الأخلاق
كيف تكمّل ’الأدعية’ و ’الزيارات’ النقص في نفوسنا؟

لقد بذل الأئمة الهداة (ع) أقصى ما لديهم من جهد ليخلقوا شيعتهم بأخلاقهم، ويقصدوا بهم قصدهم، وسلكوا لذلك كل سبيل، ولم يقتصروا على إلقاء الخطب والمواعظ، والدروس والمحاضرات، وضرب الأمثال والحكم، وإيراد القصص والحكايات، بل أوجدوا لهم آثارا أخرى من غير هذا النوع، وغير الأساليب المألوفة في فن التربية الحديثة ودور المعلمين والمعلمات وعنوا بها عناية خاصة، لأنها أجدى وأبلغ في التأثير والتهذيب.

[اشترك]

وقد اصطلح الشيعة على تسمية تلك الآثار التي لا يقدر قدرها إلا من فتح الله عليه باب علمه وهدايته، اصطلحوا على تسميتها بالأدعية والزيارات، ولكنها في واقع الأمر إشراق إلهي يكمل ما في النفس البشرية من نقص، ويطهر ما فيها من رجس، ويصلح ما فيها من فساد، هي وحي ما في ذلك شك، ولكنه وحي المحبة والاخلاص، وفيض الضمير والوجدان الحي أراد أئمة الشيعة أن يجردوا من كل نفس رقيبا ملازما لها في السر والعلانية مسيطرا عليها سيطرة السيد على عبده والقائد على جنده يقربها من الطاعة ويبعدها عن المعصية، فجعلوا لأتباعهم أدعية ومناجاة رتبوها على الأيام والأوقات، وأمروهم بتكرارها ومعاودتها حتى تصبح لهم طبيعة ثانية: فدعاء للصباح، وآخر للمساء، وفي كل يوم من أيام الشهر، وفي كل ليلة من ليالي الجمعة دعاء خاص، ولكل من رجب وشعبان ورمضان ولياليه عشية وسحرا وأيامه ظهرا وعصرا أدعية معينة، وأودعوا هذه الأوراد مكارم الأخلاق بكاملها، وعلى الأصح أودعوها أخلاقهم الكريمة بالذات، وهي لا تعد ولا تحصى، وقد جمعها علماء الإمامية في كتب خاصة، منها الصحيفة السجادبة، والإقبال لابن طاووس، ومصباح الكفعمي، وجامع الأدعية والزيارات نذكر منها في مقامنا هذا بعض الفقرات على سبيل الشاهد والمثال:

"ما لي كلما قلت قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي. إلهي لعلك رأيتني مستخفا بحقك فأقصيتني، أو لعلك رأيتني معرضا عنك فقليتني، أو لعلك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني، أو رأيتني غير شاكر لنعمائك فحرمتني، أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني، أو لعلك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلك

رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني، أو لعلك بقلة حيائي منك جازيتني. اللهم ألبسني زينة المتقين في بسط العدل وكظم الغيظ، وحسن السيرة، والسبق إلى الفضيلة، والقول بالحق وإن عز، والصمت عن الباطل وإن نفع، واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي، واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي. اللهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكرا لعظمتك، وتفكيرا في قدرتك، وما أجرى على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم عرض أو شهادة باطل أو اغتياب غائب أو سب حاضر نطقا بالحمد لك، وإغراقا في الثناء عليك... اللهم ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين.. اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل والهم والحزن والجبن والبخل والغفلة والقسوة والذلة والمسكنة والفقر والفاقة، وأعوذ بك من نفس لا تقنع، وبطن لا يشبع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، وعمل لا ينفع، وصلاة لا ترفع".

فهل ترى وسيلة أيسر من هذه الوسيلة، وأبعدها أثرا وأعمها نفعا؟ وهل ترى شيئا أقرب إلى النفس، وأدنى من القلب والعقل من هذه الخشية والسكينة؟ وهل أدعى إلى التفكير والتأمل والرجوع بالنفس، إلى بارئها من هذا الشعور الديني الذي يبعث في القلب رغبة ورهبة وحنانا ورحمة إن هذا النحو من التأديب لم يكتشفه فن التربية الحديثة بعد ولم تهتد إليه رجاله الأخصائيون، فلم يكتف الإمام بتعداد المساوئ، وإضافة كل سيئة إلى نتيجتها الطبيعية التي تنفك عنها بحال، وإنما علم الإنسان كيف يتصل بخالقه رأسا ومن غير واسطة، وكيف يخلد إلى ضميره ووجدانه، ويعكف على نفسه فيهذبها ويجرد منها وازعا يقف سدا بينها وبين شهواتها واندفاعاتها، متجها بها إلى الخير والكمال، ناهجاً منهج السعادة والفضيلة.

على هذا الأساس، أساس الشعور بالله وبالخير المطلق، والتجرد من الشهوات والأهواء وتهذيب الأخلاق والطباِع، وتثقيف العقول والمواهب. على هذا الأساس أراد أئمة الشيعة أن يقيموا بنيان الإنسانية لتسيطر المحبة والعدالة، ويعم الأمن والسلام.

وقعت البشرية في أشد مما هي فيه اليوم من الجهل والعدوان، وإفشاء الرذيلة والفحشاء، ولم تنشلها من تلك الهوة السحيقة العميقة القنابل والطائرات، إن هذه تزيد المشاكل تعقدا وتقف حجرة عثرة في سبيل الصلاح والإصلاح لأن الأدواء والأوباء لا تعالج بإيجاد أسبابها الباعثة على نموها وانتشارها، لقد وقع العالم في شر مما هو فيه الآن، فكان خلاصه على يد الرسل الأنبياء، رسل الرحمة والسلام، وأنبياء الإنسانية والعدالة، إن إحياء روح الفضيلة في النفوس هي السبيل الوحيدة الموصلة إلى الراحة وحسن العاقبة والسعادة في الدنيا والآخرة.

ليس الغرض من هذه الأوراد التقرب إلى سبحانه بتلاوتها وترديد ألفاظها، وإنما القصد أن نتفهم معانيها ومغازيها، فتغمر بها نفوسنا، ويستغرق بها تفكيرنا، لنعمل جاهدين معتقدين أن من ورائنا قوة خفية تراقب وتحاسب، فتعين المخلص على جهاده، وتمهد له سبيل النجاح، وتشجعه على المضي والنشاط:

"ربي قوّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي وهب لي الجد في خشيتك، والدوام في الاتصال بخدمتك، حتى أسرع إليك في ميادين السابقين، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنو المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين".

وهل القرب من الله غير الجهاد في سبيل الصالح العام؟ وهل السباق في ميادين الله غير المسارعة إلى الفضائل والخيرات؟ وهل الاتصال بخدمة الله غير المثابرة على العمل الذي يعود بالنفع عليك وعلى أهلك وأطفالك؟

"اللهم أعطني السعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرة العين في الأهل والمال والولد والصحة في الجسم والقوة في البدن والسلامة في الدين".

إن هذه ثمرات ينتجها السعي مع التوكل على الواحد الأحد، وهل تجد شيئا أمس بالعاطفة، وأسرع تأثيرا وانفعالا من قول الإمام زين العابدين (ع):

" اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل أوسع رزقك عليّ إذا كبرت، وأحسن أيامي يوم ألقاك".

وأي حرمة أو هيبة للمرء عند زوجه وأولاده إذا شاب رأسه وقل ماله؟ ولا يوم كيومه الأخير الذي عليه مدار سعادته أو شقائه الأبديين.

وبعد، فإن هذه الكنوز ليست بأدعية ولا أوراد فحسب، وإنما هي كتاب الدهر ومدرسة الحياة، وثروة القلب والعقل، فيجب أن يقرأها المؤمن والملحد، لأنها الوازع الوجداني في هذه الحياة، فضلا عما فيها من لذة ومتعة وجمال.

كان الشيعة الإمامية منذ عهد أئمتهم إلى زمن قريب يحافظون على هذه الآثار ذكورا وإناثا كبارا وصغارا، يجثمون في المساجد وفي البيوت يكررونها خاشعين متضرعين، فيشعر كل واحد أنه خلق لعمل الخير لا للشر، ووجد للطاعة لا للمعصية، ثم أهملوها كما أهملوا غيرها من الشعائر والعادات المقدسة التي كانوا بها مثلا أعلى لصدق الإيمان ورسوخ العقيدة.

المصدر: كتاب الشيعة في الميزان

 

2021/12/07

أمسك لسانك: المتجاهر بـ ’الفحش’ و ’البذاءة’ أسفه السفهاء!

هناك مرتبة أسوأ من البذاءة والفحش في الكلام، وهي أن يبرر بذيء اللسان فعله، ويجد هذا الفعل طبيعيا أو أن الشخص الآخر مستحق لما يقال فيه. ويشير إلى هذا المعنى ما روي من موقف الامام الصادق عليه السلام من أحد أصحابه القريبين له.

[اشترك]

فقد روي أنه كان للإمام الصادق عليه السلام صديق مقرب إلى حد أن تقول الرواية عنه؛ لا يكاد يفارقه " تقول الرواية " فقال هذا الرجل يوما لغلامه: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال: سبحان الله تقذف أمه قد كنت أرى أن لك ورَعًا، فإذا ليس لك ورع! فقال: جعلت فداك ان أمه سندية مشركة، فقال: أما عملت أن لكل أمة نكاحا؟ تنح عني.. قال الراوي: فما رأيته يمشى معه حتى فرق بينهما الموت. [1]

يعني أن الورع: ليس أن تمشي الهوينا وتتكلم بصوت خفيض أو تتماوت في حركات الصلاة. الورع: أن تمسك لسانك عن الفحش، ويدك عن الاعتداء، وقلبك عن الحقد. هذا هو الورع.

وبدل أن يقول ذلك الرجل للإمام إنني آسف، أستغفر الله من هذا الأمر. غلبني غضبي! وإنما كما يقول المثل: شين وقوي عين! أقبل يقول: "جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ إِنَّ أُمَّهُ سِنْدِيَّةٌ مُشْرِكَةٌ". هي إحدى المشركات، وإذا كان كذلك فهو ابن زنا! ما دامت لم تعقد نكاحها بالطريقة الموجودة لدى المسلمين! فقال عليه السلام: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحًا"، هذه امرأة تزوجها أبوه ضمن قانونهم. وهو وإن لم يكن متفقا مع قانون الاسلام، ولكنه النكاح الموجود عندهم، وإن "لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحًا. تَنَحَّ عَنِّي". أي لا ترافقني بعد هذا. قال الراوي: "فَمَا رَأَيْتُهُ يَمْشِي مَعَهُ حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا".

هذا مثل أناس عندما يبدي الفحش بلسانه في حق شخص، فتعاتبه بأن هذا الكلام ليس مناسبا، يقول لك: "يستاهل". هذه الثانية أسوأ من الأولى ـ المسبة؛ لأنها تبرير للخطأ وكان ينبغي الاعتذار عنه لا تبريره.

أسفه السفهاء من يفتخر بالبذاءة

هناك نموذج أسوأ مما سبق، وهو من يفتخر بالبذاءة وفاحش القول، وهذا يسميه أمير المؤمنين علي عليه السلام فيقول عليه السلام: "أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ الْمُتَبَجِّحُ بِفُحْشِ الْكَلَامِ"[2]. فهذا النموذج لا يكتفي ببذاءة اللسان وفحش القول، بل يخطو خطوة فوق ذلك، يفتخر بذلك، ويتبجح به. ويتباهى قائلا: "غسلته غسل، ما خليت ولا بقيت! مسحت بيه الأرض!!"، هذا يعبر عنه الإمام عليه السلام بأنه: "أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ".

وقد تبدأ هذه العادة السيئة والآفة الممقوتة من الصغر حين يتعلمها الطفل من محيط العائلة التي يعيش فيها. ولذلك كانت التربية أمرًا مهمًا.

تقول إحدى النساء: مشكلتي مع زوجي، أنه إذا غضب لا يترك كلمة سيئة في قاموسه يعرفها إلا ويقولها لي، وأمام أطفالي أيضًا. ومنها ما فيه التهمة في العرض والشرف. يقول ذلك لي أنا زوجته، وأم أولاده، وهم يسمعون هذا الكلام!

(1) الكليني؛ محمد بن يعقوب: الكافي 2/ 324

(2) النوري؛ ميرزا حسين: مستدرك الوسائل 12/ 83

المصدر: الأمراض الاخلاقية: نظرة جديدة في عوامل السقوط

2021/12/07

حسد وخيانة: من يخلص العالم من فيروس السقوط الأخلاقي؟!

كان يوم 7 يناير 2020م حين أعلنت السلطات الصينية عن أن فيروس (كورونا الجديد) هو المسبب لحالات الإلتهاب الرئوي الذي أدى إلى وفيات، يوماً استثنائيا، لا سيما وأن هذا الفيروس لم يلبث أن تحول إلى وباء عالمي، وانتقل بشكل مذهل إلى مختلف دول العالم المتقدمة منها قبل النامية، ولم تمر خمسة أشهر حتى تحدثت التقارير عن أن عدد الإصابات على مستوى العالم يقارب الملايين الستة بينما تجاوزت الوفيات الثلاثمائة ألف! حتى كتابة هذه السطور.

[اشترك]

هذا المرض استنفر كل قوى العالم الطبية والصحية، فبينما انهارت بعض الأنظمة الصحية في بعض البلدان، أصبح بعضها الآخر ينوء تحت ضغط الإصابات! وتعطل اقتصاد العالم شاهدا ما يشبه الركود، وتوقفت الحركة الاجتماعية والسياحية مع فرض الدول حظر التجول بشكل كلي أو جزئي! بل لقد تأثرت الشعائر الدينية والعبادية في كل الديانات، فلا حج ولا عمرة ولا مساجد ولا زيارة ولا كنائس ولا معابد!

لقد تأثر كل شيء في العالم! بسبب هذا الفيروس وما نتج عنه من المرض! وكان من الطبيعي أن يستجيب العالم بهذا النحو وإلا واجه الكارثة!

هذا في مرض الأبدان والأجسام! ترى لو كان المرض أخلاقيا هل كان سيستجيب العالم له بهذا النحو؟ هل سيتنادى رؤساء الدول وحكوماتها للتخفيف من آثار الأمراض الأخلاقية التي وإن لم تؤثر بشكل مباشر على أبدان الناس لكنها بلا ريب تفسد أرواحهم وتهدم بناءهم الداخلي!

هل ستتسابق الدول فيما بينها، وتسابق الزمن لإنتاج عقار يحمي من أمراض الحسد؟ وبذاءة اللسان؟ والحقد؟ والتكبر؟ أو أنها ستحاول اكتشاف تطعيمة ضد الخيانة؟ والظلم؟ أو ستقوم بفحص مواطنيها عن أدواء الكسل واليأس والاستبداد؟

للأسف أن ذلك لم يحدث ولا يحدث!

ماذا لو أن الشعوب أعلنت حالة الطوارئ في مقابل الخيانات المالية التي تنتج فسادًا عريضًا في إدارة المال العام؟ أو مقابل الخيانة الزوجية التي تشكل تحديًا لأوامر الخالق وتدميرًا لبناء الأسرة؟ كما يتم إعلان حالة الطوارئ الطبية وحظر التجول أمام الفيروس الجديد؟

بالطبع لا نريد أن نهون من خطورة هذا المرض؟ ولكننا نعتقد أن الأمراض الأخلاقية تستحق اهتماما أكثر من المجتمع البشري.

المصدر: كتاب الأمراض الاخلاقية: نظرة جديدة في عوامل السقوط

2021/11/30

إلى شبابنا.. اطلب العلم وضاعف طلبك للتقوى

السعادة الأخروية

آية الله الميرزا جواد التبريزي

في إحدى الأسئلة التي كانت توجه إلى الفقيه الميرزا التبريزي (قدس سره) لا سيما من قبل الطلبة الشباب هي: ماذا نصنع لنكون من الموفقين في حياتنا فنستغل هذه الدنيا ونستفيد منها كامل الاستفادة، وتكون جميع حركاتنا وسكناتنا في رضا الله وأهل البيت (عليهم السلام) وبالرجوع إلى أجوبة الفقيه الراحل عن تلك الأسئلة يمكننا الإشارة إلى بعض النكات المستفادة منها وهي كالتالي:

[اشترك]

1. الاهتمام بالتكليف الشرعي: فعلى الانسان ابتداءً إعطاء أهمية خاصة لواجباته فيؤدي فرضه على النحو الأحسن، ولا يتهاون في أدائه وهي الخطوة الأولى لكسب التوفيق والارتباط الغيبي.

2. التورع عن المعاصي: بحيث يجعل من تقوى الله ميزاناً له في أعماله وأقواله، فلا يرتكب المعصية لأجل حطام هذه الدنيا، فربما يقنع الإنسان نفسه باقتراف الذنب على أمل الاستغفار والتوبة فيلتجأ إلى الكذب مثلاً والعياذ بالله في حين أن نفس تلك المعصية تسلبه التوفيق وتؤخر تقدمه نحو المكاسب المعنوية، فإن الشيطان في مكمن لكم يحاول أن يعطيكم التبريرات عبر وساوسه حتى يجركم إلى المعصية، فعلى الإنسان أن يطيع أوامر الله بكل إخلاص ولا يقدم المكاسب واللذائذ الدنيوية على طاعته.

3. المحبة الحقيقية لأهل البيت (عليهم السلام): يقول تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة) وأهل البيت مصداقها البارز، فهم سفن النجاة، نجا وفاز كل من تعلق بحبلهم وتوسل بهم في الدنيا والآخرة، وكل من أراد أن يكون موفقاً في أموره (لا سيما الطلاب) فعليه أن يغرس في قلبه المحبة الحقيقية لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ويقف بوجه الذين يلقون بالشبهات من هنا وهناك ليضللوا عوام المؤمنين ويثبت إيمانه وإخلاصه ومحبته لهم ليكون قدوة للآخرين يعتبر منه كل من يراه.

4. الابتعاد عن ظلم الآخرين: على الإنسان أن يجتنب إلحاق الظلم بالآخرين فإن الامتناع عن ظلم الآخرين له دور رئيسي في نيل التوفيق والكمالات، إن الله يغلق أبواب الرحمة أمام من يظلم الآخرين، ويسلبه التوفيق، وللظلم مراتب؛ فأحياناً يكون من إيحاءات الشيطان بأن هذا ليس ذنباً مهماً فلا يترك أثراً في حين أن نفس هذا العمل له أثره الوضعي ويجر الإنسان نحو الهلاك، فإذا أراد الإنسان اكتساب التوفيق عليه أن يترك الأمور التي يشعر بأن فيها ظلم للآخرين.

والخلاصة: ليشتغل بتربية نفسه ولا يتدخل بشؤون الآخرين.

5. الجد في التحصيل: أن يكون الدرس كل همه ولا يغفل عن تقوى الله، على الطالب أن يجدّ في درسه حتى يكون مؤثراً، إن قيادة المجتمع وهدايته في أيد طلاب العلم فإن قصروا في تلقي العلم فإنه إضافة إلى أنهم مسؤولون عن ذلك أمام الله تعالى لن يكون لهم تلك الخدمات المؤثرة في المجتمع، وعليه أن تكون دراسته بحيث كلما انتهى من درس يستطيع إلقاءه، فإذا ما جد في درسه والتزم التقوى وصل إلى درجة عظيمة يقيناً وسيوفق لخدمة الدين والمذهب.

