هل الزهراء (ع) معصومة؟!

۱. قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (۱).

[اشترك]

وقد اتّفق جميع المفسّرين والمحدّثين من الشيعة والسنّة على أنّ الآية شاملة للزهراء عليها السّلام. (۲)

۲. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنّ الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها. (۳)

ومن المعلوم أنّ الله تعالى لا يرضى لرضى أحد إلّا إذا كان معصوماً.

۳. قال الإمام العسكري عليه السلام : نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا. (٤)

فإذا لم تكن فاطمة عليها السلام معصومة ، فكيف تكون حجّة الله على الأئمّة المعصومين عليهم السلام ؟

٤. قال الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف في توقيعه إلى الشيخ العمري : وفي ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لي أسوة حسنة. (٥)

٥. وعن الصادق عليه السلام : لولا ان الله خلق أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن لفاطمة عليها السلام كفو على ظهر الارض آدم فمن دونه. (٦)

وفي حديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : ان الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك ، فأنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي ، وعلي بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفؤ أبداً ، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الانبياء وسيدا شباب أهل الجنة. (۷)

٦. عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : ولقد كانت صلوات الله عليها طاعتها مفروضة على جميع مَن خلق الله من الجنِّ ، والإِنس ، والطير والبهائم ، والأنبياء والملائكة. (۸)

فكيف يفرض الله طاعة غير المعصوم على المعصومين ؟

۷. أفضليّتها وسيادتها على نساء الأولين والآخرين ونساء الجنّة حتّى مريم عليها السلام ، وهو يستلزم عصمتها ، وإلّا لم تكن غير المعصومة أفضل من المعصومة.

ففي حديث عن الصادق عليه السلام : وان الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين. (۹)

وفي حديث الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم : وابنتي فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة من الخلق أجمعين. (۱۰)

۸. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : منّا خمسة معصومون. قيل يا رسول الله ، من هم ؟

قال : أنا ، وعليّ ، وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. (۱۱)

۹. تستفاد العصمة من ألقابها التي صدرت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة المعصومين عليه السلام ، مثل : الطاهرة ، والمطهّرة ، والحوراء. (۱۲)

۱۰. شأنها العالي ، ومقامها الرفيع حيث جعلها الله محوراً للمعصومين : أبيها وبعلها وبنيها ، كما في حديث الكساء الشريف : وَهُمْ فاطِمَةُ وَأبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوها (۱۳).

۱۱. كونها بضعة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، المقتضي لأن تكون كالأصل معصومة ، بل هي مهجة قلبه وروحه التي بين جنبيه ، كما في الأحاديث الواردة عن الفريقين.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين ، من الاوَّلين والآخرين وهي بضعة منّي ، وهي نور عينيَّ ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي الّتي بين جنبيَّ ، وهي الحوراء الإنسيّة. (۱٤)

=======

الهوامش

۱. الأحزاب : ۳۳.

۲. راجع :

الكافي « للشيخ الكليني » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۲۸٦ ـ ۲۸۷ / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : ۳.

الأمالي « للشيخ الطوسي » / الصفحة : ۲٤۸ ـ ۲٤۹ / الناشر : دار الثقافية / الطبعة : ۱.

تفسير فرات الكوفي « لعلي بن إبراهيم القمي » / الصفحة : ۳۳٦ ـ ۳۳۷ / الناشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي / الطبعة : ۱.

تفسير القمي « لعلي بن إبراهيم القمي » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ۱۹۳ ـ ۱۹٤ / الناشر : مؤسسة دار الكتاب / الطبعة : ۳.

تفسير القرآن العظيم « لابن كثير » / المجلّد : ۳ / الصفحة : ٤۹٤ / الناشر : دار المعرفة.

أسباب النزول « لأحمد بن محمد النيسابوري » / الصفحة : ۳٥٤ / الناشر : دار الإصلاح ـ الدمام / الطبعة : ۲.

تفسير القرآن العظيم « لابن أبي حاتم الرازي » / المجلّد : ۹ / الصفحة : ۳۱۳۱ / الناشر : دار الفكر.

الدر المنثور في التفسير بالمأثور « لجلال الدين السيوطي » / المجلّد : ٦ / الصفحة : ٦۰٤ ـ ٦۰٥ / الناشر : دار الفكر.

۳. شرح احقاق الحق « للسيد المرعشي » / المجلّد : ۱۰ / الصفحة : ۱۱٦ ـ ۱۱۷ / الناشر : منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

راجع :

الأمالي « للشيخ الصدوق » / الصفحة : ٤٦۷ ـ ٤٦۸ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

عيون أخبار الرضا « للشيخ الصدوق » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ٥۱ / الناشر : مؤسسة الأعلمي / الطبعة : ۱.

بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : ٤۳ / الصفحة : ۲۲۰ / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : ۲.

٤. أطيب البيان « للسيد عبدالحسين الطيب » / المجلّد : ۱۳ / الصفحة : ۲۲٥ / الناشر : انتشارات اسلام / الطبعة : ۲.

٥. الغيبة « للشيخ الطوسي » / الصفحة : ۲۸٦ / الناشر مؤسسة المعارف الإسلاميّة / الطبعة : ۱.

٦. تهذيب الأحكام « للشيخ الطوسي » / المجلّد : ۷ / الصفحة : ٤۷۰ / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : ٤.

راجع :

المناقب « لابن شهر آشوب » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ۱۸۱ / الناشر : مؤسسة انتشارات علامة / الطبعة : ۱.

الوافي « للفيض الكاشاني » / المجلّد : ۲۱ / الصفحة : ۳۱٥ / الناشر : مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام / الطبعة : ۱.

بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : ٤۳ / الصفحة : ۱۰۷ / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : ۲.

۷. شرح إحقاق الحق « للسيد المرعشي » / المجلّد : ۱۹ / الصفحة : ۱۱۷ / الناشر : منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

راجع :

تفسير القمي « لعلي بن إبراهيم القمي » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ۳۳۸ / الناشر : مطبعة النجف.

كشف الغمة « لعلي بن أبي الفتح الإربلي » / المجلّد : ٤ / الصفحة : ٤۱۹ / الناشر : المجمع العالمي لأهل البيت.

البرهان في تفسير القرآن « للسيد هاشم البحراني » / المجلّد : ٤ / الصفحة : ۱٤۳ / الناشر : مؤسسة البعثة.

۸. دلائل الإمامة « لمحمد بن جرير الطبري » / الصفحة : ۱۰٦ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

۹. علل الشرائع « للشيخ الصدوق » / الصفحة : ۱۸۲ / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : ۲.

راجع :

دلائل الإمامة « لمحمد بن جرير الطبري » / الصفحة : ۱٥۲ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

التفسير الصافي « للفيض الكاشاني » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۳۳٦ / الناشر : مكتبة الصدر / الطبعة : ۲.

بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : ٤۳ / الصفحة : ۷۸ / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : ۲.

۱۰. شرح إحقاق الحق « للسيد المرعشي » / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٤۱ / الناشر : منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

راجع :

الأمالي « للشيخ الصدوق » / الصفحة : ۳۷۳ ـ ۳۷٤ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

الأمالي « للشيخ الطوسي » / الصفحة : ۸٤ ـ ۸٥ / الناشر : دار الثقافة / الطبعة : ۱.

بشارة المصطفى « لمحمد بن أبي القاسم الطبري » / الصفحة : ٦٥ ـ ٦٦ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : ۳٦ / الصفحة : ۲۹٤ ـ ۲۹٦ / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : ۲.

۱۱. عوالم العلوم والمعارف ـ العوالم ، سيّدة الزهراء سلام الله عليه ـ « للشيخ عبدالله البحراني » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۸٦ / الناشر : مؤسسة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف / الطبعة : ۳.

راجع :

مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) « لمحمد بن سليمان الكوفي » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ۱٥۳ / الناشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة.

۱۲. راجع :

الخصال : « للشيخ الصدوق » / الصفحة : ٤۱٤ / الناشر : منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة.

تفسير فرات الكوفي « لفرات بن إبراهيم الكوفي » / الصفحة : ۲۱٦ / الناشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي / الطبعة : ۱.

علل الشرائع « للشيخ الصدوق » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۱۸۳ ـ ۱۸٤ / الناشر : المكتبة الحيدريّة.

۱۳. عوالم العلوم والمعارف ـ العوالم ، سيّدة الزهراء سلام الله عليه ـ « للشيخ عبدالله البحراني » / المجلّد : ۲ / الصفحة : ۹۳۳ / الناشر : مؤسسة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف / الطبعة : ۳.

۱٤. بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : ٤۳ / الصفحة : ۱۷۲ / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : ۲.

راجع :

الأمالي « للشيخ الصدوق » / الصفحة : ۱۷٥ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

بشارة المصطفى « لمحمد بن أبي القاسم الطبري » / الصفحة : ۳۰٦ ـ ۳۰۷ / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : ۱.

عوالم العلوم والمعارف ـ العوالم ، سيّدة الزهراء سلام الله عليه ـ « للشيخ عبدالله البحراني » / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۲۷۷ / الناشر : مؤسسة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف / الطبعة : ۳.

2024/11/16

لماذا يذكر الشيعة في الأذان عبارة "حي على خير العمل"؟

لماذا يلتزمُ الشيعة في الأذان خلافًا لبقيَّة المذاهب بفقرة: (حيَّ على خيرِ العمل)؟

[اشترك]

الجواب: إنَّ فقرة: (حيَّ على خيْرِ العمل) كانت من فصولِ الأذان على عهدِ رسولِ الله (ص)، وقد التزمَ بها المسلمون أيَّام أبي بكر وشطرًا من أيَّام عمر، ثمَّ إنَّ عمرَ بن الخطاب أمَرَ بحذفِها من الأذان، وعلّل ذلك بأنَّ (حيِّ على خيرِ العمل) تعني الحضَّ والحثّ على الصلاة وتعني وصفَها بأنَّها خيرُ الأعمال، وهذا قد يُنتِج -بنظره- انصرافَ المسلمين عن الجهاد واكتفاءَهم بالصلاة بذريعة أنَّها خيرُ العمل، فحتى لا يتقاعس المسلمون عن الجهاد أمَر بحذفِ هذه الفقرةِ من الأذان.

والعجيب كيف اِلتزَمَ أكثرُ المسلمين بهذا الأمر رغم أنَّه من الاجتهاد في مقابل النصِّ، فالرسولُ (ص) يأمرُ بإثباتِها في الأذان ويأمرُ الخليفةُ بحذفِها! وكأنَّه تفطَّن إلى أمرٍ غفِلَ عنه رسولُ الله (ص) الذي لم يكن ينطقُ عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يُوحى.

وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا﴾(1).

أمّا أنّ فقرة: (حيَّ على خير العمل) كانت من فصول الأذان وأنَّ الرسولَ (ص) هو مَن جعلها كذلك، فطريقُنا إلى إثباته هو ما ورد يقيناً عن أهل البيت (ع) الذين ثبتَ بالقرآن الكريم والسُنَّة القطعيَّة أنَّهم الهداةُ بعد رسول الله (ص) والأدلاَّءُ على دينِ الله وأحكامِه، وأنَّهم في الأُمَّة كسفينة نوح من ركِبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق، وأنَّهم الثقلُ الثاني، والقرآنُ الكريم هو الثقلُ الأول، وقد ضَمِنَ رسولُ الله (ص) للأُمَّة عدم الضلالِ إنْ هم تمسَّكوا بهما، وقال: "إنِّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهلَ بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبدا"، وقد أفاد (ص) أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض(2)، لذلك فنحن نعتمدُ طريقَهم في معرفةِ السُنَّة الشريفة.

وممَّا ورد عنهم (ع) هو ما رواه الشيخُ الطوسي في التهذيب بسندٍ معتبر إلى زرارة والفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "لمَّا أُسْرِيَ برسول الله (ص) فبلغَ البيتَ المعمور حضرت الصلاة فأذَّن جبرائيل وأقام، فتقدَّم رسولُ الله (ص)، قال فقلنا: كيف أذَّن، فقال: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصلاةِ حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاحِ حيَّ على الفلاح، حيَّ على خيرِ العمل حيَّ على خير العمل، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إله إلا الله، والإقامةُ مثلها إلاّ أنَّ فيها قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة بين حيَّ على خير العمل حيَّ على خير العمل وبين الله أكبر، فأمر بها رسولُ الله بلالاً، فلم يزل يؤذٍّن بها حتى قبَض اللهُ رسولَه (ص)(3).

والروايات المُصرِّحة باشتمال الأذان والإقامة على فقرة: (حيَّ على خير العمل) كثيرةٌ ومن أرادها فليرجعْ إليها في مظانٍّها.

وأمَّا ما يُؤيِّدُ -من كُتب علماءِ السنَّة- بأنَّ عمر بن الخطّاب هو مَن أمرَ بحذفِها فنصوصٌ كثيرةٌ نذكر شطرًا منها:

النصّ الأوَّل: قال الشوكاني نقلاً عن كتاب الأحكام: ".. وقد صحَّ لنا أنَّ (حيَّ على خير العمل) كانت على عهد رسولِ الله (ص) يؤذَّن بها ولم تُطرح إلاّ في زمن عمر"(4).

النصّ الثاني: قال القوشجي وهو من أكابر علماء الأشاعرة في كتابه شرح التجريد أنَّ الخليفة عمر قال وهو على المنبر: "ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهنَّ وأُحرٍّمهنَّ وأُعاقب عليهنَّ: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيَّ على خير العمل"(5).

النصّ الثالث: قال سعد الدين التفتزاني في حاشيتِه على شرح العضدي على مختصر الأصول لابن الحاجب: (إنَّ "حيَّ على خير العمل) كان ثابتاً على عهدِ رسول الله (ص) وإنَّ عمر هو الذي أمَر أنْ يكفَّ الناسُ عن ذلك، مخافةَ أن يثبِّط الناس على الجهاد ويتَّكلوا على الصلاة"(6).

النصّ الرَّابع: ما ورد في البحر الزخَّار وجواهر الأخبار والآثار أنَّ الإمام الباقر (ع) كان يقول: "وكانت هذه الكلمة (حيَّ علي خير العمل) في الأذان فأمر عمر بن الخطَّاب أن يكفُّوا عنها مخافة أنْ تُثبِّط الناس عن الجهاد ويتَّكلوا على الصلاة"(7).

النصّ الخامس: في كتاب الرّوض النّضير قال الزّركشيُّ في البحر المحيط: ".. وكان ابنُ عمر، وهو عميد أهل المدينة يرى إفراد الأذان والقول فيه "حيَّ على خير العمل"(8).

وورد في كتاب السّنام: الصّحيح في الأذان شرح بـ (حيَّ على خير العمل) وقال: "وقد قال كثيرٌ من علماء المالكيَّة وغيرهم من الحنفيَّة والشَّافعيَّة أنَّه كان (حيَّ على خير العمل) من ألفاظ الأذان"(9).

وثمَّة نصوصٌ أخرى وردت في كتب علماء السنَّة، أفاد بعضُها أنَّ فقرة (حيَّ على خير العمل) كانت من فصول الأذان في عهد رسول الله، وأفاد بعضها اِلتزام جمعٍ من الصحابة بها في الأذان.

منها: ما ورد في ميزان الاعتدال للذّهبي ج1 / ص139 ولسان الميزان للعسقلاني ج1 / ص268 عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة قال: كنتُ غلامًا فقال لي النّبيُّ (ص): "اجعل في آخر أذانك "حيَّ على خير العمل""، وذكر أنّ هذيل بن بلال المدائنيّ قال: سمعتُ ابن أبي محذورة يقول: "حيّ على الفلاح حيّ على خير العمل".

ومنها: ما ورد في منتخب كنز العمّال ج3 / ص276 أنَّ بلال كان يؤذِّن بالصّبح فيقول: (حيّ على خير العمل).

ومنها: ما رواه محمّد بن منصور في كتابه الجامع باِسناده عن رجال مرضيين عن أبي محذورة أحد مؤذِّني رسول الله (ص)، أنَّه قال: "أمرني رسولُ الله (ص) أنْ أقول في الأذان: "حيَّ على خير العمل""(10).

ومنها: ما رواه البيهقيّ في سُننه قال: إنَّ ذِكر (حيّ على خير العمل) في الأذان قد رُوي عن أبي أمامة سهل بن حنيف"(11).

ومنها: ما نقله ابن الوزير عن المحبّ الطبري الشَّافعي في كتابه إحكام الأحكام: ".. ذكر الحيعلة بـ (حيّ على خير العمل) عن صدَقة بن يسار عن أبي أمامة سهل بن حنيف قال: "إنَّه كان إذا أذّن قال: "حيَّ على خير العمل"، أخرجه سعيد بن منصور"(12).

ومنها: ما قاله علاءُ الدّين الحنفيُّ في كتاب التّلويح في شرح الجامع الصَّحيح قال: "وأمَّا (حيَّ على خير العمل) فذكر ابنُ حزم أنَّه صحّ عن عبد الله بن عمر وأبي أمامة سهل بن حنيف أنَّهما كانا يقولان: "حيَّ على خير العمل"، ثُمَّ قال: وكان عليُّ بن الحسين يفعلُه .."(13).

ومنها: ما ورد في السّيرة الحلبيَّة ".. ونقل عن ابن عمر وعن عليِّ بن الحسين (ع) أنّهما كانا يقولان في أذانيهما بعد حيَّ على الفلاح حيَّ على خير العمل .."(14).

ومنها: ما ورد في سُنن البيهقيِّ عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليَّ بن الحسين (ع) كان يقولُ في أذانه إذا قال حيَّ على الفلاح قال: (حيَّ على خير العمل) ويقول: "هو الأذانُ الأول"(15).

وثَمّة نصوصٌ أُخرى وردت في كتب علماءِ السُّنَّة إلا أنّنا أعرضنا عن ذكرها خشيةَ الإطالة.

الهوامش:

1- سورة الحشر / 7.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- باب تحريم الحكم بغير الكتاب والسنة ج27 / ص34.

3- وسائل الشيعة -الحرُّ العاملي- باب الأذان والإقامة / ح8.

4- نيل الأوطار -الشوكاني- ج2 / ص32.

5- شرح التجريد -القوشجي- ص484.

6- الروض النضير -سعد الدين التفتزاني- ج2 / ص42.

7- البحر الزخَّار وجواهر الأخبار ج2 / ص192.

8- الرَّوض النّضير -سعد الدين التفتزاني- ج1 / ص542.

9- الرَّوض النّضير -سعد الدين التفتزاني- ج1 / ص542.

10- البحر الزخار ج2 / ص192.

11- سنن البيهقي ج1 / ص425.

12- مبادئ الفقه الإسلاميّ للعرفي ص38 / ط 1354هـ.

13- مبادئ الفقه الإسلاميّ -للعرفي- ص38، المحلَّى -ابن حزم- ج3 / ص160.

14- السّيرة الحلبيّة باب الأذان ج2 / ص98.

15- سنن البيهقي ج1 / ص625 / ح1993.

2024/11/05

لا تنهزم: هل يسمح الله بانتصار الظالم؟!

في خضم رحى الصراع، حيث تتساقط الشهداء كأوراق الخريف، وتتعالى صرخات الثكالى، ورغم ذلك الكيان الغاصب لا يزال يمعن في غيه، يسطو على الأراضي ويدنس المقدسات، محققاً انتصاراتٍ عسكريةً زائفةً، تثير في قلوب المؤمنين الوجل والحيرة.

[اشترك]

تتملكهم حينئذٍ مشاعر اليأس والإحباط، وتتردد في صدورهم أسئلةٌ مؤرقةٌ عن غياب نصر الله الموعود. كيف يرضى رب العزة بهذا الظلم، وهو الذي حرم الظلم على نفسه ونهى عنه بين عباده؟ 

وبعيداً عن سوح الجهاد، يتعرض الكثير من المؤمنين لألوان من الظلم والاضطهاد، ولا يملكون أمامه غير رفع أيدي الدعاء، مما يعيد السؤال: كيف سمح الله تعالى للظالم بأن ينتصر؟!

وللإجابة عن تلك الأسئلة التي تجول في خاطرك، إليك أصلٌ عظيمٌ في عدل الله وحكمته، يزيل الشك ويبدد الحيرة:

إن القرآن الكريم يوضح جلياً الغاية من خلق الإنسان وهي تكامله ووصوله إلى مرتبة العبودية المطلقة لله تعالى، كما قال في محكم تنزيله: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ الذاريات: 56.وليست هذه العبودية إلا سبيلاً إلى معرفة ملكوت السماوات والأرض، كما بين سبحانه في قوله: ﴿الله الذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قديرٌ وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علمًا﴾ الطلاق: 12.

ولكن هذا التكامل الروحي لا يتحقق إلا باختيار الإنسان طريق الخير والصلاح، واكتسابه الفضائل من خلال أفعاله الاختيارية. ولكي يدرك الإنسان حقيقة نفسه ويطهرها، كان لا بد من إخضاعه لظروفٍ تضطره لانتخاب طريق الحق، وتحمل مسؤولية أفعاله. فقد ارتبطت إرادة الله تعالى بالابتلاء، ليطهر به الإنسان ويغربله، ويخرج مكنونات نفسه من خلال إمراره بتجارب وابتلاءاتٍ مختلفةٍ، كما قال تعالى: ﴿إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه﴾ الإنسان: 2، وقال أيضاً: ﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملًا﴾ هود: 7. 

ففي هذه الآيات الكريمة بيانٌ لحكمة الابتلاء، وأنه سنةٌ إلهيةٌ لتربية النفوس وتزكيتها، وتمحيصها من الشوائب، ورفع درجاتها في جنات النعيم.

ووفقًا للآيات التي تقدمت، فإن الابتلاء هو المحك الذي يُستخرج به مكنونات النفس، فيظهر ما فيها من طاعةٍ أو عصيان، وذلك بتعريض الإنسان لظروفٍ معينةٍ تتطلب منه موقفًا حاسمًا. فقد يسهل على الإنسان طاعة الله في حال الرخاء، حيث لا توجد دوافع قويةٌ للمعصية، ولكن هذه الطاعة لا تظهر حقيقة إيمانه، ولا تؤثر تأثيراً كبيراً في تربية نفسه. أما إذا مر بظروفٍ تسهل عليه الانسياق وراء الشيطان أو هوى النفس، فهنا تظهر حقيقة إيمانه، ويصبح الابتلاء فرصةً لتربية النفس وتزكيتها.

فنجاح الإنسان في الابتلاء هو نجاحٌ على مستوى الإيمان والعبادة، وقد ضرب الله تعالى لنا مثلاً في نبيه إبراهيم عليه السلام، الذي اجتاز جميع الابتلاءات، من رميه في النار، وأمره بترك عائلته بوادٍ غير ذي زرعٍ، وأمره بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، وغيرها من الابتلاءات. فأثابه الله تعالى بأن جعله إمامًا للناس، وهي الرتبة التي لم يكن ليوفق لها لولا نجاحه في تلك الابتلاءات، قال تعالى: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين﴾ البقرة: 124.   

وكذلك ضرب الله تعالى مثلاً في إبليس لعنه الله، الذي فشل في اختبار السجود لآدم عليه السلام، فكان جزاؤه الطرد من رحمة الله والضلال والخسران، قال تعالى: ﴿قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ البقرة: 33-34. فلولا الابتلاء لما ظهرت حقيقة استكبار إبليس لعنه الله.   

فالابتلاء هو الطريقة التي تخرج مكنونات النفوس من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل، وتظهر حقيقة الإنسان، وتبين مدى استعداده للطاعة أو المعصية.

قد يتبادر إلى ذهنك سؤالٌ هامٌ: إذا كان الله تعالى، كما ذكر في الآية الكريمة، يعلم غيب السماوات والأرض، ويعلم ما تضمره النفوس من إرادة الطاعة أو العصيان، فما فائدة الابتلاء حينئذٍ؟ ألا يكون تحصيلًا للحاصل وعبثًا، والعياذ بالله؟!

والجواب عن ذلك: أن الله تعالى، وإن كان يعلم خفايا النفوس، فهو عالم الغيب والشهادة، إلا أن حسابه لا يعتمد على علمه الغيبي، وإنما على ما يصدر من الإنسان من فعلٍ في الواقع، والذي لا يفعله إلا بتعريضه للابتلاء.

فالله تعالى، بحكمته وعدله، لا يعاقب الناس على ما يضمرونه في أنفسهم، بل يمهلهم ويبتليهم، ليظهروا ما في نفوسهم من خلال أفعالهم في الواقع.فالابتلاء هو الوسيلة التي تمكن الإنسان من التعبير عن إرادته الحقيقية، واختيار طريقه بنفسه.

فالإنسان، في هذه الحياة الدنيا، يخير بين الطاعة والمعصية، والابتلاء هو الفرصة التي تتيح له إثبات صدق نيته، وتحقيق إرادته في اختيار طريق الحق.فإذا صبر واحتسب، فاز برضا الله تعالى، وإن عصى واستكبر، خسر الدنيا والآخرة.

فلا يجوز الظن بالله تعالى العبث، أو أنه يفعل شيئًا بلا حكمةٍ أو غايةٍ، فكل ما يفعله سبحانه هو لحكمةٍ بالغةٍ، وغايةٍ ساميةٍ، تتعلق بمصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة.

وخلاصة القول إن الغاية من خلق الإنسان هي تكامله ووصوله إلى مرحلة العبودية الخالصة لله تعالى، وهذه العبودية لا تتحقق إلا بفعل أفعالٍ تدل على الطاعة وترك المعصية، الأمر الذي يتوقف على تعريض الإنسان لمواقف شديدةٍ تعرف بالابتلاءات.

ومن هنا ندرك أن الغاية الأهم عند الله سبحانه هيإبراز وإظهار ما تكنه الأنفس وتنطوي عليه الضمائر،وهو ما لا يتم إلا بالصعوبات والخسائر،وهذهالغاية -التي هي علة وغاية خلق الإنسان- أهم منانتصاره في معركةٍ أو موقفٍ على ظالمٍ، فقديتعرض المؤمن لهزيمةٍ مؤقتةٍ، لكنه ينتصرفيالابتلاء ويفوز في الاختبار.

وقد نبهنا الله تعالى على ذلك في كتابه الكريم، فقال: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ﴾ البقرة: 214. فالآية الكريمة تنبه على ما تقدم بطريق التساؤل: هل ظننتم أن الإنسان يستحق دخول الجنة بمجرد إيمانه بالعقيدة الحقة، ولم يمحص ويغربل ويتطهر من درن الشرك العملي؟! كيف ظننتم ذلك، وقد مرت الأمم السالفة بأشد أنواع الابتلاءات وتعرضت لمختلف الخسائر والهزائم، حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟   

وقال تعالى أيضاً: ﴿وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (141) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾ آل عمران: 141-142. وهي أصرح مما تقدم.   

وفي صحيحة يعقوب السراج وعلي بن رئابٍ، عن الصادق عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «والذي بعثه صلى الله عليه بالحق، لتبلبلن بلبلةً، ولتغربلن غربلةً، حتى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم، وليسبقن سباقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا» وغيره من الأخبار قطعية الصدور، الفصيحة في ذلك.

فلا ينبغي للمؤمن أن يجزع من الابتلاءات والصعوبات، بل عليه أن يصبر ويحتسب، ويدرك أنها فرصةٌ لتربية النفس وتزكيتها، وتمحيصها من الشوائب، ورفع درجاتها في جنات النعيم، فالله تعالى، بحكمته البالغة، يعلم أن النفس الإنسانية تخفي مكامن وقدراتٍ كامنةً لا تظهر إلا في أوقات الشدة والضيق. ولذلك، فإن وقوع المؤمن في مثل هذه الحالات من الضعف والانكسار هو جزءٌ من عملية تربيةٍ وتنميةٍ نفسيةٍ وروحيةٍ. فهذه الصعوبات تظهر الجوانب الخفية من نفس المؤمن، وتتيح له معرفة مدى صبره وتوكله، وتكشف له عن نقاط القوة والضعف في إيمانه.

ويأتي الظلم هنا كجزءٍ من هذه التجربة، فهو ليس إهمالاً من الله تعالى، بل اختبارٌ حقيقيٌ ليواجه المؤمن نفسه ويعزز إيمانه بالله وثقته بعدله. قد يشعر المؤمن في لحظات الظلم بأنه وحيدٌ، لكن هذه اللحظات تتيح له الاستغناء عن الدنيا واللجوء إلى الله وحده، مما يزيد من تواضعه واعتماده الكلي على الله، ويجعل قلبه أكثر اتصالًا به وثقةً بنصره.

ففي ظلمة الابتلاء، يتجلى نور الإيمان، وتتضح معالم التوكل على الله، ويزداد المؤمن قوةً وصلابةً، كالشجرة التي تثبت جذورها في الأرض كلما هبت عليها الرياح. فلا يحزن المؤمن إذا ابتلاه الله، بل ليفرح بهذا الاختبار، الذي يقربه من ربه، ويزيده إيمانًا ويقينًا

ختاماً.. ننبه إن المقال لا يدعو لترك تحصيل أسباب القوة، كيف والأمر صريح به، وإنما يدعو لمواجهة حالة الانكسار والشعور بالضعف التي قد يتعرض لها المسلم عند تعرضه لظروف تفوق قدرته، فإن المؤمن حتى في حال تعرضه للظلم قد فاز وانتصر على نفسه بإخضاعها لأمر الله تعالى، وزجرها ولجمها عما حرم.

 

2024/10/28

ما معنى «إمامي».. ثلاثة إطلاقات للمفردة

يقول الفقيه السيد موسى الشبيري الزنجاني -حفظه الله: "لكلمة "إمامي" ثلاث إطلاقات واستعمالات: عام، خاص وأخص.

 

إحدى معاني "إمامي" هو أن يكون الشخص معتقدًا أن الإمامة كالنبوة منصب إلهي، ويجب أن يكون [الإمام] منصوبًا من الله، (في قبال رأي أهل السنة القائلون بأن الإمام يتم اختياره من الناس) وعلى هذا الأساس تكون تمام فرق الشيعة (التي ترى أميرالمؤمنين الخليفة بلا فصل كالزيدية والناووسية والفطحية، والإسماعيلية و..) إمامية بهذا المعنى العام.

 

المعنى الخاص للإمامي هو أن يكون الشخص معتقدًا بإمامة الشخص الذي يعد إمام زمانه وأن يعرفه ومن سبقه من الأئمة. أما معرفة من يأتي بعده من الأئمة فلم تكن واجبا عليه، ولم تكن هذه المسألة في عداد ضرورات الدين في ذلك الزمان.

بل ربما لم تكن معرفة هذا الأمر متيسرة؛ لأن مسألة الاعتقاد بآحاد أئمة الشيعة كانت تدريجية (لا دفعية) وكانت طريقة الشيعة بعد وفاة كل إمام التحقيق والبحث والسؤال عن هذا الأمر (كما فعل زرارة -مثلا- حين أرسل ابنه إلى الإمام ليحقق ويعرف الإمام اللاحق عنده) ومن باب المثال إمامة أمير المؤمنين -عليه السلاما في زمان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قبل غدير خم كان يعلمها الخواص كسلمان، وفي زمانه [=أميرالمؤمنين] كان يجب على الناس أن يعرفوه كإمام.

فما يرد في تنقيح المقال مثلا "إمامي مجهول" فالمراد منه الإمامي بالمعنى الخاص له.

 

وأما المعنى الأخص فهو الإثنى عشري، والفرق بين هذا المعنى وبين المعنى الخاص للإمامي هو أن مصداق الإمامي [الأخص] من الممكن ألا يكون في زمان ما (كزمان الإمام الصادق -عليه السلام-) كزرارة في زمانه لم يكن إماميا اثنى عشريا ولكنه كان إماميا بالمعنى الخاص.  ..

 

وفي زمان الأئمة كانت عقائد أكثر الأصحاب بإمامة الأئمة -عليهم السلام- من النوع الثاني؛ لأن الأخبار الكثيرة في إمامة الاثني عشر إمام لم تكن متاحة للجميع، بل ربما كانت مخفية، كما نرى أن عصمة الإمام لم يكن يعتقد بها الكثير من الأصحاب، بل كانوا يعرفون الإمام كعالم تجب طاعته، لا أنه معصوم من الخطأ والذنب، فكان خواص الأصحاب يعتقدون بهذا الأمر [=العصمة].

