ماهي الأسلحة التي سوف يستخدمها الإمام المهدي (ع) عند ظهوره؟!

لابد أنْ نذعن بأن بلوغ تلك المرحلة التاريخية التي يجتمع فيها كافة الناس تحت راية واحدة وتزول فيها الأسلحة الفتاكة وتنعدم فيها الطبقات المستعمَرة (بالفتح) والمستعمِرة (بالكسر) وتنتهي فيها النزاعات والألاعيب السياسية والعسكرية للدول العظمى.... وعلى أية حال، هناك استعدادات ينبغي توفرها لقيام هذه الحكومة:

[اشترك]

١- الاستعداد الفكري والثقافي: أي ينبغي أنْ يبلغ المستوى الفكري للناس درجة تجعلهم يدركون بأن قضية العِرْق أو المناطق الجغرافية المختلفة ليست بالأمور الجديرة بالاهتمام في حياتهم وليس للخلافات على أساس اللون واللغة والأرض أن تفرق بين أبناء البشر ويجب أن تموت وإلى الأبد العصبيات القبلية والفئوية....

٢- الاستعداد الاجتماعي: لابد أنْ يتعظ الناس من الظلم والجور والأنظمة السائدة ويشعروا بحرارة هذه الحياة المادية واليأس التام من أن مثل هذه الحياة الأحادية النزعة يمكنها في المستقبل حل المشكلة القائمة..... فقد اتسعت رقعة الإرباكات المادية وعدم الأمن والاستقرار إلى جانب غياب حالة الرفاه والرخاء.

٣- الاستعدادات التقنية: خلافاً لما يراه البعض من أن بلوغ مرحلة التكامل الاجتماعي وعالم مفعم بالأمن والعدل والسلام يقترن ضرورة بالقضاء على التقنية المعاصرة، بل الواقع أن هذه التكنولوجيا المتطورة ليس فقط لا تحول دون قيام حكومة العدل العالمية فحسب، بل ربما يستحيل بدونها تحقيق تلك الحكومة.... فإن مثل هذه الحكومة وبغية إشاعة الأمن وبسط العدل في ربوع العالم، تحتاج إلى العلم بكافة المناطق والسيطرة التامة لتتمكن من تربية المجتمع المتأهب للإصلاح إلى جانب الإبقاء على وعيه وحيويته.... ويبدو أن العالم الذي يريد أن يبلغ هذه المرحلة ينبغي أن تتسع فيها رقعة وسائل التربية والتعليم وتتصف بالشمولية بحيث تستند أغلب مشاريعها إلى التثقيف الذاتي، وهذا بدوره يتطلب مراكز ثقافية فاعلة ووسائل ارتباط عامة وصحافة وكتب ضخمة والتي لا تتيسر جميعاً دون وفرة الآلات الصناعية المتطورة..... فهذه بعض الاستعدادات التي يجب أن تتوفر كمقدمة لتلك الحكومة العالمية، فإن مسألة انتظار الحق والعدل وقيام المصلح العالمي (المهدي) تتركب في الواقع من عنصرين: عنصر النفي وعنصر الإثبات، وعنصر النفي هو عدم التكيّف مع الوضع الموجود، وعنصر الإثبات هو السعي إلى الوضع الأفضل خلافاً لاعتقاد البعض بأن المحور الرئيسي لانتظار ظهور المصلح المطلق يكمن في الإحباطات والإرباكات على مستوى الأفكار.

فالانتظار يعني التأهب التام، فإنْ كنتُ ظالماً فكيف يسعني انتظار من يضع سيفه في أعناق الظَلَمَة؟

وإنْ كنتُ ملوَّثاً وفاسداً فكيف أنتظر نهضةً أول شرارتها أن تطيح بالملوَّثين المَرَدَة!.

والجيش الذي ينتظر الجهاد الأكبر إنما يرفع القدرة القتالية لأفراده وينفخ فيهم روح الثورة ويصلح فيهم كل ضعف. فالبعد الأول لهذه النهضة يتمثل في القضاء على عوامل الفساد والانحطاط ويطهر المجتمع من دنس العصاة، وما أنْ تنتهي هذه المرحلة حتى يأتي دور البعد الإيجابي أي إشاعة عوامل الإصلاح.

هناك عبارة رائعة في عدة روايات بشأن فلسفة وجود الإمام (عليه السلام) في عصر الغيبة يمكن أن تساعدنا في حل هذه المشكلة حيث قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بشأن فائدة الإمام في الغيبة (إي والذي بعثني بالنبوة إنهم ينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب).... فللأشعة المعنوية غير المرئية لوجود الإمام (عليه السلام) حين تكون خلف سحب الغيبة عدة آثار تكشف عن فلسفته الوجودية رغم تعطيل مسألة التعليم والتربية والزعامة المباشرة منها:

أولاً: بث الأمل: إنَّ جُلَّ اهتمام الجنود الأوفياء في ميدان القتال يتمثل في حفظ الراية خفاقة تجاه هجمات الأعداء بينما يسعى العدو جهد الإمكان إلى الإطاحة بهذه الراية ذلك لأن انتصاب الراية يبث روح الأمل والمقاومة والصمود وديمومة القتال كما أن وجود القائد (مهما كان صامتاً) يبعث على رفع المعنويات وتجديد القوى وتعبئة الطاقات والاندفاع نحو القتال حيث يشعرون بقوة حين يرون القائد واهتزاز الراية.... والشيعة تعتقد بوجود إمامها حياً وإن لم تره بينها، وبالتالي فهي لا ترى نفسها وحيدة في الساحة (لا بُدَّ من التأمل) فهي تنتظر قدومه وتحتمله في كل لحظة وهذا ما يؤثر على مسيرتها إيجابياً ومن هنا يمكن إدراك الأثر النفسي لهذا الأسلوب من التفكير في بث الأمل والرجاء في قلوب الأفراد وسوقهم نحو التهذيب والاستعداد لتلك النهضة الكبرى، ولو أضفنا نقطة أخرى إلى هذا الموضوع لأصبحت القضية أكثر جدية وهي على ضوء الاعتقاد العام للشيعة فقد وردت في أغلب الروايات في المصادر الشيعية أن الإمام يتفقد طيلة غيبته وبصورة مستمرة أوضاع شيعته ويقف على تفاصيل أعمالهم عن طريق الإلهام وما شابه وحسب الروايات فإن أعمالهم تُعرض عليه كل أسبوع ويحيط علماً بتصرفاتهم وأفعالهم، وهذا الاعتقاد يجعل هؤلاء الأتباع يخضعون لمراقبة دائمية يستحضرونها عند كل قول وفعل، الأمر الذي لا يمكن إنكار دوره النفسي والتربوي.

ثانياً: حماية الدين: قال علي (عليه السلام) في بعض الكلمات القصار في إشارته إلى ضرورة وجود الزعماء الربانيين في كل عصر وزمان، (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته)، فإنه كيف يتم حفظ أصالة الدين والحيلولة دون التحريفات والانحرافات؟ وهل يتم ذلك سوى من جانب الإمام المعصوم سواء كان مشهوراً ومعلوماً أم مغموراً ومجهولاً (لئلا تبطل حجج الله وبيناته).

ثالثاً: إعداد ثلة ثورية واعية: خلافاً لما يعتقده البعض من قطع الارتباط المطلق بين الإمام والأمة في عصر الغيبة، بل كما يستفاد من الروايات الإسلامية، فإن هناك ثلة من الأفراد الذين يعيشون عشق الله ويتمتعون بقلب ينبض بالإيمان والإخلاص والتفكير في إصلاح العالم مرتبطة بالإمام وتعدّ بالتدريج من خلال هذه الرابطة.

فهذه بعض الآثار العملية للاستفادة من الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته.

وأما سبل انتصار ذلك المصلح العظيم، فهل ينهض بالسيف فعلى هذا الأساس ترد بعض الأسئلة بشأن قيام المصلح العالمي الكبير ومنها:

- هل يعتمد على الأسلحة التقليدية للعصور السابقة بغية تحقيق النصر وهزيمة الجبارة والطواغيت؟

- هل تزول كل هذه الوسائل الحديثة والمتطورة؟

وغير ذلك من الأسئلة، فإنه بشأن السلاح فنقول: لابد من الإطاحة بالحكومات الجائرة والمستبدة من أجل استقرار حكومة العدل وينبغي على الأقل توفير الأسلحة الأفضل للقضاء على تلك الحكومات، السلاح الذي ربما يصعب علينا اليوم حتى تصوره. ولا يسعنا الإشارة إلى هذا السلاح من الناحية المادية أو النفسية أو سائر النواحي وكل ما يسعنا قوله أنه سيكون السلاح الأقوى....(١).

إذن يجب العمل الدؤوب في كل المستويات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها لتهيئة المجتمع الإسلامي لذلك الأمل الموعود مادياً ومعنوياً والاكتفاء الذاتي بقوة المنتظرين العاملين.

المصدر: موقع الحجة بن الحسن

الهوامش:

••••••••••••••••••••

(1)الحكومة العالمية للإمام المهدي (عليه السلام).

كيف يكون الانتظار للإمام المهدي (عليه السلام)؟ ـ تأليف: عماد الكاظمي.

2024/11/19

هل يستطيع الإمام المهدي (ع) حلّ مشاكلنا؟!

إن الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا يسير على خطى جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآبائه الطاهرين (عليهم السلام)، فمما يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) في مجال حلّ المشكلات العملية للناس:

[اشترك]

إن شاباً في إحدى المعارك سالت عينه على خدّه، وكان جديد عهد بالزواج، فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) وشكا له حالته، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) عينه التي سالت على خدّه وأعادها في مكانها فعادت كما كانت.

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا جلوساً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ ورد علينا أعرابي أشعث الحال عليه أثواب رثّة والفقر بين عينيه، فلما دخل وسلم قال شعراً:

أتيتك والعذراء تبكي برنة * * * وقد ذهلت أم الصبي عن الطفل

وأخت وبنتان وأم كبيرة وقد * * * كدت من فقري أخالط في عقلي

وقد مسّني فقر وذلّ وفاقة * * * وليس لنا شيء يمرّ ولا يحلي

وما المنتهى إلا إليك مفرّنا * * * وأين مفرّ الخلق إلا إلى الرسل

فلما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك بكى بكاءً شديداً ثم قال لأصحابه: معاشر المسلمين إن الله تعالى سبق إليكم جزاء والجزاء من الله غرف في الجنة تضاهي غرف إبراهيم الخليل (عليه السلام) فمن كان منكم يواسي هذا الفقير؟ فلم يجبه أحد، وكان في ناحية المسجد علي بن أبي طالب يصلّي ركعات التطوع كانت له دائماً، فأومأ إلى الأعرابي بيده، فدنا منه، فرفع إليه الخاتم من يده وهو في صلاته، فأخذه الأعرابي وانصرف، ثم إن النبي أتاه جبرئيل ونادى: السلام عليك يا رسول الله، ربّك يقرئك السلام ويقول لك: اقرأ: (إنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ. ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حزْبَ اللَّه هُمُ الْغالبُونَ). فعند ذلك قام النبي (صلى الله عليه وآله) قائماً على قدميه وقال: معاشر المسلمين أيّكم اليوم عمل خيراً حتى جعله الله وليّ كل من آمن؟ قالوا: يا رسول الله ما فينا من عمل خيراً سوى ابن عمك علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه تصدّق على الأعرابي بخاتمه وهو يصلي. قال النبي (صلى الله عليه وآله): وجبت الغرف لابن عمي علي بن أبي طالب. وقرأ عليهم الآية.(١)

إن امرأة جاءت إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وطلبت منه أن يسأل الله تعالى أن يشفي ولدها، فقد كان على وشك الموت، فعلّمها الإمام (عليه السلام) دعاءً تقرأه في مكان مرتفع، وهو الدعاء الذي فيه: (اللهم إنك وهبتنيه ..) وعاد الولد سالماً إلى أمه.

وإذا لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) موجوداً بيننا، وكذا الأئمة من آله (سلام الله عليهم أجمعين)، فإن حفيده الإمام الحجة المنتظر موجود وهو حي يرزق في هذه الحياة، فلماذا لا نفكر في اللجوء إليه لحلّ مشكلاتنا العملية؟

ولكن: كيف نلجأ إليه وهو غائب عن أنظارنا؟

والجواب: إنه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) قال - كما في حكاية إحدى التشرّفات -: لو بحثتم عني كما كنتم تبحثون عن ضالّتكم لوجدتموني.

حقاً هل نحن نبحث عن الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) كبحثنا عن ضالّتنا؟ وهل نفكّر فيه كما نفكّر في شؤوننا الشخصية؟ لو اتّفق لإنسان أنه كان مع الموت وجهاً لوجه كما لو كان في سفينة تحطّمت به وهي في عرض البحر، أليس في مثل هذه الحالة ينقطع الإنسان عادة إلى الله تعالى ويتوسّل به حقيقة؟ هكذا أيضاً ينبغي أن يكون تفكيرنا في الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ودعاؤنا لفرجه الشريف.

أما حالات قيام الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بحلّ المشكلات العملية للناس فكثيرة جداً ومنها قضية نقلها المدرس الأفغاني (رحمه الله) في هذا المجال ومجملها أن شاباً ينتمي إلى إحدى الفرق الأخرى أضاع الطريق إلى مكة فتوسّل بالإمام (عليه السلام) فحضر الإمام (عليه السلام) ودلّه على الطريق ثم غاب عنه، وكان ذلك سبباً لتشيّعه.

المصدر: موقع الحجة بن الحسن

الهوامش:

===========

(1)بحار الأنوار ج: ٣٥ ص ١٩٣.

الإمام المهدي (عليه السلام) إمام الرحمة تأليف : السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره).

2024/11/11

تنشر الرعب في قلب العدو.. سرّ راية الإمام المهدي (ع)!

ورد في جمع من الروايات أن الإمام المهدي (ع) إذا ظهر فإن راية رسول الله (ص) ستكون عنده، والسؤال ماهي حاجته لتلك الراية ؟

[اشترك]

الجواب: يمكن أن يجاب عن هذا التساؤل بجوابين:

1ـ إن هذه الراية من مواريث الأئمة وهي علامة من علامات كون من يملكها إماماً من الله تعالى.

ففي حديث طويل عن الثمالي عن ابي جعفر (ع) قال فإذا هو نشرها انحطت عليه ملائكة بدر قلت وما راية رسول الله ص قال عمودها من عمد عرش الله ورحمته وسائرها من نصر الله لا يهوي بها إلى شيء إلا أهلكه الله قلت فمخبوة عندكم حتى يقوم القائم (ع) أم يؤتى بها قال لا بل يؤتى بها قلت من يأتيه بها قال جبرئيل ع الغيبة للنعماني ص : 308

2 ـ إن هذه الراية ذات طبيعة اعجازية وفي ذلك تأييد للإمام وبيان أحقيته

ويسير الرعب قدامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً "

وبرواية الصدوق في كمال الدين: " فاذا نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انحط اليه ثلاثة عشر الف ملك وثلاثة عشر ملكاً كلهم ينتظر القائم (ع).

المصدر: موقع الحجة بن الحسن

2024/11/03

مصر والعراق والأردن.. ما هو دور العرب في عصر الظهور؟

وردت أحاديث كثيرة عن العرب وأوضاعهم وحكامهم في عصر ظهور المهدي عليه السلام ، وفي حركة ظهوره . منها ، أحاديث الدولة الممهدة للمهدي في اليمن ، التي وردت فيها أحاديث مدح مطلقة . وسنفردها بالذكر إن شاء الله تعالى.

ومنها، أحاديث تحرك المصريين التي يفهم منها مدحهم ، خاصة ما ذكر منها أن من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ووزرائه النجباء من مصر .

وما دل منها على أن مصر تكون منبراً للمهدي عليه السلام ، أي مركزاً فكرياً وإعلامياً عالمياً للإسلام . وأن المهدي يدخل مصر ويخطب على منبرها .

لذا يمكن عد حركة المصريين في عداد الحركات الممهدة لظهور المهدي عليه السلام ، والمشاركة في حركة ظهوره . . وسيأتي ذكرها مفردة أيضاً .

ومنها ، أحاديث ( عصائب أهل العراق ) أي مجموعاتهم ( وأبدال أهل الشام ) أي مؤمنوهم الممتازون ، الذين سيأتي ذكرهم في أصحاب المهدي عليه السلام .

ومنها ، أحاديث المغاربة ، التي تتحدث عن أدوار متعددة لقوات عسكرية مغربية في مصر وسوريا والأردن العراق ، ورواياتها مختلطة بروايات القوات الغربية وبحركة الفاطميين ، ويفهم من الأحاديث ذم هذه القوات .

كما وردت في مصادر الشيعة والسنة أحاديث في ذم حكام العرب بشكل عام ، منها:

الحديث المستفيض : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ، أو ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب ) فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد ، على العرب شديد . ويلٌ لطغاة العرب من شر قد اقترب )1 وفي مستدرك الحاكم  2 : ( ويلٌ للعرب من شر قد اقترب ) .

والمقصود بالكتاب الجديد : القرآن الذي يكون مهجوراً فيبعثه المهدي عليه السلام من جديد .

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : ( إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديدا ، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور . وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول . وسمي بالقائم لقيامه بالحق )3.

والسبب في أن الإسلام يكون صعباً شديداً على الحكام وكثير من الناس أنهم تعودوا على البعد عنه ، فهم يستصعبون العودة إليه ومبايعة المهدي عليه السلام على العمل به . وقد يكون المقصود بالكتاب الجديد القرآن الجديد بترتيب سوره وآياته ، فقد ورد أن نسخته محفوظة للمهدي عليه السلام مع مواريث النبي صلى الله عليه وآله والأنبياء عليهم السلام وأنه لا يختلف عن القرآن الذي في أيدينا حتى في زيادة حرف أو نقصانه ، ولكنه يختلف في ترتيب السور والآيات ، وأنه بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام . ولا مانع أن تكون جدة القرآن بالمعنيين معاً .

وعن الإمام الصادق عليه السلام : ( ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب . فقلت : جعلت فداك كم مع القائم من العرب ؟ قال : شئ يسير . فقلت والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير ، فقال : لا بد للناس أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويخرج من الغربال خلق كثير ) 4 .

ومنها ، أحاديث الاختلافات بين العرب في عصر الظهور ، التي تصل إلى الحرب بين بعضهم ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وفتنة وبلاء يصيب الناس ، وطاعون قبل ذلك ، ثم سيف قاطع بين العرب ، واختلاف بين الناس ، وتشتت في دينهم ، وتغير في حالهم . حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً من عظيم ما يرى من كَلَب الناس وأكل بعضهم بعضاً )  5

ومن هذا القبيل أحاديث خلع العرب أعنتها ، أي الإنفلات من العقائد والقيم ، وإخراج كل ذي صيصية صيصيته ، أي إظهار كل صاحب فكرة فكرته والدعوة إليها .

ومنها ، أحاديث الاختلاف بين العرب والعجم أي الإيرانيين ، أو بين أمراء العرب والعجم وأنه اختلاف يستمر إلى ظهور المهدي عليه السلام ، ما عدا ثورة اليماني الممهدة للمهدي عليه السلام ، وما عدا الحركات الإسلامية التي تكون مؤيدة للممهدين وللمهدي عليه السلام .

ومنها ، أحاديث قتال المهدي عليه السلام للعرب ، وقد ورد منها أحاديث قتاله لبقايا حكومة الحجاز جزئياً بعد تحرير مكة المكرمة ، والمدينة المنورة وربما عند تحريرها . ثم معركته مع السفياني في العراق ، ومعركته الكبرى معه في فلسطين .

وجاء في بعضها قتاله عليه السلام للخوارج عليه في العراق ، وإباحته دماء سبعين عشيرة أو عائلة . ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ( إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف ) 6.

ومنها ، أحاديث الخسف والزلازل ، في جزيرة العرب ، وفي الشام ، وفي بغداد وبابل والبصرة . وخروج نار في الحجاز أو في شرقي الحجاز ، تدوم ثلاثة أيام ، أو سبعة أيام . وهي من علامات الظهور ، لكن ليست من المحتومات  7.

=============

الهوامش:

  1. البحار : 52 / 11.
  2. مستدرك الحاكم: 4 / 239.
  3. الإرشاد للمفيد ص 364.
  4. البحار : 52 / 214.
  5. البحار : 52 / 231 .
  6. البحار : 52 / 355.
  7. المصدر: كتاب عصر الظهور ، الشيخ علي الكوراني العاملي (رض)
2024/10/15

قبل خروج السفياني.. ماذا يحدث في بلاد الشام؟!

يطلق اسم الشام ، وبلاد الشام ، والشامات في مصادر التاريخ والحديث الشريف على المنطقة التي تشمل سوريا الفعلية ولبنان ، ويسمى لبنان أيضاً بر الشام ، وجبل لبنان .

ويشمل اسم الشام أيضاً الأردن ، وربما يشمل فلسطين . وإن كان يعبر عن المنطقة كلها ببلاد الشام وفلسطين .

والشام في نفس الوقت اسم لدمشق عاصمة بلاد الشام .

وأحاديث بلاد الشام وأحداثها وشخصياتها في عصر الظهور كثيرة ، ومحورها الأساسي حركة السفياني الذي يسيطر على بلاد الشام ويوحدها ، ويكون لجيشه دور واسع قرب ظهور المهدي عليه السلام وفي حركة ظهوره ، حيث يبدأ السفياني بعد تصفية خصومه في بلاد الشام بقتال الترك في معركة قرقيسيا ، ثم يدخل العراق .

كما يكون له دور في الحجاز في محاولة قواته مساعدة حكومة الحجاز في القضاء على حركة المهدي عليه السلام ، حيث تقع في جيشه معجزة الخسف الموعودة ، قرب الدينة وهو في طريقه إلى مكة .

وأكبر معارك السفياني على الإطلاق معركة فتح فلسطين التي تكون مع المهدي عليه السلام ، ويكون وراء السفياني فيها اليهود والروم ، وتنتهي بهزيمته وقتله ، وانتصار المهدي أرواحنا فداه فيفتح فلسطين ويدخل القدس . ونذكر هذه الأحداث فيما يلي بشئ من التفصيل .

أحداث بلاد الشام قبل خروج السفياني

من السهل نسبياً أن نستخرج من أحاديث الظهور شريط أحداث حركة السفياني من بدايتها إلى هزيمته في معركة فتح القدس .

وفي المقابل يصعب استخراج الأحداث التي تكون قبل السفياني لأن الأحاديث حولها موجزة في الغالب ، وفي رواياتها تقديم وتأخير في ترتيب الأحداث . ولكن الحاصل من مجموعها الأمور التالية :

1 - وجود فتنة شاملة للمسلمين ، وسيطرة الروم والترك عليهم ( لعل المقصود الغربيين والروس ) .

2 - وجود فتنة خاصة ببلاد الشام ، تسبب في أهلها الاختلافات والضعف والضائقة الاقتصادية .

3 - صراع بين فئتين رئيسيتين في بلاد الشام .

4 - حدوث زلزلة في دمشق تسبب هدم غربي مسجدها ، وبعض ضواحيها .

5 - صراع ثلاثة زعماء على السلطة في بلاد الشام ، الأبقع والأصهب والسفياني ، وغلبة السفياني وسيطرته على سوريا والأردن ، وتوحيد المنطقة تحت حكمه .

6 - دخول قوات أجنبية إلى بلاد الشام .

أما ظهور اليماني الموعود ، فقد ورد أنه مقارن لخروج السفياني أو متقارب معه ، وكذلك الخراساني قائد الإيرانيين ، كما سيأتي .

 فتنة بلاد الشام

ذكرت الأحاديث الشريفة فتنة تكون ببلاد الشام قبل السفياني ، وقد تكون نفس الفتنة الغربية والشرقية العامة على المسلمين ، التي تقدم الحديث عنها .

فعن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( يوشك أهل الشام أن لا يصل إليهم دينار ولا مد . قلنا من أين ؟ قال : من قبل الروم . ثم سكت هنيهة ثم قال : يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً ) 1 .

فالسبب في هذه الضائقة الاقتصادية المالية والغذائية ( منع الدينار والمد ) هم الروم ، أي الغربيون .

وعن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام قال في قوله تعالى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ 2 فقال : الجوع عام وخاص . فأما الخاص من الجوع فبالكوفة ، يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم . وأما العام فبالشام ، يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم قط . أما الجوع فقبل قيام القائم ، وأما الخوف فبعد قيام القائم 3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : لا بد أن يكون قدام القائم سنة يجوع فيها الناس ، ويصيبهم خوف شديد من القتل ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، فإن ذلك في كتاب لبين ، ثم تلا هذه الآية : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ 2 3 .

ووجود هذه الضائقة في سنة الظهور لا يمنع أن تكون موجودة قبلها بمدة ، ثم تكون في سنة الظهور أشد مما سبقها ، ثم يكون الفرج .

أما مدة الفتنة على بلاد الشام ، فتذكر الأحاديث أنها طويلة متمادية ، كلما قالوا انقضت تمادت وأنهم ( يطلبون منها المخرج فلا يجدونه ) 4، وتصفها بأنها تدخل كل بيت من بيوت العرب ، وكل بيت من بيوت المسلمين ، وبأنها : ( كلما رتقوها من جانب انفتقت من جانب آخر ، أو جاشت من جانب آخر ) كما في ص 9 و 10 من مخطوطة ابن حماد ، وغيرها .

بل تسميها بعض الأحاديث صراحة باسم : ( فتنة فلسطين ) ! كما تقدم عن مخطوطة ابن حماد ص 63 .

هزة أرضية في بلاد الشام

وتحدد رواياتها بعض أماكنها ، ووقتها بأنه عند اختلاف فئتين على السلطة ، وتسميها أيضاً ( الرجفة والخسف والزلزلة ) كالحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال :

( إذا اختلف الرمحان بالشام ، لم تنجل إلا عن آية من آيات الله . قيل : وما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال : رجفة تكون بالشام ، يهلك فيها أكثر من مائة ألف ، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين . فإذا كان ذلك ، فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة ، والرايات الصفر ، تقبل من المغرب حتى تحل بالشام ، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر . فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا . فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، حتى يستوي على منبر دمشق . فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي ) ( غيبة النعماني : 305 ) .

والبراذين الشهب المحذوفة : وصف لوسائل ركوب المغاربة أو الغربيين بأنها شهباء الألوان ، ومقطعة الآذان !

وابن آكلة الأكباد : أي ابن هند زوجة أبي سفيان ، لأن السفياني من أولاد معاوية ، و ( الوادي اليابس ) يقع في منطقة حوران عند أذرعات ( درعا ) ، في منطقة الحدود السورية الأردنية .

الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع

عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب ، فأول أرض تخرب الشام ، يختلفون على ثلاث رايات : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني ) 5 .

ويبدو أن هذا الزعيم الأبقع أي المبقع الوجه يكون في العاصمة ، لأن الرواية تذكر أن ثورة الأصهب تكون من خارج العاصمة أو المركز ، فيثور عليه الأصهب فلا يستطيع أحدهما أن يحقق نصراً حاسماً على الآخر ، فيستغل السفياني هذه الفرصة ويقوم بثورته من خارج العاصمة أيضاً فيكتسحهما معاً .

ومن المحتمل أن يكون الأصهب غير مسلم ، لأن بعض الأحاديث وصفته بالعلج ، وهو وصف للكفار عادة .

كما يبدو أن المرواني الذي ورد ذكره في مصادر الدرجة الأولى ، مثل غيبة النعماني ، هو الأبقع نفسه ، وليس زعيماً منافساً للسفياني .

أما الاتجاه السياسي للأبقع والأصهب فيظهر من أحاديث ذمها أنهما معاديان للإسلام ومواليان لأعدائه من القوى الكافرة .

وعلى هذا ، يكون معنى اختلاف رمحين في بلاد الشام الوارد في الأحاديث هو اختلاف زعيمين يمثلان اتجاهين متنازعين ، فقد جاء في الحديث المتقدم عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال الجابر الجعفي رحمه الله :

( إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكره لك : اختلاف بني فلان ، ومناد ينادي في السماء ، ويجيؤكم الصوت من ناحية دمشق بالفرج ، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية . وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة . وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة . فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب ، فأول أرض تخرب الشام ، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني ) .

