عاشوراء والأربعين

خفايا الطفّ: لماذا لم يهاجم الإمام الحسين وجيشه دفعة واحدة؟!
لماذا لم يُهاجِم الإمام الحسين وأصحابه هجوماً مُوحَّداً، دفعةً واحدةً، بل كانوا رضوان الله عليهم يتقدمون للمعركة واحداً تلو آخر؟ على خلاف ما كانت عليه معارك رسول الله، والإمام علي ، أريد جوابا مقنعاً - إذا تكرمتم -؟

الجواب من سماحة آية الله السيد منير الخباز:

إن الثابت تاريخياً أن هناك فرقا بين الهجوم والمنازلة، ففي حال الهجوم يقوم الجيش الغازي بالهجوم دفعة واحدة، ويقوم القوم بالنفر دفعة واحدة للدفاع عن أنفسهم، وأما في المنازلة؛ فيتقابل الطرفان وتبدأ المنازلة ببروز الأبطال واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، لا دفعةً واحدةً، إلا إذا حصل هياج في طرفٍ، فإنه ينقضُّ على الآخر بكل جيشه، وقد اختار معسكر الحسين المواجهة بفن المنازلة، فلم يبرزوا دفعة واحدة، بل برز الأنصار أولاً، اثنين اثنين، وثلاثةً ثلاثةً، ثم جاء دور بني هاشم ثانياً بنفس الطريقة، ثم جاء دور العباس والحسين  في نزال واحد، ثم صار الحسين  وحده في القتال، والأسباب في ذلك: -

أولًا: لأنَّ الطريقة المتعارفة لفن المنازلة في المعارك عند العرب بهذه الطريقة، فحتى لو أراد طرفٌ أن يُغيِّر الطريقة فإن الطرف الآخر يرغمه على العود لما هو المنهج المتعارف في النزال.

وثانياً: لكي يستفيد المقاتل اللاحق من تجربة السابق، فيتابع قتاله وهذا لا يحصل بالقتال دفعةً واحدةً.

وثالثاً: لأنَّ المقاتلين لو برزوا دفعةً واحدةً سهل القضاء عليهم بأسرع وقتٍ، إذ ينقضُّ عليهم الجيش كلُّه، وهو أكثر عدداً وسلاحا، فيحاصرهم ويُودي بهم جميعاً في مدةٍ قصيرةٍ.

ورابعاً: إذا برز المقاتل وحده، أو معه شخصٌ، أمكن لغيره ممن يراقب القتال أن يُعِينَه عند الضرورة بسلاحٍ، أو بقتالٍ معه، أو دفع خطرٍ عنه، وهذا لا يحصل لو برز الجميع دفعةً واحدةً.

وخامساً: اختار العرب هذه الطريقة في النزال؛ لِيَتبيَّن شجاعة كلِّ شخصٍ، وتميُّزه على غيره في فن القتال، إذ لا يمكن معرفة تميُّز المقاتل ضمن القتال العام وفوضى المعركة، وإنما يتبين ذلك بقتاله وحده، وأيضا لأجل أنَّ المعركة إذا بدأت بمُقاتلٍ عنيفٍ، وبشكلٍ تدريجيٍّ، وترتَّب على قتاله كثرة عدد القتلى في صفوف العدو؛ فإن ذلك يوجب إرهاباً نفسياً للعدو، فيتراجع عن القتال، فلا حاجة بعد ذلك لقتال الباقين، بخلاف ما لو بذل المعسكر كل قوته مرة واحدة، فإن خسارته تكون أكثر ولا يمكنه التاثير على نفسية العدو.

وسادساً: أراد معسكر الحسين  أن يعلِّم المعسكر الآخر درساً إيمانياً في الفداء والإيثار، فبدأ بأصغر الأنصار فداءً للكبار منهم، ثم بكبار الأنصار فداءً للعترة النبوية، ثم بشباب بني هاشمٍ فداءً للكبار منهم، ثم بالكبار منهم فداءً للحسين ، فلو برزوا مرةً واحدةً لم يتحقق التسلسل الذي يعطي درساً في الفداء والإيثار.

وسابعاً: أراد الحسين  أن يكون له موقف مع أغلب الأنصار، بأن يقف عند توديع كل مقاتل، أو على جنازته مؤبناً أو مادحاً له، ليكون ذلك إكراماً لأنصاره، وتثميناً لمواقفهم البطولية، وتخليداً لهم في الأجيال الآتية، وهذا لا يتحقق لو برزوا صفاً واحداً، كما أراد الأنصار أيضا؛ أن يكون لكلِّ واحدٍ منهم تاريخٌ في الفداء العلوي للمبادئ، فيكون للمقاتل رجزٌ شعريٌّ خاصٌّ ينشده عند قتاله، أو خطبةٌ في المعركة يُظهِر من خلالها فداءه للدين، وصموده في هذا الطريق، وكل ذلك لتعليم الأمة الإسلامية أهمية فداء المبادئ والقيم.

