الأخلاق
بـ (4) خطوات فقط.. كيف نسيطر على رغبات النفس؟

إن السيطرة على الرغبات تتحقق بعدة أمور معاً:

الأوّل: إيجاد فاصل نفسي من الانسان بين ذاته ورغباته، حتى يستطيع أن يقيم هذه الرغبات وعواقبها من موقع أعلى، لأن نفس المرء إذا فنيت في رغباته كانت تلك الرغبات هي الحاكمة طبعاً فيه، بل لا يجد مساراً له عداها، ولكنه إذا استطاع أن يوجد هذا الفاصل بين ذاته وبين رغباته فإنه يمكنه أن يقيم تلك الرغبات فيقول في نفسه مثلا: (إنني أرغب في أن أمارس العمل الفلاني أو أشاهد كذا، لكن ينبغي أن أتريث في ذلك فقد يضرني هذا العمل أو المشاهد بآثاره عَلَيّ)، وكثير من الناس يعجز عن إيجاد هذا الفاصل فيعتقد أن رغباته التي يحملها هي نفس الرغبات التي من المفترض أن يتحلى بها المرء وبالنتيجة لا يستطيع ان يخالف رغباته في شيء.

الثاني: تقوية نداء العقل والحكمة والقيم في داخل الإنسان من خلال الأدوات التالية:

١- التفكير والتأمّل فلا ينبغي أن يكون الإنسان مقلداً لكل ما يطلع عليه ومتأثراً فيه، بل لابد أن يكون له فكره وتأمله متحرزاً من التأثيرات الإعلامية والعاطفية التي تسوقه إلى منحى معين من دون تفكير وتأمل.

٢- القراءة لما يثير هذه المعاني في داخل الإنسان، بالاطلاع على المصادر والبرامج والمقالات التي تثريها وتنميها في داخله.

٣- تكوين بيئة أسرية واجتماعية سليمة يتفاعل معها الانسان ويعيش فيها، لأن للبيئة أعظم الأثر في تذليل مسار معين في حياة الانسان، ولذلك نجد أن كثيراً من الأقليات في المهجر تحافظ على قيمها ومفاهيمها من خلال الرابط القوي بين افرادها.

الثالث: تقوية الإرادة والعزيمة في داخل الإنسان، بمعنى أنه ينبغي أن يكون لجام تصرفاته وسلوكياته بيده، بحيث قد تلح عليه نفسه في شيء ولكن يستطيع أن يمنعها ويشعر بالقدرة والقوة على ما يمنعها، كما هو حال الصائم تجاه ما يجده من اندفاع الى الرغبات الممنوعة في حال الصيام كالطعام والشراب.

الرابع: توفير مستوى ملائم غير ضار للاستجابة للرغبات، ليكون بديلاً للأمور الضارة والمريبة وغير الموثوقة؛ فإن إتاحة البديل المناسب يساعد على الصدود عن الرغبات الضارة طبعاً؛ لأن الرغبات الأساسية العامة للإنسان تبقى تلحُّ عليه، فإذا وفر المخرج المناسب لها استطاع أن يقاوم دفعها في الاتجاه الخاطئ وغير الموثوق، وإلا فإنه لا يستطيع أن يطيل المقاومة إلى زمان طويل.

2020/11/28

اظهروا ’’الغضب’’ أمامهم.. لا تكونوا مع هذه الفئة من الناس! (فيديو)

لا تخلو بعض الأماكن من العصاة المسارعين إلى مبارزة الله تبارك وتعالى بارتكاب الذنوب، وبالرغم من أن تواجد المؤمن في هذه الأماكن لا يعده شريكاً فعلياً فيما يقترفون من أعمال قد توجب نزول العذاب، إلا اننا نجد تحذيراً يشدّد على تجنب هذه الأماكن وهذه الفئة من الناس.

ومع كون المؤمن ملتزم بأوامر الله تعالى نواهيه مع وجوده في مجتمع أو جماعة منحرفة، فما الداعي إذاً للخوف من التواجد بينهم بل وفي المجالس والاجتماعات التي تصدر فيها المعصية؟

ينقل سماحة الشيخ علي آل محسن [دامت بركاته] في كلمة حصل عليها «موقع الأئمة الاثني» رواية من كتاب الكافي الشريف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع فقال: أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به ربي، فقال: لا ولكن لا أحدت شيئا حتى أراجع ربي فعاد إلي الله تبارك وتعالى فقال:

يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك، فقال: امض لما أمرتك به فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط[1].

ما نستفيده من هذه الرواية يفصّله سماحة الشيخ علي آل محسن [دامت بركاته] في الفيديو أدناه:

 

 

 


[1] الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٥٨

2020/11/08

تسجيل صوتي لـ ’’نجل السيد السيستاني’’: هؤلاء خدعتهم الشبهات!

ينشر «موقع الأئمة الاثني عشر» تسجيلاً صوتياً لسماحة آية الله السيد محمد باقر السيستاني، دامت بركاته، نجل المرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني [دام ظله].

وبحسب التسجيل الذي يبدو أنه مقتطع من درس يومي، فإن سماحته أشار إلى نقطتين مهمتين في تحصيل العلوم الدينية، وقال إن "طالب العلم ينبغي أن يهذب باطنه وظاهره".

وشدد على أن "وظيفة العالم وطالب العلم هي أداء الرسالة الاجتماعية تجاه الناس ويفعل كل ما يقربهم إلى الله".

ولفت سماحته إلى "صعوبة تحصيل الفقه فهو ليس بالأمر اليسير إذ يحتاج إلى جهد كبير وتفرغ وانعزال عن كثير من الأمور فضلاً عن عشرات من السنين للإحاطة به وتطويره".

وقال "المتسارعون في هذه العلوم جهلة أغوتهم الدنيا وخدعتهم الشبهات وانتهى بهم الأمر إلى الادعاءات".

أدناه المقطع الصوتي:

2020/11/07

2020/07/30

2020/06/24

هل تعلم أن «قلق المؤمن» حالة إيجابية؟!

التّقوى لها درجاتٌ ومراتب: ٌ أعلاها العصمة المانعة من ارتكاب الرذيلة، وأدناها الخوف من الله - عزّ وجلّ -قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

لقد دلَّت الآية المباركة على إناطة قبول العمل بالتّقوى؛ حيثُ حصرت القبول بالمتقين، إذ قالت: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[1] ، والتّقوى لها درجاتٌ ومراتب: ٌ أعلاها العصمة المانعة من ارتكاب الرذيلة، وأدناها الخوف من الله - عزّ وجلّ -، كما قال تعالى: (إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[2] .

وما بين هاتين المرتبتين مرتبةٌ يليق بالمؤمن وبأهل العلم أن يتحلّوا بها، وهذه المرتبة هي ”مرتبة الرجاء“، التي عُبّر عنها في بعض الروايات بعبادة الرجاء، وهي عبارةٌ عن أن يعيش المؤمن قلقاً دائماً، فلا يستقرّ له بالٌ ولا يهدأ، ونتيجة هذا الفزع أن يكون العقل المسيطر على المؤمن هو الحذر في أن تقترن أعماله بما يمنع من قبولها، فهذه الحالة ”حالة القلق من جهة العمل“ مطلوبةٌ، وحالةٌ راجحةٌ، وهي مثال التّقوى الذي هو الشرط في قبول العمل، فإنَّ هناك فريقين من المؤمنين:

فريقٌ مطمئنٌ لوضعه:

وكأنَّه أحرز أنَّ صفحة أعماله نقيةٌ صافيةٌ لا يشوبها شيءٌ، لذلك يقول أنا واثقٌ من أنَّني في رضا الله، ومقبولٌ عند الله، لأنَّني لا أفعل المحرّمات، ولا أترك الواجبات، وهذا النوع من الشعور غرورٌ بالنّفس، وافتتانٌ بالعمل، فإنَّ الإنسان مهما بلغ من الحيطة والحذر، والمراقبة لعمله؛ فإنَّه يحتمل بعض اللَّمم، وربَّما تغزوه بعض شوائب حبِّ الدُّنيا وحبِّ المقام التي تفسد عمله، وتجعله غير مؤهلٍ للقبول، فالاطمئنان التام غرورٌ بالعمل قد يمنع من قبوله.

وهناك فريقٌ آخر يعيش حالة الحذر:

لا يدري على أيِّ وجهٍ يقابل الله؟! فهو يقول: أنا سائرٌ في هذه الدنيا بالعمل، والطاعة، والحذر، ولكن.. لا أدري هل تَحسن خاتمتي أم لا؟! وهل يحالفني التوفيق للإخلاص في أعمالي أم لا؟! وأن تكون هذه الآية ماثلةً نصب عينيه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[3] .

فالمؤمن الحقيقيّ هو من كان شعاره باطناً وظاهراً، شعوراً وسلوكاً، هو الحذر من المصير، فقد نقل الشهيد المطهري «ره» في كتابه[4] ، عن بعض من كان حاضراً عند المقدس السيد البروجردي «قده» في مرضه الذي توفي فيه، أنه كان حزيناً جدّاً، وأنَّه قال: وأخيراً انتهى عمرنا وسوف نرحل ولم نستطع أن نقدّم لأنفسنا خيراً! فوقف شخص يمدح إنجازاته: لماذا تقول هذا يا سيدي؟ نحن المساكين يجب أن نقول هذا، فأنتم تركتم آثاراً خيَّرةً كثيرةً بحمد الله، وخرَّجتم طلاباً كثيرين، وكتبتم كتباً كثيرة، وبنيتم مسجداً عظيماً، ومدارس، فقال السيد «ره»: قف عن هذا المديح ”خلِّص العمل فإنَّ الناقدَ بصيرٌ بصيرٌ“، فماذا تقول أنت؟ إنّك تصورت أنَّ ما يوجد عند النّاس وفي منطقهم هو كذلك عند الله، إنَّ مَن خلق العامل والعمل ناقدٌ بصيرٌ عارفٌ بصالحه وطالحه، فقد يختار اللؤلؤة من ركام الأحجار السوداء، وقد لا يرى في عمل العبد إلاّ الفحم المحترق النتن!

إنَّ هذه الكلمة إذا اتّخذها المؤمن درعاً له؛ جعلته وصيَّرته في حالة فقرٍ، ورجاءٍ حثيثٍ، منتظراً من ربّه فيضَ الرّحمة والمنّ والفضل، وهناك آية واضحة الدّلالة على ما ينبغي أن يعيشه المؤمن من حالة القلق: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)[5] .

ومفاد هذه الآية أنَّ المؤمن في حالة قلق دائم، فتراه يتوسَّل بالوسائل المتنوعة ليحصل على قسط من الرّحمة، حيث قال: (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ)، فهم يعيشون على مائدة الرّجاء، والأمل، (وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)، وهذه الحالة فيهم ناشئةٌ عمّا ذكرته الآية في ذيلها (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)، لأنَّهم يعيشون حالة الحذر، يعيشون حالة القلق، وقد ورد عن أبي عبدالله : ”لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو“ [6]

فالحريُّ بنا - خصوصاً الدُّعاة، والمصلحين، والعلماء، والمُبلِّغين - أن نعيش هذه الحالة، وهي حالة القلق من أعمالنا، راجين القبول والتفضُّل علينا بقطرةٍ من فيض الرَّحمة والتوفيق، للبُعد عن مزالق الأقدام وشبكات الشَّيطان، خصوصاً أنَّنا نعيش تحت ظلال مولانا صاحب الأمر والزَّمان، ونعيش على فتات مائدته، وقد جعله الله علينا شاهداً وشهيداً ورقيباً، فمقتضى إحساس الإنسان بأنَّه يعيش تحت رقابة هذا الشاهد الشهيد؛ أن يجعله تحت حالة قلقٍ من أنَّ أعماله وطريقه في إطار رضاه ، أم أنَّه في طريق سخطه وإعراضه، ورضاه رضا الله، وسخطه سخط الله - عزّ وجلّ -.

نسأل الله أن ينبهنا من نومة الغافلين، وأن يبصِّرنا بعيوبنا، وأن يجعلنا من الحذرين على أعمالنا، الرّاجين لرحمة ربنا

الهوامش:


[1]  المائدة: 27.

[2]  الأنعام: 15.

[3]  النور: 63.

[4]  التربية والتعليم في الإسلام، ص219.

[5]  الإسراء: 57.

[6]  الكافي، ج2، ص71.

2020/04/29

ما معنى الحسد؟ وكيف نعالجه؟
معنى الحسد هو تمني زوال النعمة عن شخص ما مع تمني تحولها اليه أو مجرد سلبها منه، أو تمني أن تكون النعمة له دون غيره.

والحسد حالة نفسية و صفة سيئة و رذيلة خطيرة جداً و داء دوي، و صفة من صفات المنافقين، و ليست من صفات المؤمنين، و لا بُدَّ لمن ابتلي بهذا المرض الهدام أن يعالج نفسه سريعاً قبل أن يخسر دنياه و آخرته.

و في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه و آله قال: "... وَ لَا تَتَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ‏ الْإِيمَانَ‏ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ الْيَابِسَ"[1].

ثم إن الحسد لا يتوقف في الغالب عند حد معين بل يتنامى فيكون سبب لكثير من الرذائل و المعاصي كالحقد و الكذب و الغيبة و المكر و غيرها و قد يوصل الحاسد إلى ارتكاب القتل كما حصل لقابيل نتيجة لحسده أخيه هابيل.

رُوِيَ عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام أنهُ قَالَ: "هَلَاكُ النَّاسِ فِي ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَ الْحِرْصِ وَ الْحَسَدِ، فَالْكِبْرُ هَلَاكُ الدِّينِ وَ بِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ، وَ الْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَ بِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ الْحَسَدُ رَائِدُ السُّوءِ وَ مِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ"[2].

و لخطورة الحسد و أثاره السيئة أمر الله عَزَّ و جَلَّ رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله أن يتعوذ من شر الحاسد لأن مقاصد الحاسد خطيرة حيث قال في سورة الفلق: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )[3].

أما الحسد بمعنى اصابة العين و نظرات الحاسد و تأثيراتها على المحسود فهي من الآثار السيئة لحسد الحاسد على المحسود، أعاذنا الله جميعاً منها.

كيف نعالجه؟

و لقد أرشدتنا الاحاديث و الروايات المأثورة عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله و عن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام الى كيفية علاج الحسد، و ها نحن نذكرها باختصار.

1. الاستغفار

قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "إذا حسدت فاستغفر اللَّه"[4].

2. عدم التعدي على المحسود بأي شكل من الاشكال: لا بالعمل و لا باللسان و لا بالإشارة و الغمز، ذلك لأن الحسد يكون في القلب و الفكر في البداية فلابد من حصره و خنقه و هو في مولده و عدم السماح له بالخروج و التطور فيوقع الانسان في الذنوب و المعاصي الكبيرة و ظلم المحسود.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ:‏ "أَلَا إِنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ هُوَ الْحَسَدُ، لَيْسَ بِحَالِقِ الشَّعْرِ لَكِنَّهُ حَالِقُ الدِّينِ، وَ يُنْجِي‏ مِنْهُ‏ أَنْ يَكُفَّ الْإِنْسَانُ يَدَهُ، وَ يَخْزُنَ لِسَانَهُ، وَ لَا يَكُونَ ذَا غَمْزٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ"[5].

