أحداث دمويّة في الشرق الأوسط.. هل لحروب المسلمين أهداف؟!

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:1257
مشاركة
A+ A A-
إن واقع المسلمين في هذه الأيام واقع سيئ جداً لا يحسدون عليه، فإن الفتن متفشية في العديد من البلاد الإسلامية كفلسطين والشام والعراق وباكستان والصومال ومصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها، وفي هذه الحروب كثر فيها سفك الدماء، وهتك الأعراض، وإتلاف الأموال ونهبها بالنحو الذي يُحدِّث التاريخ أنه كان يَحْدُث مثله في الحروب الهمجية البربرية، حتى تشكّلت عند غير المسلمين في جميع أنحاء العالم صورة سيئة سوداء قاتمة عن ثقافة المسلمين في الحرب، أحدثتها هذه النزاعات الدموية المشتعلة في الشرق الأوسط.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

إن ثقافة الحرب في الإسلام يجب أن تؤخذ من أقوال النبي (ص) ومن أقوال الأئمة الأطهار عليهم السلام، ومن سيرهم المباركة التي جسدت حقيقة ثقافة الحرب في الإسلام، وأما ما تقوم به الجماعات الإسلامية التي تطلق على نفسها جماعات جهادية، فإنه بعيد كل البعد عن تعاليم الإسلام.

وعليه، فلا بد أن نلقي الضوء على أقوال وسير المعصومين عليهم السلام؛ لتتجلى لنا ملامح الخطوط العامة لثقافة الحروب في الإسلام، وهذه الملامح تتضح بعدة أمور:

1- الحروب في الإسلام هادفة:

الحروب في الإسلام حروب هادفة، وليست حروباً عبثية من أجل سفك الدماء والإخلال بأمن المسلمين، فإن من الأهداف السامية للحروب التي وقعت في زمان النبي (ص) الدعوة إلى الإسلام، ورفع الظلم، وبسط العدل، وإحياء النفوس الميتة، ولم يكن من أهدافها: السيطرة على المناطق، والهيمنة على البلاد الأخرى.

وحينما فتح رسول الله مكة نادى خالد بن الوليد: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة» فأمر رسولُ الله أميرَ المؤمنين (ع) أن يأخذ منه الراية وينادي: «اليوم يوم المرحمة، اليوم تؤوى الحرمة».

وأهداف الحروب الإسلامية عند المعصومين يسيرة التحقق وليست بالعسيرة، فبمجرد إعلان الخصم الدخول في الإسلام ولو ظاهراً عن طريق النطق بالشهادتين، أو دفع الجزية ممن يرفض الدخول الإسلام تنتهي الحرب، علماً أن الجزية هي بمثابة التأمينات الاجتماعية في وقتنا الحالي، التي تؤخذ لحفظ حقوق الكفار في حال ضعفهم وشيخوختهم، مع ضمان حفظ حياتهم وأموالهم وكرامتهم، فيكون لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.

ولكن حينما ننظر إلى حال الحروب المشتعلة في هذا العصر بين المسلمين، كالحروب الحاصلة في الشام على سبيل المثال، فإننا نلاحظ عبثية هذه الحرب، وعدم وجود أهداف حقيقية لها؛ لأن هؤلاء المحاربين الذين يصرّحون بأن هدفهم الأساس هو إسقاط النظام لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف على مدى سنوات، كان نتيجتها أن أُزهقت فيها آلاف النفوس، وخربت بها بلاد الشام، وبات واضحاً للجميع أنهم لا يتمكنون من تحقيق هذا الهدف، ومع ذلك لا زالوا مستمرين في هذه الحرب، وحتى مع فرض إمكانية إسقاط النظام فإن جماعات المعارضة المسلحة الذين يتحاربون مع بعضهم لهم أهداف أخرى متضاربة فيما بعد سقوط النظام، فمنهم من يريد إقامة حكومة إسلامية، ومنهم من يرفض قيام مثل هذه الحكومة، وهذا يعني أن الحرب ربما تبقى قائمة حتى في حال سقوط النظام الحالي.

2- عرض أهداف الحرب على الخصم والقبول باختياراته:

من آداب الحروب في الإسلام أيضاً عرض أهداف الحرب على الخصم، وتوضيح الخيارات المتاحة له، والقبول بما يختار. فمن الوصايا التي وردت عن رسول الله  في الحرب أنه قال: « إذا لقيتم عدواً للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منهم، وكفوا عنهم: ادعوهم إلى الإسلام، فإن دخلوا فيه فاقبلوه منهم وكفوا عنهم، وادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام، فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، وإن أبوا أن يهاجروا، واختاروا ديارهم، وأبوا أن يدخلوا في دار الهجرة، كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين، يجري عليهم ما يجري على أعراب المؤمنين، ولا يجري لهم في الفيء ولا في القسمة شيء، إلا أن يهاجروا في سبيل الله، فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم وكفّ عنهم، وإن أبوا فاستعن الله عز وجل عليهم، وجاهدهم الله حق جهاده». (الكافي 5/29).

