رمضان.. شهر عبادة أم تسلية؟!

في شهر رمضان المبارك من كل عام، تتنافس القنوات الفضائية وتعقد العزم وتنفق المليارات لتملأ الشاشات التلفزيونية بأعمال درامية منوعة بين مسلسلات وبرامج كوميدية وغنائية وفوازير وغيرها.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 وترى الكثير من الناس يتملكهم الشغف الشديد لمتابعتها، حتى انهم ينتظرون عرض المسلسل الفلاني أو البرنامج الفلاني أكثر من انتظارهم لوقت الصلاة والإفطار، وكأن شهر رمضان بأيامه المعدودات محطة للتسلية والترفيه، لا للعبادة والدعاء والاكثار من ذكر الله، فنحن المسلمون هل نحترم شهر رمضان حقا؟!

وأنت تنظر الى بعض تلك المسلسلات أو الافلام والبرامج، التي يتملكك شغف مشاهدتها، تأمل فيها جيدا، وقم بإحصاء كمية الهبوط والانحطاط الأخلاقي والديني والسلوكي في كل مشهد من مشاهدها، لاحظ حجم الإساءة إلى المجتمع الإسلامي، شاهد كيفية الانخراط في امور تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع، وبعد ان تنتهي من الاحصاء، شاهد أيضا كمية الجفاف الروحي الذي سينعكس عليك اثناء تأدية الصلاة أو بعض العبادات التي حتما ستؤديها وأنت مشغول الذهن، في انه كيف ستكون الحلقة القادمة؟، كيف ستكون الخاتمة؟ وهكذا

للأسف فكثير منا لا يعلم تلك الحقائق فينتهي عنه شهر رمضان وهو غافل عن القاعدة الأساسية من مراد الله تعالى لهذا الشهر والتي جاءت في قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فشهر رمضان ليس كما يتصوره العقل القاصر في كونه ثلاثين  يوما تنقضي بالامتناع عن الطعام والشراب في ساعات معدودة، بل إن  شهر رمضان هو ضوابط وشروط أفصح عنها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لرفع المستوى الروحي والأخلاقي وتهذيب النفس والجوارح، والابتعاد عن المثبطات الموبقة فيتجسد  خلاله الأسلوب الإسلامي بشكله الحقيقي الذي دعا إليه رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع).

شهر رمضان هو شهر التجارة مع الله تعالى ، وفي مثال لتقريب الصورة، فكلنا يعلم أن للتجارة مواسم محددة يتهيأ أصحابها ويستعد لحصد الربح، ويعدون العدة ويجهزون لها قبل أوقاتها، وذلك لانهم على دراية في كونها مواسم قليلة لكنها تعود عليهم بالخير الوفير، لذا فإن أبصارهم شاخصة نحو ذلك الوقت فلا يكونوا في غفلة عنه، هكذا هي التجارة مع الله جل شأنه لها مواسم يكون الربح فيها أكثر والخير أوفر ومن بينها شهر "رمضان المبارك"، الذي ما شرع الله تعالى فيه الصيام إلا لتسمو به النفس البشرية وترفع عن المشاغل الدنيوية المؤقتة، تأمل حين تنشغل النفس في كيفية اغتنام كل ساعة من نهار شهر رمضان وليله بالعبادة ، كيف تعد العدة له، كيف تجاهد لكبح شهواتها في هذا الشهر، كيف تتخلى عن الحاجات الحيوانية الدنيئة، حتما سيكون حينها الإنسان في صورة ملائكية.

فهل من المعقول بعد أن عبد الله تعالى لنا الطريق وهيأ فرص الربح في هذا الشهر ان نحيد عنها ونلتجأ إلى ما هو دونها؟! فلا شك إن الخسران الفادح هو الجزاء.

أعلم إن الكثير ممن لا يدرك أهمية وعظمة شهر رمضان سيعيب عليَّ القول، ويقول أين انتِ من القول المشهور (ان لنفسك عليك حق)، نعم أنا ايضا اقول ذلك، وأعلم ان الدين الإسلامي مع ترويح النفس، ولكن شريطة أن يكون منسجما مع المفاهيم الإسلامية، لابد أن يكون هناك توازن بين كمية ونوعية ما يشاهد، وبين مساحة التعبد خلال الشهر الفضيل، فلا ضير في مشاهدة ما هو اجتماعي هادف يقدم معالجات لمشاكل مجتمعية أو يقدم حلولا لواقع الإنسان المسلم، فيكون عامل إصلاح وبناء، لا هدم وتخريب.

ولا بأس في ختام الحديث ان نشير إلى حديث جامع لأهمية وفضل الشهر الكريم، لا شك حين تتأمل المعاني الواردة فيه، ستستبدل ساعات مشاهدة البرامج والمسلسلات بالذكر والعبادات عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : شهر رمضان ليس كالشهور لما تضاعف فيه من الأجور هو شهر الصيام وشهر القيام وشهر التوبة والاستغفار وشهر تلاوة القرآن هو شهر أبواب الجنان فيه مفتحة وأبواب النيران فيه مغلقة هو شهر يكتب فيه الآجال ويبث فيه الأرزاق وفيه ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم ويكتب فيها وفد بيت الله الحرام تتنزل الملائكة والروح فيها عليه الصائمين والصائمات بأذن ربهم من  كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر إلى قابل فبادر  بالأعمال الصالحات الآن وباب التوبة مفتوح والدعاء مستجاب قبل : أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين".