الفن هو النتاج الروحي للإنسان والذي من خلاله يقوم الانسان بتحويل مفردات الواقع الحياتي الى أطر جمالية تحوي افكاره ورؤاه وانطباعاته, فالمرأة في الواقع غير التي في قصائد نزار قباني، والخيول الموجودة في المزرعة غير الموجودة في لوحات فائق حسن والانسان الذي تناوله ديستويفسكي في كتاباته يختلف عن الانسان الملموس. ولما كان الاسلام هو الرسالة الالهية التي تشمل, من خلال منظومتها التشريعية, الحياة الانسانية في أدق تفاصيلها, كان ثمة مساسٍ وثيقٍ يربط الفن بالإسلام, وكان ذلك المساس أشد ما يبرز في محورين هما:
1ـ الفن والواقع فكري
يعدّ الفن بتفاعله مع الواقع الخارجي واحدا من اوجه النشاط الفكري للانسان, وعليه فإنه والفكر الانساني متحدان في مسارهما التاريخي وتأثرهما المشترك بالعوامل التاريخية الصانعة للمرحلة التاريخية, فالاتجاه او المدرسة الفنية هي انعكاس لما يصير اليه الواقع الفكري المتشكل من طبيعة المرحلة التاريخية.
ويتبيّن ذلك من المسار التاريخي للإنسان والذي يبدأ من واقعه البدائي المفتقر الى ابسط وسائل المعرفة والاكتشاف، فانتج فكرا وثنيا متقوما بالقوى الخارقة والاسطورة كما انتج ذلك الفكر فناً هو عبارة عن تفاعل الروح مع فكرة القوى الخارقة وكان ذلك الفن عبارة عن محاولة لبث الطمأنينة في الانسان واقتلاع خوفه الناجم من جهله وعجزه امام قوى الطبيعة حيث رسم الحيوانات المفترسة وغيرها على جدران الكهوف ومارس الرقص وكتابات الاساطير والملاحم، وكل ذلك لا ينفك عن كونه طقوسا دينية.
وفي فترة الحضارة الاغريقية بما شهدته من نهوض فكري كبير تميّز بنقطة هامة وهي انفكاك انشطة الانسان المختلفة كالفكر والاخلاق والفن عن الغاية والغرض حتى ظهر بفعل ذلك مفهوم الفن للفن, وفي فترة الكنيسة الاوربية جيّر النشاط الفني لخدمة المسيحية والكنيسة, وحين جاء عصر النهضة بسمته الفكرية الاساسية وهي الحركة الانسية والاهتمام بالإنسان ذاتا, تحولت المدارس الفنية حينها الى ما ينسجم وذلك الواقع الفكري فظهرت الرومانسية والرومانتيكية وغيرها.
بمعنى ان المرحلتين الوثنية والكنسية قد جعلتا الفن في خدمة الدين, والاغريق والاوربيون في عصر النهضة جعلوه خاضعا لمشيئة الانسان. وصولا الى, ما بعد الحداثة, النمط الفكري الذي يشهده وقتنا الراهن وما يتميز به من تغليب اللاوعي وتعدد القراءات. حيث يطالعنا النتاج الفني المتميز بهذه المميزات, بالإضافة الى التطور التكنلوجي الحالي سيما على صعيد الحاسوب والبرامجيات والذي اظهر ما يسمى بالادب الرقمي
فيما تشكل المنظومة الاسلامية واقعا مغايرا بتعاليها على المسار التاريخي من خلال ارتباطها بالمطلق, فالفكر الذي يمثل الاسلام هو فكر ثابت مطلق لا تنتجه ارهاصات المراحل التاريخية باختلاف انماطها.
وعليه فان الفن الناتج عنه هو فن متعال على تلك الارهاصات, فلا يمكن للفن الاسلامي ان يكون عملية استجابة لجهل الانسان وخوفه من قوى الطبيعة كما لا يمكن له ان ينسجم مع مدارس فنية كالعبثية والدادائية وعموم هذا الاتجاه الناتج كردة فعل من المجتمع الانساني إزاء كارثية الحربين العالميتين.
وهذا بدوره هو ما يخلق واحدا من اهم دواعي الصدام الكائن بين الاسلام والفن الانساني. كما وان الفن لما يعتمده, في نضجه وقوة تأثيره, على مكامن الخلل والالم وحالة الصراع بين نقيضين, فإنه لا يتلاءم مع الاسلام الذي يجسد حالة المثال او اليوتيوبيا, فالفن رائع في تجسيد الالم وتصويره والاسلام عظيم في القضاء على ذلك الالم.
وللحديث بقية في الحلقات القادمة..
يتبع...