الآن بعد جمع الأحاديث والإحاطة بها، فأمور كالعصمة أو الإمامة بمعنى الاعتقاد بالإثني عشر أو رفض القياس أضحت من الضرورات".

 

مترجم من دروس خارج خمس، ج2 ص 618-616، [مرکز فقهی امام محمد باقر علیه السلام وابسته به دفتر آیه الله العظمی شبیری زنجانی، قم المقدسة].

 
2024/10/12

هداية الناس أم الحكم.. ما هو هدف الأنبياء؟!
هل تقتصر مهمة الأنبياء على إصلاح البشر وهدايتهم جميعًا؟ قد يبدو الجواب مفاجئًا، لكن الحقيقة أن الإجابة هي "لا". فذلك يناقض طبيعة البشر وسننهم. إن الاختلاف ومعارضة الحق واتباع الهوى جزء من السلوك الإنساني، كما قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ..)، هود: 119. وأكد الله عز وجل على قلة المهتدين وشيوع الضلال في قوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، يوسف: 103، وقوله أيضاً: (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، يس: 7. وهذه الآيات، وغيرها، تشير بوضوح إلى أن الضلال هو السائد، وأن الإيمان نادر، وهي سنة ثابتة في حياة البشر.

[اشترك]

لا يمكن أن نأمل في هداية الجميع، ولهذا واسى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع عديدة من القرآن لشدة حزنه على من أصروا على الكفر. قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)، الكهف: 6، وقال أيضاً: (..فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، فاطر: 8.

ولم يكن الإسلام ولا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم استثناءً من هذه السنة، بل أكد النبي الكريم هذه الحقيقة من خلال أحاديث عديدة، منها إخباره عن افتراق أمته على سبع وثلاثين فرقة، وأنهم سيتبعون سنن الأمم السابقة خطوة بخطوة، وأن كثيرًا من أصحابه سيُبعدون عن الحوض لارتدادهم القهقرى... وغيرها من الأخبار التي تدل على انتشار الفتن وانحراف بعض الأمة.

إذاً، إن لم تكن مهمة الأنبياء هداية كل البشر، فما هي إذن؟ إن الغاية العظمى للأنبياء وهدف رسالاتهم يتجلى في تبليغ ما أنزل الله عليهم من الوحي، وبيان معالم الدين بوضوح جلي، كما قال تعالى: (..لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)، الأنفال: 42. فالأنبياء لا يملكون إلا أن يؤدوا الرسالة، كما قال الله تعالى: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، النحل: 35، وأكد في قوله: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، النور: 54. كما قال جل شأنه على لسان رسله: (وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، يس: 17.

فالأنبياء، رغم أنهم بذلوا جهودهم في هداية الناس وسلكوا طرق النصح والموعظة والجدال بالحسنى، وضحوا بحياتهم من أجل ذلك، إلا أن مهمتهم الأساسية لا تتمثل في هداية الجميع. بل، إن دعوتهم تتوقف عند تبليغ الرسالة بوضوح، فلا يُجبر أحد على الإيمان، وهي ليست وظيفة الأنبياء فحسب، بل يُكلف كل إنسان بهذه المهمة النبيلة، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فصلت: 33. وأيضاً في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، النحل: 125.

إنما يُطلب من الأنبياء والمؤمنين جميعاً أن يدعوا إلى الحق بصدق، بقلوب مخلصة وبأسلوب حكيم، فيما تبقى الهداية المطلقة بيد الله وحده، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو الأعلم بمن استحق الهداية ومن أصر على الضلال.

ومع أن الأنبياء قد تحملوا مسؤوليات عظيمة، إلا أن إقامة دولة عادلة لم تكن المهمة الأساسية التي بُعثوا من أجلها. كما أن سعيهم لهداية البشر كافة ليس هو الغاية المطلقة من رسالتهم. النصوص الدينية تخبرنا أنهم عليهم السلام لم يسعوا إلى إقامة دولة أو حكم إلا عندما توفرت الشروط الضرورية لذلك، ومنها وجود عدد كافٍ من الأنصار. وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الأمر بوضوح في قوله: «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها..». نهج البلاغة: ج1، ص26.

ومع ذلك، فإن هذه المسؤوليات، كإقامة دولة عادلة أو هداية البشرية جميعها، تتوقف على توفر الظروف الملائمة، وليست هي الوظيفة الأساسية التي أرسلوا لأجلها. فمهمة الأنبياء تظل، في جوهرها، هي تبليغ رسالات ربهم وبيان الحق للبشرية.

وهذا يتسق مع ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام حين قال: «لما حضر النبي صلى الله عليه وآله الوفاة نزل جبرائيل عليه السلام فقال له: يا رسول الله، هل لك في الرجوع؟ قال: لا، قد بلغت رسالات ربي. ثم قال له: يا رسول الله أتريد الرجوع إلى الدنيا؟ قال: لا، بل الرفيق الأعلى...». أمالي الشيخ المفيد، ص53.

هكذا يتضح لنا أن دور الأنبياء الرئيسي يكمن في أداء رسالتهم السماوية بصدق وإخلاص، وليس في بناء الدول أو تحقيق الهداية الشاملة، إذ إن هذه الأمور تأتي وفقاً لشروط وأسباب تختلف عن تلك التي تتعلق بمهمتهم الجوهرية.

من هذا المنطلق الجوهري، يمكننا أن نقترب بفهم أعمق للعديد من المسائل المهمة. إحدى هذه المسائل تتعلق بتقييم نجاح الأنبياء والرسل وأوصيائهم الأئمة عليهم السلام. فقد يظن البعض أن الأنبياء لم يحققوا النجاح المطلوب، لأن غالبية الناس رفضوا دعوتهم وابتعدوا عن الحق. لكن الرد على ذلك يأتي مما سبق، وهو أن الأنبياء عليهم السلام لم تكن مهمتهم هداية الجميع، بل كان دورهم مقتصراً على تبليغ رسالات الله سبحانه وتعالى، بصدق وأمانة، سواء استجاب الناس أم لا. فهذه المهمة، بنجاحها أو عدمه، لا تُقاس بعدد المهتدين، وإنما بتأدية واجب البلاغ كما أمرهم الله.

ومن هذه الفكرة أيضاً يمكننا استخدام هذا الأصل كمعيار لفهم غاية الإمام الحسين عليه السلام في نهضته، وكذلك لفهم مسار حركة الأئمة عليهم السلام بشكل عام. فلم تكن غايتهم إقامة حكومة أو تأسيس دولة بحد ذاتها، بل إن هذه المسألة كانت مرتبطة بشرط أساسي وهو "وجود الناصر" من حيث العدد والعدة الكافيين. إن عدم تحقق هذا الشرط لا يلغي من عظمة دورهم، بل يؤكد أن مهمتهم الرئيسية كانت دائماً الدعوة إلى الحق والقيام بما يُمليه عليهم واجبهم الرباني، في كل ظرف وزمان.

إن هذه النظرة تُعيد تشكيل فهمنا للتاريخ النبوي والإمامي، وتوجهنا نحو تقدير الجهد الجوهري الذي قاموا به، بعيداً عن النتائج الدنيوية الظاهرة التي قد يراها البعض معياراً للنجاح أو الفشل.

2024/09/13

هل من صفات الأئمة (ع) جمال الوجه والجسم؟
السؤال: هل جمال الوجه والجسم من صفات الإمام الكمالية ؟ أي هل جميع الأئمة يتصفون بجمال الوجه والمظهر مع الكمالات الأخرى ؟ الجواب من آية الله السيد منير الخبّاز:

بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الضروري عقلاً أن لا يكون الإمام منفراً للآخرين ؛ من حيث شكله ، أو جسمه ، أو رائحته ، أو كيفية جلوسه ، وحديثه ، وما أشبه ذلك من سائر ملابساته ، فإن اشتمال شخصية الإمام على عنصر مُنَفِّرٍ يتنافى مع جعله إماماً ، وهو أن يكون حجة لله على خلقه ، ملاذاً للمسلمين وموئلاً للمؤمنين ، فلأجل محذور قبح نقض الغرض عقلاً يعتبر في الإمام أن لا يشتمل على عنصر مُنَفِّرٍ .
ولكن إذا لاحظنا ما ورد في الروايات المتظافرة من أنَّ الأئمة الطاهرين أكمل الناس من جميع الصفات الخلقية والخلقية فمقتضى ذلك أن يكون الجمال البدني والخلقي من صفاتهم صلوات الله عليهم أجمعين

2024/07/20

من كنت مولاه فهذا علي مولاه.. ما معنى كلمة «مولى»؟
السؤال: ما معنى كلمة (مولى) الواردة في حديث الغدير (من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)، هل هي مشترك لفظيّ أو معنويّ، وما الفرق بينهما أرجو توضيح ذلك؟

 

الجواب: اعلم أخي السائل الكريم أنَّ علماء اللّغة ذكروا أنَّ لفظ (المولى) له معانٍ كثيرة، فهو يأتي بمعنى الربُّ، والمَالكُ، والسيِّد، والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والناصر، والمُحِبّ، والتابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه. [انظر كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج:5 ص228].

وقد أستعمل القرآن الكريم لفظ (المولى)، في أكثر من معنى:

1- بمعنى (الأولى) كما في قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [سورة الحديد: 15].

2- بمعنى (المتصرّف)، كما في قوله تعالى:- ﴿..فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [سورة الحج : 78].

3- بمعنى (الناصر)، كما في قوله تعالى:- ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [سورة محمد: 11].

4- بمعنى (الوارث)، كما في قوله تعالى:- ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [سورة النساء: 33].

5- بمعنى (الصاحب)، كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ [سورة الدخان: 41].

6- بمعنى (المالك)، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:- ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [سورة النحل: 76].

ومن خلال ما تقدم تبّين لك أنَّ لفظ (المولى) قد دلّ على معانٍ متعدّدة، واللفظ الذي يدلُّ على معانٍ متعدّة تارة يُعدُّ من المشترك اللفظيّ وتارة يُعدُّ من المشترك المعنويّ، فإذا تبيّن ذلك فاعلم أنّ أهل السنّة عَـدّوا لفظ المولى من المشترك اللّفظيّ، في حين أنّ الشيعة الإماميّة عَدّوه من المشترك المعنويّ.

ولكي نعرف القول الفصل في هذه المسألة، فإنّه لا بُدّ من معرفة المراد من المشترك اللّفظيّ والمشترك المعنويّ، إذْ على أساسهما يتبيّن لك الحقّ في هذه المسألة، فَهَاكَ بيانهما:

أمّا المشترك اللّفظيّ، فإنّه يُراد به اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعاً، أوّلاً من حيث هما كذلك، [ينظر: المحصول في علم الأصول للرازيّ ج1ص261].

والمشترك المعنويّ، هو: (اللّفظ الموضوع لحقيقتين أو أكثر من حيث 

 مشتركة في معنى واحد). [انظــر : نهايــة الوصــول في درايــة الأصــول (/١ -٢١٣ ٢١٤)، وشرح الكواكب (/١ ١٣٤) ، الكلّيات لأبي البقاء (ص -١١٨ ١٢٠) ، أصول الفقه لأبى زهرة (ص ١٠٠ )].

وبعبارة أخرى: فإنّ المشترك المعنويّ هو اشتراك المعاني المتعدّدة في معنى واحد جامع.

وأمّا المشترك اللّفظيّ فهو اللفظ الذي تعدّد معناه وقد وضع للجميع كلٌّ على حدة، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للآخر مثل (عين) الموضوع لحاسّة النظر وينبوع الماء والذهب ومثل (الجون) الموضوع للأسود والأبيض. 

إذنْ نفهم من المشترك المعنويّ أنّ موضوعه المعاني المتعدّدة وليس الألفاظ المتعدّدة. (المصدر: المنطق للشيخ المظفر).

وبذلك يتّضح الفارق بينهما إذْ ليس للاشتراك المعنويّ إلّا وضعا واحدا، وهو وضع اللفظ لمعنى كلّي، جامع بين أفراده وهو بخلاف الاشتراك اللفظيّ الذي يتعدّد فيه الوضع بعدد المعنى الذي يراد وضع اللفظ له. 

فإذا تبيّن ذلك، فاعلم أنّ الشيعة الإماميّة ذهبوا إلى لفظ (المولى) يُعَـدُّ من المشترك المعنويّ، وَهَاكَ بعضاً من أقوالهم :

1- قال الحافظ يحيى بن البطريق (المتوفّى: 600 ه): ٱعلم أنّ لفظة مولى في اللغة تنقسم على عشرة أوجه: أوّلها – (الأولى) وهو الأصل والعماد، التي ترجع إليه المعاني في باقي الأقسام. [عمدة عيون صحاح الأخبار ج1ص141].

2- قال القاضي نور اللّه التّستريّ (المتوفّى: 1019 ه): هو موضوع لمعنى واحد هو الأولى والمعاني العشرة أقسام له حاصلة حقيقيّة بإضافتها إليه. 

أمّا النّاصر فلأنّه اختصّ بالنّصرة فصار بها أولى من غيره. 

وأمّا ابن العمّ فلأنّه إنّما سمّي مولى لأنّه يعقل عن ابن عمّه ويحوز ميراثه فكان بذلك أولى من غيره. 

وأمّا الجار فلأنّه أولى بالملاصقة من البعيد. 

وأمّا الحليف فلأنّه أولى بنصرة حليفه ممّن لا خلف بينه وبينه. 

وأمّا المعتّق فلأنّه أولى بنصرة معتّقه من غيره. 

وأمّا المعتّق فلأنّه أولى بميراثه ممّا لا يعتقه.

وأمّا مالك الرّقّ فلأنّه أولى بتدبير عبده من غيره. 

وأمّا ضامن الجريرة فلأنّه ألزم نفسه ما يلزم المعتّق. 

وأمّا السيّد المطاع فلأنّه أولى بالطّاعة [الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ص184]. 

وأمّا المشترك اللفظيّ للمولى، فقد اختاره من علماء مخالفينا الحافظ ابن حجر المكّيّ (المتوفّى: 974 ه) إذْ قال: لا نسلّم أن معنى الولي ما ذكروه بل معناه الناصر لأنّه مشترك بين معان. [الصواعق المحرقة ج1ص107]. 

والعلّامة ابن الأمير الصّنعانيّ (المتوفّى: 1182 ه) إذْ قال: (عليّ مولى من كنت مولاه). قد سبق أنّ لفظ مولى مشترك بين معان. [التّنوير شرح الجامع الصّغير ج7ص337].

 ثُمّ إنّ ممّا يؤيّد أنّ لفظ المولى موضوعة لمعنى الأولى بالشيء، وهوَ الأصلُ الذي تنحدرُ عنه المعاني كلّها ما يلي:

1- لَمّا كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولى بالنصرة، فحينئذٍ يصير عليٌّ (عليه السلام) أولى بها أيضا. 

2- أمّا الجار فعليّ (عليه السلام) أولى بمجاورة النبيّ من البعيد، وقد سُئل خالد بن قثم بن عباس ما لعليّ ورث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دون جدّك وهو عمّه؟ قال: إنّ عليّاً كان أوّلنا به لحوقا وأشدّنا ‌به ‌لصوقا [خصائص عليّ ص125].

3-أمّا المحبّ فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولى بالمحبّة، فعليّ مثله وقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (من ‌أحبّ ‌عليّا ‌فقد ‌أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله) [المعجم الكبير للطبرانيّ ج23ص380].

4-أمّا المطاع فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) أولى بالطاعة، فعليّ أولى بها أيضا وقد قال (صلّى الله عليه وآله) (من أطاع عليّا فقد أطاعني، ومن عصى عليّا فقد عصاني) [المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيليّ ج1ص485). وكذا المعاني الأخرى.

بل حتّى على القول بالمشترك اللفظيّ، فإنّه يمكن حمل اللّفظ على أحد المعاني المتقدّمة بقرينتي الحال والمقال، وفيما يلي توضيح ذلك:

فأمّا بدلالة قرينة المقال، فمن المعلوم أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) له الولاية المطلقة على الناس‌ فهو أحقّ بالمؤمنين من أنفسهم، فله أن يحكم فيهم بما يشاء كما في قوله تعالى: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [سورة الأحزاب: 6]. 

إذْ قال الطبريّ في تفسيره: يقول تعالى ذكره: (النبيّ) محمّد (أولى بالمؤمنين) يقول: ‌أحقّ ‌بالمؤمنين به (من أنفسهم) ، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج20 ص208].

فإذا عرفت ذلك فقد ورد في الحديث موضع البحث قرينة مقالٍ متّصلة تفيد أنّ المولى هي بمعنى الأولى، إذْ ورد أنّ النّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) أخذ الإقرار منهم بأولويّته بهم من أنفسهم حين أخذ بيد عليّ (عليه السلام)، فقال: "أتعلّمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال (صلّى الله عليه وآله): "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه" [مسند أحمد بن حنبل ج32ص56 بتحقيق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات..].

فلاحظ أنّ النبيّ (ص) ابتدأ حديثه بقوله: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ ، ثُمَّ عقبّها بفاء التفريع: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، وهذا يقضي بأنّ المولى يراد به الأولى. أيْ من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه.

وأمّا بدلالة قرينة الحال، فإنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) حين أمرِ بالصلاةِ جامعةً في السفرِ بالمنزلِ الوعر، في وقتَ الظهيرة، وقيامِه خطيباً بينَ جماهيرِ المسلمين، الذين يبلغُ عددُهم مائةَ ألفٍ أو يزيدون. فلا بدّ معَ هذا كلّه أن يكونَ مرادُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بيانَ أمرٍ في غاية الأهمّية، وهو إمامةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وليس مجرّدَ بيانِ أنّ عليّاً محبٌّ لمَن أحببتُه وناصرٌ لمَن نصرتُه، كما يدّعي المخالفون.             

ونكتفي بهذا القدر. والحمد لله أوّلاً وآخراً.

2024/06/25

هل نحن مكلّفون بمعرفة الإمام (ع)؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

[اشترك]

والسؤال: هل نحن مكلفون بموجب هذا الحديث بمعرفة الإمام ذاتاً، بحيث لو طلب من أحدنا الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس لاستطاع، أم إنا مكلفون بمعرفة صفته؟

أم أنه يكفينا مجرد معرفة كونه حياً وموجوداً كحجة حتّى لو كان غائباً؟

الجواب:

يُعد هذا الحديث متواتراً بين جميع الفرق الإسلاميّة، وقد روى الحديث أقطاب المحدّثين، فمن الشيعة: الكليني في الكافي، والصدوق في كمال الدين، والحميري في قرب الاسناد، والصفار في بصائر الدرجات، ومن أهل السنة منهم: البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود الطيالسي والطبراني والحاكم والحسكاني وأبو نعيم والبيهقي والنووي والهيثمي وابن كثير.

ولعل البعض يوجه الحديث إلى كل إمام بر أو فاجر، فيشمل بذلك الحاكم الظالم، والسلطان الجائر، والرئيس السفيه وغير ذلك، ولا يعني هذا مقصود الشارع من المعرفة والاتباع، فالعقل لا يحكم بوجوب معرفة الظالم والجائر والسفيه، إذ المعرفة هداية إيصالية توصل عن طريقها إلى الحق، فضلاً عن كونها هداية إرائية تُري الحق والصلاح بهدايتهم إليه، ومن كان هذا شأنه من الظلم والجور فهو غير حقيق بأن يوصل الناس إلى الصلاح لفساده، وفاقدُ الشيء لا يعطيه.

إذن لا يمكن أن يقنعنا الآخرون باعراضهم عن أهل البيت عليهم السلام ليوصلهم الظالم إلى الحق، كما حدث في دعوى إمامة بني أمية وبني العبّاس، ومعلوم أن الذي أباح المدينة ورمى الكعبة بالمنجنيق وقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يكون هادياً مهدياً، ولا يحق لمن مزق القرآن وجعله غرضاً لرمي السهام كالوليد أن يؤم الناس للصلاح، وهكذا الذي قتل الهاشميين بشكل جماعي كالمنصور العبّاسي والذين أحيوا الطرب واللهو في مجالس المجون من العباسيين لا يصدق أن يوصلوا الناس إلى الحق والصلاح، فدعوى وجوب معرفتهم باطلة، إلاّ إذا اتصف الإمام بالصلاح والهدى، وسدد بالعصمة والتقوى، وأطاع الله في كل أحواله فهو حقيقٌ به أن يوصل أتباعه إلى منهج الرشاد ويهديهم إلى السداد.

وما يؤيد أن يكون الإمام الذي تجب معرفته، إمام هدى، ما رواه ابن بابويه بسنده إلى أبي جعفر عليه السلام: (من مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية كفر ونفاق وضلال). (١).

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام بنفس الألفاظ، إلاّ أن بدل لفظ (نفاق) قال: (كفر وشرك وضلال). (2) 

ولا يختلف اثنان أن ولاة الجور وسلاطين الظلم، هم أهل ضلال، وذوو نفاق باظهارهم الإيمان واستبطانهم الكفر، وإظهارهم التقوى وكتمانهم الفسوق، كما هو في نفاق معاوية بتظاهره بالتقوى. ومثله مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، وخلاف ذلك في تهتك أكثر ولاة الجور من الأمويين حيث لم يحتشموا أحداً من العالمين فاستباحوا كل محرم وهتكوا ستر كل ما ينبغي ستره، حتّى أعلنوا الفجور كما في أحوال الوليد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد وأمثالهم من أهل العبث والمجون. ولا يفوتك ما رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء، وأمثاله عن ملاحم هؤلاء الأمويين ومثلهم بنو العبّاس الذين ارتكبوا كل محظور، وأباحوا كل محذور. وتاريخ آل أبي سفيان وأيام بني مروان ووقائع بني العبّاس شاهدةٌ على ذلك.

من هنا نستخلص أن يكون الإمام إمام هدى متصفاً بالصلاح، مسدداً بالعصمة، منصوصاً عليه من قبل الله تعالى، وهو مذهب الإمامية واتفاقهم بقضّهم وقَضيضهم.

إذن يجب معرفة الإمام لغرض اتباعه، ولا تكفي معرفة صفته دون الاهتداء إلى ذاته، والوقوف عليه بنحو عدم الاشتراك مع غيره، لأن الهداية الايصالية لا تتم بمجهول، ولا تخضع في كمالاتها لمبهم، ما لم يتم تشخيصه ومعرفته ذاتاً، لا صفةً.

وإلى هذا أشار الصادق عليه السلام إلى وجوب التحري عن ذات الإمام والحث على معرفة شخصه دون الاكتفاء بالوقوف على صفته أو بالسماع بأمره فقط.

فقد روى ابن بابويه بسنده عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله، بلغنا شكواك فأشفقنا، فلو أعلمتنا من بعدك؟ فقال: (إن عليّاً عليه السلام كان عالماً، والعلمُ يتوارث، ولا يهلكُ عالمٌ إلاّ بقي من بعده من يعلمُ مثل علمه أو ما شاء الله)، قلتُ: أفيسع الناس _ إذا مات العالم _ أن لا يعرفوا الذي بعده؟

فقال: (أما أهل البلدة فلا _ يعني المدينة _ وأما غيرهم من البلدان فقدر مسيرهم، إن الله يقول: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (3) ).

قال: قلتُ: أرأيت من مات في ذلك؟

قال: (بمنزلة من خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثمّ أدركه الموتُ فقد وقع أجره على الله).

قال: قلتُ: فإذا قدموا بأي شيء يعرفون صاحبهم؟

قال: يُعطى السكينة والوقار والهيبة. (4) 

فتشخيص الإمام بمعرفته بالسكينة والوقار والهيبة دلالة على وجوب معرفة الإمام ذاتاً.

وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قلتُ: إذا هلك الإمامُ فبلغ قوماً ليس بحضرتهم؟

 

قال: (يخرجون كلهم أو يكفيهم أن يخرج بعضهم؟ إن الله عز وجل يقول: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ))، قال: (هؤلاء المقيمون في سعةٍ حتّى يرجع إليهم أصحابهم). (5) 

فقوله عليه السلام: (في سعةٍ) مشعرٌ على عدم قبول أعمال المكلفين دون معرفة الإمام، والذي في سعةٍ هو في عذر حتى يعرف الإمام، إلاّ أنه مغيى بغاية رجوع الرسول المتفحص عن خبر الإمام، فإذا رجع إليهم وعرفوا أمر الإمام فقد ارتفعت عنهم المعذرية وخوطبوا بالتكليف.

وفي نفس المعنى قال الرواي: إن بلغنا وفاة الإمام، كيف نصنع؟

قال عليه السلام: (عليكم النفير).

قلت: النفير جميعاً؟

قال: (إن الله يقول: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)) قلت: نفرنا، فمات بعضهم في الطريق؟

قال: فقال: (إن الله يقول: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً)) (6) فوجوب التفحص عن الإمام تعذيريٌ حتّى يقفوا على خبر الإمام عليه السلام، وإدراك أحدهم الموت وهو في حال التفحص معذور، لأن التفحص بذاته تكليف، وهو مقدمة واجب _ على القول بها _ يوصل إلى وجوب معرفة الإمام بذاته.

والاقتصار على معرفة الوصف دون معرفة الذات قد يوجب الوقوع في الاشتباه المؤدي إلى الخطأ في تشخيص الإمام، وهو في الشرك سواء.

فعن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: (من أشرك مع إمام _ إمامتُه من عند الله _ من ليس إمامتُه من عند الله، كان مشركاً بالله). (7) 

ومعنى ذلك أن اتباع غير إمام الحق يوجب عبادة من يعبده من دون الله، وبذلك فسيكون التابع لغير إمام _ جزافاً _ عابداً لغير الله تعالى أو مشركاً بعبادته سبحانه _ كما يستظهر من الرواية _.

هذا في شأن الإمام الحاضر، أما الإمام في زمن الغيبة فيجب معرفته بذاته وخصوصياته، من حيث كونه موجوداً حياً منتسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي اسمه (محمّد) بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ السجاد بن الحسين الشهيد بن عليّ بن أبي طالب، بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها وعليهم من الله التحيات الزاكيات.

هذا ما يقتضي معرفة الإمام المهدي ذاتاً في غيبته.

أما ما يخص الإمام المهدي عليه السلام فمعرفته بعد ظهوره تتم من خلال معرفة علامات ظهوره ليتسنى لنا تشخيصه ذاتاً، وقد ذكرت علامات الظهور في محلها وتكفلت بها مطولات خاصة في هذا الموضوع، إلاّ أن هناك ملاحظات لا بدّ من مراعاتها في هذا الشأن.

الملاحظة الأولى: 

إن محاولة إيجاد مصاديق لشخصيات علامات الظهور غير دقيقة وكذلك التشبث ببعض الحوادث وكونها من علامات الظهور بشكل قطعي غير صحيح، نعم إمكانية إيجاد احتمالات مؤيدة بقرائن وشواهد تؤيد انطباق هذه العلامة على ذلك المصداق ومع هذا عدم القطع بذلك، وخلاصة الملاحظة: هو عدم التسرع في الحكم لئلا يؤثر ذلك على صدقية تعاطينا مع علامات الظهور.

الملاحظة الثانية: 

الحث على معرفة علامات الظهور وذلك يساعد على بناء الشخصية التكاملية، ولتنمية الشعور بالأمل والابتعاد عن حالة الاحباط واليأس جراء ما يعانيه الفرد الشيعي من الظلم والتنكيل.

الملاحظة الثالثة: 

إن التعامل مع أسانيد الروايات إحدى آليات الاستنباط الفقهي أي للوقوف على مدى صحة الرواية من عدمها، أما فيما يخص روايات الظهور فهي أشبه بالحالة الإنسانية التي ترافق الشخص في معرفة المستقبل، واستشراف ما يصبو إليه الإنسان وما تداهمه من أحداثٍ، لذا فهو يحاول أن يبحث عن الحقيقة ويتابع رواية هذه العلامات حرصاً منه على معرفة ما ينتظره من مصير، وهذا شأن أي إنسان بغض النظر عن كونه ثقة أو لا، إذن نحن لا نتحفظ على أسانيد هذه العلامات إذا لم تتعارض مع الكتاب والسنة والعقل.

الملاحظة الرابعة: 

يجب أن نراعي في علامات الظهور بما يخص المدن دواعي الرواة ودوافعهم، فلربما يحاول بعض الرواة التنكيل بمنطقة ما، لدافع سياسي أو عقائدي ليجعل من بعض علامات الظهور مثلبة يطعنُ فيها على أهلها، أو منقصة يستفيد من خلالها بالتنكيل على أتباعها، كما في رواية عبيد الله بن عمرو في مجلس معاوية مخاطباً بها بعض أهل العراق المعروفين بولائهم لعليّ عليه السلام، بأن الدجال يخرج من بلدكم ومن منطقة بابل بالضبط، في حين أن روايات الدجال تشير إلى أن قوة يهودية متواجدة في اصفهان يستفيد منها الدجال في تنفيذ خططه وتحركاته، فحاول عبد الله بن عمرو أن يطعن بأهل العراق وفي محضر معاوية باحدى علامات الظهور ليسخرها لخطه ويوجه فائدتها لمدرسته.

===============

الهوامش:

(١) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢١٩ و٢٢٠/ مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

(2) السابق.

(3) التوبة: ١٢٢.

(4) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢١٩ و٢٢٠.

(5) السابق.

(6) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢٢٦.

(7) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢٣١.

2024/06/05

هل وقع النبي (ص) تحت تأثير السحر؟!
ربّما يستدلّ البعض على جواز تأثير السحر على النبي محمّد صلّى الله عليه وآله ، كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم برواية عائشة ، أنّه صلّى الله عليه وآله كان « يخيل إليه » أنّه كان يفعل الشيء.

[اشترك]

وما فعله بآية موسى عليهم السلام ، وهو من سورة طه المباركة : ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ) (۱).

وأنّه ترتّب على تأثير السحر بموسى عليه السلام ، وهو التخيّل وعدم إراءة الواقع على حقيقته ، وإيجاد الخوف الخفيف بقوله : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ ) (۲).

وإنّ أوّل هذا الخوف بشيء يرفع الحرج عن موسى عليه السلام ، فيردّه قوله تعالى : ( قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ ) (۳).

وهنا نهي صريح ، وقد قال تعالى في موضع آخر : ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ) (٤).

فالجمع بين هذه الآيات ينتج عن أنّه :

۱ ـ وقع سيّدنا موسى عليه السلام تحث تأثير السحر.

۲ ـ حصلت لموسى عليه السلام الحالة المطلوبة من السحر « الرهبة » ولو بأضعف مراتبها.

۳ ـ رأى الحبال والعصي على غير حقيقتها المطابقة لواقعها.

هذا زعمهم وأرجو إفادتي بالحقّ.

والجواب هو أنه:

ليس المقصود من ( يُخَيَّلُ ) أنّ موسى كان يتصوّر خطأ ، أنّ ما قام به السحرة قضيّة حقيقيّة ومطابقة للواقع ، حتّى يكون ذلك منافياً لمقام النبوّة ، بل المقصود أنّه كان يدرك إدراكاً قاطعاً إنّ ما أتوا به هو السحر ، ولكن حينما نظر إلى الحيّة ، لاحظها كأنّها تسعى مع علمه بأنّها لا تسعى ، وهذا لا يضرّ بمقام النبوّة.

بخلاف ما نقلته عائشة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، حيث نقلت أنّه كان النبي صلّى الله عليه وآله يتصوّر فعله للشيء ، ولا يدري أنّه لم يفعله ، وهذا يتنافى ومقام النبوة .

والقرينة على أنّ المقصود في حقّ موسى ما أشرنا إليه أمران :

۱ ـ إنّ الآية الكريمة نسبت التخيّل إلى موسى فقط ، ولم تنسبه إلى جميع الحاضرين ، حيث قالت : ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) ولم تقل : يخيّل إليهم ، في الوقت الذي نجد آية ۱۱٦ من الأعراف تقول : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ).

۲ ـ إنّ الآية لم تقل تخيّل موسى بل قالت يخيّل إليه ، أي يصوّر إليه أنّها تسعى ، وإن كان يدري هو أنّها لا تسعى.

