ينتابني الجوع باستمرار، وكلما حاولت التزام نظام غذائي معتدل هرولت إلى المطبخ لأجدني أمام الثلاجة أبحث عن أي شيء جديد يمكن تناوله، على الرغم من تفقدي للثلاجة منذ نصف ساعة فقط، وبالطبع لن تنبثق أطعمة جديدة من الفراغ!
[اشترك]
وقد أحاول أحيانًا تحضير وجبة مليئة بالكربوهيدرات أو أطلب «طعام ديليفري» لأسد جوعي الليلي الذي يتفاقم في فصل الشتاء، فما سبب زيادة الجوع ليلًا وبخاصة في الشتاء، وما الفرق بين الجوع العاطفي والجوع الطبيعي؟
لماذا نشعر بالجوع؟
يجب معرفة أسباب الشعور بالجوع الطبيعي أولًا وآلية عمل جسمنا التي تجعلنا نشعر بالجوع ومنها ما يلي:
حركة المعدة: هل تشعر بالجوع بعد مرور ساعتين من تناول الطعام فقط؟ فهذا أمر طبيعي بسبب إفراغ محتويات المعدة من الطعام بعد مرور ساعتين من الأكل، وحينها تبدأ المعدة بإجراء حركات انقباضية لتحريك محتوياتها للأمعاء الدقيقة؛ مما يتسبب في إيهامك بالجوع لفراغ المعدة.
هرمون الجريلين: تفرز القناة الهضمية من المعدة والأمعاء هرمونًا يعرف باسم الجريلين، وهو مسؤول عن الشعور بالجوع ويرتفع مستواه بصورة غير طبيعية في حالات السمنة.
المغذيات في الدم: عندما ينخفض مستوى السكر في الدم أو المواد المغذية من أحماض أمينية أو أحماض دهنية، فهذا يتسبب في تحفيز الإشارات الخاصة بالشعور بالجوع كي نجلب مزيدًا من الجلوكوز والمغذيات للجسم.
العصب الحائر: هو عصب مسؤول عن إرسال إشارات عصبية للمخ؛ لإخباره هل المعدة ممتلئة أم فارغة، وما المغذيات المتاحة في الأمعاء في الوقت الحالي؟
الطعام العاطفي والجوع الحقيقي
لكن هل ذلك يعني أننا نأكل ونشعر بالجوع فقط عندما يحتاج جسمنا إلى الجلوكوز أو عند إفراغ المعدة من الطعام؟ فالحقيقة لا، فقد نأكل أحيانًا دون الشعور بالجوع لذا يجب التفرقة أولًا بين الجوع العاطفي والجوع الحقيقي.
الجوع العاطفي هو عندما نرغب في تناول أطعمة دونًا عن غيرها وعلى الرغم من تناولنا الطعام منذ مدة قصيرة، حينها يكون السبب نفسيًا على الأغلب مثل: الضغط النفسي أو القلق أو الإرهاق.
على سبيل المثال: حدث شجار شديد بينك وبين أحد المقربين (مثل: صديق، أو زوج، أو ابن، أو الوالدين) وسيطرت عليك مشاعر الحزن، ثم تجد نفسك تشعر بالجوع وترغب في تناول الأيس كريم أو البيتزا أو أي طعام مفضل ومليء بالكربوهيدرات والسكر، حينها يكون جوعك غير حقيقي، وإنما مجرد محاولة للتنفيس عن غضبك وحزنك.
مثال آخر: عندما يرتبط تناول طعام محدد مثل: البسكويت والحلوى بذكرياتك السعيدة في الطفولة ثم تراها من جديد وتجري لتناولها دون أن تشعر، على الرغم من تناولك الفطور منذ نصف ساعة في محاولة لاجترار مشاعر السعادة السابقة.
أما الجوع الطبيعي فيكون تدريجيًا ويرتبط بوقت آخر وجبة تناولها الفرد، وذلك بفارق ساعات يتراوح من 6 إلى 8 ساعات، وحينها يمكننا تناول أي طعام وليس مجرد الرغبة في طعام محدد، ولكن ماذا عن جوع الشتاء تحديدًا، هل له من أسبابه الخاصة؟
لماذا نشعر بالجوع في فصل الشتاء؟
قد يرجع جزء من سبب تناولنا الطعام بكثرة في الشتاء إلى معاناة البعض من اكتئاب الشتاء الذي يؤدي إلى زيادة الجوع العاطفي.
