@the12imamswebونحن على أبواب شهر رجب.. ما هي الأذكار التي تنفعنا في هذا الشهر؟ سماحة السيد حسين شبّر #الأئمة_الاثنا_عشر ددد #دين_ودنيا
♬ الصوت الأصلي - الأئمة الاثنا عشر
بسم الله االرحمن الرحيم
جاء في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:- (ألا وإنَّ اليوم المضمار وغداً السباق والسَبَق الجنة والغاية النار)[1].
معنى المضمار هو أنَّ العرب كان يوجد عندهم سباق الخيل، والغرض من هذا السباق هو أنه حتى تكون الخيل سبّاقة ويستفيدون من ذلك في الحرب، فإذا ارادوا أن يجعلوها قادرة على السابق والفوز فيه فإنهم لا يطعمونها الطعام بكثرة حتى تضمر بطونها فإنَّ البطن إذا كانت كبيرةً فسوف يصعب عليها السباق وأما إذا كانت غير كبيرة فسوف تتمكن من السابق ، والامام عليه السلام يقول إنَّ الدنيا هي يوم السباق، فكما أنَّ العرب كما كانوا يستعدون قبل السباق بأيام لأجل الاستفادة من ذلك في الحرب نحن كذلك يلزم علينا أن نستعد لأجل الحياة الحقيقية فإنَّ ما بعد يوم القيامة هو الحياة الحقيقية وأما الحياة الدنيا فليست بحياة وإنما هي ايام تزوّد بالاعمال الصالحة، فالدينا اشبه بأيام المضمار، فالمتزود بالاعمال الصالحة - مثلكم وأمثالكم إن شاء الله تعالى - فسوف يتسابقون إلى الجنة، فإنَّ جائزة الفائزين هي الجنة وغاية الخاسرين - وهم اعداء أهل البيت عليهم السلام - هي النار.
فإذاً يا اخوتي واعزتي تعالوا لنصمّم على الاستفادة من دنيانا لآخرتنا فيوم المضمار هو هذه الحياة وذلك بالتزود بالاعمال الصالحة، ولا يكون العمل صالحاً إذا كان لله تعالى، فكل عمل جيد وكان الهدف منه هو الله عزَّ وجل فهو العمل الصالح، أما لم يكن لله عز وجل – كما لو خسر كل أمواله في بناءٍ للفقراء أو الزائرين ولكن الهدف لم يكن الله عزَّ وجل - فلا يعطى شيئاً لأنَّ هذا العمل ليس صالحاً فإنَّ الاساس في العمل الصالح هو النية.
ونحن طلبة العلم بحمد لله ندرس ونطالع فلنجعل اعمالنا لله عزّ وجل وننويها له وليس لأجل أن يقول الناس عنا كذا وكذا، فأدرّس لله عزَّ وجل، واكتب لله عزَّ وجل، واتباحث لله عزَّ وجل، ولكن مع الاسف أول ما دخلنا إلى الحوزة لم نتنبَّه إلى هذه القضية، نعم كنّا نحاول أن ندرس بشكلٍ جيد وهذا أمر جيد ولكن كان من المناسب أن نُنبَّه من البداية، فتعال ايها الطالب واجعل عملك خاصاً لله عزَّ وجل، ولكن القضية صعبة، فدائماً يلزم على طالب بالعلم أن يتوجه إلى الله عزَّ وجل ويدعوه أن تعينه في جميع أموره وحتى في نيته فإنَّ النية الخالصة لله عزَّ وجل ليست بالأمر السهل، فدائماً لابد وأن نطلب من الله عزَّ وجل الاعانة في جميع امورنا وأحدها مسألة النية بأن تكون جميع نوايانا له عزَّ وجل حتى يتحقق الفوز في ذلك اليوم إن شاء الله تعالى.
أسال اله تعالى أن يعيننا جميعاً على هذه القضية وأن يجعل دراستنا وتحضيرنا ومباحثتنا لوجهه الكريم بحق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
المصدر: مكتب سماحة آية الله الشيخ باقر الإيرواني
الهوامش: [1] نهج البلاغة، خطبة28.[اشترك]
والحل الأساسي هو: الوصول إلى درجة من كره المعصية؛ لئلا يبقى معه ميل إلى الحرام أصلا، وإلا فإن المسالة تبقى تتردد بين الفعل والترك.
إن الذي يرى الغيبة على أنها: أكل للميتة مثلا، ولأكل الطعام الحرام على أنه: جيفة منتنة، ولأكل مال اليتيم على أنه: أكل للنار، وللربا على أنه: مس من الشيطان، وللمرأة العارية أو شبة العارية-كالحيوانات السائمة- على أنها: موجودة منزوعة الحياء، والتي هي من أهم عناصر مقومات شخصيتها.. إن الذي يعيش هذه الأحاسيس وما يشابهها في كل حرام، فسوف لن يرى كثير معاناة في ترك الحرام-وإن كان مغريا بظاهره- ما دامت عينه إلى باطن ذلك الحرام.
استعن بالله تعالى في أن يريك ملكوت المعصية، فإنها صورة لا تطاق من القبح!.. وهذا هو الذي يفعله بالصالحين من عباده حيث يقول: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ فيا ترى ما هو حال من يرى شيئا مكروها، غير التقزز والنفور؟!
[اشترك]
روى السيد ابن طاووس في (مهج الدعوات) حديثاً عن سلمان، وقد ورد في آخر الحديث ما حاصله: أنّ فاطمة(عليها السلام) علّمتني كلّاماً كانت تعلّمته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكانت تقوله غدوة وعشية، وقالت: إنْ سرّك أن لا يمسّك أذى الحمّى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه وهو:
بِسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
بِسمِ الله النّورِ بِسمِ الله نورِ النّورِ بِسمِ الله نورٌ عَلى نورٍ بِسمِ الله الَّذي هُوَ مُدَبِّرُ الاُمورِ بِسمِ الله الَّذي خَلَقَ النّورَ مِنَ النّورِ، الحَمدُ للهِ الَّذي خَلَقَ النّورَ مِنَ النّورِ وَأنزَلَ النّورَ عَلى الطّورِ في كِتابٍ مَسطورٍ في رَقٍّ مَنشورٍ بِقَدَرٍ مَقدورٍ عَلى نَبيٍّ مَحبورٍ، الحَمدُ للهِ الَّذي هُوَ بِالعِزِّ مَذكورٌ وَبِالفَخرِ مَشهورٌ وَعَلى السَرَّاءِ وَالضَرَّاءِ مَشكورٌ وَصَلّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ.
قال سلمان: فتعلّمتهن وعلّمتهنّ أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممّن بهم الحمّى فبرئوا من مرضهم بإذن الله تعالى.
[اشترك]
رفع مستوى الهمة:
ينبغي للمؤمن أن يستفيد من مناسبات قادته المعصومين (ع)، فيتأسى بهم في حركة الحياة.. فلا نجعلهم -عليهم السلام- في لوحات زيتية راقية: رسماً، ووصفاً.. أي نصف القادة، ونفتخر بهم فقط دون الالتزام بأعمالهم وأقوالهم.. لأننا بذلك نكون -مع فارق التشبيه- كالذي يشجع الرياضيين، وهو إنسان كسول، لا يملك جسماً رياضياً.. بينما الذي يحب الرياضة، يجب أن ينزل إلى الميدان، ويتأسى بالرياضيين، ولو بدرجة من الدرجات!.. قد يقول قائل: لا نستطيع أن نكون كالنبي، وكالزهراء، وكعلي!.. فهؤلاء لا يمكن الوصول إلى رتبهم!.. نعم، لن تصبح نساؤنا كفاطمة، ولا رجالنا كعلي، ولا أولادنا كالحسنين.. ولكن ينبغي للمؤمن أن يرفع مستوى الهمة؛ مثلاً: لو أن هناك تاجراً دخل السوق، ويريدَ أن يكون صاحب ثراءٍ واسع؛ هذا حتى لو كانَ فقيراً، فإن سعيهُ يجب أن يتناسب معَ هذا الهدف.. وكذلك الإنسان الذي همهُ أن يُصبح كاتباً في وزارة، ويأخذ راتباً متواضعاً؛ فإن سعيه يكون متواضعاً بما يتناسب مع طموحه.
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
فالإنسان كُلما علت همتهُ، زادَ سعيه.. ولهذا أيام الامتحانات، نُلاحظ حتى الكُسالى من التلاميذ، لا ينامون الليل.. لأنه جعلَ هدفهُ في ذلكَ الأسبوع، أن ينجحَ في الامتحان.. فلا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام؛ لأنهُ يعيش هذا الهاجس.
فإذن، يجب أن نرفع من مستوى الهمة، كي نصبح كهؤلاء، إلا فيما لا يمكن تقليدهم فيه.. فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كانَ يُوحى إليه، وباب الوحي انسدَ إلى يوم القيامة، ولكن باب الإلهام والتسديد مفتوح، كما فُتحَ لأمِ موسى (ع)، وغيرها من الصالحين طوالَ التأريخ.
ما هيَّ نقاط التأسي بالسيدة فاطمة (عليها السلام)؟
قد يأتي في ذهن البعض: أنَ الحديث عن الزهراء -عليها السلام- يناسب في الدرجة الأولى النساء؛ لأنها امرأة، والإقتداءُ ينبغي أن يكون للنساء.. وهُنا نقول: الرجولة والأنوثة هذهِ صفات الأبدان، وإلا الأرواح أرواحٌ واحدة، لم يقل أحد لا قديماً ولا حديثاً، لا من الفلاسفة ولا من أهل الحديث: أنَ الأرواح على قسمين؛ روحٌ ذكورية، وروحٌ مؤنثة.. الروح هي أمانة الله -عز وجل- نفخت في بني آدم.. فإذن، الزهراء حقيقتها حقيقةٌ لا توصف: لا بالذكورةِ، ولا بالأنوثة.. وهكذا أرواح المعصومين والأنبياء (ع).. وبالتالي، فإنه يصح أن نقول: أن الرجال يمكنهم التأسي أيضاً بهذهِ السيدة الطاهرة كالنساء.
أولاً: الجمع بين التكاليف.. أول صفة تلفت النظر في حياة الزهراء -عليها السلام- كإنسانةٍ كاملة، هي الجمعُ بينَ التكاليف.. نحنُ مشكلتنا أننا نجعل لكُلِ شيءٍ ملفاً: فعندما نعمل، ننسى العبادة.. وعندما نتعبد، ننسى العمل.. وكأنَ الإنسان ينتقلُ من حقل إلى حقل؛ وهذا خطأ كبير!.. فالمؤمن يعيش كُل الحقول في آنٍ واحد!.. فالزهراء -عليها السلام- كان لها وظائف عبادية: فقيامُ الليل لفاطمة -عليها السلام- كقيام أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكقيام أمير المؤمنين -عليه السلام-؛ كانت تمضي ساعات من العبادة الليلية.. ولها أيضاً نوافلها اليومية، وصلواتها، وصومها المستحب.. ولكن أنظروا إلى سيرتها في المنزل، عن علي (ع): (إنها استقت بالقربة حتى أثرّت في صدرها، وجرّت بالرّحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها).. لم يكن الأمر سهلاً على هذهِ السيدة، التي كانت في عمر الزهور، كانت تقوم بأعمال المنزل، وكانت في خدمة أمير المؤمنين كزوجة مثالية.. فالأسرة الأولى المثالية من خِلقة آدم -عليه السلام- إلى قيام الساعة، هيَّ أسرة عليٍّ وفاطمة.. هكذا كانَ حالها -عليها السلام- فقد جمعت بين عمل النهار المتعب، وبين العبادة.. تلكَ هي سيدة نساء العالمين، العابدة الأولى في تأريخ البشرية في صنف النساء!..
إن المؤمن ينبغي أن يكون ذاكراً في جو الغافلين!.. فإن دُعي إلى مجلس، تغلب عليهِ الغفلة: كالأعراسِ، وغيرهِ، يلقن نفسه يقول: يا رب، اشهد علي بأني سوفَ لن أكونَ من الغافلين كباقي الغافلين.. وكذلك إن كان في الوظيفة، وليس لديه عمل؛ يغتنم الفرصة، ويثقف نفسه.. إذ بإمكانه أن يقرأَ دورات فقهية، أو عقائدية، أو تفسيرية.. ويمكن أن يقوم ببعض المستحبات أيضاً، وبذلك يجمع بين العمل والعبادة!..
ثانياً: العفة.. عندما احتاجَ عليٌ -عليه السلام- للناصرِ والمعين، فاطمة -عليها السلام- ربة البيت، خرجت لتدافع عن إمام زمانها -عليه السلام- ولكن بشرطها وشروطها!.. مع الأسف بعض النساء يردن أن يتشبهن بفاطمة -عليها السلام- فيتحررنَ من القيود الدينية.. يقولون: فاطمة كانت ذات عمل سياسي، ونحنُ أيضاً نتشبه بها.. ولكن كيف دخلت الزهراء الميدان؟.. تقول الرواية: (لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمةٍ من حفدتها، ونساء قومها.. تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص)… فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنَت أنَةً أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس.. ثم أمهلت هنيئة، حتى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم.. افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله.. فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها).. لم تكن تمشي بشكلٍّ يتصفحها كُل رجل، بل كانت تمشي في وسط نسائي، من باب الاستتار والهيبة.. وكان كلامها مؤثراً، ففاطمة -عليها السلام- بأنتها أبكت القوم، فارتجَ المجلس وكأنهُ وقعَ زلزال.. بسبب ذلكَ التأثير الرباني الذي جعلهُ الله -عز وجل- في وجهها، وفي صوتها؛ وما ذلك إلا لأنها أخلصت العمل للهِ عزَ وجل.
ثالثاً: الحب الإلهي.. البعض يتكلم وكأنَ أئمة أهل البيت -عليهم السلام- كانوا يدعون الناس إلى أنفسهم، في قبال رب العالمين!.. بينما التوحيد، والتهليل، والتكبير؛ مفاهيم الوحدانية، والإنقطاع إلى الله -عز وجل- كانت تطفحُ من كلماتهم الشريفة.. فهذهِ فاطمة تقفُ في المسجد للدفاع عن إمامة أمير المؤمنين -عليه السلام- ولكن ما هو أولِ كلامها؟.. تقول (ع): (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها).. تشهد لله -عز وجل- بالوحدانية، ثُمَّ تُقسم التوحيد، إلى التقسيم الثلاثي المعروف.. فالتوحيد، والإمامة، والنبوة، والمعاد؛ هذهِ المفاهيم تحتاجُ إلى ثلاثة حقول تفاعلية:
الحقل الأول: الفكرة.. أي يفكر الإنسان، ويعتقد بالله -عز وجل- إيماناً.
الحقل الثاني: العاطفة.. أي يتفاعل معهُ بقلبه، ويغلف المفهوم بغلاف الحب والود.
الحقل الثالث: العمل.. كما أن الأوكسجين عندما يجتمع مع الهيدروجين؛ ينبثق الماء.. كذلك فإن النتيجة التي تتولد من الفكرة والعاطفة، هي الحركة في الحياة؛ أي العمل.. فالعمل لا ينفك عن الاعتقاد الراسخ، والعاطفة العميقة، عندئذ ينطلق الإنسان في العمل.. دائماً نسمع هذا التقسيم الثلاثي: الأفكار، والعواطف، والجوارح.. الزهراء -عليها السلام- في خطبتها تقول: التوحيد هي كلمة، ولكن لها واقع في الحياة (كلمة جعل الإخلاص تأويلها)؛ أي الإخلاص في العمل، هو تأويل التوحيد.. إن أردتَ أن تطبق التوحيد في الحياة، فكُن مخلصاً في حركتكَ في الحياة.. (وضمن القلوب موصولها)؛ أي هناك ارتباط بين القلبِ وبينَ عالم التوحيد.. وأخيراً (وأنار في التفكر معقولها).. فإذن، إنارةٌ في الفكر، ووصلٌ في القلب، وإخلاصٌ في العمل.. هذهِ المراحل الثلاث التي تُنادي بها فاطمة -عليها السلام-.
ليس هنالكَ موجود على وجه الأرض، أحب علياً كفاطمة.. عليٌ -عليه السلام- إمام زمانها، وزوجها، ووالد أولادها.. نحنُ علاقتنا بعليٍّ -عليه السلام- علاقة الإقتداء، والإمامة.. أما فاطمة -عليها السلام- فهنالكَ أكثر من علاقة، تربطها بعليٍّ -عليه السلام-.. ولكن هل هذا شغلها عن الحب الإلهي؟.. أبداً!.. الحب الإلهي كانَ متغلغلاً في قلب فاطمة، ويتجلى هذا الحب عندما تدخل الجنة، وتقول: (يا رب، أنتَ المنى، وفوق المنى)!.. جمعت بينَ حب اللهِ -عزَ وجل- وحب علي؛ ولكن في طابقين.. فالمؤمن يجعل للحب طوابق: الطابق الأول: حب الأهلِ والأولاد، هذا لا يتعدى للطابق الثاني.. والطابق الثاني: حب أولياء الله -عزَ وجل- من النبي، وآلهِ، والمؤمنين.. والطابق الثالث: هو الحب الإلهي؛ هذا طابق مستقل.. ولكل طابق غرفهُ، وأدوارهُ، وأثاثهُ.. فهل الإنسان يحب اللهَ -عزَ وجل- كما يحب النبي؟.. نحب النبي لأنهُ عبدٌ للهِ -عزَ وجل-، ونحب الزوجة لأنها مؤمنة.. ولهذا يقول دعبل في قصيدته:
أحب قصي الدار من أجل حبهم *** وأهجر فيكم أُسرتي وبناتي
فإذن، إن حب الزوجةِ والأولاد؛ مرتبطٌ بالثاني: بحب النبي وآله.. وحب النبي وآله، مرتبطٌ بالحب الإلهي.
رابعاً: الصبر.. لماذا هذا الخلود لذكر فاطمة -عليها السلام-؟.. هذا الخلود؛ لأنها صبرت، وتحملت الكثير بعد وفاة أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-.. فكانت عندما تقفُ على قبر أبيها -عليها السلام- تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد *** أن لا يـشم مدى الزمان غـواليا
صبت عليّ مصائب لـو أنها *** صـبت على الأيام عــدن لياليا
فاطمة -عليها السلام- نسبتها إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا كنسبة الثمرةِ للشجرة، لأن الثمرة عندما تقطف من الشجرة؛ تبقى إلى فترة.. أما الزهراء بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كالغصنِ للساق؛ عندما مات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ ماتت فاطمة مع رسول الله.. ولهذا كانت تبكي في ليلها ونهارها، وروي: (إنها مازالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة).
الخلاصة:١- إن السيدة الزهراء -عليها السلام- جمعت بينَ صفتين: المخفيةِ قبراً، والمجهولة قدراً.
٢- أنه ينبغي للمؤمن أن يستفيد من مناسبات قادته المعصومين (ع)، فيتأسى بهم في حركة الحياة.
٣- إن أول نقاط التأسي بالزهراء -عليها السلام- كإنسانةٍ كاملة، هي العفة والجمعُ بينَ التكاليف، فعندما تعمل لا تنسى العبادة، وعندما تتعبد، لا تنسى العمل، وعندما خرجت لتدافع عن إمام زمانها خرجت تطأ ذيولها سترا وعفة، فكان لكلامها ذلك التأثير الرباني.
٤- أن العمل لا ينفك عن الاعتقاد الراسخ، والعاطفة العميقة، وعليه فإن الإخلاص في العمل، هو تأويل التوحيد.
٥- أنه ليس هنالكَ موجود على وجه الأرض، أحب علياً كفاطمة-عليها السلام- فهو إمام زمانها، وزوجها، ووالد أولادها، ولكن ذلك لم يشغلها عن الحب الإلهي الذي كان متغلغلا في وجودها عليها السلام.
٦- أن من نقاط التأسي بفاطمة -عليها السلام- صبرها الذي كان به خلود ذكرها، فكم صبرت وتحملت الكثير بعد وفاة أبيها -صلى الله عليه وآله وسلم-.
٧- أن الزهراء بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كالغصنِ للساق؛ فعندما مات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ ماتت فاطمة –عليها السلام – معه.