إن المثابر في الدرس والجد في تلقي العلم والتزام التقوى إلى جانبهم نور إلى سعادة الدنيا والآخرة، والله يزيد من توفيقات عبده المطيع الذي لا قصد له سوى خدمة الدين، المجد في دراسته وتهذيب نفسه.

6. الجليس الصالح: من الأمور التي لها دور أساسي في البناء الذاتي الجليس الصالح لا سيما لطلاب العلم الذين يريدون أن يكونوا مبلغين لدين الله وعارفين لأهل البيت (عليهم السلام)، فالإنسان يفقد روحيته ومعنوياته مع مرور الزمان بمجالسته لرفيق السوء وتنزل منه النورانية تدريجاً ثم لا تساعده الفرصة للاستدراك لا قدر الله، لذا عليه أن يشاور المعروفين بتحصيلهم وتدينهم من بداية مشروعه الدراسي، وإن لم يكن بنفسه من أهل التشخيص فعليه أن يستعين بأهل الفضل، وأن يكون له رفيق من عمره في مباحثاته وبقية أموره، فالإنسان بحاجة إلى رفقاء يمكنهم إفادته علمياً إضافة إلى إفادته في بذل المشورة والنصيحة ومجالسته لهم أوقات فراغه، وعليه الحذر من صرف أوقاته لا قدر الله في أشياء هامشية لا طائل من ورائها واجتناب الأمور التي تعتم قلب الإنسان، وكثرة المزاح ككثرة الملح في الطعام، على الطالب أن يكون كلامه متقن وموزون فلا يتكلم بكل ما يخطر بباله، بل عليه أن لا يتكلم إلا بعد تفكير وانتفاء للكلمات الصالحة، فإذا كان مراقباً لأعماله ملتزماً جانب التقوى فقد ضمن سعادته.

7. اغتنام الفرص: إن رمز موفقية الانسان تكمن في اغتنام الفرص، فإذا ما أراد الامسان لا سيما طالب العلم أن يكون له مستقبل موفق عليه أن يستغل جميع الفرص ويستفيد منها (فاغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب).

8. الارتباط الروحي: إذا أراد الانسان أن يكون موفقاً في عمله عليه بداية أن يتقن أداء تكاليفه الشرعية ولا يغفل عن الدعاء والذكر ليقرأ الأدعية المعروفة ولا يتخلف عن قراءة الأذكار التي من جملتها الصلوات والاستغفار.

وعليه أن يقوم ببعض الأعمال لتقوية ارتباطه الروحي كصلاة الليل لكن بشكل تدريجي وذلك حتى لا يشعر بالملل والتعب في هذه الأعمال المستحبة التي عليه أن يأتي بها بنشاط وهمة عالية، فإذا ما تدرج بالعمل ولو كان قليلاً فإنه سوف يستمر عليه بينما الإكثار من المستحبات والعجلة فيها يمكن أن تتعب البعض وربما سلبته توفيق الاستمرار على ذلك العمل، فالشاب إذا تدرج في العمل المستحب عليه فانه يكتسب نورانيته خاصة، البعض يفرط في أداء المستحبات وقد اثبتت التجربة أنهم لا يوافقون للاستمرار في ذلك وسرعان يتعبون منها ويتركونها.

9. التوكل: من الأمور المهمة المؤثرة في رقي الانسان وتقدمه مسألة التوكل، فإذا ما كان العمل خاصة لوجه الله مقترباً بالتوكل عليه تعالى كان ذلك موجباً لسعادة الدنيا ولآخرة، فالإنسان المؤمن المتدين إضافة إلى اخلاصه بالعمل لله عليه أن يطلب أجره منه تعالى وسيتلطف الله به وإن التوكل أفضل غنيمة تعين الإنسان وتوفقه لاكتساب الروحانية وارتقاء الدرجات.

10. التخلق بالأخلاق الحميدة: الابتعاد عن الغرور والتخلق بالأخلاق الحميدة كالتواضع، فعلى الإنسان الابتعاد عن الغرور والكِبر في جميع مراحل حياته وأن يطلب من الله تعالى بالتوسل بأهل البيت (عليهم السلام) وأن لا يقع في فخوخ الشيطان تلك، وأن يجعله من عباده الصالحين الحائزين على رضا إمام الزمان (عليه السلام) ببركة التواضع وتقوى الله تعالى، لا سيما الطلاب عليهم أن لا يغتروا بمعرفتهم لعدة مصطلحات علمية بل عليهم أن يجعلوا التقوى نصب أعينهم، ويطلبوا من الله تعالى أن لا يكلهم إلى أنفسهم طرفة عين أبداً.

المصدر: التبريزي، جواد، آداب المتعلمين والمسترشدين، ص25-32.

2021/11/23

للحرية حدود.. لا تعزلوا ’مواقع التواصل الاجتماعي’ عن الأخلاق!

أخلاقية التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي

(الأخلاقية) تعني ما يتفق مع قواعدِ الأخلاق، أو ضوابط السلوك المقرَّرة في مجتمع ما، وعندما نقول (أخلاقيات العمل) فإنّنا نريد بذلك ما يتعلَّق بالعمل من مبادئ وقيم ومُثل أخلاقية تعارف عليها الناس، واستحسنوها، وعابوا على مَن يخالفها أو يعاكسها إلى غيرها ممّا لا يدخل تحت طائلة الحكم الأخلاقي. ومن بين أخلاقيات التعامل الإيجابي مع وسائل التواصل الاجتماعي، ما يأتي:

[اشترك]

1- معرفة أنّ وسائل التواصل سلاحٌ ذو حدّين: الأمر الذي يعني أنّ ما من وسيلة من الوسائل سيِّئة أو صالحة بذاتها، وإنّما تعتمدُ على طريقة مُستعمِلها أو مُستخدِمها لها، فإذا استعملها في الخير تحوَّلت إلى أداة نافعة، وإذا وظَّفها في الشرّ، استحالت إلى أداة ضررٍ وإضرار. وهذا هو شأن أي وسيلة قديمة أو حديثة أو مُستحدثة، أي إنّ الوسيلة بطبيعتها (حيادية) حتى السكّين التي نقطِّع بها شرائح اللحم والفاكهة، هي أداة مصنوعة لغرض النفع والاستخدام الصالح.. أمّا إذا استخدمت كأداة طعن وجَرح وتخويف، فإنّ شفرتها الحادّة والمستعدّة للقطع لا تتردَّد عن أداء هذا الدور السلبي أيضاً، هي (بريئة) كأداة، ولذلك لم نرَ أنّ أداة جارحة أو قاتلة حوكمت بمحاكمة مُستخدمها، هو وحده الذي يتحمَّل المسؤولية. وإذا قيل: لسنا ضدّ الوسائل الحديثة، أيّاً كانت، وإنّما نحنُ ضدّ استخدامها في الخبث، والشرّ، والإساءة، والفساد، والتهريج، والتحريف، والتزييف، فإنّ ذلك يُشكِّل قاعدة حياتية وأخلاقية عامّة لا تخصّ وسائل تواصل مثل (الفيس بوك) و(الهاتف النقّال) و(الإنترنت) و(البريد الإلكتروني) و(التغريدات) وغيرها.. وبمعنى آخر، فإنّ الأخلاق هي الأخلاق، تلازمُ كلَّ وسيلة حديثة أو مستحدثة اتّسع فيه فضاء الحرّية، أو ارتفع سقفها، ولا يشذّ عن هذه القاعدة أيّة وسيلة تعبيرية أو تواصلية (تفاعلية).

2- للحرّية حدود: لا يمكن القول في أي زمن - مهما اتّسع فيه فضاءُ الحرّية - بأنّه زمنٌ مفتوحٌ على مصراعيه، بمعنى أنّه يكسرُ كلَّ الحواجز والحدود والضوابط والقوانين لدرجة الانفلات والتسيُّب والاستهتار بالقيم، حتى حالات الطوارئ لها ضوابطها ومحدِّدات حرّيتها.. فكما كان للحرّية، قبل دخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى عالمنا، ضوابطها من قبيل إنّ حرّيتك تنتهي حيث تبدأ حرّية الآخرين، أو أنّك لست حرّاً في إيذاء نفسك أو استجلاب المهانة والذلّة لها، وكما أنّك لست حرّاً في مخالفة تعليمات وقيود المرور المنصوص عليها، فأنت لست مخوَّلاً في إرعاب الناس وإدخال القلق والاضطراب إلى نفوسهم، تحت أي عنوان أو مبرر، ولست مرخَّصاً أن تُدخِّن في مكان مغلق يشاطرك الآخرون العمل أو السكن فيه. نعم، يمكنك أن تفعل ذلك، بتجاهل متعمَّد؛ ولكنّك بذلك تتغافل عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالذين تتعدّى حرّيتك عليهم، وهذا هو بيتُ القصيد في الاحتراز للحرّية، وحمايتها من الانفلات، ذلك أنّ السيل الكاسح إذا لم يجد سدّاً في طريقه يكبحه أو يُقلِّل من قوّة اندفاعه وضراوته، فإنّ أحداً لا يستطيع التكهُّن بمدى الخسائر المترتِّبة عليه، أو الناجمة عنه. وسائل التواصل الاجتماعي ليست خارجة عن هذه النظرة إلى مفهوم الحرّية.. نعم، نحن اليوم في فضاء مفتوح على مصراعيه؛ لكنّنا لسنا في (غابة بشرية) يعتدي فيها (الأشرس) على (الأضعف)، إلّا إذا قرَّرنا ذلك بمحض إرادتنا، وهذا ما نلاحظه ونشاهده اليوم من دعوات الإباحية والتحرُّر من كلّ قيد أو ضابط أو قانون أو أخلاقية مرعيّة.

3- التقنياتُ والقنوات (التواصليةُ) الحديثةُ مسارحٌ للإبداع والتنمية: هي مسارحُ ومنصّات للعطاء والإبداع والتواصل الإيجابي، والتعارف، والتعاطف، وتبادل الخبرات والتجارب، وصفوف تعليمية، ومنابر توجيهية، وأسواق ترويجية، وقنوات خبرية، وكلّ ذلك لما يصلح أن يكون عاملاً من عوامل تيسير الخدمة، وسرعة إيصال المعلومة، وفتح أبواب العلاقة مع الآخر أينما كان، وإيصال الرسائل إلى أوسع نطاق مُتصوَّر وربّما غير مُتخيَّل أو متصوَّر أيضاً. 

ومن أخلاقيات التعاطي الإيجابي مع وسائل التواصل هو اغتنامها في التوظيف السليم، وهذا عنوان عريض ومطّاط بعض الشيء، إذ إنّ سلامة التوظيف تتوقَّف على ثقافة المُستخدِم، ورعايته لضميره الأخلاقي، ومدى إحساسه بتنظيم قِيَمه وأحكامه لحركة سيره، وحسابه للعواقب والنتائج لأي فعل يُقدِم عليه، فقد تُطلق (شرارةُ كلمة) وتُحدثُ حريقاً هائلاً، وربّما يمكن أو لا يمكن السيطرة عليه بعد أن تمتد ألسنةُ اللهيب إلى أماكن واسعة؛ لكنّ مُطلِق الشرارة يتحمَّل الوِزر الأكبر، كما سيتبيَّن في أثناء البحث.. وفي المحصلة، فإنّ مسارح (التنوير) و(الإبداع) و(التوعية) و(التنمية) يمكن أن تتحوَّل إلى مسارح للجريمة أيضاً!

(السرعةُ).. لها.. وعليها: للسرعة إيجابياتها ولها سلبياتها أيضاً، فالسباقُ إلى الخير والتنافس على الصالحات النافعات المباركات من الأعمال تحتاج إلى إيقاع سريع «خيرُ البرِّ عاجلهُ»، بل إنّ شرطاً من شروط نجاح العمل واستقباله من المتلقِّي استقبالاً حسناً، هو (تعجيلُ) القيام به وإنجازه، خاصّة إذا لم تكن هناك موانع تحول دون إنزاله إلى الواقع بالسرعة الممكنة. لكنّ السرعة - حتى في زمن يقالُ عنه أو يوصف بأنّه زمن السرعة - خطيرة إذا كانت تَسلِقُ الأشياء والأعمال والإنجازات والعلاقات والنتاجات سَلقاً، أي إنّ فترة حَمل الشجرة معيَّنة؛ لكنّ الإسراع في إنضاج ثمارها بأسمدة كيمياوية معُجِّلة، مُسرِّعة من نموّها، تعطينا ثماراً متشابهة في الشكل؛ لكنّها غير متماثلة في القيمة الغذائية، وهذا المثل يمكن قياسُه على كثير من الأعمال التي لا تُراعي (أمد الإنجاز)، أو (فترة الحمل)، أو (شروط النمو)، ولعلّ هذا هو الذي يُقال عنه بأنّ «العجلة من الشيطان». والفرق واضحٌ بين (سرعة) محسوبة لتخطّي عقبات الروتين، وتُسهم في اختصار المسافة والوقت والتكاليف والجهود المبذولة، وبين (العجلة) التي هي (إنجازٌ سريع) مع (أداء سيِّئ) أو نتيجة رديئة.

والمتأمِّل في أُسلوب التعاطي مع وسائل التواصل - وليس الرأي بالمطلق، إذ هناك شواهد إيجابية كثيرة- يرى أنّ (أُسلوبَ التسلُّق) أو (الإنجاز غير المختمر) هو الشائع والمُعتَمد، فما أن نسمع كلمة، أو نرى صورة، حتى نبادر للتعليق عليها رفضاً وتأييداً، من غير أن يكون قد وصل (بريدُها) إلى العقل ليزنها في ميزانه، فيقبل منها ما يمكن قبوله واستحسانه، ويرفض منها ما يستحقّ الرفض والاستهجان، وكأنّنا مُطالَبون - في جميع الأحوال - عن ردّة فعل واجبة. (العَجلةُ) في زمن السير البطيء، أو في (زمن السرعة) خطيرة، ولذلك قال العقلاء بعد أن جرَّبوا نتائجها الوخيمة، وعرفوا آثارها الأليمة: «في العجلة الندامة»؛ لكنّنا يجب أن نُميِّز بين (العجلة) التي تعني الخَبزَ قبل الاختمار، وبين (التعجيل) الذي هو حركة إيجابية لفعل الخير، وإنجاز الأعمال، وتنفيذ المهام من غير تفريط في عامل الجودة. نعم، تسريع الوتيرة البطيئة بشحذ الهمّة، واستحضار شروط النجاح، واغتنام الوقت، لا يعني (عجلةً) أو (تعجُّلاً)، بل (تعجيلاً)، وهذا هو الفرق.

البلاغ

2021/11/21

الحياة تجارب: شر وأشرار.. دعونا نجرّب طريق اللاعودة!

حديث عميق عن الشر والأشرار

ما هو الحد الفاصل بين الخير والشر وهل يمكن للإنسان أن يحددهما بسهولة وبالتالي يختار الخير، او أنه يختار الشر لعناصر تتداخل في نفسه وأفكاره وأهدافه، ولماذا يختار الأكثر طريق الشر مع أنه عاقبته سيئة وطريق مظلم يملأ القلب بالقساوة والظلم والشيطنة؟

[اشترك]

العقل بالتأكيد هو الذي يعطي للإنسان القدرة على تحديد الخير والشر، كما أن الفطرة والضمير تفهم ما هو الخير وما هو الشر؟ كما أن نتائج الأفعال والعبر من تجارب الماضين توضح الفرق بينهما.

المشكلة أن الشر يستهوي الكثير نتيجة رؤيتهم السطحية للكوارث التي يتسبب بها، فالطمع والتكبر والحسد والطموحات العمياء تحجب رؤية العقل عن النتائج، ويغطي الضمير عن العتاب الداخلي، ولكن هذا الاستهواء للشر تراكمي وإذا انتشر يصبح بنيوياً صعبٌ استئصاله.

ولذلك فإن المعرفة لهذه الشرور والوعي بأساليب تجنبها والتربية العميقة على قيم الخير سيؤدي الى تراكم الخير وفضائله في فضاء مجتمعاتنا.

سيد الحكماء والعقلاء والأوصياء أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحدد في مجموعة أقواله وحكمه ما هو الشر الذي يقود نحو الظلمات وماهي الكوارث التي يتسبب بها، نتأمل فيها من أجل ان تفتح لنا أبواب الخير وتوصد أبواب الشر:

حيث يقول (عليه السّلام):

(شَرُّ الْأَخْلَاقِ الْكَذِبُ وَالنِّفَاقُ)

حيث تموت القيم التي تحقق للمجتمع توازنه وانسجامه وتماسكه وبالتالي الثقة التي يحتاجها الناس للتعامل الصادق بينهم، ولكن يسقط الأفراد وتموت فيهم هويتهم الإنسانية الصالحة بسبب الكذب والنفاق، ويتوحش المجتمع وتسود فيه الفوضى ويفقد الإنسان إيمانه بالحياة الصالحة، ويستأسد الأقوياء على الضعفاء ويغيب الإنصاف والعدل، فليس هناك شيء صادق يعتمد عليه أو يكون معياراً للتفاهم والتعايش والتواصل، فالوجوه متعددة والسلوك ازدواجي والتعامل انفصامي، فكل كذاب منافق وكل منافق كذاب والنفاق يبدأ بالكذب لذلك أصبح الكذب ملك الرذائل.

يتصور الكاذب أنه سيتربّح بكذبه ولكن حبل الكذب قصير لذلك سيكون أكبر الخاسرين، ويتصور المنافق أنه يخدع الناس بتلونه فيتلاعب بهم ولكنهم سيرون لونه الحقيقي ويسقط في جحيم تلاعبه وينكشف لونه الأسود.

الصادقون هم الرابحون لأن الكون قائم على الصدق، والواضحون ناجحون فتبتسم الحياة لهم.

(شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ خَيْرُهُمْ)

النرجسي المتعالي المحب لنفسه يحتقر الآخرين يستغرق في التكبر ويتسافل بالاستبداد فهو نقص دائم لأنه لا يرى في نفسه نقصا، وشر متطور لأنه لا يرى في نفسه عيبا، وعار دائما لأنه لا يرى في سلوكه عاراً.

يرى نفسه أفضل بماله ولكنه حريص بخيل أناني استئثاري احتكاري، يرى نفسه أعلى من غيره بعلمه فيصبح سجينا لجهله المركب.

يرى نفسه المبدأ المطلق فيسحق كل المبادئ فيطلق شروره وسمومه تجاه الآخرين، إنه المتعصب العنصري البائس الذي اختار طريقا سيئا ليثبت ذاته، فلا ينشر الا البؤس والكراهية والحقد والثأر والعنف، لذلك فهو في انحطاط دائم نحو الغرق في مستنقع الشر.

الإنسان المتفوق هو الذي كلما علا يزداد تواضعا واحتراما للآخرين، وكلما زاد تواضعا زاد علوا وزاد احترام الناس له.