وأمّا قوله تعالى : ( فَأَوْجَسَ ... ) ؛ فالمقصود منه خاف موسى من وقوع الناس تحت تأثير الموقف عليهم إلى حدّ يصعب معه إرجاعهم إلى الحقّ ، أو المقصود خاف أن يتركه الناس في الميدان قبل أن يقوم بدوره في إظهار معجزته.

وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : لَمْ يُوجِسْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ خِيْفَةً عَلَى نَفْسِهِ ، بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ ... (٥)

إنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّ موسى خاف من السحر حقيقة.

==============

الهوامش ۱. طه : ٦٦. ۲. طه : ٦۷. ۳. طه : ٦۸. ٤. الأعراف : ۱۱٦. ٥. نهج البلاغة / الخطبة رقم : ٤.
2024/05/18

لماذا لا نرجع إلى مرجعية «عابرة للأديان»؟!
سمعت أحد المحاضرين ممّن يتكلّم ويكتب بشأن الدين بآراء حديثة؛ يقول: ليس من الضروري الإسلام والإيمان للفقيه الذي نأخذ منه أحكامنا الشرعية؛ فالمرجعية يمكن أن تكون عابرة للأديان!

ما هو رأيكم؟

تخيّلوا أن تأخذوا أحكامكم الشرعية من بوذي أو مسيحي أو وهابي، ما هو رأيكم؟! 

من المتفق عليه لدى أعلامنا اشتراط الإسلام والإيمان في المجتهد الذي يراد تقليده، وقد استدلوا على اعتبارهما بأدلّة منها:

الأول: مقبولة عمر بن حنظلة حيث ورد فيها: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ".

قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران [إلى] من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله".

ومعتبرة ابي خديجة: "إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فأجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه"؛ فأمر الإمام (عليه‌السلام) بلزوم كون التحاكم الى القاضي الشيعي، يتعدى إلى المفتي بقياس الأولوية أو المساواة. 

 الثاني: ما ورد في رواية علي بن سويد السايي؛ قال: كتب إلي أبو الحسن (عليه‌السلام) وهو في السجن: وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين، الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله، فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته، ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة.  

وكذا ورد في رواية أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) - أسأله عمن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضا بذلك، فكتب إليهما، فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى.  

وصحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كل من دان الله عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير و الله شانئ لأعماله... و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا‌ محمد إن أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا و أضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرمٰاد اشتدت به الريح في يوم عاصف لٰا يقدرون مما كسبوا على شي‌ء، ذلك هو الضلٰال البعيد .  

وكيف نقلِّد من كان ضالاً متحيرًا بل كافرًا منافقًا معزولاً عن دين الله؟! 

 الثالث: قصور المقتضي للحجية في مثل هذا المدعى؛ وهو بحث تخصصي لا يفيد ذكر تفاصيله هنا.  

الرابع: العلم بمذاق الشارع من عدم رضاه بتصدّي غير المسلم أو غير المؤمن لغير الشيعة فإنّ في ذلك وهنًا عظيمًا عليهم، وهو تام جدّا، ويساعده الارتكاز القطعي المتشرعي على ذلك.

2024/05/08

هل يمكن إثبات العصمة بـ «العقل»؟!
يمكن اثبات ذلك من طريقين:

الأول: ما أفاده متكلم الإمامية هشام بن الحكم عندما سأله محمد بن أبي عمير عن الامام أهو معصوم؟ بأي شئ يعرف؟
فقال: إن جميع الذنوب [لها] أربعة أوجه: الحرص والحسد والغضب والشهوة فهذه منفية عنه، لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا. 
ولا يجوز أن يكون حسودا لان الانسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد. 
ولا يجوز أن يغضب لشئ من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل. 
ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لان الله عز وجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا.. 

والثاني: ما أستدل به من أصحابنا العلامة الحلي من وجوه أربعة نذكرها:

     الأول: يجب أن يكون الامام معصوماً ليؤمن منه الزّيادة والنّقصان في صيانة وحفظ الشريعة لإنه حافظ للشرع.

     الثاني: يجب أن يكون معصوماً ليؤمن منه الظّلم والتّعدّي في الحدود.

     الثالث: لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده وهذا تسلسل.  

     الرابع: لو جاز عليه الخطأ لسقط محله من القلوب فلا يتبع وهذا نقضا للغرض من نصبه ولزوم اتباعه.
والحمد لله أولا وآخرا

2024/05/08

قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا: جنّة آدم (ع).. حقيقية أم رمزية؟!
لقد تحدثت الآيات الشريفة عن أن الله تعالى قد أسكن آدم وزوجه عليهما السلام الجنة، هل هي جنة الخلد؟، أم هي جنة من جنان الدنيا، لها طبيعة خاصة بها، لا تنسجم مع طبيعة الحياة على الأرض؟!. لأن الدنيا واسعة، بحيث تشمل كل ما في هذا الوجود.. وهل هي جنة في السماء؟ أم هي في الأرض؟! إن هذا البحث، لا نرى أننا نستطيع أن نفيض في الحديث فيه هنا، فنكتفي بالقول: إننا قد نجد في الآيات الكريمة، وفي بعض الروايات الشريفة ما يؤيد الاحتمال الذي يقول: إنها من جنان الدنيا.. فلاحظ ما يلي:

أ- قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا﴾.. له درجة من الظهور في أن الجميع كانوا في محل ما، ثم أخرجوا منه.. مما يعني أن إبليس لعنه الله قد كان مع آدم (ع) وحواء في داخل ذلك المكان الذي سماه الله: الجنة.

ب- قوله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾.. وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ / قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾.. يدل على أن الجميع قد أنزلوا إلى الأرض، بعد أن لم يكونوا فيها.

ج- أما القول: بأن قوله: ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾.. فإنما يدل على مجرد تنزل المقام والمرتبة، فهو كقولك لمن تغيرت حاله، وخسر مواقعه الدنيوية: انظر أين كان، وأين أصبح.

فهو لا ينافي ما ورد في الروايات من أنه (ع) كان في جنة من جنات الدنيا، ولا يتناقض مع القول بأنه نزل إلى الأرض، بل هو يتلاءم مع جميع الأقوال..

د- هناك بعض الروايات تقول: إن آدم (ع) حين أهبط من الجنة أهبط على الصفا، وأهبطت حواء (عليها السلام) على المروة. وتلك الرواية نفسها تقول أيضاً: "سئل الصادق عن جنة آدم (ع)، أَمِنْ جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال: كانت من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً" (1).

ولكن كونها من جنان الدنيا لا يلزم منه أن تكون في الأرض، فإن السماء الدنيا واسعة، ويمكن أن يكون في بعض كواكبها جنة لها حياة وحالات، يمكن القول بأنها برزخية، من شأنها الإعداد للحياة على الأرض، وتطلع فيها الشمس والقمر.. ثم لما أكل النبي آدم من الشجرة التي تسانخ طبيعة الحياة الأرضية أهبطه الله تعالى إليها.

آدم (ع) خلق للأرض

ويبقى هنا سؤال: وهو أنه إذا كان الله تعالى إنما خلق النبي آدم (ع) ليكون خليفة في الأرض، فلماذا أسكنه تلك الجنة التي ليست في الأرض، مع ملاحظة: أن كلمة (اسكن) إنما تعني المكث الطويل، لا مجرد المرور العابر، أو الحلول القصير.. وقد أجاب العلامة الطباطبائي رحمه الله بقوله: (قوله تعالى في صدر القصة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (2) يفيد: أن آدم (ع) إنما خلق ليحيا في الأرض، ويموت فيها، وإنما أسكنهما الله الجنة لاختبارهما، ولتبدو لهما سوءاتهما، حتى يهبطا إلى الأرض).. إلى أن قال: (وبالجملة: فهو (ع) كان مخلوقاً ليسكن الأرض، وكان الطريق إلى الاستقرار في الأرض هذا الطريق. وهو تفضيله على الملائكة لإثبات خلافته، ثم أمرهم بالسجدة، ثم إسكان الجنة، والنهي عن قرب الشجرة المنهية حتى يأكلا منها، فتبدو لهما سوءاتهما، فيهبطا إلى الأرض. فآخر العوامل للاستقرار في الأرض، وانتخاب الحياة الدنيوية ظهور السوأة) (3).

ونقول: إن هذا الكلام متين لولا أن سياقه يعطي: أنه كان لا بد لإهباط آدم (ع) إلى الأرض من سلوك هذا الطريق، وإيقاع آدم (ع) بما يشبه الفخ المنصوب له. بحيث لولا ذلك، فإنه سوف يستعصي على الهبوط، وتفشل الخطة.. وقد جاءت الوقائع وفق ما رسم لها، وأعطت النتائج المرجوة منها!

وهو كلام لا يمكن قبوله على هذا النحو، فإن الهبوط إلى الأرض لا ينحصر بهذه الطريقة، إذ قد كان بالإمكان أن يخلق الله تعالى آدم (ع) في الأرض مباشرة من دون حاجة إلى إسكانه الجنة، ثم ظهور السوأة بالأكل من الشجرة.

الأقرب إلى القبول:

إنه يمكن الجواب بما يلي:

أولاً: ولعله الأقرب إلى الاعتبار في مثل هذه المقامات، أن يكون الله سبحانه حين قال للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.. إنما أخبرهم عما أحاط به علمه سبحانه - وهو المحيط العالِم بكل شيء - وعرفهم بما يؤول إليه أمر هذا المخلوق الجديد، وأنه سينتهي به الأمر إلى الاستقرار في الأرض، والعمل على إعمارها وفق ما يرضيه سبحانه.. لكن لا على أن يكون ذلك الذي جرى له هو الطريق المقضي عليه سلوكه بصورة جبرية، بحيث لولاه لم يمكن له أن يصل إلى الأرض، بل على أساس أن ذلك قد جاء على سبيل الإخبار عن الغيب الذي سوف يحصل، من دون أن يمثل ذلك أية حتمية وجبرية يتحتم على النبي آدم أن يخضع لها، ليتحقق المقصود.

ويمكن أن يكون إسكان النبي آدم (ع) في تلك الجنة من جنان الدنيا قد جاء على سبيل التكريم والإعزاز له، أو لأجل التهيؤ للانتقال إلى المسكن الأصلي بعد حين.. لا على الطريقة التي التزم السيد الطباطبائي رحمه الله، والتي تقضي بجعل ما فعله إبليس جزءاً من خطّة لابد من إجرائها.

وقد كانت تلك الجنة التي أسكنه الله فيها، أكثر الأماكن أمناً للنبي آدم (ع) من أعدائه، بحسب ما هو معتاد، لولا ما توسل به إبليس من لطائف الحيل.. والله يعلم: أن إبليس سوف يلاحق النبي آدم في أي مكان حصل فيه، وسيسعى لحرمانه مما هو فيه، بكل ما لديه من خديعة ومكر وحيلة.

وقد يمكن الجواب أيضاً: بأن الجنة التي هبط منها هي من جنان الأرض نفسها، ولكن الله جعل لها مواصفات مميزة لا توجد في أية بقعة أخرى، وقد خلقها الله تعالى، لتكون لائقة بهذا المخلوق العظيم، ولكن بعد أن جرى ما جرى عليه، أهبطه الله إلى الأرض العادية التي لا تداني تلك في مواصفاتها وميزاتها.. أما تلك البقعة المميزة، فلا ندري ماذا صنع الله بها!! هل أبقاها على حالها؟!

أم أنه أزالها وطمسها؟! أم ماذا؟!

إن الله وحده هو العالم بذلك، هذا ولا مانع من التعبير بالهبوط، إذا كان الانتقال من مكان إلى مكان، فقد قال تعالى: ﴿اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾.. (4).

نسيان النهي، أم نسيان الميثاق؟!

إننا دفعاً لأي لبس نبادر إلى التذكير بأنه قد يقال: إن الأقرب هو أن آية: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. لا ترتبط بموضوع الأكل من الشجرة، وإنما هي ناظرة - كما ورد في بعض الروايات - لنسيان الميثاق، الذي أخذه سبحانه على خلقه قبل نشأة آدم (ع) من الطين، بالإقرار بالنبي محمد، والإمام علي، والسيدة فاطمة، والإمام الحسن، والإمام الحسين، والأئمة من ذريتهم، وبالمهدي وسيرته، صلوات الله عليهم أجمعين.. وفيها أن أولي العزم من الأنبياء، قد أقروا بهم، وأجمع عزمهم أن ذلك كذلك، ولذلك صاروا من أولي العزم، وذكرت بعض الروايات: أن ذلك قد كان في عالم الذر.

وأما النبي آدم (ع)، فلم يجحد ولم يقر بالنسبة للإمام المهدي (ع)، والحال التي يكون عليها الأمر في زمانه، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن للنبي آدم عزم على الإقرار به، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. (5).

وقد فسر المجلسي عدم العزم هذا، بأنه عدم التصديق اللساني، لأنه لم يكن واجباً، أو بعدم تذكره من أجل أنه لم يهتم به اهتماماً يوجب هذا التذكير ويحتِّمه.. وليس المراد به عدم التصديق لأنه لا يناسب مقام النبوة.. وفسرت الروايات النسيان بالترك، لأن النسيان الحقيقي لا يجوز على الأنبياء (6).. والظاهر أن سبب هذا الترك هو عدم علم النبي آدم (ع) بالحقيقة، فكان الترك أمراً طبيعياً، إذ إن من لم يعلم شيئاً فإن تركه له يصبح أمراً متوقعاً، بل هو المناسب لواقع الحال، ولا يكون فيه عليه أية غضاضة.. ونحن نرجح هذه الروايات على تلك التي تقول: إن المراد هو نسيان النهي عن الأكل من الشجرة، وذلك لأمرين: أحدهما: وجود الواو الفاصلة بين الآيتين، حيث يظهر أنها واو الإستئناف، فقد قال تعالى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا / وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى / فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾.. فلو أنه قال: (ولم نجد له عزماً إذ قلنا الخ..) لظهر اتصال الكلام في الآيتين.. ولكن الفصل بالواو يشير إلى أنه قد بدأ بكلام جديد، ليس بالضرورة أن يكون له اتصال بما سبقه.. الثاني: أن هذا النسيان لو كان قد حصل فعلاً، فإن إبليس قد أزاله حين ذكَّر النبي آدم بنهي الله له، فقال: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ..﴾.. وعلى كل حال، هذا التذكير بالنهي يجعلنا نرجح أن الظاهر هو أن المراد بالعهد، هو العهد الذي أخذه الله على النبي آدم في نشأة عالم الذر ومن الواضح: أن هناك نشآت متعددة، مثل عالم الذر ونشأة الأرواح. والنشأة الجنينية، حيث تلتقي الأرواح بالأجساد، ثم النشأة التي تبدأ بالولادة، فيتدرج من الطفولة إلى الشيخوخة، ليصل إلى عالم البرزخ، ثم عالم البعث والآخرة.

وكل نشأة تمثل عالماً جديداً بالنسبة لهذا الكائن، وقد ينسى معها الإنسان حاله، وما جرى له في نشأته السابقة، بسبب العوارض والحجب التي يواجهها.

ولعل هذا الأمر لا يشمل أولي العزم من الأنبياء، وهذا ما يُظهر فضل نبينا، وأوصيائه الأكرمين، والزهراء سيدة نساء العالمين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فإنهم (ع) لا ينسون شيئاً مما جرى لهم أو عليهم في السابق، ولا هم محجوبون عن النشآت اللاحقة.

ولعل ذلك يفسّر لنا قول علي (ع): لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً. ثم هو يوضح لنا كيف أن الزهراء (عليها السلام) كانت تحدث أمها وهي في بطنها قبل أن تولد، وثمة نصوص كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، لا مجال لتتبعها..

إبليس يذكّر آدم (ع) بنهي الله له

ومهما يكن من أمر، فإن مما يدل على أن الأكل من الشجرة لم ينشأ عن النسيان المشار إليه بقوله: ﴿فَنَسِيَ﴾، أن إبليس نفسه قد ذكَّر آدم (ع) بنهي الله له، وحدد له المنهي عنه بالإشارة الحسية، حين قال له: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾.. فهو يقول للنبي آدم (ع): إن ربك نهاك، لكنه يتلاعب في بيانه لسبب النهي، ليتمكن من الوصول إلى ما يريد.. وكل ذلك يشير إلى أن النبي آدم قد أقدم على الأكل من الشجرة، وهو ملتفت لنهي الله له عنها. وهذا يؤيد ويؤكد أن المقصود بالنسيان في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. هو نسيان الميثاق، المتعلق بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لا بعهد الربوبية كما أسلفنا، ولا نسيان النهي عن الشجرة.

بل إن نفس كيفية وصل هذه الآية بما بعدها يشير إلى ما نقول، حيث قال تعالى بعدها: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى﴾.. فإن الإتيان بالواو قد أوضح أن الكلام عن الملائكة غير متفرع على ما قبله، ولا هو من توابعه التي ترتبط به.. ولو أنه لم يأت بالواو في قوله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾.. لتغير مجرى الكلام، ولكان المراد بالنسيان هو نسيان التحذير الإلهي للنبي آدم (ع) من إبليس، وفق ما تضمنته هذه الآية..

عالم الذر، وخلق الأرواح

وبما أن النسيان للميثاق مرتبط بالكلمات التي أنقذت آدم (ع) من محنته كما سنرى. ولكي لا يخلو مقامنا هذا ولو من إشارة موجزة إلى هذا الأمر، فإننا نضع أمام القارىء الأمور التالية:

أ- إن هناك روايات تحدثت عن عالم الذر، وأخذ الميثاق على الخلق، وهي كثيرة، فلتراجع في مظانها (7).

ب- إن في بعض هذه الروايات عن أبي عبد الله (ع): أن الله أخذ على العباد ميثاقهم، وهم أظلة قبل الميلاد. وثمة روايات أخرى تشير أيضاً إلى عالم الظلال، فراجع (8).

قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: إن المراد به - كما هو ظاهر الرواية - وصف هذا العالم، الذي هو بوجه عين العالم الدنيوي، وله أحكام غير أحكام الدنيا بوجه، وعينها بوجه (9).

ج- إن ثمة روايات تحدثت عن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال لعلي (ع): "أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق، حيث أقامهم أشباحاً، فقال لهم: ألست بربكم؟قالوا: بلى. قال: ومحمد رسولي؟ قالوا: بلى. قال: وعلي أمير المؤمنين؟فأبى الخلق جميعاً إلا استكباراً عن ولايتك إلا نفر قليل، وهم أقل القليل، وهم أصحاب اليمين" (10).

وعن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر: "يا جابر، إن الله أول ما خلق خلق محمداً وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله. قلت: وما الأشباح؟قال: ظل النور. أبدان نورية بلا أرواح إلخ" (11).

د- قد دلت بعض تلك الروايات الصحيحة سنداً أيضاً على أن الناس ينسون ما أخذه الله عليهم.

فقد روى القمي عن ابن ابي عمير، عن ابن مسكان، عن الإمام الصادق في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾.. (12).

قلت: معاينة كان هذا؟!

قال: نعم، فثبتت المعرفة، ونسوا الموقف، وسيذكرونه الخ..) (13).

هـ- إن ثمة روايات كثيرة، قال العلامة المجلسي (قده) إنها معتبرة، وأنها قريبة من التواتر، قد دلت على تقدم خلق الأرواح على الأجساد (14).

وقال رحمه الله: (وما ذكروه من الأدلة على حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة، لا يمكن رد تلك الروايات لأجلها) (15).

وعن أبي جعفر الثاني: (خلق الله محمداً وعلياً، وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها) (16).

و- قوله في هذا الحديث الأخير: (وأشهدهم خلقها) يجعل قول المفيد (قده): (إنه حين رأى آدم (ع) (الأشباح النورية) لم يكونوا في تلك الحال صوراً مجيبة، ولا أرواحاً ناطقة، ولكنها كانت على مثل صورهم في البشرية) (17).

يجعل قوله هذا من قبيل الاجتهاد في مقابل النص، ولعله لم يطلع على هذا الحديث وأمثاله.

فالظاهر: أن خلقهم (ع) أشباحاً نورية بلا أرواح، قد كان في مرحلة ونشأة هي أسبق من النشأة التي أشير إليها في حديث خلقهم، ثم خلق الأشياء التي أشهدهم خلقها.

ز- إن الإشكال الذي سجلوه على صحة خلق الأرواح قبل الأجساد، وهو أنه لو صح ذلك للزم أن يتذكروا الأحوال السابقة، وهذا غير حاصل.. إن هذا الإشكال وغيره قد رفضه العلامة المجلسي (رحمه الله)، حيث قال: (قيام الأرواح بأنفسها، أو تعلقها بالأجساد المثالية، ثم تعلقها بالأجساد العنصرية مما لا دليل على امتناعه. وأما عدم تذكر الأحوال السابقة، فلعله لتقلبها في الأطوار المختلفة).. إلى أن قال: (مع أن الإنسان لا يتذكر كثيراً من أحوال الطفولية والولادة) (18).

وقد ذكرنا في موضع آخر: أن الأجساد العنصرية تمثل حجاباً يمنع من التواصل مع حقائق الأشياء، وتتضاءل درجة الإحساس بالأشياء بعد حلول الروح في الجسد، لأن ذلك إنما يتم عبر وسائط وأدوات، لا تملك قدرات عالية في هذا الإتجاه، ولذلك نجد أنه بعد انفصال الروح عن هذا الجسد، وكذلك بالتصرف الإلهي بتلك الحجب يترقى الإنسان في إحساسه بالأمور وإدراكه لها، قال تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.. (19) وقد ذكرنا ذلك في كتاب (تفسير سورة هل أتى) فراجع.. وعلى كل حال، فإن مما يدل على ذلك أيضاً: الحديث الصحيح المتقدم، حول آية إشهاد الخلق على أنفسهم حيث قال فيه: فثبتت المعرفة، ونسوا الموقف وسيذكرونه.

الهوامش: 1- تفسير الميزان ج1 ص138. 2- الآية 30 من سورة البقرة. 3- تفسير الميزان ج1 ص126و127. 4- الآية 61 من سورة البقرة. 5- راجع: نور الثقلين ج33 ص400 و401 و402 و403 وج2 ص94 و101، والكافي ج2 ص8 وج4 ص186 والمناقب لابن شهرآشوب، وعلل الشرائع، ج2 ص136 و137 ط الأعلمي وج1 ص149 وبصائر الدرجات.. 6- راجع: مرآة العقول ج7 ص24. 7- راجع: تفسير الميزان ج9 ص225 وما بعدها وما قبلها وراجع: البحار ج64 وغيره. 8- البحار ج65 ص206 وراجع: ج58 ص139و140، وراجع: ج64 ص98 و99، عن بصائر الدرجات ص80 وعن علل الشرائع ج2 ص80 وراجع: الكافي ج2 ص10 وتفسير الميزان ج9 ص326. 9- تفسير الميزان ج9 ص326. 10- البحار ج64ص127 وفي هامشه عن بشارة المصطفى ص144. 11- الكافي ج1 ص442 والبحار ج58 ص142.. 12- الآية 172 من سورة الأعراف. 13- تفسير الميزان ج9 ص325 وراجع أيضاً ص330 عن المحاسن.. 14- راجع في هذا الحديث الشريف: بحار الأنوار ج58 ص143 و144 و41 و80 و102 و136 و139 و137 و138 وج47 ص357 وج5 ص266 و261 وج11 ص172 وج8 ص308 وج42 ص196 وج26 ص320 وج4 ص222 وج65 ص205، وفي هوامش الصفحات السابقة عن المصادر التالية: رجال الكشي ص249، والمسائل السروية وعن الكافي ج1 ص437 وعن معاني الأخبار ص108 و37 وعن بصائر الدرجات ص78 و88 و89 و24 و356 و354 بعدة أسانيد وعن الاختصاص ص354 وعن مناقب آل أبي طالب ج2 ص357.. 15- بحار الأنوار ج58 ص141. 16- الكافي ج1 ص441 والبحار ج15 ص19. 17- البحار ج5 ص262 عن المفيد رحمه الله تعالى. 18- البحار ج58 ص144 في مناقشته لما قاله المفيد رحمه الله تعالى في أجوبة المسائل السروية. 19- الآية 22 من سورة ق.
2024/04/13

هل كان النبي (ص) بحاجة إلى «الإسراء والمعراج»؟
بادي ذي بدء يجب الالتفات الى أنّ الآية الأولى من سورة الأسراء ناظرة الى حركة النبي (صلى الله عليه وآله) من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى فحسب و ساكتة عن سيره الى السموات، لكن يمكن استفادة ذلك من آيات أخر نظير:

«علّمَهُ شديدُ القوى * ذو مرّة فاستوى * و هو بالأفق الأعلى» الى قوله: «عندَ سدرةِ المنتهى* عندَها جنّة المأوى * إذْ يَغشى السِدرةَ ما يَغشى * مازاغَ البصرُ و ماطَغى * لقدْ رأى من آياتِ ربّهِ الكبرى» (1).

تحكي هذه الآيات بوضوح سير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الى السموات، لكنّ الآية الأولى من سورة الاسراء تحكي عن بداية هذا السير فقط الذي حدث على الأرض، أما الهدف من هذا السير (كما ذكر في آيات سورة النجم) فهو «مشاهدة الآيات و الآثار الالهية العظيمة لعالم الخليقة».

بديهي أنّ هذه المشاهدة مشاهدة حضورية ولاتحصل المشاهدة الحضورية للموجود ذي الجسم إلاّ بحضوره لدى الموجود الذي يبغي مشاهدته، وما كتبتم من أنّ النبيّ مطلع على أحوال السموات بدون السير اليها فيجاب عليه أنّ هناك تباين كبير بين هذا العلم و الاطلاع و بين المشاهدة عن كثب، نظير ما لو وقع حدث في إحدى المدن و قد تناهى الى أسماعنا ذلك الخبر لكنّنا لم نكن حاضرين في محل وقوعه، و لم نرى ما جرى بأم أعيننا; الحضور في محل الحدث و مشاهدته يترك بصمات عميقةً على روح الانسان، بينما لايمتلك العلم الغيابي ذلك الأثر.

 بناءً على هذا، أراد الله سبحانه و تعالى أن يرى نبيه الكريم آثار عظمته بأم عينه ليصبح قلبه البصير أكثر بصيرةً، ولو تصور أحد أنّ بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) رؤية آثار عظمة الباري جلّ علا في العوالم العلوية من على ظهر الأرض فقد أخطأ، و لا ينطبق تصوره مع الحقيقة، فمن ناحية الجسم يمتلك النبي (صلى الله عليه وآله) خواصاً جسديةً في عالم المادة، و لعين الانسان قدرة محددة في النظر.

===========

الهوامش: 1. سورة النجم، الآية 5 ـ 18. المقال رداً على السؤال: جاء في بداية سورة الأسراء من القرآن الكريم ما نصه: «سُبحانَ الذي أسرى بعبده ليلا من المسجدِ الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حولَهُ لنُريَهُ من آياتِنا إنّهُ هو السميعُ البصيرُ». أجيبونا رجاءً لماذا أسرى بالنبي المنتجب؟ إن قلنا إنّ الله تعالى كان يريد أن يُري مكانه له فهذا ليس بصحيح، لأنّه ليس لله مكان محدد و هو موجود في كل مكان، و اذا كان المراد اطلاعه على الكواكب و المجرات و المناظر المتميزة لعالم الخلقة يرد الاشكال أيضاً، لأنّنا ـ نحن المسلمون ـ نعتقد أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)و الائمة (عليهم السلام) يحيط علمهم بكل شيء.
2024/03/28

ما حقيقة حادثة «ردّ الشمس»؟ ولماذا أخّر الإمام علي (ع) الصلاة؟!
لا معنى لهذا السؤال فإنَّ مثل عليٍّ (ع) إمام المتقين لن يؤخِّر الصلاة عن وقتها إلا لعذرٍ، وطروء الأعذار أمرٌ وارد ويتَّفق لكلِّ أحد، لذلك يجبُ حمل التأخير على العذر المسوِّغ شرعاً للتأخير حتى مع عدم الوقوف على طبيعة ذلك العذر بل لو اتَّفق ذلك لأحد المؤمنين المعروفين بالمداومة على أداء الصلاة في وقتها لوجبَ حملُ تأخيره على العذر الشرعي. سبب التأخير بحسب ما أفادته الروايات:

 وكيف كان فالمذكور في الروايات التي تصدَّت لنقل الواقعة أنَّ سبب عدم أداء الإمام (ع) لصلاة العصر في وقتها هو أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان مع النبيَّ (ص) فاتَّفق أنْ تغشَّاه الوحي فاستند إلى صدر أو حجر عليٍّ (ع) -وكان النبيُّ (ص) إذا تغشَّاه الوحي يثقل- حتى ورد أنَّه إذا نزل عليه الوحي وكان على ناقته فإنَّها تبرُك لثقله، وكان يتصبَّب منه العرق مثل الجمان في اليوم الشاتي، وكانت تنتابه مثلُ الغَشية إلى أن يرتفع عنه الوحي(1)، فكرِه أميرُ المؤمنين(ع) أنْ يُؤذِي رسول الله (ص) بقيامه عنه للصلاة، ثم إنَّه لم ينقضِ الوحي حتى غابت الشمس أو كادت، فهذا هو منشأُ فوات الوقت لصلاة العصر عن الإمام (ع)

وقد نصَّت الروايات -على اختلاف ألسنتها على ذلك- فمِن ذلك ما أورده الكليني بسنده عن الإمام الصادق (ع) عن أمير المؤمنين (ع) يروي ما وقع له مع النبيِّ (ص) فقال فيما قال: ثُمَّ خَفَقَ -النبيٌّ (ص)- حَتَّى غَطَّ وحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَرِّكَ رَأْسَه عَنْ فَخِذِي فَأَكُونَ قَدْ آذَيْتُ رَسُولَ اللَّه (ص) حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ وفَاتَتْ فَانْتَبَه رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ قُلْتُ: لَا قَالَ: ولِمَ ذَلِكَ قُلْتُ: كَرِهْتُ أَنْ أُوذِيَكَ .."(2) وأورد الشيخ الصدوق في علل الشرائع أنَّ النبيَّ (ص) قال حينها: "اللهم إنَّ هذا عبدُك عليٌّ احتبس نفسه على نبيِّك فردَّ عليه شرقها فطلعت الشمس فطلعت الشمس فلم يبق جبل ولا أرض إلا طلعت عليه الشمس ثم قام علي (عليه السلام) وصلَّى .."(3).

وأمَّا لماذا لم يصلِّ الإمام (ع) العصر قبل ذلك مع النبيِّ (ص) فالوارد أنَّ النبيَّ (ص) بعث الإمام (ع) بعد صلاة الظهر لحاجةٍ فما عاد من قضائها إلا وقد صلَّى النبيُّ (ص) العصرَ بعد دخول وقتها، ففي رواية الشيخ الصدوق بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: ".. فصلَّى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) الظهر ثم دعا عليَّاً (ع) فاستعانَ به في بعض حاجتِه ثم جاءت العصر فقام النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فصلَّى العصر فجاء عليٌّ (ع) .."(4).

لماذا لم يصلِّها إيماءً:

وما قد يُقال إنَّه كان في وِسْع الإمام (ع) أنْ يصلِّيَ العصر إيماءً، فلا يُؤذي رسولَ الله (ص) وهو يوحى إليه بالقيام عنه للصلاة وفي ذات الوقت يكون قد أدَّى صلاة العصر في وقتها.

والجواب:

إنَّ الغايةَ من ردِّ الشمس لعليٍّ (ع) هو لكي يُؤدِّي الصلاة الاختياريَّة في وقتها تكريماً لإيثاره وإلا فمِن المقطوع به أنَّ عليَّاً (ع) قد أدَّى الصلاة إيماءً حين كان النبيُّ (ص) مستنداً إليه، فعليٌّ (ع) لا يفتُرُ عن ذكر الله تعالى على أيِّ حال وفي كلِّ آن، فكيفَ يغفلُ عن أداء الصلاة إيماءً في مثل هذا الظرف والحال أنَّه كان يؤدِّي نوافله في حروبه وهو مشتغل بالقتال كما ثبت عنه، وفي شأنه نزلَ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(5)(6).