والمقصود باختلاف بني فلان كما ستعرف في حركة الظهور ، اختلاف أسرة حاكمة في الحجاز أو غيره ، يظهر على أثره المهدي عليه السلام .

والصوت الذي يجئ من ناحية دمشق لا بد أن يكون صوت الفتنة وبداية الأحداث ، وليس النداء السماوي الموعود في شهر رمضان .

وفي رواية أخرى ( ومارقة تمرق من ناحية الترك ، ويتبعها هرج الروم ) 6 .

فقد عبر عنهم من ناحية الترك ، فيحتمل أن يكونوا أتراكاً ويحتمل أن يكونوا أقواماً أخرى كالروس يجيئون من جهة الترك .

يبقى أن نشير إلى رواية وصفت الرايات الثلاث التي تختلف في بلاد الشام بأنها راية حسنية وراية أموية وراية قيسية ، وأن السفياني يأتي فيقضي عليها . فقد رواها في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

( يا سدير إلزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه ، واسكن ما سكن الليل والنهار ، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك .

قلت : جعلت فداك ، هل قبل ذلك شئ ؟ قال : نعم ، وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام وقال : ثلاث رايات ، راية حسنية ، وراية أموية ، وراية قيسية . فبينما هم على ذلك إذ قد خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ، ما رأيت مثله قط ) .

ويشكل قبول هذه الرواية لأنها تعارض الأحاديث الكثيرة التي تحدد الرايات الثلاث بأنها راية الأبقع والأصهب والسفياني ، ولأن الكليني رحمه الله رواها في الكافي : 8 / 264 ، إلى قوله عليه السلام : ( ولو على رجلك ) فقط ، فيحتمل أن يكون آخرها إضافة أو تفسيراً لبعض الرواة اختلط بالأصل 7.

 الهوامش:

 ---------------

  1. البحار : 51 / 92.
  2. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 155، الصفحة: 24.
  3. a. b. البحار : 52 / 229.
  4. البحار : 52 / 298.
  5. البحار : 52 / 212.
  6. البحار : 52 / 237.
  7. المصدر: كتاب عصر الظهور ، الشيخ علي الكوراني العاملي (رض)
2024/10/14

هل أهل اليمن أفضل أنصار الإمام المهدي (ع)؟!

جاء في الأحاديث أن أنصار الإمام المهدي (صلوات الله عليه) هم أهل اليمن وأهل خراسان، وأن الراية اليمانية هي أهدى الرايات. فما سبب أفضلية الراية اليمانية؟ هل لأنهم زيدية أم لأنهم سيصبحون اثني عشرية؟

الجواب: نعم ورد في الأحاديث ذلك، ولكن بعض أنصاره (عليه السلام) من أهل اليمن ومن أهل خراسان ولا ينافي ذلك أن من بقية البلدان مَن سيحظى بنصرة الإمام (عليه السلام).

أما كون راية اليماني هي أهدى، فيبدو أن راية اليماني رايةٌ خالصةٌ بولائها للإمام (عليه السلام)، وأن اليماني وأصحابه يرون وجوب نصرة الإمام تكليفاً خالصاً لا يشوبه شيء، أي الولاء الكامل والطاعة التامة للإمام (عليه السلام) من قبل اليماني وجيشه، هذا من ناحية.

ومن ناحيةٍ أخرى فإن عقيدة اليماني الاثني عشرية وأصحابه الميامين تؤهلهم إلى أن تكون رايتهم أهدى الرايات، وليس لزيديتها كما ورد في السؤال.

بل العكس فإن خليط الزيدية الذين سيكونون مع الخراساني هو سببٌ مهم في تفضيل راية اليماني على راية الخراساني، وفي تعبير الإمام الباقر (عليه السلام) عن راية اليماني بأنها أهدى كما ورد في النص (وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم)(1) فتعليله بقوله (عليه السلام): (لأنه يدعو إلى صاحبكم) واضح من كون اليماني يدعو مباشرةً لنصرة الإمام (عليه السلام)، في حين سيكون الجيش الخراساني ذا تركيبة لخليطٍ سياسي متنوع تحمل معها توجهاتٍ سياسيةٍ مختلفة، وأكثرها خطراً هو ذلك التوجه الزيدي الذي يرى في الخراساني أنه إمام مفترض الطاعة. وكون كل من قام بالسيف وتصدى فهو الإمام المفترض الطاعة. وتكون نصرتهم للخراساني بهذا الداعي البعيد عن نصرة الإمام وتأييده، معتقدين أن خروجهم مع الخراساني هو لهذا الداعي وليس لغيره، لذا ورد أن هؤلاء الخليط من الجيش الخراساني سيعارضون الإمام (عليه السلام) ويعترضون عليه وهم الزيدية كما ورد في نص رواية أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال في حال الخراساني الحسني: ويبايعه - أي المهدي (عليه السلام) - سائر العسكر الذي مع الحسني إلّا أربعين ألفاً أصحاب المصاحف المعروفين بالزيدية فإنهم يقولون: ما هذا إلّا سحر عظيم، فيختلط العسكر فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلّا طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً ثمّ يقول لأصحابه: (لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرّفوها ولم يعملوا بما فيها).

إذن فجيش الخراساني - بما فيه هذا الخليط الزيدي - سيشكل تهديداً لحركة الإمام (عليه السلام) وسيعاجلهم الإمام بالتحدي وإحباط محاولاتهم، على أن الزيدية هؤلاء إما أن يكونوا زيديةً حقيقة، مذهباً واتجاهاً، وإما أن يكونوا زيديةً نعتاً لعقائدهم ومبانيهم في كون كل من تصدى بالسيف كان إماماً يجب اتِّباعه وطاعته.

هذا ما دعا الروايات إلى الإشارة بموقف اليماني ورايته التي هي راية هدى. ولا ننسى أن الخراساني سليماً في توجهاته صحيحاً في معتقداته، إلّا أن الكلام في بعض أصحابه وأتباعه.

الهوامش:

 

(1) البحار ٥٢: ٢٣٢.

المصدر : محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن ـ شبهات الزيدية حول الإمام المهدي (عليه السلام)

 

نقلاً عن موقع الحجة بن الحسن

2024/10/08

بسبب تغييب المُختص.. الخيال يجتاح روايات الظهور!

إنَّ المتصدّي للتعامل مع الروايات الواردة في الفروع هو الفقيه، وهو على أعلى درجات التخصّص والمهنية لا يلج هذا الباب إلَّا بعد طيّ صفحات عديدة يسبر خلالها أغوار علوم شتّى، وبمستويات مختلفة من النحو والبلاغة والمنطق والدراية والرجال والحديث والأُصول وبعض مطالب علم الكلام وعلم الفلسفة. وبعد متابعة الأساتذة لسنوات عديدة في الدرس وهم يمارسون عملية الاستنباط حتَّى تحصل الملكة والأهلية عنده، فيتصدّى بعدها للاستنباط.

ولا يكون استنباطه لغيره في الفترة الأُولى، ولو قُدِّرَ له أن يستنبط لغيره فإنَّ ذلك سيكون بعد مدَّة مديدة بحسب العادة.

وأمَّا من تصدّى للكتابة والاستنباط في روايات الظهور فلم يؤخذ فيه أيّ شرط ممَّا سبق حتَّى تصدّى لهذا الباب كلّ من هبَّ ودبَّ، واقضِ عجباً ممَّا تجده قد سُطِرَ في كتبهم التي جمعت الغثّ والسمين. وحين تقرأ لبعضهم ترى خيالاً خصباً تجرَّد عن عالم الطبيعة وراح ينسج صوراً لا تمتُّ إلى الواقع بصلة.

وذهبت الأماني ببعض إلى مدى بعيد وتصوَّر أنَّه قد أتى بالعجب، وجزم في مقدّمة كتابه بأنَّ من قرأ كتابه لا يموت موتة جاهلية. ولا أتَّهم بذلك أحداً بسوء النيّة، بل إنَّ هذا وأضرابه نتيجة حتمية لفتح الباب أمام غير المتخصّص لإبداء رأيه فيما يتوقَّف على التخصّص.

نعم كتب بعض أكابر علمائنا في ذلك لكنَّهم ليسوا كثيرين، وما أكثر من كتب من غير المتخصّصين في ذلك. وبذلك يبرز أمامنا سبب إضافي لاحتمال الخطأ في التعامل مع هذه الأدلَّة لا وجود له في علم الفقه، حيث إنَّه لا يوجد تقليد في أمثال هذه المسائل، وهذه الكتب موجودة بين أيدي الناس، ومن أراد التحدّث عن هذه المواضيع ليس متخصّصاً، فيأخذ من هذه الكتب في مقام بناء رؤيته عن الظهور وعلاماته.

والحاصل أنَّ أثر هذا المبحث إنَّما يكون على غير المتخصّصين من عامّة الناس وبعض أهل الموعظة ممَّن لا تخصّص له، وهؤلاء أكثر تواصلاً مع عامّة الناس بحكم مهنتهم، وإن كانت من باب أداء الوظيفة الشرعية ونشر الوعي، والمشكلة في الموضوع أي في الصغرى والوعي المتصوَّر.

وإذا أضفنا إلى ذلك واقعاً مُرَّاً تعيشه الأُمّة يتمثَّل في ترك البحث العلمي، بل والقراءة والاختصار على السماع مع ملاحظة أنَّ المتحدّثين ليسوا من أصحاب النظر وهذا واقع لا ينكر، تبيَّن عمق المأساة واتّساع دائرة احتمال الخطأ في التصوّرات المبنية عند عامّة الناس من المتلقّين.

ومثل هذا غير موجود في عملية الاستنباط وإن كثرت دعاوى الاجتهاد في أيّامنا هذه، ولم يقترن مع كثير منها شاهد حقّ على صدقها.

المصدر: علامات الظهور (قراءة في المعرفة والتطبيق) ـ تأليف: الشيخ كاظم القره غولّي

نقلاً عن موقع الحجة بن الحسن

2024/10/05

كرامة في زحام الأربعين.. ودعاء من القلب إلى العرش!

في كل عام، ومع انتهاء مسيرة الزائرين في الأربعينية، تتناثر بين الجموع قصصٌ تعجُّ بالروحانية وتتوهج بنور الإيمان. وفي هذا العام، سمعتُ حكايةً تسكن في الأعماق عن امرأة ابتلاها القدر بفقدان والدتها المقعدة على كرسي متحرك ورضيعها في خضم زحام السائرين نحو كربلاء.

[اشترك]

أيامٌ مضت والمرأة تجوب المكان، وقلبها يعتصره الحزن، لا تعرف أين تذهب ولا إلى من تلجأ. لم تجد ملاذاً سوى التوسل إلى الله، والاستنجاد بأهل بيت الرحمة، عليهم السلام، أن يعيدوا إليها ما فقدت. وبينما هي في غمرة اليأس والرجاء، قادها القدر إلى مرقد العباس بن علي، عليهما السلام.

هناك، لفت نظرها مشهدٌ جعل قلبها يخفق بشدة. رأت امرأةً تجلس بالقرب من المرقد، وفي حضنها طفلٌ صغير ترضعه. لم تصدق عينيها، هرولت نحوها كالمتيمة، وكأنها عاشقة عثرت على محبوبها بعد طول غياب، أو كظمآنة في صحراء قاحلة وجدت ينبوع ماء. احتضنت طفلها، ودموع الفرح تتلألأ في عينيها.

وبينما هي تلتقط أنفاسها، بادرتها المرأة الجالسة بالحديث: "يا أختاه، منذ ثلاثة أيام وأنا أحضر إلى هذا المكان، بحثاً عن أهل هذا الطفل. رأيتُ أبا الفضل عليه السلام في منامي، وأمرني أن آتي هنا، قائلاً إن أحد زواره الصغار بحاجةٍ إلى رعاية." وأشارت المرأة إلى شابٍ كان يقف قريباً، تائهاً يبحث عمن يكفل العجوز المقعدة والرضيع.

وهكذا، كان للقدر ترتيبه، وكانت للسماء إرادتها. تحققت رؤيا المرأة، وجمع الله بين القلوب المفجوعة بألطافه الخفية، لتكون هذه القصة شاهدة على كرامات أهل البيت عليهم السلام، وعلى قوة الإيمان والدعاء في أحلك اللحظات وأصعب الظروف.

الدعاء، ذلك الهمس النابض من قلب المؤمن إلى خالقه، ليس مجرد كلمات تتناثر في الهواء، بل هو لغة الروح، صدى الشوق والحنين إلى السماء، وعشق العبد لربه. هو ملجأ المستضعف حين تنغلق كل الأبواب، وركيزة الثبات حين تشتد العواصف وتتكالب الأهوال.

فإن حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الحاجة الواقعية، وإن لم يطلبه الإنسان بلسانه، لذا ترى أنه تعالى عد ما لم يطلبه الإنسان بلسانه دعاءً وسؤالاً، قال تعالى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)، إبراهيم: 34، فهم فيما لا يحصون من النعم التي لم يطلبوها بلسانهم، وإنما سألوها بلسان فقرهم وحاجتهم. وكذا قوله تعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، الرحمن: 29، فعد كل ما يفيضه على خلقه حتى الجمادات منها سؤالاً لها ودعاء.

وعليه فحقيقة الدعاء هو طلب رفع الحاجة الواقعية من الله تعالى، سواء طلبه بلسانه، أو لم يطلبه.

وهنا لدينا سؤالان: الأول: إن كانت هذه حقيقة الدعاء، فهي متحققة من كافة الخلق، ومن المؤمن والكافر، فما وجه الحث على الدعاء؟ والثاني: إن هذا المعنى للدعاء يقتضي استجابة جميع الأدعية، كونها مطلوبة بلسان الفقر والحاجة، والله سبحانه لا بخل في ساحته، مع إننا نجد كثرة الأدعية غير المستجابة؟

والجواب عن الأول، أن الدعاء وإن كانت حقيقته الحاجة والفقر الذاتي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، فاطر: 15، إلا أن ذلك لا يوجب عليه تعالى سد فقرهم وحاجتهم، وإنما قيد تعالى استجابة دعائهم بالإخلاص، وبتفريغ القلب من كل ما عداه، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..)، البقرة: 186، فاشترط سبحانه استجابة الدعاء، بكون العبد داعياً له دون غيره، وأما ما راج بين الناس من دعائه تعالى مع اعتقادهم بتأثير غيره من الأسباب المتعارفة لا يُعد دعاء له سبحانه، بل هو دعاء لإله يعمل مع الأسباب وهذا الإله ليس هو الله، ففي الحقيقة هذا الداعي لم يدعو الله جل جلاله.

وبعبارة أخرى، إذا دعيت لمريض وأنت تعتقد بتأثير الدواء او الطبيب وتغفل عن حقيقة حصر التأثير به تعالى، فقد دعيت إله آخر، ولم تدع الله. وقد بين آيات الذكر الحكيم هذه الحقيقة في عدة آيات كريمة، منها قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)، الأنعام: 63 ـ 64، فتخبر الآية الكريمة أن الانسان عند فقده الأسباب يدرك عدم تأثيرها فيتوجه الى الله تعالى لإنقاذه، ولكن في حال الرفاه تتعلق نفسه بالأسباب الطبيعية المتعارفة، ويشركها في التأثير، ويغفل عن حقيقة أن تأثيرها كان بتمليك وتقدير الله تعالى لها، وأن كل ما لها من القدرة والتأثير هو منه تعالى.

فالحقيقة التي يصدح بها القرآن أن ما تملكه هذه الأسباب من تأثير فهو من فيض جوده تعالى، وأنه جل اسمه متى ما أراد منعها من التأثير فهي مقهورة تحت إرادته، كما أن له تعالى تحقيق دعاء العبد من طريق غيرها من الأسباب.

وهنا ننبه إننا لا ندعو لترك تحصيل الأسباب المتعارفة، وإنما الممنوع هو الاعتقاد بتأثيرها من دون الله، أو أن ندعو الله وقلوبنا معلقة بالأسباب.

والخلاصة، أن الدعاء وإن كان هو ما تدعو به الفطرة ولسان الحاجة، إلا أنه تعالى لا يجب عليه الاستجابة، وإنما قيد استجابته بدعائه والاعتقاد بعدم تأثير غيره إلا به، قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ..)، الفرقان: 77، وقال ايضاً: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، غافر: 60، والآية الكريمة صريحة في توقف استجابة الدعاء على دعاءه تعالى أي دعاء إله لا يعمل بمشاركة غيره من الأسباب.

وبما تقدم يتضح جواب السؤال الثاني، وهو سر عدم استجابة الدعاء، فالآية حدد ذلك بسببين:

الأول: عدم وجود حاجة حقيقية، كأن ما يدعو الانسان ويسأل الله أمراً لا يشكل حاجة حقيقية له، بل قد تصب في ضرره وهو لا يعلم، فلا تتحقق فيها حقيقة الدعاء، التي هي طلب رفع الحاجة الواقعية.

الثاني: أنه لم يدع الله تعالى، بل دعا إلهاً يعمل بمعية الأسباب، كم يسأل الله حاجة وقلبه متعلق بالأسباب الطبيعية، فلم يخلص الدعاء لله سبحانه. وفي عدة الداعي عن النبي صلى الله عليه واله قال: «قال الله: ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السموات وأسباب الأرض من دونه فإن سألني لم أعطه، وإن دعاني لم أجبه، وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمن السموات والأرض رزقه، فإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن أستغفرني غفرت له».

وعن محمد بن عجلان عن محمد بن عبيد الله بن علي بن الحسين عن ابن عمه الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه واله، قال: أوحى الله الى بعض أنبيائه في بعض وحيه: وعزتي وجلالي لأقطعن أمل كل آمل غيري، بالإياس، ولأكسونه ثوب المذلة في الناس ولأبعدنه من فرجي وفضلي، أيأمل عبدي في الشدائد غيري، والشدائد بيدي، ويرجو سوائي وأنا الغني الجواد، بيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني.. الحديث».

ومن خلال هذا الأصل يمكن فهم الروايات الدالة على أسباب عدم الاستجابة، كقول الصادق عليه السلام: إن الله لا لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه. فإن مثل هذا الدعاء لا يحكي عن حاجة حقيقة يسألها العبد، ففقد الأمر الأول من أسباب عدم الاستجابة.

او كالذي ورد في دعوات الراوندي: في التوراة يقول الله عز وجل للعبد: إنك متى ظلمت تدعوني على عبد من عبيدي من أجل أنه ظلمك، فلك من عبيدي من يدعو عليك من أجل أنك ظلمته فإن شئت أجبتك وأجبته فيك، وإن شئت أخرتكما الى يوم القيامة. فإن سؤال العبد على أخيه المؤمن سيجلب له الضُر وهو لا يعلم، فعدم استجابته لأجل أنه لا يشكل حاجة حقيقية له، لأن من سأل شيئاً رضي به وبكل ما يماثله في حقه، قال تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)، السراء: 11.

فهؤلاء الطائفتين من الدعاة السائلين لم يخلصوا الدعاء بالقلب وإن أخلصوه بلسانهم.

2024/09/16

هل يوجد دليل على استحباب المشي في زيارة الأربعين؟
الروايات الواردة في الحث على زيارة الحسين (عليه السلام) ماشياً أو راكباً كثيرة جداً، وهي من الكثرة بمكان يكاد المرء يجزم بتواترها، وعند التواتر يكون البحث عن الأسانيد مضيعة للوقت، فليراجع من شاء كتاب (كامل الزيارات) لابن قولويه ص 253 باب 49 ثواب من زار الحسين (عليه السلام) راكباً أو ماشياً. وكتاب الكافي ج4 ص 58 باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). وكتاب التهذيب للشيخ الطوسي ج6 ص 43 باب فضل زيارة الحسين (عليه السلام).

[اشترك]

أما زيارة الأربعين فقد وردت بسند معتبر في كتاب "تهذيب الأحكام" ج6 ص 113.

وعليه فالقادم لزيارة الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين، سواء جاء ماشياً أو راكباً هو مأجور مثاب على فعله، وله بكل خطوة ألف حسنة، ويمحو الله عنه ألف سيئة، وتستغفر له ملائكة العرش، ويكون الضامن لقضاء حوائجه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن مرافقي سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنة، كما جاء في الروايات المتقدمة.

المقال رداً على سؤال: انتشر فيديو في الآونة الأخيرة وفيه إنه لا توجد رواية معتبرة، أو حديث يؤكد استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام يوم الأربعين، وحتى أن حديث علامات المؤمن للعسكري لا يقصد زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، فماذا تقولون بهذا؟
2024/08/27

ما حقيقة تعرّض السبايا إلى الضرب؟
إنّ سبايا أهلِ البيتِ قد تعرّضوا للضّربِ في عدّةِ مواطنَ، وقد نقلَ المؤرّخونَ شيئاً مِن ذلكَ في كتبِهم، وأرّخَها الشعراءُ في قصائدِهم، وممَّن نُقِلَ أنّهنّ تعرّضنَ للضربِ فاطمةُ الصّغرى، ومولاتُنا أمُّ كلثوم (سلامُ اللهِ عليها) وبناتُ الرسالةِ، حيثُ نقلت فاطمةُ الصّغرى أنّ نساءَ أهلِ البيتِ (ع) قد تعرّضنَ للضّربِ في يومِ عاشوراء عندَ سلبهنَّ بالضّربِ بكعبِ الرُّمح، وأنّ أحدَهم ضربَها بكعبِ الرمحِ بينَ كتفيها فسقطَت مغشيّاً عليها، وأخبرَت عَن عمّتِها أمّ كلثوم (ع) أنّها قد تعرّضَت للضربِ حتّى اسودَّ متنُها منَ الضّربِ (المُنتخبُ للطريحي، ص174، بحارُ الأنوار: 45 / 61).

[اشترك]

وعندَ الهجومِ على الخيامِ وسلبِ بناتِ رسولِ اللهِ (ص) حصلَ تدافعٌ بينَهم، ومنَ الطبيعي تعرضهنَّ للضربِ أثناءهُ، روى الصدوقُ بسندِه عن عبدِ اللهِ بنِ الحسنِ المُثنّى ، عن أمِّه فاطمةَ بنتِ الحُسين ( عليهِ السلام ) ، قالت : دخلتِ الغاغة علينا الفسطاط ، وأنا جاريةٌ صغيرة ، وفي رِجليّ خلخالانِ مِن ذهب ، فجعلَ رجلاً يفضُّ الخلخالينِ مِن رِجلي وهوَ يبكي ، فقلتُ : ما يُبكيكَ ، يا عدوَّ الله ؟ ! فقالَ : كيفَ لا أبكي وأنا أسلبُ ابنةَ رسولِ الله ! فقلتُ : لا تسلُبني . قالَ : أخافُ أن يجئَ غيري فيأخذَه . قالت : وانتهبوا ما في الأبنيةِ حتّى كانوا ينزعونَ الملاحفَ عن ظهورِنا. (الأمالي للصّدوق، ص228). قالَ الشيخُ المُفيد في الإرشاد: وانتهبوا رحلهُ وإبلهُ وأثقالهُ وسلبوا نساءَه. قالَ حميدٌ بنُ مسلم: فواللهِ لقد كنتُ أرى المرأةَ مِن نسائِه وبناتِه وأهلِه تُنازعُ ثوبَها عن ظهرِها حتّى تُغلبَ عليه فيذهبُ به منها. (الإرشادُ للمُفيد: 2 / 112). قالَ السيّدُ المُقرّم: وبعدَ الزوالِ ارتحلَ إلى الكوفةِ ومعَه نساءُ الحُسين (ع) وصبيتُه وجواريه وعيالاتُ الأصحابِ وكنَّ عشرينَ امرأة ... فقلنَ النسوةُ: باللهِ عليكم إلّا ما مررتُم بنا على القتلى، ولمّا نظرنَ إليهم مُقطّعي الأوصالِ ... صحنَ ولطمنَ الوجوهَ ... واعتنقَت سكينةُ جسدَ أبيها الحُسين (ع) ... وأتاهنّ زجرٌ بنُ قيس وصاحَ بهنّ فلم يقمنَ، فأخذَ يضربهنّ بالسوطِ، واجتمعَ عليهنَ الناسُ حتّى أركبوهنَّ على الجِمالِ. (مقتلُ الحُسينِ للمُقرّم، ص305 – 309 عن تظلّمِ الزهراء، ص177).  قالَ الخليعي ( ت 650 هـ ): لهفي على فاطمَ الصُّغرى مقرّحةً *** بالدمعِ أجفانُها مسلوبةُ الوسنِ تدعو إلى زينبَ يا عمّتا سلبَ العلجُ *** القناعَ ليسبيني ويهتكَني فرُمُت أسترُ وجهي عندَ رؤيتِه *** فظلَّ يشتمُني عمداً ويضربُني المنتخبُ للطّريحي، ص146.  قالَ الشيخُ مفلح الصيمري (القرنُ التاسعُ الهجري) تقبِّلُ جثمانَ الحُسينِ سكينةُ *** وشمرٌ لها بالسوطِ ضرباً يقنع ُفيؤلمُها ضربُ السياطِ فتلتجي *** لعمّتِها مِن حيثُ بالضربِ توجع تقولُ له يا شمرُ ويحَك خلّها *** إذا كانَ بالتقبيلِ ترضى وتقنعُ وترفعُ صوتاً اُمّ كلثوم بالبكا *** وتشكو إلى اللهِ العليّ وتضرّع وتندبُ مِن عظمِ الرزيّة جدّها *** فلو جدّنا ينظرُ إلينا ويسمع إلى أن يقولَ:  أيا جدّنا شمرُ يبزُّ قناعَنا *** ويضربُنا ضربَ الإماءِ ويوجعُ المُنتخبُ للطريحي، ص135.  قالَ الشيخُ محمّدُ بنُ السمين (القرنُ الحادي عشر) وهوَ يصفُ حالَ مولاتِنا زينب (ع): ثمّ لما رأته ملقى ًعلى الترِب *** تريبَ الخدّينِ دامي الجبين صرخَت صرخةً وقالت أجدة *** العيسُ رفقاً هنيةَ أوقفوني لأودّعه كي أبلُّ غليلي *** بوداعي منهُ ولا تمنعوني إلى أن يقول:  فأجابوا صوتَ الشجيّ بسوطٍ *** وبضربٍ يُبدي خفيَّ الأنين فاستغاثَت بجدّها وأبيها *** وأخيها الزاكي الإمامِ المُبين إلى أن يقول: جدّي هذا القناعُ يسلبُ منّي *** ثمَّ بالسوطِ بعدَ قنعوني إلى أن يقولَ:  وإذا ما شكوتُ ضرّاً وبؤساً *** رجموني بغياً وما رحموني المُنتخبُ للطريحي، ص70  وقالَ الشيخُ داود البحراني ( ت 1012 هـ ) وهو يصوّرُ لسانَ حالِ السبايا: أبي هذي اُميّةُ ذاتُ صونٍ *** ونحنُ نساقُ جهراً بالفلاء تصانُ اُميّةُ ولها خدورٌ *** ونبرزُ مِن خِبانا للسباء كأنّا مِن بناتِ الزنجِ نُسبى *** ونضربُ بالسياطِ بلا خطاء المُنتخبُ للطريحي، ص203 – 204.

2024/08/24

ثلاثة أطراف للجريمة: من قتل الإمام الحسين (ع)؟!
إنَّ كل جريمة القتل قد يتعدد أطرافها، وبحسب الرؤية الشيعية فأن جريمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) لها ثلاثة أطراف:

[اشترك]

الطرف الأول: الممهد بالتمكين من قتاله

لا يخفى إنَّ قيام فرد أو جماعة بسلوك معين يكون سببا لوقوع الجريمة ويتمثل مصداق ذلك لمّا قام جماعة اجتمعوا على كتابٍ كتبوه في المسجد الحرام وتعاهدوا عليه لئن مضى محمد لا يكون الخلافة في بني هاشم ولا يولّوها عليّاً [انظر الأصول الستة عش للعصفري ص144]. 