(شَرُّ الْأُمُورِ الرِّضَا عَنِ النَّفْسِ)

الجامدون الساكنون الراكدون الراكنون في الفناء الخلفي، هم الذين قد رضوا عن أنفسهم فتوقف التقدم في حياتهم، الذين رضوا بعملهم واستحسنوه لأنفسهم، رضوا بأن يصبح متضائلا، رضوا بتوقف عقارب الساعة عندهم فأصبحوا بلا زمن، والحياة لن ترحم الذين توقف زمنهم، فالإنسان في سباق مع الزمان والرضا الموهوم يجعله خاسرا، لذا يتحول الى شر لأنه يصبح جامدا والأشرار هم الذين يريدون أن تصبح الأمور راكدة فيستربحوا ويتسلطوا ويستعبدوا.

الرضا عن النفس تخلف مطلق وفشل دائم ومراجعة العمل طريق للتقدم وسير نحو النجاح.

(شَرُّ الْأَفْعَالِ مَا جَلَبَ الْآثَامَ)

كل فعل لا يخرج من دائرة كونه خير او شر، ولا يخرج من كونه صالح او طالح، ولا تبرر الغاية الوسيلة، حيث لا يطاع الله من حيث يعصى، فليس الفعل خير إن سلك طريق الشر.

وهؤلاء الذين يعتقدون انهم يصلون الى الخير بالمعاصي والآثام هم واهمون او انتهازيون فيسقطون عاجلا في نتائج افعالهم، خصوصاً أولئك الذين يرون في السلطة قوة ونجاحاً مهما كانت الوسائل، او المشتغلون بالمال ربحاً واستثماراً مهما كانت طرقهم.

ومن يرى في الملذات طريقا للمرح مهما كانت انحرافاتها، ستكون النتائج وخيمة لأن الآثام تقود نحو الشر والبؤس، ألم يصاب الملتذون بالزنا بأمراض دمرت حياتهم، والغارقون في السكر كيف سلب الخمر أجمل أيام حياتهم، والحاكمون للناس بالعنف والاستبداد والظلم كيف تحولت بلدانهم الى جحيم.

الأفعال الصالحة هي التي تنبعث من العقل والضمير والوعي بالعواقب وتقود نحو حياة صالحة، والأفعال الشريرة تسيرها الغرائز العمياء والشهوات المنفلتة والأهواء الحمقاء فتقود نحو الشقاء والأزمات.

ولا تقول إن الحياة تجارب فدعنا نجرب الآثام فهذه وساوس النفس الشيطانية الخادعة فالآثام تجر نحو آثام أكبر، وإدمانها لا يمكن الخلاص منه، فأدمن أفعال الخير لتجد كل اللذة والفرح.

(شَرُّ النَّاسِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْعُذْرَ وَلَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ)

الله الغفور الرحيم يحب ان يتخلق الناس بأخلاقه، فيغفرون لغيرهم كما يغفر الله تعالى لهم، لأن الغفران من أعظم تجلياته سبحانه وتعالى في البشر، لأنه بالغفران يسمو الإنسان ويرتقي ويتعالى عن الحقد والكراهية، فمن لا يقبل الاعتذار يتخلى عن هذا الخير العظيم بالتسامي، وعندما يتخلى أفراد المجتمع عن التسامح والعفو تسيطر الكراهية والعنف فمن لا يغفر لا يُغفر له، والمجتمعات المتأزمة هي التي لا توجد فيها ثقافة قبول الاعتذار بل تكون مهددة بالصراعات والحروب بكافة أشكالها والصراعات هي أساس الشر.

البشر يخطئون وعندما تغيب لغة الاعتذار تستفحل الأخطاء وتتراكم الذنوب ويسيطر القوي على الضعيف وتموت العدالة ويسود الانتقام، فما هي قيمة الحياة التي لا يُقبل فيها الاعتذار.

ثقافة الاعتذار وترسخها السلوكي والاجتماعي يعبر عن سير تطوري متصاعد نحو مدارج الخير والصلاح.

وقبول الاعتذار لا يكفي بشكل سطحي بل لابد أن يكون مقترنا باقتلاع أي كراهية تستوطن القلب، فالغفران يقترن بالرحمة، والرحمة مطلقة ليست فيها شروط مسبقة او لاحقة لأنها الإطار الشامل للكون.

بالغفران نستطيع أن نعيش أجمل أيام حياتنا، وبعدمها تتحول الأيام الى تعاسة تتراكم بسبب هيمنة الشرور وانطفاء المحبة وفقدان التراحم.

2021/11/20

العجب المهلك.. احذروه!

في (شرح أصول الكافي / للمولي محمد صالح المازندراني - ج 9 - ص 332 – 333) قال:

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن أسباط، عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن سيار، يرفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبدا).

[اشترك]

الشرح:

 قوله (إن الله عز وجل علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب) قيل: حقيقة العجب استعظام العمل الصالح واستكثاره والابتهاج له والادلال به وأن يرى نفسه خارجا عن حد التقصير، وأما السرور به مع التواضع لله تعالى والشكر له على التوفيق لذلك وطلب الاستزادة منه فهو حسن ممدوح.

وتوضيحه ما ذكره الشيخ في الأربعين بقوله: لا ريب أن من عمل أعمالا صالحة من صيام الأيام وقيام الليالي أمثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج فإن كان من حيث كونها عطية من الله له ونعمة منه تعالى عليه وكان مع ذلك خائفا من نقصها مشفقا من زوالها طالبا من الله الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجبا.

وإن كان من حيث كونها صفته وقائمة به ومضافة إليه فاستعظمها وركن إليها ورأى نفسه خارجا عن حد التقصير بها وصار كأنه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب المهلك وهو من أعظم الذنوب.

وقيل: العجب هيئة نفسانية تنشأ من تصور الكمال في النفس والفرح به والركون إليه من حيث أنه قائم به وصفة له مع الغفلة عن قياس النفس إلى الغير بكونها أفضل منه؛ وبهذا القيد ينفصل عن الكبر إذ لابد في الكبر أن يرى الإنسان لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة ثم يرى مرتبته فوق مرتبة الغير، وهذا التعريف أعم من المذكور إذ الكمال أعم من أن يكون كمالا في نفس الأمر أو لم يكن، كسوء العمل إذا رآه حسنا فابتهج به، والأول أعم من أن يكون فعله كالأعمال الصالحة، أو لا كالصورة الحسنة والنسب الرفيع.

وقيل: العجب أن يرى الإنسان نفسه بعين الاستحسان لأفعالها وما يصدر عنها من عادة أو عبادة أو كثرة وزيادة في أمر، وذلك مذموم لأنه حجاب للقلب عن رؤية فواقعه، فإن أعجب بنفسه في صورة أو عادة أثار كبرا وإن كان في عبادة ففيه عمى عن رؤية توفيق الله، وأصل ذلك من الشرك الخفي، والشرك الجلي لا يغفر، والخفي منه لا يهمل بل يؤاخذه الله به صاحبه.

(ولولا ذلك ما ابتلى مؤمنا بذنب أبدا) فجعل الذنب له فداء عن عجبه بنفسه ليبقى له فضيلة الإيمان وثواب الأعمال واستحقاق الإحسان ولو لم يذنب لدخل فيه العجب وأفسد قلبه وحجبه عن ربه ومننه ومنعه عن رؤية توفيقه ومعونته وصده عن الوصول إلى حقيقة توحيده وأحبط عمله الذي صدر منه في مدة طويلة بخلاف الذنب فإنه لا يبطل العبادات السالفة وفيه متابعة للهوى.

وفي العجب شركة بالمولى ويفهم منه أن ارتكاب أقل القبيحين أولى من الآخر وأن ذنب المؤمن مصلحة له وأنه يغفر له قطعا.

2021/11/08

هذا ما تجلبه لكم ’صلة الأرحام’

كتب الشيخ محمد جعفر السعيد:

قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

[اشترك]

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "صلة الأرحام تحسن الخلق، وتسمح الكف وتطيب النفس". لأنه بأداء هذا التكليف يكون مجبوراً على مراعاة حسن السلوك، وبعد التمرين والممارسة يصبح ذا خلق حسن حتى مع الأخرين، وكذلك يصبح صاحب ملكة الجود والسخاء ببركة صلة الرحم، فينجو من مرض البخل المهلك، وتتطهر نفسه من الحسد، ويرتاح من بلاء العداوة مع النّاس لأنه يصبح بصلة الرحم محبوب المقربين بل سائر الناس فيأمن شرهم.

عن الباقر عليه السلام: "صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسي الأجل ".

وعن الإمام السجاد عليه السلام: "ما من خطوة أحب إلى الله من خطوتين خطوة يسد بها المؤمن صفًا في الله، وخطوة إلى ذي رحم قاطع ".

وقال الرسول صلى الله عليه وآلة وسلم: " إنّ في الجنة درجة لا يبلغها إلاّ إمام عادل أو ذو رحم وصول أو ذو عيال صبور"

 وقال أيضًا صلى الله عليه وآلة وسلم:  من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه الله تعالى أجر مائة شهيد وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة، ويمحي عنه أربعون ألف سيئة، وترفع له الدرجات مثل ذلك، وكأنما عبد الله تعالى مائة سنة.  وعنه صلى الله عليه وآلة وسلم: الصدقة بعشر والقرض بثماني عشرة وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربع وعشرين."

فهذا ما ورد في صلة الرحم، ولكن هل سألنا أنفسنا يومًا من الأيام، ما معنى صلة وقطع الرحم؟  لأنه لم يذكر في الشرع معنى خاص للرحم نفهم أن المراد نفس المعنى العرفي الذي هو مطلق الأقارب، بمعنى إرضاء الأب والأم، حتى لو كانا بالوسائط، وأيضًا عن طريق الأبناء.

سأل عروة بن يزيد الإمام الصادق عليه السلام عن معنى آية وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل، فأجاب عليه السلام: " هي قرابتك وهذا يشمل المحرم وغير المَحرم القريب والبعيد ".

وقد جرت العادة لدى أهل الدنيا بالتقرب من أقربائهم الأغنياء، وعدم الاهتمام بالفقراء منهم حتى ولو كان قرابة قريبة، ولكن لا يوجد في الشرع فرق في حكم صلة الرحم وقطعه بين الأقارب، نعم كلما كانت القرابة أقرب، وقلت الواسطة كلما اشتد الحكم. وقد نسب الشهيد الثاني عليه الرحمة هذا المعنى العربي الذي ذكره للرحم لأكثر الفقهاء.

وأمّا بالنسبة لمعنى الصلة، فهو كل عمل يعتبر في العرف تواصلاً، حتى في الأمور الصغيرة كأن يبدأ بالسلام أو يجيب بسلام حسن، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: " إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب، ويعصمان من الذنوب فصلوا أرحامكم، وبروا إخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب " وعنه عليه السلام في حديث آخر: "صل رحمك ولو بشربة من ماء".

2021/11/07

هل تحولت البذاءة الى طبع وثقافة؟!

نتيجة الانفتاح والاختلاط بالثقافات المتنوعة وأصناف الناس سيما في مواقع التواصل الاجتماعي، والتأثر ببعض البرامج "الفكاهية"، صرنا نلاحظ انتشار الكلمات البذيئة بين الناس وحتى الأطفال.

[اشترك]

إذ يتم ترديد الكلمات البذيئة بكل سهولة ومن دون تحرّز حتى باتت منطبعة في لهجاتنا وحياتنا اليومية فما هو جزاء من يقول أو يتلفَّظ بالألفاظ أو الكلام "الوسخ" في الدنيا والآخرة؟

وهذا ما يُعبَّر عنه بالفُحش من القول كما يُعبَّر عنه بالكلام البذيء وهو يشملُ كل مُستقبَح من الكلام كالذي يخدشُ الحياء أو يُسيء للمخاطَب كالشتيمة والسبِّ والقذف، وقد وردت رواياتٌ كثيرة تؤكِّد حرمة ذلك وتتوعَّد من يُمارس هذه المعصية بالنار كما بيَّنت بعضُ الروايات شيئًا من الآثار المترتِّبة على هذه المعصية في الدنيا.

أما الروايات المُعبِّرة عن حرمة الفُحش والبذاء واستحقاق فاعل ذلك للنار فمنها:

1ـ ما رواه سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) قال: قال رسول الله (ص): "إنَّ اللهَ حرَّم الجنَّةَ على كلِّ فاحشٍ بَذيء قليلِ الحياء لا يُبالي ما قال ولا ما قِيل فيه"(1).

2ـ معتبرة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (ع): "مَن خافَ الناسُ لسانَه فهو في النار"(2).

3ـ معتبرة أبي عبيدة عنه (ع): "البذاء من الجفاءِ والجفاءُ في النار"(3).

4ـ ورد في وصيَّة النبيِّ (ص) لعليٍّ (ع) قال: "يا عليُّ أفضل الجهاد مَن أصبح لا يهمُّ بظلم أحدٍ، يا عليُّ مَن خاف الناسُ لسانَه فهو مِن أهل النار، يا علي شرُّ الناس مَن أكرمه الناس اتِّقاءَ شرِّه وأذى فُحشِه، يا عليُّ شرُّ الناس مَن باع آخرته بدنياه، وشرُّ الناس مَن باع آخرته بدنيا غيرِه"(4).

وأما الرواياتُ التي أشارت إلى بعض ما يترتَّب على الفُحش من آثارٍ في الدنيا فمنها:

1ـ ما ورد في بعض الأحاديث "مَن فحش على أخيه المسلم نزعَ اللهُ بركةَ رزقِه ووَكَلَه إلى نفسه وأفسدَ عليه معيشته"(5).

2ـ وورد في أصول الكافي بسندٍ مُعتبر عن الإمام الصادق (ع): "كان في بني إسرائيل رجلٌ فدعا اللهَ أنْ يرزقه غلامًا ثلاث سنين، فلمَّا رأى اللهَ لا يُجيبه فقال: يا ربِّ أبعيدٌ أنا منك فلا تسمعني أم قريبٌ مني فلا تجيبني؟ قال: فأتاه آتٍ في منامه فقال: إنَّك تدعو اللهَ منذُ ثلاث سنين بلسانٍ بذيء وقلبٍ عات -مستكبر- غير تقي ونيَّةٍ غير صادقة، فأقلع عن بذائك وليتقِّ اللهَ قلبُك ولتحسن نيتك، قال: ففعل الرجلُ ذلك ثم دعا الله فولد له غلام"(6).

 

الهوامش:

1. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 35.

2. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 31.

3. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 35.

4. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 34.

5. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 16 ص 33.

6. الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 324.

2021/11/03

أخبار في كل مكان.. هل تحتاج ’الصحافة’ إلى أخلاق؟!

أخلاقيات الإعلام

كتب د. عبد القادر بن شهاب:

نطالع من حولنا كل صباح ومساء وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة كما هائلا من المطبوعات الصحفية والمواقع الإلكترونية الإخبارية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تحمل في

طياتها العديد من الأخبار والتقارير الإعلامية والتحقيقات والاستطلاعات عن مختلف الأحداث والوقائع من كل أرجاء المعمورة.

[اشترك]

وأمام هذا المشهد الإعلامي المشحون بالتنافس الإخباري تفنن الصحفيون والإعلاميون والمحررون في جمع الأخبار ونشرها في وسائل الإعلام بكل أنواعها المقروءة والمطبوعة والمرئية والمسموعة والإلكترونية ليظفروا بذلك سبقا إعلاميا سريعا يهدفوا من خلاله الحصول على أكبر عدد من الجمهور والمتابعين.

لكننا نجد أنفسنا أمام هذا الكم الهائل من الإنتاج الصحفي والإعلامي المحاط بنا من كل جهة نحتاج إلى أن نتبين من مصداقية وصحة ما يكتب وما ينشر وما يذاع في وسائل الإعلام، ومدى تحري الدقة والموضوعية في الكتابة والنشر الإعلامي، والذي يعد من القواعد المهنية والأخلاقية للنشر الإعلامي والذي يجب على المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها والصحفيين والإعلاميين الالتزام به حرصا منهم للوصول إلى إنتاج صحفي إعلامي ملتزم بالمصداقية والدقة والموضوعية بعيدا كل البعد عن التضليل والدجل الإعلامي وفي هذا الإطار تتحمل وسائل الإعلام بكافة أشكالها التقليدية والحديثة مسئولية كبيرة في المجتمع نحو ما تقوم به من نشر وتثقيف وتعليم وتوعية في المجتمع الذي تعمل فيه، حيث تقع على عاتق وسائل الإعلام مسئوليات عظيمة تتضمن مسئولية إعلامية تجاه المجتمع العام وذلك من خلال إتاحة المعلومات وعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وهناك مسئولية إعلامية تجاه المجتمع المحلي وتتضمن إبلاغ الناس بما يحقق مصالحهم وتجنب الإضرار بها، وهناك مسئولية إعلامية تجاه نفسها من خلال أداء الرسالة الإعلامية بكل دقة وصدق وموضوعية وأمانة لما فيه صالحها كمؤسسة إعلامية وما فيه صالح المجتمع.

فأخلاقيات الإعلام هي مجموعة القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة والإعلام أو هي مختلف المبادئ التي يجب أن يلتزم بها الصحافي أثناء أداءه لمهامه أو بعبارة أخرى هي تلك المعايير التي تقود الصحفي إلى القيام بعمل جديد يجد استحسانا عند الجمهور، كما أنها أيضا جملة المبادئ الأخلاقية الواجب على الصحافي الالتزام بها بشكل إرادي في أداءه لمهامه كمعايير سلوكية تقوده إلى إنتاج عمل ينال به استحسان الرأي العام.

كما يمكن القول أن أخلاقيات الإعلام هي تلك الأخلاقيات المتعلقة بمهنة الإعلام وهي مجموعة من القيم المتعلقة بالممارسة اليومية للصحفيين وجملة الحقوق والواجبات المترابطتين للصحفي، فالقواعد الأخلاقية التي تنظم السلوك المهني للعمل الإعلامي تشكل في مجموعها قواعد وقوانين التنظيم للعمل الإعلامي تكون بمثابة مواثيق للشرف الإعلامي بمسئولية اجتماعية واعية في كل ميادين العمل الإعلامي من الصحافة والإذاعة والتلفزيون وحتى السينما والإعلام الجديد، وهذه القواعد والقوانين تؤكد على إرشادات هامة توضح للصحفي ما له وما عليه، من أهم هذه القواعد المهنية: (ضمان حرية الصحافة والإعلام - حرية الوصول إلى مصادر المعلومات الموضوعية - الدقة والصدق وعدم تحریف عرض الحقائق - الحق في المعرفة - الموضوعية وعدم الإنحياز - المسئولية إزاء الرأي العام وحقوقه ومصالحه اتجاه المجتمعات القومية والعرقية والدينية والأمة والدولة والدين والحفاظ على السلم والأمن الاجتماعي – النزاهة والاستقلالية - ضرورة الامتناع عن التشهير والاتهام بالباطل والقذف وانتهاك الحياة الخاصة - حق الرد والتصويب - العدل والإنصاف - الحفاظ على الآداب والأخلاق العامة - احترام السرية المهنية).

وتعتبر محاولة التنظيم القانوني والمهني والأخلاقي لوسائل الإعلام بمفهومها الشامل (المطبوع والمذاع والتفاعلي) عملية ممتدة ومتراكمة، وتعود جذورها الأولى إلى مطلع القرن السابع عشر، ففي عام ۱۷۱۰م صدر مرسوم روماني يلزم الصحافة بالتقيد بالقوانين المتعلقة بالقذف والتشهير، وإساءة السمعة.

وكانت أول محاولة فرنسية سنة 1918م حيث عملت فرنسا على وضع ميثاق الأخلاقيات الإعلام بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، نظرا للدور الفعال الذي لعبته وسائل الإعلام في تلك الفترة، كما كانت هناك محاولات أخرى في مختلف أنحاء العالم، حيث في ۱۹۲۹م وضع " قانون الآداب " الذي عرف تعديلات عديدة نسبة إلى النقابة أكثر تمثيلا للصحفيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وعرف الأخير التفافا واسعا للصحفيين حوله، ويتضمن هذا الأخير ثلاث فصول هي: الآداب، الدقة الموضوعية، وقواعد التسيير، أيضا في سنة 1936م كانت محاولة ثالثة في المؤتمر العالمي لاتحاد الصحافة في مدينة براغ التشيكوسلوفاكية حيث تم التطرق إلى ما يجب على الصحافة فعله، كما انصب الاهتمام على تحقيق السلم والأمن

 العالميين وهذا راجع إلى أنها جاءت في فترة ما بين الحربين، التي تميزت بتوتر العلاقات الدولية، بحيث يمكننا القول بأن أخلاقيات المهنة الإعلامية تعكس الظروف التاريخية التي تظهر فيها لتدعم هذه الأخيرة بوضع قانون من طرف النقابة الوطنية للصحافيين عام 1938م ببريطانيا وقد تضمنت القواعد المهنية التي يجب على الصحف تبنيها.

وفي الأخير هذه بعض التوصيات التي قد تساهم في دعم تطوير أخلاقيات العمل الإعلامي كالتالي:

(تدريب الإعلاميين على ممارسة أعمالهم بمسئولية لتحقيق الصالح للفرد والمجتمع - عمل دورات تدريبية للإعلاميين من مندوبين ومحررين وجميع العاملين في المؤسسات الإعلامية وحثهم على احترام الدقة والموضوعية والالتزام بالصدق - عقد ورش عمل وندوات تشجع على زيادة الوعي بالاعتبارات الأخلاقية في الإعلاميين - إجراء الدراسات والبحوث العلمية عن أخلاقيات العمل الإعلامي وتدريبها كمنهاج لطلاب الإعلام في كليات ومعاهد وأقسام الإعلام - عدم منح رخصة ممارسة العمل الإعلامي إلا بعد التأكد من امتلاك المتقدم لقدرات علمية وموهبة ورغبة صادقة الممارسة عمله - تنمية أدوار النقابات والمجالس الإعلامية الرصينة التي تعمل كنظم ضبط أخلاقية للإعلاميين - إعادة تقويم أوضاع الإعلام والصحافة من الناحية المهنية والارتباط الأخلاقي المهني).

المصدر: كتاب الإعلان التلفزيوني وتأثيره في الجمهور- سعد سلمان

2021/10/28

أنا عبد من عبيد محمد.. عن وجوب توقير رسول الله (ص) وتعظيمه

 

كتب الشيخ ابراهيم جواد:

 إنّ أوّل درجات المحبّة لرسول الله صلى الله عليه وآله تكمن في تعظيمه وتوقيره وتبجيله بين الخلائق، فهو سيّدُهم وإمامهم وخيرهم على الإطلاق.

[اشترك]

ولرسول الله على أهل الإسلام منّة عظيمة إذ أخرجهم الله به من ظلمات الشّرك والضلال إلى نور الإيمان والعبوديّة لله تعالى، فلذلك يجب أداء حقوقه الكثيرة وأوّلها لزوم تعظيمه وتبجيله في كل وقت وأوان، وقد أمر الله تعالى بذلك في آيات عديدة فحثَّ على توقيره ومراعاة الأدب في مخاطبته ومعرفة قدر رحمته وشفقته على هذه الأمّة.

قال تعالى: (إنَّا أرسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً • لِتُؤْمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيْلاً).

وقد أبرز أئمّةُ الهدى عليهم السلام هذا الأمر على أرض الواقع في سلوكهم العمليّ وأظهروا مقداراً كبيراً من الخضوع والتذلّل أمام مقام النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله، ومن ذلك ما رواه الكلينيّ بإسناده عن أبي هارون مولى آل جعدة، قال: كنتُ جليساً لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة ففقدني أياماً ثمّ إنِّي جئتُ إليه فقال لي: لم أرك منذ أيام يا أبا هارون. فقلت: وُلِد لي غلام. فقال: بارك الله فيه، فما سمَّيْتَه؟ قلت: سميتُه محمداً. قال: فأقبل بخدِّه نحو الأرض وهو يقول: محمّد محمّد محمّد. حتّى كاد يلصق خدَّه بالأرض، ثم قال: "بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ وبأهل الأرض كلِّهم جميعاً الفداء لرسول الله صلى الله عليه وآله، لا تسبّه ولا تضربه ولا تسئ إليه، واعلم أنه ليس في الأرض دارٌ فيها اسم محمد، إلا وهي تُقدَّسُ كلَّ يوم".

ومن ذلك أيضاً قول أمير المؤمنين عليه السّلام: "إنّما أنا عبدٌ من عبيد محمّد".

فإذا كان الإمام الذي هو خير أهل زمانه يتصرّف بهذا النحو من الخضوع والتذلّل عند ذِكْر رسول الله -صلى الله عليه وآله-، فيجب علينا متابعته في هذا الأدب الجمّ عند ذكر النبيّ والحديث حول شخصيّته وسيرته، ففي ذلك سعادة المسلم في الدنيا والآخرة؛ لأنّ التعبّد والتقرّب إلى الله بتعظيم رسول الله -صلى الله عليه وآله- له آثار معنويّة عظيمة في تطهير النّفس وازدياد المعرفة بالله وأوليائه.

ولا يخفى أنّ وجوه مراعاة الأدب كثيرة، وبعضها جليلٌ ودقيقٌ، وهذا يستدعي التأمّل والمراقبة في سلوكنا وأعمالنا إذا تعلّق الأمر برسول الله -صلى الله عليه وآله-، ألا ترى أنّ الله نهى الأعراب عن رفع أصواتهم عند مخاطبة النبيِّ صلى الله عليه وآله، مع أنّ بعض من يعلو صوته قد لا يكون قاصداً لإساءة الأدب، فكان يريد بذلك أن يربّيهم على توقير رسول الله ومراعاة وجوه الأدب معه والتواضع له، وتخليصهم من زلّات الجهل بقدره ومنزلته عند الله تعالى.

ومن الواضح أنّ النهي عن رفع الصّوت هو مثال من أمثلة الحثّ على التأدّب، وإلا فوجوه التعظيم ورعاية الأدب كثيرة جدّاً ينبغي للمسلم أن يتنبّه إليها في كلّ أمرٍ يرتبط برسول الله، كما في زيارته ورواية حديثه وتعليم سننه وبيان أخلاقه وسيرته والتحدّث عنه للناس وغير ذلك.

2021/10/25

كيف نواجه ’الإساءة’؟.. خطوتان لضبط السلوك الإنفعالي

يختزل علم النفس سلوك الإنسان بـ (الاستجابة) إزاء (مثير) معيّن، بمعنى أنّ السلوك الإنساني في الغالب يتألف من هذين العنصرين (المثير والاستجابة).

[اشترك]

فمثلاً إذا أساء إليك شخص ما فهذا هو (المثير) وردة فعلك التي قد تكون إساءة له مماثلة أو الإحسان إليه او كظم الغيظ والصمت هذه هي الاستجابة .

وإذا كان المثير موضوعياً (خارجياً) في الغالب تحكمه قوانين وظروف لا تقع في منال الإنسان يبقى في وسعنا التحكم بعنصر الاستجابة فهي في نهاية المطاف فعل اختياري، والسؤال المهم هو كيف يمكن ضبط هذه العملية النفسية والتحكم بها :

الجواب باختصار لنفهم كيفية ضبط هذا الفعل الاختياري (الاستجابة) يجب أن نرجع خطوة إلى الوراء لنتعرف على العناصر الدخيلة في صناعة وتكوين الاستجابة فقد ذكروا في علمي الفلسفة والأخلاق أن كلّ فعلٍ اختياريٍ لابدّ من أن يبتني على أربعة عناصر (مبادئ) هي ١- العلم 2- الشوق 3- الإرادة 4- الحركة.

فقبل أن تستجيب لأي مثير لابدّ من وجود تصور جزئي لطبيعة الموقف ونتيجة نوع الاستجابة التي أنت في صدد إيجادها يليه تصديق بذلك وهذا هو عنصر العلم يليه رغبة في إيجاد الاستجابة نظراً للفائدة المتوقعة منها والتي قررتها في رتبة العلم السابقة ثم يليها عزم وإرادة ثم تنبعث العضلات لإيجادها .

وإذا تأملنا في هذه العناصر الأربعة نلاحظ أن نقطة الحسم فيها تكون في العلم والإرادة ومن هنا يمكنني القول أنّ ضبط السلوك يعتمد في جزئه الأكبر على هذين العنصرين فمدى وعيك بظرفك ومدى سيطرتك على إرادتك هما ما يحدد نوع الاستجابة التي ستختارها .

والنتيجة: إن ضبط السلوك يكون عن طريق:

أوّلاً: سعة الثقافة (العلم)

ثانياً: قوة الإرادة

إهتم بهذين الأمرين وستلاحظ تغيراً كبيراً في سلوكك .

2021/10/12

قبل حلول الكارثة.. كيف نتخلص من ’قسوة القلب’؟!

قسوة القلب من الأمراض الخطيرة، وقد أشار القرآن لهذا الداء في قوله تعالى: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) وقال تعالى (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة).

[اشترك]

والظاهر أن السائل لم يصل بعد لهذه المرحلة الخطيرة، فشعوره بالندم والتقصير وحبه للإيمان وخشوع القلب يؤكد على وجود الخير فيه، ومن هنا ننصحه بأن لا يستجيب إلى وساوس الشيطان التي تصغر جانب الخير فيه وتعظم جانب الشر منه، فما عليك إلا الاستمرار على ما أنت فيه من العبادة المفروضة وما تستطيع من أعمال الخير والصلاح حتى لو لم تكن تشعر بتأثيرها في نفسك، فمهمة الشيطان أن يشعرك بأن أعمالك بدون جدوى وليس منها فائدة وغير مقبولة عند الله تعالى، وهذا ما يجعل العبد في حالة من الإحباط فيتخلى بالتدريج عن عباداته حتى يخرج تماماً عن دائرة الدين والإيمان، وعليه يجب أن تكون متيقناً من رحمة الله تعالى وأنه لطيف بعباده يقبل منهم القليل ويبارك لهم اليسير، ولا يعني ذلك أن يميت العبد شعوره بالتقصير في قبال الله تعالى وإنما يجب توظيف هذا الشعور ليكون دافعاً ومحركاً للمزيد من العبادة والعمل الصالح ولا يكون سبباً للتوقف والتراجع، فبالاستمرار في العبادة وبترك المحرمات يستنير قلب الإنسان وتطمئن نفسه في حضرة الله تعالى، ويجب على الإنسان أن يتجنب الأعمال التي تزيد في قسوة القلب مثل التفريط في الفرائض، وأكل الحرام، وفعل المعاصي واتباع الهوى. نسأل الله الهداية لنا ولكم.

2021/10/09

نساء في كل مكان: غض البصر.. نظرة ’بلهاء’ لا على مصراعيها!

إن علاقة الجوارح بالأرواح علاقة استراتيجية عميقة.. فحسب الظاهر أن هنالك تفاعلات في عالم المادة، مثلاً: صورة تقع في شبكية العين، أو أصوات تطرق طبلة الأذن، أو طعام يدخل في الجوف، أو لسان يتلفظ بالقول.

[اشترك]

ولكن كل هذه الجوارح التي تمر عبر سلسلة من التفاعلات المعقدة، التي لم يتوصل إليها العلم إلى الآن، وهو أنه كيف أن الوجود الإنساني يدرك هذه المعاني، التي جاءت من خلال هذه السلسلة العصبية- تعكس هذه المعاني التي تجتمع في قلب الإنسان، فيتفاعل معها الإنسان أيما تفاعل!. هنالك صورة في الخارج، ولكن هذه الصورة عندما تنتقش في القلب، تبدأ معها التفاعلات الباطنية.. ومن هنا علماؤنا فتحوا باباً في علم الأخلاق والعرفان، باسم (تحاشي فضول النظر).

فالنظر عندما يكون على مصراعيه، وينظر الإنسان إلى كل ما هب ودب، فإنه من الطبيعي أن تزدحم النفس بهذه الصور.. وعليه، فإن الإنسان عندما يريد أن يجلب التركيز في صلاة أو في قراءة أو في مطالعة، فإنه يفتقد ذلك؛ لأن هذه الصور المتزاحمة تتوارد على خاطرة الإنسان.. وبالتالي، فإنه يفتقد ذلك التركيز الذي يراد في حركة حياته.

ولقد منَّ علينا رب العالمين بهذه المنة، أن جعل النظر اختيارياً، والقول اختيارياً.. فكما أن الإنسان إذا أطبق شفتيه، بإمكانه أن يمنع نفسه من القول، وينشغل بالذكر الباطني الخفي دون أن يعلم به أحد.. فالعين كذلك؛ إذ رب العالمين جعل عليها جفنين اختياريين، والإنسان بإمكانه أن يطبقهما عند النظر.. أضف إلى أن من الخواص التي جعلها الله عزوجل للعين، أن الإنسان بإمكانه أن ينظر إلى الشيء وكأنه لا ينظر إليه؛ أي لا يحدق فيه، ولا ترتكز تلك الصورة في باطنه، عندما يصرف نظره عنه.

الارتباط بين غض النظر والنور الإلهي

إن النظرات التي لا حساب لها، وهذا التفكير والتخيل الذي لا سيطرة عليه؛ من موجبات هذا التشوش الذي يحجب القلب عن النظر وتلقي المعارف الإلهية، وهذا ما أشار إليه الرسول (ص) في قوله: (لولا تمريج في قلوبكم، وتكثير في كلامكم؛ لرأيتم ما أرى، ولسمعتم ما أسمع).

وفي سورة النور -وهي سورة العفة والعفاف للنساء والرجال- ذكر للآداب المتعلقة بالنظر.. وللمتأمل أن يقف للنظر إلى ما هي المناسبة بين آيات غض البصر وبين آيات النور: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؟.. إن قبلنا هنا الترتيب في هذه السورة، فمعنى ذلك أن هناك حالة من حالات الارتباط بين كف النظر وبين العفة الباطنية، وبين النظر إلى ملكوت السموات والأرض، والارتباط بذلك النور الذي انتشر في هذا الوجود.. وما نعمة الوجود إلا أثر وفيض من آثار هذا النور الإلهي.. فالذي لا يتحكم في بصره وفي جوارحه: قولاً وسمعاً ونظراً، فهذا الإنسان محجوب عن النظر إلى ملكوت السموات والأرض، ذلك الملكوت الذي منَّ الله عز وجل على نبيه الخليل، بأن أراه ذلك الملكوت: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).

النظر في الآيات والروايات

وأما الآيات والروايات المتعلقة بالنظر، فهي كثيرة.. ومن المناسب دائماً أن ننظر إلى موقع المفاهيم الإسلامية من الكتاب الإلهي.. إن القرآن الكريم أمر الرجال والنساء في سياق واحد بغض النظر عما لا يحل، فقال تعالى في أمر للرجال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، وفي آية تليها أمر النساء: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).. ما هو معنى الغض في هذه الآية؟.. البعض يقول: أن المراد بغض البصر هو أن يغمض الإنسان عينه.. ولكن البعض يقول -من دون أن نحّمل الآية تفسيراً قطعياً-: إن غض البصر هو أن يصرف الإنسان نظره عن المنظور، وهذا الصرف يكون تارة بغمض البصر؛ أي بأن يسدل على عينيه الجفنين.. وتارة بغض البصر، فالإنسان في معاملاته اليومية قد لا يمكنه غمض البصر.. مثل إنسان يمشي في الأسواق، وله تعامل قهري مع النساء، وهذه الأيام -كما نعلم- هنالك حالة من حالات التمازج والاختلاط في الجامعات وفي المعاهد وفي مختلف حقول الحياة؛ فالإنسان من الممكن أن لا يتوفق لغمض بصره، ولكن غض البصر ممكن، بمعنى أن ينظر الإنسان نظرة بلهاء إلى ما ينظر إليه.. ينظر إلى المرأة -إن كان ولابد من التعامل مع المرأة-، ولكن لا ينظر إليها تلك النظرة التي تسوقه إلى الشهوة أو الريبة، كما ذكر في كتبنا الفقهية.

2021/09/23

حبٌّ لك وفيك.. ميزة لن تجدها في غير ’المؤمن’!

أكد الكتاب الكريم وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (صلوات الله عليهم) على موالاة من والى الله عزوجل ومعاداة من عاداه، وعلى الحب في الله تعالى والبغض فيه.

[اشترك]

قال عز من قائل: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) (1).

وقال جل شأنه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) (2).

وفي حديث عمرو بن مدرك الطائي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. وقال بعضهم: الصلاة. وقال بعضهم: الزكاة. وقال بعضهم: الصيام. وقال بعضهم: الحج والعمرة. وقال بعضهم: الجهاد.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لكل ما قلتم فضل، وليس به. ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، وتوالي [وتولي.خ.ل] أولياء الله، والتبري من أعداء الله" (3).

وفي حديث عبد الله بن مسعود قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عبد الله أي عرى الإسلام أوثق؟ قلت: الله ورسول الله أعلم. قال: الولاية في الله: الحب في الله، والبغض في الله" (4).

وفي حديث ابن عمر: "أحب في الله، وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك..." (5).

وفي حديث إسحاق بن عمار عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه): "قال: كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له" (6) ... إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة جداً، التي رواها الشيعة والسنة معاً (7).

ولابد للشيعة بعد ذلك من الإستجابة لله تعالى، واتباع أمره، والخضوع لحكمه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينً) (8).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة المجادلة الآية:22.

(2) سورة هود الآية:112ـ 113.

(3) الكافي 2: 125 ـ 126 كتاب الإيمان والكفر: باب الحب في الله والبغض في الله حديث:6.

(4) السنن الكبرى للبيهقي 10: 233 كتاب الشهادات: باب شهادة أهل العصبية، وقال: "روي ذلك من حديث البراء وابن عباس وعائشة (رضي الله عنهم) "، واللفظ له. مجمع الزوائد 1: 162 كتاب العلم: باب أي الناس أعلم. المعجم الأوسط 4: 376. وغيره.

(5) مجمع الزوائد 1: 90 كتاب الإيمان: باب من الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

(6) الكافي 2: 127 كتاب الإيمان والكفر: باب الحب في الله والبغض في الله حديث:16.