و قال صلى الله عليه و آله: "... إِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ"[6].

3. ترك التطلع الى أحوال من حوله من الاقرباء و الاصدقاء و مراقبتهم لتجنب إثارة الدوافع الكامنة في النفس نحو الحسد، فمن راقب الناس مات هماً.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: ابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما اتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك..."‏[7].

4. القناعة بما رزقه الله و الرضى بما قسم الله له.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: "... إنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، و من يك كذلك فلست منه و ليس منّي"‏[8].

5. العمل ضد ما تملي عليه النفس الامارة بالسوء من القيام بأعمال ضد المحسود، فبدلاً من ذلك فعلى من يريد اصلاح النفس و معالجة الحسد أن يتمنى للمحسود دوام النعمة و الخير و يقابله بالاحترام و الاحسان حتى تخمد نيران الحسد و يموت.

الهوامش:
[1]. قرب الإسناد: 29، لأبي عباس عبدالله بن جعفر الحميري القمي، من أصحاب الإمام حسن العسكري (عليه السلام) و فقهاء القرن الثالث، طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، الطبعة الأولى، سنة 1413 هجرية، قم / ايران. [2] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 75 / 111، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة : 1037، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة : 1414 هجرية. [3] القران الكريم: سورة الفلق (113)، من بداية السورة إلى الآية 5، الصفحة: 604. [4] نهج الفصاحة: 416. [5] الأمالي : 344 / المجلس الاربعون، للشيخ محمد بن محمد النُعمان المُلقَّب بالشيخ المُفيد، المولود سنة : 336 هجرية ببغداد، و المتوفى بها سنة : 413 هجرية. [6] مجموعة ورَّام : 1 / 127، لورَّام بن أبي فارس، المتوفى سنة : 605 هجرية بالحلة / العراق، طبعة الأوفست عن طبعة دار صعب و دار التعارف، بيروت / لبنان، سنة : 1376 هجرية. [7] الكافي : 2 / 307، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة : 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة : 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران. [8] المصدر السابق.
2020/04/21

ثلاثة أعمال تدخلك الجنة دون حساب!

ثلاث من كنّ فيه استكمل خصال الإيمان وكان في الدرجات العليا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

الصبر على الظلم

الأول: الصبر على الظلم، المقصود منه الظلم الفردي الشخصي، كأن يُظلم من أخيه أو أقاربه أو جيرانه، فإنّه في بداية الأمر عليه أن يدفع الظلم عن نفسه، فإن لم يستطع فيصبر، وإذا ظفر به وقدر عليه فيصبر أيضاً على ما بدر منه الظلم، بأن يعفو عنه، ويصفح صفحاً جميلاً، أي لا يعاقبه بعد العفو أولا يبطل عمله بالمن والأذى، فلا يعامله بالمثل، بل لا يكون أقل من النخلة، فإن الأطفال يرمونها بالحجارة، وهي تعطيهم التمر اللذيذ والرطب الجني، فمن كان طفلاً في أخلاقه معك وتجاسر على شخصيتك الموقرة بإساءة الأدب، فالمفروض أن لا تعامله بالمثل، بل تحسن إليه، وتعفو عنه، وتجازيه بالأفضل وتدفع عن نفسك بالتي هي أحسن، حتى تكسبه صديقاً وولياً حميماً، فإن الناس عبيدو الإحسان، ومن مكارم الأخلاق في الدنيا والأخرة أن تعفو عمن ظلمك.

كظم الغيظ

الثاني: كظم الغيظ والتحلم عمن أغضبك، وجرح مشاعرك وعواطفك، وتحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى.

العفو

الثالث: العفو والغفران عمن أساء إليك قولاً وعملاً، ولم يحترمك، ولم يقدر مكانتك وشخصيتك في المجتمع.

ثم يترتب على هذه الأخلاق الثلاثة الطيبة الصبر والكظم والعفو آثار وثمرات دنيوية وأُخروية، منها: كان ممّن يدخله الله عز وجل الجنّة بغير حساب، أي دون محاسبة أو يزيد في الثواب بلا حساب ولا كتاب، كما يعطيه: حق الشفاعة كما هي للأنبياء والأوصياء والشهداء والعلماء، فيشفعه في مثل قبيلتين كبيرتين مثل ومضر من أكبر قبائل العرب.

2020/04/15

هل للطعام تأثير على النطفة والجنين؟!

- توفيق بوخضر

لا شك أن للأكل أثره على النطفة أثراً واضحاً؛ إذ أن النطفة هي في حقيقتها خلاصة الغذاء الذي يأكله الإنسان، ومن الثابت أن لكل غذاء خاصية وأثراً خاصاً به؛ فتتشكل النطفة من تشكيل الغذاء وتأثيره عليها أشد من تأثير الطعام على الإنسان إذا بلغ إنساناً سوياً.

ولا يقتصر الأثر على الناحية الشكلية فقط أو المادية بل على الناحيتين على حد سواء؛ فالمادية والمعنوية تتأثران بالغذاء، ولقد لوحظ انتقال صفات الحيوانات المأكولة إلى آكليها. لذلك نجد الإسلام قد وضع قوائم من الأطعمة والحيوانات لا يجوز أكلها نظراً إلى ما تخلف من الآثار السلبية، بل حتى التي يحل أكلها إذا عرض لها شيء يؤثر فيها يحرم أكلها، مثل الدواجن أو الحيوانات التي تتغذى على العذرة لا يجوز أكلها حتى تطهر.

قال ابن خلدون: «أكلت الأعراب لحم الأبل فاكتسبوا الغلظة، وأكل الأتراك لحم الفرس فاكتسبوا الشراسة وأكل الإفرنج لحم الخنزير فاكتسبوا الدياثة» .

لقد قام العلماء بإجراء تجارب كثيرة على الاطفال لمعرفة تأثير المغذيات على شخصيتهم وسلوكهم؛ فانعدام وجود الفيتامين أو النشويات أو الأحماض الأمينية في الأطعمة أثر تأثيراً بالغاً على سلوك الأطفال.

هذا وقد وجد أيضاً أن الرضاعة الطبيعية كان لها أثر أفضل بكثير من الرضاعة الاصطناعية. أضف إلى ذلك أنه قد ثبت أن أكل لحوم العجل المحقون بمادة هرمونية (diebhy istiberterog ) كان به تأثير على سلوك وشخصية الناس حيث زاد بهم عملية اللواط أو المساحقة.

فإذا كان هذا حال من أعطي مادة هرمونية، فمن باب الأولى من كان بالذات فإن تأثيره أشد نكالاً وأقوى فعالية.

فإذا تقرر ذلك لزم الوالدين من مراعاة نوعية الطعام الذي يأكلانه لسلامتهما ولسلامة أولادهم من الآثار الجانبية. ومن الضروري أن تعلم أن بقاء الغذاء يؤثر في البدن لمدة أربعين يوماً.

عن الحسين بن خالد قال:«قلت لأبي الحسن عليه السلام إنا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من شرب الخمر لم تحتسب صلاته أربعين يوماً.

قال: فقال: صدقوا.

قلت: كيف لا تحتسب صلاته أربعين صباحاً لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

فقال: إن الله جل وعز قدر خلق الإنسان فصيره نطفة أربعين يوماً، ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما، ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوماً؛ فهو إذا شرب الخمر بقى في مشاشته أربعين يوماً على قدر انتقال خلقته.

ثم قال عليه السلام: وكذلك جميع غذائه أكله وشربه يبقى في مشاشه أربعين يوماً » (1).

وبهذا يظهر أن جمع الأغذية والتأثير لها يدوم أربعين يوماً، ومنه لا يمكن أن يعرج المصلي بصلاته وهو في حالة نجاسة؛ لذا فهي لم تصل إلى ساحة القدس بل ليس لها قابلية العروج أصلاً فهو لم يصل فعلاً حتى تقبل، وإن لهذا الحديث مقاماً آخر.

ولنعود إلى صلب الموضوع لننقل ما يقوله الدكتور سيد غياث الجزائري في كتابه:«إذا كانت نطفة الأب مسمومة حين الاتصال الجنسي فإن الجنين يوجد ناقصاً وعليلاً، وهذا التسمم ينشأ من تناول الأطعمة الفاسدة أو معاقرة الخمر. إذن يجب الاجتناب عن الاتصال الجنسي وحين التسمم والسكر بالخصوص » ص 152.

وفي صفحة أخرى يقول:«لقد قام أحد الأطباء الحاذقين في أوروبا بجمع إحصائيات دقيقة للنطف التي تنعقد في ليلة رأس السنة المسيحية فوجد 80% من الأطفال المتولدين من تلك النطفة ناقصوا الخلقة، وذلك لأن المسيحيين في هذه الليلة يقيمون أفراحاً عظيمة وينصرفون إلى العيش الرغيد والإفراط في الأكل والشرب ويكثرون من تناول الخمر .. » ص 154.

يقول الدكتور كاريل في كتابه (طريق الحياة ):«إن سكر الزوج أو الزوجة حين الاتصال الجنسي بينهما يعتبر جريمة عظيمة؛ لأن الأطفال الذين ينشأون في ظروف كهذه يشكون في الغالب من عوارض عصبية ونفسية غير قابلة للعلاج » .

ومن الطبيعي أن يهتم الوالدان بالنطفة قبل انعقادها بأربعين يوماً ويولون لهذه المسألة أهمية كبيرة؛ وذلك لأن نطفتهما بداية مخلوق جديد سيخرج إلى حيز الوجود وهو مسلوب الإرادة والقدرة والاختيار، وهو في مثل هذا الحال سيحدد سعادته من شقائه ورزقه وعمره وكل الأمور المرتبطة به؛ فإذا كانت نطفته من الحرام ـ والعياذ بالله ـ كيف سيكتب له التوفيق؟ !   لهذا فإن هذا المخلوق أحوج ما يكون للمساعدة من قبل والديه في مثل هذه الحالة، فإن بسط جناح الذل من الرحمة للوالدين وطلب الدعاء لهما لخصوصية التربية في الصغر حيث ينعدم القدرة عنده ويقع الاتكال الكلي على الوالدين فهو في وضع التقلب العنايتي للوالدين ينقل من مرحلة إلى أخرى والتي تنشأ قبل إيجاد نطفته من كونه إنساناً سوياً، قال تعالى:«واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا » (الاسراء 24).

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حتى الرجل يجب أن يكون غذاؤه طاهراً من الحلال الخالص حتى بعد انعقاد النطفة في رحم امرأته. لا سيما إذا كان يريد أن يغشاها في فترة الحمل؛ لأن المادة المنوية تتحول إلى غذاء يتغذى عليه الطفل، وأما بالنسبة للمرأة فهو واضح جداً حيث يكون غذاء الطفل وشرابه من غذاء أمه وشرابها لذلك يلزم الاعتناء بهذه الأمور بشكل أكبر.

ففي حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:«ثم يبعث الله ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله عزوجل فيقف منه ما شاء الله، فيقول: يا إلهي أذكر أم أنثى؟ فيوحي الله عزوجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك، ثم يقول: إلهي أشقي أم سعيد؟ فيوحي الله عزوجل إليه ما يشاء من ذلك، ويكتب الملك فيقول: اللهم كم رزقه؟ وما أجله؟ ثم يكتبه ويكتب كل شيء يصيبه في بين عينيه ثم يرجع به فيرده في الرحم، فذلك قول الله عزوجل:«ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها » (2).

فيا أيها الزوجان إن ولدكما أمانة في أعناقكما؛ فإذا كنتما تريدان حياة طيبة لأبنائكم عليكما أن تطيبا طعامكما وشرابكما وتجعلاه من الحلال الذي لا شبهة فيه.


1 ـ الكافي: ج 6، ص 402.

2 ـ البحار: ج 60، ص 340.

2019/08/27

العادات السيئة لم تولد معنا.. الإنسان خير مطلق أم شر مطلق؟!

يوجد في خلق الإنسان وطبيعته مجموعة من الدوافع المختلفة وإذا كان يمتلك صفات من قبيل «طلب الحق» و «حب الحقيقة» و «طلب العدالة» و«إرادة الخير» ففي المقابل أيضاً توجد فيه العديد من عوامل وصفات الجذب من قبيل «الأنانية والنفعية، وطلب الجاه والثروة، والشهرة» ويستحيل أن ينظر إلى هذين العاملين الدفع والجذب بنظرة واحدة، إذ من المسلّم به انّ إحدى هاتين الخاصيتين تنبع من الروح الملكوتية والأُخرى وليدة الجانب المادي في الإنسان.

وعلى هذا الأساس يقال: انّ الإنسان مزيج وخليط من الخير والشر ومن الإيجاب والسلب.

إنّ ظاهر بعض الآيات القرآنية التي تتعلّق بخلق الإنسان تؤيد هذا النوع من التحليل البدوي، وذلك لأنّ القرآن الكريم يشير إلى نقاط الضعف والقوة لدى الإنسان ويصفه بصفات مختلفة.

وها نحن نشير إلى بعض هذه الصفات ونقاط الضعف والقوة المختلفة التي وردت في تلك الآيات:

1. الإنسان خليفة اللّه في الأرض:

(...إِنَّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...). ([1])

2. اللّه كرّم بني آدم:

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً). ( [2])

إنّ هذه الآيات ونظائرها تبيّن قيمة الإنسان ونقاط القوة فيه وإنّها تقودنا إلى معرفة الجانب الملكوتي الكامن في الإنسان وانّه مركز الخير والإحسان في هذا العالم.

في مقابل هذه الآيات توجد طائفة أُخرى من الآيات التي تشير إلى نقاط الضعف والخلل في الإنسان، حيث يصف القرآن الكريم الإنسان وفي آيات متعدّدة بصفات سلبية متعدّدة، وكلّ آية تشير إلى صفة من تلك الصفات.

1. انّه مخلوق عجول:

(...وَكانَ الإِنْسانُ عَجُولاً). ([3])

وفي آية أُخرى يقول سبحانه:

(خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَل...). ( [4])

2. انّه مخلوق مجادل:

(...وكانَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْء جَدَلاً) .( [5])

3. الإنسان مخلوق: «هلوع» و «جزوع» و «منوع» وهذه الصفات الثلاثة تتلخّص بصفة واحدة هي «الحرص الشديد» حيث يقول سبحانه: (إِنَّ الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً). ([6])

إنّ الإمعان في هذه الأبعاد السلبية للإنسان أو حسب المصطلح صفات الشر، يثبت وبجلاء انّ هذه الصفات جميعاً لم تخلق مع الإنسان منذ نشأته الأُولى، أي أنّها لم تكن من الأُمور الملازمة لخلق الإنسان وطبيعته، بل انّ هذا الشر أو هذه الصفات السلبية في الواقع وليدة طغيان بعض الغرائز الضرورية للإنسان، وبسبب غياب القيادة الصحيحة التي تتحكّم بتلك الغرائز والميول وصلت الحالة في الإنسان إلى ما وصل إليه من هذه الصفات.