وقد روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إذا كتب الكتاب قتل الحسين) [الكافي للكليني ج ٨ ص١٨٠].

قال المازندراني: شبه (عليه السلام) يوم قتل الحسين (عليه السلام) بيوم كتب فيه الكتاب في كونه مصيبة عظيمة وبلية شديدة على الهاشمين والعلويين والشيعة أجمعين لكونه أصلا ليوم القتل وسببا له إذ لو كانت الخلافة في بني هاشم ولم ينقلوها منهم إلى بني تيم وبني عدى وبني أمية لم يقع قتل الحسين (عليه السلام) (فقد كان ذلك كله) أي كتب الكتاب وقتل الحسين (عليه السلام) وخروج الملك من بني هاشم [شرح أصول الكافي ج20ص421].

فهذه الرواية تبيّن إنَّ أساس قتل الإمام الحسين (عليه السلام) كان كتابة تلك الصحيفة الملعونة وقد أُشير لهذا المعنى في بعض فقرات زيارة يوم عاشوراء فهم من أسس أساس الظلم والجور على أهل البيت، وهم الممهدين لهم بالتمكين من قتاله (عليه السلام).

الطرف الثاني: أمر يزيد بقتله (عليه السلام).

ذكر المؤرخون لما توجه الحسين (عليه السلام) إلى العراق بعث يزيد عبيد الله بن زياد واليا على العراق، وأمره أن يأخذ البيعة من الحسين وأمره إن أبى أن يقتله، ويبعث اليه برأسه [انظر: تاريخ اليعقوبي ج2 ص242-مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص178 -180 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص88 والفتوح لابن أعثم ج5 ص10].

الطرف الثالث: تنفيذ عبيد الله بن زياد أمر يزيد.

ولمّا جهز ابن زياد جيشا لقتال الإمام الحسين (عليه السلام) كتب إلى قائد الجيش عمر بن سعد: إني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر له ولا لتكون له عندي شافعا، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، وإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره .. [الإرشاد ج ٢ ص ٨٨].

والمحصل: أنَّ المسئولين عن جريمة قتل الإمام الحسين ثلاثة أطراف:

1- المسبب وهم أصحاب الصحيفة الملعونة.

2- الآمر وهو يزيد بن معاوية الأموي.

3-  المنفذ وهم ابن زياد وجيشه.

المقال رداً على سؤال: سؤال يتردد كثيرا في الأذهان من الذي قتل الإمام الحسين (عليه السلام) حسب الرؤية الشيعية؟
2024/08/23

الإمام الحسين في مواجهة الفكر الأموي المنحرف.. كلمة العتبة الحسينية في مؤتمر يوم الحسين الـ 32 - مدينة بنغالور الهندية
الإمام الحسين عليه السلام مثال للحقيقة والعدالة

جناب الأخ الأستاذ أغا سلطان المحترم

مأساة الإمام الحسين عليه السلام وتضحياته تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي، وكانت عاملا مهما في ايقاض الأمة من سباتها، وتعد بمثابة تذكير دائم بأهمية الدفاع عن العدالة، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الإصلاح بأنواعه، والعدل لا يقتصر على جانب دون آخر ، بل هو مطلوب في كل المجالات...

[اشترك]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وتحية حب واحترام للإخوة والأخوات جميعا...

يحق لنا أن نفتخر بأن حب وعشق الإمام الحسين عليه السلام قد جمعنا في هذا المؤتمر الكبير الذي يقيمه جناب الأخ الأستاذ اغا سلطان المحترم للسنة الثانية والثلاثون.

لا بد من الإشارة في بادئ الأمر إلى أن الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أن يزيد وأتباعه قد مارسوا الظلم والجور والطغيان، وقد غاب في حكمه الغاشم العدل والعدالة الاجتماعية وانتشرت المفاسد والمظالم، وبدأ العالم الإسلامي يشهد انحرافا عن مبادئ الإسلام وانتشار للفساد والقمع والاستخفاف بحقوق الشعب ، مما شكل تهديدا مباشرا لجوهر الإسلام

ولا يخفى أن الإمام الحسين عليه السلام كانت نشأته وتربيته في بيت النبي وتشرب تعاليم الإسلام منذ صغره وله فهما عميقا للقيم الأساسية للدين الإسلامي بما في ذلك العدالة الاجتماعية والمساواة والرحمة وأنه عليه السلام سبط النبي محمد وله مكانة بارزة في التاريخ الإسلامي وبصفته الخليفة الشرعي للنبي صلى الله عليه وآله وأن التزامه الراسخ بمبادئ العدل والحقيقة والحفاظ على الإسلام بمثابة إلهام خالد للمسلمين في جميع أنحاء العالم ، ويتجلى ذلك بشكل واضح في نهضته المباركة برفضه البيعة ليزيد بمقولته (مثلي لا يبايع مثله)

فكانت مواقفه تدل على حقائق عدة اتسمت بالشجاعة وكان الجبن والتخاذل لا يطرق ساحته ولا الانكسار، لأن الانكسار يرمز ويعني اليأس من تحقيق الغاية.

فالإمام الحسين عليه السلام على يقين بالظفر بالأمنية وهي الشهادة في سبيل الله لإحياء دين جده المصطفى، والتي حمد الله تعالى على كل ما أصابه لأنه يؤمن بعدالة قضيته وبالمهمة التي نهض من أجلها

فكان لا بد أن يقوم الإمام الحسين عليه السلام بنهضته المباركة لغرض الإصلاح في أمة جده محمد صلى الله عليه وآله التي لم تكن نهضة انفعالية ينقصها الوضوح في الرؤية او القصور في تحديد الغايات والأهداف، بل كانت نهضة واعية واقعية حقيقية فقد خاطب الجموع الحاضرة التي جاءت لمقاتلته في أرض الطف أرض البطولة والشهادة أرض كربلاء المقدسة قائلا: "اني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله،  اريد ان امر بالمعروف وأنهى عن المنكر واسير بسيرة جدي رسول الله وابي أمير المؤمنين...".

فمأساة الإمام الحسين عليه السلام وتضحياته تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي، وكانت عاملا مهما في ايقاض الأمة من سباتها، وتعد بمثابة تذكير دائم بأهمية الدفاع عن العدالة، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الإصلاح بأنواعه، والعدل لا يقتصر على جانب دون آخر ، بل هو مطلوب في كل المجالات، إذ يجب أن يعم العدل في كل شيء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية والحقوق وبدونه لا يمكن أن ينعم المجتمع بالسعادة والامن والاستقرار صحيح أن الإمام الحسين عليه السلام استشهد في معركة كربلاء ، وسفك دمه الطاهر ومن معه من ولده وأهل بيته وأصحابه، لكنه انتصر وهزم بدمه سيف الظلم واسقط عرش الطاغوت،  فكانت شهادته إحقاقاً للحق والعدل وإزالة للظلم وطلبا للإصلاح وتأصيلا للفضيلة، ويعد انتصارا للعدل على الظلم.

ختاما: أنقل لكم تحيات وسلام سماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وجناب السيد الأمين العام الأستاذ حسن رشيد، وكذلك سلام سماحة السيد أحمد الصافي المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة وأمينها العام، وانقل الى حضراتكم سلام وتحيات اخوتكم في العراق الذين يكنون لكم التقدير والاحترام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

السيد الدكتور سعد الدين البنّاء – موفد العتبة الحسينية المقدسة
2024/08/18

عطر الحسين (ع)!
أُريد أن أُنبّه إلى أمر، وهو أنَّ لأهل البيت - عليهم السَّلام - رائحةٌ ماديَّةٌ زاكيةٌ طيبةٌ للغاية، ولكنَّها من سنخٍ آخر له خصائص تعرفها من خلال التدبّر في الروايات.

وقد انتبهتُ لهذا الأمر يوم قرأت مقتل ولدي مسلم بن عقيلٍ - عليهم السَّلام - والأخ يطلب من أخيه أن يشمَّ رائحته.

وإذا قرأتم وصف الإمام عليٍّ - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وآله - فانظره يقول: " ...ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ،ويشمّني عرفه" والعرف هو الرائحة.

ويقولُ - عليه السلام - في موضعٍ آخر "وأشمُّ ريحَ النبوَّة"

وفي حديث الكساء أنَّ الإمامين السبطين - عليهما السلام - أخبرا أمَّهما السيدة الزهراء - عليها السلام -  أنهما يشمَّان رائحةً كرائحة جدِّهما رسول الله - صلى الله عليه وآله -

والمعروف أنَّ الصحابة كانوا يعلمون بقدومه فبل إطلالة هلال وجهه عليهم حيث تسبقه إليهم طيب رائحته - صلى الله عليه وآله - كما في السيرة النبويَّة.

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وآله - يشمُّهما ويقول هما ريحانتاي من الجنَّة.

ولعلَّني سمعتُ أرباب المنابر يقولون إن السيدة زينب - عليها السلام - كانت تشمُّ صدر الإمام الحسين - عليه السلام - وليس في وسعي البحث في المصادر.

ولو تفضل علينا باحثٌ موالٍ فرصد تلك المواطن يكن متفضلاً علي الموالين جميعا.

وهنا رواية جاءت في تاريخ دمشق ج14 ص 245، وتهذيب الكمال للمزي ج6 ص444، وسير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص 317 وغيرها أنَّه لمَّا أُجرِيَ الماء على قبر الإمام الحسين - عليه السلام - نضبَ بعد أربعين يوماً، وانمحى أثرُ القبر فجاء أعرابيٌّ يأخذُ قبضةً من تراب الأرض ويشمُّها حتى استهدى إلى القبر الشريف عن طريق رائحته فقال باكياً:

أرادوا ليُخفوا قبره عن وليِّهِ *** وطيبُ ترابِ القبرِ دلَّ على القبرِ 

=============================

ملاحظة: البيت في تلك المصادر :أرادوا ليُخفوا قبره عن عدوه.

والذي ذكرته بيت مستدر السفينة لأنه أوفق بالقصة.

2024/08/07

إخبار النبي بمقتل الحسين (ع).. دم وتراب في «قارورة» أم سلمة!
أورد مفاد هذا الخبر قطبُ الدين الراوندي في الخرائج قال: إنَّ -الحسين- (عليه السلام) لمَّا أراد العراق قالت له أمُّ سلمة: لا تخرج إلى العراق فقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يُقتل ابني الحسين ب‍أرض العراق، وعندي تربةٌ دفعها إليَّ فيَّ قارورة. فقال: والله إنِّي مقتول كذلك، وإنْ لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإنْ أحببتِ أن أُريكِ مضجعي ومصرعَ أصحابي. ثم مسح بيده على وجهها، ففسح اللهُ في بصرها حتى أراها ذلك كلَّه، وأخذَ تربةً فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورةٍ أخرى، وقال (عليه السلام): فإذا فاضتا دماً، فاعلمي أنِّي قد قُتلت. فقالت أمُّ سلمة: فلمَّا كان يوم عاشوراء نظرتُ إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً، فصاحت. ولم يُقلب في ذلك اليوم حجرٌ ولا مدرٌ إلا وُجد تحتَه دمٌ عبيط"(1).

وأورده مع شيءٍ من التفاوت ابنُ حمزة الطوسي في كتابه الثاقب في المناقب عن الإمام الباقر صلوات الله عليه قال: "لمَّا أراد الحسين صلوات الله عليه الخروج إلى العراق بعثتْ إليه أمُّ سلمة رضي الله عنها .. فأخرجت لهم القارورة فإذا هي دم عبيط"(2) وأورد قريباً من هذا الخبر في عيون المعجزات حسين بن عبد الوهاب(3).

وأمَّا إراءة الرسول (ص) تُربة الحسين (ع) لأمِّ سلمة فالأخبارُ في ذلك مستفيضةٌ وقد أوردتها كتبُ الفريقين:

فمِن ذلك ما أورده الشيخُ الصدوق في الأمالي بسنده عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله) في بيت أُمِّ سلمة (رضي الله عنه)، فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد. فجاء الحسينُ (عليه السلام) وهو طفل، فما ملكتْ معه شيئاً حتى دخل على النبيِّ (صلى الله عليه وآله) فدخلت أمُّ سلمةَ على أثرِه، فإذا الحسين على صدرِه، وإذا النبيُّ (صلى الله عليه وآله) يبكي، وإذا في يدِه شيءٌ يقلبُه، فقال النبيُّ (صلى الله عليه وآله): يا أُمَّ سلمة، إنَّ هذا جبرئيل يُخبرني أنَّ هذا مقتول، وهذه التربةُ التي يُقتل عليها، فضعيها عندك، فإذا صارتْ دماً فقد قُتل حبيبي، فقالتْ أُمُّ سلمة: يا رسول الله، سلِ الله أن يدفع ذلك عنه. قال: قد فعلت، فأوحى اللهُ عزَّ وجلَّ إليَّ: أنَّ له درجة لا ينالُها أحدٌ من المخلوقين، وأنَّ له شيعة يشفعون فيُشفَّعون، وأنَّ المهدي مِن ولده، فطوبى لمَن كان من أولياء الحسين، وشيعته هم والله الفائزونَ يومَ القيامة"(4).

وأورد قريباً منها الشيخُ المفيد في الإرشاد وورد فيها: "فقال: "خذيها واحتفظي بها" فأخذتُها فإذا هي شبهُ ترابٍ أحمر، فوضعته في قارورةٍ وسددتُ رأسها واحتفظتُ به، فلمَّا خرج الحسينُ (عليه السلام) من مكة متوجِّها نحو العراق، كنتُ أُخرج تلك القارورة في كلِّ يومٍ وليلة فأشمُّها وأنظرُ إليها ثم أبكي لمصابِه، فلمَّا كان في اليوم العاشر من المحرم -وهو اليومُ الذي قُتل فيه (عليه السلام)– أخرجتُها في أول النهار وهي بحالِها، ثم عدتُ إليها آخرَ النهار فإذا هي دمٌ عبيط .."(5).

وأورد خبرَ تربة الحسين (ع) -التي استودعها النبيُّ (ص) أمَّ سلمة- الشيخُ الطوسي في الأمالي بسنده عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس عن أمِّ سلمة قالت: ".. قد والله قُتل سبطُ رسولِ الله وريحانتُه الحسين. فقيل: يا أمَّ المؤمنين، ومن أين علمتِ ذلك؟ قالت: رأيتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) في المنام الساعة شعثاً مذعورا، فسألته عن شأنِه ذلك، فقال: قُتل ابني الحسين وأهلُ بيته اليوم .. قالت: فقمتُ حتى دخلتُ البيت وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرتُ فإذا بتربةِ الحسين التي أتى بها جبرئيلُ مِن كربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنُك، وأعطانيها النبيُّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: اجعلي هذه التربة في زجاجةٍ -أو قال: في قارورةٍ- ولتكنْ عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قُتل الحسين، فرأيتُ القارورة الآنَ وقد صارت دماً عبيطاً تفور .. فجاءت الركبان بخبرِه، وأنَّه قتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت قال أبي: فدخلتُ على أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، منزلة، فسألتُه عن هذا الحديث، وذكرتُ له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبد الله بن عباس، فقال: أبو جعفر (عليه السلام): حدثنيه عمرُ بن أبي سلمة، عن أمة أم سلمة .. قال عمرو بن أبي المقدام: فحدَّثني سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام): أنَّ جبرئيل جاء إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالتربة التي يُقتل عليها الحسين (عليه السلام) قال أبو جعفر -الباقر- (ع): فهي عندنا"(6) وأورد خبر القارورة ابن جرير الطبري الإمامي مختصراً في دلائل الإمامة وكذلك غيره(7).

خبر الإراءة والقارورة في طُرق العامَّة:

ومما ورد في طرق العامَّة ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن أمِّ سلمة قالت: كان الحسنُ والحسينُ يلعبان بين يدي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) في بيتي فنزل جبريلُ فقال: يا محمد إنَّ أمَّتَك تقتلُ ابنَك هذا مِن بعدِك، وأومأَ بيده إلى الحسين فبكى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وضمَّه إلى صدره، ثم قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): يا أُمَّ سلمة وديعةٌ عندك هذه التربةُ فشمَّها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وقال: ويح وكرب وبلاء قالت: وقال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): يا أمَّ سلمة إذا تحولتْ هذه التربةُ دماً فاعلمي أنَّ ابني قد قُتل، قال: فجعلتْها أمُّ سلمة في قارورةٍ ثم جعلتْ تنظر إليها كلَّ يومٍ وتقولُ: إنَّ يوما تُحولين دماً ليومٌ عظيم"(8).

أقول: وأورده ابنُ حجرٍ في تهذيب التهذيب وقال: وفي الباب عن عائشة، وزينب بنت جحش، وأم الفضل بنت الحارث، وأبي أمامة، وأنس بن الحارث، وغيرهم"(9).

ومنه: ما أخرجه أحمدُ بن حنبل في المسند بسنده عن عن أنس قال: استأذن ملَكُ المطر أنْ يأتيَ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فاذِنَ له فقال لأمِّ سلمة: احفظي علينا الباب لا يدخل أحدٌ فجاء الحسينُ بن علي رضى الله تعالى عنهما فوثبَ حتى دخلَ فجعل يصعدُ على منكب النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال له الملك: أتحبُّه قال النبيُّ(صلَّى الله عليه وآله وسلم): نعم قال: فإنَّ أمتك تقتلُه وإنْ شئت أريتُك المكانَ الذي يُقتلُ فيه قال: فضربَ بيده فأراه تراباً أحمر فأخذت أمُّ سلمة ذلك التراب فصرَّته في طرفِ ثوبها قال: فكنَّا نسمع يُقتل بكربلاء"(10).

أقول: وأخرجه الهيثمي عن أبي الطفيل وقال: عن أبي الطفيل قال: استأذن ملكُ القطر أنْ يُسلِّم على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة فقال لا يدخل علينا أحد فجاء الحسين بن علي رضي الله عنهما فدخل فقالت أم سلمة هو الحسين فقال النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) دعيه فجعل يعلو رقبة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) ويعبث به والملك ينظر فقال الملك أتحبه يا محمد قال اي والله إني لأحبه قال أما إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان فقال بيده فتناول كفا من تراب فأخذت أم سلمة التراب فصرَّته في خمارها فكانوا يرون أن ذلك التراب من كربلاء. قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني وإسناده حسن(11).

وقال ابن العديم الحلبي: قلتُ وقد ذكر أبو حاتم بن حبَّان حديث إخبار ملك القطر (عليه السلام) النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بقتل الحسين في المسند الصحيح(12) .

ومنه: ما أخرجه أحمد بن حنبل في المسند من طريقٍ آخر عن انس بن مالك أنَّ ملك القطر استأذن أنْ يأتي النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فأذن له فقال لأمِّ سلمة: املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال: وجاء الحسين بن علي ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعدُ على ظهر النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وعلى منكبِه وعلى عاتقه قال: فقال الملك للنبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم): أتحبُّه؟ قال: نعم قال: إنَّ أمَّتك ستقتلُه وانْ شئتَ أريتُك المكانَ الذي يُقتلُ به، فضرب بيده فجاء بطينةٍ حمراء، فأخذتْها أمُّ سلمة فصرَّتها في خمارِها قال: ثابت: بلغنا إنَّها كربلاء"(13).

أقول: أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني بأسانيد، وفيها عمارة بن زاذان وثَّقه جماعة وفيه ضعف، وبقية رجال أبى يعلى رجال الصحيح"(14).

فالإشكال في السند -بنظره- من جهة عمارة بن زاذان وهو ثقة، وثقه يحيى بن معين(15) ووثقه أحمد بن حنبل في العلل وقال: عمارة بن زاذان شيخ ثقة ما به بأس"(16) ووثقه العجلي في معرفة الثقات وقال: عمارة بن زاذان الصيدلاني بصرى ثقة"(17) وغيرهم والغريب أن الهيثمي قد وثق الرجل في موضع آخر من كتابه مجمع الزوائد قال: عمارة بن زاذان وهو ثقة"(18).

ومنه: ما أخرجه أحمد عن عائشة أو أم سلمة أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال لإحداهما: لقد دخل عليَّ البيت ملكٌ لم يدخل عليَّ قبلها قال: إنَّ ابنك هذا حسين مقتولٌ، وإنْ شئت أريتك من تُربةِ الأرض التي يُقتل بها قال: فأخرج تربةً حمراء"(19).

أقول: أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح(20).

ومنه: وأخرج الطبراني بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) لنسائه لا تُبكوا هذا الصبي يعنى حسيناً، قال: وكان يوم أم سلمة فنزل جبريل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الداخل وقال: لام سلمة لا تدعي أحدا أن يدخل على فجاء الحسين فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكنه فلما اشتد في البكاء خلت عنه فدخل حتى جلس في حجر النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمتك ستقتل ابنك هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يقتلونه وهم مؤمنون بي قال نعم يقتلونه فتناول جبريل تربة فقال بمكان كذا وكذا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتضن حسينا كاسف البال مغموما فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه فقالت يا نبي الله جعلت لك الفداء انك قلت لنا لا تبكوا هذا الصبي وأمرتني ان لا أدع أحدا يدخل عليك فجاء فخليت عنه فلم يرد عليها فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال: إن أمتي يقتلون هذا وفى القوم أبو بكر وعمر وكانا أجرأ القوم عليه فقالا يا نبي الله وهم مؤمنون قال: نعم، وهذه تربته وأراهم إياها"(21).

هذا وقد أورد عددٌ من المؤرِّخين حديث القارورة:

منهم اليعقوبي في تأريخه قال: وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها: إنَّ جبريل أعلمني أنَّ أمتي تقتل الحسين، وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنَّ الحسين قد قتل، وكانت عندها، فلمَّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلِّ ساعة، فلمَّا رأتها قد صارت دماً صاحت: وا حسيناه ! وابن رسول الله ! وتصارخت النساءُ من كلِّ ناحية، حتى ارتفعت المدينة بالرجَّة التي ما سُمع بمثلها قط"(22).

ومنهم ابن الأثير في الكامل: وروي أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) أعطى أمَّ سلمة تراباً من تربة الحسين حمله إليه جبريل فقال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) لأمِّ سلمة إذا صار هذا التراب دماً، فقد قُتل الحسين فحفظت أمُّ سلمة ذلك التراب في قارورةٍ عندها فلمَّا قُتل الحسينُ صار الترابُ دماً، فأعلمت الناس بقتله"(23).

ومنهم: اليافعي في مرآة الجنان قال في ذيل كلامه: .. فضرب بيده فجاء بطينةٍ حمراء فأخذتها أمُّ سلمة، فصيَّرتها في خمارها. وقيل وضعتها في قارورةٍ، فلمَّا قرب وقت قتلِ الحسين نظرت في القارورة فإذا الطينُ قد استحالَ دماً"(24)

العديد من الصحابة أراهم النبيِّ (ص) تربة الحسين (ع)

وخلاصة القول: إنَّ الروايات التي أفادت أنَّ النبيَّ الكريم (ص) أخبر أمَّ سلمة بمقتل الحسين (ع) وأراها شيئاً من التربة التي يُقتل فيها وأنَّه أودعها تلك التربة وأنبأها أنَّها سوف تستحيل دماً عبيطاً يوم مقتله الرواياتُ في ذلك مستفيضة بل هي في أعلى درجات الاستفاضة الموجبة للاطمئنان بالصدور، بل يظهر من العديد من الروايات الواردة من طرق العامَّة أنَّ إراءة النبيِّ (ص) لتربة الحسين لم تقتصر على السيدة أم سلمة بل كان قد أراها غيرها من الصحابة كأبي بكر وعمر وآخرين كما يظهر ذلك من رواية أبي أمامة، وكذلك يظهر من الروايات أن ممن أراهم النبيُّ (ص) تربة الحسين وأخبرهم بمقتله عائشة كما أورد ذلك ابن عساكر بسنده المقبري عن عائشة قالت بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه ثم قمت لبعض أمري فدنا منه فاستيقظ وهو يبكي فقلت ما يبكيك قال إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين فاشتد غضب الله على من يسفك دمه وبسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال يا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي"(25).

وكذلك فإنَّ ممَّن ورد أنَّ النبيَّ (ص) قد أراه تربةَ الحسين (ع) -التي يُقتل فيها- عبد الله بن عباس، أخرج ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن عباس قال كان الحسين جالساً في حجر النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال جبريل: أتحبُّه؟ فقال وكيف لا أحبه وهو ثمرةُ فؤادي! فقال: أما إنَّ أمَّتك ستقتلُه، ألا أُريكَ من موضع قبرِه، فقبضَ قبضةً، فإذا تربةٌ حمراء". قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات وفى بعضهم خلاف(26).

المقال رداً على سؤال: ينقل أحد الخطباء بأن الإمام الحسين (عليه السلام) التقى بالسيدة أم سلّمة قبل أن يشد الرحال لكربلاء وسلّمها تربة كربلاء، فهل هناك سند صحيح لهذه الواقعة لاسيما وإنني قمت بالبحث فلم أجد أي سند لهذا الكلام.

--------------------------

 الهوامش: 1- الخرائج والجرائح -الراوندي- ج1 / ص253، الصراط المستقيم -العاملي البياضي- ج2 / ص179. 2- الثاقب في المناقب -ابن حمزة الطوسي- ص332. 3- عيون المعجزات -حسين بن عبد الوهاب- ص61. 4- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص203. 5- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص131. 6- الأمالي -الشيخ أبو جعفر الطوسي- ص316 7- دلائل الإمامة -الطبري الإمامي- ص180، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص8 8- المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص108، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر -ج14 / ص193. 9- تهذيب التهذيب -ابن حجر- ج2 / ص301 10- مسند أحمد بن حنبل -أحمد بن حنبل- ج3 / ص265، دلائل النبوة -البيهقي- ج6 / ص469، معرفة الصحابة -أبونعيم الأصبهاني- ص596. 11- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص190. 12- بغية الطلب في تاريخ حلب -ابن العديم- ج6 / ص2600. 13- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج3 / ص242، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر-ج14 / ص190. 14-مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص187 15- تاريخ ابن معين -يحيى بن معين - ص146. 16- العلل -أحمد بن حنبل ج1 / ص302. 17- معرفة الثقات -العجلي- ج2 / ص162 18- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج3 / ص102. 19- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج6 / ص294. 20- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص187. 21- المعجم الكبير -الطبراني- ج8 / ص285، الأمالي -الشجري- ج1 / ص244. 22- تاريخ اليعقوبي -اليعقوبي- ج3 / ص245. 23- الكامل في التاريخ -ابن الأثير-ج4 / ص93، الفتوح -ابن أعثم- ج4 / ص324. 24- مرآة الجنان وعبرة اليقظان -عبد الله بن أسعد اليافعي المكي- ج1 / ص108. 25- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج14 / ص195، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ترجمة الإمام الحسين (ع) ص46. 26- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص192، بغية الطلب- ابن العديم- ج6 / ص2601.
2024/07/24

هل نبشوا قبر الرضيع وقطعوا رأسه؟!
السؤال: هل هناك نصٌّ مُعتبر على أنَّه قد تمَّ نبش قبر عبدالله الرضيع من خلف الخيام واستُخرج جثمانُه وتمَّ قطعُ رأسه، كما يرد ذلك في السرد التاريخي وأنّ أحدى القبائل ممَّن شارك في حرب الحسين (ع) لم تحظَ برأسٍ تتباهى بحمله فاهتدوا إلى رأس عبدالله الرضيع ابن الإمام الحسين (ع)؟

الجواب: لا ريب أنَّ رضيعاً أو طفلاً صغيراً للحسين (ع) ذُبح يوم عاشوراء بسهمٍ أو مشقصٍ أو نشَّابة وهو في حجر أبيه (ع) أو على يديه، فقد تظافرت النصوصُ التأريخيَّة في ذلك من الفريقين، فقد ورد اسمُه ومقتلُه في زيارة الناحية المقدسة قال (ع): السلام على عبد الله بن الحسين، الطفلِ الرضيعِ، المرمِّي الصريع، المتشحِّط دماً، المصعَّدِ دمُه في السماء، المذبوحِ بالسهم في حجرِ أبيه، لعن اللهُ راميه حرملةَ بن كاهل الأسدي"(1).