المصدر: شبكة السراج[اشترك]
فإذن، إن الاستغفار على قسمين:الاستغفار بعد كل ذنب، وهو هنا واجب. والاستغفار من غير ذنب، وهو مستحب. ولكن هل الاستغفار لابد فيه من التلفظ مثل صيغة الإسلام، وعقد الزواج؟ حيث أن الإنسان الذي يسلم بقلبه ولا يتلفظ الشهادتين، هذا ليس بمسلم. والإنسان الذي يتزوج فتاة بقلبه، ولا يتلفظ النية: “تزوجت وقبلت” أيضا لا ينعقد النكاح. فإذا أذنب الإنسان وندم في قلبه، وعزم على عدم العود، ولم يقل: (أستغفر الله ربي وأتوب إليه)؛ والاستغفار هو الندامة كما ورد في مناجاة الإمام زين العابدين (ع): (إلهي! إن كان الندم على الذنب توبة؛ فإني وعزتك من النادمين) هل هذا توبته مقبولة أم لا؟
إن صاحب كتاب العروة الوثقى، يقول: صيغة الاستغفار مستحبة، وإلا فإن المقدار الذي تتحقق به التوبة هي الندامة القلبية.. وعليه، فإن التلفظ بالصيغة مستحب، وفي الذنب لابد من الاستغفار، واحتياطا نتلفظ؛ وإلا فإن الندامة القلبية تكفي.
إن الله -عز وجل- يصف نبيه المصطفى (ص) في كتابه الكريم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 1؛ هذا النبي العظيم لا يمكن صدور الذنب منه، ليس تكويناًً بل اختياراً، ومع ذلك ينقل الصادق (ع) عن جده المصطفى أنه كان يستغفر الله -عز وجل- في اليوم سبعين مرة. عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وآله- يتوب إلى الله -عز وجل- في كل يوم سبعين مرة) قلت: أكان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال: (لا، ولكن كان يقول: أتوب إلى الله) قلت: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- كان يتوب ولا يعود، ونحن نتوب ونعود، قال: (الله المستعان)!
لماذا لا يقول: أستغفر الله؟ لأن الاستغفار يصدر من إنسان يعصي، فيطلب من الله -عز وجل- المغفرة. والنبي (ص) ليس له ذنب يستغفر منه، وإنما يقول: أعود إلى الله والتوبة والعودة إلى الله -عز وجل- تكون من غير ذنب.
ما فائدة الاستغفار من غير ذنب؟
إن رب العالمين يحب أن يرفع من درجة العبد بطريقين:
الطريق الأول: السبب الداخلي. أي يكون هو السبب في رفع الدرجات، وذلك بالاستغفار.. فالذي يستغفر ربه من غير ذنب، رب العالمين يرفع من درجاته؛ لأنه لم يذنب ويستغفر. أما إذا أذنب واستغفر؛ فإنه يحط عنه السيئات. فالاستغفار من غير ذنب، يكون رفع درجات، لا كفارة سيئات.
الطريق الثاني: السبب الخارجي. إذا لم يستغفر الإنسان، يصب عليه البلايا والمصائب؛ ليرفع من درجاته. فأيهما أفضل: رفع الدرجة بالاستغفار، أم رفعها بالمحن؟ المؤمن دائماً يسأل الله -عز وجل- العافية، فيقول: (يا ولي العافية!.. نسألك العافية) والدليل على ذلك هذه الرواية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- قال: (إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- كان يتوب إلى الله ويستغفره، في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب. إن الله يخص أولياءه بالمصائب؛ ليؤجرهم عليها من غير ذنب).
فإذن، إن المصائب والاستغفار كلاهما طريقان للأجر، والقرب إلى الله عز وجل وهناك محطتان للاستغفار: محطة نهارية، ومحطة ليلية. المحطة النهارية: بعد صلاة العصر، حيث منتصف النشاط النهاري، يستحب الاستغفار بعد صلاة العصر سبعين مرة. والمحطة الليلية: تكون في صلاة الليل، وكذلك يستحب الاستغفار سبعين مرة ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ 2 فالمؤمن الذي يستغفر بعد صلاة العصر مرة، وبعد صلاة الليل مرة؛ هذا يعد من المستغفرين كثيرا 3.
الهوامش: 1. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآية: 4، الصفحة: 564.2. القران الكريم: سورة الذاريات (51)، الآية: 18، الصفحة: 521.
[اشترك]
الجواب من سماحة المرجع الراحل السيد محمد صادق الروحاني (قدس):
بإسمه جلت أسماؤه
1- الشرط الاساسي هو التقوى و الاجتناب عن المحرّمات كما في النبوي.
2- لها كيفيات منها ما في الصادقي اذا أردت حاجة فصلِّ ركعتين و صلِّ على محمد و آله و في صادقي آخر من توضأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّي ركعتين فأتمّ ركوعها و سجودها ثم جلس فأثنى على الله تعالى و صلى على رسول الله ثم سئل الله حاجته فقد طلب الخير في مظانّه و من طلب الخير في مظانّه لم يخب.
3- ليلة الجمعة و يومها سيّما بين الطلوعين منها و بعد الصلاة.
4- الأدعية عن المعصومين عليهم لقضاء الحاجات كثيرة جداً راجع الصحيفة العلوية الجامعة و الصحيفة الفاطميه و غيرهما من الصحائف.
5- في الخبر الوثيق عن الإمام الكاظم دعاء عظيم الشأن سريع الإجابة و هو اللهم اني اطعتك في احب الاشياء اليك و هو التوحيد الي آخر الدعاء، ذكره الكفعمي في البلد الأمين ص 387 وفي الصادقي أنّ رجلاً أتي امير المؤمنين فشكا الإبطاء عليه في الجواب في دعائه فقال اين انت عن الدعاء السريع الاجابة فقال له الرجل ما هو قال: قل اللهم اني اسألك باسمك العظيم الأعظم إلى آخر الدعاء المذكور في الكافي للكليني.
[اشترك]
وسوفَ نقتصرُ في مقامِ الجوابِ عن هذا التساؤلِ على ما يتَّصلُ بالنِعَمِ الشخصيَّة في مقابلِ النِعَمِ العامَّة التي أشار إليها القرآنُ الكريمُ في مثلِ قولِه تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾(2) وقولِه تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾(3) فهذه الآيةُ والتي سبقتَها تُشيرانِ إلى ما تَبتلي به المجتمعاتُ من نكساتٍ اقتصاديَّةٍ تنشأُ عن انصرافِ الإنسانِ عن قِيَمِ السماءِ والتشريعِ الإلهيِّ الذي جاءتْ به الأنبياءُ، والذي يتقوَّمُ بالعدلِ والإحسانِ، ويُصانُ بتقوى اللهِ تعالى، فلو أنَّهم أقاموا كتبَ السماءِ والتزموا نهجَها وأَعمَلوا السياسةَ الإلهيَّةَ في تدبيرِ معاشِهم واقتصادِهم لكانتْ نعمُهم وافرةً، ولما جاعَ فقيرٌ على هذه الأرضِ، ولَوَسِعهم التحفُّظَ من زوالِ النِعَمِ أو شحَّتِها، ولكنَّهم أعرضوا واعتمَدوا وسائلَ ونُظُماً مُجحِفةً وظالمةً تقومُ على الجشعِ والاستكثارِ خشيةَ النفادِ وانسياقاً مع طبيعةِ النَهَمِ التي لا تعرفُ معنى الرِواءِ والشبَعِ، ومن ذلك رشَحَ الاكتنازُ للثرواتِ والاحتكارُ والربا والاستحواذُ بغيرِ وجهِ حقٍ، والابتزازُ والاستعمارُ والاستضعافُ، وعلى ذلك قامتْ أكثرُ الحروبِ الطاحنةِ منذُ صدرِ التاريخِ إلى يومِ الناسِ هذا، فمُختلفُ السياساتِ الاقتصاديَّةِ التي اعتمدَها الإنسانُ على امتدادِ التأريخِ بعيداً عن قِيمِ السماءِ لم تُنتجْ استغناءَ الإنسانِ عن الظلمِ والحروبِ، ولم تدفعْ عنه الانتكاساتِ المتعاقبةَ، ولم ترفعْ شبحَ الجوعِ عن فقراءِ القارَّاتِ كلِّ القارَّاتِ، ولم تُلغِ الطبقيةَ الفاحشةَ بل هي في تفاحشٍ مطَّردٍ حتى بلغَ الحالُ أنْ يستحوذَ أقلُّ من ثلثِ العالمِ على أكثر من ثلثي ثرواتِ العالم، ويتقاسمُ أو يتصارعُ أكثرُ من ثلثي العالمِ على أقلَّ من ثلثِ ثرواتِ العالمِ، كلُّ ذلك يُعبِّرُ عن الفشلِ الذريعِ لكلِّ السياساتِ المتعاقبةِ التي اعتمدَها الإنسانُ بعيداً عن قيمِ السماءِ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾(4).
فالحديثُ لن يكونَ حول النعمِ العامَّة بل سيتمحَّضُ حولَ النِعَمِ الشخصيَّةِ وكيف نُحسنُ جوارَها حرصاً على بقائِها وعدمِ زوالِها، وقد تصدَّت الرواياتُ الواردةُ عن أهلِ البيتِ (ع) لبيانِ ما يقتضي دوامَ الِنعَمِ وحفظَها من الزوالِ، ويُمكنُ اجمالُ ما أفادتْه الرواياتُ في مقامِ بيانِ ما يُحقِّقُ حُسنَ الجِوارِ للنِعمِ في أمورٍ خمسة:
الأمر الأول: دوامُ الشكرِ للنِعَم: وهو من أقوى مقتضياتِ بقاءِ النِعمِ وحمايتِها من الزوالِ، ويُؤيدُ ذلك ما وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (ع) أنَّه قال: "أحسنُ الناسِ حالاً في النِعَمِ من استدامَ حاضرَها بالشكر"(5) فهي تدومُ بالشكرِ، وهو أثرٌ غيبي يمنحُه اللهُ عزَّ وجلَّ للشاكرينَ وإنْ لم نُدركْ وجهَ الصلةِ بين الشكرِ ودوامِ النعمةِ، وهذا ما صحَّحَ توصيفَ هذا الأثرِ بالغيبي، فهو محضُ منحةٍ إلهيَّةٍ يُكافأُ بها الشاكرونَ لنِعَمِ اللهِ تعالى، لكنَّ الشكرَ وحدَه غيرُ كافٍ للحظوةِ بهذه المِنحةِ الإلهيَّةِ، فالموعودُ بهذه المِنحَةِ الإلهيَّةِ هو مَن يكونُ دائمَ الشكرِ للهِ تعالى كما أفاد أمير المؤمنين بقوله: "من استدام حاضرَها بالشكر"، ومِن ذلك نفهمُ معنى قولِه تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾(6) فالزيادةُ وعدٌ إلهيٌّ مرتَّبٌ على الشكرِ، والمراد من قوله: "شكرتم" هو دوامُ الشكرِ لأنَّ النعمةَ ببقائِها للآنِ الثاني نعمةٌ مُستجِدَّةٌ، فإذا لم تشكرْ في الآنِ الثاني فإنَّك تكونُ قد شكرتَ على نعمةٍ قد مضتْ ولم تشكرْ على نعمةٍ قد استجدَّتْ حتى تستحقَّ دوامَها للآنِ الثالث، فالوعدُ بالزيادةِ والتي منها دوامُ النعمةِ إنَّما هو في فرضِ دوامِ الشكرِ، ولهذا وردَ عن الإمامِ الباقرِ (ع) انَّه قال: "ومَن أُعطيَ الشكرُ لم يُحرمِ الزيادة، ثم تلا أبو جعفرٍ(ع): ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾"(7) فهو (ع) قد طبَّق الآيةَ الشريفةَ على من أُعطيَ صِفةَ الشكرِ فالذي يستحقُ الزيادةَ هو المتَّصفُ بالشكرِ الذي يصحُّ نعتُه بالشكورِ، ولا يصحُّ وصفُ أحدٍ بالشكورِ ما لم يكنْ دائمَ الشكرِ.
ثم إنَّ دوامَ الشكرِ يَتحقَّقُ بكثرةِ اللهجِ بشكرِ اللهِ تعالى على نحوٍ يكونُ منبعُه استحضارَ الشعورِ بالامتنانِ للهِ تعالى في القلب، أما اللهجُ بشكرِ اللهِ دونَ استشعارِ الامتنانِ لله تعالى لا يُصحِّحُ وصفَ فاعلِه بالشكورِ، لأنَّ الشكرَ من الذكرِ المقابِلِ للغفلةِ، والذكرُ والغفلةُ من شئونِ النفسِ، واللهجُ بالذكرِ في اللسانِ ما هو إلا مَظهرٌ لذكرِ القلبِ، فإذا كانَ القلبُ غافلاً فالذكرُ باللسانِ لا يُعدُّ ذكراً واقعاً، ولذلك قال اللهُ تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾(8) فقد يُعدُّ المرءُ من الغافلينَ وإنْ كان لسانُه يَلهجُ بذكرِ اللهِ تعالى.
إذنْ فالشاكرُ بلسانِه دون استشعارِ الامتنانِ ليس ذاكراً بل هو غافلٌ، ولذلك قد لا يكونُ مستحقَّاً لأنْ يمنحَه اللهُ دوامَ النعمةِ وزيادتَها، وأسوأُ من الشاكرِ الغافلِ عن استشعارِ الامتنانِ للهِ تعالى هو مَن يشكرُ بلسانِه وهو يستشعرُ أنَّ ما بيدِه من النِعمِ إنَّما حصَّلها بجهدِهِ وعَرقِ جبينِه وحُسنِ تدبيرِه ورجاحةِ عقلِه، فلولا ذلك لما كان ميسوراً. فمثلُ هذا لا يُعدُّ من الشاكرينَ بل قد يعدُّ من الجاحدينَ، ومثلُه يُخافُ عليه من زوالِ النعمةِ عنه، ولو اتَّفق دوامُها في يدِه فإنَّه قد يكونُ استدراجاً من الله تعالى، عاقبتُه الهلاكُ في الدنيا أو الآخرةِ.
ثم إنَّ مِن شكرِ النعمةِ هو أداءُ حقِّها، ومن حقِّها أنْ لا يُعصي اللهَ تعالى بها، لأنَّ العاصيَ بنعمِ الله تعالى إمَّا أنْ يكونَ غافلاً، والغافلُ لا يكونُ شاكراً، وإمَّا أنْ يكونَ ملتفتاً إلى انَّه يعصي اللهَ بنعمِه، ولا يجتمعُ ذلك مع الشعورِ بالامتنانِ، لأنَّ الشكرَ هو الشعورُ بالامتنانِ، إذ كيف يشعرُ بالامتنانِ للهِ حيثُ أنعمَ عليه وهو يُجابِهُ اللهَ تعالى باستعمالِ نعمِه في معاصيه، فمثلُه يكونُ جاحداً لنعمِ اللهِ تعالى وإنْ كان لسانُه يلهجُ بشكرِ اللهِ تعالى، فهو أشبهُ بمَن يضربُ أباه وهو يُثني على جميلِ صنيعِه معَه، فهل يعدُّ هذا ممَّن استجابَ لقولِه تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾(9) فحقيقةُ الشكرِ هو الشعورُ بالامتنانِ الباعثِ على الطاعةِ والاستقامةِ إذ انَّ اللهَ تعالى لا يُريدُ منَّا أنْ نقولَ له شكراً فهو سبحانه لا ينتفعُ ولا يبتهجُ بشكرِ الشاكرينَ، فهو إنَّما يأمرُ بالشكرِ والذكرِ ليكونَ ذلك باعثاً للإنسانِ على الاستقامةِ في طريقِ الخيرِ والصلاح.
ثم إنَّ من آثارِ دوامِ الشكر هو استكمالَ النعمِ الناقصةِ، ومن آثار قلَّةِ الشكر هو نفورُ النعمِ بعد أنَ كان الإنسانُ في طريقِه للحصولِ عليها كاملةً وافرةً كما أفاد ذلك أميرُ المؤمنينَ (ع) فيما رُوي عنه: "إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ"(10) وهذا يتَّفقُ كثيراً للإنسانِ يجدُ انَّ بوادرَ الحصولِ على النعمِ قد ظهرتْ له وانَّ صيرورتَها في يدِه كاملةً قريبٌ جداً فيغفلُ عن شكرِ اللهِ تعالى ويثقُ أنَّ النعمة صائرةٌ إليه لا محالة فيكونُ اغفالُه لشكرِ الله أو قلَّةُ شكرِه لربِّه سبباً لنفورِ هذه النعمةِ رغم انَّها كانت قريبةً منه ويُوشِكُ أن تكونَ في قبضتِه كاملةً، فالإمامُ (ع) يُشبِّه النعمةَ بالطيرِ الذي يكادُ أنْ يقعَ في شِباكِ الإنسانِ فيصيرُ في حوزتِه ولكنه يُخطأ في التربُّص به فيُزعجُه بحركةٍ تُفضي إلى نفورِ الطيرِ وعدم دخولِه في شباكِه، فالإنسانُ الذي يجدُ بوادرَ النعمةِ قد أقبلتْ فلا يكثرُ من الشكرِ هو بمثابةِ من نصبَ شباكاً لطيرٍ فلما كاد أنْ يقعَ فيه أزعجَه فنفَر، "إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ"(11) فحين يبتغي الإنسانُ فرصةً لدراسةٍ أو عملٍ كان يرغبُ فيه، فإذا بدت بوادرُ الحصولِ على هذه الرغبةِ فإنَّ عليه أن يُكثرَ من الشكر وأن لا يثقَ بأنَّ الأمر قد تمَّ فإنَّ الوثوقَ واغفالَ الشكر قد يُضيِّعُ عليه هذه الفرصةَ بعد أنْ كانت قريبةً من يدِه.
الأمر الثاني: الذي يقتضي دوامَ النعمةِ ويقتضي عدمُها زوالَ النعمة هو العدلُ والإحسانُ: كما وردَ عن الإمامِ الرضا (ع) انَّه قال: "استعمالُ العدلِ والاحسانِ مؤذِنٌ بدوامِ النعمةِ"(12).
ومعنى ذلك أنَّ من يُدير نعمَ اللهِ التي منحَه إيَّاها على أساسِ من العدلِ والإحسانِ فإنَّ اللهَ تعالى يُكافئُه بدوامِ تلك النِعَمِ عليه، أما إذا استطالَ بها على الضُعفاء كما لو كان له أُجَراءُ في معملِه أو مؤسستِه فلم يفِ لهم بحقوقِهم أو بخَسَهم أُجورَهم أو كان يقسو عليهم فيُدخلُ الأذى على قلوبِهم بإهانتِه لهم وتَحقيرِهم أو يُكلِّفُهم فوق ما يُطيقونَ أو فوق ما يستحقُّه عليهم، فمثله يكونُ ظالماً غاشماً ومَن كان كذلك فقدْ عرَّضَ نعمتَه للزوالِ، وكذلك فإنَّ من الظلمِ أن يستدينَ فيُماطلُ في أداءِ الدينِ رغمَ قدرتِه أو يُستأجرُ على عملٍ فلا يَحرصُ على اتقانِ عملِه أو لا يُنجزُه في وقتِه، فإنَّ ذلك من الظلمِ المفضي لزوالِ النعمةِ أو زوالِ بركتِها. وكذلك فإن من الظلم البخسُ في العقودِ وعدمُ الوفاءِ بالشروط والغشُ والكتمُ للعيبِ أو الغبنِ في المعاملةِ.
وكذلك فإنَّ من الظلمِ التضييعَ لحقِّ من استرعاكَ اللهُ أمرَهم كالزوجةِ والأبناءِ والأبوين، فإنَّ من أنعمَ اللهُ عليه فشحَّ بها على أبويه أو ضيًعَ حقَّ أبنائِه فلم يُحسن تربيتَهم ولم يرعَ أقواتَهم وتعليمَهم وعلاجَهم أو كانَ له اخوةٌ صغارٌ أو أقاربُ ضعفاءُ فأهملَ النظرَ في شئونهم والرعاية لأحوالهم فإنَّه يكونُ بذلك قد عرَّضَ نعمتَه إلى الزوال، فالنعمةُ لا تدومُ مع الظلمِ خصوصاً حينَ يكونُ الظالمُ مؤمناً، فإنَّ اللهَ قد يُعجِّلُ بعقوبتِه تأديباً له، فهو تعالى قد لا يستدرجُه كما يستدرجُ الكافرينَ والفاسقينَ بل يُعجِّلُ بعقوبتِه لتأديبِه وكفايتِه من عذابِ الآخرةِ، ولذلك ينبغي أنْ يكونَ المؤمنُ على حذرٍ.
