[اشترك]
فإذا أردنا علاجها علينا اتباع أمور منها: أن نفهم معناها وبعدها نعرج على أسبابها ومن ثم علاجها أو على الأقل التخفيف منها في مجتمعنا.
فهناك من يفسر الرشوة على أنها هدية وليست محرمة، فيعطيها هذا الطابع أو يسميها بهذا الاسم؛ كي يغطي على حرمتها فيؤطرها بهذا الإطار الحسن والمرغوب فيه عند الآخرين، لأجل ذلك كان لابد لنا أن نعرف الهدية والرشوة معاً لنعرف الفرق بينهما فلا تكون للآخرين حجة لتداولها على أنها هدية.
فالهديه لغة وشرعاً هي تمليك في الحياة بغير عوض أي أن أملك من أشاء ما لديّ من أموال أو أي عقار لشخص بدون مقابل أي بلا عوض.
أما الرشوة في الاصطلاح تعني ما أُخذ بغير عوض ويعاب فيه.
أما في القانون، فهي أن يدفع الشخص المال من أجل الحصول على مكسب من دون وجه حق أو طلب الموظف للمال مستغلاً منصبه الحكومي أو وظيفته في أي شركة أو مؤسسة من أجل القيام بعمله مدفوع الثمن، الذي يجبره القانون تقديمه لطالب الخدمة مجاناً أو برسوم يقرها القانون.
أما في الإسلام فتعرف بأنها دفع المال من قبل شخص الى آخر لإحقاق باطل أو أبطال حق مستحق لإنسان آخر، وهي أيضاً وسيلة لكسب ما لا يحل لإنسان وما لا يستحقه أو لإجبار الحاكم أو القاضي أو المسؤول على عمل ما يريده مقدم المال (الرشوة)، ولا يشترط في الرشوة أن تكون أموالاً قد تكون ترقية أو عقاراً وعدها المسؤول لصاحب الرشوة.
والآن، وبعد أن عرفنا ما هي الرشوة والهدية، وأصبحت الفكرة واضحة، وبان الفرق الكبير بينهما، نعود لمعرفة تأثير الرشوة وأضرارها على المجتمع، وبعدها نتعرف على أسبابها لنتمكن من علاجها لننقذ ما يمكن إنقاذه من جراء هذه الآفة الفتاكة التي تهدم مجتمعنا وتقتل فينا كل شيء جميل: أخلاقنا، ومبادئنا، وقيمنا، وديننا، فآثار الرشوة عديدة منها: أنها تؤدي الى فساد الذمم وسهولة شرائها، وبالتالي تنزع من الإنسان إنسانيته، فتراه خاوياً فارغاً من الداخل من المبادئ والقيم والأخلاق الحميدة التي لو التزم بها لجعلته قوياً صلباً صعب المراس، لا يهتز حتى وإن عرضت عليه أموال الدنيا، فهو يعمل بما يرضي الله.
ومن أضرارها أنها تمنع العدالة والمساواة بين الناس، وتسهم في نشر الظلم والانحراف الخلقي الذي يدمر المجتمع، ويجعل الإنسان لا يعترف بمساواته مع الآخرين، فينتشر الظلم ويكثر الحقد والكره بين أبناء المجتمع، فالرشوة تمنع صاحب الحق من الوصول لحقه فيعطى الحق لمن لا يستحقه، فتزداد المظالم في المجتمع، فيعم الحقد والكره والتباعد بين شرائح المجتمع.
ومن آثارها أيضاً إعطاء الأمر والوظائف الى غير أصحابها من أهل الكفاءة: كتقديم الرشوة للحصول على عمل ما لشخص لا يملك المؤهلات والكفاءة المناسبة، فلا يستحقها وفي بعض الأحيان إجبار صاحب الحق من اللجوء للرشوة، فهو يرى في نفسه أنه يستحق ولا يستطيع أخذ حقه في مجتمعه إلا من خلال الرشوة، فيجبر على إعطائها للموظف حتى يحصل على استحقاقه.