وأورد مقتلَه من علمائنا مثلُ الشيخ الطبرسي في الإحتجاج والشيخُ المفيد في الإرشاد قال: "ثم جلس الحسينُ (عليه السلام) أمام الفسطاط فأُتي بابنِه عبد الله بن الحسين وهو طفلٌ فأجلسَه في حجره، فرماه رجلٌ من بني أسد بسهمٍ فذبحه، فتلقَّى الحسينُ (ع) دمَه، فلمَّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرض ثم قال: "ربِّ إنْ تكنْ حبستَ عنَّا النصرَ من السماءِ، فاجعل ذلك لِما هو خير، وانتقمْ لنا من هؤلاءِ القومِ الظالمين" ثم حملَه حتى وضعَه مع قتلى أهلِه"(2).

وثمة روايةٌ أوردها ابنُ نما الحلِّي في مثير الأحزان والسيدُ ابن طاووس في الملهوف عن الإمام الباقر (ع): أنَّ الحسين (ع) "رَمى بالدم نحوَ السماءِ فلم تسقطْ من الدمِ قطرةٌ إلى الأرض"(3) وهو مناسبٌ لما ورد في زيارة الناحية.

وذكر مقتلَ الطفل أو الرضيع من مؤرخي العامَّة مثلُ البلاذري في أنساب الأشراف(4)، وابنُ قُتيبة الدينوري في الأخبار الطوال(5)، والطبريُّ في تاريخه(6) والخوارزميُّ في مقتل الحسين(ع) (7) وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيِّين(8)، وابنُ كثيرٍ في البداية والنهاية(9)، وابنُ الجوزي في المنتظم(10) وغيرُهم كثير.

فهذا المقدارُ ثابتٌ دون ريب، نعم وقع الخلافُ من جهةِ أنَّ الحسين (ع) هل حفَرَ له بجفنِ السيف ودفنَه أو أنَّه وضعَه مع القتلى من بني هاشم،

وأمَّا أنَّ احدى القبائل التي شاركتْ في حربِ الحسين (ع) نبشتْ قبرَ الطفل، وأخرجتْ جُثمانَه، وقطفتْ رأسَه لتتباهى به عند ابنِ زياد فهو وإنْ لم يكن مُستبعَداً على هؤلاءِ اللئام، فهم من الخِسَّة والدناءةِ بمستوىً لا يُستبعدُ صدورُ مثلِ هذا الفعلِ الشنيع منهم إلا انَّ هذا الخبر لم نجدْ له ذكراً في شيءٍ من مصادرِنا أو مصادرِ العامَّة، نعم أوردَ هذا الخبرَ الشيخُ محمد باقر الفشاركي من أصفهان (رحمه الله) المتوفى سنة 1314ه كما حُكيَ عنه في كتابٍ له اسمُه عنوان الكلام باللغة الفارسيَّة، ولم يُسنِد هذا الخبر إلى مصدرٍ كما هو الشأنُ في الكثير ممَّا أورده في كتابِه، وهو نفسُه قد صرَّح في كتابِه الذي كان عبارة عن محاضراتٍ كان يختمُها بذكر مصائبِ الإمام الحسين (ع) صرَّح بأنَّه لم يعتمدْ فيما ينقلُه على الكتب المعتبَرة أو المشهورة، فكان يكتفي فيما ينقلُه بما يُوجب عنده الظنَّ بل والإحتمال(11).

ولذلك لا يصحُّ التعويلُ على هذا الخبر كما لا يصحُّ التعويلُ على كلِّ ما تفرَّد بنقلِه في كتابِه عنوان الكلام، ولا ينبغي للخطباء الكِرام أنْ ينقلوا مثلَ هذا الخبر على المنابر حرصاً على المصداقيَّة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

 

1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص74، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج45 / ص66.

2- إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص466، الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص108.

3- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص52، اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص69.

4- أنساب الأشراف -أحمد بن يحيى بن جابر ( البلاذري)- ج3 / ص201.

5- الأخبار الطوال -ابن قتيبة الدينوري- ص258.

6- تاريخ الطبري -محمد بن جرير الطبري- ج4 / ص342.

7- مقتل الحسين (ع) -الخوارزمي- ج2 / ص37.

8- مقاتل الطالبيين -أبي الفرج الأصفهاني- ص59.

9- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص203.

10- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص340.

11-عنوان الكلام -الشيخُ محمد باقر الفشاركي- ص293.

2024/07/21

بعد ثلاثة أيام من مقتله.. من دفن الإمام الحسين (ع)؟
بقيت جثّة الإمام الحسين (عليه السلام)، وجثث أهل بيته وأصحابه بعد واقعة الطف مطروحة على أرض كربلاء، ثلاثة أيّام بلا دفن، تصهرها حرارة الشمس المحرقة، قال أحد الشعراء حول مصرع الإمام الحسين (عليه السلام):

هذا حسين بالحديد مقطّع* متخضّب بدمائه مستشهد

عار بلا كفن صريع في الثرى* تحت الحوافر والسنابك مقصد

والطيّبون بنوك قتلى حوله* فوق التراب ذبائح لا تلحد (1).

قبيلة بني أسد:

قبيلة تعيش أطراف كربلاء، خرج رجالها يتفحَّصون القتلى، ويتتبَّعون أنباء الواقعة بعد رحيل جيش عمر بن سعد إلى الكوفة، فلمّا نظروا إلى الأجساد وهي مقطّعة الرؤوس، تحيّروا في دفنها، فبينما هم كذلك جاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) بمعجزة طي الأرض إلى أرض كربلاء.

كيفية الدفن:

قال السيّد المقرّم: (ولمّا أقبل السجّاد (عليه السلام) وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولم يهتدوا إلى معرفتهم، وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم! فأخبرهم (عليه السلام) عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة، وأوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل، وسالت الدموع منهم كل مسيل، ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود.

ثم مشى الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال: (بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حوّل ولا قوّة إلاّ بالله العظيم)، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه، وقال لهم: (إنّ معي من يعينني)، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً:

(طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسهّد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم، وعليك منّي السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته).

وكتب على القبر: (هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي قتلوه عطشاناً غريباً).

ثم مشى إلى عمّه العباس (عليه السلام) فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السماء، وأبكت الحور في غرف الجنان، ووقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلاً: (على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك منّي السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته).

وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد، وقال لبني أسد: (إنّ معي من يعينني)! نعم ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب وأمّا الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن) (2).

وبعدما أكمل الإمام (عليه السلام) دفن الأجساد الطاهرة، عاد إلى الكوفة والتحق بركب السبايا.

الهوامش: 1ـ بحار الأنوار 45 / 277. 2ـ مقتل الحسين: 320.
2024/07/20

ما هو الهدف من البكاء على الإمام الحسين (ع)؟
السؤال: القول بأنَّ غرض البكاء والتعزية هو الحصول على الثواب ونيل شفاعة الأئمّة الأطهار عليهم السلام. والحال أن فرض الثواب على عمل ما فرع وجود حكمة ومصلحة في نفس ذلك العمل، فالعمل لا يستبطننّ أيّ ثواب ما لم تكن فيه مصلحة وحكمة معقولة. والسؤال عن مصلحة العمل وحكمته.

هل يمكن إثارة عواطف ملايين الأفراد وإبكائهم طيلة التاريخ لغرض تحصيل الثواب؟!

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

الثواب ونيل الشفاعة ليس هو مِلاك الأمر بالبكاء على الإمام الحسين (ع) فالثواب أثرٌ ونتيجة أو قل هو جزاء، تماماً كما هو الثواب على أداء الصلاة والزكاة وغيرها من الطاعات، فإنَّ الثواب على أداء الصلاة مثلاً ليس هو  مِلاك جعل الصلاة والأمر بها بل هو أثرٌ وجزاءٌ على الالتزام بالأمر بالصلاة، وأمَّا ملاك جعل الصلاة أو الحكمة من جعلها فهو مثل نهيِها عن الفحشاء والمنكر.

كذلك هو البكاء على الإمام الحسين (ع) فإنَّ مِلاك الأمر به أو قل الحكمة من الترغيب فيه والحضِّ عليه فهو صيرورة الحسين (ع) حاضراً في وجدان الناس، فيكون ذلك طريقاً لهدايتِهم.

فإثارةُ مشاعر الحزن والبكاء على الحسين (ع) يُساهمُ في توثيقِ صلتهم به فيبعثُهم ذلك إلى الاقتداء به والاهتداء بهديه. وهذا هو منشأ الأمر بمودة أهل البيت(ع) فإنَّ مودَّتهم يكون طريقاً للهداية، تماماً كما أنَّ مودة الأشرار والمضلِّين يكون طريقاً للضلال.

فإنَّ المودة والحبُّ هي أسرع طرق الاقتداء فمَن أحبَّ أئمة الهدى رغِب في الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم، ومن أحبَّ المضلِّين رغب في سلوك طريقهم.

2024/07/20

هل قطعوا رأس أبي الفضل العباس (ع)؟!
هل صحيح بأن الجيش الأموي قطع رأس العباس بن علي (ع) يوم العاشر واخذوا رأسه الشريف إلى الشام؟ الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

نعم قَطَع المعسكر الأموي رأس العباس بن علي (ع) وكذلك سائر رؤوس الشهداء من الهاشميين وأكثر رؤوس الأنصار، وقد ذكر المؤرخون انَّ المعسكر الأموي قطع رؤوس أكثر من سبعين شهيداً من شهداء كربلاء وحملوها إلى الكوفة ثم إلى الشام.

2024/07/20

إسلام مزيّف وآخر أصيل: هكذا كشفت عاشوراء الأقنعة!
إنّ الإسلام الذي أراد للإنسان أن يكون متمحّضاً ومسلّماً لله عزّ وجلّ حتّى تكون كلّ سكناته وحركاته لله تعالى، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فإنّ هذا المستوى من الذوبان في الحقّ لا يفهمه الإنسان ولا يستوعبه إلّا من خلال نماذج عاشت تلك التجربة.

ومن هنا كانت كربلاء وعاشوراء الإمام الحسين (ع) هي الحدّ الفاصل بين الإسلام في صورته المزيّفة التي سُخِّرَ فيها الدّين من أجل الأنا والمصلحة الذاتيّة، وبين الإسلام الحقيقيّ الذي سَخّر الإنسانُ فيه كلَّ ما يملك من أجل الله عزّ وجلّ، فعاشوراءُ الإمام الحسين (ع) بكلّ تفاصيلها الدامية صورٌ حيّة لكلّ القيم التي جاء من أجلها الإسلام.

ولا نريد هنا استعراض تلك الصور المعبّرة عن حقيقة الدين، حتّى أصبحت واضحة للعيان من خلال كربلاء، وإنما نؤكّد على أنّ الإسلام الذي ولد من رحم السلطة حاول أن يُسَخِّرَ كلّ الدين من أجل الحاكم، فكانت عاشوراء إعادة الدين إلى مساره الطبيعيّ، وهو تسخير كلّ شيء وجعله يدور حول الله عزّ وجلّ، ولولا ذلك الحدّ الفاصل الذي رسمه الإمام الحسين (ع) بدمه في كربلاء لم يبقَ للدّين حقيقة، وبذلك أصبحت عاشوراء الحسين عليه السلام رمزاً للإسلام المحمديّ الأصيل، يقف عندها المؤمنون ليعيدوا انتماءهم لله عزّ وجلّ عبر الحسين (عليه السلام)، ومن هنا صدق مَن قال: إنّ الإسلام محمّدي الوجود، علويّ الصّمود، حسينيّ البقاء.

فتمسّكُ الشيعة بالحسين (ع) علامة إيمانيّة وحالة إيجابيّة، تحسب لهم لا عليهم؛ لأنّها تعبّر عن وضوح الرؤية وتكامل الفهم، فلو لَـم ينتمِ الشيعة للإمام الحسين (ع)، ولم يملؤوا الدنيا ضجيجاً ونواحاً بدماء الحسين، لكان في أصل إسلامهم إشكالٌ، فهل للإسلام حقيقة وجوهر غير التوحيد؟ وهل للتوحيد حقيقة دون رفض الطاغوت والكفر به؟ فأيّ رفض كرفض كربلاء؟ وأيّ تسليم كتسليم الحسين (ع) في عاشوراء؟ فحضور الحسين (ع) في أيّ دين هو دليل استقامةٍ على الصراط، ومن هنا كان اسم الحسين (ع) هو الشعار الذي يرفعه السائرين على نهج الصالحين والمفارقين لسبيل الظالمين.

*نقلا عن مركز الرصد العقائدي
2024/07/16

من هو أول شهداء واقعة الطف؟
تارة نسمع أنَّ أول مَن استُشهد يوم الطف هو عليٌّ الأكبر (ع)، وأن آخر من استُشهد هو العباس بن علي (ع)، وتارةً نسمع بأنَّ علي الأكبر (ع) كان أول من استُشهد من الهاشميين وبأنَّ آخر من استُشهد هو القاسم بن الحسن (ع)، فمن هو أول من استشهد يوم الطف؟ ومَن هو آخر من استشهد؟

الجواب:

مسلم بن عوسجة أول شهداء الطف:

إنَّ أول شهيد بحسب ما ورد في زيارة الناحية عن الإمام الحجَّة المروية في كتاب الإقبال للسيد ابن طاووس بسنده عن أبي جعفر الطوسي وبسند أبي جعفر الطوسي إلى الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني هو مسلم بن عوسجة، فقد ورد في الزيارة المخصَّصة للشهداء: "السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وقد أذِنَ له في الانصراف أنحنُ نُخلِّي عنك، وبمَ نعتذر عند الله من أداء حقِّك .. ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم لقذفتُهم بالحجارة، ولم أفارقك حتى أموت معك، .. وكنتَ أوَّلَ من شَرَى نفسه، وأوَّلَ شهيدٍ من شهداء الله قضى نحبَه ففزتَ وربِّ الكعبة، شكرَ اللهُ استقدامك ومواساتِك أمامك .."(1).

ويؤيد ما ورد في الزيارة ما أفاده بعض المؤرِّخين مثل ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال: "إنَّ أول مَن قُتل من أصحاب الحسين (ع) هو مسلم بن عوسجة"(2)، وكذلك ما أفاده أبو مخنف في كتابه مقتل الحسين (ع) حين قال: "فصُرع مسلم بن عوسجة أول أصحاب الحسين (ع)" وروى ذلك الطبري في تاريخه عن أبي مخنف كما أفاد ذلك ابن الدمشقي في كتابه جواهر المطالب(3).

وفي مقابل ذلك أفاد ابن الأثير في كتاب الكامل أنَّ أول من قُتل من أصحاب الحسين (ع) هو أبو الشعثاء الكندي قال: "وجثا أبو الشعثاء الكندي وهو يزيد بن أبي زياد بين يدي الحسين (ع) فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم، وكلَّما رمى يقول له الحسين (ع): "اللهم سدِّد رميته واجعل ثوابه الجنَّة .." فقاتل بين يديه وكان أول من قُتل)(4).

والظاهر أنَّ ذلك وقع منه اشتباهًا وأنَّ الصحيح هو ما نقله الطبري في تاريخه عن أبي مخنف مِن أنَّ أبا الشعثاء "كان في أول مَن قُتل" فالنصُّ الذي ذكره ابنُ الأثير هو عينه الذي نقله الطبري عن أبي مخنف، ومن المعروف أنَّ ابن الأثير يعتمد كثيرًا على الطبري، فلعلَّ حرف الجر (في) سقط منه غفلةً أو أسقطه النساخ سهوًا.

فإذا كان الصحيح هو ما نقله الطبري عن أبي مخنف فإنَّ أبا الشعثاء يكون في أوائل من استُشهد من أصحاب الإمام الحسين (ع) وليس هو الأول فيمن قُتل من أصحابه (ع)، فلا يكون هذا النصُّ منافيًا لما ورد في زيارة الناحية وغيرها من النصوص التاريخية التي أفادت أنَّ أول من استُشهد من أصحاب الإمام الحسين (ع) هو مسلم بن عوسجة الأسدي.

لم يكن الحرُّ أول الشهداء:

نعم ورد في عدة من النصوص التاريخيَّة ما يُشعر بأنَّ أول من قُتل من أصحاب الإمام الحسين (ع) هو الحرُّ بن يزيد الرياحي:

منها: ما أفاده السيِّد ابن طاووس في كتاب اللهوف أنَّ الحرَّ بن يزيد الرياحي قال للحسين (ع) بعد أنْ أبدى ندمَه ممَّا كان قد بدر منه وأعلنَ عن توبته أمامه قال للحسين (ع): "فإذا كنتُ أولَ من خرج عليك فأذنْ لي أنْ أكون أول قتيلٍ بين يديك لعلِّي أكون ممَّن يُصافح جدَّك محمدًا (ص) غدًا في القيامة"(5).

ونقل صاحبُ البحار قريبًا من هذا المضمون عن محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب قال: إنَّ الحرَّ أتى للحسين (ع) فقال: "يابن رسول الله (ص) كنتُ أول خارجٍ عليك فأذن لي لأكون أولَ قتيلٍ بين يديك وأولَ مَن يصافح جدَّك غدًا"(6).

هذا وقد حمل السيِّد ابن طاووس كلام الحرِّ على أنَّه أراد بأنه أول قتيل من حين قوله، وأما صاحب البحار فحمل كلامه على أنَّه أراد أول قتيل من المبارزين، وكلاهما اعتمد على قرينةٍ واحدة وهي أنَّ وقت كلام الحرِّ كان بعد أنْ قُتل جماعة من أصحاب الحسين (ع) فلا يمكن أنْ يكون مراده الأول حقيقة.

إلا أنَّ ما أفاده السيِّد ابن طاووس (رحمه الله) خلاف الظاهر جدًّا، والقرينة التي اعتمدها وإنْ كانت تقتضي أنْ لا يكون مراد الحرِّ من الأول هو الأول حقيقة ولكنَّها لا تقتضي أن يكون مرادُه الأول هو الأول من الآن، إذ إنَّ إطلاق عنوان الأول مع فرض علمه بأنَّه قد قُتل عددٌ من أصحاب الحسين (ع) غير متعارَف عند أهل اللسان والمحاورة، وكذلك فإنَّ هذه القرينة لا تقتضي أنْ يكون مراده من الأول هو أنَّه أول المبارزين كما أفاد صاحب البحار(رحمه الله) إذ إنَّ أقصى ما تقتضيه هذه القرينة -وهي استشهاد عددٍ من أصحاب الحسين (ع) قبل قوله- هو أنَّ الحرَّ لم يقصد من الأولِ الأوَّلَ حقيقة أما أنَّه يقصد ذلك أنْ يكون أول الشهداء من المبارزين فذلك أخصُّ ممَّا تقتضيه هذه القرينة.

والصحيح أنْ يقال إنَّه لم يثبت أنَّ الحرَّ قال ذلك بعد نشوب المعركة واستشهاد بعض أصحاب الحسين (ع)، بل المستظَهَر من عبائر المؤرِّخين أنَّ كلام الحرِّ -الذي أبدى فيه رغبته لأنْ يكون أول قتيلٍ- وقع في سياقٍ واحد مع تعبيره عن ندمه وتوبته، وذلك قد وقع منه حين وصوله للحسين (ع) وقبل نشوب المعركة، وعليه يكون مراده من الأول هو الأول حقيقة، ولكنَّ ذلك لا يقتضي أن يكون هو الأول واقعًا، إذ إنَّ ما أفاده الحرُّ لم يكن أكثر من أمنية عبَّر عنها أو أنَّه تعبير عن الاستعداد للشهادة، فهو وإنْ كان قد أراد أن يكون هو القتيل الأول بين يدي الحسين (ع) إلا أنَّ من الممكن أن لا يكون قد حظَيَ بنيل هذه الأمنية، فلا يكون هذا النصُّ منافيًا لما ورد في الناحية المقدسة وغيرها من أنَّ مسلم بن عوسجة هو الشهيد الأول من شهداء كربلاء.

بقي الكلام فيما أفاده بعض العلماء من أنَّ مسلماً (رحمه الله) كان أول قتيل بين يدي الحسين (ع) بعد الحملة الأولى، وهذا معناه أـنَّه لم يكن أول قتيل استُشهد بن يدي الحسين (ع)، وهذه الدعوى يُمكن استظهارها مما سرده محمد بن أبي طالب من تفاصيل سير المعركة بحسب نقل صاحب البحار وكذلك يمكن استظهارها من العرض الذي قدَّمه جمع من المؤرخين كالطبري وابن الأثير لتفاصيل المعركة.

إلا أنَّ ذلك لا يمكن التعويل عليه بعد التصريح الوارد في زيارة الناحية المقدسة والتي ورد فيها: ".. وكنتَ أول من شرى نفسه وأوَّلَ شهيدٍ من شهداء الله قضى نحبَه" فإنَّ هذه الفقرة صريحة في أنَّ مسلم بن عوسجة كان أوَّلَ شهداء الطف على الإطلاق، فلو كان قد سبقه للشهادة أحد من أصحاب الحسين (ع) لما صحَّ أن يُوصف بأنَّه أول من شرى نفسه وأنَّه أولُ شهيدٍ من شهداء الله، فإنَّ هذا الوصف إنَّما يصدق على من قُتل أولًا وإلا فكلُّ واحدٍ من أصحاب الحسين (ع) كان قد شرى نفسه، وكلُّ واحدٍ منهم يصحُّ وصفه بأنَّه من شهداء الله تعالى، فلا خصوصية لمسلم إلا من جهة الأوليَّة، ولو كان قد سبقه غيرُه لكان هو الحقيق بوصف الأوليَّة، فحمل الوصف بالأوليَّة على الأوليَّة بعد الحملة الأولى خلاف ما هو المتفاهم عرفًا من الفقرة الواردة في زيارة الناحية، وكذلك هو خلاف النصوص التأريخية التي أشرنا إليها، فبعضُها كان صريحًا والبعض الآخر كان ظاهرًا.

هذا أولًا، وثانيًا: فإنَّ النصوص التي استُظهر منها أنَّ مسلم بن عوسجة كان أول الشهداء بعد الحملة الأولى لم تكن صريحة في أنَّ العرض لتفاصيل المعركة كان على أساس الترتيب الزماني بنحو الدقَّة فكان جلُّ اهتمام هذه النصوص هو العرض لتفاصيل ما وقع في المعركة بقطع النظر عن تقدُّم بعض فصولها على البعض الآخر، ولذلك نجد اختلافًا في ترتيب الوقائع بين هذه النصوص رغم اتِّحادها في كثيرٍ من المضامين.

وهذا بخلاف الفقرة الواردة في زيارة الناحية والتي هي متصدِّية للتنصيص على أنَّ مقتل مسلم كان أولًا بالإضافة إلى مجموع الشهداء، وكذلك هو النص الوارد في كتاب البداية والنهاية وهكذا هو ظاهر ما نقلناه عن أبي مخنف وجواهر المطالب لابن الدمشقي.

والمتحصَّل من مجموع ما ذكرناه أنَّ مقتضى التحقيق هو أنَّ أول شهيدٍ من أصحاب الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء هو مسلم بن عوسجة الأسدي.

أوَّل شهيدٍ من الهاشميين:

وأما أول من استشهد من الهاشمين فهو عليُّ بن الحسين الأكبر (ع) كما أفاد ذلك الكثير من المؤرِّخين(7) وكذلك يمكن استشعاره ممَّا ورد في زيارة الناحية المخصَّصة للشهداء قال (ع): "السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل"(8)، فهذه الفقرة وإن لم تكن صريحة في أنَّ الأكبر هو أول قتيلٍ من الهاشميين وذلك لأنَّها تحتمل معنيين:

الاحتمال الأول: أنَّ المراد من خير سليل هو الحسين (ع) وبناء على هذه المعنى يكون المراد من الرواية أنَّ علي الأكبر هو أول قتيلٍ من أولاد الحسين (ع) وهو لا يمنع من أن يكون قد سبقه أحدٌ من الشهداء من أولاد الحسن (ع) أو أولاد عقيل ابن أبي طالب.

الاحتمال الثاني: أن المراد من خير سليل هو الرسول (ص) وحينئذٍ تكون الرواية مقتضية لاستظهار أنَّ الأكبر هو أول الشهداء من اولاد الرسول (ص) فيكون قد سبَق أولاد الحسن (ع) في الشهادة ولكنَّها لا تقتضي ان يكون قد سبق أولاد عقيل بن أبي طالب.

فالرواية على كلا الاحتمالين لا تدلُّ بنفسها على أنَّ الأكبر (ع) كان أول شهيدٍ من بني هاشم إلا أنْ يُضمَّ إليها عدم نقل أحدٍ من المؤرخين هذه المنقبة لغيره من الهاشمين ممَّن استُشهد يوم الطف، نعم ورد في بعض النصوص التأريخية المتصدية لاستعراض تفاصيل المعركة يوم الطف ما يظهر منه تأخُّر مقتل علي الأكبر عن مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل إلا أنَّ ذلك ينبغي أن لا ينافي ما ذكره أكثرُ المؤرخين لعين ما ذكرناه فيما يرتبط بمسلم بن عوسجة.

وعلى أيِّ تقدير فإنَّه يكفي لإثبات أنَّ الأكبر (ع) كان أوَّلَ الشهداء من بني هاشم تكاثر النقل لذلك عن المؤرِّخين من الفريقين، ولم نقف على مَن ذكر غير ذلك بنحو التنصيص.

نعم ورد في كتاب مقاتل الطالبيين أنَّ عليَّ الأكبر (ع) هو أوَّلُ من قُتل في الواقعة(9)، وهذا النصُّ لا ينافي ما ذكره المؤرِّخون من أنَّه أول شهداء بني هاشم ولكنَّه ينافي ما نصَّ عليه المؤرِّخون من أنَّ أول الشهداء على الإطلاق كان مسلم بن عوسجة، وعليه لا يصُّح التعويل على ما أفاده أبو الفرج في مقاتل الطالبيين، وذلك لتوافق النصوص رغم اختلافها على أنَّ الأكبر (ع) لم يكن أوَّل قتيلٍ يوم الطف. فلعلَّ مقصود أبي الفرج الأصفهاني هو ما عليه سائر المؤرخين من أنَّ الأكبر(ع) هو أول الشهداء من الهاشميين، ويُمكن تأييد ذلك بأنَّه كان بصدد التوثيق لمقاتل الطالبيين دون غيرهم، وبذلك صحَّ له أن يقول إنَّ علي الأكبر(ع) هو أول الشهداء في واقعة كربلاء، أي أنَّه أول الشهداء من الطالبيين في واقعة كربلاء.

آخر شهيدٍ يوم الطف:

وأما آخر من استُشهد من أصحاب الإمام الحسين (ع) فهو سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، نصَّ على ذلك أبو مخنف في مقتل الحسين (ع) قال: "كان آخرُ من بقي مع الحسين (ع) من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي .."(10)، وقال: ".. كان صُرع فأُثخن فوقع بين القتلى مثخنًا فسمعهم يقولون: قُتل الحسين فوجد فاقةً فإذا معه سكين وقد أُخذ سيفه فقاتلهم بسكينه ساعةً ثم إنَّه قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجنبي وكان آخر قتيل"(11).

ونص على ذلك أيضًا الكثير من المؤرِّخين من الفريقين مثل السيد ابن طاووس في اللهوف، وابن نما الحلِّي في كتابه مثير الأحزان، والطبري في تاريخه، وابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ وغيرهم(12).

وهل كان العباس بن علي (ع) هو آخر من استُشهد من الهاشميين؟

الظاهر أنَّه لم يكن كذلك، نعم هو من أواخر من قُتل من الهاشميين، ولعلَّه آخر المقاتلين من بني هاشم، إذ إنَّ المنصوص عليه أنَّ من استُشهد بعده من الهاشميين هو عبد الله بن الحسن بن علي، وهو غلام لم يُراهق، نعم ثمة نصوص يظهر منها أن غير عبد الله بن الحسن (ع) قُتل أيضًا بعد العباس بن علي (ع)(13)، وأما ما نقل عن الشعبي في تذكرة الخواص من أنَّ العباس بن علي هو أول مَن قتل من الهاشميين فهو قول شاذ لا يُعبأ به.