ثم إنَّ العدلَ وحدَه غيرُ كافٍ لحمايةِ النعمةِ من أنْ تكونَ في مَعرَضِ الزوالِ بل أضافَ الإمام الرضا (ع) -بحسب الرواية- إلى العدلِ الإحسانَ كالإحسانِ إلى الأجيرِ والأقاربِ والجيرانِ والأصدقاءِ، فإنَّ مَن حباهُ اللهُ تعالى بنعمةٍ ينبغي أنْ يستشعرَ المحيطونَ حوله بحلاوةِ نعمتِه عليهم فيكونَ وجودُه في وسطِهم بركةً عليهم، فيدعونَ له بأنْ يُديمَ اللهُ تعالى عليه النعمةَ.
الأمر الثالث: المقتضي لدوامِ النعمةِ هو الرُشدُ في تدبيرِها المعبَّرِ عنه بالاقتصادِ في المعيشةِ والإنفاقِ المقابلِ للتبذيرِ والإسرافِ، وقد أفادَ ذلك الإمامُ الكاظمُ (ع) فيما رُوي عنه قال: "مَن اقتصدَ وقَنِعَ بقيتْ عليه النعمةُ، ومن بذَّر وأَسرفَ زالتْ عنه النعمةُ"(13).
الهوامش: 1- تحف العقول عن آل الرسول (ص) -ابن شعبة الحراني- ص 448. 2- سورة المائدة / 66. 3- سورة الأعراف / 96. 4- سورة المائدة / 66. 5- عيون الحكم والمواعظ -علي بن محمد الليثي الواسطي- ص 123. 6- سورة إبراهيم / 7. 7- سورة إبراهيم / 7. 8- سورة الأعراف / 205. 9- سورة لقمان / 14. 10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 328. 11- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 328. 12-عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 2 ص 26. 13- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 75 ص 327.[اشترك]
إن أغلب القنوات غير الهادفة، تميل إلى عرض المرأة بشكل سلعة إعلامية، حتى أنه في بعض الأوقات المشاهد يذهل عن سماع الخبر لمشاهدة من تذيع الخبر!.. ولذا لابد للمؤمن أن يعيش حالة من حالات السمو، إن آية: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} لم تدع إلى الغمض، بل دعت إلى الغض.. فالإنسان يطرق بعينه، ولا يمدها إلى ما يمكن أن تكون مادة للشهوات، وكذلك فإن الآية لم تقيد النظر بريبة أو بغيره.. وعليه فمن باب أولى أن يترك النظرة المحرمة المتفحصة، والتي تؤدي إلى حدوث تفاعلات مريبة في نفسه.. فإذا كان الإنسان مطلوب أن يغض بصره بالشكل الاعتيادي، فكيف إذا كان المنظر يثير فيه دواعي الهوى؟!
[اشترك]
وعكس القرآن الكریم هنالك ما یجعل الأمر في جهة مخالفة وهو استماع الغناء فهناك بيت يستمع فيه إلى الغناء.
مشكلة الغناء هذه الأيام مشكلة عویصة، في الأزمنة الغابرة أيام الدولة العباسیة والأمویة مجلس الغناء کان تقریبا مختص بالملوك والسلاطین، وكان یحتاج إلی مغنٍ أو مغنیة وإلی أدوات الغناء، ولكن في هذه الأيام الإنسان بكبسة زر یسمع أرقى أنواع الغناء المطرب وهذه واحدة من مصائبنا في هذا العصر.
سنأخذكم إلى جولة في النصوص الشریفة وخیر الحدیث ما کان مستنداً إلی الكتاب والسنة:
ما هي خاصية البيت الذي فيه الغناء؟ طبعا هذا البیت عكس البیت الذي یُتلی فیه القرآن، هذا البیت بیت الغناء لا تُؤمن فیه الفجیعة؛ بعض المصائب الكبری اتفاقا یتفق بعض بیوت المؤمنین تُرتكب فیها مخالفه، مجلس عرس الإنسان مثلاً ینسی فیه کل القواعد الشرعیة في لیلة من اللیالي کما یقال البعض یبیع دینه علی أي شيء.. تری هذا البیت الذي اُقیم فیه الغناء هذا البیت یحترق لا یخرج منه إلا الخلاف والفتنه.
رب العالمین لا یبارك في هذا المنزل، لا تؤمن فیه الفجیعة، ولا تُجاب فیه الدعوة أي دعوة تُستجاب في بیت اُنتهك فیه محارم الله فالحرام حرام إن کان قتل نفس أو استماع إلی غناء، نعم من استمع الغناء لم یسرق ولم یقتل ولكن انتهك حدود الله عزوجل.
كذلك هذا البيت لا یدخله ملك الملائكة مجودات رقیقة موجودات نوریة وحاشا الملائكة أن تدخل مثل هذه البیوت التي فیها الغناء، وهذا نص أعتقد هذا یكفي لردع إنسان عن ذلك، طبعا بعض الناس بعض المؤمنین من رواد المساجد ملتزمون بحمدالله ولكن یطلقون العنان لأولادهم بدعوة أنه لا سلطان لي علیهم! لكنه واقعاً هو الذي جلب الجهاز الذي يستمع فيه إلى الغناء، هو الذي اشترى الأدوات هو الذي مكن ولده کما یقال من هذه الخطوط التي هي في طریق الشیطان وبعد ذلك تقول لا سلطان لي علیهم هذه مشكلة کبیرة، فالإنسان محاسب علی ما یشتریه لعائلته، اذاً هذه أيضا نقطة في هذا المجال.
هناك رواية جمیلة تذکروها عندما ترون إنسان یسوق دابته وهو یستمع للغناء المزعج واقعا هؤلاء البعض کما یقال غیر حضاریین ناس متخلفین أنت الآن مغرم بالغناء ما لك والآخرین؟ عملیة مرفوضة حتی کما یقال قانونیاً، المهم هذا الإنسان ینطبق علیه هذا الحدیث اما یستحي أحدکم أن يغني علی دابته وهي تسبح؟ الآن الدابة تارة حیوان یمشي وتارة حدید یمشي وإن من شيء الا یسبح بحمده هذا الحدید یسبح وهذا الراکب لهذا الحدید یغني أو یسمع الغناء یقول أما یستحي أحدکم أن یغني علی دابته وهي تسبح؟
الآن ما هو حكم المغني أو المغنیة طبعا هذه الأوتار الصوتية تغني وتغرد إلی فترة زمنیة بعد فترة هذا یأتي علیه الشیخوخة وکبر السن لا یبقَ الا الوزر هؤلاء المطربین والمطربات في أواخر حیاتهم یعیشون الأسی والتعاسة کما یقال المغنیة ملعونة ومن آواها، إیاك أن تجلب مغنیة علی حسابك فهي ملعونة ومن آواها وأکل کسبها، قد یكون الإنسان لیس بمغني ولكن ییسر طریق هؤلاء وأکل کسبها.
النبي صلی الله علیه وآله وسلم علی ما یُروی أيضا له موقف، فهذا الغناء لم یكن في زماننا فقط، بل هو منذ قدیم الازمان.
النبي صلی الله علیه وآله وسلم طبعا أحد الصحابة یقول سمع مزماراً فوضع إصبعیه علی اُذنیه ونأی عن الطریق ابتعد عن الطریق وقال لي هل تسمع شیئاً؟ یعني صوت المزمار انتهی؟ فقلت لا -أي انتهى صوت المزمار- فرفع إصبعیه عن أذنیه، وقال کنت مع النبي صلی الله علیه وآله فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا.
النبي وضع الیدین في الاُذنین لئلا یسمع ذلك، طبعا هناك طریقة أخری وهو صرف الذهن عن الغناء الآن سد الاُذن بلا شك لهو الطریق الأکمل لعل بعض الفقهاء یقول اذا لم یمكن سد الاُذنین هنا یأتي دور السماع فقد یجوز مطلقا حتی مع امكان سد الاُذنین لیس الكلام عن الفتاوی السماع لا الاستماع أن لا تصغي لقول هذا المطرب المغني کما یقال.
ما هو أثر الغناء في القلب؟
هناك روایة البعض لا یعلم تفسیرها جیدا نفسرها بأدن الله؛ الغناء یجعل الانسان یعیش عوالم خیالیة شاب یعشق فتاة فإذا یئس منها من الممكن أن ینتهي ولكن معروف أن أهل الغرام وأهل الفجور الغناء معهم، الغناء والزنی وهذه المحرمات کما في روایة الغناء رُقیة الزنی؛ الزنی مع الغناء تقريبا متلازمان الغناء یجعل الإنسان یعیش في عالم خیالي یسبح في عالم الوهم هو عاشق ومفلس لا یمكنه الوصول إلی من یرید ولكن الغناء یجعله یعیش أجواء شاعریة کما یقال وكأن الأمور کلها میسرة له في هذا المجال.
وبعبارة أخری یثیر فیه الأجواء الشهویة هذه من خواص الغناء.
من أين نعلم قد یستفاد من هذا الحدیث الشریف؟ إیاکم واستماع المعازف والغناء فإنهما ینبتان النفاق في القلب کما یُنبت الماء البقل (کیف الماء ینبت الخضروات) ینبت الغناء یعني هو مؤمن أمام الناس یصلي ویصوم ولكن یعیش في قلبه عوالم شهویة عوالم باطلة هذا هو النفاق یُظهر خلاف ما یبطنه، اجارنا الله وایاکم من سیئات انفسنا وشرور انفسنا.
[اشترك]
إياك أن تنام في الليل مليء البطن وهم جائعون ، أو تمضي في راحة وهم في شدّة وعناء من البرد والقلّة يئنون .
لا تمنع عنهم الملح والنار والماء وما شابه ذلك، وان طلبوا منك إعارتهم بعض أغراض بيتك أعرهم ، وراعهم في كل الأمور ؛ فان الإحسان للجار يزيد في العمر ويعمر الديار.
وقال الامام موسى الكاظم عليه السلام: (ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى)
مقتطف من كتاب خمسون درسا في الأخلاق ص٢٩[اشترك]
1- فإذا كان النسيان لما فيه ألم وبؤس ومصيبة فهو من الله تعالى لأن الله تعالى يريد التخفيف على عباده فينسيهم ما يرهقهم.
2- وأما إذا نسي العبد ربه أو نسي الفرائض أو نسي ما فيه الخير والمصلحة له أو لعياله أو للناس أو أنه نسي العلم أو نسي الموعد مع الآخرين أو نسي الذنب (لكيلا يتوب العبد منه) أو نسي الخير أو العمل الصالح فهو من الشيطان.
-قــــال تـــعالى: «قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً» سورة الكهف -آية63.
وقال تعالى : «وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» سورة الأنعام/68
وقال تعالى: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ» المجادلة/19
تنويه:إذا كان سبب النسيان هو الأول فليحمد الله عليه فهو نعمة من نعمه التي لاتحصى.
وإذا كان الثاني فليستغفر الله وليستعذ به من الشيطان الرجيم وليصحح مساره في تذكير نفسه بالخير وتثبيت العلم بالطرق الصحيحة.
[اشترك]
ج: لا شك في أنّ الانحراف عن ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليس أمراً جبرياً خارجاً عن الاختيار ، وإنما هو وليد مقدمات اختيارية ، وأهمّها ارتكاب الذنوب ومقارفة المعاصي ، وبالتالي فإنّ مَن ينتهي إلى النتيجة المذكورة فإنه ينتهي إليها باختياره ، وإذا عاقبه الله تعالى على ذلك فإنّ عقوبته له تكون عن استحقاق ، ولا تتنافى مع عدله إطلاقاً .
ومن هنا ينبغي على المؤمن أن يجتنب ما ينتهي به إلى ذلك ، ويحسن ظنّه بربّه سبحانه وتعالى ، ويشدّ ولاءه وصلته بأمير المؤمنين وأولاده المعصومين ( عليهم السلام ) ، ولن يُختم له إلا بالخير والسلامة إن شاء الله تعالى .
[اشترك]
وقد روى هذه الزيارة الشيخ محمد بن علي بن بابويه قدس سره، المعروف بالشيخ الصدوق، في كتابه1، ورواها أيضاً شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي قدس سره في كتابه2.
تصحيح العلماء سند الزيارة الجامعةصحح سند هذه الزيارة جمع من أكابر علماء الطائفة، منهم:
1. السيد عبد الله شبر قدس سرهقال في كتابه3: لا يخفي على أولي البصاير النقادة، وأرباب الأذهان الوقادة، وذوي العقول السليمة، وأصحاب الأفهام المستقيمة، أن الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأناً، وأعلاها مكانة ومكاناً، وأن فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها تنادي بصدورها من عين صافية نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام، وتدعو إلى إنها خرجت من السنة نواميس الدين ومعاقل الأنام، فإنها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلام، قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلة والبراهين المتعلقة بمعارف أصول الدين وأسرار الأئمة الطاهرين، ومظاهر صفات رب العالمين، وقد احتوت على رياض نضرة، وحدائق خضرة، مزينة بأزهار المعارف والحكمة، محفوفة بثمار أسرار أهل بيت العصمة، وقد تضمنت شطراً وافراً من حقوق أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، وأهل البيت الذين حث الله عليه متابعتهم، وذوي القربى الذين أمر الله بمودتهم، وأهل الذكر الذين أمر الله بمسألتهم، مع الإشارة إلى آيات فرقانية، وروايات نبوية، وأسرار إلهية، وعلوم غيبية، ومكاشفات حقية، وحكم ربانية.
إلى أن قال في ص 33: واعلم أن هذه الزيارة الشريفة لا تحتاج إلى ملاحظة سند، فإن فصاحة مشحونها وبلاغة مضمونها تغني عن ذلك، فهي كالصحيفة السجادية ونهج البلاغة ونحوهما.
2. الشيخ محمد تقي المجلسي (والد صاحب بحار الأنوار قدس سرهما)قال في كتابه4: والحاصل أنه لا شك لي أن هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي سلام الله عليه، بتقرير الصاحب ، وأنها أكمل الزيارات، وأحسنها.
3. الشيخ محمد باقر المجلسي قدس سرهفإنه قال بعد أن شرح الزيارة الجامعة: إنما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلاً وإن لم أستوف حقها حذراً من الإطالة؛ لأنها أصح الزيارات سنداً، وأعمها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنى، وأعلاها شأناً5.
4. الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي قدس سره (مؤلف وسائل الشيعة)قال: بل اقتصرت من ذلك على أحاديث: الأول: ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) وفي (عيون الأخبار)، والشيخ الجليل رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتاب (التهذيب) بأسانيدهما الصحيحة عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن موسى بن عبد الله النخعي، قال: قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام: علمني قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحدا منكم. فقال: إذا صرت إلى الباب فقف، واشهد الشهادتين... وذكر الزيارة الجامعة6.
5. الشيخ عباس القمي قدس سرهقال: أورد الشيخ أيضاً هذه الزيارة في التهذيب، ثم ذيلها بوداع تركناه اختصاراً، وهذه الزيارة كما صرح به العلامة المجلسي رحمه الله إنما هي أرقى الزيارات الجامعة متنا وسندا، وهي أفصحها وأبلغها، وقال والده في شرح الفقيه: إن هذه الزيارة أحسن الزيارات وأكملها، وإني لم أزر الأئمة عليهم السلام ما دمت في الأعتاب المقدسة إلا بها. قال7.
6. السيد محسن الأمين قدس سرهقال: رواها الشيخ الطوسي في التهذيب، وهي أحسن الزيارات الجامعة متناً وسنداً، وأكملها، ورواها الصدوق وغيره بإسناد معتبر عن موسى بن عبد الله النخعي، وذكر الإسناد وساق الزيارة8.
7. المرجع الديني السيد محمد صادق الروحاني دام ظلهقال: سند زيارة عاشوراء والجامعة معتبر لا إشكال فيه9.
شروح الزيارة الجامعة الكبيرةتعاهد علماء الشيعة هذه الزيارة بالشرح والإيضاح والبيان والتعليق، وهو كاشف عن عظم هذه الزيارة وأهميتها عندهم، ومن الكتب التي ألفت في شرحها، ما يلي:
الأعلام اللامعة في شرح الجامعة: للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي المتوفى حدود سنة 1160هـ10.
الإلهامات الرضوية في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة المشهورة (فارسي): للسيد محمد بن السيد محمود الحسيني اللواساني الطهراني الشهير بالسيد محمد العصار (ت 1355هـ)،11.
شرح الزيارة الجامعة الكبيرة: للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت 1241هـ)، وهو مطبوع في أربعة مجلدات.
الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: للسيد عبد الله شبر (ت 1242هـ).
البروق اللامعة (تعليقات على الزيارة الجامعة الكبيرة المعروفة وعلى بعض الأدعية المتداولة أيضاً): للشيخ علي بن محمد جعفر الاسترابادي الطهراني (ت 1315هـ)12.
شرح الزيارة الجامعة: للمولى محمد تقي المجلسي، والد العلامة المجلسي صاحب البحار (ت 1070هـ)13.
شرح الزيارة الجامعة (فارسي): للعلامة السيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني (ت 1344ه)، اسمه (الشموس الطالعة)13.
شرح الزيارة الجامعة: للعلامة الميرزا علي نقي بن السيد حسين المعروف بالحاج آغا ابن السيد المجاهد الطباطبائي الحائري (ت 1289هـ) 14.
شرح الزيارة الجامعة: للميرزا محمد علي بن المولى محمد نصير الچهاردهي الرشتي النجفي (ت 1334ه). فارسي كبير14.
شرح الزيارة الجامعة: للسيد بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسيني النائيني المختاري14.
شمس طالعة في شرح الزيارة الجامعة (فارسي): للسيد عبد الله بن أبي القاسم الموسوي البلادي15.
شمس طالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة: للميرزا محمد بن أبي القاسم ناصر حكمت طبيب زاده الأصفهاني المعاصر الأحمد آبادي. 16.
الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة: للسيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني الدرودآبادي (ت 1344هـ)، هو من نفائس الشروح حاو لتحقيقات عالية17.
الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة: للسيد ريحان الله ابن السيد جعفر الدارابي البروجردي (ت 1328هـ)17.
الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة: للشيخ محمد رضا بن القاسم الغراوي المعاصر18.
ربما يتوهَّم بعضهم أن بعض فقرات الزيارة الجامعة تتنافى مع كتاب الله العزيز، مثل قوله السلام في هذه الزيارة: (وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم)، فإنها تتنافى مع قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ 19.
إلا أن هذا الوهم خاطئ؛ إذ لا منافاة بين هذه الفقرة وبين الآيتين الكريمتين؛ لأن الإياب إلى أهل البيت عليهم السلام هو إياب إلى الله تعالى، لأنهم خلفاؤه، وحججه، والقائمون بأمره، ومحاسبتهم عليهم السلام للخلائق إنما هو بأمر الله تعالى، لأن الله سبحانه لا يتولى حساب الخلائق بنفسه، وإنما يوكل ذلك إلى بعض خلقه، من حججه وملائكته، فلما كان كل ذلك بأمره تعالى كان هو الفاعل الحقيقي.
ونظير ذلك ما دل من الآيات على أن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس، مثل قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 20، وقوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ... ﴾ 21.
ومثل ما دل من آيات الكتاب العزيز على أن الله تعالى هو الذي يحيي ويميت، مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ 22، وقوله: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ 23.
مع أن آيات أخر دلت على أن الذين يتوفون الأنفس هم الملائكة، أو ملك الموت.
منها: قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ 24، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ 25، وقوله عز من قائل: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ 26.
وهذه الآيات لا منافاة بينها؛ لأن الملائكة إنما يتوفون الأنفس بأمر الله تعالى، فالله هو الفاعل الحقيقي، وكذا الحال في حساب الخلائق يوم القيامة.
