آلاف العوائل العراقية تحوّل الحدائق إلى ’بيوت ضيقة’.. كيف نحل أزمة السكن؟!

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:1278
مشاركة
A+ A A-

تحت سقف متهالك ومنزل قديم يعود تصميمه إلى العقد الثامن من القرن المنصرم، يعيش أبو وسام (47 سنة) وعائلته المكونة من 8 أولاد و7 بنات إضافة إلى زوجته في بيت لا يتجاوز الـ 100 متر مربع في إحدى مناطق العاصمة العراقية بغداد، حيث حولت أزمة السكن التي عصفت ببغداد والمحافظات الأخرى بيوتها إلى مساحات ضيقة بعدما كانت مساحات تلك البيوت تتجاوز 300 و400 و500 متر مربع وأحياناً تصل إلى 800 متر مربع للبيت الواحد، لكن كل هذه المساحات اليوم باتت في مهب الريح وسط انفجار سكاني هائل وغلاء معيشي.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

غلاء المنازل والمعيشة

ويقول أبو وسام إن "الحصول على قطعة أرض أو منزل يتسع لأفراد العائلة في العاصمة بغداد أصبح أمراً صعباً في ظل غلاء المعيشة والمنازل التي لا يقل سعر المتر الواحد فيها حوالى (750 دولار أميركي) في مناطق تتوفر فيها الخدمات".

لكن الخروج من بغداد والتوجه نحو أطرافها إلى مناطق نائية أو تفتقر إلى الخدمات، أصبح الخيار الذي يفضله الكثير ممن لديهم صعوبات في شراء بيت أو شقة في مركز ومناطق بغداد بسبب انخفاض سعر المتر المربع، وفقاً لأبو وسام.

ويعاني قطاع السكن من أزمة كبيرة نتيجة الإهمال الحكومي وارتفاع التكلفة الإجمالية لبناء الوحدات السكنية خاصة لأصحاب الدخل المحدود، حيث تسببت الأزمة بانتشار كبير للعشوائيات والأحياء الفقيرة وتجريف المناطق الزراعية وتحويلها إلى مناطق سكنية رغم أنها تفتقد لأبسط الخدمات.

وقال مستشار رئيس الوزراء المالي مظهر محمد صالح إنه "مع تعاظم الثروات الشخصية وتدني النمو في تطور العمران بمدن جديدة تستوعب الزيادة السكانية في بلاد يضاف إلى عدد سكانها سنوياً نحو مليون شخص، فلم يبق أمام قوى الاستثمار التضاربي من فرص متاحة سوى الاستثمار العقاري في حواضر المدن القائمة وتوليد مضاربة عقارية لا مثيل لها في تاريخ البلاد الاقتصادي".

زيادة جنونية

وأوضح "الزيادة الجنونية في أسعار السكن العقاري أمام محدودية العيش للطبقات المتوسطة أجبرت الكثيرين على قبول السكن بمساحات قليلة بدأت تصل إلى 30 متر مربع من أجل سكن مستقل يستوعب الأسر الجديدة بالرغم مما تولده هذه الظاهرة الانشطارية من ضغط على البنية التحتية المتهالكة مثل شبكات المياه والمجاري والكهرباء، فإن المدن أخذت تنقسم بشكل سرطاني حيث يصعب السيطرة على توفير خدمات متسارعة خصوصاً في مجالات النقل والنظافة والصحة والتعليم وغيرها".

ويصف مستشار رئيس الحكومة العراقية بأنها "ظاهرة انشطار المدن وتعاظم كثافة السكن فيها وتدني متطلبات العيش اللائق".

وعن الحلول، أجاب صالح بالقول "قد نجد في حلول المستقبل خلال التملك العقاري في مساحات من الأرض لإنشاء مدن جديدة تعيد التوازن الحضري وتخفف الضغط على حواضر المدن الحالية بما فيها العاصمة بغداد. فحملة (داري) في سياسة الإسكان الجديدة هي الحل ولا مناص من ذلك، فالبلاد تواجه أكثر من 6 ملايين شخص ما زالوا يعيشون في عشوائيات حول المدن ينعدم فيها الأمن الاجتماعي والاقتصادي ما يعني ضرورة إيجاد أكثر من مليون وحدة سكنية تساعد في مكافحة الفقر ووضع السكان على خطوط الفقر المقبولة عالمياً ولا نغفل أهمية دعم السكن الريفي الذي بات يدفع بقوة نحو عشوائيات المدن، فإعادة الاستقرار في أرياف العراق لا بد من أن يساعد على التوازن الحضري وإشاعة التنمية المستدامة".