(7) راجع الكافي 2: 124 كتاب الإيمان والكفر: باب الحب في الله والبغض في الله، ووسائل الشيعة 11: 431 باب:15 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهم. 2: 438 باب:17 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهم. 2: 440 باب:18 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهم. كل ذلك في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهناك مصادر شيعية أخرى كثيرة تضمنت ذلك. وراجع أيضاً السنن الكبرى للنسائي 6: 527 كتاب الإيمان وشرائعه: في (طعم الإيمان)، و (حلاوة الإيمان)، والسنن الكبرى للبيهقي 10: 233 كتاب الشهادات: باب شهادة أهل العصبية، ومصنف ابن شيبة 6: 164 كتاب الإيمان والرؤيا: الباب السادس، 7: 134 كتاب الزهد: في كلام أنس بن مالك، وسنن أبي داود 4: 198 كتاب الديات: باب مجانبة أهل الأهواء، ومجمع الزوائد 1: 89، 90 كتاب الإيمان: باب من الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والتمهيد 17: 429، 430، 431.

(8) سورة الأحزاب الآية: 36.

*مقتطف من كتاب في رحاب العقيدة، المرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم، ج1، ص149.

2021/09/20

وصفة معنوية لـ ’بيت مستقر’ وعائلة صالحة من ’السيد عادل العلوي’

إذا أردت أن تجعل بيتك متزيناً بلوحات فنية فيكفيك أن تشتري أو تحصل على تلك اللوحات وتزين بها جدران البيت، فيكون دارك جميلاً بجمال تلك اللّوحات.

[اشترك]

وكذلك الأمر في القضايا المعنوية، فإذا أدخلت القرآن في بيتك بأن تقرأ بصوتك في الدار صباحاً ومساءً والعيال يرون ذلك منك.

وإذا صار وقت الأذان، فإنّه يستحب أن يؤذن في البيت فإن أذنت وصار وقت الصلاة قمت في أول الوقت وصليت فإنّك بأعمالك هذه تجعل البيت بيتاً نورانياً بالقرآن والأذان والصلاة، وهكذا الأعمال الأخرى.

وكالأخلاق الطيبة أن تتكلم معهم بحسن الكلام وتخدم والديك في الحياة وبعد الممات فإنّ الأولاد عندما يرون الوالد هكذا ستكون لهم القدوة الصالحة بنفسك أولاً والله المستعان.

2021/09/18

راقب طعامك.. وصفة للتغلّب على ’الشهوة’ من نجل السيد عادل العلوي (قدس)

التغلب علی الشهوات من الأمور الصعبة خصوصاً للشباب من الرجال والنساء، ولكنها ليست بمحال.

[اشترك]

لأنّ الإنسان يولد علی ثلاث قوی، القوة العاقلة والقوة الغضبية والقوة الشهوية، وكما أن الغضب من ذاتيات الإنسان وفيه الممدوح والمذموم فالشجاعة من الغضب الممدوح والتهور من الغضب المذموم، وأيضاً الشهوة والشهوات من ذاتيات الإنسان وفيها الممدوح والمذموم، فالشهوة الممدوحة هي التي تتولد من الحلال، وتوجب الحلال، کالشهوة المتولدة من النظر الى الزوجة ولمسها والمحاكاة معها، التي توجب القرب والتقرب إلی الزوجة، أما الشهوة المحرمة فتتولد من الحرام العياذ بالله أو توجب الحرام لا سامح الله، فلابد للتغلب عليها من التغلب علی أسبابها ومناشئها، فالنظر إلی الأجنبية مثلاً من أسباب الشهوة المحرمة، والتفكر في الحرام من أسبابها، و…الخ، لابد من ترك هذه الأمور للتغلب على الشهوة.

ولكن هناك علل وأسباب جسمية وجسدية للشهوة وإثارتها في الفرد، منها أكل الأطعمة والمأكولات الحارة في طبيعتها کالبصل والفلفل الأسود والشطة الحمراء (قرون الفلفل الأحمر) والزنجبيل وما شابه ذلك، فلابد من الابتعاد عنها دائماً.

أما الرياضة يومياً فالجسد إذا تعب لم تثر الشهوة فيه، والاشتغال والعمل للإنسان، بحيث يشتغل في تمام وقته اليومي أو أكثر أوقاته، فإن الشهوة لا تثار في حينها، ومنها قراءة الكتب والقصص المفيدة دائماً لأن الفكر إذا اشتغل بموضوع أو قصة لايفكر بغيره.

وهناك أمور روحانية وأذكار إلهية وأدعية مأثورة، لابد لنا من التمسك بها دائماً، لكي نتخلص من وساوس الشيطان وخواطره ومن النفس الأمارة بالسوء إن شاء الله، كقراءة زيارة عاشوراء يومياً وصفحات من القرآن وصلاة الليل.

وهناك أمور للتغلب علی الشهوة ترتبط بما بعد الذنب لاسامح الله، كالاستغفار دائماً وركعتي صلاة الاستغفار بعد الذنب مباشرة، فإن الحسنات يذهبن السيئات والحسنة بعد السيئة من علامات غفران تلك السيئة والذنب، كما أنّ السيئة بعد الحسنة من علامات بطلان الحسنة لاسامح الله.

ولابد أن نواظب علی هذه الأمور وما شابهها دائماً، عسی أن ينفعنا ذلك بحول الله وقوته، إن شاء الله.

والله العالم بحقائق الأمور.

محمد علي بن السيد عادل العلوي

2021/09/16

هل نحن متدينون حقاً؟!

هناك من يتصور أن الدين هو تلك الأمور العبادية، أو الاعتقادية فقط، وهذا وإن كان صحيحاً بمعنى أنه يشكل جانباً من الدين إلا أنه لا يعتبر مقياساً للتدين؛ فقد وجدنا أكثر طغاة المسلمين لا يمتنعون عن الصلاة! ورأينا الكثير منهم يستشهدون بآيات القرآن وما شابه، ورأينا الكثير من عامة الناس يمارسون هذه العبادات.

[اشترك]

فهذا هو الحج بين يديك، ملايين البشر، وتلك هي الزيارات كذلك، ولكن هل هذه تشكل مقياسا للتدين؟

يرى العلماء أن مقياس التدين كامن في مدى تأثر الشخص بالفكرة الدينية، وتطبيق حياته على وفقها، حتى في العقائد، فإن من يعتقد بالآخرة ويوم الجزاء يفترض أنه يفر مما يوجب النار ويقترب مما يقرب للجنة، وأن صلاته يفترض أن تنهاه عن ممارسة الفحشاء، والارتطام بالمنكر.

ما هي من علائم عدم التدين الكامل؟

1.المراجعة إلى المحاكم المختلفة عن المذهب، في الأمور الخلافية (قضية التعصيب، قضية عدم الوصية للوارث، إرث الزوجة من الأرض، تملك ما هو موقوف بشهود الزور، طلاق من غير شروط صحيحة).

2. ظلم من هم تحت أيدينا:

إحداهن تقول: عمري الآن 53 سنة بعدما توفي والدي منذ 27 سنة، وتولى أخوتي أمري، وكنت موظفة، وبقيت أصرف على البيت، ولم يتقدم لي غير شخص كان مع أبي عاملاً ولكنه من بلد آخر، الأمر الذي رفضه اخواني وأمي بزعم: ماذا نقول للناس؟

وهكذا تقدمت في العمر حتى صرت في أواخر الثلاثينات، وهو يتقدم وهم يرفضون!

المرة الوحيدة التي أبدى فيها أخوتي القبول جابعتني أمي بعدها في اليوم التالي برفضها، فضاعت مني الفرص تلو الفرص وها أنا أفقد فرصتي في الأمومة وسماع صوت الطفل وكل ذلك حتى لا أغضب أمي الكبيرة في السن ماذا أصنع.

أقول أي ظلم أشنع من هذا؟

وكذلك الشاب الذي أعطته زوجته مهرها ليستعين به، ثم حصل بينهما خلاف، وعندما طلبت منه الطلاق طلب منها مثل مقدار المهر ليطلقها!

وأسوأ منها الأم التي زعلت من ابنتها عندما حجبت شيئا من راتبها لتدخره لأمور زواجها ومستقبلها ولم تقبل الأم بذلك، فأقسمت أن لا تكلمها حتى أصيبت البنت بمرض السرطان! وفي المستشفى توسلت بهم أن يقنعوا أمها لكي تراها البنت! يقول أحدهم تكلمت معها بنحو لو كان الجدار يسمع ويستجيب لاستجاب ولم تستجب إلى أن ماتت البنت تلك!

أي قسوة أكثر من هذا؟

وكذلك الميراث: الأب يتوفى، والأولاد صغار، يرثون شيئا كثيرا وأراضي، ويصرف عليهم العم حتى إذا بلغوا سألوا عن ميراثهم، فقال : ما صرفته عليكم أكثر من ميراثكم!

 

٣. السطو على أموال الغير بمجرد التمكن مثل اختلال في النظام، وأحيانا حتى مع عدم الاختلال، فلو نظرنا الى مواقف قسم من الناس: تنقلب سيارة محملة بالبضائع، وبدلا من أن يأتي هؤلاء ليساعدوا المنكوب على نكبته تجد بعضهم يأخذ ما تفرق وكأنه حلال زلال! وأما حين الخلل في النظام الاجتماعي فالأمر أوضح، رأينا في قسم من الانتفاضات كيف أن أصحاب هذه الانتفاضة يحملون الكراسي والطاولات من الدوائر العامة أو يسيطرون على السيارات وكأنهم في ذلك يكررون فعل الطاغوت الذي سرق البلاد بالملايين وهم يسرقون الفتات؟

في بعض البلاد التي وصل فيها حاكمون جدد إلى السلطة فإذا بهم وهم من المفروض أنهم كانوا في المعارضة والفقر، وجاؤوا من ذلك الواقع وكانوا يسمعون أو يتحدثون حتى عن زهد علي بن أبي طالب وإذا بهم: (يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع) بقانون وغير قانون، ويقررون راتباً اسطوريا لكل نائب لم يحصل في تاريخ البشر! هذا هو الدين؟

4. عدم الوفاء بالتزامات العقود، والتي تصل أحيانا إلى حد السرقة: مثل ما يمارسه بعض ملاك الحملات مع حجاجهم من إعطاء وعود كبيرة يقوم العقد على أساسها، ثم لا يفون بذلك.

الحاجة إلى التفكير من جديد في فهم الدين، هل الدين هو هذه المظاهر العبادية؟ أو أنه منظومة كاملة من العبادة والأخلاق والفقه؟

الحاجة إلى التفكير في أهمية معرفة الناس لحقوقهم ومطالبتهم بها، (التثقيف الفقهي، والزوجي والقانوني).

الحاجة لتعلم الناس أمر التقاضي في الحقوق مع العجز عن حل المسائل وديّاً.

2021/09/08

لن يغيّبهم الموت: يبقى العلماء بدوراً في السماء!

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّمَا الْعُلَمَاءُ فِي النَّاسِ كَالْبَدْرِ فِي السَّمَاءِ، يُضِي‏ءُ نُورُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ!

[اشترك] 

كلماتٌ نَستَذكِرُها كُلَّما فَقَدنا عالماً من علماء الشيعة الأجلّاء، وفقهائهم الأتقياء.. جهابذة المذهب وأساطينه، وأسوار الإسلام وحصونه.

كلماتٌ قالها مولى الموحِّدين، وإمام المتّقين، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ونقلها الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده (ج1 ص230).

يعزُّ على المؤمن فَقدُ العُلماء، وهم الذين يُضيءُ نورُهم (للناس)، كما يضيءُ البَدرُ لسائر الكواكب.. وإن جحَدَ بعضُ الناس فضلَ القمر وضوءه في ليلة تمامه وكماله، لعمىً أصابهم، أو عَصَبيّة حطّت رحالها عندهم، أو حَسَدٍ استحكم فيهم.

يعرفُ المؤمن بهذا الحديثِ وأمثاله شيئاً من فضل العلماء، ويَتَنَبَّهُ لِمَعَانٍ (مِنها):

أولاً: بُكاء الملائكة لفقد العالِم!

تعرفُ الملائكةُ قَدرَ العِلمِ وأهله، فهي التي تعلَّمَت من معدن العلم، محمدٍ وآل محمدٍ التسبيح والتهليل لله تعالى، كما تعلَّموا منهم العبودية له عزّ وجل، وأدركَ الملائكةُ عظيم الدّور الذي يؤديه البَدرُ في السَّماء، بهداية الضالّين، وإرشاد المسترشدين، وهي الغاية القصوى والهدف العظيم، فبكت على (المؤمن الفقيه): الْمَلَائِكَةُ وَبِقَاعُ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ الَّتِي كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأَعْمَالِهِ (الكافي ج1 ص38).

فحقَّ أن يبكي المؤمنُ العُلماء، كما بكتهم ملائكة السَّماء.

ثانياً: تُفتَحُ أبواب الضلال.. بفقد العلماء!

عن أمير المؤمنين عليه السلام: إِنَّهُ لَا يَهْلِكُ‏ عَالِمٌ إِلَّا هَلَكَ مَعَهُ بَعْضُ عِلْمِهِ (الإرشاد ج1 ص230)

فمهما كان عَطَاء العالم عَظيماً، ومهما أجهدَ نفسَهُ في إيصال علوم آل محمدٍ لشيعتهم ومُحبِّيهم، إلا أن بعضَ هذه العلوم لا يجدُ لها محلاً في حياته، فتذهب بذهابه!

ثمَّ يأتي على الناس زمانٌ يحتاجون إليها بعدما استغنوا عنها، أو يطلبونها بعدما زهدوا فيها، فلا يجدونها!

فينفتح من ذلك أبوابٌ للضلال!

يُحرَّفُ فيها الكَلم عن موضعه، وقد قال الباقر عليه السلام:

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بَعْدَ مَا يُهْبِطُهُ، وَلَكِنْ يَمُوتُ الْعَالِمُ فَيَذْهَبُ بِمَا يَعْلَمُ، فَتَلِيهِمُ الْجُفَاةُ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ (الكافي ج1 ص38).

أفلا يحزنِ المؤمن لفقد العلماء، وبِفَقدِهم يتمادى أهلُ الضلال في غَيِّهم، ويتبارون في إضلال عباد الله!

وقد أدركَ المؤمنُ أن كلَّ يومٍ يحزنُ فيه ملائكة الرحمان وعباد الله المؤمنون يكون يومَ فَرَحٍ وسرور لِعَدُوِّهِ إبليس، ففي الحديث الشريف: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ (الكافي ج1 ص38).

كيف لا وقد صَمَتَ لسانٌ ناطقٌ في الأرض، كان سَدَّاً أمام إبليس ومانعاً من إضلال العباد المؤمنين، والفقيهُ الواحدُ أشدُّ على إبليس من ألف عابد!

ثالثاً: الندامة عند فقد العالم!

يسعى المؤمنُ الصادقُ الكَيِّسُ الفَطِنُ للأخذ من العلماء ما أمكنه، ويبذلُ جهده ليرتوي من مَعين علومهم قبلَ أن تحلّ ساعة الندامة، لو قصَّرَ في أخذ العلم عنهم.

ويحذر أن يكون من الزاهدين في العلماء، وقد روي عن النبي (ص) أنه قال:

أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الْعَالَمِ:

1. بَنُوهُ

2. ثُمَّ قَرَابَتُهُ‏

3. ثُمَّ جِيرَانُهُ

يَقُولُونَ: هُوَ عِنْدَنَا، مَتَى شِئْنَا تَنَاوَلْنَاهُ.

وَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ عَيْنِ مَاءٍ يَأْتِيهَا النَّاسُ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهَا، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ غَارَتْ فَذَهَبَتْ، فَنَدِمُوا (دعائم الإسلام ج‏1 ص82).

كَم فَقَدنا من عالِمٍ عامِلٍ كان يسترشدُ به المؤمنون، ويجهل قدره الكثيرون! كانوا يحوطونه ويرونه رأي العين ثمَّ لا ينهلون من علومه، ولا يرتوون من مائه.

وما لبثت يدُ الغيب أن ذَهَبَت به من بين ظهرانيهم، فحلَّت ساعةُ النَّدَم، ولعمري ماذا ينفع النَّدَمُ حينها ! وما السَّبيلُ إلى ما هَلَكَ من علوم ! كان فيها دَفعُ الأبالسة عن العباد المؤمنين!

رابعاً: العلماء باقون! بعد موتهم!

كلُّ ما تقدَّم، من بكاء الملائكة، إلى هلاك بعض العلم، وخطر الضلال بفقد العلماء، لا يعني أنَّ أبواب الهدى قد أغلقت، ولا أنَّ العالم قد انتهى دورُهُ وأثرُه بموته، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:

يَا كُمَيْلُ: ..

1. الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ !

2. أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ.

2. وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ !

يفقدُ المؤمنُ العُلماءَ بأعيانهم، لكنَّ أمثالهم وآثارهم لا تُفارقُ قلوب المؤمنين!

لأنّ العالم يبقى حيَّاً بعد موته، لصدقه وإخلاصه وإرشاده لعباد الله.

أمّا مَن تَسمّى باسم أهل العلم وليس منهم، وأضلَّ عباد الله، فقد صار مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام: (وَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاء)، وهو الذي: (اقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ)، فما ظلَّ منه غير صورته: (الصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ، وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ) !

والفيصلُ في ذلك أن الأوّل كان عالماً بدينه، فصار حياً بعد موته.

والثاني كان جاهلاً بأبواب الهداية في دينه، فصار قلبُه كقلب الحيوان، وقد ورد عنهم عليه السلام:

لَا حَيَاةَ إِلَّا بِالدِّينِ.. فَاشْرَبُوا الْعَذْبَ الْفُرَاتَ يُنَبِّهْكُمْ مِنْ نَوْمَةِ السُّبَاتِ (الإرشاد ج1 ص296).

الحياةُ إذاً هي حياةُ الدِّين الخالص، الذي لا تشوبه شوائب الشُّبهات ولا المبتدعات.

فما أعظَمَها مِن معانٍ لا يَقبَلُها إلا المؤمن الذي خُلقَ من طينة الأطهار عليهم السلام.

خامساً: في العالِمِ نَفحَةٌ مِن سيِّدِ الشُّهداء!

لقد وردت عن الصادق عليه السلام عبارةٌ عجيبةٌ بحق جَدِّه سيد الشهداء عليه السلام يقول فيها:

أَشْهَدُ أَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ!

بَلْ بِرَجَاءِ حَيَاتِكَ حَيِيَتْ [حَيَّتْ‏] قُلُوبُ شِيعَتِكَ!

وَبِضِيَاءِ نُورِكَ اهْتَدَى الطَّالبُونَ اليْكَ! (المصباح للكفعمي ص499).

ما أعظَمَ هذه العبارة، وما أبعَدَ غورَها عن عقول الجاهلين..

حياةُ قلوب الشيعة مقرونةٌ (برجاء حياتك) يا سيِّدَ الشُّهداء! والهدايةُ لك تكون ب(ضياء نورك)!

أمّا العُلماء، فقَد صبَغتَهم يا نورَ الله في أرضه وسمائه بشيءٍ من نورك حتى صاروا (كَالْبَدْرِ فِي السَّمَاءِ، يُضِي‏ءُ نُورُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) !

لا عَجَبَ في ذلك.. فإنَّ موازين القيامة تكشفُ شيئاً من عظمة العالِمِ وعلومه، حينما: (يَرْجَحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دِمَاءِ الشُّهَدَاء)! (الفقيه ج4 ص399).