هناك أيضًا أسباب أخرى لشعورنا بالجوع في هذا الوقت من العام، لذا دعنا نعود بالزمن لآلاف السنين منذ بدء حياة الإنسان على الأرض، فماذا كانت شكل حياته وموارده؟
كانت قليلة وتحتاج إلى بذل جهد كبير للوصول لها، إضافة إلى أن الإنسان في الشتاء يحتاج إلى التدفئة وحينها يصعب عليه الخروج للبحث عن مصادر للتغذية، فماذا كان يفعل؟
كان يحاول الحصول على أكبر قدر من الموارد الغذائية من نباتات ومن اصطياد الحيوانات، وكان جسمه متكيف مع تناول كميات كبيرة من الطعام؛ بسبب مرور فترات من الجوع وفقر الموارد، وبالتالي كان هناك جين يتعامل مع الطعام المخزن بكفاءة تجعله يعيش لفترات طويلة دون طعام، مع استهلاك طبقات الدهون المتكونة.
لكن ما علاقته بنا الآن مع وجود توفر في الموارد والمحلات التجارية؟ وما حاجتنا لتناول كثير من الطعام؟
يكمن السبب في توارث هذه الصفة القديمة، وما زال جسدنا يعتقد أننا نحتاج إلى تخزين الطعام وتناول كميات كبيرة منه في وقت واحد! وما زال المخ يعتقد أن تناول كميات زائدة على حاجتنا سيوفر لنا مزيدًا من الطاقة التي تشعره بالطمأنينة؛ لأنها تساعده على استمرار عمله.
هناك سبب آخر يجعلنا نأكل بنهم خلال فصل الشتاء وهو شعورنا بالبرد، وعندما نتناول الطعام فإنه يمدنا بمصدر سريع وفعال للتدفئة، التي سرعان ما تزول ونحتاج بعدها إلى جرعة إضافية من التدفئة الفورية بالأكل، وفي هذه الحالة ندخل حلقة مفرغة من الشعور الكاذب بالجوع لا تنتهي.
يمكن للجسم الحصول على التدفئة في فصل الشتاء بطرق أخرى غير تناول الطعام، وذلك بممارسة الرياضة أو ارتداء ملابس ثقيلة تقي من البرد، ولكن ماذا عن الجوع الليلي الذي يحاصرنا؟
لماذا نشعر بالجوع ليلا؟
الشعور بالجوع في منتصف الليل يمكن أن يراودنا في أي فصل سواء في الخريف أو الصيف، وقد يكون أحيانًا نمط حياة للبعض، لذا توجد عدة أسباب قد تجعلنا نشعر بالجوع ليلًا ومنها:
1. نمط غير طبيعي للوجبات
تسلبنا سرعة الحياة والأعمال دعائم أساسية للتغذية، ومنها تناول وجبة الإفطار والحرص على تناول 3 وجبات في مواعيد ثابتة مع الأسرة، ولكن ذلك تلاشى مع الوقت أو على الأقل أصبح يفقد جزءًا تلو الآخر بالتدريج.
قد يعتمد البعض على المشروبات في النهار وتناول كميات قليلة من الطعام، ثم بعد الانتهاء من العمل يذهب لتناول كل ما يفتقده من الأطعمة ليلًا!
2. أسباب نفسية وتغيرات هرمونية
يسبب هرمون الجريلين الشعور بالجوع، بينما الهرمون المسؤول عن الشعور بالشبع يعرف باسم اللبتين، وعندما تحدث أي تغييرات فسيولوجية أو نفسية مثل: القلق، والضغط النفسي، وقلة النوم أو الاكتئاب، حينها ينقلب نظام الهرمونات مما يؤدي إلى الاندفاع تجاه تناول السكر والدهون.
3. متلازمة الأكل الليلي
حالة مرضية تسبب جوعًا مفرطًا ليلًا، مما يؤدي إلى تناول كميات كبيرة من الطعام مع الشعور بالشبع خلال فترات النهار، مما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة وغالبًا ما يصعب تشخيص هذه الحالة.