وقدّرت لجنة الخدمات النيابية حاجة البلاد الفعلية من الوحدات السكنية بما يقرب من خمسة ملايين وحدة، فيما كشفت وزارة الإعمار والإسكان عن مشاريعها في المدن الجديدة والتي تعمل عليها الوزارة بأنها ستوفر ثلاثة ملايين و550 ألف وحدة سكنية.

لكن المتخصص في الاقتصاد الدولي، أنور السعدي، رأى أن أزمة السكن في العراق تختلف من منطقة لأخرى، لكن تزداد قوتها في العاصمة بغداد التي ترتفع فيها أسعار العقارات والإيجارات بشكل كبير، في حين تخف في المحافظات الأخرى.

تحول الحدائق إلى بيوت

وأضاف السعدي أن "هذه الأزمة أدت إلى تقسيم البيوت من 600 أو 400 أو 200 متر مربع حسب توزيع الأراضي سابقاً إلى 100 و50 و30 متر مربع طبعاً بشكل عشوائي وغير منظم، وهذا ينعكس سلبياً على زيادة المشاكل الاجتماعية بسبب الاختناق ونقص الرفاهية للفرد حيث نشاهد الآن أغلب العوائل استخدمت حدائق المنازل أو تقسيم المنزل إلى قسمين لسد حاجه السكن، لكون أن أغلب العوائل انشطرت إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء".

ويتابع السعدي "هذه المشكلة قديمة حيث كان العراق يحتاج قبل عام 2003 إلى نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية لتلبية احتياجات السكان، أما اليوم فيرجح أن يحتاج لنحو ثمانية ملايين وحدة سكنية جديدة لسد الحاجة، إذا اعتبرنا أن معدل أفراد الأسرة الواحدة أربعة أشخاص".

الحلول

وعن الحلول أشار إلى أن "الحلول موجودة وكثيرة لكن حتى الآن لا توجد خطط حكومية لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة، رغم وجود قانون استثمار كان يمكن الاستفادة منه للحل لكنه غير مفعل، إضافة لوجود الكثير من المعوقات وعلى رأسها عدم وجود ضمانات لاستقرار أمني يمكن أن يطمئن المستثمرين إلى أنهم سيحصلون على حقوقهم وتسديد قيمة مشاريعهم، لذا على الحكومة أن تتجه لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي بحيث تستطيع الشركات الاستثمارية العمل في أجواء آمنة ومستقرة، وأن يتم اعتماد قانون للتمويل وهو ما يفتقر إليه العراق اليوم، وأيضاً من الحلول التي تساعد على حل الأزمة هي أن تقوم الحكومة بتوزيع الأراضي على الفقراء والمعوزين الذين لجأ الكثير منهم للاستيلاء على أراضي الدولة والمساحات الزراعية والفارغة، مما حولها إلى سكن عشوائي".

وشدد على أن "الدولة منحت القروض للمعوزين بغرض البناء، وعليها أن تتجه للبناء العمودي الذي يمكن أن يوفر السكن لأعداد كبيرة من العراقيين"، مشيراً إلى أنه "يجب التحرك سريعاً لوضع الحلول لكون أن عدد السكان يتزايد بسرعة كبيرة، وأن الأزمة تتفاقم، مما يحرم المواطنون من سكن لائق، خاصة بعدما تحولت كثير من المناطق في بغداد إلى عشوائيات".

أسعار العقارات لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن

أما المتخصص الاقتصادي، إيفان شاكر، أكد أن "القطاع العقاري يعتبر من القطاعات المهمة والحيوية لأي بلد كان، والقطاع العقاري إذا سلك مساراً صائباً سيكون كفيلاً بازدهار والنهوض باقتصاد البلد، والقطاع العقاري أيضاً كفيل بأن يسبب أزمة مالية ضخمة واقتصادية، حيث لم يكن هناك استراتيجية صحيحة وسليمة".