ونحن نلاحظ اليوم أن الجماعات المسلحة التي تطلق على نفسها منظمات إسلامية أو جهادية، إذا ظفروا بالشيعي قتلوه شر قتلة، ولم يقبلوا منه قولاً، حتى ولو تبرأ من التشيع! مع أن التعاليم الإسلامية مخالفة لهذا السلوك تماماً، فإنها تحث على الكف حتى عن الكافر بمجرد أن ينطق بالشهادتين وإن كان كاذباً.

3- عدم البدء بالحرب:

من آداب الحرب في الإسلام عدم البدء بالحرب، فلا بد عندما يلتقي الجيشان من الوعظ والتذكير والنصيحة والإرشاد، وإقامة الحجة عليهم، والعمل على الحيلولة دون وقوع الحرب، كما فعل الإمام الحسين (ع)  يوم عاشوراء فإنه وعظ وذكر وحذر وبين لهم مغبة عملهم وقبح صنيعهم، وكذلك صنع أمير المؤمنين  في حروبه كحرب الجمل حينما ذكّر الزبير بأن النبي أخبره أنه سيقاتل أمير المؤمنين وهو ظالم له، وهذا خلاف ما نشاهده اليوم من الجماعات المسلحة مثل داعش وغيرها، الذين يشنون الغارات على الآمنين من دون سابق إنذار.

بل إن أمير المؤمنين (ع) في حرب النهروان بالرغم من أنه وعظ الخوراج، وأرسل إليهم عبد الله بن عباس رضوان الله عليه الذي أقام عليهم الحجة، فرجع منهم قوم عما كانوا عليه، إلا أنه لم يبدأ المعاندين منهم بقتال، وقال لأصحابه: لا تبدؤوهم بقتال إلا أن يحدثوا حدثاً. وكذلك صنع الإمام الحسين في يوم عاشوراء حيث لم يبدأ بقتال بعد أن وعظ القوم وأقام عليهم الحجة، إلا بعد أن رشقوا خيامه بالسهام، فقال لأصحابه: قوموا يرحمكم الله، هذه رسل القوم إليكم.

4- عدم قتال المسلمين:

فإن المسلم لا يجوز قتاله ولا استباحة دمه بأي مبرر، والمسلم هو كل من نطق بالشهادتين، فإن كل من نطق بالشهادتين حقن دمه وماله وعرضه. والاختلاف في المذاهب لا يسوّغ القتال ما دام المسلم يشهد الشهادتين، إلا في أحوال خاصة مذكورة في كتب الفقه، كما لو كان المسلم باغياً، ومع ذلك فإن محاولة الإصلاح بين الطائفتين المتنازعتين يجب أن تسبق قتال الطائفة الباغية حتى ترجع عن بغيها، قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

5- عدم قتل الأبرياء والآمنين العزل:

في الحروب الإسلامية لا يجوز قتل الأبرياء كالنساء والأطفال والشيوخ، بل حتى الشباب الذين ألقوا سلاحهم وتجنبوا القتال إلا لضرورة ملحة، وقد ورد عن النبي  في وصاياه في الحروب أنه قال: (ولا تقتلوا وليدا، ولا متبتلاً في شاهق). وأما الجماعات الإرهابية في وقتنا الحاضر فقد وصل بها الطغيان إلى أنها تترصد المسلمين من أجل اغتيالهم بالجملة وهم يؤدّون الصلاة في مساجد الله، فأي مسوّغ أجاز لهذه الجماعات التي تطنطن باسم الإسلام أن ترتكب مثل هذه الجرائم الشنيعة؟

6- عدم قتل النساء والأطفال خصوصاً:

من ملامح الحروب الإسلامية أيضاً عدم جواز قتل النساء والأطفال حتى لو كانوا محاربين. فلو أن حرباً قامت بين المسلمين والكافرين، وكان في جيش الكافرين مقاتلون من النساء والأطفال، فالواجب حينئذ تجبنهم وعدم مقاتلتهم، وفي حال الاضطرار إلى ذلك يجب الاكتفاء بالدفاع عن النفس وعدم قصد قتل النساء والأطفال مهما أمكن، وفي حال الظفر بطفل مسلح أو امرأة مسلحة يكفي أخذ السلاح منهم، ولا يجوز قتلهم.