4. تناول الحلويات والسكر
تعطينا الكربوهيدرات دفعات عالية من السعادة وتلعب بكيمياء المخ، لذا نعتمدها كنظام للمكافأة والتحفيز أو لتقليل وطأة الضغوطات النفسية التي نمر بها، لكنها تسبب خللًا أيضًا في مستوى الإنسولين بجسمنا.
عند تناول كمية كبيرة من السكر أو أي منتج يحتوي على السكر أو الكربوهيدرات دفعة واحدة فإنها تسبب ارتفاعًا مفاجئًا في هرمون الإنسولين المسؤول عن تنظيم مستوى السكر بالدم، مما يؤدي إلى خفض مفاجئ في مستوى السكر في الدم في محاولة للوصول للوضع الطبيعي في أقرب وقت، وهذا ما يسبب لنا الشعور بالجوع.
أتذكر حينما قلت لك إن انخفاض السكر والمغذيات في الدم يحفز المخ ليجعلنا نشعر بالجوع؟ لذا بعد تناولك للكربوهيدرات أو السكر فقط ستشعر حتمًا خلال فترة وجيزة بالجوع من جديد.
كيف نتعامل مع الجوع ليلًا في فصل الشتاء؟
يؤثر تناول الطعام خلال الساعات الأخيرة من الليل في زيادة الوزن، والإصابة بالسمنة التي من شأنها أن تسبب الإصابة بعدة أمراض مزمنة مثل: تصلب الشرايين، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، لذا نحتاج إلى التعامل مع الجوع ليلًا بعدة طرق ومنها ما يلي:
حدد السبب: قد نتناول كميات كبيرة من الطعام في أوقات غير مناسبة لأسباب أخرى غير الجوع، لذا راقب الأسباب التي قد تدفعك لهذا الفعل ومنها: عدم تناول الطعام بالنهار أو الملل أو الإصابة بأحد اضطرابات الطعام أو الجوع العاطفي بسبب أزمات نفسية.
حدد المحفزات وسجلها: هناك أنماط أو سلوكيات معينة تسبق تناول الطعام، ودوافع تجعلك تُقبل عليه خلال يومك، لذا حاول تسجيل نمط طعامك كالوقت، وماذا حدث قبل ذهابك للأكل، وما الذي دفعك لتناول الطعام؟
استخدم روتين لطعامك: إرغام نفسك على اتباع روتين محدد خلال اليوم ليس أمرًا سهلًا، ولكنه ضروري ويجلب نتائج جيدة، فإذا كنت من كارهي تناول الطعام بالنهار وتفضل تناوله ليلًا، فيجب وضع روتين تزيد من تناول الطعام نهارًا وتقلله ليلًا، وكذلك لا تنس أن النوم الجيد يساعدك على تقليل النهم الليلي.
اطلب الدعم: إذا كنت مصابًا بمتلازمة الأكل الليلي أو أحد اضطرابات الطعام، يجب طلب المساعدة من الطبيب النفسي الذي بدوره يضع خطة علاجية مناسبة لكل حالة.
تخلص من الضغوطات النفسية: حدد أسباب الضيق والضغط النفسي الذي تتعرض له على مدار يومك وحاول التخلص منه أو التقليل من وطأته، وكذلك اتبع طرق للاسترخاء مثل: التأمل، والتنفس بعمق، واليوجا.
خطط لوجباتك: يساعد تخطيط الوجبات على تقليل اختياراتنا الخاطئة للطعام بناء على عواطفنا، إضافة إلى أنه يقلل من تناولنا الطعام في أي وقت؛ لأن وجود خطة يجعلنا نلتزم بأنواع محددة وأوقات خاصة لتناول الطعام، ولا مانع من أخذ وجبات خفيفة صحية ما بين الوجبات الرئيسية، ولكن ليس ليلًا بعد تناول العشاء.
ختامًا، تناول الطعام ليلًا قد يسبب الإصابة بالسمنة وأمراض جسدية خطيرة على المدى البعيد، لذا تحكم في الجوع العاطفي، واعلم أن جسمك في الشتاء يحتاج لطاقة للتدفئة، لكن هناك طرقًا أخرى غير تناول الطعام ليلًا.