الهوامش: 1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص76، المزار -محمد بن المشهدي- ص491. 2- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص197. 3- مقتل الحسين (ع) -أبي مخنف الأزدي- ص136، تاريخ الطبري ج3 / ص331. 4- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص73. 5- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص61. 6- البحار -المجلسي- ج45 / ص10. 7- الكامل في التاريخ ج4 / ص73، الأخبار الطوال -الدينوري- ص256، تاريخ الطبري ج4 / ص340، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص200. 8- إقبال الأعمال -ابن طاووس- ج3 / ص76، المزار -الشهيد الأول- ص151، المزار -ابن المشهدي- ص491. 9- مقاتل الطالبيين -أبي الفرج الأصفهاني- ص52. 10- مقتل الحسين (ع) -أبو مخنف الأزدي- ص160. 11- مقتل الحسين (ع) -أبي مخنف الأزدي- ص155، 160، 201. 12- اللهوف -أبن طاووس- ص66، مثير الأحزان -إبن نما الحلّي- ص49، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص74، تاريخ الطبري ج4 / ص339. 13- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص109.
2024/07/13

دموع لا تجف: لماذا يحزن الشيعة على الإمام الحسين (ع)؟
حزن الشيعة له جذور أصيلة:حزن شيعة أهل البيت (وفقهم الله تعالى وأعزّهم) بمناسبة مقتل سيد الشهداء الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وسائر مصائب أهل البيت (عليهم السلام)، وإحياء مراسم العزاء وإقامة شعائره، والإغراق في ذلك وتحري المناسبات له، ليست أموراً اعتباطية جرهم إليها التعصب والشقاق، ولا هي عادات محضة أخذوها عن أسلافهم وجروا عليها تقليداً لهم، كسائر التقاليد والعادات التي تزاولها بعض المجتمعات، والتي ما أنزل الله بها من سلطان. وإنما هي نشاطات لها جذور دينية أصيلة، وقد قامت عليها أدلة محكمة رصينة، أخبتوا لها وتحملوا من أجلها ما تحملوا من مصاعب ومصائب.

فكما ألزمتهم الأدلة القاطعة بالتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والقبول منه، والتمسك بأهل بيته (صلوات الله عليهم) والائتمام بهم في دينهم، كذلك قد حَمَلهم النبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) بأقوالهم وسلوكهم على التعامل مع تلك الأحداث الفجيعة بهذا النحو من التعامل.

فقد استفاض عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث الفريقين أنه أخبر عن ظلامة أهل بيته (صلوات الله عليهم)، ولاسيما الإمام الحسين (عليه السلام)، وذَكَر مصابهم فأكثر من البكاء عليها قبل وقوعها(1). وكذلك الحال في أمير المؤمنين (عليه السلام)(2).

بل بكت الأنبياء (عليهم السلام) على الإمام الحسين (عليه السلام) في أعماق التاريخ(3). وبكته بعد مقتله الأرض والسماء دماً، كما روى ذلك الفريقان(4). بل ورد أن جميع الموجودات قد بكته(5) في تفاصيل لا يسعنا سردها(6).

وقد عُدّ في النصوص من البكائين الصديقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام)، لأنها أكثرت من البكاء على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام زين العابدين (عليه السلام)، لأنه أكثر من البكاء على أبيه الحسين (عليه السلام)(7). وفي الحديث عنه (عليه السلام) أنه قال: «إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك»(8).

وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) عنه (عليه السلام) قال: «وكان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه»(9).

وفي حديث عمارة المنشد قال: «ما ذكر الحسين بن علي (عليهما السلام) عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) فرُئيَ أبو عبد الله ذلك اليوم مبتسماً إلى الليل»(10).

وكان هو وبقية الأئمة (عليهم السلام) يتحرّون المناسبات للحديث عن تلك الفجائع، والبكاء عليها، والحثّ على ذلك، وعلى إقامة المجالس المذكّرة بها. وما أكثر المآتم التي كانوا يقيمونها (عليهم السلام) بأنفسهم حينما يفد الشعراء عليهم ليذكروا مصابهم.

وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي. وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب»(11).

وعنه (عليه السلام): «إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ماخلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه فيه مأجور»(12).

وفي دعائه (عليه السلام) الطويل لزوّار الحسين (عليه السلام): «اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس… وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا…»(13).

وفي حديث مسمع كردين البصري بعد أن وصف حزنه على الحسين (عليه السلام)، قال له أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «رحم الله دمعتك، أما أنك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنا، أما أنك سترى عند موتك حضور آبائي ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها.

قال: ثم استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة، وخصنا أهل البيت بالرحمة…»(14).

وفي حديث الريان بن شبيب عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال ـ في حديث ـ: «يا ابن شبيب إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا فلو أن رجلاً أحبّ حجراً لحشره الله عزّ وجلّ معه يوم القيامة»(15).

وفي المأثور عنهم (عليهم السلام): «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا»(16)… إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. وقد خُصصّت كتب كثيرة لجمعه وتبوبيه بنحو يسهل التعرف عليه.

وحقيق بشيعة أهل البيت، بل بالمسلمين عامّة، أن يتعرفوا على الكم الهائل مما ورد في ذلك. ولاسيما بعد أن صار في المتناول وسهل التعرف عليه بسبب حملة الطبع والنشر الحديثة. ليكونوا بذلك على بصيرة من الأمر، وتتجلى لهم هذه الحقيقة، وليعرفوا أنهم لم يؤدوا بعد ولا يؤدون حق ذلك مهما جهدوا.

‏نقلا عن كتاب من وحي الطف المرجع الديني الكبير آية الله السيد محمد سعيد الحكيم

الهوامش: •••••••••••••••••••••••• (1) انظر: كامل الزيارات ص:١٢٧، مسند أحمد ج:٣ ص:٢٤٢، مجمع الزوائد ج:٩ ص:٨٨١. (2) كتاب صفين ص:١٤٠. (3) كامل الزيارات ص:١٣٧. (4) منها ما أخرجه الطبري وغيره من بكاء السماء على الحسين (عليه السلام)، انظر: جامع البيان للطبري ج:٢٥ ص:١٦٠، الجامع لأحكام القرآن ج:١٦ ص:١٤. ومنها ما عن الزهري أنه لم ترفع حصاة في بيت المقدس إلا ووجد تحتها دم عبيط، قال ابن حجر: رواه الطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد ج:٩ ص:١٩٩. ومنها ما جاء في نوح الجن الذي رواه جمع منهم الطبراني في المعجم الكبير ج:٣ ص:٢٢١، وأخرجه في مجمع الزوائد ج:٩ ص:١٩٩ معلقاً عليه بقوله: (ورجاله رجال الصحيح). وعن أبي جناب الكلبي قال: (أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن؟ قال: ما تلقى حراً ولا عبداً إلا أخبرك أنه سمع ذاك...)، انظر: البداية والنهاية ج:٨ ص:٢١٧، تهذيب الكمال ج:٦ ص:٤٤١، سير أعلام النبلاء ج:٣ ص:٢١٦، وغيرها. (5) كامل الزيارات ص:١٧٩. (6) روى البيهقي بإسناده عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار. (السنن الكبرى ج:٣ ص:٣٣٧). (7) الخصال ص:٣٧٢. (8) الأمالي للصدوق ص:٤٠٢. (9) ، (10) كامل الزيارات ص:١٦٨، ٢١٤. (11) تهذيب الأحكام ج:٨ ص:٣٢٥. (12) كامل الزيارات ص:٢٠١. (13) ، (14) كامل الزيارات ص: ٢٢٩، ٢٠٣. (15) عيون أخبار الرضا ج:٢ ص:٢٦٩. (16) شجرة طوبى ج:١ ص:٣.
2024/07/07

ما هي وظيفتنا في شهري محرّم وصفر؟
لابد من تهيئة النفوس قَبلَ موسم الحصاد، فشهر رمضان المُبارك ليس شَهرُ الزراعة؛ بل هو شَهرُ استثمار الجِهود طوالَ العام. والذي يتكاسَل ويُريدُ في شَهرِ واحد أن يَزرَعَ ويحصَد معاً، فإن هذهِ الفترة قَد لا تَكونُ كافية؛ فهنيئاً لمن عَمِلَ على نفسه: مُراقبةً ومُحاسبَةً ومُعاتبةً ومُعاقبةً قَبلَ الشَهر الكريم، فإذا جاءَ شَهرُ رمضان حَلّقَ في الأجواء العُليا!

أما مَن لا طائرة لَه، ولا مُحرِكَ لَه، ولا سائقَ له، ولا وقودَ له؛ كيف له أن يُحلّق!.. وشَهرُ مُحرَم أيضاً من المواسم التي نُحلقُ فيها، فشهر رمضان الغالبُ عليه الأجواء التوحيدية، حيث المناجيات في أسحاره وفي ليالي القَدر.

أما في شَهرِي مُحرَم وصفر فإنه لتجديد العَهد بذكرِ الأئمة (عليهم السلام)، حيث هُناكَ: مُناسبة استشهاد الإمام الحُسين (عليه السلام)، ومُناسبة استشهادِ الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ومُناسبة استشهادِ الإمام المُجتبى (عليه السلام)، ووفاة النَبي الأعظم خاتم الأنبياءِ والمُرسلين (صلی الله عليه)، واستشهاد الإمام الرضا (عليه السلام)، ومناسبة الأربعين؛ فكلّ هذهِ المحطات هي محطات ولائية فيها ذِكرُ النبي (صلی الله عليه) وآل النبي (عليهم السلام)، لذا من المُناسب في هذين الشهرين أن نُجدد العَهدَ بِهم!..

وظائفنا في الأشهر الموسمية
أولاً: تثبيت البنية العقائدية.. إن المحبة الولائية إن اقترنت بالاعتقاد الأصيل المُعمق؛ فإن هذهِ المحبة لها آثارٌ باهرة!.. إذ لا يكفي أن يعتقد الإنسان بمقامات أهل البيت (عليهم السلام) من خلالِ بعض الكرامات والرؤى وغيرها، فهذه المعاني ليست بحُجة تجعلنا نستأنسُ ونفرَحُ بِها، رغم أنها قد تكون شيئاً جيداً، فقد روي عن النَبي (صلی الله عليه) أنه كان إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه بوجهه فقال: (هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا)، وقد روي عنه (صلی الله عليه) قوله: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟.. قال: الرؤيا الصالحة). فالمنام الطيب مُبشِر إلى حَدٍ ما، ولكن هذا ليسَ بحُجّة، ولا يُروج للمذهب والدين بهذه الأمور مثل: المنامات، والكشف، وما يراه الإنسان بينَ النَومِ واليقظة. بل لابُدَ من البُنية العقائدية، التي تجعل الإنسان متمسكاً بمعتقده حتى لو اجتمعَ عليه أهل الشَرقِ والغَرب لا يمكن أن يغيّر من اعتقاده بـ: أنَّ الله عز وجل واحدٌ أحد، وأنَّ خاتم الأنبياء مُحمد (صلی الله عليه)، وأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتم الأوصياء، إذ يكفي دليل على ذلك حديث الغَدير وما صدر عن النبي (صلی الله عليه) كـ: حديث المنزلة، وحديثُ الكِساء، وحَديثُ المُباهلة.. فهو أعلمهم، وأقضاهم، وأشجعهم، وأقربهم، وأولهم إسلاماً، وصِهرُ النَبي (صلی الله عليه)؛ فلم يبق شيء: في العِلم هو الأول بإجماع المسلمين، في الشجاعة هو الأول، في النسب هو الأول، في القرابة هو الأول؛ فهل يُقاسُ بغيره؟..

إن هذهِ البُنية العقائدية الواضحة تُضاعفُ المحبة، كما تُضاعفُ الأسى أيضاً!.. فالمؤمن الذي يتشرف بزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أرض الغَري، بَعدَ السلام وزيارة أمين الله، والزيارة الجامعة -الصغيرة والكبيرة- والزيارة المخصوصة.. ليقف عِندَ الضريح لحظات ويبكي على ظُلامة أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فهذه الدمعة تربطه بمولاه، هذهِ الدمعة لا تُنسى؛ فأمير المؤمنين (عليه السلام) يَردُ له الجميل!.. بعضُ المؤمنين عندَ ضريحِ سَيد الأوصياء وأبي الحسنين (عليه السلام)، يلهَجُ بهذهِ الفقرة من نهج البلاغة، فتجري عبرته كما تجري عندَ ضريح الحسين (عليه السلام) عند ذكر مصائبه.. فمصائب الحسين (عليه السلام) معروفة، أما مصيبة أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنها تعكسها جُملة واحدة، هذهِ الجُملة هي المَقتَلُ بعينه، ألا وهي قوله (عليه السلام): (فصبرتُ وفي العَينِ قَذى، وفي الحَلقِ شَجى). والمؤمن الذي يبكي على حال أمير المؤمنين (عليه السلام) عند ضريحه؛ فليتأكد أنه تامُ الولاية!..

فإذن، إن الأمر الأول هو تجديد وتثبيت الجانب العقائدي النظري، من خلال أدلة الإمامة والولاية، فالأنبياء عموماً استخلفوا، فهذا موسى (عليه السلام) عندما ذَهبَ لميقات رَبه، لم يترك الأمة من دُونِ هارون (عليه السلام) ومع ذلك رَجع وقَد اتخذَوا العِجل!..

ثانياً: الاستماعُ الواعي.. إن ذكر الحسين (عليه السلام) -بحمد الله تعالى- في شرق الأرضِ وغربِها، حتى الأكواخ الثلجية أيضاً يُقامُ فيها عزاء الحُسين (عليه السلام)، وفي الغابات وفي أعالي الجِبال وفي العواصم العالمية. فالحُسين (عليهِ السلام) أورثَ هذهِ المحبة في قلوب المخلوقين حتى من غَير المُسلمين. وللاستفادة من هذه المجالس المنتشرة في كل مكان، على المستمع أن يفترض دائماً أنه هو المُخاطب -بينما البعضُ يَذهَب إلى المجلس وكأنَّ المُخاطَب غَيره- وليأخُذ من كلام الخطيب ما يُناسبُ داءَه!.. فهو عندما يذهب إلى الصيدلية فإنه لا يشتري كُلَّ الأدوية؛ وإنما يطلب دواء للداء الذي يعاني منه فقط.. كذلك الأمر بالنسبة إلى المجالس، عليه أن يأخذ ما يناسبه؛ فمثلاً: إن كان مُبتلى بمرض الغضب الذي لا مُبرر له، أو بداء الشهوة الزائدة، أو بداء الوهم، أو الوسوسة والخِيال، فليأخُذ من العالم ما يُعالجُ له هذا الداء.. وما المانع إن كان مُبتلىً بأمرٍ من هذهِ الأمور -وهيَّ أمورٌ مُشتركة بينَ الناس- أن يطلب من العالِم أو الخطيب أن يُركزَ على هذهِ النقطة في ليلة من الليالي؟!..

ثالثاً: الحضور الهادف.. عندما يذهب الإنسان إلى مجالس الحُسينِ (عليهِ السلام) عليه الالتزام ببعض الآداب التي منها:

١.الوضوء: إن مجلس الحسين (عليه السلام) هو مجلس ذِكر، فإن كان الإنسان باكياً على إمامه وهو متوضئ؛ سيكون مُحاطاً بهالة من نُور الوضوء والغُسل.

٢. صلاة ركعتين: إن كانَ المجلس يُقام في مسجد، عليه أن يكون مؤدباً ويصلي ركعتين تحية ذلكَ المسجد.

٣. استقبال القبلة: جاء في الحديث: (خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقَبْلَةَ).. لذا يقول أحد العُلماء: المؤمن عندما يريد أن يضع مكتباً في المنزل؛ فليجعله إلى جهة القبلة، وكذلك في العمل دائماً يجعل جلوسه باتجاه القبلة، كي لا يمضي الساعات الطوال في الدوام وهو يستدبر القبلة!..

٤. جلوس التشهد: إن كِبار العلماء يُرجحونَ جلسة التشهُد؛ لأن هذهِ الجلسة هي جِلسة العبودية -يجلس الإنسان بينَ يَدي اللهِ عز وجل كالعبد- فمن يستمع إلى خَطيبٍ عليه أن يكون كحالةِ المُتشهِد؛ فهذه أكثرُ الجلساتِ أدباً!..

٥. الاستغفار: إن المؤمن عند حضور مجالس الذكر، يحاول أن يطهر باطنه بالاستغفار.

٦. الدعاء: ما المانع أن يقرأ المستمع دُعاء المُطالعة الذي هو: (اللهم!.. ارزقني نور العلم، وسرعة الفهم، وأخرجني من ظلمات الوهم)، ويسأل اللهَ عَزَّ وجل أن يفتَحَ بابَ فهمه عندما يسمع لعالمٍ من العُلماء؟!.. إذ من الممكن أن يجعل رَب العالمين هذا الكلام مُتغلغلاً في قلبه، فهمام عندما سَمِعَ خُطبة المُتقين؛ صَعقَ صَعقةً كانت فيها نفسهُ.

رابعاً: الدَمعةُ الموجهة.. إن الإنسان الذي يبكي على مُصيبة سَيد الشُهداء (عليه السلام) ويتفاعل، عليه أن يحوّل هذهِ الدمعة إلى طاقة مُحركة. فالوقود الذي يسكب في المحطة على الأرض؛ يذهَبُ هَدَراً!.. ولكن القطرات التي تَدخِلُ في مُحرك السيارة؛ فإنها تتحول من مادة سائلة إلى مادة غازية ثُمَّ إلى قوة دافعة. كذلك الدمعة فإنها من أغلى قطرات هذا الوجود، فقد روي عن النبي (صلی الله عليه) أنه قال: (لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْن:ِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏ وَأَمَّا الأَثَرَانِ: فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ). فهذهِ الدمعة يجب أن لا تذهَبُ هَدَراً؛ بل:

١. ينبغي أن نجعل هذهِ الدمعة الولائية مُقترنة بدمعة التوحيدِ أيضاً.. فالخُطباءُ عادةً يختمون المجلس بالدُعاء؛ علينا أن لا نجعل هذا الدُعاء أمراً شكليّاً ونقول: أمين!.. ونحن ساهين لاهين، فكلمة “أمين” هي دُعاءٌ بمعنى: اللهم أجِب!.. فالخَطيبُ عندما يدعو ويقول: (اللهم!.. أهدنا فيمن هَديت) نحن نقول:ُ أمين، أي؛ يا رَب أنا أطلبُ ما يطلبه الخطيب. فلنجعل هذا الدُعاء بهذهِ الدمعة الولائية التي جَرت ببركةِ هذا المجلس، وبما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام).

٢. علينا أن نتوجه إلى اللهِ عز وجل بالمُناجاة بين يديه ولا نكتفي بدعاء الخطيب.

٣. وإن كان الأمر مُمكناً أن نستثمر هذه الدمعة في سجدةٍ أو في ركعتين.

٤. يجب تسجيل موقف من خلال هذه الدمعة، فعندما يُقال: فُلان أصابه حادث؛ فالذي تجري دمعته على هذا الخبر يُعلَم أنَّ هذا من أقرب الناس إليه، فهو إما:أخوه، أو أبوه، أو صديقه المُخلص؛ فهذه الدمعة ما جرت جُزافاً.. فإذن، إن الإنسان بهذهِ الدمعة يسجل موقفاً فهو يقول: يا أبا عَبد الله قلبي مُتألمٌ لَك؛ لأنّكَ إمامي؛ لأنّكَ مُقتداي، ولأنّكَ الإمام الذي أُحشر تَحتَ لوائه. هذا هو الكلام الذي يُبيّنه من خِلالِ هذهِ الدَمعة؛ فليكن صادقاً فيه!..

٥. يجب عدم تلويث هذه الدمعة، فالشاب الذي يحضرُ هذهِ المجالس، ويبكي على الإمام، فهل يعقل عندما يخرج إلى الأسواق أن يزيغ بصره؟!.. إن زيغان البَصر لا يُناسبُ هذهِ الدَمعة، فهذه العَين التي تشرفَت بدمعة البُكاءِ على الحُسينِ (عليهِ السلام) يجب عدم تلويثها بالنظر إلى ما لا يجوز!.. علماً أن المعصية في موسم الحَج لحجاج بيت اللهِ الحرام قاصمة للظهر، فالإنسان الذي ينظرُ إلى النِساء في الطَواف نَظرة مُريبة، هذا يختلفُ عَن النظر في الأسواق. والمعصية في شَهر رمضان تختلف عن باقي الأيام، وأيامُ مُحرَم وخاصة العشرة الأولى من هذا الشَهر أيامُ عَزاءِ أهلِ البيت (عليهم السلام)، فالأئمة في مثل هذه الأيام كانَ لهم بُكاءٌ ونحيب، روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (إنّ يوم الحسين (عليه السلام) أقرح جفوننا وأسبل دموعنا). لذا، فإنه من المُناسب أن نُراقب، ونُشدد المُراقبة، فالمعصية هذهِ الأيام أيضاً من موجبات الطَردِ من رحمة اللهِ عَزَ وجل.

خامساً: اصطحاب الأهل.. إن المؤمن يحاول أن لا يستفرد بالتوفيق والهُدى، فقد ورد في الحديث: (يا عليّ!.. لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، ونائم في بيت وحده). إذا كان تناول الإنسان لطعامه بمفرده أمراً مرفوضاً وخاصة إذا كانَ في الجَمع، حيث إنه من الأفضل أن يأكلَ معَ أهلِ بيته فقد ذكر النبي (صلی الله عليه): (أن خّيرَ الطعامِ ما كَثُرَت عليه الأيدي). كذلك الأمر بالنسبة إلى الطعام المعنوي: أيضاً عليه أن لا يكون وحيداً، بل ليأخُذ بأيدي أهلِ بيته، وأصدقائه!.. إذ إن عدم أخذ الولد في أيامِ مُحرَم إلى مجلسٍ أبدا، أمر لا يليقُ بالمؤمن الذي يحرص في كلِّ يَوم على أن يَذرِفَ دَمعة سخيةً على مولاه!.. بل حتى اليائس من تربيةِ ولده أو ابنته؛ فليأخُذ بأيديهم في هذه الأيام المُغتنمة، وليقل في نفسه: يا رَب أنا أخذتُ بيدِ ولدي إلى ساحل بحر النجاة، وإلى سفينة النجاة، وإلى باب الهُدى؛ يا رَب ببركةِ هذهِ الذوات المُقدسة أجعل الأثر في كلام هذا الخطيب!.. ولطالما صار هناك انقلاب في نفوس البعض رِجالاً ونِساءً، فالخِروج من الظُلماتِ إلى النور يكون ببركةِ مجالسِ الحُسينِ (عليه السلام)، وخاصة في بِلاد الغَرب حيث الناسُ في سَهوٍ ولَهوٍ، أو في تجارةٍ ودراسة؛ ولكن إذا جاءت عشرة محرم ترى أفسق الناس يجلسُ تحتَ لِواء الحُسين (عليه السلام) باكياً!.. يجب اغتنام الفرص وأخذ الأولاد إلى هذه المجالس وخاصة إن كان الإنسان يائساً منهم.

سادساً: البكاء.. إن المؤمن يحاول أن يدخل إلى قلبِ ولي أمره من خلال البُكاءِ على جَده الحُسين (عليهِ السلام)، فعلاقتنا بصاحب أمرنا (عليه السلام) ليست على ما يُرام، فما الذي يراهُ في ديوان أعمالنا ليقر عيناً بنا؟.. وما الذي يربطنا بمولانا؟.. وأي عَملٍ أدخلنا عليهِ السرورَ به؟.. بَل لطالما أغضبناه وأحزناه بسوءِ أفعالنا، ولكن في شَهرِ مُحرَم:

١. إن جَرت دمعة الإنسان على سَيد الشُهداء (عليه السلام)، فليتوجه بالخطابِ إلى وليِّ الأمر، وليقل: يا مولاي!.. لئن ساءت أحوالي وأعمالي، ولكن هذه الأيام أنا مُتشبهٌ بِك، ألست أنت القائل: (السلام عليك يا جداه!.. لئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة ناصباً.. لأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً). فأنا يا مولاي أبكي على جدك كما تبكي عليه، أنت تبكي دَماً ولكني أبكي دَمعةً. هذا البُكاء يربط الإنسان بمولاه.

٢. ما المانع أن يستمع الإنسان إلى شيءٍ من مصائبهم في جَوف الليل، في ساعة السحر عند قيام الليل، وخاصة في العشرة الأولى من مُحرم؟!.. فيذكر مصيبتهم، ويتذكر صلاة زينب (عليها السلام) ليلة الحادي عشر عندما صَلت وهيَّ جالسة بما بَقيَّ فيها من الرَمق، فقد كانت من الصباحِ إلى الليل وهيَّ تشهدُ مصرعَ إخوانها وأولادها وأصحاب أخيها؛ هذا التذكر يجعله يذرف الدمع في صلاة ليله.

٣. كلما توجه إلى الصلاة يتذكر صلاة الحسين (عليه السلام) يومِ عاشوراء، كيف صلى والسهام تَمطرُ عليه؛ فتجري دموعه على إمامه!..

٤. يتذكر ليلة العاشر عندما كان لَهم دَويٌ كَدوي النحل بينَ مُصلٍّ وراكعٍ وساجد، فقد ذكرت أخبارُ كتب السِّير والتاريخ في وصف أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) (أنّ كلاًّ منهم: كان عابداً ناسكاً، قارئاً للقرآن يختمه في يومٍ وليلة، وكان لهم ليلةَ عاشوراء دَوِيٌّ كدَوِيّ النَّحل في تلاوتهم وصلاتهم، وهم ما بين راكعٍ وساجد، وقائمٍ وقاعد).

٥. يتذكر في خَلوة الليل مُصيبتهُم ويترنم بهذهِ الأبيات:

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكنما عيني لأجلك باكيـــة
تبتـل منكم كربلاء بـدم *** ولا تبتل مني بالدموع الجارية
أنست رزيتكم رزايانا التي *** سلفت وهونت الرزايا الآتية

إن بعض المؤمنين ليس عندهم حاجة ولكنهم يبكون فقط لمصيبة الحسين (عليه السلام)، وما قيمة هذهِ الدمعة مقابل ما قدموا من النفسَ والنفيس في طاعة الله عز وجل؟.. والبعض ممن فقد شاباً، عندما يبكي على علي الأكبر (عليه السلام) يحاول أن لا يتذكر ولده الفقيد؛ لأن مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) ومصيبة ذُريته أنسته كل مصائبه.

نقلاً عن السراج
2024/07/04

2024/05/02

هل عادت قافلة السبايا يوم الأربعين؟ .. إجابة مفصّلة
أولاً: لا شك لدينا في أن عودة موكب سبايا آل الرسول صلى الله عليه وآله إلى كربلاء ومعهم رؤوس الشهداء كانت في يوم الأربعين من نفس السنة التي استشهد بها الإمام الحسين عليه السلام وهي سنة 61 للهجرة، بعد أن نقلهم الأعداء إلى الكوفة وأمضوا فيها عدة أيام قبل أن يذهبوا بهم الى الشام.

[اشترك]

وقد ذكرت النصوص الواردة أنهم التقوا في ذاك اليوم الأليم عند عودتهم إلى كربلاء مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري الذي قدم من المدينة المنورة بعد استشهاد الإمام الحسين لزيارة قبره فكانت تلك الزيارة في تلك السنة هي أول زيارة أربعين للإمام الحسين عليه السلام في اربعينيته الأولى، ومن الثابت أيضاً أن زيارة الأربعين هي من الزيارات المعتبرة وقد ورد الحث في الأحاديث عليها حتى ورد أنها من علامات المؤمن الخمس، وهو ما حافظ عليه المؤمنون عاماً بعد عام.