وقد روى الشيخ الكليني (قدس سره) في كتاب (الكافي) عن حفص بن غياث أنه سأل أبا عبد الله  عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن ورفعت عنهن؟ فقال: لأن رسول الله  نهى عن قتال النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلوا، فإن قاتلت أيضاً فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللاً، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان في دار الإسلام أولى، ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها، فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية. (الكافي 5/29).

ومن المسائل التي يذكرها العلماء في كتبهم الفقهية، أن يتترس الكفار بالنساء والصبيان في الحرب، فهل يجوز للمسلم أن يقتل النساء والأطفال الذين جعلهم الكفار تروساً بشرية، أم لا؟

لقد أفتى الفقهاء أنه إذا لم يلتحم الجيشان، وأمكن الكف عنهم فليُكف عنهم، وأما إذا التحم الجيشان فإن أمكن قتل الكافر دون النساء والصبيان فليقتل الكافر، وليجهد المسلم في تجنب النساء والأطفال، وإن لم يمكن ذلك وجب قتل الكفار ولكن من دون أن يقصد النساء والأطفال.

7- عدم استخدام الأساليب القذرة:

ورد عن رسول الله (ص) من وصاياه في الحروب أنه قال: ((اغزوا باسم الله وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثّلوا..)). والملاحظ في حروب الجماعات التي تسمى بالجهادية الإسلامية أنهم يغالون في التمثيل بالجثث بعد القتل بأبشع الطرق، كقطع الرؤوس ووضعها على صدور القتلى، بل اللعب بالرؤوس المقطوعة، وتشويه جثث القتلى بالرصاص، وهذا مخالف للتعاليم النبوية الصريحة التي تؤكد على النهي عن التمثيل بالجثث، فقد روي عن رسول الله  أنه قال: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. (نهج البلاغة: 445).

ومن الأساليب القذرة في الحروب أيضاً منع الماء عن الخصم، ومن المعروف عن الأمويين أنهم يستخدمون هذا النوع من الأساليب في حروبهم، فقد صنعوا ذلك مع أمير المؤمنين (ع) في صفين، ومع الإمام الحسين (ع) ونسائه وأطفاله في كربلاء، لكن التاريخ يحدثنا أن أمير المؤمنين  في حرب صفين لما مُنع جيشه من الماء، ثم استولى على الماء قال له بعض أصحابه: نمنعهم من الماء كما منعونا، إلا أن أمير المؤمنين أبى ذلك، وجعل الماء بينه وبين خصمه، يشرب منه الجميع.

8- عدم إتلاف الممتلكات:

ورد عن رسول الله (ص) من وصاياه في الحروب أنه قال: (ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً)، وفي بعض الروايات قال: (ولا تهدموا داراً).

وهذه الروايات وأمثالها تشعر بأن الهدف من الحرب هو قتال المقاتلين فقط، وليس من أهداف الحرب تخريب ممتلكات الخصوم.

9- ما بعد النصر في الحرب:

عادة ما تخلف الحروب بعد انتهائها وانتصار أحد الجيشين كثيراً من القتلى والجرحى والهاربين، والتعامل الصحيح مع هؤلاء يكون بترك الهاربين منهم وعدم تتبعهم، ومعالجة جرحاهم، والكف عمن ألقى السلاح منهم، فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع)  أنه نادى في جيشه بعد أن انتصر في يوم الجمل وانهزم القوم: (لا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن)، وهو نفس النهج الذي انتهجه رسول الله في فتح مكة.

ومن أروع المبادئ الإسلامية في الحروب بعد النصر هو التعامل مع الخصوم بالعفو والصفح وعدم التشفي منهم والانتقام.

قال أمير المؤمنين : إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه. (نهج البلاغة: 488).

هذه هي ثقافة الحروب في الإسلام التي جسدها رسول الله (ص) وأمير المؤمنين  والإمام الحسين ، وكل ما يخالف ذلك مما يجري الآن بين المسلمين فضلاً عن ما بينهم وبين أعدائهم من التشويه العظيم لصورة الحرب عند المسلمين، فإن الإسلام بريء من كل هذه التصرفات البربرية التي هي بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام، ولا شك في أن كل هذه التصرفات منبعثة عن أمراض نفسية عند الجماعات الإرهابية، وجهل فاضح بأحكام الإسلام، أو الرغبة في تشويه صورة الإسلام الناصعة، إما بقصد وتعمد أو من دون قصد.

*الشيخ علي آل محسن

مواضيع مختارة