وكيف كان فإن مضامين الزيارة الجامعة صحيحة لا إشكال في صحتها كما مر في كلام الأعلام السابقين، وقد صرح جمع آخرون أيضا غير من تقدم ذكرهم من أعلام المذهب بأن مضامين الزيارة الجامعة صحيحة.
منهم: المرجع الديني ميرزا جواد التبريزي قدس سره، قال: وعليه، فالاعتقاد بأن للأئمة مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ما عدا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو الاعتقاد بالمضامين التي جاءت في الزيارة الجامعة الكبيرة بنوعها صحيح، يوافق عقيدة المؤمن27.
والنتيجة أنه لا إشكال في صحة مضامين الزيارة الجامعة الكبيرة، وعلى القارئ أن يقرأ ما كتب في شرحها، لينحل له ما ربما يتراءى له من الإشكالات الناشئة من عدم المعرفة الكافية لمقامات أئمة أهل البيت عليهم السلام28.
2. تهذيب الأحكام 6 /95.
3. الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: 29.
4. روضة المتقين 7/465.
5. بحار الأنوار 102 /144.
6. الإيقاظ من الهجعة: 243.
7. مفاتيح الجنان: 623.
8. مفتاح الجنات 2 /211.
9. أجوبة المسائل 1 /317.
10. الذريعة 2 /239.
11. الذريعة 2 /302.
12. الذريعة 3 /89.
13. a. b. الذريعة 13 /305.
14. a. b. c. الذريعة 13 /306.
15. الذريعة 14 /223.
16. الذريعة 14 /224.
17. a. b. الذريعة 14 /234.
18. الذريعة 14 /60.
19. القران الكريم: سورة الغاشية (88)، الآية: 25 و 26، الصفحة: 592.
20. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 42، الصفحة: 463.
21. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 70، الصفحة: 274.
22. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 116، الصفحة: 205.
23. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 56، الصفحة: 215.
24. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 61، الصفحة: 135.
25. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 50، الصفحة: 183.
26. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 11، الصفحة: 415.
27. صراط النجاة 3/418.
[اشترك]
القيم الإنسانية النبيلة، كالعدل والأمانة والصدق والإحسان وأمثالها، تعشقها كلّ النفوس، وتهواها كلّ القلوب؛ لأنها من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتتوافق مع ضمير الإنسان ووجدانه، ويؤيّدها عقله السليم.
فلا أحد من الناس الأسوياء، يجد في أعماق نفسه نفورًا من هذه القيم، ولا يتردد عقله في الإقرار بحسنها وقبح مخالفتها، كما يتمنّى كلّ إنسان أن يعامله الآخرون وفق هذه القيم، وأن يصفوه بها.
وكثيرًا ما يبدي الإنسان تقديره وإعجابه بمن يتحلّى بتلك الصفات الحسنة، وإن كان مخالفًا أو معاديًا له.
فهذا رسول الله يشيد بحاتم الطائي الذي مات قبل الإسلام، فقد روي أنه لَمَّا أُتِيَ بِسَبَايَا طَيِّئٍ وَقَفَتْ سَفانة بنت حاتم الطائي، وتكلّمت في وصف أبيها، فقال : «خَلُّوا عَنْهَا فإنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»[1] .
وقد ردّ معاوية على رجل اتّهم الإمام عليًّا بالبخل، قال: (كُنّا نَتَحَدَّثُ: أن لَو كانَ لِعَلِيٍّ بَيتٌ مِن تِبنٍ[2] وآخَرُ مِن تِبرٍ[3] لَأَنفَدَ التِّبرَ قَبلَ التِّبنِ)[4] .
الالتزام بالقيم هو التحدّي الأكبرلكن التحدّي الأكبر الذي يواجهه الإنسان، هو الالتزام بهذه القيم والعمل بها، فإنّ أهواءه وشهواته وأنانيّته، والحرص على المصالح الآنية، كلّ ذلك يدفعه إلى مخالفة هذه القيم، ثم قد يبرّر لنفسه هذه المخالفة، وهو الأمر الأسوأ، يقول تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾. [سورة فاطر، الآية: 8]
وقد يمارس الإنسان الازدواجية والخداع، فيتحدث للآخرين عن الفضائل والقيم والصفات الحسنة، ويحثهم عليها، ويشيد بالشخصيات الفاضلة، لكنه يخالفها ولا يلتزم بها.
إنّ الوعي العميق بالقيم، والتسلّح بالإرادة، واستذكار الآخرة، هو ما يعين الإنسان على الالتزام بالقيم، والتعافي من الازدواجية والتناقض.
الازدواجية والتناقضوتحذّر النصوص الدينية الإنسان من الوقوع في هذا المأزق الأخلاقي الشنيع، الذي يُحدث في أعماقه تناقضًا واضطرابًا، ويسبب له الفضيحة والعار، أمام من يكتشفون ازدواجيته، والأسوأ والأشد من كلّ ذلك، خسارته ونكبته يوم القيامة.
وهذا ما تتناوله الرواية الواردة بسند معتبر عن الإمام جعفر الصادق أنه قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ»[5] .
وَصَفَ عَدْلًا: أي بيّن للناس ومدح أمرًا وعملًا صالحًا مطابقًا للعدل، ولم يعمل بمقتضاه، أو أشاد بمن يتصف بفضيلة، كالأنبياء والأئمة والأولياء، وأظهر موالاتهم، وأكبر سيرتهم، لكنه لم يأخذ بها ولم يتبعهم.
وإنما تكون حسرته أشدّ لوقوعه في الهلكة مع العلم، وهو أشدّ من الوقوع فيها بدونه، ولمشاهدته نجاة الغير بقوله وعدم نجاته به.
ورد عن النبي : «يا أبا ذَرٍّ، يَطَّلِعُ قَومٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ إلى قَومٍ مِن أهلِ النّارِ، فَيَقولونَ: ما أدخَلَكُمُ النّارَ، وإنَّما دَخَلنَا الجَنَّةَ بِفَضلِ تَأديبِكُم وتَعليمِكُم؟! فَيَقولونَ: إنّا كُنّا نَأمُرُكُم بِالخَيرِ ولا نَفعَلُهُ»[6] .
وورد عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ الإمام محمد الباقر : «أَبْلِغْ شِيعَتَنَا أَنَّهُ لَنْ يُنَالَ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَأَبْلِغْ شِيعَتَنَا أَنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ»[7] .
وفي هذا السياق ورد عدد من الأحاديث جعلها الشيخ الكليني وغيره عنوانًا لباب في مجامعهم الحديثية[8] .
رسائل تحذيرإنّ كثيرًا من الآباء يودّون لأبنائهم الصلاح والنجاح، ويوجهون لهم النصائح، لكنّ السؤال عن مدى التزام الآباء أنفسهم بما ينصحون به أبنائهم.
شكى زوج لأصحابه أنّ امرأته لا تصلّي، فقالوا له: عليك أن تأمرها بالصلاة، قال: أمرتها فلم تستجب، قالوا: عليك أن تزجرها وتنهرها، قال: زجرتها ونهرتها فلم تستجب، وهي تقول لي: ما دمت أنت لا تصلي فإنّي لا أصلي.
وفي هذه النصوص أيضًا رسالة تحذير شديدة للوعاظ والدعاة. فقد ورد عن النبي محمد : «مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ، كَمَثَلِ السِّرَاجِ؛ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ»[9] .
وورد عنه : «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِقَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا نَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَلاَ نَأْتِيهِ، وَنَنْهَى عَنِ اَلشَّرِّ وَنَأْتِيهِ»[10] .
وورد عن أمير المؤمنين علي : «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي، وَاللَّهِ، مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ إِلَّا وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا، وَلَا أَنْهاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا!»[11] .
لمَ تقولون ما لا تفعلون؟وهذه الأحاديث موافقة لما نطقت به آيات الذكر الحكيم كقوله، تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية: 44]
ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [سورة الصف، الآيات: 2-3] والمقت هو: الغضب الشديد.
وقد ورد في الحديث عن عبدالله بن مسعود أنه قال: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ «يَا اِبْنَ مَسْعُودٍ، لاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ يَهْدِي اَلنَّاسَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخَيْرِ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهُ، يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾»، إلى أن قال : «يَا اِبْنَ مَسْعُودٍ، لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يُشَدِّدُ عَلَى اَلنَّاسِ وَيُخَفِّفُ عَنْ نَفْسِهِ، يَقُولُ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾»[12] .
ومن أجلى المصاديق لهذه الازدواجية والتناقض ما تمارسه الدول الغربية المستكبرة، من ازدواجية في المعايير، والكيل بأكثر من مكيال، فهي الأرفع صوتًا في الحديث عن حقوق تقرير المصير، وعن الحريات وحقوق الإنسان، لكنها تتحدّث عنها في مكان، وتغضّ الطرف عنها في مكان آخر، وتتخذ مواقف مضادة لها. كما هو الحال في فلسطين، والفظائع والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني المظلوم، بدعمها ومساندتها.
بسم الله الرحمن الرحیم
بالاستعاذ بالله حقیقة من شرور أنفسنا وشرور شیاطین الجن والإنس وقل کما قال الإمام الصادق ( عليه السلام) في کل صباح ومساء وعشر مرات (أعوذ بالله السمیع العلیم من همزات الشیاطین وأعوذ بالله أن یحضرون أنّه الله هو السمیع العلیم) وعلیك بالدعاء والتوسل بالله وبمحمد وآله الطاهرین لاسیّما بمولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعلیك بتلاوة القرآن کثیراً والصلاة في أوّل أوقاتها وأداء الحقوق الشرعیة وخدمة النّاس وبرّ الوالدین وحسن الأخلاق مع الناس ومن الله التوفیق والتسدید.
1- كل عمل هدد الله في القرآن الكريم مرتكبه بالعذاب – سواء بشكل صريح وواضح أو بشكل إشارة ونهي أكيد – فهو من الكبائر.
2- ما ذكر في الروايات الصحيحة والمعتبرة المنقولة عن أئمة الهدى على أنه ذنب كبير؛ فعلى سبيل المثال بيّن الامام علي بن موسى الرضا (ع) الكبائر في رسالة كتبها الى المأمون – الخليفة العباسي – كما أن الرواية التي رواها الأعمش عن الامام الصادق (ع) أوضحت كثيراً من الكبائر، وغيرها من الروايات. ونحن الآن نشير الى أهم الكبائر المذكورة في الآيات والروايات ونستمد العون منه تعالى على التوفيق لتركها:
١- قتل النفس
٢- الزنا
٣- شرب الخمر
٤- ترك الصلاة
٥- أكل مال اليتيم
٦- الفرار من الزحف
٧- أكل الربا
٨- لعب القمار
٩- كل أنواع الظلم
١٠- اللواط
١١- إعانة الظالم
١٢- الاعتماد على الظالم
١٣- التساهل في أداء حق الناس
١٤- الكذب
١٥- الخيانة
١٦- محاربة أولياء الله
١٧- عقوق الوالدين
١٨- اتهام البريء(ومنه قذف المحصنات)
١٩- الغيبة
٢٠- الاستخفاف بغضب الله وعقابه
٢١- الاستخفاف بفريضة الحج
٢٢- التكبر
٢٣- الاسراف والتبذير
٢٤- أكل لحم الخنزير
٢٥- شرب الدم
٢٦- أكل الميتة
٢٧- أكل لحم الحيوان غير المذكى
٢٨- اليأس من روح الله
٢٩- التطفيف
٣٠- الاصرار على الصغيرة
٣١- ترك أداء الزكاة
٣٢- قطع الرحم
٣٣- نقض العهد والميثاق
٣٤- منع الشهادة بالحق
٣٥- الأيمان الكاذبة
إن ما قيل آنفاً هو جزء مهم من الكبائر مع أن عددها لا يقتصر على ما ذكر حسب رأي كثير من العلماء.
*المقال رداً على سؤال: ماهو عدد الكبائر؟فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم (عليه السلام) إني قد ا خترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين: انصرفا ودعاه فقالا: يا جبرئيل إنا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان قال: فشأنكما وعرج».
الشرح:(علي بن محمد) يروي المصنف في هذا الكتاب كثيرا عن علي بن محمد وهو علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلان ثقة عين (عن سهل بن زياد) ضعيف في الحديث (عن عمر بن عثمان) كوفي ثقة نقي الحديث (عن مفضل بن صالح) ضعيف كذاب (عن سعد بن طريف) قيل:
هو صحيح الحديث ونقل العلامة عن النجاشي أن يعرف وينكر، وعن ابن الغضائري أنه ضعيف وقال الكشي عن حمدويه أنه كان ناو وسيا وقف على أبي عبد الله (عليه السلام) (عن الأصبغ ابن نباته) بضم النون قال العلامة والنجاشي الشيخ في فهرست: إنه كان من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال العلامة: إنه مشكور.
(عن علي (عليه السلام) قال هبط جبرئيل (عليه السلام) على آدم (عليه السلام)) الظاهر أن ذلك كان بعد هبوط آدم من الجنة وبعد قبول توبته (فقال يا آدم إني امرت أن أخيرك واحدة من ثلاث أي خصلة واحدة من ثلاث خصال فاخترها ودع اثنتين فقال: آدم يا جبرئيل وما الثلاث) الظاهر أن الواو لمجرد حسن الارتباط وزيادة الاتصال لا للعطف (فقال: العقل والحياء والدين) العقل هنا قوة نفسانية وحالة نورانية بها يدرك الإنسان حقائق الأشياء ويميز بين الخير والشر وبين الحق والباطل، ويعرف أحوال المبدء والمعاد وبالجملة هو نور إذا لمع في آفاق النفوس يكشف عنها غواشي الحجب فتتجلى فيها صور المعقولات كما يتجلى في العين صور المحسوسات. والحياء خلق يمنع من ارتكاب القبيح وتقصير في الحقوق، وقال الزمخشري هو تغير وانكسار يلحق من فعل ما يمدح به أو ترك ما يذم به وهو غريزة وقد يتخلق به من يجبل عليه فيلتزم منه ما يوافق الشرع وسيجئ تحقيقه وتحقيق أن ما في بعض الإنسان من الكيفية المانعة له عن القيام بحقوق الله تعالى من الحياء إن شاء الله تعالى. والدين هو الصراط المستقيم الذي يكون سالكه قريبا من الخيرات بعيدا عن المنهيات[1] وهو عبارة عن معرفة مجموع ما يوجب القرب من الرب والعمل بما يتعلق به الأمر ومعرفة مجموع ما يوجب البعد عنه وترك العمل بما يتعلق به النهي (فقال آدم إني اخترت العقل) لا يقال: اختياره للعقل لم يكن إلا لملاحظة أن حسن عواقب أموره في الدارين يتوقف عليه وإن نظام أحواله في النشأتين لا يتم إلا به ولا يكون ذلك إلا لكونه عاقلا متفكرا متأملا فيما ينفعه عاجلا وآجلا، لأنا نقول: المراد بهذا العقل العقل الكامل الذي يكون للأنبياء والأوصياء واختياره يتوقف على عقل سابق يكون درجته دون هذا وللعقل درجات ومراتب. وقد يقال هذه الأمور الثلاثة كانت حاصلة له (عليه السلام) على وجه الكمال والتخيير فيها لا ينافي حصولها والغرض منه إظهار قدر نعمة العقل والحث على الشكر عليها (فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا ودعاه) أي انصرفا عن آدم ودعاه مع العقل معه (فقال يا جبرئيل) الظاهر أن هذا القول حقيقة بلسان المقال بحياة خلقها الله تعالى فيهما ولا يبعد ذلك عن القدرة الكاملة وقد ثبت نطق اليد والرجل على صاحبهما ونطق الكعبة والحجر وغيرهما. ويحتمل أن يكون ذلك مجازا بلسان الحال أو يخلق الله سبحانه فيهما كلاما أسمعه جبرئيل وآدم (عليه السلام) كما قد خلق ذلك في بعض الأجسام الجمادية وأسمعه من شاء من خلقه (إنا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان) أي حيث وجد أو حيث كان موجودا، يفهم منه أن العقل مستلزم لهما وهما تابعان له، والأمر كذلك لأن بالعقل يعرف الله سبحانه وجلاله وجماله وكماله وتنزهه عن النقايص وإحسانه وإنعامه وقهره وغلبته بحيث يرى كل جلال وجمال وكمال وإحسان وإنعام وقهر وغلبة مقهورا تحت قدرته مغلوبا تحت قهره وغلبته بل لا يرى في الوجود إلا هو فيحصل له بذلك خوف وخشية يرتعد به جوانحه كما قال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ويحصل له بذلك قوة وملكة تمنعه عن مخالفته طرفة عين وهذه القوة هي المسماة بالحياء، ثم بتلك القوة يسلك الصراط المستقيم وهو الدين القويم، ومن ههنا ظهر أن الحياء مستلزم للدين والدين تابع له، ثم جبرئيل (عليه السلام) إن كان عالما بكونهما مأمورين بذلك كان قوله: «انصرفا ودعاه» محمولا على نوع من الامتحان لاظهار شرف العقل ونباهة قدره وإن لم يكن عالما كان ذلك القول محمولا على الطلب (قال فشأنكما وعرج) الشأن بالهمزة الأمر والحال والقصد أي فشأنكما معكما أو ألزما شأنكما، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا بحسب السند لكن صحيح المضمون، وكذا الحديث الآتي مع ضعفه بالارسال أيضا لاعتماده بالبرهان العقلي وكذلك كثير من الأحاديث الواردة في الأحكام العقلية من أصول المعارف ومسائل التوحيد.
*مقتطف من كتاب شرح أصول الكافي - الشيخ محمد صالح المازندراني
هامش: [1] في بعض النسخ [عن السيئات].يقول فقهاؤنا: كل ذنب سواء كان كبيراً أو صغيراً يعدّ من الكبائر لأنه مخالفة لأمر الله تعالى.
إلا أن المقياس في تحديدهما ليس عصيان أمر الله تبارك وتعالى؛ ذلك أن هذا الميزان يجعلها كلها كبيرة، إن عامة الذنوب على قسمين: كبيرة وصغيرة كما هو معلوم من العنوان.
إن طرق تحديد القسمين كثيرة، لكن أكثرها شهرة بين الفقهاء هو أن كل ذنب هدد القرآن والروايات مرتكبيه بالعذاب هو من الذنوب الكبيرة؛ كقتل النفس مثلاً، إذ قال الباري تعالى بشأنه: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها" ([2]).
بعض الفقهاء أضافوا قيداً آخر الى ذلك قائلين: الكبائر هي ما وعد مرتكبوها بالعذاب أو على الأقل نهي عنها نهياً مؤكداً؛ فربما يكون لدينا ذنوب لم يحذر القرآن مرتكبيها بالعذاب لكن نهي عنها كراراً، فعلى سبيل المثال لو افترضنا عدم نزول آية حول الربا سوى هذه الآية: "فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"([3]) فهذه الجملة لوحدها كافية في عدّ أكل الربا من الكبائر؛ وإن لم يعد الله جلّ وعلا المرابين بالعذاب في آيات وروايات أخرى فهذا النهي المؤكد دليل على كون الربا من الكبائر؛ وعلى هذا الأساس كون الذنب كبيراً أو صغيراً ليس أمراً نسبياً، فلكل من هذه الفئتين حداً مائزاً عن الآخر، ولا يمكن للذنب أن يكون صغيراً وكبيراً في الوقت ذاته؛ لأنه لو كان قد نهي عنه نهياً بليغاً أو وعد مرتكبه بالعذاب فهو من الكبائر وإلا فلا.
المقال رداً على سؤال: كيف يمكن تمييز الذنوب الكبيرة عن الصغيرة؟
الهوامش: (1) النساء 4 : 31 . (2) النساء 4 : 93 . (3) البقرة 2: 279 .الغرض من الفصل بين أنواع المسائل بالترجمة بالكتاب وبين مسائل النوع بالفصول والأبواب هو التسهيل على الناظر وتنشيط المتعلم فان المتعلم إذا ختم كتابا اعتقد أنه كاف في ذلك النوع فينشط إلى قراءة غيره، بخلاف ما لو كان التصنيف كله جملة واحدة. والأولى بالقاري أن يصرح بالترجمة ويقول مثلا كتاب كذا لأنها جزء من التصنيف، وكتاب العقل والجهل اسم لجملة من الأحاديث المتضمنة لأحكامها.
(أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب) كان هذا كلام الرواة عنه أو كلامه بلسانهم أو إخبار عن نفسه بطريق الغيبة (قال حدثني عدة من أصحابنا) قال المصنف رحمه الله في هذا الكتاب في كثير من الأخبار «عدة من أصحابنا» قال العلامة وغيره أنه رحمه الله قال: «كل ما قلت في هذا الكتاب عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى العطار، وعلي بن موسى الكميذاني وداود بن كورة وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم. وكل ما قلت فيه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد فهم علي بن إبراهيم، وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة، وأحمد ابن عبد الله ابن أذينة، وعلي بن الحسن. وكل ما ذكرت فيه عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد فهم علي بن محمد بن علان، ومحمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عقيل الكليني إنتهى» والظاهر أن محمد بن أبي عبد الله هو محمد بن جعفر الأسدي الثقة، والعدة على هذا في جميع الموارد مشتملة على العدول والثقات فهذا الحديث صحيح لأن بواقي الرجال ثقات وعدول.
(منهم محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن زرين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لما خلق الله العقل) أي النفس الناطقة وهي الجوهر المجرد عن المادة في ذاته دون فعله في الأبدان بالتصرف والتدبير وهذا الجوهر يسمى نفسا باعتبار تعلقه بالبدن وعقلا باعتبار تجرده ونسبته إلى عالم القدس، إذ هو بهذا الاعتبار يعقل نفسه أي يحبسها ويمنعها عما يقتضيه الاعتبار الأول من الشرور والمفاسد المانعة من الرجوع إلى هذا العالم وله مراتب متفاوتة وحالات مختلفة في القوة والضعف. وهي ستة، أولها: حالة الاستعداد الصرف للكمالات[1].
وثانيهما: حالة بها يشاهد الأوليات[2]. وثالثها: حالة بها يشاهد النظريات من مرآت الأوليات[3]. ورابعها:
حالة بها يشاهد تلك النظريات بعد زوالها من هذه المرآة واختزانها من غير كسب جديد وهذه الحالة حالة علم اليقين، وهي حالة بها يشاهد الصور العلمية والمطالب اليقينية في ذاته، وخامسها: حالة عين اليقين وهي حالة بها يشاهد تلك الصور والمطالب في ذات المفيض[4]. وسادسها: حالة حق اليقين وهي حالة بها يتصل بالمفيض اتصالا معنويا وتلاقي به تلاقيا روحانيا[5] وهذه الحالة هي أعظم الحالات للقوة البشرية، وقد تسمى هذه الحالات التي للنفس فيها عقلا أيضا. ومن ههنا ظهر وجه تفاوت العقول في البشر ووجه قبولها للكمال والنقصان. وقد يطلق العقل على الجوهر المفارق عن المادة في ذاته وفعله[6] ويقال إنه أول خلق من الروحانيين، وإنه كثير العدد كثرة لا مثل كثرة الأشخاص المندرجة تحت نوع واحد، ولا مثل كثرة الأنواع المندرجة تحت جنس واحد لأن تلك الكثرة من توابع المادة[7] والعالم القدسي منزه عنها بل هي مراتب وجودية نورانية بسيطة مختلفة في الشدة والضعف في النورية متفاوتة في الكمال والقرب إلى نور الأنوار، وأنه روح النفس الناطقة وحالة لها ومتعلق بها كتعلق النفس بالبدن وباضاءاته وإشراقاته تضيء النفس وتشرق وتبصر ما في عالم الملك والملكوت وتعرف منافعها ومضارها فتطلب الأول وتجتنب عن الثاني، وأنه لا بعد في ذلك التعلق لأنه إذا جاز تعلق النفس بالبدن مع المباينة بينهما في التجرد والمادية جاز تعلق ذلك الجوهر بالنفس[8] مع المناسبة بينهما في التجرد بالطريق الأولى. والحق أن وجود ذلك الجوهر أمر ممكن دل عليه ظاهر كثير من الروايات لكن لا على الوجه الذي ذهب إليه طائفة من الفلاسفة من أنه موجد للأفلاك[9] وما فيها وما تحتها من الأجسام والعناصر وغيرها فان وجوده على هذا الوجه غير ثابت لا عقلا ولا نقلا، بل باطل بالنظر إلى الآيات والروايات الدالة على أن موجد ما ذكر ليس إلا الله جل شأنه وأن تكثره وتعلقه بالنفس على الوجه المذكور أيضا أمر ممكن، وأن انتساب الحالات والمراتب المذكورة للنفس إليه باعتبار تفاوت إشراقاته عليها أيضا جايز، وأن انتساب الثواب والعقاب إليه غير بعيد إذ كما أن ثواب البدن وعقابه باعتبار متعلقه وروحه الذي هو النفس كذلك يجوز أن يكون ثواب النفس وعقابها باعتبار متعلقها وروحها الذي هو ذلك الجوهر، إذا عرفت هذا فلا يبعد أن يراد بالعقل في الروايات الدالة على أنه أول خلق من الروحانيين وأنه حالة من أحوال النفس كما في حديث الجنود وغيره ذلك الجوهر[10] ثم معاني العقل على تباينها يجمعها أمر واحد يشترك الكل فيه وهو أنه ليس بجسم ولا جسماني ولهذا صح أن يجعل موضوعا لفن واحد كما في هذا الكتاب ويبحث عن العوارض الذاتية له ولأقسامه وللرأي الصائب أن يحمله في كل حديث على ما يناسبه من المعاني المذكورة.
وإذا عرفت العقل فاعرف الجهل بالمقابلة فهو إما النفس باعتبار تعلقها بالبدن والحالات المقابلة للحالات المذكورة لأن ذلك التعلق وتلك الحالات منشأ لظلمة النفس وانكسافها وميلها إلى الشرور، أو أمر مقابل لذلك الجوهر النوراني متعلق بالنفس وروح خبيث لها يدعوه إلى الشر والفساد، ولا يبعد أن يكون ما في بعض الروايات «من أن المؤمن مؤيد بروح الايمان» (2) و «أن لكل قلب اذنين على أحدهما ملك يهديه وعلى الآخر شيطان يضله»[11] إشارة إلى العقل والجهل بهذا المعنى والله أعلم بحقائق الأمور (استنطقه) ناطقة واستنطقه أي كلمه وفي استنطاقه إخراج له عن الوحشة وتأنيس له بالقربة وتكريم له بالعزة كما يقع مثل ذلك كثيرا ما بين المحب والمحبوب ومن هذا القبيل قوله تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى) مع علمه تعالى بخفيات الأمور (ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر) كأن المراد إقباله إلى ما يصلح أن يؤمر به من الطاعة وإدباره عما ينهى عنه من المعصية أو إقباله إلى المقامات العالية والدرجات الرفيعة التي يمكنه الوصول إليها، وإدباره عن تلك المقامات ونزوله في منازل الطبيعة الجسمانية وهبوطه مواطن الظلمة البشرية، ولعل الغرض من الأمر بالاقبال إراءه مقاماته وإظهار درجاته ليستيقظ في العالم السفلي من نوم الجهالة وسنة البطالة ويتذكر بأن له سوى هذه النشأة الدنية نشأة أخرى أحسن وأفضل منها بل لا نسبة بينهما، أو إقباله إلى الدنيا وإدباره عنها وعدم ركونه إليها، وقيل: المراد بالأمر بالاقبال والادبار هو الأمر التكويني الايجادي لا التكليفي والاقبال والادبار التزيد والتنقص في كل مرتبة من مراتب القوة العاملة بالقياس إلى العلوم والأخلاق كما وكيفا بحسب كل من الاستعداد الأولي الجبلي في الفطرة الأولى والاستعداد الثاني المكتسب في الفطرة الثانية، فان بالإعمال والتعطيل في الفطرة الثانية يربو ويطف ما في الفطرة الأولى والذي من لوازم الذات هو القدر المشترك السيال بين حدي الربو والطفافة وهو متحفظ غير متبدل ما دامت الذات في مراتب التزيد والتنقص. وفيه: أن تكوينه على قبول الزيادة والنقصان إنما هو في مرتبة تكوين ذاته لا بعده كما يشعر به لفظة «ثم» (ثم قال وعزتي) أي وغلبتي على جميع الممكنات يقال: عزه يعزه بالفتح عزا إذا غلبه والاسم العزة ومنه العزيز من أسمائه تعالى بمعنى القوي الغالب الذي لا يغلب وبمعنى الملك مثل قول إخوة يوسف (يا أيها العزيز) (وجلالي) أي وعظمة شأني وارتفاع قدري ومكاني، ومنه الجليل من أسمائه تعالى بمعنى العظيم المطلق، والواو للقسم وما بعدها مبتدأ وخبره محذوف وهو قسمي (ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك) دل على أن العقل ليس هو أول المجعولات[12] كما زعم. قيل: المحبة ميل القلب إلى ما يوافقه وهي بين الطرفين لما روي عن الصادق (عليه السلام) حين سأله رجل عن رجل يقول: أودك فكيف أعلم أنه يودني فقال: امتحن قلبك فإن كنت توده فإنه يودك»[13] سيما إذا أخبر أحدهما الآخر بحبه له فإنه يوجب حب الآخر للمخبر أيضا كما ورد في بعض الأخبار، ومن ههنا يعلم أن العقل كما كان أحب المخلوقات إلى الله سبحانه كذلك كان سبحانه أحب الموجودات إلى العقل وسبب محبة الشئ إما كونه حسنا في ذاته، أو في الحس كالصور الجميلة. أو في العقل كمحبة الصالحين، أو كونه محسنا يجلب نفعا أو يدفع ضرا، وثمرة محبة الله لخلقه إرادة الخير له وإفاضة رحمته عليه والاحسان إليه بكشف الحجاب عنه وتمكينه من أن يطأ بساط قربه وثمرة محبة الخلق له تعالى وقوفه عند حدوده وحبه لمن أحبه وبغضه لمن أبغضه واستيناسه واستيحاشه عما سواه، وتجافيه عن دار الغرور وترقيه إلى عالم النور، وكأن من أنكر المحبة بينه وبين خلقه وزعم أن ذلك يوجب نقصا في ذاته تعالى أنكر المحبة بمعنى الميل لأن الله تعالى منزه عن أن يميل أو يمال إليه وليس هذا المعنى مرادا هنا بل المراد هنا هي الغايات والثمرات المذكورة لأن ما نسب إليه تعالى مما يمتنع أخذه باعتبار المبادي والحقائق وجب أخذه باعتبار الغايات وقد شاع أمثال ذلك في القرآن العزيز. على أنه قد يقال محبة الخلق له بمعنى ميل العقل ليس بممتنع لأن الميل العقلي إدراك ولا يمتنع ذلك كما لا يمنع العلم به، وإنما الممتنع هو الميل الحسي لاستلزامه أن يكون في جهة والوجه العقلي في كونه أحب المخلوقات إليه أن الطاعة والانقياد مع القدرة على المخالفة أشد من الطاعة بدونها وأدخل في التقرب واستفاضة الرحمة والاحسان منه تعالى. وقيل: الوجه فيه أن المحبة تابعة لادراك الوجود لأنه خير محض، فكل ما كان وجوده أتم كانت خيريته أعظم والإدراك المتعلق به أقوى والابتهاج به أشد فأجل مبتهج بذاته هو الحق الأول، لأن إدراكه لذاته أشد إدراكا لأعظم مدرك له الشرف الأكمل والنور الأنور والجلال الأرفع، فذاته سبحانه أحب الأشياء إليه وهو أشد مبتهج به، ومحبته لعباده راجعة إلى محبته لذاته لأن كل من أحب شخصا أحب جميع حركاته وأفعاله وآثاره لأجل ذلك المحبوب; فكل ما هو أقرب إليه فهو أحب إليه وجميع الممكنات على مراتبها آثار الحق وأفعاله فالله يحبها لأجل ذاته وأقرب المجعولات إليه هو العقل، فثبت أنه أحب المخلوقات إليه. ومن المتكلمين من أنكر محبة الله لعباده زعما منهم أن ذلك يوجب نقصا في ذاته ولم يعلموا أن محبة الله لخلقه راجعة إلى محبته لذاته إنتهى. وفيه نظر من وجوه أما أولا فلان قوله «المحبة تابعة لادراك الوجود، ممنوع وما ذكرناه لاثباته من أن الوجود خير محض مدخول[14] والبحث عنه مشهور مذكور في موضعه، وأما ثانيا فلأن كون العقل المبحوث عنه أقرب المجعولات كلها إليه سبحانه ممنوع[15] وأما ثالثا فلأن المحبة والبغض متقابلان وقد نسب البغض لبعض المخلوقات إليه سبحانه ولا شك أن بغضه له ليس لأجل أنه من آثاره بل لأجل شئ آخر فلم لا يجوز أن لا يكون محبته لخلقه لا لأجل أنه من آثاره بل لأجل شئ آخر[16] وأما رابعا فلأن قوله تعالى (إن الله يحب المحسنين) (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) صريح في أن محبته لهم لأجل إحسانهم وتوبتهم وطهارتهم لا لأجل أنهم من آثاره، ولو أريد أن الاحسان والتوبة والطهارة من فعله وآثاره لرجع هذا إلى قول الأشاعرة ويتسع دائرة المناقشة فليتأمل.
(و لا أكملتك إلا فيمن أحب) دل على أن كمال العقل كأصله حباء من الله جل شأنه ولكن لكسب العبد وعنايته مدخل فيه كما يدل عليه قول موسى بن جعفر (عليه السلام): «من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل في مسئلته بأن يكمل عقله[17]» ويرشد إليه التجربة فإن من نشأ في التعلم وطهارة النفس وصرف القوة العلمية والعملية في تحصيل العلوم والأعمال والأخلاق المرضية ازداد عقله ضوءا ونفسه نورا يكاد يبصر ما تحت العرش وما تحت الثرى، وتلك العناية التي هي من التوفيقات الربانية إنما يتوقف على وجود أصل العقل لا على كماله فلا يلزم الدور.
(أما إني إياك آمر وإياك أنهى وإياك اعاقب وإياك اثيب) «أما» حرف تنبيه يصدر بها الكلام الذي لمضمونه خطر وعناية لتنبيه المخاطب وإيقاظه طلبا لاصغائه، وتقديم المفعول للاختصاص فإن العقل وإن استشعر من الأمر بالاقبال والإدبار أنه مخلوق يتوجه إليه الأمر والنهي لكنه استشعر أيضا بأنه مقارن مع مخلوق آخر فكأنه غفل عن ذلك لشدة شغفه بمخاطبة ربه جل ذكره وتوهم أن الأمر والنهي والثواب والعقاب يتوجه إليه مع مشاركة الغير أو يتوجه إلى الغير وحده لا إليه، فأتى الله سبحانه بحرف التنبيه إيقاظا له عن تلك الغفلة وإظهارا بأن الكامل لا بد من أن لا يصير مغرورا بكماله بل هو دائما يحتاج إلى تنبيه وتذكير وبطريق الحصر دفعا لما عرض له من التوهم وإشعارا بأن القابل للخطاب هو دون غيره وحصر الثواب والعقاب فيه باعتبار أنه بذاته، أو بواسطة قوة وروية فيه منشأ للطاعة والعرفان ومبدء للمعصية والطغيان في مواد الإنسان ومستحق لهما في ضمن تلك المواد. فلا يدل الحديث على ثبوتهما له مجردا عنها أصلا فضلا عن أن يدل على نفي المعاد الجسماني.
وانطباق معنى الحديث على العقل بالمعنى الأول وهو النفس باعتبار التجرد ظاهر، وبالمعنى الثاني وهو حالة النفس وقوتها الداعية إلى الخيرات في المراتب المذكورة يحتاج في قوله «إياك أعاقب وإياك اثيب» إلى تكلف بأن يقال معناه بك أعاقب وبك اثيبت على سبيل التوسع، لأن المعاقب والمثاب هو النفس، أو يقال لما كانت تلك القوة منشأ تكليف النفس نسب الثواب والعقاب إليها على سبيل التجوز والمعنى الأخير وهوا لجوهر النوراني المفارق عن المادة في ذاته وفعله يحتاج في هذا القول وفي قوله: «ولا أكملتك إلا فيمن أحب» إلى تكلف بأن يقال المراد بإكماله أكمال إشراقاته على النفس، وبثوابه وعقابه ثواب النفس وعقابها باعتبار الاستضاءة من مشكاته وعدمها. وقيل:
المراد بالعقل هنا العقل النبوي والحقيقة المحمدية وهو الروح الأعظم المشار بقوله تعالى (قل الروح من أمر ربي) وأحب الخلق إليه استنطقه الله تعالى بعد ما خلقه وجعله ذا نطق وكلام يليق بذلك المقام ثم قال له: أقبل إلى الدنيا واهبط إلى الأرض رحمة للعاملين فأقبل فكان روحه مع كل نبي باطنا ومع شخصه المبعوث ظاهرا، ثم قال له: أدبر يعني أدبر عن الدنيا وارجع إلى ربك، فأدبر عنها ورجع إليه ليلة المعراج وعند المفارقة عن دار الدنيا ثم أعلمه تشريفا وتكريما له بأنه أحب الخلق إليه وآكد ذلك بالقسم، ثم قال: «إياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك اثيب» والمراد بك آمر وبك أنهى وبك أعاقب من جحدني وجحدك من الأولين والآخرين وبك اثيب من عرفني وعرفك منهم كل ذلك لأنك سبب للايجاد ولولاك لما خلقت الأفلاك، أو المراد إياك آمر إياك أنهى لأنك ملاك التكليف وإياك اعاقب بحبسك في الدنيا مدة ودخولك في المنزل الرفيع من الجنة وإياك اثيب باعتبار غاية كمالك وكمال قربك ومنزلتك لدينا، ولدينا مزيد والله أعلم بحقيقة كلامه.