بعد أن تعرفنا على آثار وأضرار الرشوة، نعرج على أسبابها وهي عديدة نحاول تلخيصها، فمن أسباب هذه الظاهرة، ولجوء أكثر المجتمعات للعمل بها، وتعاطيها فيما بينهم بكثرة، هو ضعف الوازع الديني عند بعض الأشخاص، وانخفاض المستوى المعيشي ورداءة الأوضاع الاقتصادية في بعض البلدان، مما يؤدي لحصول ظاهرة الرشوة فيها من قبل بعض الموظفين المعدمين، ضعف النفس والرضوخ للإغراءات المادية، وانتشار المفاهيم المغلوطة التي تبرر الرشوة، حيث تُؤطر بإطار جميل كالهدية.
والآن، وبعد أن عرفنا ظاهرة الرشوة جيداً، وتعرفنا على آثارها وأضرارها وأسبابها نحاول قدر الإمكان وبما نستطيع أن نبين كيفية علاجها ومكافحتها على شرط أن تكون هناك نية جادة من قبل الدول أو المجتمعات لعلاجها، وأول هذه الحلول لمكافحة وعلاج ظاهرة الرشوة هي أن يكون اختيار الموظفين في المناصب العليا مبني على حسن سيرة وسلوك الموظف وأخلاقه الطيبة للسير بالمؤسسة حسب القوانين ومعاقبة كل من يسيء لها بالعقوبة الصارمة وبلا رحمة، وبذلك ستختفي كل ظاهرة تسيء للمؤسسة كالرشوة وغيرها.
وأيضاً تحقيق مبادئ العدالة والمساواة بين الناس، وتكافؤ الفرص، ووجود هيئة مستقلة في الدولة تهتم بمحاربة الرشوة، وصدور قرارات صارمة تقضي بمحاكمة الراشي وكل من له يد بالقضية بأشد العقوبات على أن تكون هذه الهيئة مختارة جيداً من حسن أخلاق وسلوك جيد وراتب محترم لتعمل عملها دون ضغط لرشوتهم.
وللصحافة دور مهم في كشف المرتشين وفضحهم، فلا بد من إعطائهم الحرية الكاملة في التعبير عن الرأي دون ضغوطات.
وضع الرجل المناسب في المكان المناسب سياسة يجب اتباعها إن أردنا التخلص من الفاسدين، فالعمل بهذه السياسة سيضع كلاً حسب استحقاقه.
وأخيراً، تحسين الوضع الاقتصادي للموظفين، وتوفير سبل العيش الكريمة لهم، فهذه الأمور لو اتبعتها الحكومات في دولهم سينتهي الفساد، وبالتالي تنعدم الرشوة وكل ظاهرة تفسد المجتمع.
ولتبيان حرمة الرشوة، نذكر قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حيث قال مخاطباً الناس: «وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِّن أَموَالِ الناسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعلَمُونَ»(1).
وهنا يقول سبحانه وتعالى: «وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ»، أي الرشوة، فقد نهى سبحانه وتعالى عن الإدلاء بالمال الى الحكام لإبطال الحق وإقامة الباطل حتى يأكلوا بذلك فريقاً من أموال الناس بالإثم والعدوان هذا هو معنى الرشوة.
وعن النبي محمد (ص) قال: «أن السحت هو الرشوة في الحكم، لقوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحتِ»(2).
وعن رسول الله(ص) انه قال: «إياكم والرشوة، فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة»(3).
وعن الشيخ محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي بإسناده الى رسول الله (ص) أنه قال: «الراشي والمرتشي والرائش بينهما ملعونين».
نهاد الدباغ
الهوامش: (1) (البقرة: 188). (2) الطبرسي في مجمع البيان: (303/3). (3) جامع الأخبار: 440/ ح6.