسجاد هل من الضروري أن نعصرها بعد رطوبتها وبللها؟

الجواب: لا يجب العصر.

السؤال: ما هو حكم ماء الغُسَالة التي يعقبها طهارة المحل؟

الجواب: إذا كان التطهير بالماء القليل فالأحوط وجوبا تجنبها.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة  
2018/01/22

ما هو مقدار الكر شرعاً؟

السؤال: ما هو مقدار الكر شرعاً؟

الجواب: في مقدار الكر بحسب المساحة أقوال، والمشهور بين الفقهاء (رض) اعتبار أن يبلغ مكعبه ثلاثة وأربعين شبراً إلاّ ثمن شبر وهو الأحوط استحباباً، وإن كان يكفي بلوغه ستة وثلاثين شبراً أي ما يعادل (٣٨٤) لتراً تقريباً، وأما تقديره بحسب الوزن فلا يخلو عن إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط فيه.

السؤال: جاء في الرسالة العملية ان الكر يبلغ ٣٦ شبراً فكم سنتمتر يبلغ الشبر؟

الجواب: يكفي فيه اثنان وعشرون سنتيمتراً.

السؤال: يرى سماحتكم بتقدير الكر بحسب الوزن إشكال بينما كثافة الماء ثابتة وحجم الكر معلوم، فما هو سبب الإشكال؟

الجواب: سبب الإشكال ان النصوص التي استفيد منها التقدير بالوزن ورد فيها ذكر الرطل، والرطل على الأظهر مكيال لا ميزان، وأما التحديد بالوزن على أساس الملازمة بينه وبين التحديد بالمساحة لكون كثافة الماء ثابتة فغير تام لأن المراد بالماء ليس هو الماء الصافي الذي تكون كثافته ثابتة وإنما هو الماء بحسب الصدق العرفي الذي تختلف كثافته بحسب درجة الخليط، ومن هنا تختلف كثافة ماء النهر وماء البحر وماء العيون.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

2018/01/08

ما حكم المياه الراكدة؟

السؤال: هل الماء الراكد المتصل بالجاري في حكم الجاري؟

الجواب: ليس الراكد المتصل بالجاري في حكم الجاري في عدم تنجسه بملاقاة النجس والمتنجس، فالحوض المتصل بالنهر بساقية ينجس بالملاقاة إذا كان المجموع أقل من الكر، وكذا أطراف النهر فيما لا يعدّ جزءً منه عرفاً.

السؤال: الماء القليل الراكد الموجود في البركة او المغطس هل يعتبر معتصماً إذا كان متصلاً بالماء المعتصم الذي يصب في جانب منه؟ وإذا كان غير معتصم فهل يعتصم بمجرد جريانه من اي جهة؟

الجواب: إذا كان الماء المعتصم الذي يصب في الماء الراكد من قبيل الماء الجاري فهو ينفع اعتصام الراكد مع عدم بلوغ مجموعهما قدر الكر على الأقوى، واما ان كان من قبيل الماء الكر وامتزج شيء منه بماء البركة ونحوها فهو بحكم الكر في عدم انفعاله بملاقاة النجس والمتنجس، ولا يجدي في اعتصام الماء غير الراكد مجرد جريانه ما لم يصدق عليه عرفاً (الماء الجاري) وهو منوط بوجود مادة طبيعية له ودوام الجريان ولو في الجملة كبعض فصول السنة.

السؤال: يعتبر في صدق عنوان الجاري وجود مادة طبيعية له والجريان ولو لعلاج ما هو مثال كلمة (العلاج)؟

الجواب: مثاله ما إذا كان نابعا لا يجري ماؤه فشق قناة فجرى ماؤه فيها فان ماء القناة يكون جارياً بعلاج.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

 

 

 

2018/01/07

هل يجوز التطهر بـ "المشروبات الغازية"؟

السؤال: ماذا يمكن أن نعتبر البيبسي كولا ـ ماء مضافا أو أنه ليس ماء مضافا ـ وهل يرفع الخبث؟

الجواب: ماء مضاف لا يستعمل للتطهير.

السؤال: متى يتحقق تحول الماء الى الماء المضاف؟

الجواب: الماء المضاف هو ما لا يطلق عليه الماء حقيقة كالعصير فإنه يقال له ماء الرمان مثلا ولا يقال له الماء وكما إذا خلط به مادة بحيث غيّر اسم الماء.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

 

 

 

2018/01/04

استفتاء: مياه المجاري بعد تنقيتها.. هل تحكم بالطهارة؟

السؤال: ما هو حكم طهارة مياه المجاري المعالجة ثلاثياً حتى تتحول الى مياه نقية خالية من الملوثات البكتيرية والكيماوية ومعقمة بواسطة الكلور ولا لون لها ولا رائحة؟

الجواب: هذه المياه محكومة بالنجاسة إلاّ إذا طهرت بماء معتصم يمتزج بها.

السؤال: عندما أغسل الملابس في الغسالة تصبح راحة الماء كرائحة الملابس، فهل هذا الماء يُعتبر مضافا؟

الجواب: لا يعتبر مضافاً.