هذا وقد نصَّ خبرُ الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أورده عن أسماءُ بنت عميس، وأمّ سلمة زوجِ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيدٍ الخدري، في جماعةٍ من الصحابة أنَّ الإمام (ص) صلَّى حينها إيماءً قبل أنْ تغيب الشمس فردَّها الله تعالى إليه ليصلِّي العصر صلاة المختار قال: ".. فلمَّا تغشَّاه الوحي توسَّد فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يرفع رأسه عنه حتى غابت الشمس، فاضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك إلى صلاة العصر جالسا يومئ بركوعه وسجوده إيماء، فلمَّا أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أفاتتك صلاة العصر؟

قال له: "لم أستطع أنْ أصلِّيها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحال التي كنت عليها في استماع الوحي" فقال له: "ادع الله ليرد عليك الشمس حتى تصليها قائما في وقتها كما فاتتك، فإنَّ الله يجيبك لطاعتك لله ورسوله" فسأل أمير المؤمنين الله عزَّ اسمُه في رد الشمس، فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت العصر، فصلَّى أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة العصر في وقتها ثم غربت"(7).

سبب التأخير في الواقعة الأخرى لردِّ الشمس:

هذا ما يرتبط بالمرَّة الأولى التي رُدَّت فيها الشمس لعليٍّ (ع) وكان ذلك في حياة رسول الله (ص) وأمَّا سبب تأخيره (ع) لصلاة العصر في المرَّة الثانية والتي كانت في أيام خلافته فيتَّضح -مثلاً- من ملاحظة ما أورده الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه مَن لا يحضره الفقيه: فقد روى بسنده عن جويرية بن مسهر أنه قال: "أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال عليٌّ (عليه السلام): أيُّها الناس إنَّ هذه أرضٌ ملعونة قد عُذِّبت في الدهر ثلاث مرَّات، وفي خبر آخر مرَّتين وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المُؤتفِكات، وهي أول أرض عُبِد فيها وثن، وإنه لا يحلُّ لنبيٍّ ولا لوصيِّ نبيٍّ أنْ يصلِّي فيها، فمَن أراد منكم أنْ يُصلِّيَ فليصلِّ، فمالَ الناسُ عن جنبي الطريق يُصلُّون وركبَ هو (عليه السلام) بغلةَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ومضى، قال جويرية فقلتُ: واللهِ لأتبعنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلِّدنَّه صلاتي اليوم، فمضيتُ خلفَه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس فشككتُ، فالتفتَ إليَّ وقال: يا جويرية أشككتَ؟ فقلتُ: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل (عليه السلام) عن ناحية فتوضأ ثم قام، فنطق بكلامٍ لا أُحسنه .. ثم نادى الصلاة فنظرتُ واللهِ إلى الشمس قد خرجتْ من بين جبلين لها صريرٌ فصلَّى العصر وصلَّيتُ معه .."(8).

فالواضحُ من الرواية أنَّ منشأ تأخيره (ع) لصلاة العصر هو أنَّه لم يكن يحلُّ له أن يصلِّي في تلك الأرض وأنَّ ذلك كان من خصائص رسول الله (ص) وصيِّه (ع) فقد كانت لرسول الله (ص) ولوصيِّه أحكامٌ خاصَّة لم تكن لسائر المكلَّفين، فلم يكن يسعُه لذلك أنْ يصلِّيَ امتثالاً لنهي الله تعالى وأمره. تماماً كما أنَّه لا يسع المكلَّف أنْ يصوم في يوم العيد، ولا يسع النفساء أنْ تُصلِّي في ظرف النفاس، ولا يسع المسافرُ أنْ يصلِّي أربعاً كذلك هو الشأن في المقام فإنَّه إذا لم يكن يحلُّ للنبيِّ (ص) والوصي (ع) الصلاة في بقعةٍ محدَّدة فإنَّه لا يسعهما إلا الامتثال لذلك، فتركُ الصلاة في ذلك الموضع -بحسب الرواية- كان عزيمة، لذلك تعيَّن عليه لزاماً تأخيرها إلى أنْ يتجاوز ذلك الموضع.

=============

الهوامش: 1- تفسير القمي ج2 / ص369، بحار الأنوار -المجلسي- ج 18 / ص263، المصنف -الصنعاني- ج5 / ص418، المعجم الكبير -الطبراني- ج 23 / ص55، الدر المنثور -السيوطي- ج2 / ص203، 252، جامع البيان -الطبري- ج6 / ص111-112، مسند أحمد ج2 / ص176، ج6 / ص458، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج1 / ص197، تفسير القرآن -الصنعاني- ج1 / ص182. 2- الكافي -الكليني- ج4 / ص562. 3- علل الشرائع -الصدوق- ج2/ ص352، المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / ص145، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص297. 4-علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص352، المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / 145، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص297، عمدة القاري -العيني- ج15 / ص43 وعلق على الخبر بقوله: وذكره الطحاوي في (مشكل الآثار، قال: وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من أجل علامات النبوة. وقال: وهو حديث متصل، ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه. 5- سورة آل عمران / 191. 6- الأمالي -الطوسي- ص471، البرهان في تفسير القرآن -السيد هاشم البحراني- ج1 / ص727، مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج1 / ص159. 7- الإرشاد -المفيد- ج1 / ص246، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص350، كشف الغمة -الأربلي- ج1 / ص285، كشف اليقين -العلامة الحلي- ص112. 8- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص204.
2024/03/27

من حرَم الإمام علي (ع) من الخلافة.. إرادة السماء أم البشر؟!
سؤال على لسان الطرف الآخر ما دامت خلافة علي عندكم عهد من الله تعالى وإعلان نبوي من رسوله (ص)، فلماذا لم يكن علي الخليفة الأول للنبي (ص) بلا فصل؟ فهل عجز الله عن تحقيق إرادته نعوذ بالله؟

الجواب: 

أولا: إنَّ السائلَ لم يميز بين الإرادة التكوينية لله تعالى والإرادة التشريعية، فالإرادة التكوينية هي التي يقول عنها عز وجل: (بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) (البقرة: ١١٧) فما أراده سبحانه بهذه الإرادة يستحيل أن يتخلف.

أما الإرادة التشريعية فهي كإرادته عز وجل من إبليس أن يسجد، ومن كل الناس أن يؤمنوا، لكنه أعطاهم آلة الاختيار والقدرة فلم يسجد إبليسُ  ولم يستجب لتحقيق إرادة الله تعالى منه، ولم يؤمن أكثر الناس ولم يستجيبوا لتحقيق إرادة الله تعالى منهم، وهذا لا يعني العجز من الله تعالى، فإرادته هنا تشريعية لا تكوينية.

وكذلك هو حال الأمم بعد أنبيائهم عليهم السلام فقد أمرهم الله تعالى وأراد منهم أن يطيعوا أوصياء الأنبياء عليهم السلام، ولكن الكثير منهم عصوا الله تعالى وعزلوا الأوصياء عليهم السلام ونصبوا غيرهم من قبائلهم وأحزابهم، واختلفوا واقتتلوا!

وهذا لا يعني العجز من الله تعالى، لأن إرادته هنا تشريعية لا تكوينية، قال الله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) (البقرة: ٢٥٣) فهو سبحانه أراد أي سمح لهم أن يختاروا الخير أو الشر.

وثانيا: إن الغلبة والحكم ليسا من شرط الإمامة أبدا، فإن أكثر أوصياء الأنبياء عليهم السلام لم يحكموا بعدهم، وكانوا مغلوبين مضطهدين، كما أشارت الآية المتقدمة.

بل نصَّ النبي صلى الله عليه وآله على أن الأئمة من بعده سوف تكذبهم الأمة وتعاديهم وتقتل عليا والحسن والحسين عليهم السلام، وسوف يكونون مغلوبين، لكنهم لا يضرهم تكذيب من كذبهم!!

(ففي معجم الطبراني الكبير: ٢ / ٢١٣ و ٢١٤ ح ١٧٩٤: (عن جابر بن سمرة عن النبي قال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيما، لا يضرهم من خذلهم، ثم همس رسول الله صلى الله عليه وآله بكلمة لم أسمعها، فقلت لأبي ما الكلمة التي همس بها النبي (ص)؟ قال أبي: كلهم من قريش).

2024/02/27

ما هي أسباب «ضغطة القبر»؟ وكيف تنجو منها؟!
کتب المرحوم الشیخ عباس القمي في کتابه الشریف «منازل الآخرة»:«أحد منازل الآخرة المهولة: القبر، فإنه في کل یوم یقول: أنا بیت الغربة، أنا بیت الوحشة، أنا بیت الدود، ولهذا المنزل عقبات صعبة جداً، ومنازل ضیقة ومهولة، ثم یشیر إلی عدة عقبات، ویقول: العقبة الأولی: وحشة القبر، العقبة الثانیة: ضغطة القبر، والعقبة الثالثة: مسألة منکر ونکیر في القبر».

وقد وردت روایات تصرح بأن منزل القبر صعب جداً، لکنه سهل للمؤمن، وعلی أي حال: في القبر، ظلمة ووحشة، غربة، ضغطة، وأسألة عقائدیة وسلوکیة صعبة وشاقة للغایة، روي عن أمیر المؤمنين علي(عليه السلام) أنه قال: «يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت القبر فاحذروا ضيقه و ضنكه و ظلمته و غربته إن القبر يقول كل يوم أنا بيت الغربة أنا بيت التراب أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود و الهوام و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار... وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنينا فينهشن لحمه و يكسرن عظمه يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا...». [1]

لکن المهم أن نعرف أولاً: ما سبب ضغطة أو عذاب القبر؟ وثانیاً: أي الأسباب تنجي من ضعطة وعذاب القبر؟ وثالثاً: عن ماذا یسأل في القبر؟ وبأي کیفیة؟ روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «أیما مؤمن سأله أخوه المؤمن حاجة وهو یقدر علی قضائها ولم یقضها له سلط الله علیه شجاعاً في قبره ینهش أصابعه».[2]

أسباب ضغطة القبر:

أما أسباب ضغطة القبر فهي کالتالي:

1- إضاعة النعم الإلهیة.

2- عدم الاحتراز من البول، والاستخفاف به، یعني استسهاله، وعدم رعایة الطهارة والنجاسة.

3- النمیمة.

4- الغيبة

5- ابتعاد الرجل عن أهله.

6- سوء الخلق وغلظة القول مع أهله.

أسباب النجاة من عذاب القبر:

1- قراءة سورة النساء في کل جمعة.

2- المداومة علی قراءة سورة الزخرف.

3- قراءة سورة القلم في الفریضة أو النافلة. 

4- من مات بین زوال الشمس من یوم الخمیس إلی زوال الشمس من یوم الجمعه .

5- صلاة اللیل.

6- وضع جریدتین رطبتین مع المیت (تحت أبط المیت الیمنی والیسری).

7- وردت روایات کثیرة في استحباب رش القبر بالماء بعد دفن الميت و إبقاء القبر رطباً،مادامت الجریدتین رطبتین،فإن الله یرفع عنه العذاب ما دام القبر رطباً.

8- الصلاة عشر رکعات في اول یوم من رجب ف کل رکعة فاتحة الکتاب مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات.(منازل الاخرة).

9- الصیام 4 أیام من رجب.

10– الصیام 12 یوماً من شعبان .

11- قراءة سورة «تبارک الملک»فوق قبر الميت .

12- أن یقرأ هذا الدعاء إلی جانبه بعد دفن الميت«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا تُعَذِّبَ هَذَا الْمَيِّتَ إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ إِلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ»[3]، وروي أنه هذا الدعاء یقرأ ثلاث مرات.

13- صلاة رکعتین في لیلة الجمعة؛ روي عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال:«من صلی لیلة الجمعة رکعتین یقرأ فیهما بفاتحة الکتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال یوم القیامة».[4]

السؤال و الجواب في القبر:

من المسلمات الاعتقادية في المذهب الشيعي: الاعتقاد بالسؤال و الجواب في القبر. روي عن الامام الصادق(ع) قال: «من أنکر ثلاثة أشیاء، فلیس من شیعتنا: 1- المعراج 2- المسائلة في القبر 3- الشفاعة».[5]

ویستفاد من روایات کثیرة: أن الله ینزل علی الانسان بعد الموت ملکین اسماهما ناکر ونکیر أو منکر ونکیر فیسألانه عن أصوله وعقائده، التوحید، النبوة، الولایة، وکیف أنفق ماله، واکتسبه، فإن کان مؤمناً أجاب، فتعمه رحمة الحق ورعایته، وإن لم یکن مؤمناً، صمت ولم یجب، وابتلي بالعذاب الشدید البرزخي في قبره. 

وفي روایات أخری: یأتي الملکان منکر ونکیر بهیئة موحشة مرعبة حین یدفن المیت، أصواتهما کالرعد القاصف، وأبصارهما کالبرق الخاطف، فیکون الجواب في تلک الحال صعباً جداً، ولهذا، یستحب تلقین المیت مرتین . روي: « أن الامام علي بن الحسين(ع) کان یعظ الناس ویزهدهم في الدنیا، ویرغبهم في أعمال الآخرة، بهذا الکلام في کل جمعة في مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وحفظ عنه وکتب کان یقول: أیها الناس اتقوا الله وأعلموا أنکم إلیه ترجعون...».[6]

و ورد أیضاً في کلام له علیه السلام إشارة منه إلی مجيء منکر ونکیر إلی المیت في القبر، بشکل مخیف ومرعب، فقال علیه السلام: « «أَلَا وَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلَانِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَ عَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ و عَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَ عَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَ عَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلَّاهُ ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ أَفْنَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَ فِيمَا أَنْتَ أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَ انْظُرْ لِنَفْسِكَ وَ أَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الِامْتِحَانِ وَ الْمُسَائَلَةِ وَ الِاخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ مُؤْمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَقَّاكَ اللَّهُ حُجَّتَكَ وَ أَنْطَقَ لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ وَ أَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَ بُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَ الْجَنَّةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحَانِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَ دُحِضَتْ حُجَّتُكَ وَ عَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَ بُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ مَلَائِكَةُ».[7]

الهوامش: [1] (بحار الانوار، ج6، ص 218، باب 8 - أحوال البرزخ والقبر وعذابه). [2] (بحار، ج 74، ص330). [3] (ثقة الاسلام حاجي نوري، مستدرک الوسائل ج 2 ص 372 باب 49 باب استحباب الدعاء بالمأثور عند...). [4] مصباح المتهجد،ص228. [5] نتائج الأفکار،السید الگلبایگاني،ج1، ص211. [6] الکاف،الکلیني،ج8،ص72،ح29. [7] (الکليني، الكافي ج 8 ص 72 و محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج 6 ص 223 حديث 24).
2024/02/18

هل يمكن إثبات «المعجزة» علمياً؟!
إن الحديثَ العلميَّ عن المعجزة لابدَّ أن يتركَّز على عدة نقاط أساسيَة هي:

1 ـ ما هي المعجزة وما هو تعريفها؟

2 ـ هل الإعجاز يهدم القوانين العقلية المسلَّمة؟

3 ـ هل المعجزة تصدر عن علل مادية غير عادية فقط؟

4 ـ كيف تدل المعجزة على صدق ادعاء النبوة؟

5 ـ كيف وبماذا نميز المعجزة عن الخوارق الاُخرى؟

إنَّ الاجابة على هذه الأسئلة كفيلة بتوضيح حقيقة المعجزة وبيان مدى بطلان الاتجاه المذكور نعني : تفسير المعاجز بالتفسير المادي الطبيعي.

على أننا ـ نظراً لضيق المجال ـ سنختصر الجواب على هذه الأسئلة وعلى من أراد التوسع أن يرجع إلى كتب الكلام والعقيدة.

1 ـ ما هي المعجزةُ وما هو تعريفها؟

لقد عرَّف علماء العقيدة المعجزة بتعاريف مختلفة أتقنها وأكملها هو : انّ المعجزة أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالدَعوى والتحدّي مع عدم المعارضة ومطابقة الدعوى .

ويعني الشرطُ الأولُ ( اي كون المعجزة أمراً خارقاً للعادة ) أن كل ظاهرة من الظواهر الطبيعية الحادثة مرتبطة بعلة حتماً فلا يمكن صدورها من دون علة وهذا الكون مشحون بالعلل الّتي يكتشفها البشر شيئاً فشيئاً وتدريجاً عبر وسائله العادية أو العلميّة ولكنّ المعجزة مع كونها ظاهرة واقعية ولهذا فهي كغيرها مرتبطةٌ بعلة بيد أنها تختلف عن غيرها من الظواهر في أنّ من غير الممكن كشف عللها من الطريق العادية أو بواسطة التجارب والتحقيقات العلمية ولا يمكن تفسيرها وتبريرها بالعِلَل العادية أو بما يكتشفه العلمُ من العلل لمثل هذه الحوادث والمقصود من خرق العادة هو أنْ تقع المعجزةُ على خلاف ما عهدناه وتعوَّدنا عليه في الظواهر الاُخرى وعِللها مثل إشفاء المرضى من دون علاج ودواء كما هو المعهود واخراج الماء من صخرة صماء من دون حفر أو تنقيب كما هو المألوف وتحويل العصا إلى أفعي من دون تبييض وتفريخ وتوالد وتناسل بل بمسح من يد أو بعبارة من لسان أو بضرب من عصا!!

من هنا نكتشفُ أَن كل ظاهرة يقف الناس العادّيون بالطرق العادية أو العلماء خاصة بالطرق العلمية على عللها وأسبابها لا تكون معجزة لأنّه في هذه الصورة لم يقع أي شيء على خلاف العادة والمألوف ليدل على مزية في الانبياء.

فان مثل هذه الظاهرة الّتي يكون لها علةٌ عاديةٌ يعرفها جميعُ الناس أو سببٌ علمي خاصٌ يعرفها علماء ومتخصصو ذلك العلم يمكن أن يقوم بإيجاد أمثالها جميعُ الناس فلا يكون حينئذ معجزة.

ولا يعني هذا ـ وكما اسلفنا ـ أَنَّ المعجزة لا تنتهي إلى أية علة اصلا بل هي تستند إلى علة غير متعارفة وغير عادية ولمزيد التوضيح سنبحث في هذا المجال عند الاجابة على السؤال الثالث.

ويُقصَد من الشرط الثاني ( أي كون الاعجاز مقروناً بالدعوى ) أن يَدّعي صاحبُ المعجزة النبوة والسفارة من جانب اللّه تعالى ويأتي بالمعجزة دليلا على صحة دعواه هذه إذ في غير هذه الصورة لا يكون الأمرُ الخارق للعادة معجزةً بل يُطلَق عليه في الاصطلاح الديني لفظ الكرامة كما كان لمريم بنت عمران الّتي كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً فاذا سألها من أين لها ذلك؟

قالت : هو من عند اللّه .

ويعني الشرطُ الثالثُ أن يكون الاعجاز مقروناً بدعوة الناس إلى الإتيان بمثله وعجز الناس عن هذه المعارضة وعدم قدرتهم على الاتيان بمثله مطلقاً إذ في هذه الصورة يتضح أَنَّ النبي يعتمد على قوة الهية غير متناهية قوة خارجة عن حوزة البشر العادي.

واما الشرط الرابع فيعني أن الامر الخارق للعادة إنّما يكون عملا إعجازياً ويستحق وصف المعجزة الدالّة على ارتباط الآتي بها بالمقام الالهيّ إذا وافق الامرُ الواقعُ ما يدعي أنه قادر على الأتيان به.

فلو قال : سأجعلُ هذا البئر الجاف الفارغ من الماء يفيض بالماء بإشارة اعجازية ثم يقع ما قاله كان هذا الأمر معجزة حقاً وأما إذا قال : سأجعل هذا الماء القليل الموجود في البئر يفيضُ ماء بالإعجاز ولكن جفَّ ذلك البئرُ على عكس ما قال لم يكن ذلك إعجازاً بل كان تكذيباً لمدعيها.

هذا هو خلاصة ما يمكن أن يُقال حول تعريف المعجزة والاعجاز وهو يساعد على فهم طبيعة العمل الإعجازيّ.

2 ـ هل الاعجاز يهدم القوانين العقلية المسلَّمة؟

وبهذا يتضح جواب السؤال المطروح في هذا المجال وهو أن يقال : إن قانون العليّة ( اي : ارتباط كل معلول حادث بعلة ) ممّا ارتكز عليه الذهنُ البشريُ وقبلَه العلمُ والفلسفة ولذلك فأننا نلاحظ : كلّما وقف الإنسانُ على ظاهرة مهما كانت ـ بحَثَ عن علّتها فوراً فاذا رأى حية ـ مثلا ـ عرف بان علتها الطبيعية هي أن تبيض حيّة ثم خروج حيّة من البيض بعد سلسلة من التفاعلات فكيف يمكن القبول بالمعاجز مع أنها لا تنشأ عن مثل هذه العلل ولا تمرُّ بمثل هذه المقدمات والمراحل والتفاعلات الطبيعيّة مثل انقلاب العصا إلى ثعبان أو نبوع الماء من الصخر من دون حفر أو تنقيب.

أليس هذا هدمٌ أو تخصيصٌ لذلك القانون العقليّ المسَلَّم العام؟

فان الجواب على هذا السؤال هو ان مثل هذا السؤال لا يطرحه إلاّ الَّذين يحصرُون العلل والعلاقات بين الاشياء في العلل والعلاقات المادية الطبيعية.

ولكن الحق هو أنَّ أيَّة ظاهرة مادية يمكن أن يكون لها نوعان من العلل :

1 ـ العلةُ العادية الّتي تخضع للتجربة.

2 ـ العلةُ غير العادية الّتي لا يعرفها الناس ولم تكن متعارفة ولا تخضع للتجربة العلمية.

وهذا يعني أنه لا توجد أية ظاهرةُ في هذا العالم بدون علة.

وتوضيحُ هذا أن اصل وجود الحية ونبوع الماء من الصخرة وتكلم الطفل ـ مثلا ـ أمرٌ ممكنٌ ولا يُعدّ من المحالات لأَنها لو كانت من المحالات لما تحقق وجودها أبداً.

نعم أَنها بحاجة إلى علة لكي تتحقق والعلة ـ سواء في المعاجز أو غيرها ـ يمكن أن تكون إحدى الامور التالية :

أ ـ العلة الطبيعية العادية وهي ما الفناها وأعتدنا عليها مثل ظهور شجرة من نواة بعد سلسلة من التفاعلات. ب ـ العلة الطبيعية غير العادية وغير المعروفة وهذا يعني أنه قد يكون لظاهرة معينة نوعان من العلل وطريقان للتحقق والوجود أحدهما معروف ومعلوم والآخر مجهول غير معلوم والانبياء بحكم اتصالهم بالعلم والقدرة الالهية يمكن أن يقفوا على هذا النوع مِنَ العلل ـ عن طريق الوحي ـ ويوجدوا الظاهرة. ج ـ تأثير النفوس والارواح :

فانَّ بعض الظواهر يمكن أن تكون ناشئة من تأثير أرواح الأَنبياء ونفوسهم القوية كما نلاحظ ذلك في مجال المرتاضين الهنود الذين يبلغون درجة يستطيعون معها أن يقوموا بما يعجز عنه الأفرادُ العاديُّون وذلك بفضل الرياضات النفسية الّتي يخضعون لها.

وهو ما يسمى باليوجا أحياناً وقد كتبت حوله كتب ودراسات .

وقد أشار إلى هذا جملةٌ من علماء الإسلام وفلاسفته منهم الفيلسوف الإسلامي الشهير صدر الدين الشيرازي حيث يقول :

 لا عجب أن يكون لبعض النفوس قوةٌ الهيةٌ تكون بقوتها كأنها نفسُ العالم فيطيعُها العنصرُ طاعة بدنها لها فكلّما ازدادت النفسُ ـ تجرداً وتشبّها بالمبادئ القصوى ازدادت قوةً وتأثيراً في ما دونها.

وإذا صار مجردُ التصوّر والتوهم سبباً لحدوث هذه التغيّرات في هيوليّ البدن لأجل علاقة طبيعيّة وتعلّق جبلّي لها إليه لكان ينبغي أن تؤثر في بدن الغير وفي هيوليّ العالم مثل هذا التأثير لأجل مزيد قوة شوقية واهتزاز علوي للنفس ومحبة الهية لها فيؤثر نفسُه في إصلاحها وإهلاك ما يضرّها ويفسدها .

د ـ العللُ المجردة عن المادة :

فيمكن ان تكون للظواهر عللٌ مجردة عن المادة كالملائكة بان تقوم الملائكة بأمر من اللّه سبحانه بتدمير قرية أو تقوم بمعجزة بعد طلب النبيّ منها ذلك.

والملائكة مظاهرُ القدرة الالهية في الكون وهي الّتي تدبّر اُمور الكون بأمر اللّه تعالى كما يقول القرآن الكريم : فالمُدَبَّراتِ أَمْراً وهي بالتالي جنود الله في السماوات والأَرض وللّه جُنودُ السَماواتِ .

فلابد من ارجاع الظواهر الطبيعية الواقعة إلى أحد هذه العوامل الاربعة ولا يمكن أبداً حصر العلة في العلة الطبيعية العادية المعروفة كما تصور منكروا الاعجاز بل يمكن أن تكون كلُ واحدة من هذه العلل سبباً لحدوث الظاهرة الطبيعية فاذا لم نشاهد علة ظاهرة من الظواهر لم يجز لنا أن نُبادر ـ فوراً ـ إلى تصوّر أنها ناشئةٌ من غير علة.

ويجب ارجاع معاجز الأَنبياء إلى إحدى الطرق الاخيرة والقول بأن الانبياء استخدموا ـ في ايقاع الخوارق والمعاجز ـ إما العلل المادية غير المعروفة للعُرف والعلم وأما نفوسهم القوية الّتي حصلت لهم بفعل الجهاد الرُوحيّ العظيم والرياضات النفسية الشديدة فهي علة تلك الأفعال الخارقة للعادة.

كما ويمكن ان تكون جميع تلك الافعال العجيبة ناشئة عن جملة من العلل والعوامل الغيبية المدبِّرة للكون بامر اللّه ومشيئة.

إذن فلا تتحقق المعجزة بدون علة كما يُتصوَّر ولا يهدم الاعجاز القوانينَ العقلية المسلّمة.

3 ـ هل المعجزة تصدر عن علل مادية غير معروفة فقط؟

قد يتصور البعض أن المعاجز تصدر عن علل مجردة عن المادة فقط نافين أن تكون لها ايَّة علل مادية معروفة أو غير معروفة في حين لا يصحّ هذا السلب الكلي إذ ما اكثر الخوارق الّتي تنشأ عن اُمور عادية وعبر سلسلة من التفاعلات الطبيعية.

فعندما يرقُد مرتاض هندي ليمرَّ عليه تراكتور من دون ان تحدث في جسمه أية جراحات أو اصابات فان هناك اُموراً مادية كثيرة دخلت في هذا الامر الخارق مثل : وقوع هذا الحدث في اطار الزمان الخاص والمكان الخاص ومثل جسم المرتاض وماكنة الحراثة.

فان جميع هذه الاشياء المادية اثرت في ظهور هذا العمل الخارق.

وهكذا عندما تنقلب عصا الكليم (عليه‌ السلام) إلى حية على نحو الاعجاز فان العصا شيء مادي وهكذا الحال في غيره من الموارد.

ولهذا لا يمكن ان نتجاهل تأثير العوامل والامور المادية في ظهور الاُمور غير العادية وننكر دخالتها بمثل هذا الإنكار.

وهذه هي اكثر النظريات اعتدالا في هذا المجال.

وفي مقابل ذلك التفريط أفرط آخرون إذ قالوا : ان جميع المعاجز والخوارق ناشئة من علل مادية غير معروفة.

وحتّى ما يقوم به المرتاضون يعود إلى هذه العوامل الطبيعية الّتي لا يعرفها ولا يقف عليها حتّى النوابغ من الناس فضلا عن العاديين لأن العوامل الطبيعية على نوعين : المعروفة وغير المعروفة والناس يستفيدون في حياتهم اليومية ـ في الأغلب ـ من القسم الاول بينما يستخدم الانبياء والمرتاضون تلك العوامل الطبيعية غير المعروفة الّتي وقفوا عليها وادركوها دون غيرهم.

والسبب في وصفنا هذه النظرية بالإفراط والتطرُّف هو عدم وجود دليل لا ثباته بل يمكن ان يقال ان مثل هذا الموقف ناشئ عن الانهزامية تجاه العالم المادي أو انه لإرضاء الماديين والنافين لما يدخل في إطار العالم المادي فان الماديين يرفضون أي عالم آخر غير الطبيعة وآثارها وعلاقاتها وخواصها وحيث أن ارجاع المعجزات إلى العلل المجردة عن المادة يخالف منطق الماديين ويضادد اتجاههم وتصورهم لهذا عمد أصحاب هذه النظرية ( نظرية إرجاع المعاجز والخوارق إلى علل طبيعية غير معروفة وغير عادية ) إلى مثل هذا التفسير إقناعاً للماديين وارضاء لهم فقالوا : ان جميع الخوارق والمعاجز ناشئة من علل طبيعية ومادية على الإطلاق غاية ما في الأمر أَنها علل غير معروفة شأنها شان كثير من العوامل الطبيعية المجهولة.

ونحن بدورنا نترك هذه النظرية في دائرة الاجمال وبقعة الإمكان لعدم الدليل لا على طبقها ولا على خلافها.

4 ـ كيف تدلّ المعجزة على صحّة ادّعاء النبوّة؟

إن صفحات التاريخ مليئة بذكر من ادّعوا النبوّة خداعاً وكذباً واستثماراً للناس مستغلِّين سذاجة الاغلبية الساحقة من جانب وانجذابهم الفطري إلى قضايا التوحيد والايمان من جانب آخر.

فكيف وبماذا يُميَّز النبيّ الصادق عن مدّعي النبوة؟؟

إن المعجزة هي إحدى الطرق التي تدل على صحة إدعاء النبوة.

وإِنما تدلُّ المعجزةُ على صدق ادّعاء النبوّة وارتباط النبيّ بالمقام الربوبي لأن اللّه الحكيم لا يمكن أن يزوّدَ الكاذب في دعوى النبوة بالمعجزة لأن في تزويد الكاذب تغريراً للناس الذين يعتبرون العمل الخارق دليلا على ارتباط الآتي بها بالمقام الربوبيّ.

وإلى هذا أشار الامامُ جعفر الصادق (عليه‌ السلام) بقوله في جواب من سأله عن علة اعطاء اللّه المعجزة لأنبيائه ورسله :

لِيَكُونَ دَليلا عَلى صِدق من أتى به والمعجزة علامةٌ للّه لا يعطيها إلا انبياءه وَرسلَه وحجَجَه ليعرفَ به صدق الصادق مِنْ كذب الكاذِب .

5 ـ بماذا نميز المعاجز عن غيرها من الخوارق؟

لا شَكَّ في أنَّ السَحَرة والمرتاضين يقومون بأَفعال خارقة للعادة مثيرة للعجب والدهشة حتّى ان البسطاء ربما يذهب بهم الاندهاش إلى حدّ الاعتقاد بأن القائمين بهذه الخوارق مزوَّدون بقوى غامضة غيبية لا يتوصلُ اليها البشر.

فكيف يمكن اذن أن نُمَيّز بَينَ المعاجز وتلك الخوارق والعجائب؟

إن التمييز بين هذه وتلك يمكن أن يتم إذا لاحظنا العلائم الفارقة بين المعجزة وغير المعجزة من الاعمال الخارقة للعادة كأعمال السحرة والمرتاضين ( اصحاب اليوجا ) ونظائرهم.

وهذه الفوارق هي عبارة عن الامور التالية :

1 ـ إن القوة الغامضة الحاصلة لدى المرتاضين والسحرة ناشئة بصورة مباشرة من التعلم والتحصيل عند اساتذة تلك العلوم وذلك طيلة سنين عديدة من الزمان.

بينما لا يرتبط الاعجاز بالتعلّم والتلمّذ أبداً والتاريخ خير شاهد على هذا الكلام.

2 ـ إن أَفعال السَحرة والمرتاضين العجيبة قابلة للمعارضة والمقابلة بأمثالها وربما بما هو اقوى منها على عكس الإعجاز فالمعجزات غير قابلة لأن تعارض وتقابل بمثلها ابداً.