لا يُقاسُ بكم يا آل محمدٍ أحدٌ، لكنَّ فضلَكم عميم، وهذه نَفحَةٌ من نَفحَاتِكُم جَعَلَت الحامِلَ لعلومكم في مقام التّجليل والتعظيم.

فسلامُ الله عليكم، وعلى مَن حَمَلَ علومكم من الفقهاء الأتقياء، وبثَّها في إخوانه.

رحمَ الله الماضين منهم، وحَفِظَ الباقين، وجَعَلنا لكم ولهم من المحبّين، وثبَّتَ أقدامنا على ولايتكم، إنَّه سميعٌ مجيب.

والحمد لله رب العالمين

2021/09/06

تربية بـ ’’دعاء’’.. الصحيفة السجادية مرجعية الفكر والعقيدة

قدّم الإمام علي بن الحسين السجاد للأمة الإسلامية كنوزاً من المعارف الإسلامية من خلال الأدعية، إذ احتوت أدعيته المأثورة على مفاهيم عميقة ومضامين مهمة في العقائد والفكر والأخلاق والتربية والسلوك.

وقد استخدم الإمام السجاد الدعاء كوسيلة للتربية، فقد استطاع أن يربي جيلاً من الفقهاء والعلماء والرواة والمحدثين والمفسرين على فضائل الأخلاق ومكارمها، مركزاً في تربيته على وسيلة الدعاء، وقد تخرج من مدرسته العلمية أساطين في العلم والمعرفة، وقادة رأي وفكر، وقمم شامخة في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية.

والصحيفة السجادية - والتي تضم أهم أدعيته - لم تقتصر على المناجاة والدعاء والتضرع والخشوع لله تعالى وحسب؛ وإنما تشتمل أيضاً على كنوز من العلوم والمعارف الإسلامية بما احتوته من المسائل والقضايا العقائدية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية وغيرها.

ومما يدلل على أهمية ونفاسة الصحيفة السجادية ما كتب عنها من عشرات الشروح لها، وقد أحصى المحقق الكبير «آغا بزرك الطهراني» في كتابه القيم «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» مئة وخمسين شرحاً لها، كما تم ترجمتها بعدة لغات عالمية.

ومن المهم للغاية التأمل والتفكر في أدعية الصحيفة السجادية وعدم الاكتفاء بالقراءة المجردة لها، وإنما السعي نحو فهم ما احتوته أدعيتها من مفاهيم ومضامين ودلالات عميقة ومتنوعة.

وتعد التربية بالدعاء من أهم الوسائل في تزكية النفس، وتهذيب الروح، وتنمية الرصيد الروحي والمعنوي في شخصية الإنسان المسلم.

وللدعاء فوائد عديدة، ومنها: الدعاء صلة بين الإنسان وخالقه، ومن خلاله يناجي العبد مولاه طالباً منه العفو والصفح عن أخطائه وعثراته وذنوبه؛ والله عز وجل رحيم بعباده، فالدعاء باب من أبواب رحمة الله تعالى بعباده، وعلينا أن نطرق هذا الباب باستمرار حتى ندخل فيه.

ومن فوائد الدعاء أيضاً أن الإنسان يستطيع بالدعاء أن يحقق حاجاته في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...)1  وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) 2.

والدعاء وسيلة مهمة في التربية الروحية عند الإنسان، فالدعاء له أثر كبير في تنمية الجانب الروحي والمعنوي، خصوصاً إذا ما داوم الإنسان على قراءة الأدعية المأثورة الواردة عن أئمة أهل البيت، حيث تشتمل أدعيتهم على التذلل والخشوع والخضوع والتسليم لله تعالى.

وعلى المؤمن الإبتعاد عن الموانع التي تحجب استجابة الدعاء وهي كثيرة؛ والتي منها: ارتكاب المحرمات والموبقات، وأكل المال الحرام، وعدم الإخلاص في الدعاء، والشك في فائدته... وغيرها من الموانع التي تحول دون استجابة الدعاء. 


الهوامش

القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 60، الصفحة: 474.

القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 186، الصفحة: 28.

2021/08/30

أصل بعض الذنوب ’العُجب بالنفس’.. ما هي آثاره؟

في (شرح أصول الكافي / للمولي محمد صالح المازندراني - ج 9 - ص 332 – 333) قال:

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن أسباط، عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن سيار، يرفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبدا).

[اشترك]

الشرح:

قوله (إن الله عز وجل علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب) قيل: حقيقة العجب استعظام العمل الصالح واستكثاره والابتهاج له والادلال به وأن يرى نفسه خارجا عن حد التقصير، وأما السرور به مع التواضع لله تعالى والشكر له على التوفيق لذلك وطلب الاستزادة منه فهو حسن ممدوح.

وتوضيحه ما ذكره الشيخ في الأربعين بقوله: لا ريب أن من عمل أعمالا صالحة من صيام الأيام وقيام الليالي أمثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج فإن كان من حيث كونها عطية من الله له ونعمة منه تعالى عليه وكان مع ذلك خايفا من نقصها مشفقا من زوالها طالبا من الله الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجبا.

وإن كان من حيث كونها صفته وقائمة به ومضافة إليه فاستعظمها وركن إليها ورأى نفسه خارجا عن حد التقصير بها وصار كأنه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب المهلك وهو من أعظم الذنوب.

وقيل: العجب هيئة نفسانية تنشأ من تصور الكمال في النفس والفرح به والركون إليه من حيث أنه قائم به وصفة له مع الغفلة عن قياس النفس إلى الغير بكونها أفضل منه ; وبهذا القيد ينفصل عن الكبر إذ لابد في الكبر أن يرى الإنسان لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة ثم يرى مرتبته فوق مرتبة الغير، وهذا التعريف أعم من المذكور إذ الكمال أعم من أن يكون كمالا في نفس الأمر أو لم يكن، كسوء العمل إذا رآه حسنا فابتهج به، والأول أعم من أن يكون فعله كالأعمال الصالحة، أو لا كالصورة الحسنة والنسب الرفيع.

وقيل: العجب أن يرى الإنسان نفسه بعين الاستحسان لأفعالها وما يصدر عنها من عادة أو عبادة أو كثرة وزيادة في أمر، وذلك مذموم لأنه حجاب للقلب عن رؤية فواقعه، فإن أعجب بنفسه في صورة أو عادة أثار كبرا وإن كان في عبادة ففيه عمى عن رؤية توفيق الله، وأصل ذلك من الشرك الخفي، والشرك الجلي لا يغفر، والخفي منه لا يهمل بل يؤاخذه الله به صاحبه.

(ولولا ذلك ما ابتلى مؤمنا بذنب أبدا) فجعل الذنب له فداء عن عجبه بنفسه ليبقى له فضيلة الإيمان وثواب الأعمال واستحقاق الإحسان ولو لم يذنب لدخل فيه العجب وأفسد قلبه وحجبه عن ربه ومننه ومنعه عن رؤية توفيقه ومعونته وصده عن الوصول إلى حقيقة توحيده وأحبط عمله الذي صدر منه في مدة طويلة بخلاف الذنب فإنه لا يبطل العبادات السالفة وفيه متابعة للهوى.

وفي العجب شركة بالمولى ويفهم منه أن ارتكاب أقل القبيحين أولى من الآخر وأن ذنب المؤمن مصلحة له وأنه يغفر له قطعا.

2021/05/30

تجلب الرزق.. ما قصة ’تقليم الأظافر’ يوم الجمعة؟
هل يكرهُ تقليمُ الأظافرِ ليلاً؟ تقليمُ الأظافر من السُنَّةِ مطلقًا، ولم نقفْ على روايةٍ تنهى عن تقليم الأظفار ليلاً.

[اشترك]

وعليه فمقتضى ما دلَّ على أنَّ: (مِن السنَّة تقليمُ الأظفار) هو محبوبيَّة التقليمِ في أيِّ وقت، نعم وردت رواياتٌ عديدةٌ تحضُّ على اختيارِ يومِ الجمعة لتقليم الأظفار، وبه يكونُ تقليمُ الأظفار مستحبٌّ في نفسِه وهو في يوم الجمعة أكثر كمالاً وفضلاً.

فممَّا ورد في محبوبيَّة التَقليم يومَ الجمعة ما رواه الكليني بسندِه عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبدالله (ع): ما ثوابُ مَن أخذَ مِن شاربِه وقلَّم أظفارَه في كلِّ جمعة؟ قال (ع): "لا يزالُ مطهَّرًا إلى الجمعة الأخرى"(1).

وروى الكلينيُّ بسندٍ معتبرٍ عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام والبرص والعمى وإنْ لم تحتجْ فحكَّها(2).

ومعنى الرواية أنَّ المداومة على تقليمِ الأظفار في كلِّ جمعة ينفعُ في الوقاية من هذه الأمراض والعاهات.

وروى الكلينيُّ أيضاً بسندٍ معتبر عن محمد بن طلحة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): "تقليمُ الأظفار وقصُّ الشارب وغسلُ الرأسِ بالخطمي كلَّ جمعة ينفي الفقر ويزيد في الرزق".

وروى الصدوق بسندٍ معتبرٍ عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسولُ الله (ص): "من قلَّم أظفارَه يوم الجمعة أخرج اللهُ من أنامله الداء وأدخل فيه الشفاء أو الدواء"(3).

ومعنى قوله(ع): "أخرجَ اللهُ من أناملِه الداء" هو أنَّ الأدرانَ والأوساخَ التي عادةً ما تجتمعُ تحتَ الأظفار تكونُ سبباً للداء والمرض، فبتقليم الأظفار تزولُ الأوساخ أو لا يكون ثمة ما يوجب تكوُّنُها فيكونُ ذلك سبباً في الوقاية من الوقوع في الأمراض الناتجة عن مثل هذه الأوساخ، ومن هنا كان تقليم الأظفار سبباً في أنْ يدفع اللهُ تعالى الداء عن المواظب عليها.

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي كهمس عن أبي عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله (ع) علِّمني دعاء أستنزل به الرزق فقال لي: "خذ من شاربِك وأظفارِك وليكنْ ذلك يوم الجمعة"(4).

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 ص 358. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 ص 357-358. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 ص 356. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 ص 356-357.
2021/05/27

من أسباب الجمود.. برمجة الحياة على نظام ’سوف’!

إياكم وتسويف الواجبات الدينية!

من أخطر الآفات على الإنسان آفة التسويف، ذلك أن التسويف آفة النجاح في الدنيا وعدم الفلاح في الآخرة، وأن المسوف يخسر الكثير من فرص التقدم والعطاء والإنجاز، فالمسوف - عادة - ما يكون ضعيف الإرادة، خائر العزيمة، وليس عنده همة عالية، ولا مثابرة أو مبادرة لإنجاز أي عمل.

[اشترك]

والتسويف كلمة مأخوذة من «سوف»، وما أكثر الذين يعملون بنظام «سوف»!، ويبرمجون حياتهم وفق هذا النظام، ولا شك أنك قد سمعت بالكثير من الناس ممن يجيدون استخدام «نظام التسويف»!

فيومياً نسمع بمثل هذه الكلمات: سوف أقوم بذلك العمل، سوف أفكر في الموضوع، سوف أنتظر، سوف أهتم بالدراسة قريباً، وألف سوف، وسوف...!

والواقع أن من يعيش «التسويف» سيظل جامداً في مكانه، ولن يعمل في المستقبل شيئاً، لأن المستقبل سيتحول في وقته إلى حاضر، وسيفكر عندئذٍ في مستقبل جديد! وهكذا يبقى يدور في الدائرة المغلقة ذاتها!

وكثيرة هي النصوص التي تنهى عن التسويف، فقد حذر رسولُ اللَّهِ أبا ذر من مغبة التسويف إذ يقول له: «يا أبا ذَرٍّ، إيّاكَ والتَّسويفَ بِأمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ ولَستَ بما بَعدَهُ، فإن يَكُن غَدٌ لكَ فَكُن في الغَدِ كما كُنتَ في اليَومِ، وان لم يَكُن غَدٌ لكَ لَم تَندَمْ على‏ ما فَرَّطتَ في اليَومِ» 1 .

وروي عن الإمامُ عليٌّ ‏ - فيما كَتَبَهُ إلى‏ بعضِ أصحابِهِ -: «فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَداً وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى‏ أتاهُم أمرُ اللَّهِ بَغتةً وهُم غافِلونَ» 2 .

وعنه أيضاً قال: «لا تَكُن مِمَّن يَرجُو الآخِرَةَ بغَيرِ العَمَلِ، ويُرَجِّي التَّوبَةَ بِطُولِ الأمَلِ، إن عَرَضَت لَهُ شَهوَةٌ أسلَفَ المَعصِيَةَ وسَوَّفَ التَّوبَةَ» 3 .

وفي مناجاة الإمام زين العابدينَ: «وأعِنّي بِالبُكاءِ عَلى‏ نَفسي، فقد أفنَيتُ بِالتَّسويفِ والآمالِ عُمرِي، وقَد نَزَلتُ مَنزِلَةَ الآيِسِينَ مِن خَيرِي» 4 .

وقال الإمامُ الباقرُ: «إيّاكَ والتَّسويفَ؛ فإنّهُ بَحرٌ يَغرَقُ فيهِ الهَلْكى»  5 .

إن التسويف لن يؤدي إلاّ إلى الخسران في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا لا مكان من الإعراب للمسوف، وفي الآخرة لن يدخل الجنة إلا المؤمن العامل الذي قام بأداء واجباته الدينية على خير وجه.

والمؤسف أن نرى في واقعنا الاجتماعي أن بعض الناس يسوفون في أداء أعمالهم في كل شيء سواء الدنيوية منها أم الأخروية، ولكن هناك صنف من الناس يؤدون أعمالهم الدنيوية بسرعة، وينجزون ما عليهم دون أي تأخير؛ أما الواجبات والتكاليف الدينية فتراهم لا يهتمون بأدائها في أوقاتها، ويسوفون إنجازها حتى تذهب أوقاتها، أو يأتيهم الموت بغتة قبل القيام بها.

ومن أوضح الأمثلة على ذلك تأخير صلاة الفجر عن أدائها في وقتها حتى تطلع الشمس، ثم الاتيان بها قضاءً، أو مع صلاة الظهرين!

ومثال آخر عن التسويف في أداء الواجبات الدينية: وهو تسويف بعض الناس عن القيام بأداء فريضة الحج - مع توافر شروطه - سنة بعد أخرى تحت دواع وأعذار مختلفة، في حين أن عاقبة من يسوف الحج من دون عذر شرعي سيئة، فقد روي عن الرسول الأكرم قوله: «من سوّف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً» 6 . وقال الإمام الصادق: «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره اللَّه به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» 7 .

فالحج ركن من أركان الدين، ودعامة من دعائم الإسلام، ووجوبه على كل مستطيع من ضروريات الدين، وتركه أو التسويف في أدائه معصية كبيرة يأثم عليه صاحبها، إذ يجب الحج في أول سنة استطاعة المكلف، ولا يجوز له التأخير أو التسويف، وإذا أخر الحج عن السنة الأولى من دون عذر شرعي عصى وأثم، واستقر الحج في ذمته.

وإن من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان المؤمن أن يوفق للحج من أول سنه استطاعته، ليؤدي هذا الواجب بنص القرآن الكريم ( ... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) 8 .

وأما الذين يسوفون ويؤجلون أداء فريضة الحج سنة بعد أخرى فقد لا يستطيعون أداء الحج فيما بعد لأسباب عديدة، فقد يمرض الإنسان، أو يصاب بعاهة، أو يفتقر، أو يموت، ولذلك قال الرسول الأكرم: «حجوا قبل أن لا تحجوا» 9 .

والأمثلة على تسويف أداء الواجبات الشرعية كثيرة: كالتسويف في أداء الحقوق الشرعية، والتسويف في أداء الدين، والتسويف في كتابة الوصية، والتسويف في قضاء الصوم... وغيرها من الواجبات والتكاليف الشرعية.

إن على الإنسان المؤمن أن يبادر إلى إنجاز وأداء جميع الواجبات والتكاليف الشرعية في أوقاتها المحددة من قبل الشارع المقدس من دون أي تسويف أو تأخير حتى ينال رضا الله تعالى ومغفرته ورضوانه، والمسارعة إلى أعمال الخير والبر قبل أن يأتي اليوم الذي يفقد فيه القدرة على إنجاز أي عمل.

وأفضل طريقة لمحاربة التسويف هو أن تتذكر محدودية عمرك، وأنك لا تدري متى ستموت؟ وأن الفلاح في الآخرة ونيل التقدم والنجاح في الدنيا لن تحوزه إلاّ بأداء الأعمال في أوقاتها، والجد والاجتهاد والنشاط واقتناص الفرص، وأن تهتم بمصادقة المجدين في حياتهم، وأن تنظر في أحوال الناجحين والعظماء؛ حيث لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالنشاط والفاعلية والجد والعمل الدائم وإنجاز الأعمال في أوقاتها.

وتذكر دائماً الحكمة البليغة القائلة: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد!

واحرص دائماً على الالتزام بأداء الفرائض والواجبات في أوقاتها، وعدم التساهل أو التسويف أو التأجيل عن أداء ما أوجبه الله تعالى على عباده، بل يجب المسارعة إلى أداء كل فريضة في وقتها المحدد لها.

الهوامش:

1. مستدرك الوسائل: ج 2، ص 107، ح 1555. بحار الأنوار: ج 74، ص 75، ح 3.

2. بحار الأنوار: ج 70، ص 75، ح 39..

3. نهج البلاغة: الحكمة 150.

4. بحار الأنوار: ج 95، ص 88، ح 20.

5. بحار الأنوار: ج 75، ص 164، ح 1.

6. وسائل الشيعة: ج 11، ص 32، ح 14164. بحار الأنوار: ج 74، ص 58.

7. وسائل الشيعة: ج 11، ص 26، ح 14152. الوافي: الفيض الكاشاني، ج 12، ص 253، ح 11857.

8. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 97، الصفحة: 62.

9. مستدرك الوسائل: ج 8، ص 40، ح 9020. جامع أحاديث الشيعة: ج 10، ص 223، ح 648/10.

2021/05/19

2021/05/03

"اعقلها وتوكل" .. هل الأخذ بالأسباب الطبيعية ينافي التوكل على الله؟!

(الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل)

لا يغيبن عنك أن ما سبق من ولاية الله سبحانه لعبده ولزوم توكله عليه وحسن ظنه به لا يقتضي أن يترك المرء التمسك بالأسباب التي جعلها تعالى للأشياء، فإن ذلك جهل بمواضع الأمور.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فإنه تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه الأسباب وجعلها وصلة إلى آثارها، وبنى عليها هذه النشأة الدنيا، فلا بد للمرء أن يتوصل في مقاصده الصحيحة الدنيوية والأخروية إلى ما جعله الله تعالى من أسبابها بمقدار جهده، من غير نقض للقيم الفاضلة، ثم يتكل في ما يتفق له عليه سبحانه.

وقد روي أنه جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال: (اعقِلها وتوكّل).

