لماذا خلق الله الشیطان ابلیس اللعین؟
دعوني أفصل في الإجابة عن هذا السؤال بالقول:
أوّلاً: للاختبار والامتحان حتّی یتبیّن الخبیث من الطیّب، والكافر من المؤمن.
وثانیاً: إنّ الله حكیم علیم لطیف خبیر، یفعل ما یُرید، ولایفعل القبیح، فإنّه منزّه عن ذلك، سبحان الله عمّا یصفون، ویسأل ولایُسئل، وإنّ الشیطان إبلیس اللعین سأل ربّه هذا السؤال: إنك یا رب تعلم أنّي أعصیك فقال الرّب: بلی، فقال لماذا خلقتني، فأجابه الرّب جلّ جلاله: حكمتي اقتضت ذلك، فسكت الشیطان إذ یعلم أنّ الله حكیم، والحكیم یضع الأشیاء في مواضعها، فلایفعل عبثاً ولا لغواً ولاسهواً ولانسیاناً ولاخطأً، بل یفعل ما فیه الحكمة التّامة فما خلق الشیطان إلّا لحكمة إلهیة، وإلهّ یسأل عباده ولایُسئل عن فعله، فهو القهار ذو الكبریاء والجلال یفعل ما یرید، ولیس للعبد إلّا التّسلیم والرّضا بالقضاء والقدر.
وثالثاً: وإن تسلّط الشیطان علی الإنسان في الجملة -أي إجمالاً- إلّا أنّه لا تكون سلطنة تامّة بحیث یسلب اختیار الإنسان وحرّیته، بل مساحة إبلیس هي الوسوسة فقط، بأن یوسوس ویزیّن الفحشاء والمنكرات للإنسان كما دلت الأخبار والآیات علی ذلك.
ورابعاً: مهما كان للشیطان من سُلطة فإن كیده كان ضعیفاً، فلا یقدر علی المؤمن الذي یتوكل علی ربّه فعلی الله توكلوا أیّها المؤمنون (إن كید الشیطان كان ضعیفاً).
وخامساً: لیس لإبلیس وجنوده من الجنّ والإنس السّلطة علی العباد الصالحین والمؤمنین والمتوكلّین علی ربّهم القدیر، فإنّ الشیطان وإن قال (لأغوینّهم أجمعین) الا إنّ الله أجابه (إن عبادي لیس لك علیهم سلطان) وقال عزّوجلّ: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
ومن ثم قال إبلیس اللعین( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فتدبّر.
سادساً: إنّ إبلیس اللّعین إنّما یتسلط بوساوسه علی الغافل والذي ینسي نفسه، فلابد للإنسان أن یكون ذاكراً لله، فأذكروا الله كثیراً، ولا ینسی نفسه فینسی ربّه، قال سبحانه: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ). وقال عزّوجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ).
وسابعاً: إنّ الله سبحانه أنذر العباد وأخبرهم وصرّح في كتابه الكریم وفي مواطن عدیدة، إنّ الشیطان هو العدو الأوّل للإنسان، فاحذروه غایة الحذر (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
فالإنسان هو المسوؤل عن نفسه في إتباع الشیطان، فلایلوم الا نفسه، فإنّه مع هذا التّحذیر الإلهي علی لسان رُسله وأنبیاءه وفي كتبه ومع علم الإنسان بذلك، ویعلم أنّ الشیطان عدوّه اللدود ویرید شقاءه واضلاله وأن یدخله النار معه، مع ذلك یتبعه ویطیعه، فالإنسان الغافل هو الذي یسلّط الشیطان علی نفسه بكل اختیاره وحُریّته.
وثامناً وأخیراً: لیس للإنسان إلا ما سعی وأن سعیه سوف یُری، وإنّ الله سلّحه بالفطرة الموحدة، والعقل السلیمه. والأنبیاء والرُّسل وكتب السّماء والآیات الافاقیة والأنفسیّة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) فإذا اختار الضلال والشقاء والنار باتباع عدوه الشیطان فلا یلومنّ الا نفسه، (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) فكيف لا نلوم أنفسنا بعد علمنا بعداوة الشیطان، وبعد عهد الله أن لا نعیده وأن نكفر به، فإنّه لا سلطان له علینا، وأنّ كیده كان ضعیفاً، فلماذا صرنا أضعف منه؟ وأقل إرادة ولنا ربّ یحمینا ویدافع عنّا إن آمنا به وتوكلنا علیه (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) فنحن في جبهة الحق ضد جبهات الباطل، إن تنصروا الله ینصركم ویثبت أقدامكم والعاقبة للمتقین.
ذكر لتجنّب الشيطان
وعلیكم بهذا الذكر العظیم للاستعاذة من شرّ الشیطان الرّجیم
في مفاتیح الجنان في تعقیبات صلاة الصبح: روی بطرق معتبرة عن الإمام الصادق عليه السلام تقول قبل طلوع الشمس وقبل غروبها عشر مرات: (أعوذبالله السمیع العلیم من همزات الشیاطین وأعوذ بالله أن یحضرون إنّ الله هو السمیع العلیم).
لو اطاع الانسان عدوه الشیطان وفسح له المجال یتسلط علیه فلا یلومن حینئذ الا نفسه.
قال سبحانه: (وقال الشیطان لما قضی الامر.... الا ان دعوتكم فاستجبتم لی فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).
و كیف لانلوم انفسنا المذنبة والعاصیة بعد العلم بعداوة الشیطان ومخاطره وقد عاهدنا الله سبحانه ان لا نعبده ولا نسلطه علینا طرفة عین.
جاء في خطبة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله في منی: قال: الا و ان الشيطان قد يئس ان يعبد بارضكم هذه، ولكنه راض بما تحتقرون من اعمالكم، الا انه اذا اطيع فقد عبد. (تفسیر القمي: 1: 172)
وعن ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بینما موسی بن عمران عليه السلام جالس اذ اقبل علیه ابلیس وعلیه برنس ذو الوان (اشارة الی شهوات الدنیا وزینتها وآلات اضلاله للناس) فلما دنا من موسی خلع البرنس واقبل علیه فسلم علیه فقال موسی من انت قال انا ابلیس، قال موسی فلا قرب الله دارك فبم جئت؟ قال انما جئت لأسلم علیك لمكانك من الله عزوجل فقال له موسی فما هذا البرنس؟ قال: اختطف به قلوب بنى آدم. فقال موسى عليه السلام: أخبرني بالذنب الذي إذا اذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: ذلك إذا اعجبته نفسه، واستكثر عمله وصغر في نفسه ذنبه.
ثم قال له أوصیك بثلاث خصال یا موسى: لا تخل بامرأة و لا تخل بك، فإنه لا یخلو رجل بامرأة و لا تخلو به إلا كنت صاحبه دون أصحابي (ای انا اتولی اضلاله وایقاعه في الذنب كالزنا) وایاك ان تعاهد الله عهداً فانه ما عهد الله احداً الا كنت صاحبه دون اصحابي حتی احول بینه وبین الوفاء به، واذا هممت بصدقة فامضها (ای ادفع الصدقة عاجلا من دون تراخي) فانة اذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون اصحابي احول بینه و بینها حتی لا یدفعه الی الفقیر ثم ولی ابلیس ویقول يا ويلة و يا عولة علمت موسى ما يعلمه بني آدم (امالی المفید: 192-193 ح 7).
المصدر: موقع السيد عادل العلوي
موقع الأئمة الاثني عشر