فعلى سبيل المثال «الحرص والطمع» في الإنسان وليد طبيعي لحالة طغيان غريزة «حب الذات والأنانية» وغياب عامل الموازنة والتعديل الذي يمكنه أن يهذب هذه الغرائز الجامحة.

وكذلك صفة «الجدل والمجادلة» فإنّها إحدى فروع غريزة «حب الاستطلاع»، فإنّ هذه الغريزة أوجدت في الإنسان لتأخذ بيده إلى معرفة الحقائق وكشف الأسرار والوصول إلى الكمال العلمي ولكنّها وللأسف تتحوّل في بعض الحالات إلى حالة من الجدل والعناد بسبب مجموعة من الأغراض والأهداف غير الصحيحة بحيث تخلق من الإنسان موجوداً معانداً جدلاً، وهكذا الكلام في سائر الصفات السلبية.

والشاهد على عدم ملازمة تلك الصفات السلبية لخلق الإنسان ابتداءً وانّها في الواقع وليدة طغيان الغرائز الإنسانية، هو انّ القرآن الكريم حينما يتعرض لذكر تلك الأبعاد السلبية في شخصية الإنسان، يرفقها وعلى الفور باستثناء الشخصيات الصابرة وأصحاب الأعمال الصالحة والحسنة من هذه الصفات السلبية، حيث يقول تعالى:

(...إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبيرٌ). ( [7])

فهذا الاستثناء شاهد صدق على عدم الملازمة بين الإنسان وبين الصفات السلبية وانّها لم تخلق مع الإنسان، لأنّ الناس في الواقع متساوون في الخلق ولا تمايز ولا تفاضل بينهم من هذه الجهة، وإنّما تحدث تلك الحالات نتيجة طغيان الغرائز كما قلنا لدى الناس غير المؤمنين باللّه سبحانه، وأمّا المؤمنون منهم الذين استقاموا أمام المحرمات وصمدوا أمام المغريات وعوامل الانحراف ومسكوا بيدهم زمام الأُمور فإنّهم مصداق لقوله سبحانه: (إِلاّ الّذينَ آمَنُوا ... وَتَواصَوا بِالصِّبر) ([8]) فإنّ هؤلاء منزّهون عن هذا الطغيان الغرائزي، وإنّ غرائزهم وميولهم تسير في الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى تكامل الإنسان ورقيّه.

وبعبارة أُخرى:

انّ الإنسان البعيد عن تعاليم السماء والرسالة الإلهية المفعمة بالتعاليم الروحية والمعنوية، تجمح به غرائزه لتخلق منه إنساناً «عنوداً» «لجوجاً» «ظالماً» «حريصاً»، وأمّا الذي يرتوي من معين السماء العذب وينهل من ذلك النبع الصافي ويخشى اللّه تعالى حقّ خشيته فإنّه وبلا ريب ستتحول غرائزه وميوله إلى حالة أُخرى تختلف اختلافاً جوهرياً عن سابقه، بحيث تتحول تلك الغرائز والميول إلى عوامل تأثير إيجابي وبناء في حياته ومسيرة تكامله.([9])


[1] . البقرة: 30.

[2] . الإسراء: 70.

[3] . الإسراء: 11.

[4] . الأنبياء: 37.

[5] . الكهف: 54.

[6] . المعارج:19ـ 21.

[7] . هود:10ـ 11.

[8] . العصر: 3.

[9] . منشور جاويد:4/271ـ 278.

2019/06/19

نسمع عنها كثيراً: «الفطرة».. ماذا تعني؟!

الإسلام هو دين الفطرة.. هكذا يخبرنا القرآن الكريم في مواضع عدة، بمعنى أنه منسجم بالكامل مع أصل خلقة الإنسان و غاية حركته و حقيقة روحه؛ يقول ‏تعالى:

(فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم‏[1]).

أي: توّجه‏ بالكامل للإسلام، فهو الدين الحنيف و الوسط الذي لا إفراط فيه و لا تفريط، لأنه منسجم بالكامل مع الفطرة الإلهية.

فهو دين «قيّم»، أي: أبديّ ثابت، لكونه وسطا منسجما مع الفطرة- كما توضح الآية الكريمة و نبيّه (صلّى اللّه عليه و آله) هو خاتم الأنبياء[2].

لكن، ما هي الفطرة؟

الفطرة لغة تعني الخلقة، ولبيانها بشكل تفصيلي نقول:

إنّ معلوماتنا هي على قسمين:

الأول: فكرية تتحصّل بالتعليم و التعلّم مثل ما يتحدث عنه العلم في‏ المدرسة، و يستنتجه التلميذ، و نظير ما أقوله في هذا الاجتماع المقدّس و ما تسنتجونه منه.

فهذه معلومات يكتسبها الإنسان، و ترتبط بعقله، فهي معلوماته.

و القسم الآخر: يضم معلومات غير اكتسابية بل «وجدانية»، و هي لا ترتبط بالعقول، بل بالغرائز و الميول، مثل إدراك الإنسان للجوع والعطش.

فهي معلومات ليست تعليميّة و لا تعلّميّة، بل تدرك وجدانيا، إذ يجوع الإنسان، فيتناول الطعام، فيشبع، أو يعطش فيشرب الماء، فيرتوي.

فهو يدرك الجوع و الشبع بالغريزة التي أودعها اللّه فيه.

و بعبارة أخرى يدرك (معنى) العطش ساعة ينتابه و يدرك الارتواء ساعة يتناول الماء.

و هذه الغرائز على قسمين:

الأول: يشارك فيه الإنسان الحيوان كافّة، و لعلّه في بعض الحيوان أقوى منه في الإنسان نظير الأمثلة المتقدّمة.

و الثاني: هي الغرائز التي يتحكّم فيها التوجّه و الإرادة، و هذا القسم هو الذي يطلق عليه اسم «الفطرة» (الإنسانية).

فالفطرة هي نفس الغريزة مع فارق هو أنّ الغريزة تعمل بصورة غير شعورية دون توجّه و لا إرادة، ولديها معلومات. أمّا الفطرة، فهي تدرك و لكن بالعمل و التوجّه.


[1]  سورة الروم/ 30.

[2]  الاستدلال على خاتمية النبوة المحمدية يرجع إلى كون الاسلام دينا أبديا ثابتا، و ليس لكونه‏منسجما مع الفطرة الإلهية، فأصل الاديان الإلهية عامةغير المحرفةمنسجم‏مع الفطرة.

2019/05/01

2019/03/09

ما أعرف أحداً إلا وهو «أحمق»!!

إن هناك بعض التعابير الواردة في روايات أهل البيت (ع)، تهز الإنسان من الأعماق.. من هذه التعابير ما ورد عن الإمام الحسن (ع): (ما أعرف أحداً إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه)؛ تعبير فيه الكثير من العتب والمرارة.. ولكن لا ينبغي الاستيحاش كثيرا من هذا التعبير، فالأحمق هو ذلك الذي يفوت على نفسه الفرصة.. مثلا: لو جئت بجوهرة قيمتها الملايين، وقلت لإنسان: أبيعك هذه الجوهرة بدرهم، إذا لم يقبل هذه المعاملة، ألا تصفه بالسفه، وعدم التدبير، حتى لو لم يكن مجنونا؟!.. فالذي يفوت الفرص الذهبية، إنسان قريب من عالم عدم التدبير.

نحن -مع الأسف- في أمورنا الدنيوية، في أعلى درجات: الانتباه، والحذاقة، والالتفات، والذكاء.. وهذه الأيام الناس يصنفون البشر، حسب رصيدهم في البنوك.. ولكن الإمام (ع) يريد أن يقول: كما أن هناك الإنسان الكيس في أمور الدنيا، كذلك هنالك الكيس في أمور الآخرة: فـ (المؤمن كيس فطن).. ومن أعلى صور الكياسة والفطانة، أن يستغل الإنسان وجوده في هذه الحياة الدنيا، ليحقق أعلى وأغلى المكاسب، قال الإمام الهادي (ع): (الدنيا سوق؛ ربح فيها قوم، وخسر آخرون).

إن المؤمن بين وقت وآخر، في خلوة في جوف الليل، أو على ضفة نهر، ينظر إلى علاقته مع ربه: يسأل نفسه: هل رب العالمين راض عنه أم لا؟ إذا كان يقطع بعدم الرضا؛ عليه أن يغير مجرى حياته.. وإذا لم يقطع بعدم الرضا، بل شك في الرضا؛ أيضا المسألة خطيرة.. فلابد أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة، فيقطع نسبيا -حسب الظواهر- برضا رب العالمين عنه، أو بسخطه عليه.

إن البعض لا يخاف من الموت، لأنه قد أدى كل ما عليه من: صلاة، وصوم، وحج، وخمس، ورد مظالم... الخ، فليس هناك ما يخافه.. وهذه حالة راقية جدا في الإنسان، وقد يكون صاحب هذه الحالة من عامة الناس.. وعليه، فإن المؤمن في كل وقت يحاول أن يستقرئ هذه العلاقة؛ ليصل إلى مرحلة النفس المطمئنة التي ترجع إلى الله عز وجل، لا يدخل الجنة فحسب! «فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي»، فأعلى درجات الجنة أن يكون الإنسان في جوار النبي وآله، ومن أصدقاء النبي وآله «وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا».. طوبى لمن أمضى هذه السنوات في الحياة الدنيا، ليكون من رفقاء الأنبياء والأوصياء، في جنة الخلد!

2019/02/27

2019/01/01

ما هي حقيقة الصبر؟

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وقال على لسان لقمان الحكيم: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، وفي سورة الزمر قال تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

مع ما ورد من آيات تحث على الصبر وتُفَصّل في آثاره ونتائجه إلا إننا لا نفهم منه غير المعنى السلبي، فهو عندنا يعني ألّا نجزع ألا نولول ولا نصرخ بل نسكت.. هذا معنى الصبر عندنا.

والحقيقة أن هذا الفهم سلبي، بل الصبر هو ذاك الذي ينادي به القرآن ويجعله علاجا وغذاءً.. وهو يعتمد على اركان لابد من الالتفات اليها:

الركن الأول: الثقة بالله

فالصبر الذي لم يقترن بالثقة بالله تعالى وبالرضا لم يكن ممدوحا، فالبعض يصبر ولكنه غير واثق بما عند الله تعالى وغير راضٍ بما قسم له، إلا أنه ليس له حيلة إزاء ما يجري عليه.

إنما الصبر هو أن تثق بان ما اصابك خير لك، والاطمئنان بأن ما اصابني معوض ومدخر لي، هذا هو الصبر. وهذا يعني أنه لابد ان يكون مع الصبر عنصر ايماني ملكوتي، وهذا الذي تترجمه الآية المباركة (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

إذن ليس الصبر مجرد ألّا نجزع وفي داخلنا غير راضين، بل لابد ان نكون واثقين بأن ما اصابنا معوّض، لذا قال الامام الحسين عليه السلام في عاشوراء (هون ما نزل بي أنه بعين الله) فالذي يمنحني الصبر وطاقة من الايمان هو انني واثق بربي وان ما ذهب من دم وطاقة ونعمة لن يذهب هدرا أنا واثق بربي، لذا قال: (اللهم رضا بقضائك وتسليما لأمرك يا غياث المستغيثين).

الركن الثاني: تأجيل اللذة

نحن دائما متمحورين ومتقوقعين في اللذة الحسية من المأكل والملبس.. وغير ذلك، دائما نبحث عن اللذة الحسية، وأما اللذة الروحية ليست في قاموسنا ولا في مصطلحاتنا كلذة العبادة والدعاء والصلاة... بيد ان هذه اللذة هي التي يتنافس عليها الاولياء، وهي التي تأسر أكبر الأبطال مثل علي بن ابي طالب عليه السلام.

نحن نرى في واقعنا انسانا بطلاً مفتول العضلات ولكن بمجرد ان تعرض له شهوة تزول كل هذه البطولة والعضلات، بمجرد ان يتعرض الى اثارة جنسية او مادية يتهاوى امام تلك الاثارة الصغيرة، يتهاوى أمام لذة حقيرة!

أما أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام الذي اقتلع باب خيبر بكف واحد:

يا قالع الباب الذي عن هزه عجزت أكف أربعون وأربع

أأقول فيك سميدع كلا ولا حاشا لمثلك أن يُقال سميدع 

بل انت في يوم القيامة حاكم في العالمين وشافع ومشفع

فعلي ابن ابي طالب عليه السلام هذه الشخصية العظيمة لا تتهاوى بطولته أمام أي من الشهوات والملذات، بل تتهاوى بطولته البدنية كلها إذا وقف في محرابه بين يدي الله تعالى.

فهو القائل: "ركعة في دنياكم أحب اليّ من الجنة وما فيها"، وهذا يعني أن لذة العبادة هي التي يتنافس عليها الأولياء وتأسر قلوبهم.

إذن نحن متقوقعون في اللذات المادية نتقاتل ونبكي ونتحسر عليها، نفكر في المستقبل وخائفون مما ينتظرنا منه ولأولادنا، كل خوفنا على فوت اللذة المادية، فهل فكرنا عن فوت اللذة الروحية؟ لذة الصبر، العزيمة، الصمود.

ومن هنا يأتي دور الصبر الذي يعني تأجيل اللذة، استبدال اللذة المادية باللذة الروحية، وهذا معنى الصبر.


تقرير: السيد هيثم الحيدري

2018/12/19

34 مرة الله أكبر - 33 مرة الحمد لله - 33 مرة سبحان الله: لماذا ينبغي أن نلتزم بهذه الأعداد؟!

إن تسبيح الزهراء (ع) من أفضل تعقيبات الصلاة، وهي هدية النبي (ص) إلى ابنته فاطمة (ع)، وهديتها إلى محبيها إلى يوم القيامة.. فلولا مراجعتها للنبي (ص) وحاجتها للخادمة، وعدم تلبية طلبها، وتعويضها بهذه الهدية؛ لما استمتعنا بهذه التسبيحات.. قال الإمام الصادق (ع): (مَن سبّح تسبيح فاطمة الزهراء -عليها السلام- قبل أن يُثني رجليه من صلاة الفريضة؛ غفر الله له.. وليبدأ يالتكبير).. ويذكر السيد اليزدي صاحب كتاب العروة الوثقى، أنه من الممكن أن يقرأ الإنسان تسبيحات الزهراء (ع) في كل وقت؛ فالأمر ليس محصورا على الصلوات الواجبة أو المستحبة.. وروي عن الإمام الباقر (ع): (ما عُبد اللَّه بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة، ولو كان شيء أفضل منه لنحلهُ رسول اللَّه (ص) فاطمة (ع))..

ثواب تسبيح الزهراء (ع)

1- الذكر الكثير.. روي عن الصادق (ع) في فضيلة تسبيح فاطمة -عليها السلام- قبل النوم: (من بات على تسبيح فاطمة -عليها السلام- كان من الذاكرين للَّه كثيراً والذاكرات).