السؤال: هل الماء الذي أضيف اليه الصابون او المسحوق يعد من المضاف او يعد ماء مطلقاً؟

الجواب: هو من المضاف.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

 

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

2018/01/02

ما هو الماء المضاف؟

السؤال: ما هو تعريفكم للماء المضاف؟

الجواب: الماء المضاف وهو: ما لا يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف اليه، كماء الرمان، وماء الورد، فإنه لا يقال له ماء إلا مجازاً، ولذا يصح سلب الماء عنه.

السؤال: هل الماء المضاف إذا لاقته نجاسة يتنجّس؟

الجواب: إذا لاقى الماء المضاف النجاسة فإنه يتنجّس، وإن كان كرّاً، حتى ولو كانت النجاسة القليلة ولم يتغيّر طعمه ولا لونه أو رائحته.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

 

 

2018/01/01

ما هو الماء المطلق؟

السؤال: ما هو تعريفكم للماء المطلق؟

الجواب: الماء المطلق وهو: ما يصح استعمال لفظ الماء فيه بلا مضاف اليه، كالماء الذي يكون في البحر، أو النهر، أو البئر، أو غير ذلك فإنه يصح أن يقال له: ماء، وإضافته إلى البحر مثلاً للتعيين لا لتصحيح الاستعمال.

السؤال: هل الماء الذي يضاف اليه مادة الديتول المعقمة يعد مضافاً او يبقى ماء مطلقاً؟

الجواب: إذا كان مجرد تأثر الماء برائحته فهو يبقى مطلقاً.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

 

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

2017/12/31

استفتاء: في الرجوع إلى "العرف"

السؤال: الأحكام الشرعية التي تناط موضوعاتها بالعرف او الصدق العرفي ما هي الطرق التي يمكن للمكلف اتباعها لتحقيق ذلك؟

الجواب: الطريق هو الرجوع الى العرف ولكن العبرة بالنظر الدقيق العرفي لا المسامحي.

السؤال: الموضوعات التي يرجع في تشخيصها الى العرف، كيف يمكن تحصيل نظر العرف فيها، سيما وان نظر أهل العرف غالباً مختلف، فهل يمكن الاعتماد على إخبار شخص او أشخاص موثوقين من أهل العرف؟

الجواب: العبرة في ذلك بالنظر الغالب فشذوذ البعض بنظر مخالف لا يضر بالأمر، واما الاعتماد على شهادة الثقة من أهل الخبرة بذلك فلا مانع منه ما لم تكن معارضة بشهادة من يماثله في الوثاقة والخبرة.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

 

 

2017/12/30

هل يجوز العمل في مجالي الـ "القضاء" و "المحاماة" في البلدان غير الإسلامية؟

السؤال: هل يجوز لحامل شهادة الحقوق أن يكون محامياً في بلد غير إسلامي، ويترافع بقوانين ذلك البلد ويلتزم قضايا لغير المسلمين بحيث يكون همه كسب القضية مهما كانت؟

الجواب: إذا لم يستلزم ذلك تضييع حق، أو كذباً، أو محرماً اَخر، فلا مانع منه.

السؤال: هل يجوز لحامل شهادة الحقوق أن يكون قاضياً في البلدان غير الإسلامية ويقضي بين الناس وفق قوانينها؟

الجواب: لا يجوز التصدي للقضاء لغير أهله، وعلى غير القوانين الإسلامية.

السؤال: ما هو حكم المحامي الذي يترافع في قضية ويدافع عنها بدفاع مخالف لأحكام مذهبه؟ وما هو حكم الأموال التي يتقاضاها؟

الجواب: عمله محرم، والمال الذي يتقاضاه مقابل ذلك سحت.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

 

 

 

 

2017/12/27

هل يجوز العمل بوظيفة "نائب المدعي العام"؟

السؤال: هل يجوز العمل بوظيفة ( نائب المدعي العام )؟ الذي عمله كالآتي: عندما يصدر قاضي التحقيق قراراً بالدعوى كأن يكون اصدار أمر قبض بحق متهم بجريمة السرقة او جريمة القتل وغيرها او اخلاء سبيل متهم من الحبس او إحالة متهم إلى محكمة الجنايات، يعرض هذا القرار على نائب المدعي العام، فإما ان يقول ان القرار موافق للقانون ويوقع او يقول ان القرار غير موافق للقانون ويميز القرار امام محكمة الجنايات؟

الجواب: لا بأس بالعمل في الوظيفة المذكورة إذا كان بقصد حماية حقوق المواطنين ودفع الضرر عنهم مع التجنب عن تصحيح الأوامر الأخرى.

السؤال: هل يجوز تولي منصب الادعاء العام، علماً ان دوره في المحاكم توجيهي وليس له سلطة اصدار قرارات؟

الجواب: لا بأس بالعمل في الوظيفة المذكورة إذا كان بقصد حماية حقوق المواطنين ورفع الضرر عنهم مع التجنب عن تصليح الأوامر الأخرى.

المصدر: كتاب (سبيل المؤمنين) – صادر عن شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة

*ما يرد في (فقهيات) من مسائل وآراء فقهية، مطابق لما ينشر على الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

 

 

2017/12/26