أطفالنا وأطفال الحسين (ع)

الى القائد الذي وضع خده على خد ولده ووضعه على خد عبد اسود، فلم يفرق بينهما. الى الغيور الذي رمى الماء من يده ولم يشرب منه وكبده كجمر الغضا من فرط العطش، حين قال له أحدهم أن حريمه قد هتكت". الى الرؤوم الذي بلغ أن قال لحصانه، وهو على ذلك الحال من العطش " أنت عطشان وأنا عطشان لا أشرب حتى تشرب". الى الابيّ الذي قال لجحافل اعدائه وهو وحيد " لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد". الى البطل الاسطوري الذي صرخ في مسامع التاريخ بأعظم "لا" قيلت لطاغية. الى المثال الاروع في المسامحة والصفح حيث يعفى عن الحر بن يزيد بعد ان جعجع بهم الطريق وكان السبب في دفعهم لمواجهة جيش جرار. الى المثال الذي لانظير له في الوفاء وفناء الاخ بأخيه. الى النموذج النسوي الخالد زينب، وهي تحمل ما ينوء به افذاذ الرجال. الى الاصحاب الذي ودّ واحدهم لو قطّع جسده الف مرة دون سيدهم. الى اطفال صغار بأعمارهم ولكنهم عمالقة بأفعالهم حين رفضوا الماء ترفعا وكبرياء. الى كل هذا المزيج من الخصال السامية والفضائل الفذة يسير السائرون حين يسيروا الى كربلاء، فكربلاء هي ثورة عبرت بأحداثها وجزئياتها عن حركة تمثل رسالة الهية ترسم للمجتمع الانساني صورته الفاضلة. وهذا ما يجعل علاقة الانسان بالطف علاقة استلهام وتشذيب للنفس وشدّ الى الافق العالي.

إن هذه الحقيقة، التي لا تنفك تتردد على السنة الواعظين المخلصين للإسلام والحسين عليه السلام والانسانية، والتي تجعل من الطف ثنائية مكونة من الشخوص والاحداث والمواقف من جهة والقيم والابعاد الاخلاقية والتربوية من جهة اخرى، هذه الحقيقة تشكل فيها مسألة الاجيال نقطة هامة للغاية، وهذه النقطة تقودنا الى فكرة لابد من الالتفات اليها بعناية وهي ان ما يتعلق بخلود الحسين عليه كذكرى عاطرة وشعائر تخلد الشخوص والاحداث والمواقف باقية بفعل يد غيبية تحفظ الرسالة الهية فتحفظ الثورة التي مثلتها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( الحجر9) ، فيبقى جانب الاستلهام وتفعيل قيم الطف على ارض الواقع بطبيعة الحال مهمة موكولة لاتباع اهل البيت عليهم السلام ممن ينتمون الى الحسين عليه السلام وحادثة كربلاء.

هؤلاء هم المسؤولون عن ديمومة التعلم والاستلهام من معاني الطف وما أبدعته من صور خالدة. فيجب ان تكون الشعائر الحسينية مدرسة للحاضر وللمستقبل ايضا، للجيل الحالي وللاجيال المتعاقبة على مدى التاريخ

ولا شك ان عملية الاتصال بالجيل القادم تنشأ من خلال الاطفال الذين سيشكلونه مع تقادم الايام، او الاطفال هم حلقة الوصل بين جيلين من اتباع اهل البيت ع، وعليه فإن عملية انتقال الاستلهام والاخذ بقيم كربلاء يجب ان تمر من الرجال البالغين الذين حملوا الحسين ع طقسا يؤدونه ومعنى يعيشونه في قلوبهم وسلوكهم الى الاطفال الذين يوصلونه الى رجال الجيل القادم كي يعيشوه طقسا ومعنى.

الطفل الحسيني حين نزجه في محافل عاشوراء فيقدم الخدمات ويبذل ما وسعه ان يبذله من خدمة الزائر ويحضر المجالس وينعى الامام الحسين عليه السلام، فيحفظ بذلك الطقوس والشعائر الى الجيل القادم، يجب ان نزرع فيه ايضا القيم والتربية الحسينية، فيحتفي سلوكه وروحه بالمعاني السامية التي عكستها ثورة الطف. يجب ـ في الوقت نفسه ـ ان نجعله يتشرب المفاهيم النبيلة التي جاءت هذه القيم لتخلدها في نفوس البشر.

ان اطفالنا، حين نتمكن من ان نجعلهم كأطفال الطف، بإبائهم وكرامتهم ونبلهم، حين رفضوا ما قدم اهل الكوفة لهم ـ وهم العطشى والجياع ـ وحين تحملوا قساوة السبي بكل قوة وايمان.

يجب ان نركز على الاطفال ونحن نعمل على اقامة الشعائر، إن نجعلهم طلابا حقيقين في مدرسة الطف، فمثلا يجب على الخطيب ان يخصص من أحاديثه شيئا موجها لهم.. كلام يمس الاطفال بأسلوب يفهمونه وبإرشاد يدلهم وينمي فيهم قيم الطف الفاضلة.. على الاب، وهو يحث ابناءه على الخدمة في المواكب وبذل الطعام والشراب، يجب ان يبيّن لهم لماذا هذا الثواب العظيم الذي وعد به الله الذين ينهضون بهذه الخدمة.

لو استطعنا ان نجعل اطفالنا يستلهمون هذا المثل الخالد من اطفال الحسين عليه السلام سيكونون حتما رجالا كرجال الطف، فتخلد بذلك معاني ثورة الحسين عليه السلام كشعلة لها تأثيرها في النفوس.