ثانياً: إن الرأي المشهور والمعتبر عند الشيعة منذ القدم هو أنهم عادوا في تلك السنة ومروا إلى كربلاء في طريق عودتهم إلى المدينة المنورة، رغم وجود رأي قال به بعض قدماء علمائنا وهو احتمال أن لا تكون عودتهم في نفس السنة بل يرون أنه يمكن أن تكون في السنة التالية أو في وقت متأخر عن يوم العشرين من صفر وذلك استنادا إلى قرينة استبعاد أن تكون الفترة الزمنية كافية لهذه الرحلة الطويلة إلى الشام مع العودة إلى كربلاء.

ولكن هذا الرأي لا يمكن الاستناد اليه خاصة بعد ملاحظة وجود أدلة قاطعة تؤكد إمكانية قطعهم لتلك المسافات في الأيام التي ساروها بل على حصول ذلك فعلا انسجاما مع الروايات الدالة على ذلك، وفق البيان التالي:

أ‌- من الثابت أن جيش الأعداء قد اصطحبوا الأسارى والسبايا إلى الكوفة في اليوم الحادي عشر من محرم، واركبوهن على النياق (وهي الجمال) وقد ورد في بعض النصوص أنها كانت بلا وطاء، وقد دخلوا الكوفة في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من شهر محرم.

ب‌- تذكر النصوص التاريخية أن انطلاق موكب السبايا والأسارى نحو الشام كان في اليوم التاسع عشر من محرم وفي قول آخر كان ذلك في اليوم الخامس عشر منه وأن دخولهم الى الشام كان في اليوم الأول من شهر صفر، وهذا يعني ان مدة المسير من الكوفة الى الشام كانت حوالي 12 يوما على رواية، أو 17 يوماً على القول الآخر.

ت‌- من المعروف تاريخيا أنهم سلكوا في طريق الذهاب الطريق الأطول ابتداء من الكوفة نحو ما يعرف حاليا بشمال العراق حيث عبروا بغداد الى تكريت ثم الموصل وتلعفر، مرورا بنصيبين في الأراضي التركية حاليا، وبعدها الى الأراضي السورية الى الرقة وحلب (حيث مسجد النقطة) ثم إلى حماه وحمص ثم الى شرق لبنان حيث مروا بمدينة بعلبك واتجهوا بعدها شرقا نحو منطقة الزبداني وصولا الى مدينة دمشق من جهتها الغربية، لغاية أرادها الأعداء من استعراض قوتهم.

أما في طريق عودتهم من الشام إلى كربلاء فقد سلكوا طريقا أقصر وليس عامرا بالسكان كما هي حال طريق الذهاب، وهو قريب من حدود الأردن حالياً عبر مرورهم بالأنبار إلى كربلاء قبل أن يكملوا عودتهم نحو المدينة المنورة، بعد أن أمضوا أياما في الشام قدرها العلامة المجلسي بانها عشرة أيام، وهي الأقرب الى الواقع.

ث‌-  بملاحظتنا لمسافة الطريق الطويل من الكوفة الى الشام فإنه يبلغ وفق الحسابات المعروفة في زماننا حوالي 1900 كلم، وهذا يعني أنهم قطعوا يومياً ما بين 120 إلى 150 كلم. وهذا أمير يسير بالنسبة لسير الجمال.

ج‌- اذا لاحظنا أن الجمال لها قابلية السير لمسافات طويلة حتى بدون ماء، وأن معدل سرعتها كما يقول الخبراء في زماننا يصل في حده الأقصى ولمسافات ليست طويلة الى ما يقارب 65 الى 70 كلم في الساعة، وأما مع المسافات الطويلة فإن الجمال تستطيع ان تسير بمعدل 40 كلم في الساعة، وأن معدل السير البطيء للجمل هو ما بين 8 الى 10 كلم في الساعة، وهذا لا يزيد كثيراً عن سرعة الإنسان الماشي التي يسير بما معدله 5 الى 7 كلم في الساعة.

فإننا نلاحظ حينئذ أن القافلة قد سارت من الكوفة بسرعة اعتيادية جدا، فلم تكن بطيئة ولا سريعة وتقدر سرعتها بما بين 15 و20 كلم في الساعة، بمعدل يتراوح بين 8 و10 ساعات في اليوم ليس أكثر وهذا أمر اعتيادي أيضا ولا غرابة فيه، رغم  إمكانية ان يقطعوا تلك المسافة بزمن أقل لوجود نصوص تدلل على ان الأعداء كانوا يجدون بهن السير.

ح‌- أما فيما يتعلق بطريق العودة الى كربلاء، فلم يكونوا بحاجة إلى أكثر من خمسة أيام في رحلة العودة، ويبدو أنهم ساروا بسرعة أبطأ من سرعة الذهاب الاعتيادية، بعد أن غادروا الشام بعد العاشر من شهر صفر اذ لم يبقوا بها أكثر من عشرة أيام كما تشير الى ذلك بعض النصوص، ولا وجه لبعض النصوص التي تشير الى بقاءهم اكثر اذ لم يكن ليزيد من مصلحة في إبقائهم في الشام أكثر، خاصة بعد وفاة رقية وتقلب المزاج العام نتيجة خطبة زينب وكلام زين العابدين بحيث صار من مصلحته تعجيل إرجاعهم، فتكون النتيجة أن وصول السبايا ومعهم الرؤوس إلى كربلاء كان في يوم الأربعين من نفس تلك السنة، طبقا للنصوص الواردة ولا وجه لاستبعاد ذلك، كما وقع فيه بعض علماءنا السابقين لعدم التفاتتهم إلى تلك الخصوصيات التي أشرنا إليها.

*في 1 صفر 1439   استفتاءات مكتب سماحة السيد محمد صادق الحسيني الروحاني هامش: المقال رداً على سؤال: يُشكل علينا البعض بقولهم هل من المعقول أن تكون فترة السبي ورجوع سبايا أهل البيت عليهم السلام إلى كربلاء مدة أربعين يوما فقط، بحيث تقطع المسافة الطويلة من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام عبر شمال العراق وتركيا، مرورا بلبنان ومن ثم إلى الشام؟ وبعدها العودة الى كربلاء في يوم الأربعين ؟ أرجو التفضل بالإجابة مع التفصيل؟
2023/09/07

كيف نزور الإمام الحسين في الأربعين؟ (فيديو)
يقطع الزائر مسافات طويلة لحين وصوله إلى هدفه وهو حرم الإمام الحسين عليه السلام لأداء مراسيم زيارة الأربعين.

ومن وصايا سماحة الشيخ حبيب الكاظمي في هذا الصدد هو أن يجعل الزائر لنفسه ورداً خلال رحلته، ويؤكد سماحته على ما وصفه بـ «سيد الأذكار» وهو قول: «لا إله إلا الله».

كما أوصى أيضاً بـ «سيد الأذكار الولائية» وهو قول: «اللهم صل على محمد وآل محمد».

كيف نزور الإمام الحسين عليه السلام في الأربعينية؟ وتوصيات أخرى مع سماحة الشيخ حبيب الكاظمي في الفيديو.. نتابع:

2023/09/04

هل زيارة الأربعين مستحبة؟
بعد الزيارات المليونية للإمام الحسين عليه السلام كل عام، حاول بعضهم التشكيك في زيارة الأربعين، بأنها لم يثبت استحبابها بخصوصها، أي أنها ليست من الزيارات المخصوصة، كزيارة ليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، ويوم عرفة وغيرها.

والكلام يكون في عدة نقاط:

1- أن علماء الطائفة لم يعتنوا بتدوين أسانيد الروايات المتكفلة ببيان الآداب والسنن والمستحبات ونحوها، وإنما كانت عنايتهم بذكر أسانيد الروايات المبيِّنة للأحكام الإلزامية، وهي الواجبات والمحرمات، ولهذا تجد جميع روايات بعض كتب المستحبات مثل (مكارم الأخلاق) للطبرسي بلا أسانيد.

وقد اختلف علماء الطائفة في طريقة التعامل مع مثل هذه المستحبات والسنن المذكورة في الكتب المعروفة على نحوين:

النحو الأول: أن يؤتى بتلك الآداب والمستحبات بعنوان الاستحباب، اعتمادًا على قاعدة التسامح في أدلة السنن، إذ يكفي في إثبات الاستحباب وجود فتوى أو رواية تدل على هذا المستحب وإن كانت ضعيفة السند.

النحو الثاني: أن يؤتى بتلك الآداب برجاء المطلوبية كما هو مسلك المحقق السيد الخوئي (قدس سره).

وعليه، فإن زيارة الأربعين يؤتى بها بأحد هذين النحوين، وكذا جميع الزيارات والأدعية وغيرها من الآداب والسنن المذكورة في كتاب مفاتيح الجنان وغيره.

2- أنه لا شك في أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام مستحبة في جميع الأوقات، في العشرين من صفر وغيره، وعلى ذلك دلت الروايات المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة.

منها: ما رواه الكليني في الكافي بسنده عَنْ حَنَانٍ عَنْ أَبِيه قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه عليه السلام: يَا سَدِيرُ تَزُورُ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي كُلِّ يَوْمٍ؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَا، قَالَ: فَمَا أَجْفَاكُمْ! قَالَ: فَتَزُورُونَه فِي كُلِّ جُمْعَةٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَتَزُورُونَه فِي كُلِّ شَهْرٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَتَزُورُونَه فِي كُلِّ سَنَةٍ؟ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ. قَالَ: يَا سَدِيرُ مَا أَجْفَاكُمْ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام! أمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّه عَزَّ وجَلَّ أَلْفَيْ أَلْفِ مَلَكٍ شُعْثٌ غُبْرٌ، يَبْكُونَ، ويَزُورُونَ لَا يَفْتُرُونَ، ومَا عَلَيْكَ يَا سَدِيرُ أَنْ تَزُورَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي كُلِّ جُمْعَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وفِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَه فَرَاسِخَ كَثِيرَةً، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ فَوْقَ سَطْحِكَ، ثُمَّ تَلْتَفِتُ يَمْنَةً ويَسْرَةً، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ انْحُ نَحْوَ الْقَبْرِ، وتَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه، السَّلَامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللَّه وبَرَكَاتُه. تُكْتَبُ لَكَ زَوْرَةٌ، والزَّوْرَةُ حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ. قَالَ سَدِيرٌ، فَرُبَّمَا فَعَلْتُ فِي الشَّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً 1.

وبه يتضح أنه إذا لم يثبت استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام في خصوص العشرين من صفر، فإن الاستحباب ثابت بالعنوان العام.

وكل من زار الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر أو غيره فإنه مثاب مأجور حتى لو لم تكن زيارته عليه السلام في ذلك الوقت من الزيارات المخصوصة.

والتشكيك في أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر مخصوصة أو غير مخصوصة، ليست له أي فائدة إلا صدّ الشيعة وتثبيطهم عن زيارته عليه السلام.

3- أن الفرق بين الزيارة المخصوصة والزيارة المطلقة أن ثواب الزيارة المخصوصة أكثر، مثل زيارته في يوم عاشوراء، أو في ليلة النصف من شعبان، أو في ليلة القدر، أو يوم عرفة أو غيرها...

ولكن كل من بلغه ثواب على عمل، فعمله برجاء ذلك الثواب، أعطاه الله ما كان يؤمّله من الثواب، وإن لم يكن الأمر كذلك، وهذا ما دلت عليه الروايات الصحيحة المستفيضة التي سميت: (روايات من بلغ).

- منها: ما رواه الكليني في الكافي في بسند صحيح عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه، كان له، وإن لم يكن على ما بلغه 2.

فمن بلغه أن في زيارة الأربعين ثواباً عظيماً وهو كذلك، فزار الإمام الحسين عليه السلام في ذلك الوقت برجاء نيل ذلك الثواب، فإن الله بفضله وواسع كرمه يعطيه من الثواب ما كان يؤمّله.

4- أن ثواب الزيارة يختلف من زائر إلى آخر، فمن جاء من البصرة خالص النية عارفًا بحق الإمام، وقد عانى في طريقه ما عانى من التعب والجوع والعطش والفقر والخوف، فهو أكثر ثوابًا ممن لم يعان شيئًا من ذلك، حتى لو كانت زيارة الثاني مخصوصة وزيارة الأول مطلقة.

ثم إن الله تعالى يعطي الزائرين الثواب بفضله ورحمته سواء أكانت الزيارة مخصوصة أم مطلقة، والله واسع الكرم كثير العطاء، فمن أحسن الظن بربه أعطاه الله تعالى أكثر مما أمله.

الهوامش: 1. الكافي 4/589. 2. الكافي 2/87.
2023/08/30

ما هي أدلّة زيارة الأربعين؟
روي عن سيدنا ومولانا أبي محمد الحسن ابن علي العسكري أنه قال (علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين وتعفير الجبين والتختم باليمين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).

في رحاب زيارة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه في العشرين من صفر يثار سؤال حاصله ماهو الدليل على استحباب زيارة الأربعين بعنوانها الخاص؟

حيث يرى أصحاب هذا السؤال أن الزيارة شيء عظيم ولها حضور مليوني لكن لها أصل شرعي بمعنى هل ورد في إثباتها دليل خاص أو لم يثبت؟

خطأان منهجيان:

قبل الجواب على هذا السؤال ينبغي أن نشير إلى خطأين منهجيين يستبطنا هذا السؤال.

الخطأ الأول: إن المطالبة بالدليل من الفقيه هو خُلف كون الإنسان مُقَلِداً لأن التقليد هو أخذ الفتوى والالتزام بها من غير مطالبة بالدليل ويمكن أن نشبه التقليد بالرجوع إلى الطبيب حال المرض بمنطق المتعالج لايصح أن أسأله ماهو الدليل على أن هذا الدواء يشفيني من المرض أو ماهو الدليل على أنني أحتاج هذه الإبرة ولو سألته عن ذلك فربما يطردني من عيادته فهو يرى أنك جئت واثقًا بخبرته وأنك ستستلم منه العلاج ومطالبتك بالدليل والبرهان فهذا خُلف كونه طبيبًا عارفًا وخُلف كونك محتاجًا لعلاجه.

وكذلك الأمر بالنسبة للفقيه المرجع في مقام التقليد لا في مقام البحث بين المرجع وتلامذته أوالبحث العلمي بين مرجعين.

الكلام في مقام التقليد يقتضي أن يكون الإنسان آخذًا للفتوى من غير مطالبة بالدليل عليها فضلا عن الاعتراض عليها فلو قال أحد المراجع باستحباب زيارة الأربعين فلا يصح للمُقَلِدين أن يسألوه عن الدليل ويصح ذلك في مقام البحث بين فقهين.

الخطأ الثاني: الأخذ بآراء وأدلة باحثين غير المرجع الذي يقلده المكلف.

مثل أن يقلد المكلف مرجعًا  يقول بلزوم الذبح في مِنى والمكلف يرى أن أحد الباحثين لا يرى انحصار الذبح في مِنى وله أدلة مخالفة  وهذا لا معنى له في مقام التقليد.

لنفترض أن مكلفًا يقلد مرجعا يقول باستحباب زيارة الأربعين بعنوانها الخاص وأنها ثابتة بالأدلة فهو كمقَلِد لا معنى لقوله لكن فلانًا يضعف الرواية.

وفي مثل الخمس مثلا يقَلِد المكلف مرجعًا يقول بلزوم الخمس في أرباح المكاسب وباحث أو فقيه آخر لا يرى ذلك وهنا خطأ أن لا يلتزم المكلف بأداء هذ الواجب لعدم وجود أدلة تثبته.

المكلف حين يقَلِد مرجعًا ما فهو يعتبره صالحًا للتقليد فيأخذ منه هذا الحكم ومنظومة الأحكام الأخرى فلا معنى ليترك تقليده في مورد واحد لمجرد شبهة أو رأي مخالف وذلك لاختلاف المباني الفقهية في قبول الروايات كما سيأتي.

أدلة ونقاش:

يستدل على زيارة الأربعين بأدلة عامة وخاصة وهي:

أولًا: الدليل العام على استحباب زيارة الإمام الحسين والمشي إليه في كل وقت وفي كل حين بل تأكيد الاستحباب على زيارته ويوم الأربعين أحد هذه الأيام التي ورد الدليل بعمومه على محبوبية الزيارة واستحبابها.

بمعنى إن تمكنت من زيارة الحسين صباحًا، مساءً يوم السبت، في رجب، في شعبان، يوم العيد، يوم الأربعين وغير يوم الأربعين فافعل.

وقد بلغ عدد الروايات الواردة من طرقنا ألف ومائة وأربعين رواية وهو أمر ملفت للنظر أن تحظى قضية بهذا العدد الهائل من الراويات وبمختلف الألسنة ومختلف الطول والقصر ومختلف التعابير وفي بعضها بعنوان الواجب كما ورد (إن زيارته واجبة على الرجال والنساء) ولا مستحب عندنا وارد بهذه الصيغة.

وللعلماء عدة محامل لهذه الرواية فقالوا إنها:

- واجبة مرة واحدة في العمر.

- واجبة بمعنى الواجب الكفائي بحيث لا تترك ولا تعطل.

- واجبة بمعنى الاستحباب المؤكد.

وهنا نشير إلى فكرة يذكرها بعض العلماء وهي أن الأصل في التشريع أن يرد بروايات عامة وليست خاصة فترد العمومات والمطلقات والقواعد العامة أولا ثم المخصِصات والمقيِدات فمثلًا يأتي وجوب الصلاة أولًا ثم تأتي خصوصيات الصلاة.

وهذا الأمر يجري في اتخاذ القرارات بشكل عام وعلى مستوى الدول أيضًا فالدول عند توقيع الاتفاقيات فيما بينها تنظر للأساس العام وهو  ثم الخاص نظرًا لأن التبادل الاقتصادي بين الدول هو أساس نهضتها وثرائها قررنا أن نتعامل مع هذه الدولة.

إذًا فالأصل الإتيان بالعام ثم الخاص.

ثانيًا: الأدلة الخاصة وهي ما ورد الأحاديث والروايات بذكر زيارة الأربعين على وجه الخصوص مثل رواية الإمام العسكري التي افتتحنا بها الحديث ومثل رواية صفوان.

قد يشكل البعض على هذه الرواية بإشكالات من جهة السند ومن جهة المتن والدلالة.

فمن جهة السند قال البعض بعدم ثبوتها وهنا يجب أن نسأل عن مبنى ومسلك الفقيه لأن قضية الأدعية والزيارات لا تحتاج أصلًا للنظر في الأسانيد حتى نقول بضعف سندها.

ويرى البعض يكفي أن تكون مشهورة بنحو من الأنحاء عند الفقهاء ولو لورودها في كتاب أو كتابين من كتب شيخ الطائفة الطوسي وهذا يكفي للاستناد إلى الرواية.

ويرى قسم ثالث أنها ثابتة بقاعدة التسامح في أدلة السنن فيثبت عنده الاستحباب.

من هنا يتضح الغلط في القول بضعف هذه الرواية عدم ثبوتها وأهمية معرفة مسلك ومبنى الفقيه والباحث.

فمن يرى أنها تامة السند يفتي بالاستحباب.

أما من جهة الدلالة فقد قال البعض أن المقصود أربعين مؤمن فالرواية لا تدل على زيارة الأربعين ويمكن الجواب عن ذلك بجهات متعددة:

- (ال العهدية): المعهود عند الناس ولم يعهد في تراث الإمامية وغير الإمامية أن هناك تأكيدًا على زيارة أربعين مؤمن أجل ورد الدعاء لأربعين مؤمنًا في صلاة الليل لكن لا يقال الدعاء للأربعين إنما تخصص بالدعاء لأربعين مؤمنًا.

أيضًا عندنا استحباب أن يكتب على كفن الميت أربعين مؤمنًا يشهدون له بالخير والصلاح.

وأما زيارة أربعين مؤمنًا فغير ثابتة على مستوى الأحاديث وحتى الممارسة العملية فلم نسمع عن عالم من العلماء أنه كان يزور أربعين مؤمنًا ويمكن أن يكون فلان كثير الزيارة لإخوانه المؤمنين لكن لا تخصيص للأربعين عندنا.

- كل ما ورد في الرواية هو من مختصات الإمامية فمن مقتضى السياق أن زيارة الأربعين من مختصات الإمامية التي لا يفعلها غيرهم وزيارة أربعين مؤمن ليست من مختصات الإمامية فكلمة زيارة صارت من العرف الخاص بالمعصومين عليهم السلام.

فالأربعين عهدية وسياق الرواية بأنها من مختصات الإمامية لا يناسب أن تكون زيارة أربعين مؤمن وبالتالي هذا الإشكال لا يتم.

وأما رواية صفوان تقول في يوم الأربعين (السلام على ولي الله وابن وليه) فهي أوضح من الرواية الأولى ولا مجال فيها للتأمل في دلالتها.

أما من جهة السند فيصفها بعض العلماء بأنها بسند معتبر إضافة لكونها من المشهورات بين الفقهاء حيث قال البعض معتبرة عندنا وعند المشهور من الفقهاء فيمكن الاستفادة من الرواية إضافة للعمومات التي تؤكد على استحباب زيارة الإمام الحسين.

وبالرجوع للمذكور تاريخيًا أن المحقق النوري سنة 1320 أشاع المشي لزيارة الحسين في أوساط العلماء إشاعة كبيرة فكان يذهب لزيارة كربلاء ماشيًا ويحرض طلابه ومن حوله على المشي لزيارة الحسين ومن الواضح أن المشي يختلف عن أصل الزيارة.

يذكر أيضًا عن القرطبي وهو من مفسري العامة أندلسي الأصل عاش في مصر مُتوفى سنة 671 يعني قبل زمان العلامة الحلي مؤلف  (التذكرة بأحوال الموتى ومنازل الآخرة) يذكر فيها عند الحديث عن موقع رأس الحسين عليه السلام بذكر النظريات ويقول وفي العشرين من صفر رُدَ رأس الحسين إلى كربلاء من الشام ولذلك يقوم الشيعة بزيارة كربلاء لهذه المناسبة.

والزيارة لم تبدأ في تلك السنة إنما هو شاهد حيث وصله الخبر وهو في مصر أو الأندلس لأنه ليس عراقيًا ولم يزر العراق فهذا يدل أن زيارة الشيعة لكربلاء في العشرين من صفر لمناسبة إلحاق الرأس بالجسد كانت شائعة.

ولو افترضنا عدم ثبوت الروايات فهل هناك محذور في اختيار يوم الأيام يتفق عليه الناس لمناسبة تاريخية بالطبع لا محذور في ذلك فهي مستحبة في أي وقت كما أشرنا مسبقًا.

بل حتى من يقول أنها غير ثابتة فالرواية ضعيفة السند وقاعدة التسامح في أدلة السنن لا تثبت في الاستحباب من الناحية العلمية لكن هؤلاء العلماء يبادرون للزيارة ومنهم السيد الخوئي.

وفي قاعدة التسامح فرع هو لو أتى المكلف بالعمل لأنه ورد فيه خبر وإن كان ضعيفًا فيؤتى الثواب المذكور رغم أن الخبر غير صحيح وهذا وارد في روايات النبي ما حاصله من بلغه ثواب على عمل من رسول الله فعمله ابتغاء ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن رسول الله قاله مثلًا (من قال سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر غرس الله له بكل ذكر غرس في الجنة) فيُعطى هذا الثواب الموعود وإن لم يكن الرسول قد قاله واقعًا.

فلو تبين في يوم القيامة أن روايات زيارة الأربعين غير ثابتة فلا يفوته الثواب فلا معنى للإعاقة في هذا الجانب لهذا الاعتبار.

أضف إلى ذلك أن هناك عناوين ثانوية يجب ملاحظتها من قبل الفقيه والمثقف العارف حيث أن أوضح مظهر لعزة آل محمد واستجابة الخلائق للإمام الحسين هو هذه الزيارة الأربعينية.

وهذا من المواقف العظيمة والمهيبة التي تجسد نتيجة وثمرة نداءات الحسين وتحقق لنا معنى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) و(إنا لننصر رسلنا) وتحقق معنى ما ذكرته مولاتنا العقيلة (فكد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها وهل جمعك إلا بدد وأيامك إلا عدد)

هذه الزيارة تناظر نداء إبراهيم في الحج (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) هذا النداء تموج في الناس فأخذوا يستجيبون سنة بعد سنة وهانحن نرى الجموع يلبون نداء الحسين في عصر العاشر من المحرم هل من ناصر ينصرنا؟ هل من معين يعيننا؟ هل من ذاب يذب عنا؟ كان ينتظر مناصرًا واحدًا مدافعًا واحدًا بعد أن هوى أصحابه فدائيين للدين وهذه الجموع وعلى مد البصر منهم الشيخ الكبير الهم الذي لو تركته في الأيام العادية لا يستطيع الحركة وإذا بحب الحسين وعشقه يصنع بداخله معجزة يحركه هذه المسافات الطويلة.

مرضى ونساء كبيرات السن وأطفال كلهم يستجيبون لنداء ذلك اليوم إن كان لم يجبك سمعي عند استغاثتك فقد أجابك قلبي وفؤادي أجبناك بأنفسنا وضمائرنا ودموعنا ونسأل الله أن يثبت لنا قدم صدق عندك يوم الورود.

هذه المسيرة العظيمة التي جاءت لتتنصر الحسين وتسعف دمعات زينب العقيلة وتشاركها حضور كربلاء بعد أن كانت في الشام.

*تدوين: فاطمة الشيخ منصور
2023/08/29

ما هو المرض الذي منع الإمام السجّاد (ع) من القتال في كربلاء؟!
المُحرَز بل والمقطوع به أنَّ الإمام زين العابدين (ع) كان يوم عاشوراء مُصابًا بمرضٍ عارِض، وكان من الشدَّة بحيثُ منعَه من القتال، فهذا المقدار هو المتسالَم عليه بين المؤرِّخين والمحدِّثين من الفريقين، وأمَّا ما هي طبيعةُ هذا المرض فلم تتصدَّ الروايات لبيانه تفصيلًا، ولعلَّ منشأ ذلك هو عدم ترتُّب فائدةٍ تُذكر على العلم بما هي طبيعة المرض الذي عرَض على الإمام (ع) في كربلاء. كان الإمام (ع) مبطوناً:

نعم أشارت معتبرة أبي الجارود عرَضًا إلى أنَّ الإمام (ع) كان مبطونًا، فقد أورد الكليني في الكافي بسندٍ معتبر روايةً طويلة عن أبي جعفر الباقر (ع) قال فيها: ".. ثُمَّ إِنَّ حُسَيْنًا حَضَرَه الَّذِي حَضَرَه فَدَعَا ابْنَتَه الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ (ع) فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَابًا مَلْفُوفًا ووَصِيَّةً ظَاهِرَةً، وكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) مَبْطُونًا لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّه لِمَا بِه فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ .."([1]).

وورد أيضًا في كتاب النوادر لعليِّ بن أسباط قال: بعض أصحابه رواه أنَّ أبا جعفرٍ -الباقر- (عليه السلام) قال: كان أبي مبطونًا يوم قُتل أبوه صلواتُ الله عليهما، وكان في الخيمة .."([2]).

المبطون مَن يشتكي علَّةً في جوفِه:

فالإمام (ع) -بحسب ما أفادته معتبرة أبي الجارود ومرسلة عليِّ بن أسباط- كان مبطونًا، ومعنى أنَّه كان مبطونًا هو أنَّه كان يشتكي من بطنِه أي أنَّه مصابٌ بداءٍ في بطنِه، فالمبطون هو مَن به علَّةٌ في بطنه كما أنَّ المصدور هو من به علَّة في صدره، والمفؤود هو مَن به علَّة في فؤاده([3]).

فالإمام (ع) إذن -بحسب هذا المأثور- كان مصابًا بعلَّة في بطنِه، وأمَّا ما هي طبيعةُ هذه العلَّة فلم تتصدَّ الرواية لبيانه فإنَّ عنوان المبطون يصدقُ على مَن هو مصابٌ في معدته كما يصدقُ على مَن هو مصابٌ بعلَّةٍ في بعض أحشائه كالكبد أو الطحال أو غيرهما، فالعربُ تُطلق عنوان المبطون على كلِّ مَن أُصيب بداءٍ في جوفه، ولذلك تَعتبِر -مثلاً- المبتلى باستسقاء البطن مبطونًا([4]) رغم أنَّ هذا الداء لا ربط له بالمعدة بل هو عبارة عن تجمُّع سوائل في الجوف نتيجة خللٍ في وظائف الكبد أو الكُليتين أو هما معًا.