وعلى ذلك جرت سُنَّة الله سبحانه مع عباده الصالحين ــ حيث أمرهم بتبليغ الرسالة والاجتهاد فيها ووعدهم بالنصر والغلبة، ولم يلغ في حقهم التمسك بالأسباب ــ من القتال والاحتجاج والاختفاء وسائر وجوه التدبير، حتى إذا أعوزهم ذلك كله أدركتهم العناية الإلهية متممةً لهم ما جهدوا فيه، حتى حقق نصره وأظهر رسوله، وفيما أخبر به الله تعالى من سيرته مع نبيه الخاتم (ص) وسائر الأنبياء من قبل في القرآن الكريم ما يكفي دلالة على ذلك.

ومما يندرج في هذا الباب استيفاء المرء في تشخيصه لما هو الصواب في أفعاله وأقواله لما يدركه العقل، من خلال ما مكنه الله سبحانه من أدواته من التأمل والتفكير والتتبع والاستقراء والمشورة والانتصاف من النفس وغيرها، ويسأل الله تعالى أن يوقع في قلبه ما يشاء ويختار له ما هو خير له، ولو اعتمد على الاستخارة بدلاً عن التعقل والمشورة فقد تمسك بالتوكل قبل بذل الجهد في السبب، فإن لم يجد استجابة لطلبه فلا يلومن إلا نفسه.

وعليه فإن على المرء أن يتوسل في جميع غاياته المشروعة والصحيحة إلى ما جعله الله سبحانه وتعالى من الأسباب، بلا فرق بين أموره الدنيوية من قبيل الرزق والعافية والزواج والمكانة، أو أموره الأخروية من البصيرة الثاقبة والأعمال الصالحة والدرجات العالية والتوبة النصوح وغيرها، ثم يتوكل على الله سبحانه في أن يكتب له ما هو خيره ورضاه، ويحسن الظن به في تقدير المصلحة له فيها في حاضرها وعواقبها كما عهد إنعامه عليه قبل معرفته له، وإحسانه إليه قبل إقراره به، وقد قال عزَّ من قائل : (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وقال : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ).

2021/03/21

5 خصال تميّز الشخصية المؤمنة عن غيرها

مقومات الشخصية المؤمنة في الدين

إنّ من المعروف أنّ الدين يتألف من إيمان وعمل..

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فالإيمان: هو الاهتداء إلى الحقائق الكبرى في هذه الحياة من وجود الله سبحانه وصفاته الكريمة ومن رسله المبعوثين كلهم ولا سيما خاتم الرسل (ص) وأوصيائه (ع). والإذعان ببقاء الإنسان بعد هذه الحياة في يوم القيامة.

وأمّا العمل: فهو تطبيق تعاليم الدين في سلوك الإنسان في مختلف نواحي الحياة مما يتعلق بارتباط الإنسان بالله سبحانه أو فيما يتعلق بالتعامل مع الخلق أو فيما يتعلق بسلوك الإنسان مع نفسه.

ولأجل ذلك نجد أنّ معيار الفلاح في القرآن دائماً يأتي بعنوان (الإيمان والعمل الصالح)، قال تعالى: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ] .

لكن من المعلوم أنّ عقائد الإنسان وسلوكه إنّما هي نتاج خصاله التي تكون شخصيته، فتلك الخصال هي التي تهيئ للإنسان التحري الملائم والإذعان الراشد والسلوك السليم، فما من عقيدة صائبة أو سلوك سليم إلا وهو مبني ومستقر على أساس خصلة راقية وكريمة من الخصال الإنسانية، فلا بدّ من بناء الإنسان لشخصيته بناء عميقاً وملائماً حتى يسير في مسيرة مستقيمة لا يتردد فيها ولا يزيغ عنها ويكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فعلاً.

وأصول الخصال اللازمة للإنسان خمسة يشد بعضها بعضاً:

١- التعقل الراشد: بأن يسعى المرء إلى ان يفكر في الأمور ويتحرى وفق منهج موضوعي ومنطقي سليم، فلا يؤمن بشيء أو ينكره إلا بعد أن يشبعه بحثاً وتحرياً، وهو ما يقي المرء من الأوهام والخرافات والقول بغير علم ولا بصيرة سواء في الاعتقادات أو في الأفكار العامة أو في تحديد القواعد السليمة للسلوك.

٢- الحكمة: بأن يسعى المرء إلى أن يتحرى الصلاح بالنظر في العاجل والآجل جميعاً من دون أن يفنى في لذة عاجلة أو منفعة زائلة يفوت في أثرها العاقبة الحميدة والأثر المحمود.

ومما تنطوي عليه خصلتا الرشد والحكمة هي بصيرة الانسان بخصائص الظروف المحيطة به والبيئة التي يعيش فيها زماناً ومكاناً، وإدراكه لما تفرضها تلك الخصائص من سلوكيات ومواقف في مختلف شؤون الحياة.

٣- الإيمان بالله تعالى ورسوله (ص) وأوصيائه (ع) إيماناً يورث اليقين ويؤدي إلى استحضار المرء أنّه لله ومن الله وإلى الله، وأنّه سبحانه شاهد عليه معني بأحواله مدبر لأموره وهو الذي يرجع إليه المرء غداً، وينطوي الإيمان السليم على الاستحضار الدائم لله سبحانه والخوف منه والرجاء لمعروفه والمحبة له والشكر على إنعامه والاستعداد للقائه، بل الشوق إليه حتى يصغر ما دون الله سبحانه في نظر الإنسان إذا تأمله بجنب الله سبحانه، ويعطي الإيمان للإنسان الطمأنينة والسكينة والأمل ويوجب بركة الله سبحانه للمرء في حياته وتسديده إياه في خطواته حسب درجة إيمانه وتقواه وورعه.

وتتبع الإيمان الموالاة الخاصة بين المؤمنين، من غير ظلم لغيرهم، فهم أولياء بعضهم لبعض كما وصفهم الله سبحانه بقوله: [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ] .

وينطوي الإيمان على اليقين بالآخرة والشعور الصادق والدائم بأنّ المرء في حال السير إليها فهو كقوم يظنون أنّهم وقوف والركب سائر بهم، وعدم الالتهاء عن ذلك بأمور الدنيا وزبرجها.

٤- الخلق الكريم والفاضل بما ينطوي عليه من الصدق في القول والوفاء بالعهد والعفاف في التصرف والعدل في الحكم والشكر على الأنعام والرحمة للضعيف والانتصار للمظلوم والتواضع للجميع، وكذلك بما ينطوي عليه من تجنب الكذب والقول بغير علم والخيانة في الالتزام وارتكاب الفواحش والخطايا والظلم للآخرين والتنكر للمعروف واللامبالاة بالضعيف والمظلوم.

٥- العزيمة القوية التي تساعد الإنسان على الثبات على الحق والاستقامة على جادة الصواب، غير مكترث بالهواجس المتعلقة والشكوك الزائفة والخواطر الموهنة، وقد قال الله سبحانه: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ] .

وبعدُ فإنّ الإنسان المؤمن والمتقي - كما يقتضيه الإيمان والتقوى - لهو مجمع هذه الفضائل، كما وصف في القرآن الكريم وفي كلمات أمير المؤمنين (ع) في خطبة المتقين، فهو أشد الناس رشداً وتعقلاً وحكمة وأكثرهم إيماناً ويقيناً بالله سبحانه وبالدار الآخرة وأفضلهم خلقاً في الصدق والوفاء والعفاف والعدل والشكر والتواضع والرحمة والغيرة وأقواهم عزيمة وإرادة وهو مجد مجاهد مكافح في الحياة كفاحاً ينتهي به إلى الفلاح ، وقد قال الله سبحانه [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ] .

2021/03/20

للصوم ثلاث مراتب منها لـ ’القلب’.. هذه تفاصيله

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(1).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

صنَّفتِ الرواياتُ الواردةُ عن أهلِ البيتِ (ع) الصومَ إلى مراتبَ ثلاث، فالمرتبةُ الأولى: هي صومُ الجسدِ، والمرتبةُ الثانيةُ هي صومُ الجوارحِ، وأما المرتبةُ الثالثةُ وهي أفضلُ المراتبِ وأعلاها فهي صومُ القلبِ.

صومُ الجسدِ:

أما صومُ الجسدِ، فعرَّفتْه بعضُ الرواياتِ بالصومِ عن الأغذيةِ خوفاً من العقابِ، وعبَّرتْ عنه بعضُ الرواياتِ بصومِ البطنِ يعني الإمساكَ عن المفطِّراتِ، وهذه المرتبةُ من الصومِ وإنْ كانت هي أدونَ المراتبِ من حيثُ الفضل إلا أنَّها رغم ذلك تحظى في نفسها بفضلٍ عظيم كما تُعبِّرُ عن ذلك المنحُ الإلهيَّةُ التي يُعطاها مَن التزمَ بهذه المرتبةِ من الصومِ.

فمِن ذلك ما وردَ عن الرسولِ الكريم (ص) أنَّه قال: "مَن منعَه الصيامُ مِن طعامٍ يشتهيه كان حقَّاً على اللهِ أنْ يُطعمَه من طعامِ الجنَّةِ، ويَسقيه من شرابِها"(2).

فظاهرُ الحديثِ الشريفِ أنَّ مجرَد الإلتزامِ بالصومِ بمرتبتِه الأولى كافٍ للحظوةِ بنعيمِ الجنَّة، وكذلك هو مفادُ ما ورد عن أبي عبدالله (ع) قال: قال رسولُ اللهِ (ص) "ما مِن صائمٍ يحضرُ قوماً يَطعمونَ إلا سبَّحتْ أعضاؤه، وكانت صلاةُ الملائكةِ عليه، وكانت صلاتُه استغفارًا"(3).

فالمكلَّفُ حين يُجاهدُ نفسَه ويَمتنعُ عن تناولِ الطعامِ والشرابِ قربةً للهِ تعالى فإنَّه يكون محلاً لكرامةِ الله تعالى، فيَحظى بصلاةِ ملائكتِه عليه واستغفارِهم له، ثم يمنحُه اللهُ تعالى ثوابَ تسبيحِ أعضائِه، ولعلَّ معنى أنَّ الله تعالى يمنح الصائم ثواب تسبيح أعضائه هو انَّه تعالى يحتسبُ لكلِّ عضوٍ من أعضاءِ الصائمِ -ذاقَ مرارةَ الصومِ- ثوابَ التسبيحِ ثم يمنحُ ثوابَ ذلك التسبيحِ للصائم، وقريبٌ من هذا المعنى ما وردَ في خُطبةِ الرسولِ (ص) التي خطبَها في نهايةِ شعبانَ، يقولُ (ص): "أنفاسُكم فيه تسبيحٌ، ونومُكم فيه عبادةٌ، وعملُكم فيه مقبولٌ، ودعاؤكم فيه مستجابٌ"(4) وورد عن أميرِ المؤمنين (ع) أنَّه قال: "نومُ الصائمِ عبادةٌ، وصمتُه تسبيحٌ، ودعاؤه مستجابٌ، وعملُه مضاعَفٌ، إنَّ للصائمِ عند إفطارِه دعوةٌ لا تُردُّ"(5).

فدقَّاتُ قلبِ الصائم وأنفاسُه وحركاتُ جوارحِه وأعضائِه تسبيحٌ لله تعالى، وهو حين ينامُ يكونُ في عبادةٍ، وحين يَعملُ طاعةً من الطاعاتِ فإنَّها تحظى بالقبولِ رغم انَّها قد لا تَحظى بالقبولِ في غيرِ ظرفِ الصومِ، فالصومُ بمقتضى هذه الروايات يكونُ مقتضياً لقبولِ الطاعات، وهو كذلك مقتضٍ لإستجابةِ الدعاء.

كلُّ هذه المنحِ الإلهيَّة يحظى بها الصائمُ حتى وإنْ كان صومُه بمرتبةِ صوم الجسدِ لكنَّه لا ينبغي للمؤمنِ أنْ يَقنعَ بهذه المرتبةِ من الصومِ، فإنَّ ثمة الكثيرَ من العطايا والمواهبِ الإلهيَّة تفوتُه حين يُخفِقُ في تخطِّي هذه المرتبةِ إلى المرتبةِ الثانيةِ والثالثةِ بل قد يُحرَمُ من بعضِ هذه المنحِ أو من أكثرِها، ذلك لأنَّ اقترافَ ما يُنافي صومَ الجوارحِ قد يُساهمُ في الحيلولةِ دون الحظوةِ بمِنَحِ المرتبةِ الأولى من الصومِ المعبَّرِ عنها بصومِ الجسدِ، كما يُؤيدُ ذلك ما وردَ عن الرسولِ الكريم (ص): "الصائمُ في عبادةِ اللهِ، وإنْ كان نائماً على فراشِه، ما لم يغتبْ مسلما"(6) فالتأهلُ لمواهبِ صومِ الجسدِ منوطٌ بمقتضى هذه الروايةِ بعدمِ الإقترافِ للغيبةِ، وكذلك ما وردَ في الحديثِ القدسي: "من لم تَصُم جوارحُه عن محارمي فلا حاجةَ لي في أنْ يدعَ طعامَه وشرابَه من أجلي"(7).

فظاهرُ الحديثِ أنَّ هذا التاركَ لصومِ الجوارح كان صومُه خالصاً للهِ تعالى كما هو مفادُ قولِه: "من أجلي" ورغم ذلك أفاد الحديثُ أنَّ هذا الصومَ غيرُ مقبولٍ للهِ تعالى، ذلك لأنَّ فاعلَه اقتصرَ على صومِ الجسدِ، فلم تصُمْ جوارحُه عن محارمِ الله تعالى ولهذا فإمساكُه عن المفطِّراتِ بحسب الحديث لا يثمرُ القبولَ، فلا يقبلُ اللهُ صومَ العبدِ عن الطعامِ والشرابِ ما لم تصُم جوارحُه عن محارمِ اللهِ تعالى.

صومُ الجوارح:

وممَّا ذكرناه يَتَّضحُ المرادُ من صومِ الجوارحِ، فقد أفادتِ الرواياتُ الواردةُ عن أهلِ البيتِ (ع) أنَّ صومَ الجوارحِ هو كفُّها عن مقارفةِ المحارمِ كلٌّ بما يناسبُها، فصومُ جارحةِ اللسانِ هو كفُّها عن مثلِ الكذبِ والغيبةِ والنميمةِ والبهتانِ والسُخريةِ والتنابزِ بالألقابِ والشتيمةِ، وصوم جارحة البصر هو غضُّ البصرِ عما حرَّم اللهُ النظرَ إليه كالنظرِ للأجنبيةِ أو النظرِ للمشاهدِ المنافيةِ للآدابِ، وصومُ جارحةِ السمعِ هو الإمتناعُ عن الإصغاءِ لمثلِ الغيبةِ والغناءِ واللهوِ والإستهزاءِ وكلامِ المضلِّينَ وأهلِ البِدَعِ، وصومُ اليدِ هو الكفُّ عن البطشِ بها والسلبِ والنهبِ، وصومُ الرِجْلِ هو عدمُ السعي بها إلى مجالسِ المعصيةِ واللهوِ، ومجالس الذين يخوضونَ في آياتِ اللهِ ويسخرونَ منها، وهكذا فإنَّ لكلِّ جارحةٍ ما يُناسبُها من الذنوب، وصومُها يعني الكفَّ عن تلك الذنوبِ، فصومُ الجوارحِ والذي هو المرتبةُ الثانيةِ من مراتبِ الصومِ يعني الإمتناعَ عن كلِّ معصيةٍ يتوسلُ الإنسانُ في اقترافِها بجارحةٍ من جوارحِه.

وقد ركَّزتِ الرواياتُ الواردةُ عن أهلِ البيتِ (ع) على هذه المرتبةِ من الصومِ حتى كأنَ الصومَ لا يتمُّ ولا يصحُّ إلا بالإلتزامِ بهذه المرتبةِ.

فمِن ذلك ما ورد عن السيدةِ فاطمةَ (ع) قالت: "ما يصنعُ الصائمُ بصيامِه إذا لم يصُنْ لسانَه وسمعَه وبصرَه وجوارحَه"(8) فالصومُ أشبهُ بالعبَثِ حينَ لا يصونُ معه الصائمُ لسانَه وسمعَه وبصرَه وجوارحَه عن المعصيةِ.

ومن ذلك ما ورد في الدعاءِ المأثورِ عن الإمامِ زينِ العابدينَ (ع) قال: "وأَعِنَّا عَلَى صِيَامِه بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ، واسْتِعْمَالِهَا فِيه بِمَا يُرْضِيكَ، حَتَّى لَا نُصْغِيَ بِأَسْمَاعِنَا إلى لَغْوٍ، ولَا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إلى لَهْوٍ، وحَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلى مَحْظُورٍ، ولَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلى مَحْجُورٍ، وحَتَّى لَا تَعِيَ بُطُونُنَا إِلَّا مَا أَحْلَلْتَ، ولَا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ، ولَا نَتَكَلَّفَ إِلَّا مَا يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، ولَا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِي يَقِي مِنْ عِقَابِكَ"(9).

فالصيامُ الذي يَسألُ الإمامُ (ع) ربَّه العونَ عليه هو كفُّ الجوارحِ عن المعاصي، فبذلك يتمُّ الصومُ الحقيقيُّ الذي تعبَّدَ اللهُ تعالى به عبادَه، فماذا يصنعُ اللهُ تعالى ببطنٍ خاوِ وشفةٍ ذابلةٍ إذا لم يكنْ ذلك مصحوباً بالتورُّعِ عن محارمِ الله الذي هو ملاكُ الأمرِ بالصومِ.

ولذلك وردَ في المأثورِ أنَّ الرسولَ الكريمَ (ص) قال لامرأةٍ صائمةٍ تسبُّ جاريةً لها، فدعاها النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) وأمرها بتناولِ الطعامِ فامتنعتْ لكونِها صائمةً، فقال (ص): كيف تكونينَ صائمةً وقد سبَبتِ جاريتَك؟! إنَّ الصومَ ليس من الطعامِ والشرابِ، وإنَّما جَعل اللهُ ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحشِ من الفعلِ والقولِ.. ثم قال (ص): ما أقلَّ الصُوَّامَ وأكثرَ الجُوَّاعَ!"(10)

ووردَ عن الإمامِ الصادقِ (ع): "إذا صُمتَ فليصُمْ سمعُك وبصرُك وشعرُك وجلدُك وعدَّدَ أشياءَ غيرَ هذا، وقال: لا يكونُ يومُ صومِك كيومِ فِطْرِك"(11).

فللجلدِ والشعرِ صومٌ كما لكلِّ جارحةٍ صومٌ، فإذا صافحَ الرجلُ الأجنبيَّةَ فهو ممَّن لم يصمْ جِلدُه، وهكذا حينَ تأذنُ المرأةُ للطبيبِ أنْ يمسَّها دونَ ضرورةٍ معذِّرةٍ فهي ممَّن لم يصُمْ جِلدُها، وكذلك حينَ تكشفُ المرأةُ شعرَها أمامَ الأجنبيِّ فهي ممَّن لم يصُمْ شعرُها، فللجلدِ والشعرِ صومٌ كما للسمعِ والبصرِ صومٌ.