3 ـ المرتاضون والسَحرة لا يَتحدُّون أحداً بأفعالهم ولا يطلبُون معارضة أحد لَهُمْ وإلا لافْتضَحُوا وكبتوا.

بينما يتحدى الانبياء والرسل بمعاجزهم جميع الناس ويدعونهم لمعارضتهم والاتيان بمثل معاجزهم لو قدروا واستطاعوا.

فهذا هو القرآن الكريم ينادي بأعلى صوته على مر العصور : قُل لَئنْ اجْتَمَعت الإنسُ والجنّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمثْلِ هذا الْقُرآنِ لا يأتُونَ بِمثْلِه وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهيْراً .

وذلك لأنَ أفعال السَحرة الخارقة مما كانت فانها تستند إلى الطاقة البشرية المحدودة ولا تتجاوزها بينما يعتمد الانبياء والرسل العنصر الغيبي والإرادة الآلهية.

4 ـ إن أفعال السحرة والمرتاضين الخارقة للعادة اُمور محدودة ومقتصرةٌ على ما تعلَّموها وتمرنوا عليها بينما لا تكون معاجز الأنبياء والرسل مقتصرة على اُمور خاصة فهم لا يعجزون عن الاتيان بكل ما يطلبه الناس منهم طبعاً حسب شرائط خاصة مذكورة في محلها في أبحاث الاعجاز .

فتلك معاجز موسى المتعددة الابتدائية والمقترحة ومعاجز المسيح (عليه‌ السلام) المتنوعة خير مثال على هذا الأمر.

5 ـ إن اصحاب المعاجز يقصدون من معاجزهم دائماً دعوة الناس إلى أهداف إنسانية عالية وغايات الهية سامية وبالتالي هداية المجتمع البشري إلى المبدأ والمعاد والأخلاق الفاضلة فيما لا يهدفُ المرتاضون والسحَرة إلا تحقيق مآرب دنيوية حقيرة ونيل مكاسب مادية رخيصة.

هذا مضافاً إلى أن الأَنبياء والرسل أنفسهم يختلفون عن السحرة والمرتاضين في نفسيّتهم العالية وأخلاقهم الفاضلة وتاريخهم المشرق وصفاتهم النبيلة على العكس من السحرة والمرتاضين.

هذه هي أَهمُّ العلامات الفارقة بين المعاجز الّتي تدل على نبوة الانبياء والخوارق الّتي يقوم بها المرتاضون والسحرة.

وبعد أن تبيَّن كل هذا اتضح أنَّ الخوارق الالهية الّتي هي من مقولة المعاجز أيضاً تختلف عن الاُمور العادية في أن عللها لا تنحصر في العلل المادية غير المعروفة فضلا عن الاُمور المادية المعروفة بل ربما تكون مستندة إلى العلل المجرّدة فليس من الصحيح ان نسعى لتفسير الخوارق الالهية مثل : قصة الفيل الّتي أهلك اللّه تعالى فيها جيش أبرهة العظيم بأحجار صغيرة من سجيل رمتها طيور الأبابيل بالعلل المادية المعروفة كما فعل من اشرنا إلى أسمائهم في مطلع هذا البحث .

ولهذا عَدلَ سيد قطب عن رأية الّذي كان قد أبداه في ما سبق في أمثال هذه الاُمور إذ قال :

ان الطريق الأمثل في فهم القرآن وتفسيره أن ينفُض الإنسان من ذهنه كلَ تصوّر سابق وأن يواجه القرآن بغير مقرَّرات تصوُرية أو عقلية أو شعورية سابقة وأن يبني مقرَّراته كلها حسبما يصورُ القرآنُ والحديثُ حقائق هذا الوجود ومن ثم لا يحاكم القرآن والحديث لغير القرآن ولا ينفي شيئاً يثبته القرآن ولا يُؤَولَه ولا يثبت شيئاً ينفيه القرآن أو يبطله وما عدا المثبت والمنفي في القرآن فله أن يقول فيه ما يهديه إليه عقله وتجربته.

نقول هذا بطبيعة الحال للمؤمنين بالقرآن ... وهم مع ذلك يؤوّلون نصوصه هذه لتوائم مقررات سابقة في عقولهم وتصورات سابقة في أذهانهم لما ينبغي أن تكون عليه حقائق الوجود .

فاما الذين لا يؤمنون بهذا القرآن ويعتسفون نفي هذه التصورات لمجرد أن العلم لم يصل إلى شيء منها فهم مضحكون حقاً! فالعلمُ لا يعلم اسرار الموجودات الظاهرة بين يديه والّتي يستخدمها في تجاربه وهذا لا ينفي وجودها طبعاً! فضلا عن العلماء الحقيقيين اخذت جماعة كبيرة منهم تؤمن بالمجهول على طريق المتدينين أو على الأقل لا ينكرون ما لا يعلمون لأنهم بالتجربة وجدوا أنفسهم ـ عن طريق العلم ذاته ـ أمام مجاهيل فيما بين ايديهم ممّا كانوا يحسبون انهم فرغوا من الاحاطة بعلمه فتواضعوا تواضعاً علمياً نبيلاً ليس فيه سمةُ الادعاء ولا طابع التطاول على المجهول كما يتطاول مُدّعو العلم ومدّعو التفكير العلمي ممن يُنكرون حقائق الديانات وحقائق المجهول .

ثم يقول في موضع آخر من تفسيره ناقداً لموقف الاستاذ عبده من قصة الفيل الّتي هي احدى الخوارق حيث حفظ اللّه تعالى بيته المعظم على نحو خارق للعادة :

ويرى الذين يميلون إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيات وإلى رؤية السنن الكونية المألوفة تعملُ عملها أن تفسير الحادث بوقوع وباء الجدري والحصبة اقرب واولى وان الطير تكون هي : الذباب والبعوض تحمل الميكروبات فالطير هو كل ما يطير.

ثم ينقلُ كلام الاستاذ عبده الّذي ذكرناه بنصه مع قوله : هذا ما يصحّ الاعتماد عليه في تفسير السورة وما عدا ذلك فهو ممّا لا يصحّ قبوله إلاّ بتأويل ان صحت روايته وممّا تعظم به القدرة ان يُؤخذَ من استعز بالفيل ـ وهو اضخم حيوان من ذوات الاربع جسماً ـ ويُهْلكَ بحيوان صغير لا يظهر للنظر ولا يدرك بالبصر حيث ساقه القدرُ لا ريب عند العاقل أن هذا اكبر واعجب وأبهر.

ثم يقول : ونحن لا نرى أن هذه الصورة الّتي افترضها الاستاذُ الامامُ ـ صورة الجدري أو الحصبة من طين ملوث بالجراثيم ـ أدلَّ على قدرة ولا اولى بتفسير الحادث فهذه كتلك في نظرنا من حيث إمكان الوقوع ومن حيث الدلالة على قدرة اللّه وتدبيره ويستوي عندنا أن تكون السنة المألوفة للناس المعهودة المكشوفة لعلمهم هي الّتي جرت فأهلكت قوماً أراد اللّه اهلاكهم أو أن تكون سنة اللّه قد جَرت بغير المألوف للبشر وغير المعهود المكشوف لعلمهم فحقّقت قدره ذاك.

ثم يقول : لقد كان اللّه سبحانه يريد بهذا البيت أمراً كان يريد أن يحفظه ليكون مثابة للناس وأمناً وليكون نقطة تجمع للعقيدة الجديدة تزحفُ منه حرة طليقة في ارض حرة طليقة لا يهيمن عليها احدٌ من خارجها ولا تسيطر عليها حكومةٌ قاهرة تحاصر الدعوة في محضنها ويجعل هذا الحادث عبرة ظاهرة مكشوفة لجميع الانظار في جميع الأجيال ليضربها مثلا لرعاية اللّه لحرماته وغيرته عليها.

فمما يتناسق مع جوّ هذه الملابسات كلها أن يجيء الحادثُ غير مألوف ولا معهود بكل مقوماته وبكل اجزائه ولا داعي للمحاولة في تغليب صورة المألوف من الأمر في حادث هو في ذاته وبملابساته مفردٌ فذٌ.

وبخاصة ان المألوف في الجدري والحصبة لا يتفق مع ما روي من آثار الحادث بأجسام الجيش وقائده فإن الجدري أو الحصبة لا يُسقطُ الجسم عُضواً عضواً وأنملة انملة ولا يشق الصدر عن القلب!!

ثم ان سيد قطب يشير إلى علل تفسير هذه الحادثة الخارقة للعادة بالتفسير المادي العادي الطبيعي والمدرسة العقلية الّتي كان الاستاذ عبده على رأسها وضغط الفتنة بالعلم الّتي تركت آثارها في تلك المدرسة ونحن نكتفي بهذا القدر بالمناسبة وإشعاراً بما يمكن أن يجنيه مثل هذا الاتجاه على مقولات الدين ومفاهيمه ومقرراته عن الأحداث الكونية والتاريخية والإنسانية والغيبية.

هذا ويجدر بنا ان ننقل هنا ما قاله صاحب تفسير مجمع البيان في هذا الصدد في شأن حادثة الفيل استكمالا لهذا البحث وتأكيداً لمعجزة هذا الحدث.

قال صاحب المجمع : وكان هذا من اعظم المعجزات القاهرات والآيات الباهرات في ذلك الزمان اظهرهُ اللّه تعالى ليدل على وجوب معرفته وفيه ارهاص لنبوة نبينا (صـلى الله علـيه وآله) لأنه ولد في ذلك العام وفيه حجةٌ لائحة قاصمة لظهور الفلاسفة والملحدين المنكرين للآيات الخارقة للعادات فانه لا يمكن نسبة شيء ممّا ذكره اللّه تعالى من أمر اصحاب الفيل إلى طبع وغيره كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرهما ممّا أهلك اللّه تعالى به الامم الخالية إذ لا يمكنهم أن يروا في اسرار الطبيعة ارسال جماعات من الطير معها احجارٌ معدّة مهيَّاة لهلاك أقوام معينين قاصدات إيّاهُمْ دون من سواهم فترميهم بها حتّى تهلِكهم وتدّمرَ عليهم لا يتعدّى ذلك إلى غيرهم ولا يشك من له مسكة عن عقل ولب ان هذا لا يكون الا من فعل اللّه تعالى مسبب الاسباب ومذلِّل الصعاب وليس لأحد أن ينكر هذا لأَن نبينا (صـلى الله علـيه وآله) لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل اقروا به وصدّقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالردِّ عليه وكانوا قريبي عهد بأَصحاب الفيل فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقةٌ وأصلٌ لأنكَرُوهُ وجحدوه وأنهم قد أرّخوا بذلك كما أرّخوا ببناء الكعبة وموت قصيّ بن كعب وغير ذلك.

وقد اكثر الشعراء ذكر الفيل ونظّموه ونقلته الرواةُ عنهم فمِن ذلك ما قاله ( اُميّة ) بن ابي الصلت :

إن آيات ربِّنا بَيِّنات

                   ما يُماريْ فيهِنّ إلا الكَفُورُ

حبَس الفِيْلَ بالمُغمَّس حَتى

                   ظَلّ يحبو كأنه مَعْقُورُ

وقال عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم :

أنتَ الجليل ربَنا لم تُدْنِس

                   أنت حبَسْت الفيل بالمغمَّس

مِنْ بعد ما همَّ بشيء مَبْلسِ

                   حبَستَه في هيئة المكركس

وقال ابن قيس الرقيات في قصيدة :

وَاسْتَهلَّتْ عَليْهِمُ الطَيْر با

                   لجندلِ حَتى كأَنَّه مَرْجُومُ

مقتطف من كتاب سيد المرسلين
2024/02/11

ماهو دليل الإمامة في القرآن الكريم؟
المُؤكّدُ عندَ أهلِ النظرِ والمعرفةِ أنَّ الأدلّةَ على وجوبِ الإمامةِ مُحكمةٌ لا شُبهةَ فيها، فعلى مُستوى المفهومِ فإنَّ دلالةَ الأدلّةِ جازمةٌ على كونِ الإمامةِ رُكناً أصيلاً لا يستقيمُ الإسلامُ إلّا بها، وعلى ذلكَ لا تكونُ الإمامةُ ركناً عندَ الشيعةِ فحَسب وإنّما عندَ كلِّ عاقلٍ تدبّرَ القرآنَ وتفطّنَ لمقاصدِ الإسلام.

أمّا على مُستوى المِصداق فإنَّ الأدلّةَ مُنحصِرةٌ في إمامةِ أهلِ البيتِ خاصّةً دونَ غيرِهم، وهذا ما شهدَت به آياتُ القرآن وأجمعَت عليه مصادرُ المُسلمينَ الحديثيّةُ والتاريخيّة، ولا يكابرُ في ذلكَ إلّا صاحبُ هوىً أو جاهلٌ بمعنى الدليلِ وقيمتِه، وهناكَ عشراتُ الكُتبِ التي اهتمَّت بذلكَ وعملَت على بيانِه بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ، ويبدو أنَّ السائلَ تجاهلَ كلَّ تلكَ الأدلّةِ ليقترحَ علينا نمطاً خاصّاً للأدلّة، وهوَ بذلكَ يجهلُ بأنَّ قيمةَ الدليلِ ليسَت في شكلِه أو أسلوبِ عرضِه وإنّما في إفادتِه للعِلمِ والقَطع، وهذا ما توافقَ عليهِ العُقلاء وسارَ عليهِ عُلماءُ الإسلام، فالقرآنُ ليسَ حُجّةً لكونِه نصّاً مُقدّساً وإنّما حُجّةٌ لكونِه يفيدُ عِلماً، ولذلكَ لا يجوزُ العملُ بالآياتِ المُتشابهة لعدمِ إفادتِها للعِلم، وعليهِ فإنَّ الحُجّةَ تدورُ مدارَ العِلم والقطع متى حصلَ ذلك وجبَ العملُ على طِبقه، وبالتالي إذا كانَ الدليلُ بطبعِه مُفيداً للعِلمِ عندَ العُقلاء لا يجوزُ رفضُه والمُطالبةُ باستبدالِه، ولا يفعلُ ذلكَ إلّا مُنكرٌ للحقِّ أو جاهلٌ بطُرقِ المعرفةِ والبُرهان. فقولُ السائل: (هل استدلَّ الإمامُ عليّ رضيَ اللهُ عنه على إمامتِه بآيةٍ منَ القُرآنِ الكريم؟) يقصدُ مِن ذلكَ الإيهامَ بأنَّ الأدلّةَ على إمامةِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلام) محصورةٌ أوّلاً في القرآنِ الكريم، وثانياً في أن يكونَ عليهِ السلام هوَ الذي يستدلُّ على إمامتِه، وفي ذلكَ مُغالطةٌ واضحةٌ لأنَّ ثبوتَ الحقِّ لصاحبِه غيرُ موقوفٍ على تصريحِ صاحبِ الحقِّ بحقِّه، فإذا قامَ الدليلُ على أنّهُ صاحبُ حقٍّ ثبتَ له ذلكَ حتّى لو لم يُطالِب هوَ بذلك، وقد ثبتَ حقُّ الإمامِ (عليهِ السلام) في الإمامةِ والخلافةِ بأكثرَ مِن دليل، وليسَ بالضرورةِ أن تجري تلكَ الأدلّةُ على لسانِه وإنّما يكفي أن تكونَ مُلزِمةً للمُخالِف، وقد كانَت أخلاقُ أميرِ المؤمنينَ وحُسنُ تواضعِه تمنعانِه مِن إظهارِ قدرهِ وبيانِ شريفِ منزلتِه، ولذلكَ قالَ في جوابِه لمعاوية: (وَلَولاَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ مِن تَزكِيَـةِ الـمَرءِ نَفسَـهُ، لَذَكَـرَ ذَاكِرٌ فَضَائِـلَ جَمَّةً، تَعرِفُهَا قُلُوبُ الـمُؤمِنِينَ، وَلا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ)، وعندَما طالبَ سلامُ اللهِ عليه بحقِّه اعتبرَه البعضُ طامعاً في السّلطة، فقد جاءَ في خطابٍ له قولهُ: (وقد قالَ قائلٌ: إنّكَ على هذا الأمرِ يا بنَ أبي طالبٍ لحريص، فقلتُ: بل أنتُم واللهِ لأحرصُ وأبعَد، وأنا أخصُّ وأقرب، وإنّما طلبتُ حقّاً لي، وأنتُم تحولونَ بيني وبينَه، وتضربونَ وجهي دونَه، فلمّا قرعتُه بالحُجّةِ في الملأ الحاضرينَ هبَّ كأنّه بُهتَ لا يدري ما يُجيبُني به؟ اللهمَّ إنّي أستعديكَ على قُريش ومَن أعانهم! فإنّهم قطعوا رحمِي، وصغّروا عظيمَ مَنزلتي، وأجمعوا على مُنازعتِي أمراً هوَ لي، ثمّ قالوا: ألا إنَّ في الحقِّ أن تأخذَه وفي الحقِّ أن تتركَه ... إلخ الخُطبة) فليسَ منَ الواجبِ أن يُخبرَهم هوَ بفضلِه ومكانتِه وإنّما الواجبُ عليهم أن يعرفوا هُم ما جاءَ فيه مِن آياتٍ وأحاديث، ومعَ ذلكَ فقد احتجَّ عليهم بالحُججِ الدامغةِ والبراهينِ الواضحة إلّا أنَّ القومَ أبوا واستكبروا ورفضوا أن يذُعنوا للحقّ.  مُضافاً إلى ذلكَ أنَّ حصرَ الاستدلالِ بالقرآنِ دونَ الاستعانةِ بالسنّةِ لا يُؤدّي للتشكيكِ في الإمامةِ وحدِها وإنّما يؤدّي إلى التشكيكِ في مُعظَمِ المُسلّماتِ الإسلاميّة، فمثلاً قولهُ تعالى (أقيموا الصّلاة) لا تُصبِحُ دليلاً مُحكَماً على الصلاةِ التي يؤدّيها المُسلمونَ إذا أبعَدنا السنّةَ النبويّة؛ إذ كيفَ نُثبِتُ أنَّ الصّلاةَ التي أمرَت بها الآيةُ هيَ ذاتُها الصلاةُ التي نعرفَها كمُسلمين؟ وكذلكَ الصيامُ والحجُّ وجميعُ العباداتِ الإسلاميّة، وعليهِ فإنَّ الإحكامَ في الآياتِ لا يعني استبعادَ السنّةِ النبويّةِ والقرائنَ التي يستعانُ بها في فهمِ النصوص، وإنّما الإحكامُ في إفادةِ الدليلِ للمدلولِ مِن خلالِ النظرِ إليه محفوفاً بقرائنِه وشواهدِه، وهذا مُتحقّقٌ في كثيرٍ منَ الآياتِ التي تدلُّ بشكلٍ واضحٍ ومُحكَم على إمامةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) كما أكّدَته السنّةُ النبويّة.وبعدَ ثبوتِ ذلكَ يتّضحُ دلالةُ الآياتِ التي استدلَّ بها عُلماءُ الشيعةِ على إمامةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) وهيَ كثيرةٌ ومُفصّلةٌ في محلِّها، وليسَ أمامَ السائلِ إن كانَ صادِقاً في بحثِه إلّا الرجوعُ إلى تلكَ الكُتبِ والوقوفُ على ما جاءَ فيها مِن أدلّةٍ بقلبٍ صافٍ وذهنٍ مُنفتِح. وقد رأيتُ منَ المُناسِبِ ذكرَ جوابِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلام) على رسالةٍ أتَته مِن مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان تدلُّ على جانبٍ مِن احتجاجاتِ أميرِ المؤمنينَ على مَن خالفَه ونازعَه حقَّه في الخلافةِ والإمامة، وقد قالَ فيها الشريفُ الرّضيُّ (مِن محاسنِ الكُتب)(أَمَّا بَعدُ، فَقَد أَتَانِي كِتَابُكَ تَذكُرُ [فِيهِ] اصطِفَاءَ اللهِ تَعَالى مُحَمَّداً (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) لِدِينِهِ، وَتَأيِيدَهُ إِيَّاهُ بِمَن أَيَّدَهُ مِن أَصحَابِهِ، فَلَقَد خَبَّأَ لَنَا الدَّهرُ مِنكَ عَجَباً، إِذ طَفِقتَ تُخبِرُنَا بِبَلَاءِ اللهِ عِندَنَا، وَنِعمَتِهِ عَلَينَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنتَ فِي ذلكِ كَنَاقِلِ التَّمرِ إِلَى هَجَرَ، أَو دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَال. وَزَعَمتَ أَنَّ أَفضَلَ النَّاسِ فِي الإِسلاَمِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَذَكَرتَ أَمراً إِن تَمَّ اعتَزَلَكَ كُلُّهُ، وَإِن نَقَصَ لَم يَلحَقكَ ثَلمُهُ، وَمَا أَنتَ وَالفَاضِلَ وَالـمَفضُولَ، وَالسَّائِسَ وَالـمَسُوسَ! وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبنَاءِ الطُّلَقَاءِ، وَالـتَّمييزَ بَينَ الـمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَتَرتِيبَ دَرَجَاتِهِم، وَتَعرِيفَ طَبَقَاتِهِم! هَيهَاتَ لَقَد حَنَّ قِدحٌ لَيسَ مِنهَا، وَطَفِقَ يَحكُمُ فِيهَا مَن عَلَيهِ الـحُكمُ لَهَا! أَلاَ تَربَعُ أَيُّهَا الإِنسَانُ عَلَى ظَلعِكَ، وَتَعرِفُ قُصُورَ ذَرعِكَ، وَتَتَأَخَّرُ حَيثُ أَخَّرَكَ القَدَرُ! فَمَا عَلَيكَ غَلَبَةُ الـمَغلُوبِ، وَلا لَكَ ظَفَرُ الظَّافِرِ! وَإِنَّكَ لَذَهَابٌ فِي التِّيهِ، رَوَّاغٌ عَنِ القَصدِ. أَلاَ تَرَى ـ غَيرَ مُخبِرٍ لَكَ، لكِن بِنِعمَةِ اللهِ أُحَدِّثُ ـ أَنَّ قَوماً استُشهِدُوا في سَبِيلِ اللهِ مِنَ الـمُهاجِرينَ وَلِكُلٍّ فَضلٌ، حَتَّى إِذَا استُشهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ: سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) بِسَبعِينَ تَكبِيرَةً عِندَ صَلاتِهِ عَلَيهِ! أَوَلاَ تَرَى أَنَّ قَوماً قُطِّعَت أَيديِهِم فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَلِكُلٍّ فَضلٌ ـ حَتَّى إذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا كَمَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِم، قِيلَ: الطَّيَّارُ فِي الـجَنَّةِ وَذُو الـجَنَاحَينِ! وَلَولاَ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ مِن تَزكِيَـةِ الـمَرءِ نَفسَـهُ، لَذَكَـرَ ذَاكِرٌ فَضَائِـلَ جَمَّةً، تَعرِفُهَا قُلُوبُ الـمُؤمِنِينَ، وَلا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ. فَدَع عَنكَ مَـن مَالَت بِه الرَّمِيَّةُ، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَالنَّاسُ بَعدُ صَنَائِعُ لَنَا.  لَم يَمنَعنَا قَدِيمُ عِزِّنَا، وَلا عَادِيُّ طَولِنَا عَلَى قَومِكَ أَن خَلَطنَاكُم بِأَنفُسِنَا، فَنَكَحنَا وَأَنكَحنا، فِعلَ الأَكفَاءِ، وَلَستُم هُنَاكَ! وَأَنَّى يَكُونُ ذلِكَ كَذَلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنكُمُ الـمُكَذِّبُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللهِ وَمِنكُم أَسَدُ الأَحلاَفِ، وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهلِ الـجَنَّةِ وَمِنكُم صِبيَةُ النَّارِ، وَمِنَّا خَيرُ نِسَاءِ العَالَـمِينَ وَمِنكُم حَمَّالَةُ الـحَطَبِ، فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَعَلَيكُم! فَإِسلاَمُنَا مَا قَد سُمِعَ، وَجَاهِلِيَّتُنَا لا تُدفَعُ، وَكِتَابُ اللهِ يَجمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا، وَهُوَ قَولُهُ سُبحَانَهُ: (وَأُولُو الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّ أَولَى النَّاسِ بِإِبرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الـمُؤمِنِينَ)، فَنَحنُ مَرَّةً أولَى بِالقَرَابَةِ، وَتَارَةً أَولَى بِالطَّاعَةِ. وَلَـمَّا احتَجَّ الـمُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنصَارِ يَومَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) فَلَجُوا عَلَيهِم، (أي فازوا عليهم) فَإِن يَكُنِ الفَلَجُ بِهِ فَالـحَقُّ لَنَا دُونَكُم، وَإِن يَكُن بِغَيرِهِ فَالأنصَارُ عَلَى دَعوَاهُم.  وقد أشارَ أميرُ المؤمنينَ إلى ذلكَ في احتجاجِه على أهلِ السقيفةِ بقوله: (أنا أحقُّ بهذا الأمرِ مِنكم، لا أبايعُكم، وأنتُم أولى بالبيعة ِلي، أخذتُم هذا الأمرَ منَ الأنصار، واحتججتُم عليهم بالقرابةِ منَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) وتأخذونَه مِنّا أهلَ البيتِ غصباً؟ ألستُم زعمتُم للأنصارِ أنّكم أولى بهذا الأمرِ مِنهم لمّا كانَ مُحمّدٌ مِنكم، فأعطوكُم المقادةَ، وسلّموا إليكم الأمارة، وأنا أحتجُّ عليكم بمثلِ ما احتججتُم به على الأنصارِ، نحنُ أولى برسولِ اللهِ حيّاً وميّتاً، فأنصفونا إن كُنتم تؤمنون، وإلّا فبوؤوا بالظّلمِ وأنتُم تعلمون) وفي المُحصّلةِ كثيرةٌ هيَ الاحتجاجاتُ التي احتجَّ بها أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) على مَن نازعَه الخلافةَ، وليسَ بالضرورةِ أن تكونَ الأدلّةُ بالشكلِ الذي تنسجمُ معَ السائلِ وإنّما المهمُّ أن تكونَ مُتوافقةً معَ منهجِ الإسلامِ وطريقةِ العُقلاء.

2024/02/08

كيف نثبت الإمامة من القرآن الكريم؟
ذكرَ اللهُ تعالى في القرآنِ «الإمامة» على نحوين: النحو الأوّل: ذُكرَت الإمامةُ بوصفٍ عامٍّ مثلَ قولِه تعالى: {وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السّجدة:24].

[اشترك]

وقولِه تباركَ اسمُه: {وجعلناهُم أئمّةً يهدونَ بأمرِنا ... وأوحينا إليهم فِعلَ الخيراتِ وإقامةَ الصلاةِ وإيتاءَ الزكاةِ وكانوا لنا عابدين} [الأنبياء 73].

النحو الثاني: ذُكرَت الإمامةُ بوصفٍ خاصٍّ مثلَ قولِه تعالى: {يا داوودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرضِ فاحكُم بينَ الناسِ بالحق} [ص 26].

وقَوله تَعَالَى لإبراهيمَ عليهِ السلام: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمهنَّ قالَ إنّي جاعلُكَ للنّاسِ إماماً قالَ ومِن ذُرّيّتي قالَ لا ينالُ عهدي الظالمين} [البقرة: 124].

وقولِه تعالى: { وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ . } [البقرة: 30]

نرى أنَّ الآياتِ تؤكّدُ أنّ الإمامةَ بالجعلِ والتنصيبِ والتنصيصِ والتعيينِ منَ الله تعالى: [وجعلناهُم أئمّة] وقوله: [وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً] وقوله: [يا داوودُ إنّا جعلناكَ خليفة] وقوله: [قالَ إنّي جاعلُك للنّاسِ إماماً] وقوله: [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً]

فأصلُ الإمامةِ أسِّسَ لها في الكتابِ الكريم، لكن قد أوكلَ بيانُ مصاديقِ الائمّةِ في الإسلامِ لرسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، وقد بيّنَ النبيُّ (ص) إمامةَ عليٍّ والأئمّةِ مِن ذُرّيّتِه عندَ نزولِ الكثيرِ منَ الآياتِ وأبرزها آيةُ التبليغ: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي الْقَومَ الكَافِرِينَ . } [المائدة: 67] فبلّغَ النبيُّ (ص) إمامةَ خليفتِه عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) والأئمّةِ مِن ذُرّيّتِه، في واقعةِ غديرِ خُم، فنزلَت آية: { اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلَامَ دِينًا فَمَنِ اضطُرَّ فِي مَخمَصَةٍ غَيرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 3] حيثُ نصَّت الآيةُ أنَّ الدينَ كانَ ناقصاً، ولكنّهُ اكتملَ بعدَ تنصيبِ الإمامِ عليّ (ع)، وأنّ النعمةَ لم تكُن تامّةً، ولكنّها تمَّت بعدَ ولايةِ عليٍّ (ع)، وأنّ اللهَ لم يرضَ الإسلامُ للمُسلمينَ ديناً إلّا بعدَ ولايةِ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع). كما هوَ نصُّ الآيةِ الكريمة.

وأيضاً بيّنَ اللهُ إمامةَ الأئمّةِ بعد النبيّ (ص) في قولِه تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمرِ مِنكُم} [النساء: 59] حيثُ بيّنَ اللهُ أنُّ طاعةَ أولي الأمرِ على وزنِ طاعةِ اللهِ ورسولِه، غيرُ مُحدّدةٍ ولا مُقيّدةٍ بقيد ولا شرطٍ ولا زمانٍ ولا مكان، وهذا يقتضي عصمةَ أولي الأمر، كما اعترفَ به الفخرُ الرّازي أيضاً، وهذا لا ينطبقُ إلّا على أئمّةِ أهلِ البيت (ع)، وقد بيّنَ النبيُّ (ص) أنّ الأئمّةَ الإثني عشر هُم أولوا الأمرِ الذين يجبُ على الأمّةِ طاعتُهم.

وأيضاً بيّنَ اللهُ تعالى إمامةَ الأئمّةِ بعدَ رسولِ الله (ص) في قولِه تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ } [المائدة 55]

وهذهِ الآيةُ استفاضَت النصوصُ مِن طُرقِ المُخالفين أنّها نزلَت في عليٍّ بنِ أبي طالب (ع) في واقعةِ التصدّقِ بالخاتم، فيكونُ وليُّ المؤمنينَ بعدَ اللهِ ورسولِه هوَ عليٌّ بنُ أبي طالب (ع).