وعليه فالاستدلال بالرواية على أنَّ الإمام (ع) كان مصابًا في معدتِه بمثل الاسهال لا تصح، فإنَّ الرواية أفادت أنَّه كان مبطونًا والمبطون عنوانٌ واسع لا تتحدَّد به طبيعةُ المرض.

ذكر المفيد أنَّه مُصابٌ بالذرَب:

نعم ذكر الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد وتبعه الطبرسي في إعلام الورى وابن نما الحلِّي وصاحب السرائر([5]) أنَّ الإمام (ع) كان مريضًا بالذرَب -بفتح الراء- وهو كما قيل داءٌ يُصيبُ المعدة وأظهرُ آثاره الإسهال الحاد والمتَّصل وقد يكون عن غير اختيار، ولذلك عرَّفوا الذرَب بقولهم هو: الدَّاءُ الذي يَعْرِضُ للمَعدة فلا تَهْضِمُ الطَّعامَ، ويَفْسُدُ فيها ولا تُمْسِكُه([6]).

مناقشة ما أفاده الشيخ المفيد:

ولم أجد أحدًا من مؤرِّخي الفريقين غير الشيخ المفيد -ومَن تبعه- ذكر أنَّ الإمام (ع) كان مصابًا بالذرَب، والظاهر أنَّ ذلك كان اجتهادًا منه في تفسير معنى المبطون الوارد في معتبرة أبي الجارود والرواية الأخرى، خصوصًا وأنَّ كلمة المبطون تُستعمَل في الاصطلاح الفقهي فيما يُساوق أو يقترب من معنى الذرَب على خلاف ما عليه سعة المدلول اللُّغوي لكلمة المبطون.

ولو كان الأمرُ كذلك وكان قولُ المفيد أنَّ الإمام (ع) مصابٌ بالذرَب اجتهادًا منه في تفسير ما ورد في مثل معتبرة أبي الجارود فإنَّ النتيجة هي أنَّه ليس لدينا في الأخبار ما يصحُّ الاستناد إليه لإثبات دعوى أنَّ الإمام (ع) كان مصابًا بالذرَب لأنَّ ما أفاده الشيخ المفيد (رحمه الله) لم يكن سوى اجتهاد منه في تفسير معنى المبطون.

ولو كان ما أفاده الشيخ المفيد -من دعوى أنَّ الإمام (ع) مصابٌ بالذرب- خبرًا تلقَّاه ولم يكن اجتهادًا فإنَّه يكون ساقطًا عن الحجِّية والاعتبار لكونه خبرًا مرسلًا ليس له في الأخبار وكلمات المؤرِّخين ما يعضدُه فلا يُعتمد في مقابل معتبرة أبي الجارود عن الباقر(ع) ولا يصلح تفسيرًا لها.

المتعيَّن هو ما ورد في معتبرة أبي الجارود:

بل المتعيَّن طرحُ هذا القول والبناء على منافاته للواقع حتى مع قطع النظر عن معتبرة أبي الجارود، وذلك للقطع بأنَّ الإمام زين العابدين (ع) أكرمُ على الله تعالى من أنْ يبتليَه بهذا الداء في هذا الظرف العصيب حيثُ شحَّة الماء أو انعدامه وحصار الأعداء واقتيادهم له من كربلاء إلى الكوفة أسيرًا مكبَّلاً بعد يومٍ من مقتل الحسين (ع) ولك أنْ تتصوَّر الحال والهيئة التي يكون عليها المُصاب بالذرَب والإسهال المتَّصل في مثل هذا الظرف.

إنَّ الإمام زين العابدين (ع) أكرمُ على الله تعالى من أنْ يبتليَه بهذا الداء في مثل هذا الظرف العصيب، والرواياتُ الكثيرة المتصدِّية لبيان صفات المعصوم (ع) وما أكرمه اللهُ تعالى به خيرُ دليلٍ على ما ذكرناه([7])، فلعلَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) لم يلتفت إلى لوازم هذه الدعوى أو أنَّه لم يقصد من الذرَب الداءَ الذي من آثاره الاسهال المستمِر، فلعلَّه قصد بعضَ ما يُصيب المعدة من أدواء، وهي كثيرة، ولا يترتَّب على الكثير منها إسهالٌ أو شبهه بل يتمحَّض أثرُها في الشعور بالآلام أو الإعياء والضعف العام في البدن، أو أنَّه (رحمه الله) قصد الذِرْب بكسر الذال وسكون الراء وهو كما أفاد الزبيدي في تاج العروس: دَاءٌ يكونُ في الكَبِدِ بَطِيءُ البُرْءِ ([8])، فلو كان شيءٌ من ذلك هو مرادُه فلا مانع من احتماله وأنَّه هو المقصود من معتبرة أبي الجارود التي أفادت أنَّ الإمام (ع) كان مبطونًا.

وخلاصة القول: إنَّ الذي نصَّت عليه معتبرة أبي الجارود عن الإمام الباقر (ع) ومرسلة عليِّ بن أسباط عن الإمام الباقر (ع) هو أنَّ الإمام زينَ العابدين (ع) كان أيام كربلاء مبطونًا، والمبطونُ هو مَن يشتكي علَّةً في بطنه، والمراد من البطن هو مطلق الجوف وما اشتمل عليه من أحشاء كما هو مقتضى ما نصَّ عليه اللُّغويون، وعليه فالرواية مجملة من جهة تحديد ما هي طبيعة الداء الذي أُصيب به الإمام (ع) في كربلاء، وأنَّ أقصى ما تدلُّ عليه الرواية هو أنَّه كان يشتكي من علَّةٍ في بطنه.

وأمَّا ما أفاده الشيخ المفيد (رحمه الله) من دعوى أنَّ الإمام (ع) كان مصابًا بالذرَب فإنْ كان يقصدُ أنَّه مصابٌ بالداء الذي يُصيب المعدة ويكون من أثره الإسهال المتَّصل فهو من سهو القلم قطعًا -والعصمةُ لأهلها- وإنْ كان يقصدُ من الذرَب ما يُصيب المعدة من أدواء فيترتَّب عنها آلام أو إعياء أو كان يقصد الداء الذي يُصيب الكبد فلا محذور من احتمال ذلك.

وأمَّا ما قيل من أنَّ المراد من الذرَب هو جراحٌ حادَّة أصيب بها الإمام (ع) لمشاركته في القتال قبل أنْ يرتثَّ فيمنعه ذلك عن مواصلة القتال فهذا القول لايصحُّ، وقد فصَّلنا ذلك في مقالٍ مستقلٍّ تحت عنوان: مشاركة الإمام زين العابدين (ع) في القتال يوم كربلاء؟

الهوامش: المقال رداً على سؤال: ما هي طبيعةُ المرض الذي كان الإمامُ زين العابدين (ع) مُصابًا به في كربلاء؟ [1]- الكافي -الكليني- ج1 / ص290، 291. [2]- الأصول الستة عشر -تحقيق المحمودي- ص339، بحار الأنوار -المجلسي- ج45 / ص91. [3]- لسان العرب -ابن منظور- ج9 / ص13، ج13 / ص54، أساس البلاغة -الزمخشري- ص52، غريب الحديث -ابن قتيبة- ج1 / ص100، ترتيب إصلاح المنطق -ابن السكيت- ص342، تاج العروس- الزبيدي- ج18 / ص61. [4]- النهاية في غريب الحديث والأثر -ابن الأثير- ج1 / ص136، لسان العرب -ابن منظور- ج13 / ص53، تاج العروس- الزبيدي- ج18 / ص61. [5]- الإرشاد -المفيد- ج2 / ص114، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص470، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص64، السرائر -ابن ادريس الحلي- ج1 / ص250. [6]- لسان العرب -ابن منظور- ج1 / ص385، النهاية في غريب الحديث والأثر -ابن الأثير- ج2 / ص156. المسائل في الطب للمتعلمين -حنين بن إسحاق ت: 260ه- ص493، شرح الأسباب والعلامات (شرح نفيس الكرماني 619ه) -نجيب الدين السمرقندي-ج1 / ص696 قال: الذرب: وهو انطلاق البطن المتصل. وقيل: هو أن لا ينهضم الطعام في المعدة والأمعاء ولا يغذو جميع البدن بل يستفرغ من أسفل فقط استفراغا متصلا وهو كثير الرطوبة وذلك بسبب ضعف الماسكة فلا يقدر على حمل الغذاء وامساكه أكثر من هذا القدر من الزمان وهو زمان الهضم. وسمى به لان الذرب في اللغة فساد المعدة، يقال: ذربت معدته إذا فسدت؛ أو لأنه بمعنى الحدة يقال: لسان ذرب وسيف ذرب، أي: حاد فسمى به لحدة البراز وسرعة حركته في الخروج؛ أو لأنه بمعنى عدم البرء يقال: ذرب الجرم، إذا لم يقبل الدواء، فسمى به لصعوبة العلة وعظم الخطر فيها". [7]- راجع في ذلك مثل صحيحة اسحاق بن غالب عن أبي عبد الله الصادق (ع) الكافي -الكليني- ج1 / ص204، ورواية زرارة عن أبي جعفر الباقر(ع) ج1 / ص388، ومعتبرة علي بن الحسن بن فضال عن الإمام الرضا (ع) من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج4 / ص419، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص192. [8]- تاج العروس -الزبيدي- ج1 / ص296.
2023/08/14

ما قصة إرسال رأس ابن زياد إلى الإمام السجاد (ع)؟
بعد أنْ قَتل المختارُ الثقفي عبيدَ الله بن زياد بعث برأسه إلى الإمام السجاد (ع) فأُدخل عليه وهو يتغدى وقال: أُدخلت على ابن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه، فقلتُ اللهمَّ لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدى الحمد لله الذي أجاب دعوتي ثم أمر فرمي به".

وفي رواية ابن نما الحلي أنَّه سجد لله قائلًا: شكرًا لله، وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوِّي وجزا اللهُ المختار خيراً، فكيف يُمكن الجمع بين حرمة المُثلة بالميِّت وبين موقف الإمام السجاد (ع)؟!

بعث المختار لرأس ابن زياد ثابتٌ في الجملة:

الظاهر أنَّ بعث المختار الثقفي لرأس عبيد الله بن زياد إلى بني هاشم ومنهم الإمام السجَّاد (ع) ومحمد ابن الحنفية ثابتٌ في الجملة، وذلك لتظافُر الروايات والنصوص التاريخية على نقل ذلك ولكنَّها مختلفة اختلافًا شديداً في بيان التفاصيل، ولذلك لا يصحُّ التعويل على آحاد هذه الروايات وهذه النصوص وإنَّما يُعوَّل من مجموعها على القدر المشترك بينها وهو أنَّ المختار بعث برأس عبيد الله بن زياد إلى بني هاشم، وأمَّا ما هي ردَّةُ فعل الإمام السجَّاد (ع) وكيف تعاطى مع هذا الحدث فليس لنا ما يُمكن التثبُّت من صحَّته، لأنَّ جميع هذه الروايات ضعيفة من حيث السند، ولم يصح منها سوى روايةٍ واحدة، وهي معتبرة جارود بن المنذر، عن أبي عبد الله (ع) قال: "ما امتشطتْ فينا هاشميَّة ولا اختضبتْ، حتى بعثَ إلينا المختارُ برؤوس الذين قَتلوا الحسين (ع)"(1).

وأقصى ما تدلُّ عليه هذه المعتبرة هو أنَّ اهل البيت (ع) استبشروا بمقتل عُبيد الله بن زياد ومَن كان معه من قتلَةِ الحسين (ع) ولا تدلُّ على إقرار الائمة (ع) بصحَّة الكيفيَّة التي قُتل بها هؤلاء، ولا بجواز التمثيل بجثثِهم، ولا بجواز حمل رؤوسهم إلى المدينة أو مكَّة –على اختلاف النصوص– ولا بنصبها فيهما أو في إحداهما، كلُّ ذلك لا يقتضيه مدلول رواية جارود بن المنذر.

التعليق على رواية المدائني:

وأمَّا الرواية المذكورة في السؤال فهي منقولة في أمالي الشيخ الطوسي (رحمه الله) ونصُّها: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدَّثني محمد بن إبراهيم، قال: حدَّثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا المدائني، عن رجاله: أنَّ المختار بن أبي عبيد الثقفي ".. فبعث برأس ابن زياد إلى عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) فأُدخل عليه وهو يتغدَّى، فقال عليُّ بن الحسين (عليهما السلام): أُدخلتُ على ابن زياد وهو يتغذَّى ورأس أبي بين يديه، فقلتُ: اللهمَّ لا تُمتني حتى تريَني رأسَ ابن زياد وأنا أتغدَّى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي. ثم أمر فرُمي به.."(2).

فالرواية عاميَّة أي ليست من رواياتنا، والشيخ الطوسي (رحمه الله) نقلها من كتبهم كما يتَّضح ذلك من ملاحظة سندها، فهي تنتهي إلى عليِّ بن محمد بن عبد الله، أبو الحسن المدائني وهو مؤرِّخٌ شهير من مؤرِّخي العامَّة تُوفي سنة 225 هـ، هذا مضافًا إلى ضعف طريق الشيخ الطوسي إليه لاشتماله على مجاهيل، على أنَّ مِن غير المعلوم مَن هم رجال المدائني إلى الرواية، فهي لذلك بحكم المُرسلة، فالرواية ضعيفة السند من وجوهٍ عديدة.

على أنَّ الرواية غير قابلةٍ للتصديق، فالإمام (ع) لا يسألُ الله تعالى أنَّ يرى أحدًا يُمثَّل بجثَّته وكأنَّه يقرُّ هذا الفعل المحرَّم، على أنَّ نُبل الإمام (ع) وسموَّ نفسِه ومكارمَ أخلاقه تأبى عليه ذلك، فهو ليس كسائر الناس يرغبون في التشفِّي حتى بما يحرم أو بما هو مستبشَعٌ في نفسه.

ويُؤيِّد سقوط هذا المضمون -وهو دعاء الإمام برؤية رأس ابن زياد– أنَّ جُلَّ الروايات إنْ لم يكن جميعها -سواءً الوارد منها في طرقِنا أو طرق العامَّة- ليس مشتملًا على هذا الدعاء، نعم وردَ في بعضِها أنَّ الإمام (ع) لمَّا رأى رأس ابن زياد حمِدَ الله تعالى على استجابة دعائه ولكن لم تُبيِّن مضمون الدعاء، فليس في شيءٍ منها أنَّه دعا أنْ يرى رأس ابن زياد، فلعلَّه دعا أنْ يرى ابن زياد قتيلًا.

ولتوثيق ما ذكرناه ننقلُ لكم أهمَّ الروايات والنصوص التاريخية الواردة في هذا الشأن:

النص الأول: أورده القاضي النعمان المغربي (رحمه الله) في كتابه شرح الأخبار قال: وكان عليُّ بن الحسين (عليه السلام) يدعو في كلِّ يومٍ وليلةٍ أنْ يُريَه اللهُ قاتلَ أبيه مقتولًا. فلمَّا قتل المختارُ قتَلَةَ الحسين (عليه السلام) بعثَ برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد مع رسولٍ من قِبَله إلى عليِّ بن الحسين (عليه السلام) وقال لرسوله: إنَّه يصلِّي من الليل فإذا أصبح وصلَّى الغداة هجع ثم يقوم فيستاك، يؤتى بغدائه، فإذا أتيت بابَه، فاسألْ عنه، فإذا قيل لك إنَّ المائدة وُضعت بين يديه فاستأذن عليه وضع الرأسين على مائدته، وقل له: المختار يَقرأُ عليك السلام، ويقول لك: يابن رسول الله قد بلَّغك الله ثأرك، ففعل الرسولُ ذلك. فلمَّا رأى عليُّ بن الحسين رأسين على مائدته خرَّ لله ساجدًا، وقال: الحمدُ لله الذي أجاب دعائي وبلَّغني ثأري من قَتلة أبي، ودعا للمختار وجزَّاه خيرا"(3).

النص الثاني: أورده الكشي في اختيار معرفة الرجال بسنده عن عمر بن عليِّ بن الحسين: أنَّ عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) لمَّا أُتي برأس عبيد الله بن زياد، ورأس عمر بن سعد، قال: فخرَّ ساجدًا، وقال: الحمدُ لله الذي أدركَ لي ثأري من أعدائي، وجزى اللهُ المختارَ خيرا"(4).

النص الثالث: أورده اليعقوبي في تاريخه قال: ".. ووجَّه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى عليِّ بن الحسين في المدينة مع رجلٍ من قومه، وقال له: قف ببابِ عليِّ بن الحسين، فإذا رأيت أبوابه قد فُتحت ودخل الناس، فذلك الذي فيه طعامُه، فادخل إليه، فجاء الرسول إلى باب عليِّ بن الحسين، فلمَّا فُتحت أبوابُه، ودخل الناسُ للطعام، دخل ونادى بأعلى صوته: يا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ومهبط الملائكة، ومنزل الوحي، أنا رسولُ المختار ابن أبي عبيد معي رأسُ عبيد الله بن زياد، فلم تبقَ في شيء من دور بني هاشم امرأةٌ إلا صرختْ، ودخل الرسولُ فأخرج الرأس، فلمَّا رآه عليُّ بن الحسين قال: أبعدهُ اللهُ إلى النار"(5).

النص الرابع: أورده ابنُ سعدٍ الطبقات الكبرى قال: وبعث برأسه -ابن زياد- إلى المختار فعمد إليه المختار فجعله في جونة ثم بعث به إلى محمَّد بن الحنفية وعليِّ بن الحسين وسائر بني هاشم، فلمَّا رأى عليُّ بن حسين رأس عبيد الله ترحَّم على الحسين، وقال: أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغدى وأُتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى"(6).

أكثر الروايات خالية من الدعاء الذي تضمَّنته رواية المدائني:

هذه هي أهمُّ النصوص الواردة في هذا الشأن، وهي كما تُلاحظون خالية من ممَّا تضمَّنته رواية المدائني من أنَّ الإمام السجَّاد (ع) دعا بأنْ يُريَه الله تعالى رأس ابن زياد بل صرَّحت رواية شرح الأخبار للنعمان المغربي أنَّ دعاء الإمام السجاد(ع) هو: "أنْ يُريَه اللهُ قاتلَ أبيه مقتولًا"، وفرقٌ بين الدعاء بأنْ يرى رأس ابن زياد وبين الدعاء بأنْ يراه قتيلًا، فالأول ظاهرٌ أو مشعِرٌ بالإقرار بجواز قطع رأسِه والتمثيل به، وأمَّا الثاني فهو لا يدلُّ على أكثر من الدعاء بأنْ يُسلِّط الله عليه مَن يقتله بقطع النظر عن طبيعة القتلة وكيفيَّتها.

وحيث إنَّ ما تضمَّنته رواية المدائني –بناءً على ظهورها في الإقرار بجواز المُثلة– منافٍ لِما هو المعلوم من ضرورة الفقه، ومنافٍ لِما هو المعلوم مِن سموِّ أخلاق أهل البيت (ع) لذلك فهذا المقدار من رواية المدائني مكذوبٌ على الإمام (ع)، على أنَّ الرواية –كما ذكرنا- ساقطةٌ عن الاعتبار في نفسِها نظرًا لضعف سندِها.

استبشار السجَّاد بمقتل ابن زياد لا يعني التصحيح لكيفيَّة قتله:

وأمَّا ما وردَ في بعضِ هذه الروايات وهذه النصوص التاريخيَّة من أنَّ الإمام (ع) خرَّ ساجدًا وحمِدَ الله تعالى فهو لا يدلُّ على أكثر مِن استبشارِه بقتل ابن زياد، فليس في هذه الروايات دلالةٌ على إمضائه لكيفيَّة القتل كما أنَّه ليس فيها دلالة على إمضائه لحمل الرأس ونصبه، فالمقام أشبهُ شيءٍ بما لو دعا أحدٌ على قاتل أبيه بأنْ ينتقمَ اللهُ تعالى منه فيتَّفق لهذا الرجل القاتل أنْ يفترسه سبُع أو يسقطَ من شاهقٍ أو يقتله قطَّاعُ الطريق فيستبشر ابنُ القتيل باستجابة دعائه في قاتل أبيه، فهو يستبشرُ بما وقع لقاتل أبيه بقطع النظر عن طبيعة ما وقع له، فهو يستبشرُ بقتله سواءً وقع ذلك من طريق افتراس السباع له أو من طريق الفتك به من قبل قطاع الطرق أو غير ذلك، فهو يرى أنَّ دعوته قد استُجيبت أيًا كانت الكيفيَّة التي وقع بها القتل، وليس لأحدٍ أنْ يتوهَّم أنَّ ابن القتيل يُقرُّ بجواز قطع الطريق أو الاغتيال لو كان قد قُتل بالاغتيال، فلو سُئل ابن القتيل هل أنت مستبشِرٌ بمقتل قاتل أبيك لقال: نعم، ولو سُئل وهل أنت مقرٌّ بجواز قتله اغتيالًا مثلًا لأمكن أنْ يقول لا أرى جواز ذلك، فالاستبشار بمقتله الذي وقع بالاغتيال لا يُلازم الإقرار بجواز الاغتيال.

كذلك المقام فإنَّ استبشار الإمام (ع) بمقتل قاتل الحسين (ع) لا يُلازم وليس فيه دلالة على إمضائه لكيفيَّة قتله أو إمضائه للتمثيل به وحمل رأسه ونصبه في المدينة ومكة، وأمَّا الدعاء للمختار (رحمه الله) فلأنَّه تتبَّع قتلَة الحسين (ع) وقتل مَن وقع منهم تحت يده، لذلك فهو مستحِقٌّ لأنْ يُدعى له، وليس في ذلك تصويبٌ لكلِّ ما كان قد فعله، فلم يكن الدعاء له إلا لكونه انتصر لأهل البيت (ع) وقتله لقتلَة الحسين (ع) فالدعاء له بأنْ يجزيَه الله خيرًا منشأه ذلك محضًا فليس فيه دلالة على التصحيح لكلِّ ما يفعل.

فالمختار بناءً على ما ورد في بعض الأخبار كان يهدمُ دور مَن شاركوا في حرب الإمام الحسين (ع) فهل الدعاء له بأنْ يجزيه اللهُ خيرًا بعد قتل قتلة الحسين (ع) يعني أنَّ الإمام (ع) يُصحِّح ما يفعله من هدمٍ لدور مَن شاركوا في حرب الحسين (ع) رغم أنَّ هذه الدور قد تكون ملكًا للورثة أو يأوي إليها من أولاده وزوجاته ممَّن لا شأن لهم بجريرة صاحب الدار.

كلُّ ذلك مع قطع النظر عن الإشكال في أسناد هذه الروايات المشتملة على أنَّ الإمام (ع) قد دعا للمختار في ذلك الموقف وإلا فإنَّ عددًا من هذه الروايات لم تشتمل على أنَّ الإمام (ع) قد دعا للمختار في ذلك الموقف، فالنصُّ الذي أورده اليعقوبي لم يتضمَّن أنَّ الإمام (ع) قد دعا للمختار، فلم يشتمل هذا النصُّ على أكثر من قول الإمام (ع) "أبعدهُ اللهُ إلى النار" يعني ابن زياد، وكذلك فإنَّ النصَّ الذي أورده ابنُ سعد في الطبقات وأورده ابنُ عساكر في تاريخ مدينة دمشق لم يتضمَّن أكثر من ترحُّم الإمام السجاد (ع) على الإمام الحسين (ع) قال: "فلمَّا رأى عليُّ بن حسين رأسَ عبيد الله ترحَّم على الحسين" وهكذا فإنَّ رواية المدائني ومعتبرة جارود بن المنذر لم تتضمَّنا الدعاء للمختار فأكثر الروايات خالية من الدعاء للمختار في ذلك الموقف.

وأمَّا ما ورد في رواية ابن سعد في الطبقات من أنَّ الإمام السجَّاد (ع) قال حين رأى رأس ابن زياد: "أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغدَّى وأُتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى" فهو بيانٌ لعجيب قضاء الله تعالى وغريب ما يُقدِّره وهو كذلك تعبيرٌ عن الشعور بالاِمتنان بلطف الله جل وعلا بالموتورين من أهل بيت الرسول (ص) فقد فعل (جلَّ وعلا) بقاتل الحسين (ع) مثل ما كان قد فعل، فكما أُدخل رأس الحسين (ع) على ابن زياد وهو يتغدى كذلك قدَّر الله تعالى تسليةً لأوليائه فأُدخل رأس ابن زياد على الإمام زين العابدين (ع) وهو يتغدى، فهو (عليه السلام) لم يأمر بذلك بل ولا طلب من المختار أنْ يحمل إليه رأس ابن زياد فضلًا عن ادخاله عليه وهو يتغدى ولكنَّ اللهَ تعالى قدَّر أنْ يُري عباده كيف ينتقمُ لسيِّد الشهداء (ع).

الاستبشار بمقتل ابن زياد ليس بدافع التشفِّي:

ثم إنَّ هنا أمرًا يحسنُ التنبيهُ عليه وهو أنَّ سجود الإمام (ع) وحمده لله المعبِّر عن استبشاره بمقتلِ قتلَةِ الحسين (ع) لم يكن عن قصد الشماتة والتشفِّي - فإنَّ أخلاقَ أهل البيت (ع) وسموَّ طبائعهم وطهارة نفوسِهم تأبى ذلك – وإنَّما هو من الاستبشار بنصر الله تعالى لأوليائه كما قال تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾(7) ويقول تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ / وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(8).

فكما استبشر النبيُّ (ص) بمقتل جبابرة قريش يوم بدر أمثال أبي جهل ابن الحكم وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة وأميَّة بن خلف ووقف على جثامينهم بعد أنْ جمعهم في قليب (بئر) وخاطبهم بقوله: "يا أهل القليب إنَّا قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقَّا، فهل وجدتُم ما وعد ربكم حقَّا"(9)، أو قال: "لقد كنتم جيرانَ سوءٍ لرسول الله، أخرجتموه من منزلِه، وطردتُموه، ثم اجتمعتم عليه فحاربتُموه، فقد وجدتُ ما وعدني ربِّي حقَّا، فهل وجدتم ما وعدكم ربُّكم حقَّا"(10).

فكما استبشرَ رسولُ الله (ص) بمقتل جبابرة قريش يوم بدرٍ وخاطبهم بقوله إنَّه وجد ما وعده ربُّه من النصر واستئصال هؤلاء المرَدة كذلك استبشرَ الإمامُ زينُ العابدين (ع) بمقتل ابن زياد وسائر قتلَةِ الحسين (ع).

التعليق على رواية المنهال في كيفيَّة قتل حرملة:

بقي الكلام حول رواية المنهال بن عمرو، قال: دخلتُ على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) منصرفي من مكة فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهلة الأسدي؟ فقلتُ: تركتُه حيًّا بالكوفة، قال: فرفع يديه جميعا، فقال: "اللهمَّ أذقْه حرَّ الحديد، اللهمَّ أذقْهُ حرَّ الحديد، اللهم أذقْهُ حرَّ النار".

قال المنهال: فقدمتُ الكوفة، وقد ظهرَ المختارُ بن أبي عبيد، وكان لي صديقا، قال: فكنتُ في منزلي أيامًا حتى انقطع الناس عنِّي، وركبتُ إليه فلقيتُه خارجًا من داره، فقال: يا منهال، لم تأتِنا .. وسايرتُه ونحن نتحدَّثُ حتى أتى الكناس، فوقفَ وقوفًا كأنَّه ينتظرُ شيئًا، وقد كان أُخبر بمكان حرملة بن كاهلة، فوجَّه في طلبه، فلم نلبثْ أنْ جاء قومٌ يركضون وقومٌ يشتدُّون حتى قالوا: أيُّها الأمير، البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهلة، فما لبثنا أنْ جِيء به، فلمَّا نظرَ إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكَّنني منك. ثم قال: الجزَّارَ الجزَّار، فأُتي بجزار، فقال له: اقطعْ يديه، فقُطعتا، ثم قال له: اقطعْ رِجليه، فقُطعتا، ثم قال: النارَ النارَ، فأُتي بنارٍ وقصب فأُلقي عليه واشتعلت فيه النار.