ثم إنَّ لصومِ الجوارحِ مراتبَ، فمرتبتُه الأولى هو أنْ يَكُفَّ الصائمُ عن فعلِ الحرامِ، وعن قولِ الحرامِ، وعن السمعِ إلى الحرامِ، وعن النظرِ إلى الحرامِ، وعن السعيِّ إلى الحرامِ، هذه مرتبةٌ أولى من مراتبِ صومِ الجوارحِ، فإذا صامتْ جوارحُ الإنسانِ عن المعاصي فإنَّ مرتبةً أخرى تنتظرُه يَحسنُ به الحرصُ على تحصيلِها، وهي الإلتزامُ بالآدابِ والسُننِ التي جاءَ بها الرسولُ (ص) فقد لا يرتكبُ الإنسانُ ذنباً عندما يكونُ صائماً ولكنَّه يكونُ مثلاً كالخشبةِ الملقاةِ على الأرضِ، نائمٌ ليلَه وفي النهارِ دوارٌ أو عابثٌ أو لاهٍ عن ذكرِ اللهِ عزَّ وجل، فمثله محروم من بعض مراتبِ صومِ الجوارح، فمن تصومُ جوارحُه هو من يُكثرُ في حالِ صومِه من ذكرِ الله، يسبِّح اللهَ ويتلو القرآنَ، وإذا لم يكنْ على هذه الحالِ كان طويلَ الصمتِ كثيرَ التدبُّرِ والتأمُّلِ.

صومُ القلب:

وأما المرتبةُ الثالثةُ من مراتبِ الصومِ فهي صومُ القلبِ وهي أعلى مراتبِ الصومِ كما أفادَ أميرُ المؤمنين (ع) بحسب ما رُوي عنه قال: "صومُ القلبِ خيرٌ من صيامِ اللسانِ، وصيامُ اللسانِ خيرٌ من صيامِ البطنِ"(12).

فما معنى صومِ القلبِ؟ والذي هو جارحةٌ من جوارحِ الإنسانِ، لماذا كان لجميعِ الجوارحِ مرتبةٌ واحدةٌ من الصومِ وكانَ للقلبِ وحدَه مرتبةٌ مستقلَّةٌ؟ ذلك لأنَّ مَن صام قلبُه صامتْ سائرُ جوارحِه وصام جسدُه، فصومُ القلبِ واجدٌ لكلا المرتبتينِ وزيادةٌ، ولذلك هو أعلى مراتبِ الصومِ، وهذه المرتبةُ لا يصلُ إليها الصائمُ إلا بعد أنْ يتخطَّى المرتبتينِ بمراحلِهمِا.

فما معنى صومِ القلبِ؟ صومُ القلبِ بحسبِ ما أفادتْه الرواياتُ الشريفةُ يعني صونَ القلبِ عن التفكُّر في الحرامِ، فصومُ الجوارحِ هو أنْ لا تفعلَ الحرامَ، وأمَّا صومُ القلبِ فهو أن لا تُفكِّرَ في فعلِ الحرامِ، فلا تَخطُرُ في قلبِك الرغبةُ في مقارفةِ الحرامِ، صومُ القلبِ يعني الإستيحاشَ من الذنبِ والنفورَ منه، فكما ينفرُ أحدُنا من الجِيفةِ النتنةِ، فإنَّه ينفرُ من الذنبِ، وكما يهربُ أحدُنا من السبُعِ الضاري فإنَّ الصائمَ بمرتبةِ صومِ القلبِ يهربُ من الذنب، ويَخافُ منه كما يَخافُ أحدُنا من الولوجِ في الحريقِ.

وذلك هو معنى التقوى والتي هي الغايةُ القُصوى من الأمرِ بالصومِ كما أفاد ذلك قولُه تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(13) فالغايةُ من تشريعِ الصومِ هو تحصيلُ التقوى، وليس كلُّ صائمٍ يحظى بهذه الغايةِ، لذلك قالَ اللهُ تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

وكذلك فإنَّ من معاني صومِ القلبِ أو من مراتبِه تطهيرَه من الأحقادِ والأضغانِ والكِبرِ والحسدِ والعجبِ والأنانيَّةِ ومطلقِ الآثامِ والأمراضِ القلبيَّةِ.


الهوامش:

1- سورة البقرة / 183.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 389.

3- عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله): ما من صائم يحضر قوما يطعمون إلا سبحت أعضاؤه، وكانت صلاة الملائكة عليه، وكانت صلاتهم له استغفارا. الأمالي -الشيخ الصدوق- ص 683

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 10 ص 313.

5- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 90 ص 360.

6- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص 645.

7- كنز العمال -المتقي الهندي- ج 8 ص 508.

8- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج 1 ص 268.

9- الصحيفة السجادية (ابطحي) -الإمام زين العابدين (ع)- ص 211.

10- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 93 ص 293.

11- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج 4 ص 194.

12- "صوم القلب خير من صيام اللسان و صوم اللسان خير من صيام البطن" عيون الحكم والمواعظ -علي بن محمد الليثي الواسطي- ص 305.

13- سورة البقرة/183.

2021/03/16

لماذا يُعظِّمُ الشيعة شهر شعبان؟

​لماذا يتعاهَدُ الشيعةُ شهرَ شعبان؟ فيصومونه أو أياماً منه، ويقومون فيه أو لَيَاليَ منه.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لماذا امتازوا عن غيرِهم من المسلمين في الإهتمام به، وان اتّفقوا جميعاً على استحباب صيامه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر من صيامه؟!

إنّ للشيعة في كثرة الاهتمام به وتعظيمه وصيامه وقيامه ثماراً عدّة تستحقُّ أن تُذلَّ لأجلها الصعاب..

الثمرة الأولى: زيارة آل محمد في الجنة!

ورد في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام في صوم شهر شعبان:

مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ زَارَ الله فِي عَرْشِهِ مِنْ جَنَّتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ! (فضائل الأشهر الثلاثة ص57)

لكنّ الله لا يُرى ولا يحلُّ في مكانٍ، فكيف يزورُ المؤمنُ الله تعالى في عرشه؟!

ههنا قاعدةٌ عامّةٌ في فهم القرآن والحديث، أنّ الله تعالى لمّا ينسِب لنفسه من الصفات ما لا يكون في الخالق، يكونُ هذا الوصفُ مُؤَوَّلاً بأوليائه، كما قال تعالى: (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ)، وفسَّرَها الإمام الصادق عليه السلام بقوله:

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا، وَلَكِنَّهُ خَلَقَ أَوْلِيَاءَ لِنَفْسِهِ يَأْسَفُونَ وَيَرْضَوْنَ، وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَا نَفْسِهِ، وَسَخَطَهُمْ سَخَطَ نَفْسِهِ.. فَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ، وَهَكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَبُ وَغَيْرُهُمَا مِن‏ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يُشَاكِلُ ذَلِكَ (الكافي ج‏1 ص144)

إذا تبيَّنَ ذلك، فإنّ زيارة الله تعالى في عرشه (من جنَّته) هي زيارة أوليائه عليهم السلام، وهم بالمحلّ الأعلى من الجنان يوم القيامة.

فمَن صام ثلاثة أيام من شهر شعبان زار الله في عرشه كلَّ يوم، أي زارَ محمداً وآل محمد في جنّتهم كلَّ يومٍ، لأنّهم أكمَلُ أولياء الله تعالى، وأرفعهم وأشرفهم، وهم سُبُلنا إلى الله وطريقنا إليه.

ولذا قال الشيخ الصدوق رحمه الله:

(زيارة الله عز و جل زيارة حجج الله تعالى، مَن زارهم فقد زار الله، ومن‏ يكون له في الجنة من المحلّ ما يقدر على الارتفاع إلى درجة النبي والأئمة صلوات الله عليهم حتى يزورهم فيها فمحلُّه عظيم) (فضائل الأشهر الثلاثة ص58)

الثمرة الثانية: مَحَبَّةُ الله للصائم وإكرامه يوم القيامة

عن أمير المؤمنين عليه السلام: مَنْ صَامَ شَعْبَانَ مَحَبَّةَ نَبِيِّ اللَّهِ (ص)، وَتَقَرُّباً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَحَبَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَرَّبَهُ مِنْ كَرَامَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ (فضائل الأشهر الثلاثة ص61).

ههنا شرطان لهذا الثواب:

أوَّلُهما أن يكون الصيامُ محبةً للنبي (ص)، لأنّ الشهر شهره.

والثاني أن يريد بذلك التقرُّب من الله تعالى.

فإنّ الله تعالى يُحِبُّ العبدَ المُتَّبِعَ حقاً للنبي (ص) وآله، بل إنّ حُبَّه تعالى للعبدُ مشروطٌ بحبِّ آل محمد.

ولمّا حقَّقَ الشيعيُّ هذا الشرط سعى لنيل ذلك الثواب العظيم، وقد روي عن رسول الله (ص) قوله:  أَمَا وَاللَّهِ لَا يُحِبُّ أَهْلَ بَيْتِي عَبْدٌ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نُوراً حَتَّى يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَلَا يُبْغِضُ أَهْلَ بَيْتِي عَبْدٌ إِلَّا احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج‏2 ص310).

وجزاء هذا الصيام: وَقَرَّبَهُ مِنْ (كَرَامَتِهِ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. فمَن هم المكرَّمون يوم القيامة؟ الذين يكون مكان هذا الصائم قريباً منهم؟!

لقد وصف الله تعالى في كتابه ثلاثَ فئات بأنهم (مُكْرَمُونَ):

الفئة الأولى: الرُّسُل الذين يوحى إليهم فقال فيهم: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)

الفئة الثانية: عبادُ الله المخلَصين، فقال فيهم: (وَهُمْ مُكْرَمُونَ)

الفئة الثالثة: الذين هُم على صلاتهم يحافظون فقال عنهم: (أُولئِكَ في‏ جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)

ومن صام شهر شعبان محبةً للنبي (ص) وكان متَّبعاً له ولآل بيته كان مقرَّباً مِن كرامة الله يوم القيامة! قريباً من عباد الله المخلَصين وأنبيائه المرسلين..

الثمرة الثالثة: الصيام طهورٌ من الزلات!

عن الإمام الباقر عليه السلام: مَنْ صَامَ شَعْبَانَ كَانَ لَهُ طَهُوراً مِنْ كُلِّ زَلَّةٍ (من لا يحضره الفقيه ج‏2 ص92)

فصارَ الصيامُ كالماء الطَهور، تُغسَلُ به الأدران والزلّات..

ما أعظمك يا شهر رسول الله..

مَن صام أوّل أيامك: وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ..

ومَن صام ثلاثاً منك.. زارَ النبيَّ صلى الله عليه وآله وعترتَه الطاهرة في الجنّة كلّ يوم!

ومَن صامك أحبَّهُ الله وقرّبه من كرامته يوم القيامة..

وهل من كرامة أعظم من القرب من محمدٍ وآله؟! والكون معهم يوم الجزاء؟!

فكيف لا يعظِّمُ الشيعة هذا الشهر.. ولتعظيمه هذا الثواب، وفيه ولُدت أنوارٌ ثلاثةٌ من شهداء كربلاء.. وَزَيْنُ عُبّاد السماوات والأرض، وإمامُ الشيعة المهدي المنتظر..

نحيي أمرَهم فيك يا شهرَ الرسول، ونُعَظِّمُ أمرك.. فنُوَفَّق لزيارتهم في الجنة كلَّ يوم.. وهذا غاية المنى.

ثبّتنا الله على ولايتهم، وحشرنا في زمرتهم، ورحم أمواتنا بحقهم.

2021/03/15

’’صلاة الرغائب’’ .. شيء من الثواب بـ ’’رجاء المطلوبية’’

هل صلاة الرغائب مشروعة وما معنى رجاء المطلوبية؟

إن صلاة ليلة الرغائب مأثورة عن الرسول الكريم (ص) نقل ذلك العلامة الحلَّي في إجازته لبني زهرة كما أفاد ذلك الحرُّ العاملي في الوسائل وأفاد أنَّ العلامة أورد ذلك بإسنادٍ ذكره.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ثم ساق الرواية فكان مما اشتملت عليه أنَّ النبي (ص) قال: "والذي نفسي بيده لا يُصلَّي عبدٌ ولا أمةٌ هذه الصلاة إلا غُفر له جميع ذنوبه.."(1)، وقد أورد الرواية أيضاً مرسلةً السيدُ ابن طاووس في كتابه إقبال الأعمال(2).

وعليه فيصح الإتيان بصلاة ليلة الرغائب برجاء المطلوبية نظراً لورودها عن الرسول الكريم (ص) ولكن بسندٍ ضعيف، وذلك استنادًا لروايات من بلغ، وهي روايات مستفيضة وفيها ما هو صحيح.

منها: ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال بسندٍ معتبر عن صفوان عن أبي عبدالله (ع) قال: "من بلغه شيءٌ من الثواب على شيءٍ من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان الرسول (ص) لم يقله"(3).

ومنها: ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (ع) قال: مَن سمع شيئًا من الثواب على شيءٍ فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه"(4).

وأما ما ذكره بعض علماء العامة من أنّ رواية صلاة ليلة الرغائب موضوعة فإنَّه مما لا يُعول عليه، فإنَّه لم يثبت عندنا أنها موضوعة، نعم هي ضعيفة السند، وحيث كانت كذلك فإنَّه يصح العمل بمضمونها ولكن برجاء المطلوبية استنادًا لروايات من بلغ.

ما معنى رجاء المطلوبية؟

رَجَاْءُ المَطْلُوبِيَّة: مُصطلحُ فقهي يَخُصُّ نية الانسان المُقْدِم على فعلٍ أو تركٍ لإحتمال كونه موافقاً لواحد من الأحكام الخمسة و هي الواجب و المستحب و المباح و المكروه و الحرام مع عدم الوثوق التام بصدوره عن الشارع المقدس،حيث لم يثبت ذلك بالأدلة القطعية،لكن لم يثبت ضده أيضاً،فيبقى إحتمال صدوره غير منتفٍ،فيكون الاحتياط وارداً.

و معناه أن يأتي الإنسان بعمل عباديٍ ما رجاء مشروعيته و مطلوبيته من المولى وجوباً أو استحباباً،فإن تبين له بعد ذلك أنه مطلوب فقد أصاب،و إن تبين أنه غير مطلوب فلا يؤثم لأنه لم يأتِ به بنية التشريع العمدي، أو بنية المخالفة.

هذا و قد يُعبَّر عن هذا المصطلح أيضاً بتعابير أخرى كأن يقال: "رجاءً" أو "بقصد الرجاء".

الهوامش:

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 8 ص 99.

2- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج 3 ص 185.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 1 ص 80.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 1 ص 82.

2021/02/18

أين الرجبيون؟ .. نداء من السماء: طوبى لهؤلاء! (فيديو)

من حديث الملك الداعي إلى الله في كل ليلة من رجب نقلناه من كتب العبادات عن النبي صلوات الله عليه أنه قال:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

إن الله تعالى نصب في السماء السابعة ملكا يقال له: الداعي، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كل ليلة منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، ويقول الله تعالى:

أنا جليس من جالسني، ومطيع من أطاعني، وغافر من استغفرني، الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلا بيني وبين عبادي فمن اعتصم به وصل إلي.

2021/02/13

حرب مع الله.. ماذا يحدث عندما نحلف كذباً؟!

ورد في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنه عز وجل يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).

وعنه أيضا أنه قال من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله عز وجل .

في الفيديو أدناه يحدثنا سماحة الشيخ حبيب الكاظمي [دامت بركاته] عن آثار الأيمان الكاذبة:

2021/01/10

فرح بالهزيمة.. هل تجوز ’الشماتة’ بأعداء الدين؟

الشماتة هي السرور والفرح لمصيبةٍ وقعت على مَن لا تُحب، وما وقفنا عليه في الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) هو النهي عن إظهار الشماتة بالمؤمن.

فمنها: ما روي عن الرسول الكريم (ص) قال: "لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك"1.

ومنها: ما روي عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: "لا تُبدي الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك، وقال: من شمت بمصيبةٍ نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن"2.

والمراد من الأخ في الروايتين هو مَن تربطك به علاقة الإيمان كما في قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... ) 3

ومن مثل هاتين الروايتين -بضميمة ما دلَّ على حرمة الإيذاء للمؤمن أو امتهانه- يتَّضح أنَّ إظهار الشماتة لمصيبةٍ وقعت على مؤمن تكون محرمة حتى وإن كانت بين الشامت وبين المُصاب غضاضة أو جفوة ومهاجرة ترقى لمرتبة العداوة لكونه أفرط في الإساءة إليه أو كانت له عنده مظلمة، فكلُّ ذلك لا يُسوِّغ شرعًا إظهار الشماتة به لمصيبةٍ وقعت عليه في نفسه أو في عرضه أو ماله.

وأما الشماتة بمعنى الابتهاج والسرور لمصيبةٍ وقعت على عدوٍّ من أعداء الدين فذلك لا محذور فيه ولا إشكال، وذلك مضافًا إلى أنَّ المكلَّف لا يُحاسب على مشاعره ما لم تنعكس على سلوكه فإنَّه قد تستفاد المشروعيَّة من مثل قوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) 4(4) فالآية تحكي عن حال المؤمنين وأنَّهم سيفرحون بهزيمة الكافرين وانكسارهم وزوال شوكتهم، وفي ذلك تقرير ظاهر في المشروعيَّة.

وكذلك يمكن استفادة الجواز من مثل الدعاء المأثور عن أمير المؤمنين (ع): اللهم مَن كان في موته فرحٌ لنا ولجميع المسلمين فأرحنا منه، وأبدل لنا به مَن هو خير لنا منه حتى تُريَنا من علم الإجابة ما نتعرَّفُه في أدياننا ومعايشنا يا أرحم الراحمين".

فالرواية صريحة في مشروعيَّة استشعار الفرح بموت عدو الدين والمسلمين، وهي كذلك ظاهرة في المشروعيَّة حتى بناء على أنَّ الوارد في الدعاء المأثور كلمة "فرج" بدلاً من كلمة "فرح" كما في بعض النسخ.

ومنشأ الاستظهار لذلك هو قوله (ع): "فأرحنا منه" فإنَّ الراحة تستبطن أو تستلزم معنى الابتهاج واستشعار الفرح.

وأما الإظهار للشماتة بأعداء الدين فإن كانت بالنحو الذي يليق بأخلاق المؤمنين -كالشكر لله تعالى والسجود له جلَّ وعلا حال وقوع المصيبة على عدوِّ الدين وكذلك التصدُّق على الفقراء أو إظهار الابتهاج بالمستوى الذي يليق بوقار المؤمن فلا يتعاطى الهجر من القول كالسباب أو البذيء من الكلام وشبهه- فذلك جائز بل هو راجح، لأنَّه من التوهين لأعداء الدين، ولعل مما يؤيد ذلك ما ذكره بعض المؤرخين من أنَّ الإمام السجاد (ع) جهر بحمد الله تعالى حين بلغه مقتل عبيد الله بن زياد الذى تولَّى قتل الحسين (ع) "وسجد شكرا لله تعالى وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوِّي" وروى بعض المؤرخين الإمام السجاد (ع) لم يُر ضاحكًا منذ قُتل الحسين (ع) إلا في ذلك اليوم وأنَّ مِن فعلِه في ذلك اليوم أنَّه فرَّق الفاكهة على أهل المدينة5


الهوامش:

1. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 3 ص 266.

2. الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 359.

3. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 10، الصفحة: 516.

4. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآيات: 2 - 4، الصفحة: 404.

5. تاريخ اليعقوبي -اليعقوبي- ج 2 ص 259.

2020/12/14