رغم أن شهر رمضان هو شهر المحبة والخير والبركة وشهر التصالح والتسامح، إلا أن الواقع ينقل لنا حقيقة صادمة وهي أن هذا الشهر الفضيل يتحول أحياناً إلى موسم للخلافات الزوجية حيث ترتفع فيه معدلات الطلاق وتتصاعد حدة التوتر والمشاكل الزوجية بسبب الضغوط التي يتعرض لها شريكا الحياة.
[اشترك]
فالتعنت في الرأي وتمسك كل طرف بوجهة نظره يضيع منا فرحة شهر رمضان الكريم ويعقد المشاكل الزوجية بدلاً من حلها والقضاء عليها تماماً في ظل الأجواء الإيمانية والصفاء النفسي والروحي الذي يفرضه علينا الشهر الفضيل.
أسباب الخلافات الزوجية في رمضان:
1- نقص السكر في الدم بسبب الصيام
في البداية، توضح الدكتورة أمل رضوان، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك، أن من أهم أسباب الخلافات الزوجية التي تحدث في رمضان أن بعض الرجال لا يعرفون طريق المطبخ إلا في هذا الشهر حتى أنهم يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة بكثرة دخولهم وخروجهم من المطبخ عدة مرات قبل ساعات الإفطار، وتزداد هذه الحالة مع اقتراب موعد الإفطار ليطمئن الزوج إلى نوعية الطعام وإلى أين وصلت الزوجة في مراحل إعداده، لا بل إنه في كثير من الأحيان يطلب أصنافاً إضافية من الطعام في اللحظات الأخيرة قبل الإفطار.
وتؤكد الاستشارية الأسرية أن كل الدراسات التي تناولت العلاقة بين الزوجين في شهر رمضان توصلت إلى أن من أهم أسباب الخلافات الزوجية نقص السكر في الدم بسبب الصيام مما يزيد من التوتر، كما أن وقف التدخين والمشروبات التي تحتوي على الكافيين إضافة إلى قلة العلاقة الزوجية بسبب طول ساعات الصيام كل ذلك يزيد من عصبية الزوج ويجعل الخلافات بينه وبين زوجته تدب بشكل أسرع.
2- زيادة الاحتكاكات الأسرية مع الأهل والأقارب
أيضاً من أهم الأسباب التي تراها الدكتورة أمل رضوان مبرراً للخلافات المتكررة بين الزوجين خلال رمضان زيادة الاحتكاكات الأسرية مع الأهل والأقارب خلال الشهر الكريم بسبب العزائم والولائم مما يشعل الأمور الخلافية إذا ما تعرض أي من الزوجين لمضايقات من أهل الطرف الآخر، وقد تتسبب عزومة واحدة خلال رمضان في خلاف وخصام يدوم طوال الشهر.
وتنصح الاستشارية الأسرية الزوجين بتأجيل الخلافات الزوجية والمشاكل والهموم والمناقشات الساخنة بينهما والحرص على الاستمتاع بفرحة قدوم رمضان وسط الأبناء لأنهم الأهم دائماً وهم الأكثر تضرراً وألماً نفسياً من وجود أي خلافات بين والديهما في هذه الفترة التي ينتظرونها من عام لآخر.
وترى الدكتورة أمل رضوان أن أي خلاف بين الزوجين في هذه المناسبات سيدفع ثمنه الأولاد لأنهم سينشؤون في بيئة غير صحية نفسياً وسلوكياً، وقد يأخذ بعضهم جانب الأم والآخرون جانب الأب أو يتحيزون جميعاً لأحد الطرفين، هذا بخلاف أنهم سيتعلمون الاستبداد بالرأي وإهانة الآخرين وقت الخلاف معهم.
3- العزائم والولائم الرمضانية
يرى الدكتور مدحت عبد الهادي، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية، أن أغلب المشاكل والخلافات الزوجية التي تحدث في شهر رمضان تكون بسبب العزائم الرمضانية، فكثير من الزوجات يتشاجرن مع أزواجهن بسبب بند العزائم والاستضافات وتفاصيل العزومة ولذلك تزداد الخلافات والمشاكل في رمضان، والحل البسيط يكون لدى الطرفين في أن يسمعا بعضهما البعض وأن يراعي كل طرف ظروف الطرف الآخر الصحية والمادية، فلا الزوج يثقل على كاهل زوجته وصحتها ولا الزوجة تثقل على كاهل زوجها مادياً وترهقه بطلبات لا تنتهي.
وينصح الاستشاري الأسري كلا الطرفين بالاتفاق على حلول ترضي الطرفين في أي مشكلة قبل أن تتفاقم، ولا داعي للخصام والنكد في الشهر الفضيل الذي يجب أن يعم فيه الحب والود أرجاء المنزل وذلك لن يحدث إلا عندما نراعي بعضنا البعض.