2023/07/26
البكاء على الحسين (ع) أداء لحق الإمام المهدي (ع)
ذُكر أن بالبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) مما يُتقرّب به إلى الله تعالى، وأداء لحق الإمام المهدي وباقي الأئمة عليهم السلام، إذ ورد في كتاب مكيال المكارم للميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٣٨١  ما نصه:

البكاء في مصيبة مولانا الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين: لأنه مما يحصل به أداء حق الإمام، ولا ريب أن أداء حقه من أعظم ما يتقرب به إليه وأهمه.

- وبيان ذلك: إنه قد روى الشيخ الثقة الأجل جعفر بن محمد بن قولويه القمي (رضي الله عنه) في كتاب كامل الزيارات (1) بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، في حديث طويل في فضل البكاء على الحسين (عليه السلام)، قال: وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ووصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدى حقنا، وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكين على جدي فإنه يحشر وعيناه قريرة، والبشارة تلقاه والسرور على وجهه، والخلق في الفزع، وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيأبون، ويختارون مجلسه وحديثه، وإن الحور لترسل إليهم: إنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين، فما يرفعون رؤوسهم، إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة، الحديث.

والدليل على ما ذكرناه أن قوله (عليه السلام): وأدى حقنا، يفيد أن البكاء على الحسين (عليه السلام) أداء حق صاحب الأمر وسائر الأئمة سلام الله عليهم أجمعين، ولعل السر في ذلك أن تسلية المؤمنين أخلاف من مضى منهم تكريم وتعظيم لهم، وتودد إليهم، ومساعدة معهم بالشركة في مصيبتهم وهذه الجملة من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض فإن للمؤمن إذا مضى لسبيله آدابا، أمر الشرع بمراعاتها وهي صنفان صنف يؤدى به حق الميت وهو تشييعه، وزيارة قبره، والاستغفار له والتصدق عنه، والصلاة عليه وذكره بالخير، وأمثالها، وصنف يؤدى به حق الأحياء الباقين بعده، وهو زيارتهم، وتعزيتهم والدعاء لهم وموافقتهم في الحزن والمصيبة، وبعث الطعام إليهم، وأمثالها مما هو صلة لهم، وإحسان إليهم. ولا ريب في أن حق الإمام في ذلك أعظم من سائر الأنام. فإذا بكى المؤمن في مصيبة مولانا المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أدى حق الإمام الباقي بعده في تلك الواقعة الفاجعة، لأنه موافقة له.

الهوامش: ١ - كامل الزيارات: ١٨ باب 26. المصدر: مكيال المكارم
2023/07/25
هل دُفن أصحاب الإمام الحسين (ع) في حفرة واحدة؟
عند زيارة قبور الشهداء في ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، كيف يمكن لمكان صغير مثل ذلك أنْ يسع أكثر من سبعين قبراً؟ وهناك روايات تقول إنْ النساء اللواتي عُدْنَ من السبي، جلست كل واحدة منهن على قبر فقيدها وكذلك نساء الأصحاب؟

الجواب من اللجنة العلمية في شعبة البحوث والدراسات:

مما لا شك فيه أنّ أصحاب الحسين (عليه السلام) قد استشهدوا ودفنوا في كربلاء.

وأنّ الذي دفنهم هو الإمام السجاد (عليه السلام) بمعونة بنو أسد.

أ-قال الشيخ المفيد في حديثه عن كيفية دفن الشهداء: ((... وحفروا - بنو أسد - للشهداء من أهل بيته وأصحابه - الذين صُرعوا حوله - مما يلي رجلي الحسين (عليه السلام) وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً))1 .

وقال أيضاً: ((ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولاً بالغاضرية2، إلى الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فصلوا عليهم ودفنوا الحسين (عليهم السلام) حيث قبره الآن، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله.

وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه - الذين صُرعوا حوله - مما يلي رجلي الحسين (عليه السلام) وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً. ودفنوا العباس بن علي (عليهما السلام) في موضعه الذي قُتل فيه على طريق الغاضرّية حيث قبره الآن ))3 .

وقال الشيخ المفيد في موضع آخر: (.. وهم (شهداء بني هاشم) كلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين (عليه السلام) في مشهده، حُفِرَ لهم حفيرة وأُلقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب، إلا العباس بن علي (عليهما السلام) فإنّه دُفن في موضع مقتله على المسناة4، بطريق الغاضرّية، وقبره ظاهر، وليس لقبور أخوته وأهله الذين سمّيناهم أثر، وإنمّا يزورهم الزائر من عند قبر الحسين (عليه السلام)، ويومئ إلى الأرض التي نحو رجليه بالسلام عليهم، وعلى علي بن الحسين (عليهما السلام) في جملتهم، ويُقال إنّه أقربهم دفناً إلى الحسين (عليه السلام). (فأما أصحاب الحسين (عليه السلام) رحمة الله عليهم، الذين قُتلوا معه، فإنهم دُفنوا حوله، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل، إلا أنا لانشك أنّ الحائر محيط بهم. رضي الله عنهم وأرضاهم، وأسكنهم جنات النعيم ))5  .