روى الكُلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن أبي بصيرٍ قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام عن قولِ اللهِ عزَّ وجل: { أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ مِنكم } فقالَ : نزلَت في عليّ بنِ أبي طالبٍ والحسنِ والحُسين عليهم السلام : فقلتُ له : إنَّ الناسَ يقولون : فما لهُ لم يُسمِّ عليّاً وأهلَ بيتِه عليهم السلام في كتابِ اللهِ عزَّ وجل ؟

فقالَ- عليهِ السلام -: قولوا لهم: إنَّ رسولً الله صلّى اللهُ عليهِ وآله نزلت عليهِ الصّلاة ولم يسمِّ اللهُ لهُم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله هوَ الذي فسّرَ ذلكَ لهم، ونزلَت عليهِ الزكاةُ ولم يُسمِّ لهُم مِن كلِّ أربعينَ درهماً درهم، حتّى كانَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله هو الذي فسّرَ ذلكَ لهم، ونزلَ الحجُّ فلم يقُل لهُم: طوفوا أسبوعاً حتّى كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله هوَ الذي فسّرَ ذلكَ لهم، ونزلَت "" أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم "" - ونزلَت في عليٍّ والحسنِ والحُسين - فقالَ رسولُ الله صلًى اللهُ عليهِ وآله: في عليٍّ: مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه، وقالَ صلّى اللهُ عليهِ وآله أوصيكم بكتابِ اللهِ وأهلِ بيتي، فإنّي سألتُ اللهَ عزَّ وجل أن لا يفرّقَ بينَهما حتّى يوردَهما عليَّ الحوض، فأعطاني ذلكَ وقال: لا تعلّموهم فهُم أعلمُ منكم، وقالَ: إنّهم لن يُخرجوكم مِن بابِ هُدىً، ولن يدخلوكُم في بابِ ضلالة، فلو سكتَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله فلم يُبيّن مَن أهلُ بيتِه، لادّعاها آلُ فلان وآلُ فلان، لكنَّ اللهَ عزَّ وجل أنزلَه في كتابِه تصديقاً لنبيّه صلّى اللهُ عليهِ وآله: "إنّما يريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكُم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّرَكم تطهيراً" فكانَ عليٌّ والحسنُ والحُسين وفاطمةُ عليهم السلام، فأدخلَهم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله تحتَ الكساءِ في بيتِ أمِّ سلمة، ثمَّ قال: اللهمَّ إنَّ لكلِّ نبيٍّ أهلاً وثقلاً وهؤلاءِ أهلُ بيتي وثقلي، فقالَت أمُّ سلمة: ألستُ مِن أهلِك؟ فقالَ: إنّكِ إلى خيرٍ ولكنَّ هؤلاءِ أهلي وثقلي، فلمّا قُبضَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ عليٌّ أولى الناسِ بالناسِ لكثرةِ ما بلغَ فيه رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وإقامتِه للنّاسِ وأخذهِ بيدِه، فلمّا مضى عليٌّ لم يكُن يستطيعُ عليٌّ ولم يكُن ليفعلَ أن يدخلَ محمّدَ بن عليّ ولا العبّاسَ بن عليّ ولا واحداً مِن ولدِه إذاً لقالَ الحسنُ والحُسين: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أنزلَ فينا كما أنزلَ فيكَ فأمرَ بطاعتِنا كما أمر بطاعتِك وبلّغَ فينا رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وآله كما بلّغَ فيكَ وأذهبَ عنّا الرّجسَ كما أذهبَه عنك، فلمّا مضى عليٌّ عليهِ السلام كانَ الحسنُ عليهِ السلام أولى بها لكبرِه، فلمّا توفّيَ لم يستطِع أن يدخلَ ولدَه ولم يكُن ليفعلَ ذلكَ واللهُ عزَّ وجل يقول: "" وأولو الأرحامِ بعضُهم أولى ببعضٍ في كتابِ الله "" فيجعلها في ولدِه إذاً لقالَ الحُسين أمرَ اللهُ بطاعتي كما أمرَ بطاعتِك و طاعةِ أبيك وبلّغَ في رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله كما بلّغَ فيكَ وفي أبيكَ وأذهبَ اللهُ عنّي الرجسَ كما أذهِبَ عنكَ وعن أبيك، فلمّا صارَت إلى الحُسين عليهِ السلام لم يكُن أحدٌ مِن أهلِ بيتِه يستطيعُ أن يدّعي عليه كما كانَ هو يدّعي على أخيهِ وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمرَ عنه ولم يكونا ليفعلا ثمَّ صارَت حينَ أفضَت إلى الحُسين عليهِ السلام فجرى تأويلُ هذه الآية "" وأولو الأرحامِ بعضُهم أولى ببعضٍ في كتابِ الله "" ثمَّ صارَت مِن بعدِ الحُسينِ لعليٍّ بنِ الحُسين، ثمَّ صارَت مِن بعدِ عليٍّ بنِ الحُسين إلى محمّد بنِ علي عليهِ السلام (1).

وهناكَ آياتٌ كثيرةٌ استدلَّ بها الإماميّةُ على إمامةِ أئمّةِ أهلِ البيت عليهم السلام فذكرَ العلّامةُ الحلّي في كتابِه: «نهجُ الحق» ثمانينَ آيةً تدلُّ على إمامتِهم عليهم السلام. 

الهوامش: 1- أصولُ الكافي ج 1 ص 286 ، بابُ ما نصَّ اللهُ عزَّ وجل ورسولُه على الائمّةِ عليهم السلام واحداً فواحداً رقمُ الحديث: (1).
2024/02/08

هل ذكر القرآن الكريم الإمامة؟
النقطة الأولى : نحن نؤكد بأن الإمامة ركن من أركان الإسلام لا يقوم الإسلام إلا به وفقاً لما يحكم به العقل و الفطرة الإنسانية أولاً ، و لما بين أيدينا من النصوص المعتبرة ثانياً .


لكن ليس لازم كون الإمامة ركناً من أركان الإسلام أن تكون كل تفاصيله موجودة في القرآن الكريم بصورة صريحة حتى يتم قبوله ، و إلا فيكون لنا الحق في رده !
ألا ترى أن الصلاة التي هي عمود الدين و ركن من أركان الإسلام ،‌ و كذلك الحج و الزكاة و هما أيضاً من أركان الإسلام ـ بنص الأحاديث النبوية الشريفة ـ لا تجد في القرآن الكريم بياناً لتفاصيلها ، فمثلاً أين تجد في القرآن الكريم ذكراً لعدد ركعات الصلوات ، أو الركوع و السجود و أذكارهما و ما إليها من الأحكام المهمة التي لا تقوم الصلاة و لا تصح إلا بها .

و لو تتبعت لوجدت أن القرآن يُشير إلى الأصول و الكليات ـ في الغالب ـ و أما التفاصيل فيتركها لشخص رسول الله محمد المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) إذ هو الكفيل ببيانها و تطبيقها ، كما صرَّح بذلك القرآن الكريم في أكثر من آية .

قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ 1 .
النقطة الثانية : ثم أنه أي فرقٍ بين بيان القرآن الكريم و بيان الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، و قد قال الله عَزَّ و جَلَّ فيه : ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 2 .
و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 3 ـ إلى غيرها من الآيات الكريمة الأخرى ـ . فما ثبت صدوره من الرسول ( صلى الله عليه و آله ) هو ككلام الله عَزَّ و جَلَّ في الحجية و لزوم الأخذ به .
النقطة الثالثة : و بناءً على ما تقدم فالتبرير بعدم وجود آية في القرآن الكريم تنادي بإسم الإمام علي ( عليه السَّلام ) صراحة بعد وجود الآيات القرآنية العديدة المدعومة بالأحاديث الصحيحة الصريحة المُثبتة لولايته و إمامته ـ التي سنذكر نماذج منها ـ تبرير غير علمي و غير صحيح .
النقطة الرابعة : مضافاً إلى أنه ليس لنا أن نطالب الله عَزَّ و جَلَّ بالآيات حسب تقديرنا ، و كأننا نحن الذين نحدد ضرورتها أو عدم ضرورتها ، فالله سبحانه و تعالى هو العالم الحكيم اللطيف الخبير الذي يُنزل الآيات في ما يريد و يشاء حسب المصالح الكبرى و الحكمة البالغة .
النقطة الخامسة : إنني أتساءل و أقول لمن يُطالب بآية صريحة تُعلن إمامة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : بالله عليك هل أنك وجدت في القرآن الكريم نصاً صريحاً ـ أو حتى نصاً غير صريح ـ يذكر أسماء الخلفاء الثلاثة الذين خلفوا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قبل الإمام علي ( عليه السَّلام ) فواليتهم و قبِلت بخلافتهم حتى جئت تطالب بآية صريحة تذكر إسم علي ( عليه السَّلام ) ؟!
النقطة السادسة : كل هذا و النصوص متواترة متضافرة على إمامة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و ولاية ، و أفضليته من جميع الجهات ، و خلافته الحصرية للرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، و هي أكثر من أن تُعدَّ أو أن تُحصى ، و فيما يلي نذكر نماذج منها :

الآيات الدالة على إمامة علي ( عليه السَّلام ) و خلافته بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) دون غيره أبداً

1 ـ آية الولاية

و هي قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ 4 5 .

قصة نزول آية الولاية

يؤكد المفسرون في عشرات الكتب على نزول هذه الآية في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بعد تصدّقه بخاتمه الذي كان يتختَّم به في خِنْصَره 6 الأيمن و هو راكع في صلاته .
ثم إن المصادر الإسلامية التي ذكرت أن الآية قد نزلت في الإمام علي ( عليه السَّلام ) هي أكثر من أربعين كتابا ، أما العلماء و المفسرون الذين ذكروا الآية فهم أكثر من أن يتسع المجال لذكرهم ، إلا إننا نشير إلى نماذج منهم كالتالي :
النموذج الأول ـ الزمخشري : جار الله محمود بن عمر المتوفى سنة : 528 هجرية ، قال في تفسير هذه الآية : و إنها نزلت في علي ( كرّم الله وجهه ) حين سأله سائل و هو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه كأنه كان مَرِجا 7 في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته .
قال الزمخشري : فان قلت : كيف يصح أن يكون لعلي ( رضي الله عنه ) و اللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع و إن كان السبب به رجلاً واحداً ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، و لينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر و الإحسان و تفقّد الفقراء ، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير و هم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها 8 .
النموذج الثاني ـ الرازي : فخر الدين الرازي المتوفى سنة : 604 هجرية ، قال : روي عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : صليت مع رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء و قال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فما أعطاني أحد شيئا ، و علي ( عليه السَّلام ) كان راكعا ، فأومأ إليه بخِنْصَره اليمنى و كان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) فقال ـ أي النبي ـ :
" اللهم إن أخي موسى سألك فقال : ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ 9 إلى قوله : ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ 10 فأنزلت قرآنا ناطقا ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ... ﴾ 11 اللهم و أنا محمد نبيك و صفيك فأشرح صدري و يسّر لي أمري و أجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري " .
قال أبو ذر : فو الله ما أتم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 12 .
النموذج الثالث ـ الكنجي : أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الشافعي ، المتوفى سنة : 658 ، رَوى عن أنس بن مالك أن سائلا أتى المسجد و هو يقول : من يقرض الملي الوفي ، و علي ( عليه السَّلام ) راكع ، يقول بيده خلفه للسائل 13 ، أي إخلع الخاتم من يدي ، قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : " يا عمر وجبت " .
قال : بابي أنت و أمي يا رسول الله ما وجبت ؟
قال : " وجبت له الجنة ، والله ما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب و من كل خطيئة " .
قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرائيل ( عليه السَّلام ) بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 12 ، فأنشأ حسان بن ثابت يقول :
أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي * و كل بطيء في الهدى و مسارع
أيذهب مديحك المُحير ضايعا * و ما المدح في ذات الإله بضايع
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع * فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيّد * و يا خير شار ثم يا خير بايع
فأنزل فيك الله ولاية * فأثبتها في محكمات الشرايع 14
ثم إن أكثر من أربعين كتابا من كتب التفسير و الحديث جاء فيها أن الآية إنما نزلت في الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) لا مجال لذكرها ، لكن لا بُدَّ هنا من الإشارة إلى نقاط توضيحية هي :

نقاط ذات أهمية

1. لا خلاف بين الفريقين سنة و شيعة أن الآية قد نزلت في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
2. أن الآية كما أثبتت الولاية لله تعالى و للرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) أثبتتها للإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) أيضاً ، أما ولاية الله تعالى و الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فلا خلاف و لا نقاش فيها ، و أما ولاية الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) فثابتة كذلك بدلالة نزول الآية فيه ( عليه السَّلام ) .
3. رغم أن لفظة " الولي " تحمل عدة معاني و هي : المالك للأمر و الأولى بالتصرف ، الناصر ، الحليف ، المحبّ ، الصديق ، الوارث ، و ما إلى ذلك من المعاني ، إلا أن المعنى المناسب بالنسبة لهذه الآية هو : المالك للأمر و الأولى بالتصرف ، أي من له الولاية على أمور الناس ، إذ إعطاء الولي معنى آخر لا ينسجم مع أداة الحصر " إنما " الدالة على حصر الولاية بالمعنى المذكور في الله و الرسول و علي ، و كل المعاني الأخرى لا تتلاءم مع هذه الصيغة الحصرية كما هو واضح ، هذا و إن القرائن التي تزامنت مع نزول الآية تؤكد على أن المراد من معنى الولاية هو ما ذكرناه .

2 ـ آية الصادقين

و هي قول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ 15 و الصادقون هم علي ( عليه السَّلام ) و أصحابه ، فقد ذكر السيوطي في الدر المنثور بعد ذكر الآية : و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ﴿ ... اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ 16 ، قال : مع علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) 17 .

3 ـ الآية الثالثة

و هي قول الله تعالى : ﴿ ... إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ 18 و المقصود بالمنذر في هذه الآية هو النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ) و بالهادي علي ( عليه السَّلام ) كما صرح بذلك جمع من العلماء 19 ، فقد روى في مستدرك الصحيحين بسنده عن عباد بن عبد الله عن علي ( عليه السَّلام ) ﴿ ... إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ 18 ، قال علي ( عليه السَّلام ) : " رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) المُنذر ، و أنا الهادي " 20 .

4 ـ آية اولي الامر

و هي قول الله جل جلاله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... ﴾ 21 و المقصود بأولي الأمر هو علي ( عليه السَّلام ) و الأئمة ( عليهم السلام ) من وُلده كما صرَّح بذلك غير واحد من علماء و مفسري السُنة 22 .

5 ـ آية التبليغ

و هي قول الله عز و جل : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 23 .
و لقد صرّح الكثير من المفسرين بأن نزول آية التبليغ كان في يوم الغدير لدى رجوع النبي ( صلى الله عليه و آله ) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ " غدير خم " 24 ، و في ما يلي نذكر بعض من صرّح بذلك 25 ، الأربعين لجمال الدين الشيرازي مفتاح النجا للبدخشي : 41 مخطوط ، روح المعاني للالوسي : 2 / 348 ، تفسير المنار لمحمد عبده : 6 / 463 ، كتاب النشر و الطي و في إحقاق الحق : 6 / 347 عن المناقب لعبد الله الشافعي : 105 و 106 مخطوط ، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي الآمر تسري : 66 و 67 و 68 و 566 و 567 و 570 وأما الشيعة فإنها مجمعة على أن هذه الآية نزلت في يوم 18 من ذي الحجة في غدير خم و فيها أمر الله نبيه أن يجعل عليا خليفة و إماما . :
1. أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي ، المتوفى سنة 1270 هجرية ، عن ابن عباس ، قال : نزلت الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ﴾ 26 في علي حيث أمر الله سبحانه أن يخبر الناس بولايته ، فتخوّف رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أن يقولوا حابى ابن عمه و أن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله تعالى إليه ، فقام بولايته يوم غدير خم ، و أخذ بيده ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " 27 .
2. أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، المتوفى سنة : 468 هجرية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : " نزلت هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ﴾ 26 يوم غدير خم ، في علي بن أبي طالب رضي الله عنه " 28 .
3. عبيد الله بن عبد الله بن أحمد ، المعروف بالحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري : روى بإسناده عن ابن عباس في قوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ﴾ 26 الآية ، قال : نزلت في علي ، أمر رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أن يبلّغ فيه ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بيد علي فقال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " 29 .
4. فخر الدين الرازي ، المتوفى سنة : 604 هجرية : ذكر من جملة الوجوه الواردة في سبب نزول آية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ﴾ 26 أنها نزلت في الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، و عَدَّه الوجه العاشر من الوجوه المذكورة ، قال : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و لمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده و قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه " ، فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة .
و هو قول ابن عباس و البراء بن عازب و محمد بن علي 30 .
5. جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة : 911 هجرية : روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : " نزلت هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ﴾ 26 على رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب " 31 .

6 ـ آية الإكمال

و هي قول الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... ﴾ 32 ، و قد نزلت هذه الآية المباركة بعد أن نصب رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) خليفة له و إماماً على أمته في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في مكان يقال له غدير خم .
قال السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... ﴾ 32 ذكر عن ابن مردويه و الخطيب و ابن عساكر عن أبي هريرة قال : لمَّا كان يوم غدير خم ، و هو يوم ثماني عشرة من ذي الحجة قال النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ﴾ 32 33 .

الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على إمامة علي ( عليه السَّلام ) و خلافته بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) دون غيره

و أما الأدلة الواضحة و الصريحة من الأحاديث النبوية الشريفة على أن خلافة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) الحَقَّة هي لعلي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) حصراً ، و أن علياً هو الإمام و الولي بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بأمر و تعيينٍ إلهي و نصب و تصريح نبوي في مواضع عديدة فهي كثيرة جداً لا مجال لذكرها تفصيلاً هنا ، فلذلك فإنا نُشير إلى نماذج منها .

الحديث الاول

في مبدأ الدعوة الإسلامية قبل ظهور الإسلام بمكة ، حين أنزل الله تعالى على النبي ( صلى الله عليه و آله ) ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 34 فدعاهم إلى دار عمه ـ أبي طالب ـ و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، و فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب ، و الحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة ، و في آخر ما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا و الآخرة ، و قد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم ؟
فأحجم القوم عنها غير علي ـ و كان أصغرهم ـ إذ قام فقال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ رسول الله برقبته و قال : إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا ، فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع 35 .

الحديث الثاني

قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لعلي ( عليه السَّلام ) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ، و هذا الحديث من الأحاديث المتواترة فقد رواه جماعة كثيرة من الصحابة 36 منهم : سعد بن أبي وقاص ، معاوية ، حبشي بن جنادة ، جابر ، أبوسعيد الخدري ، سعد بن مالك ، أسماء بنت عميس ، هبد الله بن عمر ، ابن أبي ليلى ، مالك بن الحويرث ، علي بن أبي طالب ، عمر بن الخطاب ، عبد الله بن عباس ، أم سلمة ، عبد الله بن مسعود ، أنس بن مالك ، زيد بن أرقم ، أبو أيوب ، أبو بردة ، جابر بن سمرة ، البراء ، أبو هريرة ، زيد بن أبي أوفى ، نبيط بن شريط ، فاطمة بنت حمزة .

الحديث الثالث

أخرج أبو داود الطيالسي ـ كما في أحوال علي من الاستيعاب ـ بالإسناد إلى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب : " أنت ولي كل مؤمن بعدي " 37 .

الحديث الرابع

قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، و هو آخذ بضبع علي : " هذا إمام البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، ثم مدَّ بها صوته " ، أخرجه الحاكم من حديث جابر في ص 129 من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك ، ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه 38 .

الحديث الخامس

قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " أوحي إليّ في علي ثلاث : أنه سيد المسلمين ، و إمام المتقين ، و قائد الغر المحجلين " ، أخرجه الحاكم ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه 39 .

الحديث السادس

قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " أول من يدخل من هذا الباب إمام المتقين ، و سيد المسلمين ، و يعسوب الدين ، و خاتم الوصيين ، و قائد الغر المحجلين ، فدخل علي ، فقام إليه مستبشرا ، فاعتنقه و جعل يمسح عرق جبينه ، و هو يقول له : أنت تؤدي عني ، و تسمعهم صوتي ، و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي " 40 .

الحديث السابع

قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " إن الله عهد إلي في علي أنه راية الهدى ، و إمام أوليائي ، و نور من أطاعني ، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين ... ـ الحديث ـ " 41 .

الحديث الثامن

قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا ، هذا علي فأحبوه بحبي ، و أكرموه بكرامتي ، فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عَزَّ و جَلَّ " 42 .

الحديث التاسع

قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " أنا مدينة العلم و علي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب " 43 .

الحديث العاشر

قوله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي : " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " 44 ، أخرجه الحاكم في صفحة 122 من الجزء الثالث من المستدرك من حديث أنس ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه .
قال العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) بعد ذكره هذا الحديث : إن من تدبر هذا الحديث و أمثاله علم أن عليا من رسول الله بمنزلة الرسول من الله تعالى ، فإن الله سبحانه يقول لنبيه : ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ 45 ، و رسول الله يقول لعلي : " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " 46 .

الهوامش: 1. القران الكريم : سورة الجمعة ( 62 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 553 .
2. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 546 .
3. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
4. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 و 56 ، الصفحة : 117 .
5. و تُسمَّى هذه الآية بآية الولاية لبيانها موضوع الولاية و هي من الآيات المحكمات التي تُثبت الولاية لله تعالى و لرسوله ( صلَّى الله عليه و آله ) و للإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
6. الخِنْصَر : الإصبع الصغرى من الأصابع .
7. المَرِج : الواسع .
8. الكشاف : 1 / 347 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
9. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 25 ، الصفحة : 313 .
10. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 313 .
11. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 389 .
12. a. b. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 ، الصفحة : 117 .
13. أي يشير بيده إلى السائل من خلفه .
14. التفسير الكبير : 2 / 26 .
15. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 119 ، الصفحة : 206 .
16. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 119 ، الصفحة : 206 .
17. لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة المصادر التالية : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 259 الحديث 350 و 351 و 352 و 353 و 355 و 356 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 236 طبعة الحيدرية و 111 طبعة الغري ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 421 حديث 923 ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي : 16 ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 198 ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 91 ، فتح القدير للشوكاني : 2 / 414 ، الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي : 150 طبعة المحمدية و 90 طبعة الميمنية بمصر ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 136 و 140 طبعة الحيدرية و 116 و 119 طبعة اسلامبول ، الدر المنثور للسيوطي الشافعي : 3 / 390 ، الغدير للأميني : 2 / 305 ، روح المعاني للالوسي : 11 / 41 ، غاية المرام باب ( 42 ) : 248 طبعة إيران ، فرائد السمطين للحمويني : 1 / 314 حديث 250 و 370 حديث 299 و 300 .
18. a. b. القران الكريم : سورة الرعد ( 13 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 250 .
19. للإطلاع على المزيد من الأحاديث في هذه الآية و دلالتها يمكن مرجعة المصادر التالية : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 293 ـ 303 حديث : 398 إلى 416 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 233 طبعة الحيدرية و 109 طبعة الغري ، تفسير الطبري : 13 / 108 ، تفسير ابن كثير : 2 / 502 ، تفسير الشوكاني : 3 / 70 ، تفسير الفخر الرازي : 5 / 271 طبعة دار الطباعة العامرة بمصر و 21 / 14 طبعة آخر ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 415 حديث 913 و 914 و 915 و 916 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 107 ، المستدرك للحاكم : 3 / 129 ـ 130 ، نور الأبصار للشبلنجي : 71 طبعة العثمانية و 71 طبعة السعيدية بمصر ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 115 و 121 طبعة الحيدرية و 99 و 104 طبعة اسلامبول ، الدر المنثور للسيوطي : 4 / 45 ، زاد المسير لابن الجوزي الحنبلي : 4 / 307 ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 90 ، فتح البيان لصديق حسن خان : 5 / 75 ، روح المعاني للالوسي : 13 / 97 ، إحقاق الحق للتستري : 3 / 88 ـ 93 ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 1 / 313 ، فرائد السمطين : 1 / 148 ، راجع بقية المصادر فيما يأتي تحت رقم ( 583 ) عند قوله ( / ) " أنا المنذر و علي الهادي " .
20. مستدرك الصحيحين : 3 / 129 .
21. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 87 .
22. لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة المصادر التالية : ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 134 و 137 طبعة الحيدرية و 114 و 117 طبعة اسلامبول ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 148 حديث : 202 و 203 و 204 ، تفسير الرازي : 3 / 357 ، إحقاق الحق للتستري : 3 / 434 طبعة 1 بطهران ، فرائد السمطين : 1 / 314 الحديث 250 .
23. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 .
24. غدير خم : موضع بين مكة المكرمة و المدينة المنورة على مقربة من الجحفة التي هي من المواقيت التي يُحرِم منها الحجاج للحج أو العمرة .
25. لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة المصادر التالية : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 86 حديث 586 طبعة بيروت ، فتح البيان في مقاصد القرآن للعلامة السيد صديق حسن خان ملك بهوبال : 3 / 63 مطبعة العاصمة بالقاهرة و : 3 / 89 طبعة بولاق بمصر ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت للحاكم الحسكاني : 1 / 187 حديث 243 و 244 و 245 و 246 و 247 و 248 و 249 و 250 و 240 طبعة 1 بيروت ، أسباب النزول للواحدي النيسابوري : 115 طبعة الحلبي بمصر و 150 طبعة الهندية بمصر ، الدر المنثور في تفسير القرآن لجلال الدين السيوطي الشافعي : 2 / 298 أفست بيروت على طبعة مصر ، فتح القدير للشوكاني : 2 / 60 طبعة 2 الحلبي و 57 طبعة 1 ، تفسير الفخر الرازي الشافعي : 12 / 50 طبعة مصر 1375 ه‍ـ و 3 / 636 الدار العامرة بمصر ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 1 / 44 طبعة دار الكتب في النجف و 16 طبعة طهران ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي المكي : 25 طبعة الحيدرية و 27 طبعة آخر ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 120 و 249 طبعة اسلامبول و 140 و 297 طبعة الحيدرية ، الملل و النحل للشهرستاني الشافعي : 1 / 163 أفست بيروت على طبعة مصر و بهامش الفصل لابن حزم : 1 / 220 افست على طبعة مصر ، فرائد السمطين للحمويني : 1 / 158 الحديث 120 طبعة 1 بيروت .
و في الغدير للعلامة الأميني : 1 / 214 طبعة بيروت عن : كتاب الولاية في طرق حديث الغدير لابن جرير الطبري صاحب التاريخ المشهور ، الأمالي للمحاملي ، ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين لأبي بكر الشيرازي ، الكشف و البيان للثعلبي مخطوط ، ما نزل من القرآن في علي لأبي نعيم الاصبهاني ، كتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني ، تفسير الرسعني الموصلي الحنبلي ، الخصائص العلوية للنطنزي ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاري لبدر الدين الحنفي : 8 / 584 ، مودة القربى للهمداني ، شرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي : 415 مخطوط ، تفسير النيسابوري : 6 / 170 ، تفسير القران لعبد الوهاب البخاري عند تفسير قوله تعالى : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 486 .
26. a. b. c. d. e. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 .
27. روح المعاني : 4 / 282 ، طبعة : دار الفكر / بيروت .
28. أسباب النزول : 115 ، طبعة : المكتبة الثقافية / بيروت .
29. شواهد التنزيل : 1 / 190 ، طبعة : منشورات الأعلمي / بيروت .
30. التفسير الكبير : 12 / 42 ، طبعة : دار الكتب العلمية / بيروت .
31. الدر المنثور : 3 / 117 ، طبعة محمد أمين / بيروت .
32. a. b. c. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 107 .
33. لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة المصادر التالية : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 75 الحديث 575 و 576 و 577 و 578 و 585 طبعة 1 بيروت . شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : 1 / 157 الحديث 211 و 212 و 213 و 214 و 215 و 250 طبعة 1 بيروت ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 19 الحديث 24 طبعة 1 طهران ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 8 / 290 طبعة السعادة بمصر ، الدر المنثور في تفسير القران لجلال الدين السيوطي الشافعي : 2 / 259 طبعة 1 بمصر ، الإتقان للسيوطي الشافعي : 1 / 31 طبعة سنة 1360 هـ‍ و 1 / 52 طبعة المشهد الحسيني بمصر ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 80 طبعة الحيدرية ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي : 30 طبعة الحيدرية و 18 طبعة آخر ، تفسير ابن كثير الشافعي : 2 / 14 طبعة 1 بمصر و 3 / 281 طبعة بولاق ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 47 طبعة مطبعة الزهراء ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 115 طبعة اسلامبول و 135 طبعة الحيدرية ، فرائد السمطين للحمويني : 1 / 72 و 74 و 315 طبعة 1 بيروت ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 35 و صححه طبعة الحيدرية في النجف ، و في الغدير للعلامة الأميني : 1 / 230 عن كتاب الولاية لابن جرير الطبري صاحب التاريخ ، مفتاح النجا للبدخشي مخطوط ، ما نزل من القران في علي لابي نعيم الاصبهاني ، كتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني ، الخصائص العلوية لأبي الفتح النطنزي ، توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل لشهاب الدين احمد ، تاريخ ابن كثير الدمشقي الشافعي : 5 / 210 ، كتاب النشر و الطي .
و نقله في إحقاق الحق : 6 عن : المناقب لعبد الله الشافعي : 106 مخطوط ، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي الأمر تسرى : 568 و 67 طبع لاهور ، الكشف و البيان للثعلبي مخطوط ، روح المعاني للالوسي : 6 / 55 ط المنيرية ، البداية و النهاية لابن كثير الدمشقي الشافعي : 5 / 213 و : 7 / 349 طبعة القاهرة .
34. القران الكريم : سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 214 ، الصفحة : 376 .
35. هذا الحديث من صحاح السنن المأثورة أخرجه بهذه الألفاظ و قريب منها كثير من الحفاظ و العلماء .
راجع : تاريخ الطبري : 2 / 319 ـ 321 طبعة دار المعارف بمصر ، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي : 2 / 62 و 63 طبعة دار صادر في بيروت ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13 / 210 و 244 و صححه طبعة مصر بتحقيق محمد أبو الفضل ، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي : 1 / 311 طبعة البهية بمصر ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد : 5 / 41 و 42 طبعة الميمنية بمصر ، شواهد التنزيل للحسكاني : 1 / 371 الحديث 514 و 580 طبعة بيروت ، كنز العمال : 15 / 115 الحديث 334 طبعة 2 بحيدر آباد ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 1 / 85 الحديث 139 و 140 و 141 طبعة 1 بيروت و 99 الحديث 137 و 138 و 139 طبعة 2 ببيروت ، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي : 2 / 118 طبعة 3 مصطفى الحلبي ، تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي : 3 / 371 و 390 طبعة مصر .
36. و هذا الحديث يوجد في : صحيح البخاري كتاب المغزي باب غزوة تبوك : 5 / 129 طبعة دار الفكر و 3 / 63 طبعة الخيرية و 6 / 3 طبعة مطابع الشعب و 3 / 86 طبعة دار إحياء الكتب و 3 / 58 طبعة المعاهد و 3 / 61 طبعة الشرفية و 6 / 3 طبعة محمد علي صبيح و 6 / 3 طبعة الفجالة و 3 / 54 طبعة الميمنية و 5 / 37 طبعة بمبي ، صحيح مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل علي بن أبي طالب : 2 / 360 طبعة عيسى الحلبي و : 7 / 120 طبعة محمد علي صبيح ، صحيح الترمذي : 5 / 301 حديث 3808 و صححه و حديث 3813 و صححه و حديث 3814 و حسنه طبعة دار الفكر ، مسند أحمد بن حنبل : 3 / 50 حديث 1490 بسند صحيح و 56 حديث 1505 بسند صحيح و 57 حديث 1509 بسند صحيح و 66 حديث 1532 بسند صحيح و 74 حديث 1547 بسند صحيح و 88 حديث 1583 بسند صحيح و 94 حديث 1600 بسند حسن و 97 حديث 1608 بسند صحيح و 5 / 25 حديث 3062 بسند صحيح طبعة دار المعارف بمصر ، سنن ابن ماجة : 1 / 42 حديث 115 و 121 طبعة دار إحياء الكتب ، صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب مناقب علي بن أبي طالب : 4 / 208 طبعة دار الفكر و : 5 / 19 طبعة الأميرية و 4 / 71 طبعة بمبي ، المستدرك للحاكم : 3 / 109 و 2 / 337 و صححه ، تاريخ الطبري : 3 / 104 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 1 / حديث : 30 و 125 و 148 و 149 و 150 و 251 و 271 و 272 و 273 و 274 و 276 و 277 و 278 و 279 و 280 و 281 و 329 و 330 و 336 و 337 و 338 و 339 و 340 و 341 و 342 و 343 و 344 و 345 و 346 و 347 و 348 و 349 و 350 و 351 و 352 و 353 و 354 و 355 و 356 و 357 و 358 و 359 و 360 و 361 و 362 و 363 و 364 و 365 و 366 و 367 و 368 و 369 و 370 و 371 و 372 و 373 و 374 و 375 و 376 و 377 و 378 و 379 و 380 و 381 و 382 و 383 و 384 و 385 و 386 و 387 و 388 و 389 و 390 و 391 و 392 و 393 و 394 و 396 و 397 و 398 و 399 و 400 و 401 و 402 و 403 و 404 و 405 و 406 و 407 و 408 و 409 و 410 و 411 و 412 و 413 و 414 و 415 و 416 و 417 و 418 و 419 و 420 و 421 و 422 و 423 و 424 و 425 و 426 و 427 و 428 و 429 و 430 و 431 و 432 433 و 434 و 435 و 436 و 437 و 438 و 439 و 440 و 441 و 442 و 443 و 444 و 445 و 446 و 447 و 448 و 449 و 450 و 451 و 452 و 453 و 454 و 455 و 456 طبعة بيروت ، أنساب الأشراف للبلاذري : 2 / 106 حديث 43 و 92 حديث 8 و 15 و 16 و 17 و 18 ، الإصابة لابن حجر : 2 / 507 و 509 ، الاستيعاب بهامش الإصابة : 3 / 34 و 35 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي الشافعي : 76 و 77 و 78 و 79 و 80 و 81 و 82 و 83 و 84 و 85 طبعة الحيدرية ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 27 حديث 40 و 41 و 42 و 43 و 44 و 45 و 46 و 47 و 48 و 49 و 50 و 51 و 52 و 53 و 54 و 55 و 56 و 303 طبعة 1 طهران ، حلية الأولياء : 7 / 194 وصححه و 195 و 196 و 197 وصححه ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 60 و 74 و 83 و 84 و 86 و 130 و 76 و 19 و 24 و 214 ، ذخائر العقبى : 63 و 64 و 69 و 87 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 168 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 35 و 44 و 49 و 50 و 51 و 56 و 57 و 63 و 80 و 86 و 88 و 114 و 130 و 176 و 182 و 185 و 204 و 220 و 234 و 254 و 408 و 496 طبعة اسلامبول ، أُسد الغابة : 2 / 8 و 4 / 26 و 27 ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 95 و 107 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 281 و 282 و 283 و 284 و 285 و 287 طبعة الحيدرية و 148 و 149 و 150 و 151 و 153 طبعة الغري ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2 / 495 و 575 و 3 / 255 و 4 / 220 طبعة 1 بمصر و 9 / 305 و 10 / 222 و 13 / 211 و 18 / 24 طبعة مصر بتحقيق محمد أبو الفضل ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي : 18 و 19 و 20 و 23 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 21 و 22 و 110 ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : 1 / 150 حديث 204 و 205 ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 48 و 49 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار : 148 و 149 طبعة السعيدية و 134 و 136 طبعة العثمانية ، المعجم الصغير للطبراني : 2 / 22 و 54 ، مجمع الزوائد : 9 / 109 و 110 و 111 و 119 ، الرياض النضرة : 2 / 214 و 215 و 216 و 248 طبعة 2 ، كنز العمال : 15 / 139 حديث 403 و 404 و 410 و 411 و 432 و 487 طبعة 2 ، مرآة الجنان لليافعي : 1 / 109 وصححه طبعة بيروت ، العقد الفريد لابن عبد ربه : 4 / 311 و 5 / 100 طبعة لجنة التأليف بمصر و 2 / 279 و 3 / 48 طبعة العثمانية ، مصابيح السنة للبغوي : 2 / 275 و صححه طبعة محمد علي صبيح ، الفتح الكبير للنبهاني : 1 / 277 و 3 / 398 ، جامع الأصول لابن الأثير : 9 / 468 و 469 ، مشكاة المصابيح : 3 / 242 ، الجامع الصغير للسيوطي : 2 / 56 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد : 5 / 31 و 53 و 55 ، إحقاق الحق : 5 / 133 ـ 234 طبعة 1 بطهران ، فرائد السمطين : 1 / 122 و 123 و 124 و 126 و 127 و 317 و 329 و غيرها من عشرات الكتب .
37. تجد الحديث في كل من : مسند أحمد بن حنبل : 5 / 25 حديث 3062 بسند صحيح طبعة دار المعارف بمصر ، الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة : 3 / 28 ، الإصابة لابن حجر : 2 / 509 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 55 و 182 طبعة اسلامبول و 215 طبعة الحيدرية ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي الشافعي : 64 طبعة الحيدرية ، المستدرك للحاكم : 3 / 134 طبعة أفست ، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 1 / 384 حديث 490 .
38. يوجد الحديث في كل من : مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 84 حديث 120 و 125 ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 111 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 476 حديث 996 و 997 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 221 طبعة الحيدرية و 99 طبعة الغري ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 72 و 185 و 234 و 250 و 284 طبعة اسلامبول و 82 و 219 و 278 و 341 طبعة الحيدرية ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 108 ، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي : 57 طبعة الحيدرية و 25 طبعة المطبعة الإسلامية بالأزهر ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار : 158 طبعة السعيدية ، و 143 طبعة العثمانية ، الصواعق المحرقة : 123 طبعة الحيدرية و 75 طبعة الميمنية بمصر ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 31 طبعة طهران و : 1 / 86 طبعة النجف ، ميزان الاعتدال : 1 / 110 ، الجامع الصغير للسيوطي الشافعي : 2 / 140 طبعة مصطفى محمد و : 2 / 56 طبعة الميمنية بمصر ، منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد : 5 / 29 و 30 ، إحقاق الحق : 4 / 234 طبعة طهران ، فرائد السمطين : 1 / 157 حديث 119 و 151 .
39. يوجد الحديث في كل من : المعجم الصغير للطبراني : 2 / 88 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي / 65 حديث 93 و 104 حديث 146 و 147 ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 235 ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 114 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي / 107 ، مجمع الزوائد : 9 / 121 ، اُسد الغابة : 1 / 69 و 3 / 116 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 257 حديث 773 و 774 ، فضائل الخمسة : 2 / 100 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي / 81 طبعة اسلامبول ، إحقاق الحق : 4 / 11 طبعة طهران ، فرائد السمطين : 1 / 143 .
40. يوجد الحديث في كل من : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 169 طبعة مصر بتحقيق أبو الفضل ، حلية الأولياء : 1 / 63 ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 42 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 487 حديث 1005 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 1 / 60 طبعة النجف و 21 طبعة طهران ، الميزان للذهبي : 1 / 64 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 212 طبعة الحيدرية و 93 طبعة الغري ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 313 طبعة اسلامبول ، فضائل الخمسة : 2 / 253 ، فرائد السمطين : 1 / 145 .
41. يوجد الحديث في كل من : حلية الأولياء : 1 / 67 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 167 طبعة مصر بتحقيق محمد أبو الفضل ، المناقب للخوارزمي الحنفي / 215 و 220 ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي / 114 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 189 حديث 672 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 46 حديث 69 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي / 73 طبعة الحيدرية و 22 طبعة الغري ، ينابيع المودة القندوزي الحنفي : 312 طبعة اسلامبول ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 1 / 46 طبعة النجف ، إحقاق الحق : 4 / 168 ، فرائد السمطين : 1 / 144 و 151 .
42. يوجد الحديث في كل من : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 170 طبعة مصر بتحقيق أبو الفضل ، حلية الأولياء لأبي نعيم : 1 / 63 طبعة السعادة ، مجمع الزوائد : 9 / 132 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 210 طبعة الحيدرية و 91 طبعة الغري ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 313 طبعة اسلامبول ، كنز العمال : 15 / 126 حديث 363 طبعة 2 ، الرياض النضرة : 2 / 233 طبعة 2 ، فضائل الخمسة : 2 / 98 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 1 / 60 طبعة النجف ، فرائد السمطين : 1 / 197 حديث 154 .
43. يوجد هذا الحديث في مصادر كثيرة منها : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 464 حديث 984 و 985 و 986 و 987 و 988 و 989 و 990 و 991 و 992 و 993 و 994 و 998 و 996 ، 997 ، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : 1 / 334 حديث 459 ، المستدرك للحاكم : 3 / 126 و 127 و صححه ، أُسد الغابة : 4 / 22 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 80 حديث 120 و 121 و 122 و 123 و 124 و 125 و 126 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 220 و 221 طبعة الحيدرية و 99 طبعة الغري ، المناقب للخوارزمي الحنفي : 40 ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 113 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 65 و 72 و 179 و 183 و 210 و 234 و 254 و 282 و 407 و 400 طبعة اسلامبول و 211 و 217 و 248 و 278 و 303 و 338 طبعة الحيدرية ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 170 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الابصار : 140 طبعة العثمانية و 154 طبعة السعيدية و 174 طبعة أخرى ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي : 47 و 48 ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 43 ، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي : 22 و 23 و 24 و 28 و 29 و 40 و 41 و 42 و 43 و 44 و 54 و 55 و 57 طبعة الحيدرية و 3 و 4 و 5 و 14 و 15 و 16 طبعة الاسلامية بالازهر ، فيض القدير للشوكاني : 3 / 46 ، الاستيعاب بهامش الاصابة : 3 / 38 ، الميزان للذهبي : 1 / 415 و 2 / 251 و 3 / 182 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7 / 219 طبعة مصر بتحقيق أبو الفضل و 2 / 236 طبعة أفست بيروت ، ذخائر العقبى : 77 ، جامع الاصول : 9 / 473 حديث 6489 ، فضائل الخمسة : 2 / 250 ، الغدير : 6 / 61 ـ 81 ، مسند الكلابي مطبوع بآخر المناقب لابن المغازلي : 427 طبعة طهران ، كنز العمال : 15 / 129 حديث 378 طبعة 2 ، الفتح الكبير للنبهاني : 1 / 276 ، الجامع الصغير للسيوطي : 1 / 93 طبعة الميمنية و 1 / 364 حديث 2705 طبعة مصطفى محمد ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد : 5 / 30 ، الرياض النضرة : 2 / 255 طبعة 2 ، فرائد السمطين : 1 / 98 و غيرها من عشرات الكتب . بل ألف في هذا الحديث عدة كتب منها : الجزء الخامس من عبقات الأنوار طبعة في الهند فانه خاص في هذا الحديث ، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي طبعة في مصر وفي النجف و غيرهما من الكتب .
44. يوجد الحديث في كل من : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 2 / 488 حديث 1008 و 1009 ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 86 ، المناقب للخوارزمي أيضا : 236 ، كنوز الحقائق للمناوي : 203 طبعة بولاق و 170 طبعة اخر ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 182 طبعة اسلامبول ، منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد : 5 / 33 .
45. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 273 .
46. المراجعات : 394 ، تحقيق الشيخ حسين الراضي .
2024/02/08