2- سبيل إلى الجنة.. إن من امتيازات هذا التسبيحات أنها مرتبطة بالكوثر، يقول تعالى في كتابه الكريم:  (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ، والمصداق الأتم لهذه الآية هو فاطمة (ع)..  وتسبيح فاطمة (ع)سبيل إلى الجنة، عن الإمام الصادق (ع): (من سبّح تسبيح فاطمة في دبر المكتوبة، من قبل أن يبسط رجليه؛ أوجب الله له الجنة).

3- أفضل من ألف ركعة.. قال الصادق (ع): (تسبيح الزهراء فاطمة -عليها السلام- في دبر كلّ صلاةٍ، أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم).. هل المعنى أن الذي يسبح كل يوم، كأنه صلى ألف ركعة؟.. أم أن هناك احتمالا آخر: أي من سبح أعطي كل يوم ثواب ألف ركعة؟.. أي كل تسبيحة أحب من ألف ركعة!..

4- رضا الرحمن.. قال الباقر (ع): (من سبّح تسبيح فاطمة -عليها السلام- ثم استغفر، غُفر له.. وهي مائة باللسان، وألف في الميزان، ويطرد الشيطان، ويرضي الرحمن).

5- المغفرة.. روي عن الإمام الصادق (ع): (مَن سبّح تسبيح فاطمة الزهراء -عليها السلام- قبل أن يُثني رجليه من صلاة الفريضة؛ غفر الله له.. وليبدأ يالتكبير)..

6- يثقل الميزان.. فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): التسبيح نصف الميزان، والحمد للَّه يملأ الميزان، واللَّه أكبر يملأ ما بين السماء والأرض).

كيفية التسبيح

هناك كيفيتان لتسبيح الزهراء (ع)، حيث أن الأخبار اختلفت في كيفية تسبيحها (ع) من تقديم التحميد على التسبيح والعكس، واختلف الأصحاب والمخالفون في ذلك، مع اتّفاقهم جميعاً على استحبابه.. فالأولى: التكبير، ثم التحميد، ثم التسبيح.. والثانية: التكبير، ثم التسبيح، ثم التحميد؛ أي يقدم التسبيح على التحميد.. ولكن الأوْلى أن نحمد الله ثم نسبحه!..

الشك في عدد التسبيحات

من شك في التسبيح يبني على الأقل، إن لم يتجاوز المحل.. فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره، رفع اليد عن الزائد وبنى على (34) أو (33)، والأولى على نقص واحدة ثم يكمل العدد بما في التكبير والتحميد دون التسبيح.. قال الصادق (ع): (إذا شككت في تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)؛ فأعده).

سر الأعداد في التسبيحات

لو أن هناك كنزا في مكان ما، ولكي يصل إليه الإنسان، يجب أن يتقدم إلى الأمام ثلاثين خطوة، ثم يمينا عشرين خطوة، ثم يسارا عشر خطوات.. فهل يصل إليه إذا خالف هذه الأعداد؟.. وكذلك فإن هذه الأعداد مرسومة ومحسوبة في كل الموارد، والذي يخالف يفوته الكنز.. قال الصادق (ع): (اعلموا أن أسماء اللَّه كنوز، والأعداد ذراعها.. إذا قصر الذراع لم يصل إلى الأرض، وإذا طال الذراع دخل في الأرض).

فإذن، يجب المحافظة على العدد، وعدم الزيادة والنقصان فيها.. والعمل بها، وبالأدعية المأثورة؛ ليستفاد منها الاستفادة المطلوبة.. ولكن بشرط عدم ابتداع الأدعية، كمن سمع دعاء في المنام، فيوصي الآخرين به، ويهدد بأن من لم يعمل به، يحدث له كذا وكذا!.. فهذا ليس من الدين في شيء، وقد يخالفون -أحيانا- حكما شرعيا، مثلا: يكتبون هذه التوصيات على قرآن في المسجد.. فهو بأي حق تصرف بمال وقفي، وكتب عليه هذه الأباطيل؟.. إن هذه الأمور من دواعي الجهل، فإيانا أن نجعلها باسم الدين!..

2018/12/16

في الدنيا.. نجمع المال أم نعمل للآخرة؟!

إن تعامل الناس بالنسبة إلى الدنيا، على نوعين: هناك قسم توطدوا بالدنيا، ورضوا بالمتاع العاجل.. وبتعبير القرآن: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا).. وهناك قوم انقطعوا إلى الآخرة، وأهملوا الدنيا؛ أي لا يشتغلون للدنيا، فهم غير فعالين فيها، ويغلب عليهم الذكر اللفظي مثلا، ولا يبالون لا بمجتمعهم ولا بأسرهم.. وهذه أيضا حالة مرفوضة.

إن الكلمة الفصل في هذا المجال لأمير المؤمنين (ع): (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).. إنه تعبير رائع جدا!.. فالمؤمن يستثمر كل ما لديه من طاقات وقدرات، لتثبيت دعائم الحياة المادية.. والمؤمن من اهتماماته في الدنيا، أن يجمع مالا وفيرا، ليوقف بها أمرا ماديا، يكون له زادا في عرصات القيامة.. (إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له).. من هم أصحاب الصدقات الجارية؟.. هم أصحاب المال؛ فالمؤمن الفقير: رأس ماله الدعاء، والصبر.. أما المؤمن الغني: هو الذي بإمكانه أن يبني ما يكون له صدقة جارية، وأن يتكفل الأيتام.

فإذن، إن الدنيا مزرعة الآخرة.. في عالم الزراعة: كلما اتسعت رقعة المزرعة، كلما زاد المحصول.. وكلما زاد المحصول، زادت الزكاة الواجبة لذلك المال.. وبالتالي، فإن الدنيا إذا أصبحت في يد أمثال سليمان، تصبح نعم العون على الآخرة!..

إن الإمام (ع) يقول: (واعمل لآخرتك، كأنك تموت غداً).. إن المؤمن قد لا يخشع في صلاة الصبح، وقد لا يخشع في صلاة الظهر؛ لأنه يكون في قمة الانشغال اليومي.. أما في خصوص صلاة العشاء، فإن لها حالة خاصة.. وذلك لأن الإنسان عندما يصلي صلاة العشاء، يصلي صلاة المودع، فهي آخر فريضة لهذا اليوم، وبعدها سوف ينام، والله -تعالى- يقول في كتابه الكريم:  (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) ؛ فالموت والنوم أخوان قريبان.. من أين للإنسان الضمان أن الله يرجع له الروح بعد النوم؟.. ولهذا عندما يستيقظ من النوم، يخر ساجدا لله ويقول: (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني، وإليه النشور).. فالعبارة حقيقية!..

إن بعض الحجاج -مع الأسف- يحجون حجة، هم لا يرضون بها، على أمل الحج السنة المقبلة!.. من قال أنه سيوفق لذلك؟.. لذا عليه أن يحج حجة مودع، وفي ليلة القدر كذلك عليه أن يقوم بأعمال مودع.. ومعنى قول الإمام (ع): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) بعبارة أخرى: (ليس الزهد ألا تملك شيئًا، ولكن الزهد ألا يملكك شيء).. مثلا: هناك فقير له عصا وله سبحة، ولكن قلبه متعلق بهما؛ فهذا الإنسان عابد للدنيا.. وهناك إنسان آخر عنده مصانع كثيرة، ولكن قلبه غير متعلق بها؛ فهذا الإنسان زاهد بالدنيا.

2018/12/05

لماذا يتشتت فكرنا في الصلاة؟

إن المصلين يشتكون من تشتت الفكر في الصلاة، ولعل الخواص من الناس، مبتلون بهذه المسألة.. وهناك شيء عجيب!. أن الإنسان قادر على ضبط فكره في غير الصلاة، كأن يقرأ دعاء طويلا وهو مقبل، فإذا وقف للصلاة بين يدي الله -عز وجل- يذهب فكره يمينا وشمالا.. فما هو تفسير هذه الظاهرة؟

والأعجب من ذلك ليالي القدر، حيث أن المؤمنين من أذان المغرب إلى طلوع الفجر، يتقلبون من إحياء إلى إحياء، ولكن مجرد أن يدخل موعد صلاة الفجر، ويقف الإنسان ليصلي ركعتين، يصعب عليه الالتفات ولا يضبطهما.

أسباب تشتت الفكر

أولا: إن الله -عز وجل- لا يُدخل في دائرته الخاصة، إلا من ارتضاه.. فالصلاة لقاء مع رب العالمين، وليلة القدر اجتماع في ساحة السلطان.. في الليالي العبادية الإنسان يدخل في قاعة السلطان العامة، أما الصلاة فهي معراج المؤمن؛ أي اللقاء الخاص.. ولهذا القرآن الكريم يقول: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)، ومنها صلاة الفجر التي هي ركعتان، ولكنها كبيرة على النفس؛ إلا على الخاشعين.. وأما غير الخاشع -وهو أغلبنا- فهي كبيرة عليه.. كأن الله -عز وجل- لا يسمح لكل أحد أن يقبل في صلاته إقبالا خاصا.

ثانيا: إن الشياطين تكثف جهودها على بني آدم حسب حجم العمل؛ كلما كان حجم العمل كبيرا ويعتد به، كلما كانت الجهود كبيرة.. مثلا: إنسان يريد أن يقرأ القرآن الكريم، يأتيه الأمر: استعذ (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) هناك أمر بالاستعادة.. والصلاة فيها قرآن، وفيها ركوع، وفيها سجود، وفيها قنوت، وفيها دعاء.. فالصلاة معجون متكامل، والذي نفهمه أن المصلي لا يصل إلى الصلاة الخاشعة، إلا بشق الأنفس.. عن النبي الأكرم (ص): (فإذا أحرم العبد بالصلاة، جاءه الشيطان فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا!.. حتى يضل الرجل، فلا يدري كم صلى)!

فإذن، إن هناك جوا شيطانيا يحيط بالقلب.. ولهذا أمرنا بالاستعادة قبل قراءة الحمد في الصلاة، والمؤمن قبل أن يكبر يستغيث بالله أن يعينه.. ومن أفضل ما يقرأ قبل الصلاة الواجبة: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ).. وكذلك: (اللهم!.. اجعلني من الذاكرين ولا تجعلني من الغافلين).. فالاستنجاد بالله وأوليائه قبل الصلاة، من موجبات الإقبال فيها.

2018/12/01

إدمان بلا مخدرات!

إن هناك حركة من المناسب أن يتنبه لها المؤمن، سواء كان في المسجد أو كان في المنزل.. فمن يقدم على هذه الخطوة، يصبح مدمنا عليها، مثلما يدمن الإنسان الذي يتناول تلك الحشيشة التي تنبت في الأرض، وتفرز مادة حمضية.. فإن تناولها لمرة واحدة، لا يستطيع تركها.. فهل رب العالمين الذي جعل خاصية الإدمان في حشيشة صغيرة، لا يمكن أن يجعل الإدمان الإيجابي: أي الإدمان الروحي، والإدمان التكاملي، في حركة من الحركات؟

إن هذه الحركة هي التي كانت مصدر أنس لأئمة الهدى (ع) وهم في سجون الظالمين..  فالإمام موسى الكاظم (ع) شكر الله -عز وجل- على نعمة السجن، لأنه أصبح في خلوة.. وذلك لأنه إمام طرح نفسه لقيادة الأمة وهدايتها، ولكن الناس أعرضوا عنه، وجاء الحاكم الظالم وأودعه السجن؛ فسقط التكليف الاجتماعي عنه، وتفرغ لعبادة الله عز وجل.

لماذا نسجد؟

إن السجدة بالنسبة للأولياء والصالحين، ليست مجرد دقائق وسويعات، بل لعلهم كانوا يمضون بعض لياليهم في السجود.. حيث أن من أفضل موجبات الاطمئنان، هو الذكر في حال السجود.. وهو مقتضى قول النبي (ص): (أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد).. فالسجود هو أشرف حركة بدنية، وذلك لأسباب منها:

أولا: لأن الإنسان يكون منبطحا على الأرض.. فالواقف شامخ بأنفه، والراكع نصف التكبر خلق منه.. أما عندما يسجد فإنه يتكور، ولعل أصغر حجم لبني آدم يكون أثناء السجود.. قال الباقر (ع): (كان رسول الله (ص) عند عائشة ذات ليلة فقام يتنفّل، فاستيقظت عائشة فضربت بيدها فلم تجده.. فظنت أنه قد قام إلى جاريتها، فقامت تطوف عليه فوطئت على عنقه وهو ساجدٌ باكٍ يقول: "سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، أبوء إليك بالنعم، وأعترف لك بالذنب العظيم، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت، أعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ برحمتك من نقمتك، وأعوذ بك منك، لا أبلغ مدحك والثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، أستغفرك وأتوب إليك".. فلما انصرف قال: يا عائشة!.. لقد أوجعت عنقي، أي شيء خشيت؟.. أن أقوم إلى جاريتكِ)؟!

ثانيا: إن رأس الإنسان عادة ما يرمز إلى: العظمة، والتكبر، والكبرياء، والعلو، وهو في البدن يمثل القيادة.. فيلاحظ أن هذا الرأس في السجود، يتطأطأ أمام رب العالمين سجوداً.. وكذلك فإن أشرف بقعة في الرأس -وهو الموضع الذي يحاذي المخ، وهو مكان التفكير- ألا وهي الجبهة -وهذه الجبهة المحاذية لأشرف بقعة في الجسم على الإطلاق، وهو المخ المفكر- يلاحظ بأنها تلتصق بأرخص بقعة في الوجود، ألا وهو التراب.. يجعل الرأس وهو أشرف بقعة في الجسم، والجبين وهو أشرف بقعة في الرأس، يضع هذه القطعة على أرخص بقعة في الأرض.

فإذن، إن الحركة هي بنفسها تواضعية.. بعض الناس يصلي صلاة الليل، وعندما ينتهي يسجد وينام في سجوده، فيكون جسمه في الأرض، وروحه في السماء.. هذا العبد يباهي الله -تعالى- به الملائكة، لأنه لم يلزمه بشيء، بل هو ألزم نفسه.. عن رسول الله (ص): (يا أبا ذر!.. إنّ ربك -عزَّ وجلَّ- يباهي الملائكة بثلاثة نفر ـ إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم ـ ورجل قام من الليل فصلّى وحده، فسجد ونام وهو ساجد، فيقول الله تعالى: اُنظروا إلى عبدي!.. روحه عندي وجسده في طاعتي).

إن تذوق السجدة من ألذ لذائذ العيش عند أهلها.. وعليه، فإن السجود عملية مباركة.. ولكن ماذا نقول في السجود؟..

إن أفضل ذكر هو الذكر اليونسي، الذي لم يفارق الأولياء والصالحين طوال التاريخ: (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).. هذا الذكر عجيب، جامع لمعانٍ عظيمة، منها:

أولا: (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ)، هو سيد الأذكار.. لم يقل: (لا إله إلا الله)؛ لأن الإنسان عندما يكون قريبا من المخاطب، يخاطبه مباشرة، يقول: يا رب، أنا أخاطبك أنت مباشرة.

ثانيا: (سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)؛ تنزيه.. أي أن ما حصل، لم يكن جزافا!.. بل أنا الذي ظلمت نفسي، فأوقعت نفسي ببطن الحوت.. وأنا الذي ظلمت نفسي، فأوقعت نفسي في الكآبة المزمنة.. وأنا الذي ظلمت نفسي، فكتبت عاقبتي.. وعليه، فإن هذا الذكر فيه اعتراف جميل!..