*مقتطف من كتاب "شرح أصول الكافي – الملا محمد صالح المازندراني" الجزء الأول
الهوامش: [1] 1 - قوله «الاستعداد الصرف» وهذه الحالة تسمى عند الفلاسفة بالعقل الهيولاني (ش). [2] - قوله: «الأوليات» أراد بذلك البديهيات لأنه جعلها مقابلة النظريات، والبديهيات أعم من الأوليات والمشاهدات والمتواترات والحدسيات والتجربيات وقضايا قياساتها معها، وهذه المرتبة تسمى عند الحكماء بالعقل بالملكة (ش). [3] قوله: «من مرآة الأوليات» القوة التي بها تدرك الأوليات مرآة لادراك النظريات أيضا إذ ينتقل الذهن منها إليها وأدراك النظريات على وجهين: الأول ما يدركها بالبرهان والاستدلال لأول مرة وهي العقل بالفعل في اصطلاحهم، والثاني أن يكون بحيث يراجعها بعد الغفلة عنها لكونها حاضرة في الحافظة فيرجع إليه مهما أراد وهذا هو العقل المستفاد في اصطلاحهم وهي الحالة الرابعة (ش). [4] - قوله: «في ذات المفيض» وهذا المفيض هو العقل الفعال في اصطلاح الحكماء إذ لا بد لزيادة الصور في أذهان المتفكرين من علة فاعلة ولا بد أن تكون العلة الفاعلة للمعقولات عاقلة تدرك الكليات إذ لا يكون الموجد للشيء فاقدا له ولا بد أن يكون جوهرا مجردا، ثم إن ملاحظة الصور في العقل الفعال أعلى وأكمل من ملاحظتها في النفس فان ما في العقل الفعال بريئة عن شوائب الوهم ومحفوظة عن الخطأ، مصونة عن الغلط بخلاف ما يأخذه النفس عن العقل فيدركه في لوح نفسه فإنه يحتمل اختلاطه بمدركات الوهم والحواس فيدخل فيه الخطأ، وإذا وصل النفس إلى مقام يدرك عين الصور الحاصلة في العقل الفعال وتحقق لديه أنه ادركها فيه لا في نفسه، فهذه الحالة الخامسة التي تكون مدركات الانسان عين الحق ولا تحصل الا للكمل من الأولياء (ش). [5] - قوله: «روحانيا» هذا نحو من الاتحاد حققه الحكماء الإلهيون والعرفاء الشامخون وللتفصيل فيه محل آخر وهو آخر سير البشر في السلوك إلى الله وعد بعض العرفاء اللطائف سبعة، «وللناس فيما يعشقون مذاهب» (ش). [6] - قوله: «في ذاته وفعله» هذا تعريف للعقل المجرد في اصطلاح الحكماء وقال المشاؤن: إن العقول عشرة أي نعلم هذا العدد ولا تنكر الزيادة، وقال الاشراقيون: ان عدتهم لا تحصى كثرة ويقال إن العقل أول خلق من الروحانيون، وقد ورد في الحديث كما يأتي ان شاء الله وقال الحكماء: انه أول صادر عن المبدء كما ورد في الحديث وذلك لأن الأشرف مقدم في الوجود ولا ريب أن الموجود العاقل بذاته أشرف من الجماد والحيوان الذي لا عقل له. واعلم ان المجلسي رحمه الله جعل في كتاب الأربعين وغيره من كتبه القول بوجود العقل المجرد مستلزما لانكار كثير من ضروريات الدين وأنكر وجود مجرد سوى الله تعالى (ش). [7] - قوله: «لان الكثرة من توابع المادة» الكثرة للعدد ويتكثر الشئ اما بالماهية كالحديد فإنه غير الذهب ماهية، واما بالتشخص مثل هذا الحديد في المسحاة وذلك الحديد في القدوم وكلاهما حديد متحدا الماهية. [8] قوله: «تعلق ذلك الجوهر بالنفس» تعلق العقل بالنفوس المجردة الانسانية نظير تعلق النفس بالبدن وبالجملة العقل الفعال له اشراقات على النفوس وبتلك الاشراقات متحد بالنفس فمثل العقل الفعال والنفوس مثل الشمس وأشعتها. والمجلسي رحمه الله عد أكثر ما حققه الشارح هنا واعترف بامكانه وصحته مخالفا لضروريات الدين (ش). [9] قوله: «موجد للافلاك» وحاصل كلام الشارح اثبات وجود العقل المجرد الذي يقول به الحكماء واختار في ذلك مذهب صدر المتألهين صاحب الاسفار الأربعة واعترف بامكان اتحاد العقول الجزئية بالعقل الفعال وبأن الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب وغير ذلك من دقائق هذا العلم، واما ما نسبه إلى طائفة من الفلاسفة فكأنه أراد المتفلسفين الجاهلين الذين غاية همهم حفظ الاصطلاحات وسماهم الفارابي الفيلسوف البهرج وإلا فإن تأثير العقل نظير تأثير الدواء في دفع المرض وتأثير الرياح في إثارة السحاب في قوله تعالى (يرسل الرياح فتثير سحابا فكما أن الاعتقاد بتأثير هذا باذن الله ليس كفرا كذلك الاعتقاد بتأثير العقول باذن الله ليس كفرا وتأثيرهم نظير تأثير الملائكة الموكلين بالعقول هم الملائكة والفرق بالاصطلاح (ش). [10] قوله: «ذلك الجوهر» أي العقل المفارق هو الذي خلقه تعالى أولا ومع ذلك يعد حالة من حالات النفس باعتبار اشراقاته واضاءاته وجنوده التي في النفوس وهذا عين مذهب الفلاسفة إلا أن الشارح تبرأ من طائفة منهم حتى لا يوهم أنه يقلد الفلاسفة تقليدا أعمى فلو كان صرح بأن مذهب الفلاسفة هنا حق لذهب الأوهام إلى تجويز تقليد ملاحدتهم وصار سببا لضلال جماعة عظيمة ولكن صرح بالمعنى وتبرأ من اللفظ، والحق أن أقرب الأقوال إلى قول الملاحدة الماديين قول المجسمة فإنهم لا يعترفون بوجود شئ غير جسم ولا جسماني حتى أن الله تعالى عندهم جسم، وبعد ذلك قول من لا يعترف بوجود مجرد سوى الله تعالى وأبعد الأقوال عنهم قول من أنكر الوجود المستقل للمكن وجعل وجوده كالمعنى الحرفي، وبعد ذلك من أنكر وجود الجسم وجعله مركبا من قوى متحركة كما ذهب إليه أكثر أهل عصرنا وبعدهم من اعترف بوجود الجسم والموجودات المجردة معا (ش). [11] رواهما الكليني في كتاب الايمان والكفر من الكافي ج ٢ ص ٢٦٨ و 266. [12] قوله «ليس هو أول المجعولات» سيجيء تحقيقه عند قوله (عليه السلام) «هو أول خلق من الروحانيين» ان شاء الله تعالى (ش). [13] الكافي كتاب العشرة باب نادر ج 2. [14] قوله: «خير محض مدخول» هذا شئ مبني على التتبع والاستقراء فانا لا نجد شيئا يسمى شرا إلا لأن العدم دخل فيه بوجه وحقق ذلك نصير الدين الطويي في موضعه (ش). [15] - قوله: «ممنوع» لا ريب أن الله تعالى عالم بكل شئ والعلم كمال لا كمال فوقه كل موجد يكون علمه أكمل من غيره فهو أقرب إلى الله تعالى، ولا يتصور أن يعتقد أحد أن الجاهل أقرب إليه من عالم ومنع الشارح هنا في غير محله نعم جعل بعضهم رتبة الإنسان الكامل فوق العقل لأنه جامع بين كمال العقل وكمالات أخرى يختص به ولذلك قال العقل المبحوث عنه أي الذي هو بشرط لا عن كمال غيره (ش). [16] - قوله: «لأجل شئ آخر» لا ينكر أحد محبة الله لأوليائه لأجل عبادتهم تقربهم إليه ولكن له تعالى محبة عامة لجميع خلقه بالرحمة الرحمانية، ومحبة خاصة لخصوص المؤمنين بالرحمة الرحيمية واثبات شئ لا ينفي غيره كما أن غضبه تعالى على الكفار لأجل كفرهم لا ينافي شمول الرحمة العامة لهم في الدنيا بسعة الرزق والدولة وساير النعم وبهذا يدفع المناقشة المذكور بقوله رابعا (ش). [17] جزء من الخبر الذي يأتي في هذا الباب تحت رقم 12.إذن ماذا نعمل مع هذه الغفلة؟ وقبل الدخول في موضوع الغفلة نحاول أن نتناول بشكل مختصر المصطلحات في هذا المجال لأني أعتقد أنها تعين على استيعاب أهداف الموضوع فهنالك أربع مراحل في التعامل مع ربّ العالمين ذكرا ونسياناً:
المرحلة الأولى: الجحودفمثلاً إنسان مادي لا يرى من هذا الوجود إلا المادة المجردة إذ يقول لا يهلكنا إلا الدهر فهذا إنسانٌ جاحد.
المرحلة الثانية: الإيمانهي الخروج من الجحود إلى الإيمان، ولكن بعد الإيمان ينسى ذكر ربه، وهذه حالة بشرية طبيعية، إذن ممكن أنْ يجتمع الإيمان مع النسيان، والقرآن يقول: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)[١].
المرحلة الثالثة: الذاكروهنا الإنسان يتجاوز مرحلة النسيان، فيكون ذاكراً لله (عزّ وجلّ) ولكنه ذكرٌ يشوبه الالتفات إلى الغير فهو يعيش حالة المد والجزر ينظر إلى الدنيا فينسى ربه ثم يعود على رشده.
المرحلة الرابعة: الغفلةيكون الإنسان فيها غافل ليس بناسٍ يتذكر الله سبحانه وتعالى ولكن هنالك بعض المزاحمات في هذا المجال تصدّه عن ذكر الله، العبد يترقى لئلا يصبح من الغافلين.
المرحلة الرابعة: السهوقد يكون الإنسان ملتفتاً ومنتبهاً لكن ممكن أن يسهو قال (تعالى): (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[٢].
إذن هنالك الجاحد وعكسه المؤمن وهنالك الناسي وعكسه المتذكر وهنالك الغافل وعكسه اليقظان أو اليقظ وهنالك الساهي وعكسه الملتفت، والمطلوب منا الإيمان والتذكر واليقظة والالتفات فإذا وصلنا إلى مرحلة الالتفات الدائم فقد عبرنا هذه العقبات التي ذكرناها.
ونحن المسلمون بحسب الواقع عبرنا مرحلة الجحود بالشهادتين، لكن كيف ننتقل من مرحلة النسيان ونعبر الغفلة ونعبر السهو لنكون من العباد المتذكرين؟
على الإنسان أن يستوعب الإنسان هدف الوجودقد صرح القرآن الكريم بأنَّ الله (عزّ وجلّ)، لم يخلق الخلق عبثاً، فإذا كنا نعتقد بوجود مبدأٍ للفيض لهذا الوجود ونعتقد بنهايةٍ في أنّ ربنا يوم القيامة يبعثنا فرادى كما خلقنا أول مرة بتعبيرٍ قرآنيٍ مختصر وجامع (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[٣]، أي نحن مخلوقين ومحاسبون فما بينهما ما هو البرنامج الذي يجب أن يُتبع؟ إنسانٌ مملوكُ ويساق به إلى نهاية ٍ معينة عليه أن يكون مستوعب هذا الدرس العظيم وأنه موجودٌ ذو روح يراد به هدفاً معيناً وما أجمل هذان البيتان من الشعريحاول الشاعر أن يذكر فيهما فلسفة الوجود:
يا متعب الروح لم تسعَ لراحته
أتعبتَ جسمك لما فيه خسران
أقبلْ على الروح واستكملْ مقاصدها
فأنتَ بالروح لا بالجسم إنسان
كلمة جامعة فأنتَ بالروح لا بالجسم إنسان، فإذا قيل لأحدهم جئني بإنسان آنس به وجاء له بتابوت ميت، حتماً سيعترض عليه؛ لأنَّه جاء له بإنسان ميت، فإذن الميت من ليس في عداد بني آدم وهو الذي لا روح له (فأنتَ بالروح لا بالجسم إنسان).
الحياة صحراء قاحلة بدون ذكر الله (تعالى)علينا أنْ نعلم أنّ قيمة الحياة في ساعاتها البسيطة التي نقف بها أمام ربنا؛ بل الحياة صحراء قاحلة من دونها، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فأنهما تورثان دار الكرامة)[٤]، من الواضح أنَّ كلام النبي (صلى الله عليه وآله) فيه إشارة إلى ساعة معينة وقد يراد بها التي تقع بين المغرب والعشاء، ولكن من الممكن أنْ نستفيد من روح هذا الحديث أنّ الإنسان يطعّم ساعات غفلته بوقفات قصيرة، فالإنسان المؤمن في ساعات ولو غير مناسبة كأن يكون في المكتب، في أول الدوام، في وسط الدوام، في الطائرة، في الحديقة، في عاصمةٍ أجنبية، في أيّ مكان، على شاطئ البحر ولم يكن في وقت صلاة فريضة لكنه يشتاق للحديث مع ربّ العالمين، ومن المعلوم بأنّ النافلة ما أسهلها؟ فيمكن تصليها راكباً أو ماشياً بلا سورةٍ وبلا تسليماتٍ كثيرة وبلا آذان وبلا إقامة، فالإنسان يشتاق للحديث مع ربّه يصلي، ويشتاق الحديث من ربه يقرأ القرآن الكريم.
الحذر من أن يتحول الإنسان إلى آلة صماءإنَّ الخطوة الأولى في هذا المجال هي أن نعلم فلسفة الوجود وأن نخرج من عالم السطحية لكن مع الأسف ربما يتحول الإنسان إلى آلة صماء وأذكر مثالاً لتقريب الفكرة؛ المحققون في المختبرات وراء الميكروسكوب وكذلك الفلكيون في المراصد وراء التلسكوب يستعينون بأجهزة مكبرة تعينهم في رؤية ما لا يمكن أن تراه العين المجردة، فما هو الفرق إذن بين المجهر والإنسان، فالمجهر يرى وهو يرى، من الواضح جداً هناك فرق فإنّ المجهر لا يحلل وهو يحلل، وحقيقةً الإنسان يتحول في بعض الحالات إلى آلةٍ صماء هو والمجهر على حدٍّ سواء، والقرآن أشار إلى هذه السطحية إذ يقول: ماذا (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[٥]، لم ينتقل من هذه الدنيا من الحيوانات المجهرية من المجرات الفضائية لم ينتقلوا إلى عالم الموجد وأنّ هذا الموجد له دار حسابٍ وعقاب، المفروض أن ننتقل من المعلول إلى العلة ومن العلة إلى مقاصد العلة وما أراده العلة منّا ولهذا يقول القرآن الكريم: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[٦]، أي لم يربطوا بين هذا الظاهر وبين ذلك الباطن.
الغافل كالسكران الذي فقد عقلهالقرآن الكريم عندما يريد أن يصف الغافلين عن ذكر الله (عزّ وجلّ) كأنه يجعل هذه الغفلة في حكم المسكر، فالذي يشرب الخمر ولو كان في أعلى درجات الشهادات الجامعية إنسان لا قيمة له في عالم التخصص، وهو والبهيمة على حدٍّ سواء وهذا شيء واضح، قد تذهبون إلى الغرب عندما يخرج الجراح من العملية الجراحية المعقدة كجراحة المخ أو القلب، ثم يأتي إلى الحانة، ليشرب كأساً من الخمر، وخاصةً القسم المركز منه، عندئذٍ يتحول إلى بهيمة يمشي يميناً وشمالاً يترنح لا شعور ولا عقل له، الغفلة بالنسبة للإنسان، لو كان مؤمناً يتحول إلى حالة من حالات السكر، والقرآن في لفتة جميلة يقسم بحياة النبي (صلى الله عليه وآله) ويقول: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[٧]، هؤلاء في حال سكر.
نظام السنن الألهية جاري في مسألة الغفلةنحن أيضاً قد نبتلي بدرجة من درجات السكر الخفيف؛ لهذا نرى المؤمن عندما يغفل عن ذكر الله، قد يغضب ويفعل ما يفعل، ثم يستفيق من سكره على واقعه بعد دقائق وإذا به قد قام بما لا يليق به أبداً!
من موجبات الخروج من الغفلة أن نعلم بأنَّ الله (سبحانه وتعالى) جعل سنةً في هذه الحياة من السنن التي لا تنخرم أبداً، فمثلاً في عالم الماديات عند إتحاد جزيئات من الهيدروجين مع جزيء من الأوكسجين يتكون هنالك الماء لا محالة ففي عالم الطبيعة لم نرَ تخلّفاً لا في قاعدةٍ فيزيائية ولا في قاعدةٍ كيميائية والذي درس علم الفلك يعلم بأنَّ الكواكب والأقمار لو أنها اقتربت مسافات قصيرة لاصطدمت بعضها ببعض.
كذلك هناك سنن في عالم الحياة الاجتماعية وفي عالم الأنفس، فالقرآن يقول بأنَّ الذي أعرض عن ذكر الله (عزّ وجلّ)، نتيجته هي حياة الضنك والضيق والتبرم قال (تعالى): (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[٨]، وهذا الذي نشاهده في حياة البعض تدخل منزله وإذا به قصرٌ من القصور تنظر إلى وظيفته فإذا هو في أعلى درجات السلم الوظيفي تراجع رصيده في البنوك لو تقاعد من يومه لأمكنه أنْ يعيش هو وولده وحفيده من ذلك المال تنظر إلى عافيته وإذا هو من رأسه إلى قدمه في صحة وعافية تنظر إلى زوجته تجدها مطيعة وجميلة تنظر إلى دآبته وإذا بها فارهة سريعة، لكنه يأتيك ويقول: يا فلان هل عندك شيء ينفع في رفع الضيق والكآبة؟ أنا مبتلى بالكآبة المزمنة العميقة لا أرى شيئاً يسرني في هذا الحياة، ما الذي جرى ما الذي أوجب لك هذه الكآبة؟ تجيب عن هذا السؤال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[٩]، وفي المقابل ربما ترى في بعض الصور في بعض دول الظالمين إنسانٌ مؤمن حكم عليه بالقتل يتوجه إلى مشنقته تراه يمشي بخطوات واثقة وقد لم يخلُ من ابتسامةٍ؛ لأنَّ هنا الذكر الإلهي الذي دخل قلبه أنساه كلّ شيء في هذا الوجود، نعم (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[١٠].
الغفلة ربما تستمر إلى مابعد الدنياويا ليت الأمر يتوقف عند مرحلة الضيق في الدنيا فالكآبة والحزن ربما تستمر إلى مابعد ذلك و المشكلة تكمن بأنَّ المؤمن لا يدري ماذا يفعل؟ فكيف بالأعمى بأهوال القيامة يمشي وهولا يعلم إلى أين؟ قال (تعالى): (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[١١]، تصور للحظات الإنسان في يوم القيامة يريد أن يبحث عن شفيع على الخصوص من موالي محمد وآل محمد وهو وقتئذ أعمى لا يرى أحداً حتى يتشبث به، وهنالك قسمٌ من الناس أعطاهم الله البصر في عرصات يوم القيامة لا للبصر فحسب، وإنما نورهم يمشي ويسعى بين أيديهم وأرجلهم، ففرقٌ بين هذا الأعمى وبين ذلك الذي يمشي بصيراً والنور أمامه قال (تعالى): (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا)[١٢]، أنتم تعلمون الإنسان يوم القيامة لا يتجاسر، لا يخرج عن طوره، ولكن شدة المصيبة، تجعل الإنسان يسأل؛ لمَ حشرتني أعمى، من العبد ويجيبه الله (تعالى): (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)[١٣]، فما حال إنسان أعمى وقد نسي أمره في منطقةٍ في وسط الناس ترقّ عليه مشكلة هينة ولكنه أعمى ومنسي!
الوصول إلى درجة الذاكرين والمستغرقين في جلال الله (تعالى)لا أتوقع من نفسي ولا من أمثالي أن نصل إلى درجة الذاكرين إلى درجة المستغرقين في جلال الله وجماله كما يقول الإمام علي (عليه السلام)، وكلمهم في ذات عقولهم أو كلمهم في عقولهم فهذه درجة عالية ولكن لنبدأ من الخطوة الأولى فالإنسان سمي إنساناً ومن موجبات هذه التسمية حالة النسيان عند بني آدم وفي تلك الآية الكريمة يسند النسيان إلى الشيطان وما أنسنيه إلا الشيطان أنْ أذكر إذن الإنسان يعيش حالة الكرّ والفرّ والإقدام والإحجام إلى أنْ يصل إلى درجة الثبات، الإمام علي (عليه السلام) يقول: عبارة جميلة وهو أهلٌ لهذه المقولة: (ربِّ وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤلاً)[١٤]، هذه هبة من الله (عزّ وجلّ)، أنْ أعطاني قلباً عقولاً والعقل والقلب إذ اجتمعا فعلا العجائب القلب فإذا اجتمع مع العقل هذا القلب سيكون نوراني لا يمكن أن يوصف بشيء، الإمام علي (عليه السلام) كذلك لكن أنظروا إلى تعبيره وهب لي إذن يعني هنالك هبة هنالك عطاء إلهي ولهذا العطاء أسبابه وأرضيته.
العشرة السيئة توجب الغفلةمن موجبات الغفلة العيش في لذة مع غير المؤمن، يعاشر بعض الناس من المجتمع في هذه الأيام يقال فلان قرين فلان، لا يرى إلا مع فلان في سفره، في حضره، في مناسباته نرى بعض المؤمنين يتخذوا بطانةً من دون المؤمنينّ فما الذي نستفيده من هذه العلاقة؟ إنسان فاسق أو إنسان مؤمن بحسب الظاهر ولكن يمارس المنكر لا يقف عند الحرام لا تذكّر بالله رؤيته ولا يزيدك في العلم منطقه ما الداعي لمعاشرة هذه الطبقة من الغافلين؟! ابتعد عن هؤلاء فإنهم لا يزيدونك إلا خسارة وإما وبالاً.