وأسف أن "القطاع العقاري يُدار من قبل الدولة بطريقة عشوائية، والكل يتحمل المسؤولية في هذا التخبط، وحتى المستثمرين الهواة هم أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم أزمة العقارات، والتضخم الحاصل في سوق العقارات حالياً تتحمله الدولة، وللأسف الشديد الدولة هي من تسبب بتفاقم الأزمة وليس بحلها، وأن مبادرة البنك المركزي 1 تريليون دينار للإسكان، لم تجد نفعاً مع أزمة السكن وأيضاً لم تحقق الهدف المرجو منها، وبالعكس سببت تضخماً في قطاع العقارات بنسبة عالية، وفاقمت الأزمة أكثر بسبب هذه القروض التي تسببت بارتفاعات جنونية، وأسعار العقارات حالياً لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن".

ولفت أنه "لمعالجة مشكلة السكن يجب رسم سياسات استراتيجية صحيحة على المدى القصير والطويل، وأن تعمل الدولة بجميع مؤسساتها كمنظومة اقتصادية متكاملة، وإحدى هذه الحلول هي تأسيس الشركات المساهمة الخاصة وإدراجها في سوق العراق للأوراق المالية (البورصة) ومن خلالها يستطيع المستثمرون الهواة دخول هذه الشركات من خلال شراء الأسهم، وكذلك أي مواطن عراقي يكون لديه مدخرات يستطيع الاستثمار في شراء أسهم هذه الشركات، ولكن المعضلة أن البورصة العراقية يعتبر أداؤها سيئاً جداً مقارنة بدول المنطقة، وإحدى هذه المعضلات أن البورصة العراقية لا تملك منصة إلكترونية لتداول الأسهم، ولذلك مهم جداً تأسيس منصة إلكترونية من أجل تسهيل تداول الأسهم، لكي نطور سوق العقارات في العراق، ونحتاج إلى تنظيم المستثمرين الصغار الهواة تحت قبة الشركات المساهمة (الصناديق الاستثمارية)".

ويرى شاكر أن "هذا الإجراء، سيجعلهم قوة ضاربة في سوق العقارات، وكذلك في سوق العراق للأوراق المالية، وتدريجاً ستنخفض أسعار العقارات بما يقارب نسبة 50 بالمئة وبأسعار تنافسية، وأجد أن هناك ضرورة ملحة، لتنظيم جيش قوي من قبل المستثمرين الصغار الهواة، لاجتياح سوق العقارات وسوق الأوراق المالية، ومواجهة ومنافسة المستثمرين الكبار، وكسر احتكارهم للمشاريع السكنية وبنفس الوقت التخلص من مشاكل التلكؤ بالمشاريع التي لا تفي بوعودها للزبائن، والتي تتأخر في إنجاز المشاريع لشهور أو لسنوات عديدة، بسبب الشح في السيولة أو لسبب آخر".

وتعيش آلاف العوائل العراقية اليوم في مساحات ضيقة، حيث تعمل اليوم غالبية الأسر على تحويل الحدائق أو البيوت ذات المساحات الواسعة لبيوت متعددة يقطنها أفراد الأسرة الواحدة، بالتزامن مع الارتفاع الجنوني للإيجارات والتي وصل سعرها كحد أدنى إلى 300 دولار أميركي وفي بعض المناطق تصل إلى أكثر من 1000 دولار أميركي.

مناطق سكنية خارج العاصمة

أقرت أسيل علوان، مهندسة معمارية عراقية، بأنه "لا داعي للاستغراب لأن دول العالم جميعها في نفس النظام وفي مدن العالم أغلب مساحات الشقق تترواج بين 50 و60 متربع وبغداد اتبعت أيضاً هذا النظام بسبب الانفجار السكاني".

وأكملت حديثها "الحل في مناطق سكنية خارج العاصمة وتقبل الناس للفكرة والانتقال إلى خارج بغداد مثل مدينة بسماية (مشروع مدينة بنظام الشقق تقع على مسافة 10 كم جنوب شرق مدينة بغداد، وهي جزء من محافظة بغداد)". وتضيف "بدأ الناس نوعاً من بتقبل الفكرة والإقبال يتزايد على الشقق والأراضي خارج بغداد".

وحذرت المعمارية العراقية، من السنوات الخمس القادمة التي ستكون كارثة بسبب "الزيادة الانفجارية في عدد السكان وأيضاً عدد السيارات التي وصلت إلى أكثر من 7 ملايين سيارة في العراق".

اندبندنت عربية

مواضيع مختارة