إن القرآن الكريم لم يذكر أن يونس (ع) قال هذا الذكر مائة مرة، لعله ذكره مرة واحدة، ولكن بحالة يونسية.. فهنيئا لمن ذكر الذكر اليونسي بحالة يونسية، ولو مرة واحدة في عمره؛ عندها يرى الأعاجيب!.

2018/11/19

كيف نتعامل مع «الأحلام المزعجة»؟

من الأمور التي تواجهنا، مسألة المنامات.. وبعض هذه المنامات تغير طبيعة الإنسان، فتورث له حزنا بلا سبب، أو سرورا بلا سبب.. فما هو الموقف الشرعي تجاه ذلك؟.

إن المنامات موزعة بين العناصر التالية:

- إما منام حق.. وهذا المنام لا يتوقف على كون الرائي مؤمنا، ففي سورة يوسف هناك منامات صحيحة مفسرة؛ منها منام يوسف، ومنها منام فرعون الذي رأى البقرات.. إذن هناك منامات تفسر.. والمنام من آيات الله عزوجل، فالإنسان عندما ينام، تصعد روحه.. وفي هذه الحالة من الصعود، يرى بعض الصور الخاصة.

- وإما أضغاث أحلام.. هناك منامات لا يمكن أن تفسر بشيء، ليس لها قيمة.. عن ابن عباس قال: إن الرؤيا منها حق، ومنها أضغاث أحلام؛ يعني بها الكاذبة.. والأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا.

- وإما منامات شيطانية.. إن الشيطان يوسوس للإنسان في اليقظة وفي المنام.. فالشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

وعليه، ماذا نعمل تجاه ظاهرة المنامات؟..

ما دام الأمر لا يورث القطع واليقين، لا بد من عدم الاعتناء بهذه الظاهرة.. إن وجدنا مفسرا ومعبرا صادقا، يمكن الرجوع إليه من باب الرجوع إلى أهل الفكر في كل حقل.. والذين يفسرون الأحلام، هم طبقة نادرة، رب العالمين منّ على يوسف (ع) بتأويل الأحاديث {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.. فهذا علم إلهي لدني، والذي ليس له طريق إلى هذا العلم اللدني، ليس له الحق أن يتخرص في هذا المجال.

ما الذي يجب القيام به عند رؤية المنام؟

إذا رأى الإنسان مناما مزعجا أو مفرحا، ولم يجد من يعبر له هذا المنام.. -وبالمناسبة: إن الرجوع إلى بعض الكتب في هذا المجال خاطئ؛ لأنه لا يورث اليقين- فإن ذكر هذا المنام إلى قريب، قد يورثه الحزن.. وهذا تصرف غير صحيح، أن نورث مؤمنا حزنا دون سبب وجيه.. لذلك علينا القيام بما يلي:

الخطوة الأولى: الكتمان.. من كتم منامه وأسره، كفاه الله شره.

الخطوة الثانية: دفع صدقة.. إن على الإنسان أن يدفع هذه الصدقة بنية دفع البلاء، إن كان المنام منذرا بشر.. وبنية جلب النعمة، إن كان مبشرا.. حيث أن بعض الهبات الإلهية معلقة على الصدقات.. فرب العالمين أمضى هذه الهبة، بشرط أن تدفع صدقة.. فتكون هذه الصدقة إما دفعا للبلاء، أو جلبا للنعماء.

إن مضمون المنام، إن كان فيه قول من إمام أو مرجع لفت انتباهك إلى تقصير أو إلى خطأ ترتكبه في حياتك.. فإن القاعدة العلمية تقول: انظر إلى نفسك، إن كنت مقصرا وكان هذا التحذير في محله؛ عليك أن تتفادى هذا الخطأ.. أما إذا كان لا واقع له، فلا ينبغي التأثر بهذا المنام.

الخلاصة: إن مختصر الكلام في موضوع المنام، هو: ما دام هناك احتمال أن يكون أضغاث أحلام، وهذا الاحتمال وارد؛ فإن على الإنسان أن لا يبني حزنه وسروره على هذه المسألة.

2018/09/05

وصايا المرجعية العليا لخطباء المنبر هذا العام 1440هـ

تشرفنا في يوم الخميس الموافق 11 ذي الحجة عام 1439هـ بزيارة المرجع الاعلى سيدنا المفدى السيد السيستاني «دام ظله الشريف» وتوجهنا اليه بطلب توصيات ابوية لنا ولعموم خطباء المنبر الحسيني بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام، فتفضل علينا بهذه الكلمات النورانية المفعمة بروح العناية والغيرة والحرص على الدين، وحفظ موقعية المنبر الحسيني في اداء رسالته الخطيرة وقد افاض «دام ظله الشريف» في الحديث في نقطتين:

النقطة الاولى

في بيان دور المنبر الحسيني وخصوصاً في أيام موسم محرم الحرام، وافاد ان رسالة المنبر تتلخص بالإضافة الى ذكر ما جرى على أهل البيت عليهم السلام في نشر الدين وترسيخه في عقول المسلمين وقلوبهم من خلال بيان المعارف القرآنية ودفع الشبهات بالأدلة الوافية المقنعة وتربية نفوس المؤمنين على الورع والفضيلة والقيم المثلى.

وهذا بعينه هو الدور الذي اناطه الله عزّ وجل برسوله «صلى الله عليه واله» الذي هو اول من ارتقى المنبر في الاسلام، وقد شرح القرآن لنا دوره في قوله «عزّ وجل» «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ» حيثُ اشارت الآية الكريمة الى ان الرسالة النبوية - التي كان المنبر اداة فاعلة لتبليغها - ترتكز على ترسيخ الدين بتزكية النفوس وتنقيتها من أدران الظلمات والامراض الروحية والاخلاقية وعرض معارفه القرآنية وغرس الحكمة في القلوب بمصاديقها المتنوعة علماً وعملاً.

كما ان الهدف الأسمى للحركة الاصلاحية التي قام بها سيد الشهداء «سلام الله عليه» هو حفظ الدين وترسيخه مقابل المنهج الاموي الذي كان قائماً على هدم ركائز الاسلام وقيمه كما يظهر من شواهد كثيرة تعرف بمراجعة النصوص التاريخية. فقد قامت نهضته «صلوات الله عليه» في مواجهة ذلك المنهج الخطير، وكانت رسالته وتضحيته من اجل أسمى هدف وهو حفظ الدين عن الزوال والانحراف، وفي اعتقادي انه لولا تضحية الامام الحسين بتلك الصورة العظيمة في تلك المرحلة العصيبة لم يبق للإسلام أثر يذكر لأن المخطط الاموي كان متقناً ويقرب من الوصول الى اهدافه، وبما ان المنبر الحسيني هو امتداد ليوم الحسين فدوره ووظيفته تتمحور حول الدين ترسيخاً ودفاعاً وتعليماً وتربيةً.

النقطة الثانية

ان من أجلى مصاديق حفظ الدين وترسيخه في العصر الحاضر هو التصدي لدفع الشبهات المطروحة في مقابل الدين ومعارفه الاصيلة وقيمه الاخلاقية، ولكن ينبغي رعاية عدة أمور في هذا المجال:

الامر الاول:

ان يكون الخطيب المتصدي لدفع الشبهات متضلعاً في هذا الباب متسلحاً بالخبرة ووفرة المعلومات، والا فان ما يفسده بتصديه ربما يكون أكثر مما يصلحه. والمنبر هو من أهم الوسائل المتاحة لدفع الشبهات عن العقيدة الحقة، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام مضافاً الى التصدي لبيان المعارف والتعاليم الدينية  يقومان على المنبر بدفع الشبهات التي كانت في اذهان بعض المسلمين لقرب عهدهم بالجاهلية او كانت تطرأ على اذهان البعض منهم تأثراً بأفكار دخيلة على المجتمع الاسلامي، ومن هنا تتبين أهمية دور المنبر الحسيني من حيث انه امتداد واستمرار لرسالة المصطفى والمرتضى «صلوات الله عليهما وآلهما» مما يقتضي ان يكون مرتقي المنبر ذا كفاءة وجدارة وأهلية علمية.

الامر الثاني:

ان الشبهات على نوعين: فبعضها رائج ومشهور، وبعضها مطروح ولكن ليس بمتداول الا في نطاق محدود، ومن المناسب بل اللازم التصدي بشكل مباشر لدفع الشبه المعروفة في اوساط الناس، واما الشبه غير المتداولة على نطاق واسع فليس من الحكمة استعراضها وشرحها في اوساط العامة بل الصواب في علاجها أن يؤسس المبلّغ الديني بصورة محكمة للمضمون الذي به تندفع الشبهة عن اذهان من وقفوا عليها، من غير حاجة لذكرها والتعليق عليها.

الامر الثالث:

ان من المعلوم ان لكل مقام مقالاً، ولذا فان على الخطيب ان يلاحظ المستوى الذهني والثقافي للمتلقين للخطاب بالمباشرة ام بالواسطة فلا يطرح من المعارف الدينية الا ما ينسجم مع المستويات الذهنية للمستمعين ويعتني بصياغة الشبهات وتوضيح الجواب عنها بمقدار نفوذها في اذهانهم، وقد ورد عن الرسول الاعظم «صلى الله عليه واله»: ”إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى‏ قَدْرِ عُقُولِهِمْ“.

الامر الرابع:

لا بد من أقصى الاستفادة من معين علوم اهل البيت «سلام الله عليهم» المأثور عنهم بالطرق المعتبرة والمصادر الموثوقة، وقد ورد عنهم «سلام الله عليهم» ”إِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ‏ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا“ وتشتمل محاسن كلامهم على منظومة فكرية متكاملة متنوعة المضمون كالقرآن الكريم، ففيها من روائع الحكم ومعالم الاخلاق وإثارة دفائن العقول ودفع الشبهات ما ينير الانسان المسلم ويجعله واثقاً بعقيدته ودينه، وذلك هو مقتضى كونهم  الثقل الثاني للقرآن بصريح حديث الثقلين وغيره. فعلى الخطيب الحسيني أن يهتم بهذا الجانب في خطابته كما عليه أن يهتم بذكر مصائب أهل البيت عليه السلام وما جرى عليهم في فاجعة كربلاء لما لذلك من تأثير بالغ في بقاء هذه القضية حية في النفوس.

*نقلاً عن شبكة المنير

2018/08/27

2018/08/25

من وجهة نظر إسلامية... أيهما الأفضل: بناء مستشفى أم الصرف على مآتم الإمام الحسين (ع)؟!

لا ينصرم يوم الا ونسمع او نقرأ تساؤلات حول قيمة هذا العمل او ذاك، كقول بعضهم: أليس الأجدى والأنفع تزويج الشباب من إنفاق المال في الحج؟!

او قول غيرهم: لو تم صرف الأموال المخصصة لبناء المساجد والحسينيات في سد حوائج الفقراء والمساكين ألم يكن أرضى لله ولرسوله؟!

او قول آخرين: لماذا هذا الصرف على مآتم الحسين، واطعام الزائرين، فلو صُرفت هذه الأموال في بناء المدارس والمستشفيات ألم يكن أفضل؟!

بل قد ينجر هذا البحث الى تساؤلات تمس صميم عقيدة المسلم، كقولهم: لماذا هدم النبي أوثان المشركين ولم يحتفظ بها كشاهد على طريقة تفكير جيل من الناس؟ ولماذا لم يهادن أمير المؤمنين معاوية حتى تقوى شوكته ثم بعد ذلك يعزله؟ لماذا لم يبادر مسلم بن عقيل الى قتل ابن زياد عندما حانت له الفرصة؟!

وهكذا عشرات الأسئلة تلوكها الألسن وعلى مختلف المستويات، وقد غفل هؤلاء عن طريقة الإسلام في اعتبار قيمة الفعل، ولابد من التأكيد على ان البحث يدور حول قيمة الفعل من الناحية الأخلاقية، بغض النظر عن قيمته اقتصادياً واجتماعياً اي ان هذه السطور غير معنية بالبحث عن الوجه الاقتصادي والاجتماعي للعمل في نظر الاسلام، والتي يعالج طبيعة العمل المأجور، ونصيب العامل العادل من الانتاج ونحو ذلك، وانما البحث عن قيمة العمل من الناحية الانسانية والقيمة الاخلاقية.

فما هي المعايير التي على اساسها يتم احتساب قيمة العمل من وجهة نظر الإسلام او باقي المذاهب الفكرية؟

ولابد ان نلفت نظر القارئ الكريم الى ان الجواب عن هذا السؤال يتبع طبيعة المفاهيم الخلقية التي يتبناها هذا المذهب الفكري او ذاك، والتي هي ـ المفاهيم الخلقية ـ تابعة بدورها الى الأهداف التي يسعى لتحقيقها في المجتمع، فمثلاً الرأسمالية بوصفها مذهب فكري يرى أن كل عمل يحقق مصلحة للمجتمع في أطار الحرية والمصالح المتبادلة هو عمل شريف ذو قيمة عليا، وكلما كانت الثمار والنتائج تجلب منفعة أكثر كانت قيمة العمل اهم وأرفع، فتعتمد قيمة العمل بحسب منافعه الناشئة منه، وإن كان ناشئاً من دوافع أنانية وخبيثة، فالعمل خيّر إن جاء بمنفعة للمجتمع وإن كان عن طريق الحروب، كما يشير الى ذلك الباحث الكسيس كارل.

ووفق هذا المقياس فمساعدة إنسان أعمى وارشاده في الطريق لا يعد شيئاً بالقياس الى فعل رجل الأعمال الذي بنى مدرسة او مستشفى. فمساعدة الأعمى وإن كان عملاً نبيلاً إلا أن قيمته لا تضاهي قيمة فعل رجل الأعمال.

وأما الماركسية فالمعيار الاخلاقي لديها يختلف بعض الشيء عن الرأسمالية، باعتبارها ترى أن الصراع الطبقي في داخل كيان المجتمع يجعل مصالح الطبقات متناقضة، فالطبقة القديمة ـ والمراد منها تلك الطبقة التي فقدت شرائط استمرارها تاريخياً كالإقطاعية ـ قد تدافع عن مصالح معينة على حساب باقي الطبقات، وهناك بإزائها مصالح أخرى للطبقة او الطبقات الجديدة التي نمت وتحاول الوقوف على قدميها لتصارع الطبقة القديمة وجهاً لوجه، وتطالب بحقوقها ومصالحها.

فقيمة العمل بحسبها يعتمد على ما يحققه الفعل من اهداف ومصالح الطبقة الجديدة فكل عمل يحقق مصلحة للطبقة الجديدة فهو خير وذو قيمة لأنه يساهم في تطوير التاريخ، وكل عمل يحقق مصلحة للطبقة القديمة ويعمق وجودها الاجتماعي ويطيل من فترة حياتها وبقائها ويسهم في تأخير الطبقة الجديدة فهو عمل رجعي دنيء مادام لا يتفق مع الأهداف العليا التي تؤمن الماركسية بضرورة تحقيقها، وهي انتصار الطبقة الجديدة وسحق الطبقة القديمة التي تأخر السير التاريخي للأمام.