إذن الغافلون في المجتمع ينبغي التحرز عنهم تماماً، والمشكلة أنَّ الغفلة ليست دائماَ لأسباب عمدية، قد يكون الإنسان غافلاً بطبيعته بشهواته وإن لم يصل إلى درجة الحرام، لكن القرآن الكريم يطلق الغفلة ولو في موارد العذر، إنسان معذور ولكن مع عذره يسمى غافلاً، قال (تعالى): (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)[١٥]، المقاتل في الحرب لا يغفل عن سلاحه عن عمد، المقاتل حتى لو كان في جبهة الباطل يحبّ أن يكون يقظاً منتبهاً حاملاً سلاحه، لأنَّ حياته بذلك، ولكن القرآن الكريم يقول (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ)[١٦]، والمقصود منها الغفلة غير المقصودة إذ من الممكن للإنسان المؤمن في مواجهته للشياطين ولأعدائه أنْ يعيش هذه الغفلة فينسى سلاحه، وعندئذٍ يهجم عليه العدو ولهذا رأيتُ تعبيراً جميلاً في تفسير الغفلة في أحد كتب اللغة يقول: (حالةٌ تعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ) فمن الممكن أنْ يكون الإنسان من الذين قصروا في ذلك فلم يتحفظ ولم يُذكر نفسه فيقع فيها.
ومن موجبات رفع الغفلة البسملة، فالإنسان يبسمل ويسمي عند كلّ عمل صباحاً ومساءً وبحسب نشاطاتك اليومية دخولاً إلى المنزل وخروجاً منه معاملةً بيعاً شراءً سفراً إلى آخره…، فعندما يطعّم الإنسان حياته اليومية بمحطات من التسمية، وكما ورد عنهم (عليهم السلام) نحن مأمورون أن نسمي على كلّ ذي أمرٍ ذي بال، وإلا كان ذلك الأمر هو أبتر، فعند ما نشيع ذلك في حياتنا اليومية من الطبيعي أنْ يعطي حالة من حالات الذكر الدائم وكما قلنا قبل قليل الأمر هبةٌ من الله (عزّ وجلّ).
ذات النبي (صلى الله عليه وآله) ميسرة للخيراتأحدهم تكلم بكلام جميل وإن كان حتما يحتاج إلى التحقيق، فهو قد أتعمل كلمة التيسير تارةً بإسنادها للشخص وتارةً أسندها للفعل، قال (تعالى): (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي)[١٧]، يعني يا رب أجعل فعلي فعلاً ميسراً ولكن عندما يصل الأمر إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه القرآن: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)[١٨]، التيسير متوجه لذات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فذاته يسرناها لليسر، فهو موفق للخير، ذاته ذات ميسرة، لا أنَّ الفعل يسّر لك موسى (عليه السلام) يقول: (ربِّ يسّر لي أمري)، والله (عزّ وجلّ)، جعل ذات النبي (صلى الله عليه وآله)، ذات ميسرة للخيرات وللبركات، نعم على المؤمن أنْ يطلب من الله (عزّ وجلّ)، ألا يجعل فعله ميسراً فحسب؛ بل أنْ يجعل ذاته ذاتاً ميسرةً.
تعرضوا لنفحات الله (تعالى)الدنيا والآخرة ضرتان الذي يقف بين طريقين، بين مفترقين، يقدّم الدنيا على الآخرة، ماذا جزآؤه؟! أسمعوا إلى كلام الله (سبحانه) -وقد قلنا قبل قليل هذه سنة في عالم الوجود- ( أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[١٩]، هؤلاء الذين استحبوا الدنيا على الآخرة (اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)[٢٠]، أولئك هم الغافلون، ربُّ العالمين يرسل عليك رياح رحمته رياح اليقظة والذكر في ليلة جمعةٍ في ليلة قدرٍ في حجةٍ في عمرةٍ في زيارةٍ ولكن إذا لم تلتقط هذه النفحات ولم تستثمرها ولم تخرج من حالة الغفلة المطبقة إلى حالة الذكر ولو المتقطعة فمن الممكن أن يصل العبد إلى درجةٍ ينطبق عليه قوله (تعالى): (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)[٢١]، وفي آية أخرى يقول (تعالى): (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[٢٢]، هذه الغفلة تحولت لديهم مع شديد الأسف إلى ملكة جعلت من هؤلاء يتحولون إلى أضل من الأنعام، عندئذٍ ختم الله على قلبه وطرده من دائرة الانجذاب إليه.
المواظبة على ذكر عناصر ثلاثة توجب الفوز للإنسانكما هو معلوم فذكر الله في القلب فالذكر الخفي؛ هو أن تقول (لا إله إلا الله) في قلبك هذا الذكر لا ينعكس على الشفتين لأنّ طبيعة حروف التهليل طبيعة لا تستدعي أن تفتح فمك بإمكانك أن تكون في عرسٍ محرم وأنت مجبور في حالة تقية أو مدارة، ولكن تقول (لا إله إلا الله) فتخرج من ذلك الجو تعيش معهم ببدنك وروحك معلّقة بالملأ الأعلى وعلينا أن لا نغفل عن ذكر الإمام المهدي (عليه السلام)، فهنالك عناصر ثلاثة إذا تذكرناها كنّا من الفائزين؛ ذكر الله (سبحانه وتعالى)، وذكر الآخرة وأهوال القبر والقيامة، وذكر أوليائه، على الخصوص الإمام (عليه السلام) الذي نحشر تحت لوائه يوم القيامة، فهذه الحقول الثلاثة من الذكر حاولْ أن تعطيها حقها أخلصناهم بخالصة ذكر الدار، ذكر الدار وذكر القيامة والقبر والجنة وما شابه ذلك، هذه خالصة من الأمور التي يهبها الله (عزّ وجلّ) لعباده المؤمنين.
الهوامش: [١] سورة الكهف ٢٤. [٢] سورة الأعراف ٢٠١. [٣] سورة البقرة ١٥٦. [٤] الأمالی (للصدوق) ج١ ص٥٥٤. [٥] سورة الروم ٧. [٦] سورة الروم ٧. [٧] سورة الحجر ٧٢. [٨] سورةطه ١٢٤. [٩] سورةطه ١٢٤. [١٠] سورة طه ١٢٤. [١١] سورة طه ١٢٤. [١٢] سورة طه ١٢٥. [١٣] سورة طه ١٢٦. [١٤] انساب الاشراف ج٢ ص٩٨. [١٥] سورة النساء ١٠٢. [١٦] سورة النساء ١٠٢. [١٧] سورة طه ٢٨-٢٥. [١٨] سورةالأعلى ٨. [١٩] سورةالنحل ١٠٨. [٢٠] سورة النحل ١٠٧. [٢١] سورة الأعراف ١٤٦. [٢٢] سورة الأعراف ١٧٩.المورد الثاني: التقلب في عالم الأرواح والقلوب، (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[٣]. ويصل الأمور بالبعض أن يختم على قلبه بعد أن أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وأبان له الحق، وتمت عليه الحجة. والمورد الثالث: التقلب الإرادي، وهو تقلب يرجع إلى الإنسان نفسه، قال سبحانه: (وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ)[٤]؛ أي الوجه الباطني لا الظاهري.
التقلب في روايات أهل البيت (ع)ولم تكن مشلكة التقلب مشكلة حديثة وإنما كان يعاني منها الصحابة على عهد رسول الله (ص)، فقد روي عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَلَمَّا هَمَّ حُمْرَانُ بِالْقِيَامِ قَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أُخْبِرُكَ أَطَالَ اَللَّهُ بَقَاكَ وَأَمْتَعَنَا بِكَ إِنَّا نَأْتِيكَ فَمَا نَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى تَرِقَّ قُلُوبُنَا وَتَسْلُوَ أَنْفُسُنَا عَنِ اَلدُّنْيَا وَتَهُونَ عَلَيْنَا مَا فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ مِنْ هَذِهِ اَلْأَمْوَالِ، ثُمَّ نَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ فَإِذَا صِرْنَا مَعَ اَلنَّاسِ وَ اَلتُّجَّارِ أَحْبَبْنَا اَلدُّنْيَا قَالَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّمَا هِيَ اَلْقُلُوبُ مَرَّةً يَصْعُبُ عَلَيْهَا اَلْأَمْرُ وَمَرَّةً يَسْهُلُ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَمَا إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ نَخَافُ عَلَيْنَا اَلنِّفَاقَ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: وَلِمَ تَخَافُونَ ذَلِكَ قَالُوا إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ فَذَكَّرْتَنَا رُوِّعْنَا وَوَجِلْنَا نَسِينَا اَلدُّنْيَا وَزَهِدْنَا فِيهَا حَتَّى كَأَنَّا نُعَايِنُ اَلْآخِرَةَ وَاَلْجَنَّةَ وَاَلنَّارَ وَنَحْنُ عِنْدَكَ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ وَدَخَلْنَا هَذِهِ اَلْبُيُوتَ وَشَمِمْنَا اَلْأَوْلاَدَ وَرَأَيْنَا اَلْعِيَالَ وَاَلْأَهْلَ وَاَلْمَالَ، يَكَادُ أَنْ نُحَوَّلَ عَنِ اَلْحَالِ اَلَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا عِنْدَكَ وَحَتَّى كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ عَلَى شَيْءٍ أَ فَتَخَافُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا اَلنِّفَاقَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: كَلاَّ هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَانِ لَيُرَغِّبَنَّكُمْ فِي اَلدُّنْيَا، وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّكُمْ تَدُومُونَ عَلَى اَلْحَالِ اَلَّتِي تَكُونُونَ عَلَيْهَا وَأَنْتُمْ عِنْدِي فِي اَلْحَالِ اَلَّتِي وَصَفْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَا لَصَافَحَتْكُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ وَمَشَيْتُمْ عَلَى اَلْمَاءِ وَلَوْ لاَ أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ فَتَسْتَغْفِرُونَ اَللَّهَ لَخَلَقَ اَللَّهُ خَلْقاً لِكَيْ يُذْنِبُوا ثُمَّ يَسْتَغْفِرُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ، إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ مُفَتَّنٌ تَوَّابٌ)[٥].
ومن الملفت في هذا الحديث؛ اهتمام الصحابة الصالحين بحالاتهم الباطنية، وأن الله عز وجل يحب أن يغفر ويحب التوابين ولكن لا يحب أن يعصى. والحديث من الأحاديث التي تبعث الأمل في النفوس.
أسباب التقلب في عالم الوجودلو أجرينا مقارنة سريعة بين التقلب في عالم الطبيعة والتقلب في عالم الأنفس والأرواح ، لرأينا أن التقلب في عالم الطبيعة تقلب مستند إلى الله عز وجل ، وهو تقلب مدروس وحكيم ، لهدفٍ ما ، فلو كان هناك فصل واحد فقط طوال السنة – مثلا – لما تيسرت أمور الزراعة في الأرض. أما تقلب الإنسان فهو مستندٌ إلى نفسه وإلى الأهواء والشياطين وإلى حالة الكسل والفشل وإلى حب الركون إلى الدنيا والدعة ﴿ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ)[٦]، وينبغي للمؤمن أن يتحكم في هذه التقلبات ويديرها بنحو حسن.
أما العامل الأول لهذه التقلبات، هو عدم امتلاك المؤمن استراتيجية عقائدية وفكرية واضحة في الحياة. فلا معرفة له بخالق الوجود، ولا يعرف موقعه في الطبيعة والعالم. وقد يتأثر قليلا في حج أو عمرة أو تحت أعواد المنابر مما يسمع من الخطباء والوعاظ إلا أنه تأثير مرحلي سرعان ما يزول. وحتى في الطلب من الله عز وجل لا بد وأن يلتفت المؤمن إلى الله سبحانه أشد الالتفات، يقول سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[٧]؛ ففي الآية سبعة ضمائر تعود إلى الله عز وجل، ولذلك يستجاب للإنسان في الشدائد، لأنه يتوجه بكله إلى الله عز وجل.
ولذلك يعتقد بعض فلاسفة المسلمين أن الانشغال بالفلسفة الإسلامية الصحيحة – إلى حد ما – تعين الإنسان على معرفة موقعه في هذا الوجود. ويعلم أن العالم السفلي يضاهي العالم العلوي. ويقول سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ)[٨]، والمراد بالعلماء هنا؛ العالمون بالله عز وجل، لا علماء الذرة والفلك وما شابه فهم أبعد الناس عن الله عز وجل. وقد صعد أحدهم بمركبته الفضائية إلى قشرة جوية قريبة من الأرض وإذا به يقول: صعدت إلى السماوات فما وجدت الله عز وجل، ثم احترق بعد ذلك. إن العالم هو العارف بالله عز وجل، ولا يزيده توغله في عالم الطبيعة ومزاولته للتخصصات العلمية إلا قربا من الله سبحانه وإيمانا به. ولذلك يقول سبحانه: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ)[٩] أو قوله تعالى: (فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ)[١٠]، وقد لا تعطي السياحة الخالية عن المعرفة ثمراتها المرجوة، وإذا اكتسب الإنسان هذه المعرفة الطبيعية سوف لن يتراجع عن إيمانه وسيكون ارتباطه بالله عز وجل ارتباطا وثيقا ومقدمة للإجابة وتقلب القلب نحو الأحسن.
تقلبات المعصومين (عليهم السلام) وعلة استغفارهم في الأدعية والمناجاةلقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِيَّاكُمْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ رَبِّهِ شَيْئاً مِنْ حَوَائِجِ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ حَتَّى يَبْدَأَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ اَلْمَدْحِ لَهُ وَاَلصَّلاَةِ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ثُمَّ يَسْأَلَ اَللَّهَ حَوَائِجَهُ)[١١]؛ وما ذلك إلا ليذكر نفسه باعلاقة الاستراتيجية العميقة التي تربطه بالله تعالى، والتي لا تنفصل مع تقلبات الأحوال، وكرور الليالي والأيام، ولذلك نلاحظ وجود حالة ثابتة عند الأنبياء والأئمة (ع) في ارتباطهم مع الله عز وجل. وإن كان يستشف من بعض أدعيتهم الشريفة أنه يقومون ببعض الأفعال التي يستغفرون الله عز وجل عليها، ويتضرعون تضرع العصاة، كما نرى ذلك في دعاء كميل والمناجاة الخمسة عشرة للإمام السجاد (ع)؛ إلا أن لذلك تفسيرا نورد هنا بعضه:
أولا: إن المعصوم يتحدث بالنيابة عن أمته، ويتحدث مع الله عز وجل من بلسان الأمة العاصية، فهو يستغفر بلسان الغير.
ثانيا: أن استغفارهم هذا لترك الأولى؛ كأن يقوم بفعل حسن وفاضل دون الأفضل، وهذا ما يدعوه إلى الاستغفار والإنابة.
ثالثا: الاستغفار قد يكون إظهار للتذلل والخضوع؛ فإذا ما أتاك ضيف عزيز وقمت بواجبه من تقديم الضيافة والخدمة وأكرمته غاية الإكرام، إلا أنك تشعر بالتقصير ولذلك تعتذر منه وتطلب منه العفو والمغفرة، وهذا معروف بين الناس.
رابعا: إن الإمام والمعصوم له حالات مختلفة، فقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (لِي مَعَ اَللَّهِ وَقْتٌ لاَ يَسَعُنِي مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ)[١٢]، وقد وصل النبي (ص) إلى مقام قال عنه تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ)[١٣]، وقد قال جبريل عن ذلك المقام: (تَقَدَّمْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ لَيْسَ لِي أَنْ أَجُوزَ هَذَا اَلْمَكَانَ وَلَوْ دَنَوْتُ أَنْمُلَةً لاَحْتَرَقْتُ)[١٤]. وبعد هذه المقامات يضطر النبي (ص) أن يهبط إلى الأرض ويتعامل مع المنافقين والمشركين ومع أزواجه وأصحابه ويحل خلافاتهم ويتولى شئونهم، ويسير الغزوات ويدير المعارك، فأين هذه من الحديث مع رب العزة من دون واسطة.
والتقلب في حياة المعصومين أمر طبيعي وهذا التقلب لا شأن له بالعصيان والعياذ بالله ولكنه يوجب الإنابة إليه تعالى. ولكن هناك حد أدنى من الالتفات إلى الله عز وجل، لا يتحول عنه المعصوم، فقد روي أن الإمام الباقر (ع) كان يكرر قول: (لا إله إلا الله) حتى كأن لسانه لاصقا بحنكة من كثرة التهليل، وهذا أمر طبيعي ولكنهم كانوا يحلقون في أجواء عالية كما أشرنا إلى ذلك.
تقلبات المؤمنينإن المؤمن له وتيرة ثابتة في علاقته مع الرب، قد ترتفع في شهر رجب أو في الحج أو في جوف الليل في قنوت الوتر، يتكلم مع الله عزوجل فيرتقي، و(أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يُسْمَعُ مِنْهُ فِي صَلاَتِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ اَلْمِرْجَلِ مِنْ خَوْفِ اَللَّهِ تَعَالَى)[١٥] ، فكان صدر الخليل (ع) يغلي كما يغلي المرجل، من شدة التضرع والبكاء والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه حالات استثنائية، ولكن المؤمن يبقى في أدنى حد من حالات الارتباط بالله سبحانه وتعالى .ويمكن تشبيه ذلك بالأم التي تحنو على أزلادها دائما من دون سبب، إلا أنها تضاعف الحنان والحنو على بعض اولادها عندما يصدر منهم كلاما لطيفا أو فعلا حسنا.
العامل الثاني: الدعاء في جميع الأحواليذكر القرآن الكريم حالة – اسميها بحالة – الفلك (هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ)[١٦]، قومٌ في وسط البحر، عندما تأتيهم ريح طيبة اطمأنوا بها ونسوا الله عزوجل، ولكن عندما يأتيهم الموج دعوا الله، ولا فرق في ذلك بين الفلك والطائرة أو أي مكان آخر يضطر فيه الإنسان. وهذه حالة انتهازية، فالإنسان لا يرتبط بالله عزوجل إلا في الأزمات، والحال أنه ينبغي للمؤمن أن يعيش حالة ثابتة، في السراء والضراء .
والإنسان في حال الدعة والرخاء أحوج ما يكون إلى الدعاء في الشدة والضراء، لأن سياسة الرب مع العباد عادة، أن يبتليهم بالشدائد بعد السراء والرخاء. فإذا استوثقت أمور المؤمن، وعاش حالة الارتياح العائلي والمادي والوظيفي والاجتماعي، وفرح بذلك، إذا برب العزة والجلال يُتْحِفُ عبده المؤمن بما يقض مضجعه – كما ورد في بعض الروايات – وبما يسلبه حالة السبات لئلا يركن إلى واقعه.
ومن أهداف الابتلاء تذكير المؤمنين الغافلين؛ فإذا كان المؤمن يذكر الله على الدوام قد يصرف عنه البلاء أو يخفف عنه. والبلاء إما يكون للتذكير وإما أن يكون للتعويض. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (اِدْفَعُوا أَمْوَاجَ اَلْبَلاَءِ عَنْكُمْ بِالدُّعَاءِ قَبْلَ وُرُودِ اَلْبَلاَءِ)[١٧].
العامل الثالث: تأثير السلوك على الاستقرار النفسيإن المعاصي تسلب الإنسان التوفيق المعنوي. وكما أن الظلم ظلمات في يوم القيامة كذلك هي في الدنيا. إن العاصي تعتريه حالة من القسوة القلبية. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِذَا ظُلِمَ اَلرَّجُلُ فَظَلَّ يَدْعُو عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ إِنَّ هَاهُنَا آخَرَ يَدْعُو عَلَيْكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ ظَلَمْتَهُ فَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ وَ أَجَبْتُ عَلَيْكَ وَ إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُكُمَا فَتَوْسَعُكُمَا عَفْوِي)[١٨]. ولهذا نجد أن الصلاة على القلب عند ارتكاب المعاصي، وتجمد العين، وقد يذهب المؤمن إلى المسجد وكأنه يجر إليه جرا. وتنعكس المعاصي على قيام الليل، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلرَّجُلَ يُذْنِبُ اَلذَّنْبَ فَيُحْرَمُ صَلاَةَ اَللَّيْلِ)[١٩]، فإذا حرم قيام الليل، حرم الرزق وهذا عقاب مادي ومعنوي وكلاهما يثقلان على الإنسان.
مرققات القلوب؛ حسن الظن باللهفقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِذَا دَعَوْتَ فَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَابِ)[٢٠]، وقد يظن البعض أن السلاطين والحكام والعياذ بالله أقدر منه سبحانه على قضاء الحوائج، وهو الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وما على الإنسان إلا الدعاء لاستنزال الرحمة الإلهية الواسعة.