2024/02/03

هل يمكن إثبات وجود «الروح» علمياً؟!
لتوضيح هذا السؤال لابدّ من التفريق بين موضوعات العلوم، ومن ثمّ النظر إلى الروح لمعرفة العلم الذي يجب أن يبحث فيه.

[اشترك]

وبشكل عام يمكننا تقسيم موضوعات العلوم إلى موضوعات تنتمي إلى الطبيعة الحسيّة والماديّة، وإلى موضوعات تنتمي إلى ما هو خارج حدود الحسّ والمادّة. وفي القسم الأول تهتمّ العلوم بدراسة الظواهر الطبيعيّة والماديّة، في حين يهتمّ القسم الثاني بدراسة الظاهرة الإنسانيّة، والفرق بين العلمين يعود إلى ثلاث فروقات أساسية:

الفرق الأول: من حيث الموضوع: فالعلوم الطبيعيّة ترصد الأجسام الثابتة والمتغيّرة، سواءً كانت من العناصر الطبيعيّة، أو الكائنات الحيّة، أو النباتات. بينما العلوم الإنسانيّة ترصد الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً ومريداً، فالإنسان لا يمكن رصده وتقييمه ضمن إطار مادّي خارجيّ فحسب، لأنّه موجود له (قصد)، أي أنّ هناك دوافع إنسانيّة داخليّة تحدّد سلوكه، لا يمكن الوصول إليها عن طريق الرصد الماديّ وإدخاله ضمن قانون السببيّة الماديّة وقوانين الطبيعة، فمعرفة الظاهرة الإنسانيّة لا تقوم على الوصف والشرح كما هو الحال في الظاهرة الطبيعيّة، وإنّما تحتاج إلى تعقّلٍ وإدراك وتفهّمٍ يقوم على التعاطف والمعايشة، ومن ثَمّ كشف مخزونه الداخليّ.

الفرق الثاني: من حيث الغاية والهدف: غاية العلوم الطبيعيّة هو تفسير العالم الطبيعيّ وما فيه من ظواهر عن طريق إرجاع كلّ ظاهرة إلى أسبابها الماديّة المباشرة، ومن ثمّ وضع نظريّات تصلح لفهم ما يدور في الطبيعة، ولذا يبتعد هذا العلم عن التفسيرات الغيبيّة والدينيّة. بينما نجد العلوم المهتمّة بمعرفة الإنسان تبحث عن الغايات والأهداف التي تحرّك السلوك الإراديّ للإنسان، وهي في الغالب أهداف وغايات غير ماديّة، وهنا يدخل الدين والوحي الإلهيّ بوصفه الأكثر قدرة على كشف الحقائق الباطنيّة للإنسان، مضافاً إلى كونه الأقدر في رسم الغايات والأهداف التي يجب أن يسير عليها الإنسان.

الفرق الثالث: من حيث المنهج: تعتمد العلوم الطبيعيّة على منهج واحد وهو التجربة الحسّيّة، بينما نجد العلوم الإنسانيّة تعتمد العقل البرهانيّ أو العقل الاستنباطيّ، سواءً عن طريق الأوّليّات العقليّة أو عن طريق الاستقراء وجمع الشواهد، مضافاً إلى ذلك تعتمد أيضاً على الوحي ورسالات الله للإنسان.

وإذا اتضح ذلك، علمنا أنّ الروح لا يمكن أن يكون موضوعاً للعلوم الطبيعيّة والتجريبيّة، بل ليس من حقّ هذا العلم إثبات أو نفي وجود الروح، فهو ليس عنصراً ماديّاً يمكن إخضاعه لشروط التجربة والمختبر.

ينقل عزمي بشارة عن فرح أنطوان قوله: (إنّ العلم نفسه لا ينكر عجزه في بعض الأحيان، مثال ذلك: أنّ العلم يفترض وجود المادّة التي كُوّن العالم منها لتعليل وجود الكون.. وهو يفترض وجود النفس.. فإذا كان العلم نفسه لا يزال إلى اليوم يبني قواعده على افتراض حتّى في المسائل العلميّة، فكيف يجوز له إنكار الأمور القلبّية.. مثال ذلك: شعور كلّ نفس بوجودها الذاتيّ، فهي تقول: (أنا)، وتعرف أنّها مستقلّة قائمة بذاتها، وشعور القلب بلذّة الفضيلة والصلاح ونزوع الإنسان إلى عالمٍ آخر) [العلمانية والدين ص267)

والخطأ الكبير الذي يقع فيه البعض: هو اعتقادهم بوجود تنافر بين العلوم التي تهتمّ بالمادّة والعلوم التي تهتمّ بالمعنى، والسبب في ذلك يعود إلى الفهم المشوّه لحقيقة الإنسان، وبالتالي العامل الأكثر تأثيراً في الجمع بين هذه العلوم هو الانطلاق من التقييم الموضوعيّ والواقعيّ للإنسان. وهذا لا يتحقّق إلّا بالاعتراف بكون الإنسان كائناً مركّباً من مادّة وروح، فالرؤية الكونيّة الماديّة تغطّي جوانب دون أخرى من اهتمامات الإنسان، والرؤية الكونيّة المنطلقة من الجانب الروحيّ قد تغطّي ما أهملته الرؤية المادّيّة، ولكنّها قد تقع في خطأ إهمال ما تغطّيه الرؤية الماديّة. وعليه، من المفترض اعتماد رؤية كونيّة تراعي كلا البعدين – الماديّ والروحيّ - في الإنسان، فإذا أراد العلم التجريبيّ أن يحتكر الحقيقة فعليه أن يستوعب كلّ حاجات الإنسان واهتماماته بما فيها اهتماماته الروحيّة، وهذا ما لم تدّعه العلوم الطبيعيّة لنفسها، وإذا أراد دين من الأديان أن يكون بديلاً حتّى عن العلوم التجريبيّة، فيجب أن يكون لديه إجابات حول كلّ العلوم الطبيعيّة، وهذا ما لم يتبنّاه دين من الأديان.

فالاهتمام بالجانب الماديّ للإنسان ضروريّ، ولكن بشرط ألّا يكون على حساب الجانب الروحيّ لديه، فكما أنّ الإنسان يشعر بحاجة ماديّة كذلك يشعر بحاجة روحيّة، والإفراط والتفريط في أيّ واحد منهما قد يحقّقان مكاسباً في جهة ولكن على حساب خسائر في جهة أخرى. وهكذا يبقى الانسان ضائعاً وفي حاجة أبديّة لمَن يحقّق له توازن الروح والجسد.

وفي محصّلة الاجابة على السؤال، فإنّ الروح من الحقائق التي لا يمكن إدراكها بالعوامل الحسّيّة، ويكفي في إثبات وجوده شعور الإنسان به، وتفاعله مع آثاره الواضحة في جميع شؤون الحياة، فلا يحتاج إثبات وجوده إلى ملامسته باليد، أو رؤيتها بالبصر، أو حصره في المختبر، وكما أنّ الجميع معترف بوجود العقل من غير أن يروه بالبصر أو يشمّوه بالأنف أو يلمسوه باليد، كذلك الحال في وجود الروح فهي ظاهرة بذاتها، ودالّة على نفسها بنفسها.

*المقال رداً على سؤال: هل يمكن إثبات وجود الروح بالتجربة العلمية؟
2023/12/29

هل مصحف فاطمة (ع) هو قرآن الشيعة؟!
لقد كثُر الكلام حول ما يُسمى بمُصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) ، و لقد حاول أعداء أهل البيت ( عليهم السَّلام ) التشنيع على الشيعة من خلال اتهامهم بأن لهم قرآناً آخر يأخذون منه أحكام الدين غير القرآن الكريم يُسمونه مصحف فاطمة.

[اشترك]
هذا ما يقوله أعداء مدرسة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، و هو اتهام رخيص ليس له أي قيمة علمية ، إذ سرعان ما يجد الباحث بطلان هذا الكلام لدى رجوعه إلى الواقع الخارجي ، ولدى مراجعته للنصوص المأثورة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .

ثم أن هذا الاتهام ليس جديداً ، بل يصل تاريخه إلى عهد الأمويين و العباسيين الذين عاصروا الأئمة ( عليهم السَّلام ) ، و يدل على ذلك أسئلة الرّوات و أجوبة الأئمة ( عليهم السلام ) و تصريحاتهم النافية بشكل قاطع كون مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) قرآن آخر.

لكن رغم كل ذلك ورغم الإجابات المتكررة التي أجاب بها العلماء الأفاضل في مختلف العصور عن هذا السؤال فإننا نجد أن هناك من يجد بُغيته في اتهام الشيعة بهذا الاتهام ، و لا يدفعه إلى ذلك طبعاً سوى المرض أو الجهل .
أما الآن لنرى ما هو المقصود من مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) عند أهل البيت ( عليهم السَّلام ) وعند أتباعهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية .
لمعرفة ذلك لابد و إن نعرف أولاً المعنى اللغوي لكلمة المصحف ، ثم نأتي بعد ذلك إلى الروايات والأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) كي نعرف حقيقة مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) .

المعنى اللغوي للمصحف

قال الفرّاء في لفظ المصحف : " و قد استثقلت العرب الضمّة فكسرت ميمها و أصلها الضم ، من ذلك مِصحف ... ، لأنها في المعنى مأخوذة من أصحف جمُعت فيه الصُحف " 1 .
و قال أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية : " الفرق بين الكتاب و المصحف ، أن الكتاب يكون ورقة واحدة و يكون جملة أوراق ، و المصحف لا يكون إلا جماعة أوراق صحفت ، أي جمع بعضها إلى بعض " 2 .
و كلمة مصحف مأخوذة من الصحيفة و هي القرطاس المكتوب ، و المصحف ـ مثلث الميم ـ هو ما جُمع من الصحف بين دفتي الكتاب المشدود ، و لذلك قيل للقرآن مصحف ، و عليه فكل كتاب يسمى مصحفاً 3 .
و قال ابن بابويه : صحيفة فاطمة ، أو مصحف فاطمة ، أو كتاب فاطمة ، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها ( عليها السَّلام ) 4 .

و يقول الدكتور حسين علي محفوظ 5 رحمه الله: المصحف هو مجموعة الصحف6.

ما هو مصحف فاطمة ؟

مصحف فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) هو كتاب عظيم المنزلة أملاه جبرائيل الأمين على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) بعد وفاة أبيها رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و ذلك تسكيناً لها على حزنها لفقد أبيها ( صلَّى الله عليه و آله ) .
أما كاتب هذا الكتاب هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، فقد كتبه بخطه المبارك .
و مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) يُعتبر من جملة ودائع الإمامة ، قال الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) ـ و هو يَعُّد علامات الإمام المعصوم ( عليه السَّلام ) ـ : " ... و يكون عنده مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) " 7 .
أما بالنسبة إلى مكان وجود هذا المصحف في الحال الحاضر فهو اليوم موجود عند الإمام المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرَجَه ) .
و يُعتبر هذا المصحف أول مصنف في الإسلام ، حيث أن الزهراء ( عليها السَّلام ) توفيت في الثالث من شهر جمادى الأولى عام 11 هجري 8 ، و لم يكتب قبل هذا التاريخ كتاب في عصر الإسلام .
فمصحف فاطمة هو مجموع حديث جبرائيل الأمين لفاطمة ( عليها السلام ) فهو وحي غير معجز كالحديث القدسي 9 و النبوي .
و لا غرابة في ذلك إذ أن الزهراء ( عليها السَّلام ) كانت محدّثة ، و ليست الزهراء هي الوحيدة التي حدّثتها الملائكة ، فقد كانت مريم بنت عمران محدّثة ، كما كانت أم موسى بن عمران ( عليه السَّلام ) محدّثة ، و سارة زوجة النبي إبراهيم ( عليه السَّلام ) أيضاً كانت محدّثة فقد رأت الملائكة فبشروها بإسحاق و يعقوب .
ذلك أن الحديث مع الملائكة رغم أهميته و عظمته فهو ليس من علامات النبوة و خصائصها ، فمن ذكرناهن لسن من جملة الأنبياء كما هو واضح ، لكن الملائكة تحدثت إليهن ، و إلى هذا يشير محمد بن أبي بكر قائلاً :
إن مريم لم تكن نبية و كانت محدّثة ، و أم موسى بن عمران كانت محدّثة و لم تكن نبية ، و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب و لم تكن نبية ، و فاطمة بنت رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) كانت محدّثة و لم تكن نبية " 10 .

المعصومون و مصحف فاطمة عليها السلام

عندما سئل الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عن مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) قال : " إن فاطمة مكثت بعد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) خمسة و سبعين يوماً ، و كان دخلها حزنٌ شديد على أبيها ، و كان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و يخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، و كان عليّ ( عليه السَّلام ) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة " 11 .
عن حمّاد بن عثمان ، عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) أنه لما سأله : و ما مصحف فاطمة ؟
قال ( عليه السَّلام ) : " ... إن الله تعالى لمّا قبض نبيه ، ( صلَّى الله عليه و آله ) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عَزَّ و جَلَّ ، فأرسل الله إليها ملكا يسلّي غمّها و يحدثها ، فشكت 12 ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فقال : إذا أحسست بذلك و سمعت الصوت قولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً " .
ثم قال : " أما إنه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام ، و لكن فيه علم ما يكون " 13 .

ليس في مصحف فاطمة شيء من القرآن

قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " و إن عندنا لمصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) و ما يدريهما مصحف فاطمة ، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات 14 ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاه الله و أوحى إليها " 15 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن ... " 16 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " و عندنا مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) أما والله ما فيه حرف من القران ... " 17 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، و إنما هو شيء القي عليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليهما ) " 18 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... وفيه مصحف فاطمة ، و ما فيه آية من القران " 19 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و عندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما هو بالقران " 20 .

ما يحتويه مصحف فاطمة عليها السلام

قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و كان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و يخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ... " 21 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و ليخرجوا مصحف فاطمة فان فيه وصية فاطمة " 22 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... أما إنه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام ، و لكن فيه علم ما يكون " 23 .
و في الإمامة و التبصرة ، لابن بابويه القمي : صحيفة فاطمة أو مصحف فاطمة ، أو كتاب فاطمة ، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها ( عليها السَّلام ) ، كان عند الأئمة ، وردت فيه أسماء من يملك من الملوك 24 .
مصحف فاطمة : ففيه ما يكون من حادث و أسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة 25 .
و قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها على الأخبار فقط ... 26 

الهوامش: 1. إصلاح المنطق : 354 ، لابن سكّيت ، و الصحاح : 4 / 1384 ، للجوهري .
2. الفروق اللغوية : 447 .
3. دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات : 1 / 19 ، لآية الله المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) .
4. الإمامة و التبصرة : 12 .
5. العلامة الدكتور حسين علي محفوظ مؤرخ ، جغرافي ، لغوي ، فقيه ، أديب ، شاعر ، كتب في الاختصاصات المختلفة ، قدم أكثر من 400 اثر بين كتاب و دراسة و مقالة و بحث .
هو حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد الجواد بن الشيخ موسى بن الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد آل محفوظ ، الوشامي الأسدي ، من بني أسد بن خزيمة ، من مضر .
ينتمي إلى بيت علمي عربي عراقي قديم ( آل محفوظ ) ينتهي نسبهم إلى شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد ـ المتوفى سنة 690 هجرية ـ من بيت أبي العز الأسدي الحلي ، و كان جده محفوظ من أعيان العلماء و أعلام الشريعة في العراق في عصره ، و أم الدكتور حسين من السادة ( آل الورد ) و هم من بني عمر العلويين من ذرية عمر بن يحيي ( 207هـ ) بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ).
ولد الدكتور حسين محفوظ يوم الاثنين 20 شوال 1344هـ المصادف 3/5 /1926م في الكاظمية بالعراق ، و تعلم فيها و تخرج من دار المعلمين العالية سنة 1948م و نال دكتوراه الدولة في الآداب الشرقية ( الأدب المقارن ) سنة 1952م من جامعة طهران .
جمع بين الدراستين القديمة و الحديثة ، و اطلع على أصول التاريخ و الأدب و الثقافة ، و تتلمذ على يد أفاضل أسرته ، و قرأ مقدمات المنطق و الأصول على يد العلماء من أهله ، و روى الحديث ( إجازة ) و سماعا و قراءة عن جماعة من مشايخ المحدثين .
خدم التراث العربي و الإسلامي بتحقيقه و التعريف به و إحيائه و قد أنجز العديد من الدراسات التراثية في مختلف الموضوعات ، و منها العمارة و الفلك و التقويم و الطفل و الزراعة و الصيدلة و علم الوثائق و الخط و الأوزان و المكاييل و المرأة و الحرب ، وقد وضع ( علم المخطوطات ) سنة 1975م و جمع ضوابطه و قواعده و مصطلحاته ، و ألف ( مصطلحات المخطوطات ) و ( مصطلحات المكتبة العربية ).
ألف عدة معاجم منها : ( معجم الآلات و الأدوات ) و معجم ( العلامات و الرموز ) و معجم ( الأضداد ) و معجم ( الألوان ) و قاموس التراث و اهتم بدراسة تاريخ البلدان .
شارك و مثّل العراق في عشرات المؤتمرات العالمية و الإستشراقية و الندوات و المجالس العلمية و الحلقات الدراسية و المهرجانات الأدبية في البلدان العربية و الأجنبية .
لُقب بشيخ بغداد و ذاكرة التاريخ و المكتبة المتنقلة و غيرها من الألقاب المعبرة عن عبقريته و غزارة علمه .
توفي في مساء يوم الاثنين 19/ 1/ 2009م الموافق: 23 محرم 1430هـ ببغداد عن عمر يناهز الثالثة و الثمانين و دُفن في الصحن الكاظمي الشريف .
6. قاله في مقابلة أجرته نجاة عبد الله و نشرت في موقع النور الالكتروني بتاريخ: 2008/11/11
7. الخصال : 528 ، و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 25 / 117 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
8. دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات : 1 / 19 .
9. قال العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) : الحديث القدسي هو كلام الله المنزل ـ لا على وجه الإعجاز ـ الذي حكاه أحد الأنبياء أو أحد الأوصياء ، مثل ما رُوي أن الله تعالى قال: " الصوم لي وأنا اُجزي به " ، يراجع : أصول الحديث و أحكامه في علم الدراية : 20 .
10. بحار الأنوار : 39 / 55 و 39 / 79 .
11. الكافي : 1 / 241 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران . و بحار الأنوار : 22 / 545 ، و بصائر الدرجات : 173 ، لمحمد بن حسن بن فروخ الصَّفار ، المتوفى سنة : 290 هجرية بقم ، الطبعة الثانية ، مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، قم / إيران ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 92 ، حديث ( 5387 ) ، لآية الله السيد كاظم القزويني ( رحمه الله ) .
12. أي أخبرت .
13. الكافي : 1 / 240 ، وبصائر الدرجات : 177 ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 93 ، حديث ( 5388 ) ، و بحار الأنوار : 26 / 44 .
14. إشارة إلى حجم هذا الكتاب بالقياس إلى القرآن الكريم .
15. بصائر الدرجات : 152 ، و بحار الأنوار : 26 / 39 .
16. بصائر الدرجات : 156 .
17. بصائر الدرجات : 158 و 161 .
18. بصائر الدرجات : 159 .
19. بصائر الدرجات : 160 .
20. بحار الأنوار : 26 / 38 .
21. الكافي : 1 / 241 ، و بحار الأنوار : 22 / 545 ، و بصائر الدرجات : 173 ، حديث ( 6 ) ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 92 ، حديث ( 5387 ) .
22. بحار الأنوار : 26 / 43 .
23. الكافي : 1 / 240 ، و بصائر الدرجات : 177 ، حديث ( 18 ) ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 93 ، حديث ( 5388 ) ، و بحار الأنوار : 26 / 44 .
24. الإمامة والتبصرة : 12 .
25. الخرائج و الجرائح : 2 / 894 ، أعلام الورى : 285 ، بحار الأنوار : 26 / 18 .
26. بحار الأنوار :26 / 40 .
2023/12/23

كارما وشاكرات وتأمل.. إحذروا سماسرة علم الطاقة!
بعد المراجعة والمتابعة المتأنِّية نسبيًّا لكلمات بعض ذوي الإختصاص العلمي وكلمات بعض الممتهنين والمُسوِّقين لما يُسمَّى بعلوم الطاقة والعلاج بالطاقة خلصتُ إلى عددٍ من النتائج منها:

[اشترك]

الأولى: إنَّ ما يُسمَّى بعلم الطاقة يبتني على أفكارٍ وفلسفاتٍ يناقضُ الكثيرُ منها تعاليم الدين الإسلامي، نعم يُحاولُ المُسوِّقون لهذه الأفكار صياغتها بما يمنع من التنبُّه لانحرافها عن الدين، وحاول بعضُهم أسلَمتَها إلا أنَّ الطابع الوثني والشِركي ظلَّ ماثلًا في الكثير من هذه الأفكار.

الثانية: تابعتُ العديد من كلمات المُسوِّقين العرب لعلم الطاقة فوجدتُهم يحرصون -في المراحل الأولى من التدريب لضحاياهم- على إضفاء الصِبغة العلميَّة الأكاديميَّة وكذلك إضفاء الصبغة الدينيَّة على أفكارهم والمعلومات المزعومة التي يُلقونها جزافًا، ووجدتُهم يحرصون على الاستشهاد ببعض الآيات والروايات على غير هدى، والاستشهاد بكلمات ومصطلحات علم الفيزياء مثلًا، ويحرصون كذلك على سرد القصص التي يزعمون أنَّها وقعت لأفرادٍ انتفعوا من علم الطاقة أو تغيَّرت حياتُهم البائسة إلى سعادةٍ مطلقة، كما يحرصون على استبدال المصطلحات الوثنيَّة إلى مصطلحاتٍ إسلاميَّة ولكن بعد إفراغها من مضمونها الصحيح إلى مضمونٍ وثني أو خرافي، كما وجدتُهم من أكثر الناس قدرةً على التلبيس والخداع والدجل والصياغة للأفكار بما يتناغم والمشاعر المتعطِّشة للخلاص من الضغوط والإحباطات.

الثالثة: أكَّد المختصُّون في مثل علم الفيزياء أنَّ غالبيَّة المعلومات التي يتمُّ تداولُها من قِبل المُسوِّقين لِما يُسمَّى بعلم الطاقة لا تمتُّ للحقائق العلميَّة بصلة وأنَّها لا تعدو الهُراء والاحتيال والعبث بالعقول واستغلال جهل الضحيَّة بالحقائق العلميَّة وحاجتها للإشباع الروحي.