فقلتُ: سبحان الله! فقال لي: يا منهال، إنَّ التسبيح لحسن، ففيم سبَّحت؟

فقلت: أيُّها الأمير، دخلتُ في سفرتي هذه منصرفي من مكَّة على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال لي: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي؟ فقلتُ: تركتُه حيًّا بالكوفة؟ فرفع يديه جميعًا فقال: "اللهمَّ أذقْهُ حرَّ الحديد، اللهم أذقْهُ حرَّ الحديد، اللهم أذقْهُ حرَّ النار".

فقال لي المختار: أسمعتَ عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول هذا؟ فقلتُ: واللهِ لقد سمعتُه قال، فنزل عن دابَّته وصلَّى ركعتين فأطال السجود، ثم قام فركب، وقد احترق حرملة .."(11).

فهذه الرواية ليس فيها دلالة بل ولا إشعار بإمضاء الإمام (ع) للمُثلة، فما فعله المختار (رحمه الله) بحرملة لم يكن بأمر الإمام (ع) بل لم يكن المختار –أساسًا– يعلم بدعاء الإمام (ع) كما يتَّضح ذلك من الرواية، فهو إنَّما علِم بدعاء الإمام (ع) بعد أنْ أمر بإحراق حرملة، وليس في الرواية أنَّ الإمام (ع) قد أُخبِر بما فعله المختار بحرملة فأقرَّه على ذلك وصحَّح عمله.

وأمَّا دعاءُ الامام السجَّاد (ع) على حرملة بأنْ يُذيقَه اللهُ حرَّ الحديد وحرَّ النار فلا يعني الدعاء عليه بأنْ يُمثَّل بجسده فكثيرًا ما يتَّفق أنْ يموت الإنسان بالحديد والنار معًا، فيُضربُ مثلًا بالسيف في معركةٍ ويكون قريبًا من خندقٍ يشتعل بالنار فيتقهقرُ في ذلك الخندق فيجتمع عليه حرُّ الحديد وحرُّ النار.

فلا ملازمة بين الدعاء على أحدٍ بأنْ يُذيقَه اللهُ حرَّ الحديدِ وحرَّ النار وبين الرضا بالمُثلة، فما وقع لحرملة -أخزاه الله- كان استجابةً من الله تعالى لدعاء الامام (ع) وانتقامًا منه تعالى لسيِّد الشهداء (ع) دون أنْ يتحمَّل الامامُ (ع) تبعاتِ التمثيل بجسد هذا الجلف المخذول، يقول الله تعالى: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذابًا نُكْرًا﴾(12).

الهوامش: 1- اختيار معرفة الرجال –الشيخ الطوسي- ج1 / ص341. 2- الأمالي –الشيخ الطوسي- ص243. 3- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص271، مناقب آل أب طالب – ابن شهراشوب – ج3 / ص285. 4- اختيار معرفة الرجال –الشيخ الطوسي- ج1 / ص341 5- تاريخ اليعقوبي –أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي- ج2 / ص259. 6- الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج5 / ص100، تاريخ مدينة دمشق –ابن عساكر- ج54 / ص343. 7- سورة الصف / 13. 8- سورة الأنفال / 9-10. 9- من لا يحضره الفقيه –الصدوق- ج1 / ص180. 10- تصحيح اعتقادات الاماميَّة –الشيخ المفيد- ص92. 11- الأمالي –الشيخ الطوسي- ص238-239. 12- سورة الكهف / 87.
2023/08/14

ما الدليل على استحباب البكاء على الإمام الحسين (ع)؟
قال بعض المخالفين: يقول الشيعة: إن البكاء على الحسين مستحب! فهل هذا الاستحباب مبني على دليل أم على هوى؟! وإذا كان على دليل فما هو؟! ولماذا لم يفعل ذلك أحد من أئمة أهل البيت الذي تزعمون أنكم أتباعهم؟!

1- أن البكاء على الإمام الحسين عليه السلام سواء أكان ناشئاً عن دليل صحيح أم كان منبعثاً عن هوى فإنه ليس بقبيح، وليس بمحرَّم، بل هو فعل حسن؛ لأن الشيعة إنما يبكون على رجل يكفي أنه سيِّد شباب أهل الجنة، مضافاً إلى أنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي قد ثبت بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحبّه؟

ولو أنا سمعنا برجل شريف قُتل مظلوماً أشنع قتلة، وقُتل معه أبناؤه وإخوته، وأصحابه، بغير حق، ورُضَّ جسمه الشريف بالخيول بعد قتله، وجعل رأسه على رأس رمح طويل يطاف به من بلد إلى بلد، ثم سبُيت نساؤه وبناته وأخواته المصونات، يتصفّح وجوههن الشريف والوضيع، وبكينا على هذا الرجل بدل الدموع دماً لما كنا ملومين في ذلك، فكيف به إذا كان من سادات المسلمين، بل من سادات أهل الجنة؟

2- أن رسول الله صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل قتله بسنين كثيرة، وأحاديث أهل  السنة التي يعتد بها هذا المخالف تدل على ذلك.

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: «لا يدخل عليَّ أحد»، فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: تحبه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم، قال: إن أمَّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها (كربلاء)، فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء. (المعجم الكبير 3/108، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدهما ثقات).

وأخرج أيضاً بسنده عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، أنه سافر مع علي رضي الله تعالى عنه، فلما حاذى نينوى، قال: صبراً أبا عبد الله، صبراً بشط الفرات، قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: هل أغضبك أحد يا رسول الله؟ مالي أرى عينيك مفيضتين؟ قال: قام من عندي جبريل عليه السلام، فأخبرني أن أمتي تقتل الحسين ابني، ثم قال: هل لك أن أريك من تربته؟ قلت: نعم، فمد يده فقبض، فلما رأيتها لم أملك عيني أن فاضتا. (المعجم الكبير 3/176، قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 7/90: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأبو يعلى بسند صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد، أبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا).

وأخرج أيضاً بسنده عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: دخل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، فنزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منكب، ولعب على ظهره، فقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه يا محمد؟ قال: يا جبريل، وما لي لا أحب ابني، قال: فإن أمَّتك ستقتله من بعدك، فمدَّ جبريل عليه السلام يده، فأتاه بتربة بيضاء، فقال: في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا محمد، واسمها الطف، فلما ذهب جبريل عليه السلام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والتربة في يده يبكي، فقال: يا عائشة، إن جبريل عليه السلام أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطف، وأن أمتي ستفتتن بعدي، ثم خرج إلى أصحابه، فيهم علي، وأبو بكر، وعمر، وحذيفة، وعمار، وأبو ذر رضي الله تعالى عنهم وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أن فيها مضجعه. (المعجم الكبير 2/113).

وأخرج البوصيري بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في بيتي، فجاء الحسين يدرج، قالت: فقعدت على الباب، فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت: ثم غفلت في شيء فدبَّ، فدخل فقعد على بطنه، قالت: فسمعت نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت فقلت: يا رسول الله ما علمت به. فقال: إنما جاءني جبريل عليه السلام وهو على بطني قاعد، فقال لي: أتحبه؟ فقلت: نعم. قال: إن أمَّتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يُقتل بها؟ قال: فقلت: بلى. قال: فضرب بجناحه، فأتاني هذه التربة. قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: ليت شعري من يقتلك بعدي؟!

قال البوصيري: رواه عبد بن حميد بسند صحيح، وأحمد بن حنبل مختصراً عن عائشة أو أم سلمة على الشك. (إتحاف الخيرة المهرة 7/90).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل مقتله بسنين كثيرة، فإن من بكى عليه سلام الله عليه بعد ذلك فقد تأسَّى برسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا كافٍ في ثبوت استحباب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام.

3- أن أئمة أهل البيت عليهم السلام أمروا شيعتهم بالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام، والروايات الدالة على ذلك كثيرة:

منها: ما رواه ابن قولويه بسنده عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذىً مسَّنا من عدوّنا في الدنيا بوَّأه الله بها في الجنة مبوَّأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا، فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. (كامل الزيارات: 201).

ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام، فإنه فيه مأجور. (نفس المصدر).

ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل له، قال: ومن ذكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عزَّ وجل، ولم يرضَ له بدون الجنة. (نفس المصدر: 202).

ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال: إن الحسين عليه السلام مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله، ومعه يُرزَقون ويُحبَرون، وإنه لعَنْ يمين العرش متعلق به، يقول: يا ربِّ أنجز لي ما وعدتني، وإنه لينظر إلى زوَّاره، وإنه أعرف بهم، وبأسمائهم، وأسماء آبائهم، وما في رحالهم، من أحدهم بولده، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: «أيها الباكي لو علمتَ ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت»، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة. (نفس المصدر: 206).

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تحث على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام، وترغب فيه.

وأما قول المخالف: «ولماذا لم يفعل ذلك أحد من أئمة أهل البيت الذين تزعمون أنكم أتباعهم؟!» فجوابه: أنه يكفي أن النبي صلى الله عليه وآله فعله كما مرَّ في الروايات الصحيحة التي رواها أهل السنة أنفسهم، ومع ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا نحتاج إلى النظر في فعل باقي أئمة أهل البيت عليهم السلام.

هذا مضافاً إلى أن أهل البيت عليهم السلام مارسوا البكاء عمليًّا، وحسبك الروايات الدالة على بكاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، فهي مستفيضة.

فقد روى الشيخ الصدوق في الخصال بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: ولقد بكى [الإمام زين العابدين عليه السلام] على أبيه الحسين عليه السلام عشرين سنة، وما وُضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك، إن يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ابناً، فغيَّب الله عنه واحداً منهم، فابيضَّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حيًّا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي، وأخي، وعمي، وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟! (الخصال: 518).

وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البكاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، وعلي بن الحسين عليه السلام.

إلى أن قال: وأما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، وكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء، فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليه السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [يوسف: 86]، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة. (الخصال: 272).

وروى ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام، قال: فأنشدته، فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقة -، قال: فأنشدته:

امرُرْ على جَدَثِ الحسينِ

فَقُلْ لأعظُمِهِ الزكيَّةْ

قال: فبكى، ثم قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كُتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كُتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتبت لهما الجنة، ومن ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله، ولم يرضَ له بدون الجنة. (كامل الزيارات: 208).

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على ما قلناه.

2023/08/07

تفاصيل قتل الحسين (ع).. هل نصدّق بكل ما يقوله الخطباء على المنابر؟!
ابكي على مصيبة الحسين بحرقة لكن مع هذا اشك بأغلب ما ينقله الخطباء والرواديد واقول ودموعي على خدي من قال ان ما يروى صحيح فما هي نصيحتكم؟

تُعتبَرُ واقعةُ كربلاء مِن أهمِّ الأحداثِ التاريخيّةِ التي توافرَت لها دواعي الاهتمامِ مِن جميعِ المُسلمين، نظراً لِما تُمثّلُه شخصيّةُ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) مِن محوريّةٍ دينيّةٍ كبيرةٍ عندَ جميعِ الطوائفِ والمذاهبِ الإسلاميّة، فقد اهتمَّ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بالإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) بشكلٍ خاصٍّ مُبيّناً منزلتَه ومكانتَه، كما أنّه تحدّثَ عمّا يُصيبُه في كربلاء وبكاهُ قبلَ مقتلِه، ولذلكَ لم تحظَ قضيّةٌ تاريخيّةٌ باهتمامِ المؤرّخينَ نقلاً وتدويناً وتوثيقاً مثلَ قضيّةِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، حيثُ رواها الجميعُ بمُختلفِ اتّجاهاتِهم في مصادرِهم الحديثيّةِ والتاريخيّة والأدبيّةِ المُختلفة، هذا مُضافاً إلى الأصداءِ الكبيرةِ للحادثةِ وتأثيراتِها العميقةِ في تاريخِ المُسلمين السياسيّ، والفكريّ، والأدبيّ، والثقافي، ممّا جعلَها محطَّ اهتمامِ المؤرّخين. 

هذهِ العواملُ وغيرُها جعلَتها تحظى باهتمامِ الرواةِ وقُدامى الأخباريّينَ الذينَ قاموا منذُ القرنِ الثاني الهجري، ببذلِ جهودٍ كبيرةٍ نحوَ تتبّعِ أخبارِ الواقعةِ والبحثِ عن تفاصيلِها ومُجرياتِها وتجميعِ المعلوماتِ الدقيقةِ عن حوادثِها ومِن ثمَّ كتابتِها وتدوينِها.

وقد مهّدَ الأخباريّونَ الأوائلُ الطريقَ لمَن جاء بعدَهم منَ الأخباريّينَ المُتأخّرينَ والمؤرّخينَ المُهتمّينَ في توثيقِ وضبطِ وتنظيمِ وترتيبِ مُختلفِ الحوادثِ التاريخيّة.

وقد جمعَ المؤرّخونَ ما أمكنَهم منَ الوقائعِ والحوادثِ والنصوصِ مِن مُختلفِ المصادر.

وقاموا في مرحلةٍ تالية، بمُراجعتِها وغربلتِها وتوثيقِها وتنسيقِها وتبويبِها وإيرادِ ما ارتأوه مِنها في مدوّناتِهم وموسوعاتِهم التاريخيّة، وكذلكَ فعلَ بعضُ المُحدّثينَ ومؤرّخوا الطبقاتِ والتراجم.

وبهذا فقد غدَت واقعةُ كربلاء مدوّنةً وموثّقةً منذُ بواكيرِ عمليّاتِ التدوينِ التاريخيّ في تاريخِ المُسلمين، وتوالَت الكتاباتُ حولَها تِباعاً في مُختلفِ الأدوارِ التاريخيّة.

هذا مُضافاً للمصادرِ التاريخيّةِ التي عنيَت بهذهِ الواقعةِ، بحيثُ لم تخلُ موسوعةٌ تاريخيّةٌ مِن ذكرِ تفاصيلِ ما وقعَ على الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) يومَ عاشوراء، ومِن أبرزِ المصادرِ التي تطرّقَت إليها هي: الطبقاتُ الكُبرى لابنِ سعدٍ (ت 230). الأخبارُ الطوالُ لأبي حنيفةَ الدينوري (ت 276). أنسابُ الأشرافِ للبلاذريّ (ت279)، تاريخُ اليعقوبي لابنِ الواضح (ت 282)، الفتوحُ لابنِ الأعثمِ الكوفي (ت 304)، تاريخُ الطبري لابنِ جرير (ت 310)، مقاتلُ الطالبيّينَ لأبي الفرجِ الأصفهاني (ت 356)، تجاربُ الأممِ والملوكِ لابنِ مسكويه (ت424)، تاريخُ دمشقَ لابنِ عساكر (ت571)، المُنتظَمُ في تاريخِ الأممِ والملوكِ لأبي الفرجِ الجوزي (ت 597) الكاملُ لابنِ الأثير (ت 630)، تذكرةُ الخواصِّ لابنِ الجوزي (ت654)، سيرُ أعلامِ النبلاءِ للذّهبي (ت748)، البدايةُ والنهايةُ لابنِ كثير (ت 774) وغيرُهم.

هذا مُضافاً إلى اهتمامِ بعضِ مصادرِ الحديثِ والتراجمِ والأدبِ التي عنيَت بترجمةِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) ومناقبِه وأحوالِه مِن قبيلِ مُسندِ أحمد (ت241) ومُعجمِ الطبراني (ت360) ومِن كتبِ الأدبِ العقدُ الفريدُ لابنِ عبدِ ربّه (ت 328).  أمّا عندَ شيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) فقد تضاعفَ الاهتمامُ بمقتلِ الحُسين وتناقلوا ذلكَ جيلاً عن جيل، وقد تصدّى الأئمّةُ (عليهم السّلام) بأنفسِهم لحفظِ تلكَ الواقعةِ، وأمروا شيعتَهم بإقامةِ المجالسِ وذكرِ تفاصيلِ ما جرى على الإمامِ الحُسين وأصحابِه في كربلاء، ولذا كانَ منَ الطبيعيّ أن يهتمَّ عُلماءُ ومؤرّخو الشيعةِ بتوثيقِ تلكَ الأحداثِ، فمِن بينِهم القاضي النعمانُ المغربي (ت 363) في شرحِ الأخبار، والشيخُ الصدوقُ (ت381) في مجالسِه، والشيخُ المُفيد (ت 413) في كتابِ الإرشاد، ومحمّدٌ بنُ فتّالَ النيسابوري (ت508) في روضةِ الواعظين، والشيخُ الطبرسي (ت 548) في اعلامِ الورى، وابنُ شهرِ اشوب (ت 588) في المناقبِ وأبو الفتحِ الأربلي (ت 693) في كشفِ الغمّةِ وغيرُهم.

وعليهِ فإنَّ أصلَ الحادثةِ وما فيها مِن تفاصيلَ مُبكيةٍ ممّا لا يجوزُ التشكيكُ فيها لمُجرّدِ التشكيكِ، وذلكَ لأنَّ العلماءَ قد تصدّوا لبيانِ ما هوَ ثابتٌ منَ القصصِ والأحداثِ وما هوَ زائدٌ لا أصلَ له، بل حرّمَ المراجعُ والعُلماءُ على الخُطباءِ ذكرَ ما لم يثبُت وقوعُه بوثيقةٍ تاريخيّةٍ تؤكّدُه، فبعضُ القصصِ التي لها مصدرٌ تاريخيٌّ ولكنّها غيرُ مؤكّدةٍ توقّفَ الفقهاءُ في جوازِ نقلِها على المنابرِ، فمثلاً قصّةُ زواجِ القاسمِ بنِ الحسنِ في كربلاء قد ذكرَها بعضُ المؤرّخينَ معَ أنَّ فيها بعضَ الشكوكِ والمُلاحظات، ولذلكَ لم يُجيزوا نقلَها بالشكلِ الذي يترسّخُ في أذهانِ الناسِ على أنّها حقيقةٌ حتميّة، وإنّما أجازوا ذلكَ على نحوِ الاحتمالِ فقط، ففي سؤالٍ وُجّهَ للمرجعِ التبريزيّ جاءَ فيه: (منَ المُتعارفِ عندَنا في الخليجِ في شهرِ مُحرّمٍ الحرام تخصيصُ اليومِ الثامنِ لشبيهِ القاسمِ بنِ الحسن (عليهِ السلام)، ولإثارةِ النُّدبةِ والنياحةِ، يطرحُ الخطباءُ على المنابرِ مُصيبتَه وينقلونَها حسبَ ما ذكرَه المؤرّخونَ، ومِنها زواجُه بابنةِ عمِّه المُسمّاةِ له في يومِ الطف، وربّما يُدخلونَ ما يُعبّرُ عن مراسيمِ الزواجِ كالشموعِ في وسطِ المجلس، فيزدادُ حزنُ الناسِ، إلّا أنّه في عصرِنا كثرَ المُعترضونَ على مثلِ هذهِ الرواياتِ والتعبيرِ عنها بالضعفِ، وكأنّه الشغلُ الشاغلُ لهم، بل بلغَ الأمرُ إلى الاستشكالِ في قراءةِ مثلِ هذهِ الرواية، فبمَ تنصحونَ أمثالَ هؤلاءِ حيثُ أنَّ مُصيبةَ الطفِّ جامعةٌ لكلِّ المصائب؟ فأجابَ رحمَه الله: (بسمِه تعالى: لا بأسَ بقراءةِ هذا المجلسِ على القاسمِ بنِ الحسن، ولكِن حسبَ ما وردَ في الكتبِ التاريخيّة، بحيثُ لا تكونُ قراءتُه على نحوٍ يترسّخُ في أذهانِ الناسِ أنّها حتميّةُ الحصول، بل على نحوِ الاحتمال، والمسائلُ المُتيقّنةُ والمُطمئنُّ بها غيرُ قليلةٍ، فليكُن الاهتمامُ بها أكثرَ للترسّخِ في الأذهانِ للأجيالِ القادمةِ لدفعِ الشبهاتِ التي تحيطُ بهم، واللهُ الموفّق).

2023/08/06

شبهة: لماذا تلعنون بني أميّة قاطبة وفيهم المؤمن؟!
زيارة عاشوراء تضمّنت لعن بني أميّة قاطبة أي جميعاً، مع أنّه فيهم من يكون مؤمناً قطعاً مثل: خالد بن سعيد بن العاص الّذي هو من أوائل الصحابة إسلاماً، والّذي وقف مع الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسألة الخلافة.

ومثل أمامة بنت أبي العاص الّتي تزوّجها الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام بعد وفاة الصديقة الطاهرة بوصيّة منها، ومثل محمّد بن حذيفة الّذي كان من خواصّ أمير المؤمنين عليه السّلام، وغير هؤلاء ممّن انتسبوا لبني أميّة وكانوا من المؤمنين الموالين لأهل البيت عليهم السّلام، فإنّه لا شكّ في حرمة لعنهم لقوله تعالى: ]وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[([461])، وقوله تعالى: ]لَهـَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ[([462])، وقوله تعالى: ]لَهـَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ[([463])، إلى غير ذلك من الآيات، وعليه فيتبيّن أنّ هذه الزيارة موضوعة أو على الأقلّ قد نالتها يد التحريف والدسّ.

الجواب من سماحة الشيخ مسلم الداوري الإصفهاني:

أوّلاً: أنّ المسمّى بأميّة من ولد عبد شمس اثنان، أميّة الأصغر وأميّة الأكبر، إلاّ أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى ولد أمية الأكبر كما صرح بذلك السويديّ في كتابه ((سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب))([464])، ومن هنا قال العلامة المامقانيّ في تنقيح المقال في ذيل ترجمة محمّد بن أبي حذيفة: ((لا ينبغي أن يتوهّم من كون الرجل عبشمياً وأنه ابن خال معاوية كونه أمويّاً، وبنو أميّة ملعونون قاطبة؛ لأنّ الرجل من بني عبد شمس والد أميّة وليس هو من ولد أميّة فإنّ بني عبد شمس سبعة بطون بنو أمية الأكبر بن عبد شمس وهم المقصودون من بني أميّة عند الإطلاق، وهم الملوك الملعونون قاطبة وبنو ربيعة بن عبد شمس، ومنهم شيبة بن ربيعة وأخوه عتبة والد محمّد هذا، وبنو عبد العُزّى ومنهم أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزّى صهر النبيّ صلّى الله عليه وآله على ابنته زينب، وبنو عبد أميّة، وبنو نوفل، وبنو حبيب ومنهم حبيب ومنهم عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وبنو أميّة الأصغر ومنهم عبد الله بن الحارث بن أميّة بن عبد شمس ويقال للبطون الثلاثة الأخيرة العبلات بفتح العين والباء؛ لأنّ أمّهم عبلة بنت عبيد من بني غنم ومن ذلك كله يتبيّن أمران:

أحدهما: أنّ كون الرجل عبشمياً لا يلازم كونه أمويّاً.

الثاني: أن كون الرجل أمويّاً لا يلازم كونه ملعوناً؛ لأنّ بني أميّة الأكبر والد ملوك الجور المستخلفين ملعونون قطعاً، ولم يعلم لعن بني أميّة الأصغر وليس الملعون كل من سمّي بأميّة، بل اللعن وقع على طائفة خاصة معينة تدعى ببني أميّة على الإطلاق وهو بنو حرب بن أميّة وبنو العاص بن أميّة))([465]).

ويشهد لـه ما رواه الصدوق بإسناده إلى محمّد بن الفضيل الزُّرَقِيّ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه عليهم السّلام، قال: ((للنار سبعة أبواب... وباب يدخل منه المشركون والكفّار، فهذا الباب يدخل فيه كلّ مشرك وكلّ كافر لا يؤمن بيوم الحساب، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أميّة، لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية، وآل مروان خاصّة، يدخلون من ذلك الباب، فتحطمهم النار حطماً لا تسمع لهم منها واعية، ولا يحيون فيها ولا يموتون))([466]).

وأبو سفيان ومعاوية وآل مروان كلّهم من ولد أميّة الأكبر، بل رواية زيارة عاشوراء أيضاً ظاهرها قد يقتضي الانحصار بأميّة الأكبر بقوله عليه السّلام: ((اللهمّ العن أبا سفيان ومعاوية ويزيد بن معاوية عليهم منك اللّعنة أبد الآبدين وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليه اللهمّ فضاعف عليهم اللّعن والعذاب الأليم)).

وقوله عليه السّلام: ((ولعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بني أميّة قاطبة)).

وثانياً: أنّ لفظ ((بني أميّة)) صار في عرف الأئمّة عليهم السّلام في غير معناه اللّغوي، بل مرادهم جميع الطغاة والفاسدين من ولد أميّة الأكبر ومن يسلك مسلكهم ويحذو حذوهم في معاداة أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، وأوليائهم، سواء كان من هذا الحيّ، أم سائر الأحياء.

فإن من سلك مسلكهم يعدّ منهم وطينته من طينتهم، وإن لم يكن في النسب الظاهريّ معدوداً منهم، ومن كان موالياً لأمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام فهو منهم من أي حيّ كان.

والدليل على ما ذكرناه قوله عزّ وجلّ: ]وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحـَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحـَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ[([467])([468]).

ويشهد لـه صريح الحديث المرويّ عن كتاب الاختصاص للمفيد عن أبي حمزة الثماليّ قال: دخل سعد بن عبد الملك ـ وكان أبو جعفر عليه السّلام يسمّيه سعد الخير، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ـ على أبي جعفر عليه السّلام فبينا ينشج كما تنشج النساء، قال: فقال لـه أبو جعفر عليه السّلام: ما يبكيك يا سعد؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال لـه: لست منهم، أنت أمويّ منّا أهل البيت، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ يحكي عن إبراهيم ]فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي[([469])([470]).

وما رواه الحاكم في المستدرك عن عمرو بن مرّة الجهنيّ ـ وكانت لـه صحبة ـ أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيّ صلّى الله عليه وآله، فعرف النبيّ صلّى الله عليه وآله صوته وكلامه فقال: ائذنوا لـه عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم، يشرّفون في الدنيا ويضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق([471]).

وعلى هذا فمن لم يتبعهم ولم يقوّي أمرهم فليس منهم، ففي خبر عبد السلام بن صالح الهرويّ، قال: قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام: يابن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام، قال: إذا خرج القائم عليه السّلام قتل ذراريّ قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟ فقال عليه السّلام: هو كذلك، فقلت: قول الله عزّ وجلّ: ]وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[، ما معناه؟ قال: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراريّ قتلة الحسين عليه السّلام يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو أن رجلاً قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.

والحاصل:

أنّ من لم يكن متابعاً لهم فلا يشمله اللعن وإن كان منتمياً لبني أميّة نسباً، أمثال خالد بن سعيد بن العاص، وأبو العاص ابن الربيع، وعمر بن عبد العزيز على خلاف فيه، وأمامة بنت أبي العاص الّتي تزوجها الإمام أمير المؤمنين بعد وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام، ومحمد بن حذيفة وأمّه بنت أبي سفيان وغيرهم، وبذلك يندفع الإشكال كلاًّ.

الهوامش: [461]ـ سورة الأنعام، الآية: 164. [462]ـ سورة البقرة، الآية: 286. [463]ـ سورة البقرة، الآية: 134. [464]ـ سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: 70. [465]ـ تنقيح المقال 2: 59 من باب الميم. [466]ـ الخصال 2: 396، باب السبعة، الحديث 51. [467]ـ سورة هود، الآية: 45 ـ 46. [468]ـ أنظر: مكيال المكارم 2: 418. [469]ـ سورة إبراهيم، الآية: 36. [470]ـ الاختصاص: 85. [471]ـ المستدرك علی الصحيحين4: 481.
2023/08/05