ولأجل ذلك قال لينين كلمته المشهورة: لا وجود عندنا للآداب المعتبرة فوق المجتمع، إنها لأكذوبة سافرة، فالآداب خاضعة عندنا لمنفعة نضال الطبقة العمالية.

وأما الإسلام فلعل أهم ما يختلف به مع باقي المذاهب الفكرية هو الأهداف التي يسعى لتحقيقها ويستوحي منها المفاهيم الاخلاقية، والتي تختلف جوهرياً مع أهداف سائر المذاهب. والتي هي الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح هو العمل الذي ينسجم مع هذا الهدف، فبمقدار اشتماله عليه تكون له قيمة اخلاقية، فالإسلام يهتم بدوافع العمل لا بمنافعه، ويرى ان الفعل يستمد قيمته من القصد والغاية التي من أجلها جاء بالفعل، فالأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى كما ورد عن الإمام الهمام موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أغزى عليا عليه السلام في سرية وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته، فقال رجل من الأنصار لأخ له اغز بنا في سرية علي، لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله قوله، فقال إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله، فقد وقع أجره على الله، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى. أمالي الشيخ الطوسي: ص619، الحديث: 1274.

فليس المهم في نظر الإسلام اشتمال الفعل على قيمة اقتصادية او اجتماعية ان كانت ناشئة من منبع فاسد، وإنما المهم ان يصنع انساناً نظيفاً ويشيد علاقات اجتماعية نابعة من جوانب ذاتية مشرقة.

فالإسلام يستهدف أولاً وقبل كل شيء المحتوى الداخلي والروحي للإنسان وصياغته صياغة تنسجم مع أهدافه السامية، بينما تتخلى باقي المذاهب الفكرية عن هذا الهدف وتترك الإنسان ليصنع نفسه بنفسه، وتهتم بالنتائج والمنافع دون الدوافع والرصيد الروحي للإنسان.

فهو يزرع بذرة هي الإيمان بالله واليوم الآخر لتثمر اعمالاً صالحة تؤتي أكلها كل حين، من هنا نفهم التمثيل القرآني لهذه الحقيقة كقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً، الفتح: 29، وقوله ايضاً:

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً الاعراف: 58.

وعلى هذا الأساس رفض القرآن المقايسة والمقارنة بين العمل الذي يأتي به الإنسان وفق الإطار الإيماني وبين العمل الذي يوجد بعيداً عن هذا الإطار وينبع من ميول ودوافع أخرى، فإن هذا العمل وفق المفهوم القرآني لا يمكن ان يقارن بذاك العمل، مهما كانت نتائجه ومنافعه الاجتماعية والاقتصادية، قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ  التوبة: 19.

فرغم ان هذه الأعمال لها منافعها الاقتصادية والاجتماعية العظيمة على المجتمع إلا ان القرآن رفض مقارنتها مع عمل المؤمن بالله واليوم الآخر، وسجل رفضه واعتراضه على كل عمل لم يراع فيه هذا القصد وإن كان من أكثر الأعمال نفعاً، كقوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ *إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.. التوبة: 17 ـ 18.

ومن هنا نفهم حرمة الرياء واستحباب صدقة السر وغيرها.

وكذا نفهم الإجابة عن جميع ما تقدم من الأسئلة، فقيمة العمل في الإسلام بقدر اشتماله على هذا القصد الشريف، فقيام المسلم بواجب الحج ايماناً منه بالله واليوم الآخر لا يقاس ببناء المستشفيات وتزويج الشباب، وإن كانت له منافعه الكبيرة، ولا يسأل عن سبب فعل أمير المؤمنين عليه السلام او مسلم بن عقيل طالما كانا نابعين من هذا الإيمان، وإن كان فعل الخلاف له منافعه.

وفي هذا الضوء قد يكون العمل البسيط في مظهره أرفع وأسمى من عمل يدوي له التاريخ، فقد تكون انكسارة لقلب مؤمن شفقة على يتيم أفضل ألف مرة من تضحية يترتب عليها أهم المصالح الاجتماعية لكنها بدافع من الدوافع المادية.

وبكلمة واحدة: المدار في قيمة الفعل من الناحية الأخلاقية من وجه نظر الإسلام تعتمد على حرص المسلم على تنفيذ الوظيفة الشرعية بغض النظر عن المنافع المترتبة على هذا الفعل، فقد يكون تكليفه بناء مشفى او مساعدة يتيم، وقد يكون التكليف بتوزيع الطعام على الزائرين، وهنا تتضح ضرورة الرجوع للفقيه ليبين لنا الوظيفة الشرعية، فكما قالوا في الفقه: عند التزاحم يقدم الأهم في نظر الشريعة، والذي يحدده الفقيه الجامع للشرائط.

وقد يتبادر الى الأذهان: ان النظريات غير الإسلامية في تقييم الفعل أكثر واقعية من النظرية الإسلامية، فالمهم هو توفير مصالح المجتمع أولاً، وكل عمل يحقق هذه الغاية فله القيمة الأعلى، ويجب تشجيعه ليرغب الآخرون بالإتيان بمثله، فماذا يهمنا لو بنى الغني مدرسة للفقراء حتى لو كان بدافع أناني ونية سيئة!.

ولكن في الحقيقة هذه نظرة سطحية لأن الإسلام لا ينكر أن العمل الذي لا ينبع من منابع صالحة قد يكون عملاً مفيداً ونافعاً، بالرغم من كونه عملاً نابعاً من طمع شخصي وغرض خبيث، ولكننا إذا سمحنا لتلك الإطارات غير الصالحة تنمو وتترعرع فمن يضمن لنا أنها سوف تدفع الفرد الى العمل المفيد والنافع دائما؟! فإذا كان المدار في قيمة العمل على مقدار ما يحققه من المنفعة فماذا لو تعارضت هذه المنفعة مع الغرض الإلهي من الخلقة؟!

وهكذا نعرف أن ربط الفعل بالمحتوى الروحي والداخلي هو الطريقة الواقعية الوحيدة التي تضمن استمرار العمل النافع بين افراد المجتمع.

2018/08/23

هل تعيش في حالة من «القلق» الدائم؟!

﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾

لقد دلَّت الآية المباركة على إناطة قبول العمل بالتّقوى؛ حيثُ حصرت القبول بالمتقين، إذ قالت: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[1] ، والتّقوى لها درجاتٌ ومراتب: ٌ أعلاها العصمة المانعة من ارتكاب الرذيلة، وأدناها الخوف من الله - عزّ وجلّ -، كما قال تعالى: ﴿إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[2] .

وما بين هاتين المرتبتين مرتبةٌ يليق بالمؤمن وبأهل العلم أن يتحلّوا بها، وهذه المرتبة هي ”مرتبة الرجاء“، التي عُبّر عنها في بعض الروايات بعبادة الرجاء، وهي عبارةٌ عن أن يعيش المؤمن قلقاً دائما، ً فلا يستقرّ له بالٌ ولا يهدأ، ونتيجة هذا الفزع أن يكون العقل المسيطر على المؤمن هو الحذر في أن تقترن أعماله بما يمنع من قبولها، فهذه الحالة ”حالة القلق من جهة العمل“ مطلوبةٌ، وحالةٌ راجحةٌ، وهي مثال التّقوى الذي هو الشرط في قبول العمل، فإنَّ هناك فريقين من المؤمنين:

فريقٌ مطمئنٌ لوضعه

وكأنَّه أحرز أنَّ صفحة أعماله نقيةٌ صافيةٌ لا يشوبها شيءٌ، لذلك يقول أنا واثقٌ من أنَّني في رضا الله، ومقبولٌ عند الله، لأنَّني لا أفعل المحرّمات، ولا أترك الواجبات، وهذا النوع من الشعور غرورٌ بالنّفس، وافتتانٌ بالعمل، فإنَّ الإنسان مهما بلغ من الحيطة والحذر، والمراقبة لعمله؛ فإنَّه يحتمل بعض اللَّمم، وربَّما تغزوه بعض شوائب حبِّ الدُّنيا وحبِّ المقام التي تفسد عمله، وتجعله غير مؤهلٍ للقبول، فالاطمئنان التام غرورٌ بالعمل قد يمنع من قبوله.

وهناك فريقٌ آخر يعيش حالة الحذر

لا يدري على أيِّ وجهٍ يقابل الله؟! فهو يقول: أنا سائرٌ في هذه الدنيا بالعمل، والطاعة، والحذر، ولكن.. لا أدري هل تَحسن خاتمتي أم لا؟! وهل يحالفني التوفيق للإخلاص في أعمالي أم لا؟! وأن تكون هذه الآية ماثلةً نصب عينيه: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[3] .

فالمؤمن الحقيقيّ هو من كان شعاره باطناً وظاهراً، شعوراً وسلوكاً، هو الحذر من المصير، فقد نقل الشهيد المطهري «ره» في كتابه[4] ، عن بعض من كان حاضراً عند المقدس السيد البروجردي «قده» في مرضه الذي توفي فيه، أنه كان حزيناً جدّاً، وأنَّه قال: وأخيراً انتهى عمرنا وسوف نرحل ولم نستطع أن نقدّم لأنفسنا خيراً! فوقف شخص يمدح إنجازاته: لماذا تقول هذا يا سيدي؟ نحن المساكين يجب أن نقول هذا، فأنتم تركتم آثاراً خيَّرةً كثيرةً بحمد الله، وخرَّجتم طلاباً كثيرين، وكتبتم كتباً كثيرة، وبنيتم مسجداً عظيماً، ومدارس، فقال السيد «ره»: قف عن هذا المديح ”خلِّص العمل فإنَّ الناقدَ بصيرٌ بصيرٌ“، فماذا تقول أنت؟ إنّك تصورت أنَّ ما يوجد عند النّاس وفي منطقهم هو كذلك عند الله، إنَّ مَن خلق العامل والعمل ناقدٌ بصيرٌ عارفٌ بصالحه وطالحه، فقد يختار اللؤلؤة من ركام الأحجار السوداء، وقد لا يرى في عمل العبد إلاّ الفحم المحترق النتن!

إنَّ هذه الكلمة إذا اتّخذها المؤمن درعاً له؛ جعلته وصيَّرته في حالة فقرٍ، ورجاءٍ حثيثٍ، منتظراً من ربّه فيضَ الرّحمة والمنّ والفضل، وهناك آية واضحة الدّلالة على ما ينبغي أن يعيشه المؤمن من حالة القلق: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾[5] .

ومفاد هذه الآية أنَّ المؤمن في حالة قلق دائم، فتراه يتوسَّل بالوسائل المتنوعة ليحصل على قسط من الرّحمة، حيث قال: ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾، فهم يعيشون على مائدة الرّجاء، والأمل، ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾، وهذه الحالة فيهم ناشئةٌ عمّا ذكرته الآية في ذيلها ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾، لأنَّهم يعيشون حالة الحذر، يعيشون حالة القلق، وقد ورد عن أبي عبدالله : ”لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو“ [6]

فالحريُّ بنا - خصوصاً الدُّعاة، والمصلحين، والعلماء، والمُبلِّغين - أن نعيش هذه الحالة، وهي حالة القلق من أعمالنا، راجين القبول والتفضُّل علينا بقطرةٍ من فيض الرَّحمة والتوفيق، للبُعد عن مزالق الأقدام وشبكات الشَّيطان، خصوصاً أنَّنا نعيش تحت ظلال مولانا صاحب الأمر والزَّمان، ونعيش على فتات مائدته، وقد جعله الله علينا شاهداً وشهيداً ورقيباً، فمقتضى إحساس الإنسان بأنَّه يعيش تحت رقابة هذا الشاهد الشهيد؛ أن يجعله تحت حالة قلقٍ من أنَّ أعماله وطريقه في إطار رضاه ، أم أنَّه في طريق سخطه وإعراضه، ورضاه رضا الله، وسخطه سخط الله - عزّ وجلّ -.

---------------

الهوامش:

[1]  المائدة: 27.

[2]  الأنعام: 15.

[3]  النور: 63.

[4]  التربية والتعليم في الإسلام، ص219.

[5]  الإسراء: 57.

[6]  الكافي، ج2، ص71.

2018/08/15

كل شيء حرام ومشكِل!! التزمت في الدين.. نشأته ومظاهره

حين يُندّد القرآن الكريم بحالات التشدّد والتزّمت الديني في الأمم السابقة، كقوله تعالى: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ»، إنما يستهدف تحذير الأمة من الوقوع في ذات المنزلق، يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».

ومع الأسف الشديد فقد ابتليت الأمة بمثل هذا الدّاء الوبيل، وتكونت فيها توجّهات متشدّدة متزمّتة حولت الدين إلى طقوس وشعائر تستهلك معظم وقت الإنسان وجهده، وإلى قائمة عريضة من المحرمات والممنوعات التي تحاصر حركة الإنسان في مختلف جوانب الحياة، وتحدّ من حريته، فكلّ شيء حرام، وكلّ شيء فيه إشكال، إذ يستخدمون قاعدة سدّ الذرائع بلا حدود.

ولكن لماذا تنشأ حالة التشدّد والتزمّت في الدين؟

يبدو أنّ هناك عوامل وأسبابًا وراء حدوث هذه الظاهرة، وأبرزها ما يلي:

1- غياب القيم والاهتمامات الكبرى التي جاء من أجلها الدين، كإقامة العدل وهي المهمة الأساس التي نزلت من أجلها الرسالات الإلهية، يقول تعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» وكمهمّة إعمار الأرض واستثمار خيرات الكون، يقول تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» وكتحصيل المعرفة واستكشاف أسرار الكون، يقول تعالى: «قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ». وكحفظ لحقوق الناس واحترامها، يقول تعالى: «وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ».

حينما تغيب مثل هذه القيم والاهتمامات الكبرى، ويضعف حضورها في ساحة حياة المجتمع، يحصل التعويض عنها بالتعمق في جزئيات المسائل العقدية النظرية، والاستغراق في الطقوس والممارسات العبادية الشعائرية، والمبالغة في التحريمات والاحتياطات.

2- تكوّن طبقة في الحالة الدينية تحترف التزمّت والتشدّد، وتعمل على نشره والتبشير به، لخطأٍ في فهم المقاصد الدينية، أو لمصلحة ينشدونها من خلال تأكيد حضورهم عبر هذا التوجّه الذي يجد له روّادًا ومؤيّدين، بدافع ديني ساذج.

وعن وجود هذه الطبقة في الديانات السابقة يقول تعالى: «إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ»

وتشير آية أخرى في القرآن الكريم إلى قيام هذه الطبقة بوضع إضافات من عندياتهم، ونسبتها إلى الدين، لتحقيق بعض المصالح والمكاسب، يقول تعالى: «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ»

3- نشْأةُ ظروف وأجواء تدفع إلى حالة من المزايدات في الدين بسبب وجود تحدٍّ للهوية الدينية، أو صراع وتنافس بين أجنحة الحالة الدينية، حيث قد يدفع الشعور بالتحدّي للهوية إلى المبالغة فيها، كما قد يؤدي الصراع والتنافس بين الجهات الدينية، إلى سعي كلّ طرف لإظهار نفسه أنه أكثر التزامًا بالعقيدة ودفاعًا عنها، بينما يتّهم الأطراف الأخرى المنافسة بالميوعة والذوبان وتقديم التنازلات والمساومة على المبادئ.