ويضيف «لا داعي للإسراف في العزائم الرمضانية في ظل ارتفاع الأسعار، فهو أمر مرهق مادياً للزوج وجسمانياً للزوجة، وهذا لا يعني أن نقلل من التزاور ولكن ما المانع أن تكون الزيارات غير مكلفة ومرهقة مادية وتكون بسيطة حتى يمكن تكرارها عدة مرات؟ ولابد أن يتفق الزوجان أولاً قبل استضافة أي شخص وأن يتم ذلك بالتراضي بينهما وأن تراعي الزوجة ظروف زوجها المادية ولا ترهقه في العديد من الأشياء التي تعكر صفو حياتهما خلال الأيام المباركة».
ويشدد الدكتور مدحت عبد الهادي على أنه في النهاية هذه العزائم ليست أمراً واجباً أو فرضاً على كل العائلات، فإذا كانت ظروف المنزل لا تسمح فلا يوجد مانع من إلغائها، وحتى لا نعرض أنفسنا للإحراج من الممكن أن نعتذر عن أي دعوة على الإفطار حتى لا نضطر لردها ويكون الاعتذار بشكل لطيف ولائق حتى لا يغضب الطرف الآخر.. وبالتالي نقضي على سبب مهم من أسباب الخلافات الزوجية.
4- إدمان الزوج على التدخين
الدكتورة اعتماد عبد الحميد، استشارية العلاقات الأسرية والعلاج الزواجي، تحذر هي الأخرى الزوجات من مناقشة الأمور الخلافية مع الزوج في نهار رمضان خاصة إذا كان من الأزواج المدخنين، وتوضح «في حالة إدمان الزوج على التدخين يصبح الأمر شبه معقد، فبمجرد استيقاظه تجدين أنه كالبركان الذي انطلق، وفي هذه الحالة كل ما على الزوجة أن تكون هادئة وتناقش الأمر معه بعد الإفطار واعتدال مزاجه وتجعله يدرك ألا يحتك بها خلال النهار».
5- إهمال بعض السيدات لمظهرهن خلال فترة الصوم
وتلفت استشارية العلاقات الإنسانية إلى سبب مهم آخر قد يزيد من الشجار في رمضان وهو أن بعض السيدات لا يلتفتن ولا يلقين بالاً إلى مظهرهن خلال فترة الصوم نتيجة الانشغال بتحضير وجبة الفطور، وهذا الأمر قد يتسبب في مضايقة الزوج فهو يرغب في أن يراها جميلة مهتمة بنفسها طوال الوقت، لذلك على الزوجة الحرص على أن تهتم بتصفيف شعرها وملابسها خلال فترة النهار في شهر رمضان.
والأمر نفسه بالنسبة للمنزل فالكثير من الرجال لا يرتاحون عند تواجدهم في منزل غير مرتب وذلك لعدم توفير الراحة النفسية التي يحتاجها الرجل خاصة عند شعوره بالتعب والإرهاق الناتج عن الصوم، لذلك على الزوجة الحرص على ترتيب ما يقوم به الأطفال لتوفر التنظيم الذي يشعر الزوج بالراحة النفسية.
أشياء تجنبنا الخلافات الرمضانية
ومن جانبه يوضح الدكتور تامر الجنايني، استشاري العلاقات الأسرية والزوجية، أن أغلب المشكلات التي تحدث بين الزوجين تكون بسبب العصبية التي تزيد مع كل منهما بسبب الصيام وتغير عادات النوم والبيت والوجبات والبعض يضيق نفسياً بسبب اختلاف الروتين اليومي له، ويرى الاستشاري الأسري أن رمضان فرصة ذهبية لتوثيق المودة والرحمة من خلال العبادات، وإشعار الزوجة بالامتنان على مجهودها.
وينصح د. الجنايني الأزواج بالثناء والمدح على الأطعمة والمشروبات التي تعدها يومياً مما يعطي الزوجة طاقة إيجابية وتمنحها سعادة تقويها.
وكذلك ينصح الزوجة بالحرص على أن يجتمع الزوج والأسرة كاملة على مائدتي الإفطار والسحور فهذا من شأنه أن يزيد الود في البيت وسيكون فرصة للحديث عن أمور البيت والأبناء.
ويشدد على الزوجات أيضاً بضرورة احتساب التعب والمشقة في إعداد الوجبات لوجه الله وعدم تذكير أفراد الأسرة بها مراراً وتكراراً لأن ذلك يعد من باب المن عليهم.
ويشدد استشاري العلاقات الأسرية على الزوجين بضرورة غلق أي موضوعات خلافية سبق وأحدثت مشاكل بين الزوجين، وأن يدركا جيداً أن الصوم جاء ليعلمنا الصبر والتوقف عن القسوة والعنف والرفق واللين، فلا نضيع أجر صومنا بسبب افتعال الخلافات مع أقرب وأهم الناس لنا في الحياة وهو شريك الحياة.