رعاية الآداب الظاهريةمن قبيل الطهارة، وشم الطيب، والصدقة، واستقبال القبلة. وللمسجد آدابه كذلك، فعندما تأتي إلى المسجد عليك أن تعلم أن هذا المكان منتسب إلى الله، ويَحرم دخول الجنب فيه، وإذا تنجس الفرش عليك أن تبادر إلى تطهيره فهو مكان طاهر مطهر لا يرضى سبحانه أن تبقى فيه النجاسة لحظة واحدة.
اغتنام أوقات الدعاءفقد روي عن أمير المؤمنين (ع): (اِغْتَنِمُوا اَلدُّعَاءَ عِنْدَ أَرْبَعٍ عِنْدَ قِرَاءَةِ اَلْقُرْآنِ وَعِنْدَ اَلْأَذَانِ وَعِنْدَ نُزُولِ اَلْغَيْثِ وَعِنْدَ اِلْتِقَاءِ اَلصَّفَّيْنِ لِلشَّهَادَةِ، وَعِنْدَ دَعْوَةِ اَلْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حِجَابٌ دُونَ اَلْعَرْشِ)[٢١]، وبعد الصلاة الواجبة، عند ظهور آيات الله في أرضه كالزلازل، وفي السحر إلى طلوع الشمس، وخاصة سحر الجمعة من أفضل ساعات الاستجابة طوال الأسبوع، وساعة آخر النهار من يوم الجمعة، وعند هبوب الرياح، وبين الأذان والإقامة، وقد ورد أن يسجد بينهما تذللا ويقول في سجوده: إلهي لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا…
الاختلاف إلى المساجدلا بأس أن يدخل المؤمن المسجد ويقول مخاطبا ربه: البيت بيتك والعبد عبدك ، ولكل ضيف قرى وكرامة وأنا ضيفك، فلعله يستجلب بذلك الالتفاتة واستجابة من الله عز وجل.
عدم طلب المرجوح من الحاجاتأي لا يطلب ما ليس فيه مصلحة، قد يكون الطلب مباحا ولكن لا ينفع الإنسان، كشاب مراهق أنهى الثانوية العامة ويريد أن يذهب إلى بلاد الغرب، وهو يعلم أنه لا يضمن سلامة دينه، فهو يأتي المسجد، ويدفع الصدقات، والنذورات حتى يذهب إلى تلك البلاد والقضية واضحة كالشمس في رائعة النهار أو النار على المنار..!
إدمان الصومتنظيف البدن من الحرام بالصوم. ولذلك نرى تأكيدا على الصوم في جميع الأعمال المستحبة، لأنه يذيب ما دخل جوف هذا الإنسان من حرام بقصد أو بدون قصد.
تسمية الحاجةإن حالة النبي إبراهيم (ع) عند قوله: (حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي)[٢٢]، كانت حالة استثنائية، فينبغي للمؤمن أن يذكر حاجته من ربه وذلك أقرب إلى التذلل والاستعطاف، وقد ورد في الحديث القدسي: (يَا مُوسَى سَلْنِي كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى عَلَفَ شَاتِكَ وَمِلْحَ عَجِينِكَ)[٢٣].
البكاء والتباكيقد تعتري الإنسان حالة من القسوة؛ فيتكلف البكاء ولا يطاوعه، فلا بأس أن يتباكى ليظهر بمظهر البكائين. ومن الوصايا المهمة أيضا لترقيق القلب: تجديد التوبة والإصرار في الدعاء والدعاء في الخفاء، والدعاء للجميع وتقديم الإخوان، كما أثر عن الزهراء (سلام الله عليها): (اَلْجَارَ ثُمَّ اَلدَّارَ)[٢٤]، ورفع اليدين، والدعاء بما يتضمن الاسم الأعظم.
الهوامش: [١] سورة النور: ٤٤. [٢] سورة المؤمنون: ١٤. [٣] سورة الأنعام: ١١٠. [٤] سورة الحج: ١١. [٥] تفسیر البرهان ج١ ص٤٦٤. [٦] سورة التوبة: ٣٨. [٧] سورة البقرة: ١٨٦. [٨] سورة فاطر: ٢٨. [٩] سورة الروم: ٤٢. [١٠] سورة الروم: ٥٠. [١١] الکافي ج٢ ص٤٨٤. [١٢] بحار الأنوار ج٧٩ ص٢٤٣. [١٣] سورة النجم: ٨-١٠. [١٤] بحار الأنوار ج١٨ ص٣٨٢. [١٥] مستدرك الوسائل ج١١ ص٢٣٢. [١٦] سورة يونس: ٢٢. [١٧] الخصال ج٢ ص٦١٠. [١٨] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٣١٨. [١٩] الکافي ج٢ ص٢٧٢. [٢٠] الکافي ج٢ ص٤٧٣. [٢١] الکافي ج٢ ص٤٧٧. [٢٢] بحار الأنوار ج٦٨ ص١٥٥. [٢٣] وسائل الشیعة ج٧ ص٣٢. [٢٤] علل الشرایع ج١ ص١٨٢.ومع هذا الانسياق وراء الشهوة والغريزة، كيف يمكن لي أن أتغير وأنا إنسان مسترسل، فلا بد أن أدعو الله أن يغيّر حالي وهو وحده القادر على فعل ذلك لو شاء هو.
وهذا المنطق منطق مرفوض قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ تغيير المسار منوط بإرادتك وليس منوطا بالسماء، فالسماء تساعدك على التغيير إذا أردت التغيير إذا اخترت أنت قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ كيف أغير مساري من المعاصي من استماع الأغاني من العلاقات غير المشروعة إلى المسار الصالح الصحيح السوي؟
تغيير المسار يعتمد على قوة الإرادة، وقوة الإرادة تعتمد على ركيزتين:
الركيزة الأولى: التلقين النفسي
الركيزة الثانية: نقد الذات
الركيزة الأولى هي التلقين النفسيمثلاً.. إنسان يريد أن يحصل على معدل ممتاز في الدراسة في الثانوية أو في الجامعة ألا يمتلك إرادة طبعا يمتلك إرادة، تراه يقطع علاقاته مع الناس أيام الامتحانات ويظل دؤوبا مثابرا على المذاكرة وحفظ المعلومات وإتقانها وتنقيطها وتبويبها حتى يستوعبها ويأتي بمعدل ممتاز، وهذا الشخص قوي الإرادة ولولا أنه يمتلك قوة إرادة لما حصل على هذا المعدل.
إنسان آخر يقول أنا موظف لكن راتب وظيفتي لا يكفيني، وأحتاج أن أعمل عملاً آخراً يساعدني على توفير ثروة لنفسي ولعائلتي، فترى هذا الإنسان يرجع من الوظيفة متعبا مرهقا ومع ذلك يخرج إلى التجارة ويسهر إلى أوقات متأخرة من الليل يجهد بدنه يجهد عقله يجهد وقته في سبيل أن يحصل على الثروة، إذا هو إنسان قوي الإرادة، لو لم يكن قوي الإرادة لما استطاع أن يجمع الثروة، فإذا كنت قوي الإرادة في مجال الدراسة وقوي الإرادة في مجال جمع الثروة لكن أمام المعاصي ضعيف الإرادة هل هذا مقبول؟
الإرادة لا تتبعض ولا تتجزأ، من كان قوي الإرادة في طلب المعارف فهو قوي الإرادة أمام شهواته، من كان قوي الإرادة في جمع الثروة فهو قوي الإرادة أمام غريزته، الإرادة طاقة واحدة لا يمكن أن تكون ضعيفة من جهة وقوية من جهة من كانت له إرادة قوية فهو قوي الإرادة في تمام أموره.
إذا من أين يكتسب قوة الإرادة من التلقين، التلقين خطوة ضرورية سابقة على خطوة الإرادة، لماذا أنا أحضر المأتم وهذا الخطيب يأخذ ساعة أو أكثر؟ إنما حضرت المأتم لأن عندي إرادة الإرادة من أين اكتسبتها؟ اكتسبتها من خطوة سابقة وهي خطوة التلقين لقنت نفسي أولا أن المحاضرة نافعة وأن كانت طويلة، أن الذهاب إلى هذا المكان يعطيني منافع متعددة ثقافية اجتماعية أخروية، بعد أن لقنت نفسي بهدفية العمل وبضرورة العمل امتلكت الإرادة وعندما امتلكت الإرادة صرت قادرا على التغيير، إذا الإرادة مسبوقة بالتلقين فكما ألقن نفسي أهمية الدراسة وأهمية جمع الثروة فعلي أن ألقن نفسي أهمية الفرصة التي أعيشها وأهمية الزمن الذي أمر به، فهذه الدقائق التي تمر علينا لن تعود مرة أخرى وإن العمر إذا مضى لن يعود مرة أخرى.
ورد عن النبي محمد (ص): لا تخطوا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أي اكتسبه وفي ما أنفقه.
نحن مسؤولون عن شبابنا نحن مسؤولون عن أوقاتنا نحن مسؤولون عن عمرنا، فلنلقن أنفسنا أننا مسؤولون عن الوقت فلنلقن أنفسنا أننا مسؤولون عن العمر فلنلقن أنفسنا أننا مسؤولون عن هذه الدقائق والثواني التي نعيشها فلنلقن أنفسنا أننا قادرون على التغيير وقادرون على التصحيح فإذا لقنا أنفسنا امتلكنا إرادة التغيير.
الركيزة الثانية هي نقد الذاتنحن بحاجة إلى نقد ذواتنا إننا نعيش - كما في الرواية - إننا نعيش صرعة الاسترسال ما معنى صرعة الاسترسال؟ الرواية تقول ”إنما أهلك المؤمن صرعة الاسترسال“ ما معنى صرعة الاسترسال؟
يعني أن الإنسان يعيش في دوامة من الروتين، فيخرج صباحاً إلى العمل ثم يعود متعباً إلى منزله فيتناول طعامه ثم ينام، بعد ذلك يذهب في نزهة مع أصدقائه أو مع عائلته ثم يعود إلى الروتين نفسه دون أدنى تفكير في النفس والمصير الأخروي والقبر ولا وجود لوقت أفكر فيه في محاسبة نفسي وفي نقد ذاتي «إنما هلك المؤمن من صرعة الاسترسال».
كيف أتخلص من صرعة الاسترسال؟بنقد الذات، ورد عن النبي محمد (ص): ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا“ عملية نقد الذات طريق الإرادة والإرادة طريق الكمال، إذا أردنا أن نكتسب قوة الإرادة فلننظر إلى عظماء التاريخ الذين غيروا التاريخ بقوة إرادتهم «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه» هذا رسول الإنسانية، وآخر يقول «و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت» هذا علي بن أبي طالب، وثالث يقول «و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
وقوله تعالى أيضا: {...وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([2])، وهو أمر منه تعالى للمؤمنين كافة، ومن المعلوم أن الأمر مفاده الوجوب فيجب عليهم جميعاً التوبة، وقد جعل تعالى نتيجة التوبة الفلاح. وكذلك قوله عز من قائل: {...إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}([3]).
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: (إن الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها)([4]). وعن الصادق عليه السلام: (إن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها)([5]).
وعنه عليه السلام في قوله تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قال: (هو الذنب الذي لا يعود فيه أبدا. قيل: وأينا لم يعد؟ قال: يا فلان إن الله يحب من عباده المفتن التواب)([6])، وفي رواية أخرى: (ومن لا يكون ذلك منه كان أفضل)([7]). وعنه عليه السلام: (إذا تاب العبد توبة نصوحة أحبه الله فستر عليه، قيل: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحي الله إلى جوارحه؟ وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله تعالى حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب)([8])". وعن الباقر عليه السلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو يستغفر منه، کالمستهزئ)([9]). وقد انعقد إجماع الأمة بجميع طوائفها ومذاهبها على وجوب التوبة ولم يذكر فيه خلاف.
كما إن العقل حاکم بحسنها وقبح تركها فهذه الأدلة الأربعة من کتاب وسنة وإجماع وعقل قائمة على فضلها ووجوبها مما لا يدع مجالا للشك فيهما.
لكن قد يقال: إن التوبة هي الندم أو على الأقل إن الندم هو جزء مهم من مركب اسمه التوبة وهو لا يدخل تحت اختيار الإنسان فهو من الأمور القلبية فكيف يكلف الله تعالى الإنسان بالندم وهو ليس باختياره، أليس هو كقول القائل حب فلان أو أبغض فلان مع إن الحب والبغض لا يقعان تحت اختيار الإنسان؟ والجواب: تقدم أن سبب حصول الندم هو العلم السابق بأن الذنوب هي سبب حرمان الإنسان مما يحبه ويطلبه، وتحصيل العلم داخل تحت اختيار الإنسان، فالتكليف به جائز، فإذا حصل العلم اشتعلت نار الندم في قلب الإنسان، ليتحقق بذلك ما يكفي من الندم الباعث نحو التوبة. ومن جملة ما استدل به على وجوب التوبة: أولا: إنها دافعة للضرر الذي هو العقاب، ودفع الضرر الأخروي واجب عقلا. ثانيا: إن العزم على ارتكاب القبائح وترك الفرائض قبیح عقلا، فيجب اجتنابه، وهو لا يحصل إلا بالتوبة.
الهوامش: ([1]) التحريم: 8 ([2]) النور: 31 ([3]) البقرة: ٢٢٢ ([4]) الكافي: ج2، ص435-436 تحت رقم8. ([5]) نفس المصدر السابق. تحت رقم ۱۳ ([6]) الكافي: ج2، ص432 تحت رقم 4 ([7]) نفس المصدر: ص436 تحت الرقم9. ([8]) نفس المصدر: ص436 تحت الرقم 12 ([9]) نفس المصدر: تحت الرقم 13تقرأ في الركعة الأولى سورة الحمد ثم سورة القدر، ثم تقول ( 15 مرة ) (أستغفر اللّه) ثم تركع وبعد ذكر الركوع تقول (أستغفر اللّه) ( 10 مرات )، ثم ترفع رأسك وتقول (الاستغفار) عشر مرات ثم تسجد وبعد ذكر السجود تقول الاستغفار المذكور عشر مرات، ثم ترفع رأسك وفي جلسة الاستراحة تقول الاستغفار عشر مرات ثم تسجد ثانية وتقول الاستغفار عشر مرات، ثمّ ترفع رأسك، وقبل أن تقوم تقول (الاستغفار) عشر مرات ، ثم تقوم للركعة الثانية وتأتي بها مثل الركعة الاولى، ويكون مجموع الاستغفار (150 ) مرة، ثم بعد التشهد والسلام تقول مرة واحدة (لا إله إلاّ الله وحده) ثم تأتي بتسبيحة الزهراء عليها السلام (34 مرة اللّه أكبر ) ( 33 مرة الحمد للّه) (33 مرة سبحان اللّه) ثم تسجد وتقول في السجدة ( يا مخلّص يونس ابن متى من بطن الحوت خلّصني) .
فإذا عرف الإنسان ذلك معرفة حقيقية بيقين غالب على قلبه، حصل ألم في النفس بسبب فوات المحبوب فإن القلب متى شعر بفوات محبوبه تألم، خصوصا إذا كان الفوات بسببه هو، ويسمى تألمه بسبب فعله الذي فوت محبوبه ندما، فإذا غلب هذا الندم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم حالة أخرى تسمى إرادة وقصداً بأن يترك الذنب الذي كان يذنبه وبسببه فات المحبوب، وأن يعزم على عدم العودة إليه مستقبلا بان يعزم على ترك الذنب إلى آخر العمر، وأن يتلافى آثار الذنب من تبعات مالية أو قضاء عبادات وما شاكل مما ستتعرف عليه قريبا إن شاء الله تعالى .
فالعلم هو الأول وهو مطلع هذه الخيرات، والمراد من العلم الإيمان واليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة، واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب، فيثمر نور هذا الإيمان مهما اشرق على القلب نار الندم فيتألم به القلب حيث يدرك أنه صار محجوبة عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمة فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه وهو لا يقدر على الوصول إليه، فتشتعل نيران الندم في قلبه فتنبعث من تلك النيران إرادة لتدارك ما فاته، عله يحصل على مطلوبة فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك ثلاثة معان مترتبة في الحصول يطلق اسم التوبة على مجموعها، وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ويجعل العلم كمقدمة له وترك الذنوب كالثمرة والنتيجة، وبهذا الاعتبار قال النبي صلى الله عليه وآله: (الندم توبة).
اذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وكان هو السبب له وعزم يثمره وينتجه. فيكون الندم محفوفة بطرفيه أعني العلم والإرادة المستتبعة لترك الذنوب.
قد ترى إنسانًا عندما يصلي يدمج الركوع في السجود والسجود في القيام وانتهت الصلاة في دقيقة أو دقيقتين! ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ هذا الوصف لا ينطبق على هذه العملية ولا ينطبق على هذه الكيفية.
سارق الصلاة!ورد عن أمير المؤمنين : ”أسرق الناس من سرق صلاته“، ليس الذي يسرق أموال الناس، هذا الذي يسرق أموال الناس ليس بسارق حقيقي، السارق الحقيقي هو الذي يختلس العبادة اختلاسًا، هذه أعمالك، أفعالك، يوم القيامة لا ينفعك غير صلاتك إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها، وتأتي يوم القيامة مجسمة مجسدة، فتقف أمامك وتقول: ضيعتني ضيعك الله! ونظر الرسول إلى رجل يخبط الركوع في السجود، قال: ”أما يخاف هذا أن يلقى الله وهو معرض عنه! قيل: لماذا يا رسول الله؟ قال: لأنه أعرض عن ربه“.
أنت متى تلتقي بربك؟ متى تناجي ربك؟ هذه هي الأوقات التي تلتقي فيها بربك، أوقات خمسة في اليوم تلتقي فيها بربك وتناجيه بكل ما عندك، فإذا أنت وقت لقائك بربك تكره هذا اللقاء، وتتكاسل أمام اللقاء، إذا أردت ملاقاة فلان المعين، الشخصية، كيف تتزين وتتطيب وتذهب بإجلال وإعظام إلى هذا الإنسان، وتكن له الاحترام والإجلال، وأما إذا أريد منك أن تلاقي ربك قمت كسلان متعبًا منهكًا، وتلاقيه بذلك اللقاء الجاف السريع، وأنت تريد أن تنهي صلاتك وتستريح منها.
انظر إلى أولئك الذين تجسد فيهم معنى الخشوع والخضوع.. أمير المؤمنين يقول: ”ركعة لي في دنياكم أحب إلي من الجنة وما فيها“، ليس نعيم الجنة الذي ألتذ به، ليس الحور والولدان والقصور والأنهار وغيره، بل لذتي جوار ربي، مناجاة ربي ولقاء ربي، ولذلك هذه اللذة الروحية خلقت من أمير المؤمنين ذلك العابد المنقطع النظير الذي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، اللذة التي تجسدت في أمير المؤمنين ، لذته بجوار الله، بلقاء الله، جعلت منه يصلي يوم صفين والحرب قائمة على قدم وساق، كيف تصلي يا أبا الحسن والآن وقت قتال وحرب؟! قال: ”علام نقاتلهم؟! إنما نقاتلهم لأجل الصلاة“، وكان يصلي والسهام تنفذ إلى ثيابه وهو ماض في صلاته، وقال الإمام الحسن : ”ما رأيت أعبد من فاطمة ، كانت إذا قامت إلى الصلاة ما انفتلت عنها حتى تتورم قدماها“.
كيف نحقق الخشوع؟أشعر نفسك وقلبك بروحية الخشوع والخضوع، أشعر قلبك بالخوف والرهبة، وأنك واقف أمام عظيم العظماء وجبار الجبابرة وملك الملوك، أنت واقف أمام القدرة والقوة والرحمة والعلم اللامتناهي، أشعر نفسك بالصغر والحقارة أمام ربك عز وجل، أشعر نفسك بالخضوع والخشوع، كان الإمام الحسن إذا وقف على باب المسجد ارتعشت أعضاؤه وقال: ”مسكينك ببابك، أسيرك بفنائك، يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم“.