2018/07/17

محاسبة النفس في تراث الإمام الكاظم (ع): الاستشعار بالمسؤولية

ورد عن الامام موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، أنه قال: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله" الوسائل 16/95، الباب 96 من جهاد النفس، الحديث 1.  
وهذا الحديث المعصومي الشريف يتجل لنا في عدة مضامين:
المضمون الأول: ليس منا تحتمل معاني، فالمعنى الأول نفي مرتبة من مراتب الإسلام نظير ما ورد من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم أو ليس بمسلم فإنه ينفي مرتبة من مراتب الإسلام.
والمعنى الثاني: المراد بليس منا، أي ليس على نهجنا فان نهجنا نهج التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله)، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب – الآية 21، فمن لم يحاسب نفسه كل يوم فليس على منهج التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) "حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوها قبل ان توزنوا". وسائل الشيعة ج: 16 ص.
المعنى الثالث: انه ليس من تلك الفئة المضمونة الشفاعة، وهي الفئة التي أشار إليها القرآن الكريم (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، سورة النساء - الآية 69، فليس منا، أي ليس من هذه الفئة الذين حسنت رفقتهم وكانوا مشمولين ومضمونين في الشفاعة.

الإيمان يساوق المسؤولية

المضمون الثاني: ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، ظاهر هذا الحديث ان الايمان مساوق للمسؤولية، فمن لم يشعر بالمسؤولية ليس بمؤمن، بل الانسان بنفسه بصيرا، وقال الله تعالى: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) سورة المائدة – الآية 105، محاسبة النفس تكشف عن أحساس بالمسؤولية أتجاه النفس، اتجاه العمل، اتجاه الأخرة، اتجاه ما وراء ذلك، فالأنسان الذي يشعر بالمسؤولية يحاسب نفسه، الانسان الذي يشعر بالمسؤولية في الوظيفة يحاسب نفسه في الوظيفة، يتقيد بالنظام، والأنسان الذي يشعر بالمسؤولية في دراسته يحاسب نفسه يتابع دراسته، وأيضاً الذي يشعر بالمسؤولية في أسرته يحاسب نفسه يحاول ان يصلح أمور هذه الأسرة كما أن الإنسان الذي يشعر بالمسؤولية اتجاه قبره، أتجاه الدار الأخرة، اتجاه مصيره هو الانسان الذي يحاسب نفسه كل يوم. فالأيمان يساوق للشعور والإحساس بالمسؤولية، ليس الإيمان مجرد أجواء فأن كنت مع المؤمنين وفي أجواء العتبات المقدسة فأنا المؤمن المقبل على العبادة، وأن كنت في أجواء أخرى لم يكن لي إقبال على العبادة، ولم يكن لي ارتداع عن المعصية، ولم تكن لي حصانة على الوقوع في الزلات، هذا هو الإيمان، الإيمان ثابت، ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) سورة ابراهيم - الآية 26، الإيمان قول ثابت، ومعنى قول ثابت باعتبار إنه يرتكز الإحساس بالمسؤولية، لا فرق بين الأجواء المختلفة والمجتمعات المختلفة.
المضمون الثالث: المحاسبة أسلوب وقاية وتربية، وليست أسلوب علاج، أي ليس المقصود بأنه يحاسب نفسه، أو إنه إذا صار في معرض المعصية فإنه يحاسب نفسه، فالمطلوب ان يكون محاسب نفسه أبتداءً، وان كان على طريق الطاعة، وان كان على طريق الاستقامة (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) سورة هود – الآية 112، مع ذلك نهجه نهج المحاسبة، لأن المحاسبة أسلوب تربية وأسلوب وقاية، فهو يربي نفسه على ان تتألم للمعصية، فهو يربي نفسه على ان تحذر من المعصية، وان تتذكر الأخرة في كل لحظة، هذه المحاسبة أسلوب تربية وأن لم يفعل معصية، وهي أسلوب وقاية وأن لم يقترب من المعصية، لذلك نص الحديث على ان تكون كل يوم مع أن الأنسان لا يعصي ربه كل يوم، "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم" الوسائل 16/95، الباب 96، من جهاد النفس، الحديث 1، فالتنصيص على كل يوم للتأكيد على إن هذا أسلوب تربية وأسلوب وقاية، وليس أسلوب علاج ورفع للمعصية، فلابد كل يوم قبل الصباح أو بعد الليل أما قبل يومه ولو ببعض دقائق، أو أول جلوسه ولو بدقائق، ماذا سأفعل وماذا فعلت؟ سؤال يطرحه على نفسه، إذا علم نفسه على أن يطرح هذا السؤال على نفسه وان يسترجع شريط الأمس ماذا فعلت وماذا سأفعل، هذين السؤالين إذا طرحهما الأنسان على نفسه كل يوم، تعلم على الإحساس بالمسؤولية، وتربى على يتوقف قبل أن يقتحم، وعلى أن يدرس الأمور قبل أن يجتاز فيها، "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم" فإن عمل حسنة استزاد الله، وربى نفسه على الاستزادة (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) سورة آل عمران – الآية 133، وأن عمل سيئة استغفر الله وتراجع (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) سورة الأنفال – الآية 2.    
تقرير: السيد علاء العوادي
  
  
 

 

2018/04/12

ماذا يختار المؤمن.. الشك أو اليقين؟!

إن من صفات المؤمن أنه لا يعتني بغير اليقين.. وكل ما يورث له الظن، الأصل فيه عدم الجدية، يقول تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).. فالمؤمن توجد في حياته أمور تثير الظن، والظن فوق الشك؛ الشك يحتمل نسبة خمسين بالمائة، وإن مال الاحتمال إلى السبعين أو الثمانين؛ فإنه يعتبر ظنا، وعامة الناس يحترمون هذا الظن.. طبعا إذا وصل إلى مرحلة اليقين، انتهى الأمر وأصبح حجة.. بعض العلماء يلحقون الاطمئنان بالقطع؛ أي 95 % لا يسمى قطعا، ولكن العقلاء عادة يحترمون هذه النسبة.. ولكن الكلام هنا بين الشك والظن.

ما هي الأشياء التي تورث الظن؟

أولا: خبر الواحد: مثلا: إنسان يتحدث بكلام، يثير بغضاء المؤمن على أخيه المؤمن.. فهذا الأمر لا يورث القطع واليقين؛ لأنه لم ير بعينيه، ولكنه يورث الظن.. عن الإمام الصادق (ع): "فإن شهد عندك خمسون قسامة، أنه قال قولاً، وقال: لم أقله.. فصدقه، وكذبهم"؛ لأن هؤلاء من الممكن أن يشتبهوا في قولهم.. فإذن، إن خبر الواحد من موارد الظن.

ثانيا: ما ينقدح في النفس: ومن موارد الظن ما ينقدح في النفس الاحتمالية، وقد يكون منشؤه النوم.. هذه الأيام -مع الأسف- بعض الناس عندما يرى مناما، وكأنه منام يوسف.. يصبح الصباح وهو متألم؛ لأنه رأى مناما.. وقد يصبح الصباح وهو معجب بنفسه، ويقول بأنه رأى نبيا أو إماما.. وعندما يسأل: من أين علمت أنه الإمام؟.. يقول: هكذا انقدح في قلبي.. أي ظن في ظن: هو منامه ظني، وقوله أن من رآه هو الإمام كذلك ظن.. فكيف يبني الإنسان حياته على هذه الظنون؟.

ما هو موقف المؤمن تجاه ما يورث له الظن؟

إن كل ما يرد في فكر المؤمن وعقله، عليه أن يذهب به إلى مختبر العقل والفهم الدقيق.. فإن كان هذا الظن يوجب له الارتياح، أو إذا كان هناك إمضاء شرعي لهذا الظن، نتعامل معه معاملتنا مع اليقين.. أما إذا كان الظن غير معتبر: كالمنامات، والأبراج، وقراءة الكف والفنجان؛ فإن هذه الأمور لا تورث اليقين.

إن الذي يتأثر بالظن، ويتأذى، ويخجل، وقد يصاب ببعض العوارض العصبية.. إن هذا الشخص غير مأجور في ابتلائه؛ لأنه هو من أوقع نفسه في البلاء.. والبلاء الذي يؤجر عليه الإنسان، هو ما كان قضاءً وقدرا.. أما الإنسان المهمل والذي يصاب ببعض الأذى من وراء إهماله؛ فإنه لا يؤجر على بلائه.. وكم يكون الأمر ثقيلا على الإنسان، أن يبتلى في الدنيا ببلية لا يؤجر عليها في آخرته!.

 

2018/04/09

بالفيديو: 6 أشياء ستجعلك تستيقظ لصلاة الفجر!
إن الإنسان -بعض الأوقات- يستيقظ، وقد طلعت عليه الشمس.. فما هو الحل، وما هو الإحساس الطبيعي والمطلوب في هذا المجال؟ أولا: الشعور بالندامة

إن الذي يستيقظ بعد طلوع الشمس، ويرتاح لذلك لأنه أكمل نومه.. هذا الإنسان لم يرتكب حراما، ولكنه قد يحرم من صلاة الفجر شهرا كاملا؛ لأنه فرح بعدم توفيقه للقاء رب العالمين.. إذن الخطوة الأولى الشعور بالندامة.

ثانيا: الإسراع في القضاء

إن الإنسان يتعجب عندما يرى شابا بكامل قواه، وعندما يسأل: ما وصيتك؟.. يقول: أوصي أن يصلى عني صلاة آيات، أو قضاء صلوات واجبة!.. هو الآن معافى، ويأتي إلى المسجد، ووقت صلاة، ومكان صلاة.. فتراه يتكلم فيما لا داعي له، ولا يقضي ما عليه من الصلوات الواجبة.

فإذن، إن الخطوة الثانية هي أنه بمجرد أن يستيقظ، عليه أن يبادر إلى قضاء الصلاة.. ومع الأسف البعض يستيقظ وهو شاك في طلوع الفجر، ولا يصلي ما في ذمته؛ أي هو غير متيقن من طلوع الشمس، ومع ذلك يحجم عن الصلاة.

إن هذه الصلاة القضائية، من الممكن أن تكون عند الله -عز وجل- أفضل من الصلاة الأدائية؛ لأنه ربما عندما يستيقظ لصلاة الفجر، وبين الطلوعين؛ يدخله شيء من العجب، ويرى في نفسه شيئا من التميز.. أما بعد طلوع الشمس، فإنه يشعر بشيء من الخجل والوجل والتقصير؛ لذا من الممكن أن يكون مفعول هذه الصلاة، ليس بأقل من مفعول الصلاة الأدائية.. ولو أن إنسانا كل يوم ينام على أمل أن يستيقظ، وفي كل يوم يستيقظ بعد طلوع الشمس، ويبادر إلى القضاء السريع؛ فإن هذا من موجبات التكفير.

إن هناك بعض العوامل التي تساعد على الاستيقاظ للصلاة، منها:

أولا: تخفيف النوم

عن الرسول (ص): (إياكم وكثرة النوم؛ فإن كثرة النوم يدع صاحبه فقيرا يوم القيامة).. وعن الصادق (ع): (إن الله يبغض كثرة النوم، وكثرة الفراغ).. وعن الصادق (ع): (كثرة النوم، مذهبة للدين والدنيا).

ثانيا: تخفيف طعام العشاء

 اجعل العشاء مبكرا، وليكن الطعام خفيفا؛ فإن ثقل العشاء يمكن أن يسلب من العبد بعض التوفيقات.. قال الصادق (ع): (ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل...الخبر).

ثالثا: الدعاء

ولعل أهم عامل على الاستيقاظ، هو الدعاء.. قال الباقر (ع): (ما نوى عبد أن يقوم أية ساعة نوى، يعلم الله ذلك منه.. إلا وكل الله به ملكين يحركانه تلك الساعة).. عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: (من أحب أن ينتبه بالليل، فليقل عند النوم: اللهم!.. لا تنسني ذكرك، ولا تؤمني مكرك، ولا تجعلني من الغافلين، وانبهني لأحب الساعات إليك: أدعوك فيها فتستجيب لي، وأسألك فتعطيني، وأستغفرك فتغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.. يا أرحم الراحمين.. ثم يبعث الله -تعالى- إليه ملكين ينبهانه، فإن انتبه، وإلا أمر أن يستغفرا له.. فإن مات في تلك الليلة، مات شهيدا.. وإن انتبه لم يسأل الله -تعالى- شيئا في ذلك الوقت، إلا أعطاه).

رابعا: قراءة آخر آية من سورة الكهف

إن قراءة آخر آية من سورة الكهف، تساعد على الاستيقاظ، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.

خامسا: النوم على وضوء

إن من أهم المستحبات أن ينام الإنسان على وضوء؛ لأن من نام على وضوء كان فراشه كمسجده، أي إلى الصباح وهو في حال عبادة.. قال الصادق (ع): (من تطهر ثم أوى إلى فراشه، بات وفراشه كمسجده.. فإن ذكر إنه على غير وضوء، فليتيمم من آثاره كائناً ما كان.. فإن فعل ذلك، لم يزل في الصلاة وذكر الله عز وجل).

سادسا: تسبيح الزهراء (ع)

قال الصادق (ع): (من بات على تسبيح فاطمة -عليها السلام- كان من الذاكرين للَّه كثيراً والذاكرات).

إن من التزم بهذه الآداب، مع عدم نسيان آلة التنبيه؛ يرجى له أن يستيقظ لصلاة الفجر.. إن الحوائج الكبرى تعطى في صلاة الفجر، لما فيها من ثقل على الإنسان.. والقرآن الكريم يقول: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}؛ لأن هناك حركة للملائكة بين الطلوعين؛ حيث أن ملائكة الليل ترتفع، وملائكة النهار تنزل.. فهنيئا لمن كان من الذاكرين!.

2018/03/22

شهر الله وخارطة تنمية الروح

تقبل علينا الأشهر الثلاثة: رجب، وشعبان، وشهر رمضان، وهي شهور التزوُّد بالتقوى والدعاء ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ]1[، وهذه فرصة ثمينة لمن يريد التزوّد إلى الله في هذه الأشهر المباركة، فكلَّما ازداد خير الأعمال فإنَّ لها أثراً على ميزانه، وفي قبره، وفي حشره ونشره. لذلك فإنَّ العاقل الحصيف هو من يبادر إلى استغلال هذه الأشهر الثلاثة في التزود بالعبادة.

وهنا مظهران نركز عليهما في التزود بالعبادة:

المظهر الأول: تنمية العلاقة الرُّوحيَّة

ويؤكدها ما ورد عن النَّبيِّ: ”ألا وإنَّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمتي، ألا ومن صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر“ [2] .