الرابعة: إنَّ الكثير من الأجسام المستعملة لديهم للقياس والكشف المزعوم عن الطاقة السلبيَّة أو الإيجابية في الإنسان أو التي يزعمون أنها تُساعد على جذب الطاقة الإيجابيَّة في الكون وطرد الطاقة السلبيَّة الكثير من هذه الأجسام والرسومات عبارة عن رموز لبعض الأوثان والأصنام والطلاسم التي يُؤمن بها أصحاب الديانات الشرقيَّة الوثنيَّة كالبوذيَّة والهندوسيَّة والطاوية، وبعض هذه الأجسام ليست كذلك ولكنَّها صُمِّمت ثم نُسجتْ حولها أوهامٌ لها انعكاسات إيحائيّة خادعة على نفس المُتلقِّي (الضحيَّة).

الخامسة: الكثير من التدريبات وجلسات التأمُّل التجاوزي الارتقائي والإسترخاء وما يكتنفُها من أفكار واستعمال لبعض الكلمات والترانيم أو الشعارات اللفظيَّة غير العربية ترجعُ في أصولها إلى طقوسٍ وثنيَّة ووسائل العبادة في الديانات الوثنيَّة وبعضها من طرائق الاستدعاء للأرواح.

السادسة: وجدتُ أنَّ لبعض مراتب العلاج بما يسمَّى بالطاقة علاقةً وثيقةَ ببعض أنواع السحر والكهانة والاستفادة من بعض التعويذات السحرية والوثنيَّة والاستعانة بما يسمَّى بالكائنات النوريَّة وبتعبيرٍ أدق هي استعانة بالجنِّ والشياطين.

السابعة: يتمُّ التعلُّم مثلًا لما يُسمَّى بالتخاطر عن بُعد، والخروج من الجسد، والشفاء الخارق، والشفاء بالتقمُّص، والتحكُّم بالأحلام، والعلم بمكنونات النفوس، وقانون الجذب وفكِّ الإرتباط، وهدم الموروث، وتدريبات السيطرة على الطاقة الذاتيَّة، وشحن الطاقة، وضخِّ الطاقة الذاتيَّة للغير، ووسائل تدفُّق الطاقة وغيرها الكثير، وبقطع النظر عن الجدل في إمكانيَّة بعض هذه الأمور فإنَّ الكثير من الوسائل المُعتمدة في ذلك لا أقل في بعض مراحلها شديدة الصلة بما يسمَّى بالسحر الأبيض والاستعانة الطوعية بالأرواح والجن والقوى الغامضة، نعم قد لا يكون المتلقِّي وحتى بعض المدرِّبين عارفًا بحقيقة ما يفعل.

الثامنة: إنَّ من أهم مراحل الاحتراف فيما يُسمَّى بفنِّ علم الطاقة هو التأهُّل لبعض الرياضات والتدريبات الخاصَّة المُفضية بزعمِهم للقدرة على التواصل مع الملائكة ومع ما يُسمَّى بالكائنات النوريَّة ومع الأرواح التي يزعمون أنَّها خيِّرة.

التاسعة: إنَّ حقيقة بعض أساليب العلاج بالطاقة يتمُّ بواسطة الاستدعاء للأرواح وكذلك ما يُسمَّى بالقوى الروحية الخفيَّة والكائنات النورية وبعض الأساليب أشبه شيء بالشعوذة وبعض الأساليب لا تعدو التحفيز للقوَّة الواهمة والمتخَّيلة لدى الإنسان وبعضها تعتمد الإيحاءات الخادعة.

العاشرة: يتحدَّث العديد من الخبراء وكذلك يتحدَّث العديد ممَّن ابتُلِيَ بالانخراط والتعاطي مع ما يُسمَّى بعلوم الطاقة أنَّ لها تأثيرَ المُخدِّرات من حيثُ صعوبة التخلُّص من آثارها وتبعاتها، ولعلَّ منشأ ذلك هو وقوع المُتعاطي لها تحت تأثير الطاقة الوهميَّة وتشكُّل نفسيتِه ومشاعره وأفكاره بما تلقَّاه من أوهامٍ أشعرته بالراحة الكاذبة والاستجمام والتخلُّص من الضغوط النفسيَّة، ولعلَّ منشأ ذلك أيضًا هو وقوعه تحت تأثير السحر التي يتعاطاه سماسرة الطاقة، ولعلَّ من مناشئ ذلك هو الوقوع تحت هيمنة الأرواح والشياطين، ولعلَّ هذه المناشئ مجتمعةً هي سبب الإدمان الذي يبتلي به المنخرطون في هذا السلك.

الحادية عشر: إنَّ بعض ما شاهدناه عبر المواقع الإكترونية من طرائق العلاج بالطاقة في غير بلدنا خادشة للحياء، ويُمكن تصنيف بعضها بالتحرُّش تحت شعار تفريغ الطاقة السلبيَّة أو ضخِّ الطاقة الإيجابيَّة من طريق ما يُعبَّر عنه بالشاكرات ومراكز الطاقة في الجسد والتي منها ما يقع في المناطق المحتشمة أسفل العمود الفقري (منطقة العجان) ويُعبَّر عنها بالقاعدة والجذر وهي الأهم بزعمهم، ومنها ما يقعُ في أسفل السُّرَّة!!

وأخيرًا: إنَّ الراجح عندي أنَّ الكثير من المدرِّبين والذين يعقدون الدورات والذين يُمارسون العلاج بما يُسمَّى بالطاقة عندنا في البلد هم من ضحايا سماسرة الطاقة المنتشرين في العالم، ولا نتَّهم من في بلدنا بتعمُّد خداع الناس وبيع الوهم عليهم إلا أنَّ ذلك لا يُعفيهم من المسئوليَّة، فالمتعيَّن عليهم ترك هذا السلوك وعدم الإصرار على التعاطي مع هذه الخزعبلات والخرافات المستوردة من الديانات الوثنية وأنْ يتقوا الله تعالى وأنْ لا تأخذهم العزَّةُ بالإثم.

أختمُ المقال الذي حرصتُ على إيجازه بمخاطبة الإخوة طلبة العلوم الدينيَّة والخطباء الكرام والمثقفين المحترمين أنْ يأخذوا دورَهم في التوعية والتحذير من سماسرة الطاقة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويعبثون بمعتقدات الناس ربَّما من حيث لا يعلمون، ويعبثون بمشاعرهم ولا سيما النساء مستغلِّين بذلك الضغوط النفسيَّة التي التي يقعُ الكثير من الناس تحت تأثيرها.

2023/12/21

سجن وسمّ وقتل.. هل يؤمن الشيعة بـ «عقيدة الفداء»؟!
عقيدة الفداء عقيدة ذات جذور وثنية كما يؤكد الكثير من الباحثين الغربيين، يقول الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي مؤلف كتاب قصة الحضارة المشهور المؤرخ ول ديورانت: "بأن عوامل عديدة قد أوحت إلى بولس بتلك العقيدة، منها: انقباض نفس بولس وندمه بالصورة التي استحال إليها المسيح في خياله، وتأثره بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية التي تنبذ المادة والجسم واعتبارهما شرّاً وخبثاً.

[اشترك]

وتأثره كذلك بالطقوس الوثنية في التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس، وتلك عقيدة موجودة عند الوثنيين في مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان التي تؤمن بالآلهة التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان"(قصة الحضارة(11/263-265) بتصرف ).

هناك من يسرد الجذور التاريخية لعقيدة الفداء ويلمح لوجود تطابق بينها وبين ما جاء في حديث الإمام الكاظم، الذي جاء فيه: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَى ‏الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ فَوَقَيْتُهُمْ وَاللَّهِ بِنَفْسِي".

ويبدو أن الفهم الذي ارتسم في ذهنه من هذا الحديث هو الذي قاده إلى هذه المقارنة، حيث تصور أن الإمام تحمّل السجن الطويل والألآم حتى مضى شهيداً لكي يفدي الشيعة فلا يؤاخذهم الله بعد ذلك بشيء.

إلا أن هذا الفهم ليس صحيحاً بالمطلق؛ لكونه مخالفاً لنصوص القرآن والسنة ومبايناً تماماً لعقائد الإسلام وتعاليمه، ويكفي في هذا المقام قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)، وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، الأمر الذي يدعونا إلى صرف هذا المعنى عن الرواية والبحث عن معناها الحقيقي انطلاقاً من الظروف التاريخية التي صدرت فيها هذه الرواية.

بشكل مختصر يمكننا القول إن عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) مهد الطريق بشكل كبير لتمكين الشيعة حتى اصحبوا أكثر تماسكاً وقوة، فبسبب الضعف الذي رافق انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية تمكن الإمامين من تثبيت دعائم المذهب وتأسيس أركانه، فاصبح النفوذ الشيعي وحكرتهم السياسية أكثر حضوراً وتأثيراً، فامتدت ثورات العلويين حتى شملت أكثر البلاد الإسلامية.

وقد جاء عهد الإمام الكاظم (عليه السلام) وكانت الظروف أكثر توتراً بين الشيعة وبين السلطة العباسية، وقد كانت السلطة أكثر تخوفاً وتحرزاً من الإمام إلى درجة أنها كانت تعتقد بأنه هو مهدي آل محمد الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولذا حرصت السلطة عند مقتله بأن تنادي على جنازته: هذا إمام الرافضة يزعمون أنه لا يموت فانظروا إليه ميتاً.

ومن هنا نفهم جملة الروايات التي تتحدث بتشدد عن ضرورة التقية وكتم أمر أهل البيت (عليهم السلام) فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ"، وعن الصادق عليه السلام قال: "سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ التَّقِيَّةِ يَا حَبِيبُ إِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ تَقِيَّةٌ رَفَعَهُ اللَّهُ يَا حَبِيبُ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَقِيَّةٌ وَضَعَهُ اللَّهُ".

وبسبب هذه التقية تمكن الائمة من أهل البيت من اختراق الاجهزة العليا للدولة وكانت لهم عيون داخل أروقة النظام الحاكم، من أمثال علي بن يقطين، وعلي بن سويد وغيرهم الذين اصبحوا من الدائرة الأولى في السلطة العباسية، وزرع مثل هؤلاء في مناصب قريبة من هرم السلطة يؤكد وجود عمل سياسي قوي ومنظم، فلم يصل هؤلاء إلى هذه المرتبة إلا بعمل دؤوب ولفترة طويلة من التقية، وقد كان في زمن هارون الرشيد العشرات من أمثال علي بن يقطين الذين يعملون في مناصب حساسة في الدولة، وقد ساعد هؤلاء على إفشال الكثير من المخططات التي كانت تستهدف الائمة وشيعتهم.

وفي مقابل هذه الطبقة من أصحاب الائمة والذين كانوا يمثلون كوادر الصف الأول كان هناك الكوادر الوسيطة والدنيا وعامة الشيعة، وما حدث من اختراقات للعمل الرسالي الذي يقوده الائمة كان بسبب التسريبات التي تصدر من هذه الطبقة، فلم يكن الالتزام بالتقية وضرورة الكتمان والعمل السري بنفس القدر الذي اراده الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، الأمر الذي تسبب في اضرار كبيرة في العمل الرسالي، حيث اصبحت السلطة أكثر قدرة على تتبع خيوط العمل الشيعي، مما سبب خطراً كبيراً على الوجود الشيعي من الأساس، فإذا تمكنت السلطة من التعرف على جميع رجالات الشيعة وكوادرها ومن ثم القضاء عليهم لما تبقى للتشيع وجود، الأمر الذي جعل الإمام الكاظم بين خيارين، الأول: أن يكشف هو نفسه للسلطة فتلهوا عما هو دونه، والثاني: أن يترك السلطة تتبع الشيعة وتقضي عليهم واحداً بعد الثاني، ويبدو أن الأمر مشابهاً لما حدث مع الإمام الحسن (عليه السلام) عندما وجد نفسه مخيراً بين مصالحة معاوية والحفاظ على الشيعة وبين أن يحارب ويتسبب في القضاء عليهم، فاختار الإمام الصلح مع معاوية.  

فاختيار الإمام للسجن والقتل كان فيه صرف النظر عن بقية الشيعة، ولذا اختار سلام الله عليه السجن والقتل ظلماً ليحافظ على المشروع الشيعي لكي يبقى ويستمر حتى قيام دولتهم الكبرى دولة الإمام المهدي (عليه السلام).

وفي المحصلة يجب فهم الرواية ضمن السياق التاريخي والظرف السياسي الذي كان يحيط بالإمام الكاظم (عليه السلام)، ولا يمكن فهمها على نحو الفهم الكنسي المستمد من جذور وثنية.

المقال رداً على سؤال: يفدي أحدًا قومه بنفسه لتغفر ذنوبهم!! هذه العقيدة اعتقدها الإغريق في مخلصهم (أبولو)، والرومان (هيروكوليس)، والنصارى في المسيح، ونحن نجد ما يشابهها عند الشيعة، جاء في الكافي عن  موسى الكاظم: «إن الله -عز وجل- غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم، فاخترت نفسي”. لأنهم تركوا التقية كما قال في حاشية الكافي.
2023/12/06

قول «آمين» في الصلاة.. من أين جاءت وما حكمها؟
التأمين في الصلاة، هو قول المُصلي (آمين) بعد إتمام قراء سورة الفاتحة في الصلاة.

[اشترك]

وأصل كلمة (آمين) مأخوذة من النصارى كما جاء بيانه في اخبار أهل البيت (ع). 

فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه "من لا يحضره الفقيه:1/390" وإذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة فليقل الذي خلفه (الحمد لله رب العالمين) ولا يجوز أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب (آمين) لأن ذلك كانت تقوله النصارى) انتهى.

وروى الشيخ الطوسي في: "تهذيب الأحكام:2 /75 " عن معاوية بن وهب قال قلت لابي عبد الله -عليه السلام- الإمام الصادق: أقول آمين إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين ؟ قال : هم اليهود والنصارى ! ولم يجب في هذا) انتهى.

ويؤيد تلك الاخبار ما جاء في هامش الإنجيل طبعة دار الكتاب المقدس صفحة 548

(آمين) كلمة من الكلمات الآرامية الأربع التي حفظت في النص اليوناني في صيغ العهد الجديد الطقسية. إنها تؤكد على أمانة الرب وإيمان الإنسان خلافا لما كان يفعل الربانيون، كان يسوع يستهل أقواله بقوله (آمين أقول لكم) في الأناجيل الأزائية أكثر من خمسين مثلا على ذلك.. انتهى.

ويعتقد الشيعة الامامية ان عمر بن الخطاب، هو الذي زادها في الصلاة بعد قراءة الفاتحة [إرشاد القلوب ص379]. والعجب كل العجب من أهل السنة، أنهم تركوا شريعة نبيهم وأخذوا بشريعة عمر... وزادوا آمين فيها [كتاب الأربعين ص 565].

لذا قال علماؤنا: تبطل الصلاة بقول: (آمين)، وقال الشيخ الطوسي: سواء كان ذلك سرا، أو جهرا، في آخر الحمد أو قبلها، للامام والمأموم، وعلى كل حال، وادعى الشيخان والسيد المرتضى إجماع الامامية عليه ". 

واستدل له بجملة من النصوص، كمصحح جميل عن أبي عبد الله (ع): " إذا كنت خلف إمام، فقرأ الحمد، وفرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد الله رب العالمين، ولا تقل: آمين ". ونحوه في النهي كذلك مصحح زرارة، وخبر الحلبي. وقد يشير إليه صحيح معاوية ابن وهب: " قلت لابي عبد الله (ع): أقول: آمين، إذا قال الامام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ [مستمسك العروة ج10ص591].

قال الشهيد الثاني قوله: "لا يجوز قول آمين آخر الحمد". هذا هو المشهور بل كاد يكون إجماعا، ومستنده النص عن أئمة الهدى (عل)، وعلل مع ذلك بأنه ليس بقرآن ولا دعاء وإنما هو اسم للدعاء أعني: اللهم استجب، والاسم غير المسمى، فلو قال بدله اللهم استجب لم يضر. ولا فرق في البطلان بين وقوعه آخر الحمد أو غيره من حالات الصلاة كالقنوت. كل ذلك مع عدم التقية..[مسالك الأفهام ج1ص211].

وقد استدل العامة ببعض الأحاديث على مشروعية (التأمـين) ولا تخلوا من عـلل :

مثل حديـث على بن أبي طالب قال : "سمعـت رسول الله إذا قال : ولا الضالين قال : آمين" رواه ابن ماجة ، وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال شعبة : ( ما رأيت أحداً أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى ) وقال ابن حبان : (كـان فاحش الخطأ رديء الحفظ فكثرت المناكير في روايته ) وقال الدار قطني : (كان رديء الحفظ كثير الوهم ) وقد ضعفه غير هؤلاء.

ومثل حديث ابن عمـر أن رسـول الله كان إذا قال : ولا الضالين قال آمين.. 

ومثله حديث أبي هريـرة رواهما الدار قطني وفيهما بحر السقا قال البخاري : ( ليس هو عندهم بقوى يحدث عن قتادة بحديث لا أصل له من حديثه ولا يتابع عليه ) وقال النسائي : ( ليس بثقة ولا يكتب حديثه ) وقـال ابن حبان : (كان ممن فحـش خطؤه وكثر وهمه حتى استحـق التـرك ) وقال السعدي : ( سـاقـط ) وقال ابن معـين : ( ليس بشيء ) وقال أبو حاتم : (ضعيف ) وقال أبو داود والدار قطني : ( متروك ) .

ومثل حديث بلال قال: "يا رسول الله لا تسبقني بآمين"رواه أبو داود.

وهذا الحديث مرسل والمرسل من قسم الضعيف عند الجمهور وقد قال الحاكم في الأحكام قيل : ( أن أبا عثمان - وهو الراوي لهذا الحديث عن بلال لم يدرك بلالاً ) 

ومثل حديث أم الحصين أنها صلَّت خلف رسول الله فلما قال : ولا الضالين قال : " آمين " فسمعته وهي في صف النساء . رواه الطبراني .

وهذا الحديث ضعيف ففي إسناده "إسماعيل بن مسلم المكي" قال أبو زرعه : ( ضعيف الحديث ) وقال أبو حاتم : ( ضعيف الحديث مخلـط ) وقال البخاري : ( تركه يحيى وابن مهدي وتركه ابن المبارك وربما ذكـره ) وقال ابن حبان : ( كان فصيحا وهو ضعيف يروي المناكير عن المشاهير ويقلب الأسانيد ) .

ومثل رواية الزُّهـري كـان رسول الله يقول: "آمين". 

وهذه الرواية معضلة وهي تدخل في باب الضعيف فلا تقوم بها حجة.

وقد اختلف القائلون بمشروعية التأمين فقيل: هو للمقتدي والإمام كليهما، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما.

وقيل : هو للمقتدي فقط، وإليه ذهب أبو حنيفة في رواية الحسن ومالك في رواية ابن القاسم وهذا كله في الجهرية وروى عن مالك : لا يؤمن الإمام مطلقا. 

واختلفوا هل المشروع فيه الجهر أو الإخفاء ؟ .

فذهب إلى الأول الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق ونسبه القاضي حسين إلى الشافعي في الجديد وذهب إلى الثاني أبو حنيفة ومالك وفي رواية عنه.

المقال رداً على سؤال: سؤال: متى زيد كلمة (آمين) بعد الفاتحة في الصلاة؟
2023/11/21

لماذا ينصح القرآن الكريم النبي وهو معصوم؟!
القرآن الكريم طرح عصمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من آية، وأهم تلك الآيات والتي فيها الكفاية قوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ).

[اشترك]

ولكن كيف نوفّق بين عصمة النبي وبين آيات أخرى توجه له النصائح كقوله تعالى: «يا أيُّها النبيُّ لم تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْواجِكَ»؟

إجابة مفصّلة مع سماحة السيد علي أبو الحسن في الفيديو.. نتابع:

2023/11/07

لماذا يذكر الشيعة علي بن أبي طالب في الأذان؟
إنّ الشيعة الإماميّة لم يذكروا أنّ من فصول الأذان الأصلية «أشهد أنّ علياً ولي الله»، وليس من فصول الإقامة الأصلية، ولكن توجد هناك روايات ذكرها المجلسي وقال بعدها: «لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان».

[اشترك]

وذكر في كتاب الإحتجاج للطبرسي، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا قال أحدكم لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، فليقل علي أمير المؤمنين».

وعليه، فقد ذكر آخرون بأنّه لا بأس بذكر «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» لا على سبيل الجزئيّة في الأذان والإقامة، عملاً بالخبر المذكور.

فمن ذكر من علمائنا أنّ «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» مستحبّة في الأذان، فهو كالصلاة على محمّد صلّى الله عليه وآله عند سماع اسمه، بل قال صاحب الجواهر : «ولولا تسالم الأصحاب ـ على فصول الأذان والإقامة ـ ، لأمكن دعوى الجزئية ـ للشهادة الثالثة ـ؛ بناءً على صلاحيّة العموم، ـ يشير إلى خبر الإحتجاج ـ لمشروعيّة الخصوصيّة » [ راجع جواهر الكلام : ج ۹ / ۸۷ ].

فالخلاصة: إنّ شيوخ الطائفة المتقدّمين والمتأخّرين على استحباب ذكرها، لا مع أنّها جزء من الأذان والإقامة. نعم من يقولها على أنّها جزء من أصل الأذان والإقامة فهو باطل وغير صحيح.

وأقول: إذا سمعت «الله اكبر»، فتقول أنت الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، أو يقول المؤذّن ذلك، فهل هذا بدعة وحرام إذا لم يكن جزء من الأذان؟!

وإذا قلت «أشهد أنّ محمّداً رسول الله»، تقول أنت أو المؤذّن شهد بذلك لحمي ودمي وعظمي وشعري. فهل هذا حرام أو مبطل للأذان أو الإقامة؟

طبعاً الجواب منفي، أو نقول صلّى الله عليه وآله، فهل هذا بعد الشهادة بالرسالة حرام أو بدعة ؟!!

طبعاً الجواب منفي، وإذا لم يكن بدعة وحرام ، فالشيعة تقول بعد ذكر الرسالة « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » ، أو « أشهد أنّ عليّاً وأبناءه المعصومين بالحقّ حجج الله » ، فهو أمر مستحب بعد الرسالة وليس من أجزاء الأذان أو الأقامة على فتوى جميع علماء الشيعة الإماميّة حسب تتبّعه. ولم يقل من علماء الشيعة الإماميّة أحد بإستحباب تركها بعد ذكر الرسالة، مع عدم قصد جزئيّتها.

2023/10/10

هل تسلّط الشيطان على الأنبياء؟!
أبلغ القرآن الكريم الشيطان بصراحة ألا سبيل لك على عبادي الحقيقيين، في الوقت الذي تسلط فيه الشيطان على آدم (عليه السلام) واحتال عليه! برغم أنّه من أصفياء الله فضلا عن كونه من عباد الله الواقعيين، فمن نال مقام «صفي الله» مرّ بالعبودية الواقعية جزماً؟ الجواب من سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:

ما أكده الله تعالى للشيطان هو عدم تمكنه من إغواء وتضليل عباده الواقعيين، فلا يزين لهم الأعمال المحرمة و القبيحة و يزيغهم من جادة الإيمان و الطاعة إلى طريق الكفر والمعصية.

وما صدر من النبي آدم في الجنة لم يكن عملا شيطانياً حتى يقال تسلط عليه الشيطان، بل لم يكن سوى ترك الأولى.

كل شخص يفتح نوافذ قلبه أمام الشيطان بملء رغبته وإلا لا يتمكن الشيطان اجتياز هذه الحدود بدون تصريح منا، ومن البديهي أن لا يمنحه الأنبياء هكذا تصريح.

بعبارة أوضح: المراد من تسلط الشيطان تسخير قلب الانسان من جراء ضعف إيمانه وتساهله، وبالنتيجة يعبد له الطريق لارتكاب الذنب، و لم يتسلط الشيطان على روح الأنبياء بهذا الشكل أبداً، و إن أكل آدم (عليه السلام) من الشجرة المحظورة عليه بترغيب الشيطان فقد ترك الأولى لا أنّه ارتكب المحرم.

وقد بين فطاحل علماء الشيعة عصمة الأنبياء بالأدلة العقلية، فللاطلاع المعمق على سيرة آدم (عليه السلام) و أدلة عصمة الأنبياء ارجعوا الى كتاب «القادة العظام».

2023/10/09

كم عدد الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن الكريم؟
کم نبي ورد اسمه في القرآن الكريم وما هي أسماؤهم؟ الجواب من سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:

ورد اسم خمسة وعشرين نبي في کتاب الله المجيد فضلا عن نبي الاسلام محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وأسماؤهم کالتالي:

آدم، إبراهيم، إدريس، إسحاق، إسماعيل، الياس، أيوب، داود، ذوالكفل، زکريا، سليمان، شعيب، صالح، عزير، عيسى، لوط، موسى، نوح، هارون، هود، اليسع، يحيى، يعقوب، يوسف و يونس (عليهم السلام).

2023/10/09

كرامات وعادات خارقة لغير المؤمن.. حقيقة أم أوهام؟!
قدم علماء الكلام تصنيفات متعدد للظواهر الخارقة للعادة، وقد اعتمدوا في ذلك على السياقات الظرفية والتاريخية المصاحبة لتلك الظواهر، ويبدو أن دافع هذه التصنيفات هو السؤال عن إمكانية ظهور هذه الظواهر الخارقة للعادة على أيدي غير الصالحين؟


فمضافاً للمعجزة التي أجمع المتكلمون على حصرها في الأنبياء تحدثوا أيضاً عن ظواهر خارقة للعادة قد تظهر لأسباب أخرى وهي على النحو التالي:


1. الكرامة: وهي حدوث أمر خارق للعادة على أيدي الأولياء والصالحين، فالله قد يظهر على أيدي أوليائه أموراً خارقة للعادة لحِكمة تستوجب ذلك، يقول السيّد محسن الأمين: "إنّ فضائل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكراماتهم، لا يشكّ فيها أحد، ولكنّ كثيراً من الكرامات التي تنقل على ألسنة النّاس هي مكذوبة، لأنَّ الكرامة لا تأتي عفواً أو متى شاءها الإنسان، وعلى يد كلّ أحد، ومع كلّ مناسبة، وإنما تكون عند موجب قويّ يقتضيها" [رحلات السيّد محسن الأمين، ص 145].
2. الإرهاص: وهو ظهور أمور خارقة للعادة على يد النبي قبل بعثته بهدف تهيئة الناس لقبول دعوته، وقد روي في ذلك الكثير عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) مثل الغمامة التي كانت تظلله في سفرة إلى الشام مع عمه أبي طالب.
3. الإهانة أو المعجزة المقلوبة: وهي أمور خارقة للعادة يجريها الله على ايدي مدعي النبوة كذباً بغية الكشف عن كذبهم، ومثال على ذلك ما حدث مع مسيلمة عندما أخبروه بأن النبي بصق في بئرٍ جافّ فخرج الماء، فذهب مسيلمة إلى بئر فيه ماء قليل فبصق فيه فجفّ، فمع أنه امر خارق للعادة إلا أنّه جاء بالشكل الذي يعاكس دعواه.
4. المغوثة أو المعونة أو الإعانة: وهو أمر خارق للعادة يظهره الله لمصلحة شخص غير صالح بهدف تبرئته من تهمة باطلة منسوبة إليه، وفي ذلك يقول عبد القاهر البغدادي الأشعري: «إن أظهر الله له (يقصد للفاسق) علامةً تدلّ على صدقه وبراءة ساحته مما يُقذف به، جاز ذلك وسمّيناها حينئذ مغوثة (معونة). فالمعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء والمغوثات (المعونات) لسائر العباد»
الاستدراج: وهو أن يجري الله الأمر الخارق للعادة على يد غير الصالح بقصد استدراجه، وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ)، ويفهم من ذلك أن مجرد ظهور الأمر الخارق للعادة ليس كافياً للحكم بصلاح وإيمان صاحبه.
وبناءً على هذا التقسيم نفهم أن الكرامة هي امر خارق للعادة يجريه الله تعالى على ايدي الأولياء الصالحين دون غيرهم، فمجرد ظهور الأمر الخارق للعادة لا يكون دليلاً على أن صاحبه من أولياء الله الصالحين، وإنما يجب توفر مجموعة من الشروط والقرائين الأخرى التي تدل على أنه فعلاً من أولياء الله الصالحين حتى نحكم بأن الامر الخارق الذي صدر منه هو كرامة له.
قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا..) فأولياء الله بحسب هذه الآية يجب أن يتصفوا بالإيمان والتقوى ثم تأتي بعد ذلك البشرى لهم في الحياة الدنيا، والكرامة واحدة من تلك البشريات.
وفي المحصلة إذا صدر خارق العادة من شخص فإن صَدَقَ عليه عنوان الوليّ من خلال العنصرين المشار إليهما في الآية، فهي كرامة، وإلا فليست كرامة، بل ربما تكون استدراجاً؛ لأنّ المفروض أنّ الكرامة قد أُخذ في تعريفها صدورها من الوليّ الصالح. ويُنقل عن الشافعي قوله: «إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغترّوا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة».

هامش: المقال رداً على سؤال: ما هو تفسيركم للكرامات والعادات الخارقة التي تحدث لدى بعض الأشخاص مع عدم انتمائهم إلى الإسلام؟

2023/09/23

لماذا لم يجعل الله الأئمة (ع) أكثر من 12 إماماً؟!
لماذا جعلَ اللهُ الشهورَ اثني عشر شهراً فقال تعالى في كتابه: «إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله» التوبة، 36 ؟

لماذا بعثَ اللهُ اثني عشر نقيباً في بني إسرائيل، فقال تعالى: (وبعثنا منهم اثني عشرَ نقيباً) المائدة، 12 ؟

لماذا ركّزَ اللهُ عزّ وجلّ على الرقم اثني عشر في قرآنه فقال مثلا : (فانفجرت منه اثنتا عشرةَ عينا) البقرة،٦٠ ، وقال تعالى : (وقطّعناهم اثنتي عشرةَ أسباطاً) الأعراف ، ١٦٠ ؟

لماذا جعلَ اللهُ الصلوات خمسا؟ لماذا جعل فريضة الصبح ركعتين والظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث؟

لماذا جعل اللهُ الصيام شهراً لا أقلّ ولا أكثر ؟ لماذا جعل واجبَ الحجّ مرةً في العمر ؟

لا نعلمُ السرَّ في الجوابِ على هذه الأسئلةِ المتقدمة والتي هي جوابٌ نقضي للسؤال.

لكن قد يقال في جواب السائل: إنها حكمةُ اللهِ عزّ وجل، فالرسالةُ الإسلامية تحتاجُ إلى مدّةٍ لا تقلّ عن مئتي سنة لتترسّخَ قيمها، وفترة التشريع الإسلامي في مدرسة أهل البيت عليهم السلام امتدت حتى سنة 329هـ وهي سنةُ غيابِ الإمام المهدي عليه السلام الغيبة الكبرى، وفي هذا المدّةِ عاش الأئمةُ الإثنا عشر وقاموا بدورهم في تبليغ الإسلام بصورتهِ الأصيلة لأتباعهم وجعلوا قواعدَ لكيفية التعامل مع النصوصِ الشرعية وسائر معارف الدين، هذا بالرغم من التضييقِ والتشديدِ والمراقبة، فهذه المدّةُ احتاجت إلى اثني عشر إماماً ليكتمل بيان الدين، ولا يكتملُ تطبيقهُ إلا بظهور الحجة عليه السلام، وبيان الحكم الواقعي وإقامة دولة العدل في أرجاء المعمورة.

فلو قلّ العددُ عن اثني عشر لكان هناك نقصٌ في البيان، ولو زاد العددُ لاختلّ الميزان ولكان ذاك خلاف الحكمةِ الإلهية في ابتلاء الناس، فهم عليهم السلام البابُ المبتلى به الناس.

هامش: المقال رداً على سؤال: لماذا الله سبحانه وتعالى جعل الأئمة عليهم السلام اثني عشر ولم يجعلهم أقل أو اكثر؟
2023/08/29