ففي هذا الحديث خارطة رسمها لنا رسول الله ، إنَّنا نبدأ بشهر الله - وهو شهر رجب -، ثم بشهر رسول الله ، ثم بشهر أمته، ولكلِّ شهرٍ مدلولٌ، فإنَّ شهر الله يقتضي منّا أن نتعلق بالعبادة بمعناها الأخصّ، وهي التزوُّد بالنَّافلة، بالدعاء، بالتسبيح إلى الله - عزَّ وجلَّ -، وشهر محمد  يقتضي أن نتزوَّد فيه بما يناسب هذه الإضافة، وهي التوسُّل بالنَّبيِّ وبأهل بيته، والدخول في أجوائهم، من ترويج فضائلهم، ومدائحهم، وأمورهم، وشهر أمته يقتضي التزوَّد فيه بما يناسب هذه الإضافة أيضاً، من الإنفاق على الفقراء، تفقُّد المحتاجين، التواصل مع الإخوان ومساعدتهم، فلكلِّ إضافةٍ مدلولٌ يتناسب معها.

المظهر الثاني: تنويع العبادة

إنَّ هذا الشهر الشريف شهرٌ ينصهر فيه الإنسان بمختلف أنواع العبادة، فإنَّنا إذا قمنا باستقراء الأعمال التي وردت في هذا الشهر الشريف، سواءً كانت أعمالاً عامةً، أو كانت أعمالاً خاصةً ببعض الأيام، أو ببعض الليالي؛ نرى أنَّ أغلب الأعمال تشتمل على فنون من العبادة، وليس فنّاً واحداً من العبادة، مما يرشد إلى أن التزوَّد المطلوب في هذا الشهر الشريف أن نجمع بين عدة أنواع من العبادة.

فإنَّ المؤمن العاقل الذي يفكر في قبره، وفي آخرته، وفي مسيرته الطويلة، وحسب ما ورد: ”العقل ما عبد به الرحمن، واكتسب به الجنان“ [3] ؛ يحاول أن يجمع بين الأمور، بأن لا يترك أيَّ عملٍ من القربات الثلاث: نافلة، تسبيح، وقراءة القرآن، فالمؤمن الحصيف يجمع بين هذه الأنواع الثلاثة، وأقلَّها قراءة خمسين آية، وإنجاز نافلة من النوافل الرَّاتبة، وتسبيح البتول الزهراء «صلوات الله عليها» في جميع الصَّلوات، فإنَّه أفضل التعقيبات، وإن كان قد ورد في أعمال هذا الشهر؛ أنَّ من لم يستطع الصوم فليقل مائة مرة: ”سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلاّ له، سبحان الأعزٍّ الأكرم، سبحان من لبس العز وهو له أهل“ [4] ، إلا أنَّ تسبيح الزهراء  أفضل التعقيبات.

وقد ورد في أدعية شهر رجب: «اللهم إنِّي أسألك صبر الشاكرين لك، وعمل الخائفين منك، ويقين العابدين لك» [5] ، هذا هو قوام التزوُّد، فإذا كنَّا نريد أن نتزوَّد في شهر رجب؛ فإنَّ قوام التزود هو: صبر الشاكرين، عمل الخائفين، يقين العابدين.

«صبر الشاكرين» وليس أيَّ صبرٍ، بل صبرٌ مُمْتزِجٌ بالشكر، فالصبر على نافلة الليل، والصَّوم لا بدافع الخوف من عذاب الله، ولا بدافع الحصول على شيءٍ من الرِّزق، أو التوفيقات الدُّنيويَّة، وإنَّما الباعث المؤثِّر هو الشكر، فيتحول الصبر إلى مظهرٍ من مظاهر شكر النعم. قال تعالى: ﴿َاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾[6] ، وقال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[7] .

«وعمل الخائفين منك» ومفاد هذه الفقرة؛ أنَّ هناك فرقاً بين الخوف من الذنب والعقوبة، والخوف من الله، فالخوف من العقوبة خوفٌ ذاتيٌّ إنسانيٌّ، بينما الخوف من الله هو إجلالُهُ، والرَّهبةُ منه عند تصور عظمته، فقد كان الحسن الزكي إذا توضأ للصلاة اصفَرَّ لونُه، وارتعدت فرائصه، وقال: أتدرون أنني أقف بين يدي من؟ إنَّني أقف بين يدي جبار الجبابرة، وملك الملوك.

[ذات صلة]

وهذا يؤكد لنا أنَّ العمل المقترن بخوف الله؛ هو العمل الصادر بدافع الخشوع، لا بدافع إنجاز الوظيفة الشرعيَّة، ولا بدافع التأثُّر بالموعظة، ولا بدافع تخفيف العقوبة الأخرويَّة، وإنَّما هو بدافع الخوف من ذاته تعالى، وهو الخوف الممتزج برهبته، وإجلاله، والإلتفات لعظمته.

«وعمل الخائفين منك» ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ﴾[8].

«ويقين العابدين لك» ربَّنا هبْ لنا السير على خُطى العابدين، أصحاب اليقين الذين يقولون: «ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنَّتك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك» [9] ، فعندما يغمر الإنسان الحياء من ربِّه - عزَّ وجلَّ - وسعة مننه، فيقول: «أفلا أكون عبداً شكوراً!» [10] . وعندما يمتلئ القلب خوفاً من الله، خوف الرَّهبة، خوف الإجلال، فيقول: أفلا يستحقُّ هذا الموجود الأتمُّ العبادة مني، والخضوع والتذلل!

عندما تكون هذه النوايا هي الدوافع؛ فسوف تتحقق العناصر الثلاثة: صبر الشّاكرين، عمل الخائفين، يقين العابدين.

ربَّنا وفقنا للطاعة، والبُعد عن المعصية، والتزوَّد من خير شهرك شهر الرَّحمة والعطاء، على نهج أئمة الهُدى «صلوات الله عليهم أجمعين».

-----------------

[1]  سورة البقرة، آية 197.

[2]  فضائل الأشهر الثلاثة، للشيخ الصدوق، ص24.

[3]  هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، للحر العاملي، ج1، ص4.

[4]  مصباح المتهجد، للشيخ الطوسي، ص817.

[5]  مصباح المتهجد، للشيخ الطوسي، ص802.

[6]  سورة البقرة، آية 152.

[7]  سورة إبراهيم، آية 7.

[8]  سورة النَّازعات، آية 40 - 41.

[9]  روضة المتقين، للمجلسي الأول، ج2، ص41.

[10]  الأمالي، للشيخ الطوسي، ص637.

2018/03/20

كيف تتخلص من الحزن؟

إن الإنسان قد يكون في أعلى درجات الرفاهية، ولكن قلبه يعتصر حزنا وألما.. حيث أنه ليس هناك أي تلازم بين أن يكون الإنسان في سعة من الرزق، وبين حزن قلبه أو فرحه.. فإذن، لا يعتقدن أحد أن الرفاهية المادية ستشفع له في هذا المجال.. وكما هو متعارف: فإن الفقراء من أصفى الناس باطنا، وبعض التجار المترفين من أشد الناس عذابا!..

إن الحزن ليس حالة واحدة، بل حالات متعددة:

أولا: الحزن المقدس

 إن النبي الأكرم (ص) كان من أكثر الناس حزنا، يقول القرآن الكريم: {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}.. كان يحمل حزنا عظيما، ولكن هذا الحزن كان مقدسا؛ لأنه حزن على الناس وعلى الأمة، فقد كان (ص) عندما يؤذيه قومه، يقول: (اللهم!.. اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون).

فإذن، عندما يرى المؤمن أن حزنه نابع من تقصيره في العبودية: حيث أنه من الصباح إلى المساء لم يوفق لطاعة معتبرة، أو عزم على ترك معصية، وفي ساعة الامتحان وقع في تلك المعصية.. أو لا هذه ولا تلك؛ أي لم يرتكب معصية، ولكنه يعيش حالة الغفلة والبعد عن الله عز وجل؛ فإن هذا الحزن مقدس.. لأن ذكر الله -عز وجل- بالنسبة للمؤمن الذي وصل إلى درجة عالية، هو بمثابة الهواء الذي يستنشقه.. فإذن، هذا الحزن مقدس.. وعلى المؤمن أن يدعو ويقول: يا رب، زدني حزنا!.. فهذا الحزن بمثابة المنبه، يجعل المؤمن يتنبه إلى أن هناك شيئا ما، أورثه هذا الحزن.

ثانيا: الحزن غير المقدس

 وهو حزن شيطاني، إذ أن الإنسان يحزّن نفسه دون سبب: هو وضعه جيد، في نعمة ظاهرية وباطنية؛ ولكنه قلقل من المجهول، ويعيش في خوف من المستقبل.. حيث أن الله -عز وجل- منذ أن خلق آدم (ع) إلى يومنا هذا، ما أعطى ضمانا لأحد أن يعيش إلى آخر عمره على نحو ما هو يريد.. فالحياة فيها تقلبات.. فإذن، إن الحزن الذي منشؤه الدنيا والحرص عليها، غير مقدس.

ثالثا: الحزن الذي لا يعلم سببه

 وهناك حزن لا يعلم هل هو مقدس أو غير مقدس: لا هو من معصية، ولا من غفلة، ولا هو من ابتعاد، ولا من دنيا.. سببه مجهول، فما هو الحل؟.. على الإنسان أن يستقرئ باطنه، ويرى الأسباب التي أورثته هذه الحزن.. ومن الأسباب التي لا نقيم لها وزنا، إدخال الحزن على الآخرين.. إن رأيت حزنا في قلبك، ابحث عن القلوب المحيطة بك، لعلك كنت سببا في شعور إنسان بالألم والأذى؛ فعجّل رب العالمين لك العقوبة في الدنيا، أن جعل في قلبك هذا الحزن، ليخفف عنك العذاب يوم القيامة.

كان أحدهم مبتلى بمولى قاسي القلب، شوهد جالسا مع كلب يأكل معه.. وعندما سئل عن السبب، قال: لعل بإدخالي السرور على هذا الحيوان، أرجو أن يدخل اللين على قلب المولى فيخلصني من شره.. إذا كان إدخال السرور على كلب نجس العين، يوجب الفرج للمؤمن.. فكيف بإدخال السرور على قلب مؤمن بالله؟.. وكيف إذا كان بقلب تقي؟.. واليكم متن الرواية : رأى الحسين (ع) غلاماً يؤاكل كلباً، ولمّا سأله، قال: يا ابن رسول الله إنّي مغموم، أطلب سروراً بسروره، لأنّ صاحبي يهودي أريد أفارقه، فأتى الحسين (ع) إلى صاحبه بمأتي دينار ثمناً له، وقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك، وهذا البستان له ورددت عليك المال، فقال (ع) : (قد وهبت لك المال)، قال: قبلت المال ووهبته للغلام. فقال الحسين (ع) : (أعتقت الغلام، ووهبته له جميعاً).فقالت امرأته: قد أسلمت ووهبت زوجي مهري. فقال اليهودي: وأنا أيضاً أسلمت وأعطيتها الدار.

2018/03/11

من واقع الإسلام: الطعام والعناية به

من النعم الآلهية التي خص الله تعالى بها الموجودات على ظهر هذه البسيطة هي نعمة الطعام، حيث أن الكلام حول هذا الموضوع يمكن أن نتناوله من عدة جوانب لها دخل مباشر في حياتنا اليومية 

ما هو المراد من الطعام؟

قيل أن المراد من الْطَّعَامَ هو كلُّ ما يُؤْكَلُ وبه قِوامُ البَدَنِ، وقيل أنه كلُّ ما يُتَّخذ منه القوت من الحنطةِ والشعيرِ والتمرِ.

الطعام في المنظور الديني

إن الطعام له حيز كبير في الجانب الديني، حيث وضعت له عدة قوانين وتشريعات من حيث النوع والكم والزمان والمكان الذي يسوغ فيه تناول الطعام.

فمثلاً تختلف الديانات في نوعية الأطعمة التي يتناولها الأتباع، فقد تشترك تلك الديانات في إباحة شيء أو حظره، أو يكون مباحاً عند بعضها محظوراً عند الآخر.

وبحثنا يتركز حول موضوع الطعام في الإسلام، حيث حدد القرآن الكريم والسنة المطهرة نوعية الأطعمة التي ينبغي تجنبها والأطعمة التي يسوغ تناولها.

1 ـ الذبائح:

قال تعالى :{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجسٌ، أو فسقاً أهل لغير الله به ، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم} الأنعام (145) .

وفي سورة المائدة قال تعالى : {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ، وما ذبح على النصب وأن تستقسمها بالأزلام}.

معاني تلك الأقسام :

الميتة : هي التي تموت أو تذبح بطريقة غير شرعية 

المنخنقة: فهي الدابة التي تتعرض للخنق فتموت.

وأما الموقوذة: فهي التي تضرب بحجر أو بعصا أو فتموت.

وأما المتردية: فهي من تعرضت الى السقوط من مكان عالٍ فماتت.

وأما النطيحة: فهما دابتان تنطح إحداهما الأخرى فتقتلها.

وهذه الأقسام كلها محرمة بدليل الآيات المتقدمة.

2 ـ الأسماك:

وهذا القسم مختلف بين المسلمين فعند الشيعة لا يسوغ أكل الحيوانات التي تعيش في الماء إلا السمك الذي يحتوي على القشور بشرط خروجه حياً من الماء.

وأما باقي فرق المسلمين فتجيز أكل غالبية الحيوانات التي تعيش في الماء.

[ذات صلة]

من هم الذين يجب على المكلف إطعامهم؟

يقول الفقهاء يجب على المكلف أن ينفق على من يعول وهم الزوجة والأبناء، وكذلك يجب عليه الإنفاق على الأبوين إذا غنياً وهما فقيران، والعكس صحيح.

ثمرة بذل الطعام

هناك روايات كثيرة تذكر الآثار الوضعية لإطعام الطعام، فقد ورد في الكافي الشريف 

عن أبي الحسن عليه السلام قال: من موجبات مغفره الله تبارك وتعالى إطعام الطعام.

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: المنجيات إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

عن علي ابن الحسين عليه السلام قال: من أطعم مؤمنا أطعمه الله من ثمار الجنة.

إتلاف الطعام 

من الأمور التي قد نهي عنها إن يتلف الطعام الذي يمكن أن يؤكل، إلا أن يكون هناك حيوان يمكن أن يستفيد من هذا الطعام، لأن إتلاف الطعام بطريقة يعتبر هدراً للنعمة الآلهية، وتترتب عليه إجراءات آلهية عقابية دنيوية قبل أن تكون آخروية.

فعن عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إني لألعق أصابعي من المأدم حتى أخاف أن يرى خادمي أن ذلك من جشع، وليس ذلك كذلك، إن قوما أفرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء فجعلوا ينجون(1) به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل، قال: فمر رجل صالح على امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها، فقال: ويحكم اتقوا الله لا تغيروا ما بكم من نعمة، فقالت: كأنك تخوفنا بالجوع؟ أما ما دام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع، قال: فأسف الله عز وجل وضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض، قال: فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه، ثم احتاجوا إلى ذلك الجبل، فإن كان ليقسم بينهم بالميزان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 بمعنى أنهم يستعملون الخبز اشبه بالحفاظات التي يلبسها الطفل الرضيع.

 

2017/12/14