ب-قال المسعودي: ((. . . ودفن أهل الغاضرية - وهم قوم من بني عامر، من بني أسد - الحسين وأصحابه بعد قتلهم بيوم ))6  .

واضح من النصوص المتقدّمة كبر مساحة دفنهم (رضوان الله عليهم).

ويبقى الإشكال: أنّ الحفرة الصغيرة لا تتناسب مع العدد الكبير، إذ أنّ عددهم أكثر من سبعين شهيداً، فهل يتناسب مع تلك الحفرة الصغيرة؟

وجوابه: إنّ أصحاب الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، وأنصاره الذين استشهدوا معه في كربلاء في يوم عاشوراء دفاعاً عن الدين الإسلامي وقيمه، دُفنوا بمقربة من قبر الإمام الحسين (عليه السلام) حيث ضريحهم الآن، لكن مدفن الشهداء جميعاً ليس داخل الضريح المُخصص بالشهداء، بل أنّ أجسادهم الطاهرة مدفونة في تلك البقعة وما حولها مما يلي ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، فلذلك فإن العلماء العارفين والمطلعين يتحاشون العبور من تلك البقعة المباركة احتراما لأولئك الشهداء الكرام.

فالحفرة الصغيرة التي نذهب إليها لا يمكن أنْ تحوي جميع الشهداء، وإنما هي عبارة عن معلمٍ واضحٍ، ويمكن من خلاله زيارة جميع الشهداء، ولو أُفرِد جميع الشهداء بقبور معلومة، لصعبت علينا زيارة مولانا الإمام الحسين (عليه السلام).

قد يُقال: ولكن هناك روايات تقول إنّ النساء اللواتي عُدْنَ من السبي، جلست كل واحدة منهن على قبر فقيدها وكذلك نساء الأصحاب.

جوابه: نعم إنّ ذلك حصل في حينه، قبل أنْ تُبنى قبورهم بهذا الشكل المنظّم، فلذا لا منافاة في ذلك.

الخلاصة:

لا منافاة بين صغر الحفر وعدد الشهداء، إذ أنّ الشبّاك الموجود الآن لا يحصر وجودهم، بل هو فقط بعضهم أكيداً.

الهوامش:   1- الارشاد: 243.   2- الغاضرية: قرية على الفرات منسوبة إلى غاضرة قبيلة من بني أسد.   3- المصدر نفسه.   4- المسناة: حائط يبنى على طرف الماء، ويبدو أن المراد هنا المنبسط الرملي المحاذي لضفة النهر.   5- المصدر السابق.   6- مروج الذهب: 3 / 72.
2023/07/24
حكم يخفي لوعة.. هل يفتي الفقهاء بجواز صيام يوم عاشوراء؟
يفتي فقهاؤنا القدماء باستحباب صيام يوم عاشوراء، ومقصودهم(رضوان الله عليهم) من الصيام هو الإمساك على ما فسّره بعض الأعلام - كالشهيد الثاني رحمه الله -، حتى صار الفقهاء المعاصرون اليوم يفرّقون صراحة بين الصيام وبين الإمساك، وأنّ المستحب ليس الصيام بل الإمساك الذي ينتهي وقته العصر قبل الغروب.

قال السيد الخوئي(رحمه الله): إن أنهاه [الصيام في عاشوراء] إلى الغروب فهو مكروه، ولكنّه مندوب أن يفطر ساعة العصر قبل الغروب.(صراط النجاة سؤال،409)، كذا السيد السيستاني(دام ظلّه) ينصّ على أنّ ثواب الصيام في عاشوراء يتمثّل بالامساك حزناً الى ما بعد صلاة العصر ثمّ الافطار آنذاك بشربة من الماء.

مثل هذا الصوم لا يصدق عليه حدّ الصوم شرعاً، بل هو مندرج فيما يصطلح عليه بصوم التأديب، وهو الإمساك عن المفطرات في بعض النهار تشبّها بالصائمين، وصوم التأديب ثابت في سبعة مواطن: في المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر، والمريض إذا بريء، والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، و الكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه.

وعليه، فالأظهر أنّ صوم يوم عاشوراء من هذا القبيل، لقول الصادق (عليه السلام): صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولاتجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء..(انظر-مفاتيح الشرائع،ج1ص284)، فإنّ من تأمّل قوله (عليه السلام)، وبضميمة قول جدّه (صلّى الله عليه وآله): لا صيام لمن لم يبيّت الصيام، وأيضاً بضميمة إجماع المسلمين على أنّ الصوم المشروع إفطاره غروب الشمس، علم أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أراد بقوله أعلاه بيان فساد هذا الصوم بأحلى عبارة، وبأحسن مسالك الفصاحة، فهو من قبيل قول الشعبي لمن سأله عن الصلاة خلف الحائك: يجوز من غير وضوء.(ينظر- وقاية الأذهان للإصفهاني، ص382).

الأمر واضح إذن، وزبدته هو وجود رجحان شرعي للإمساك يوم عاشوراء إلى ما قبل المغرب، حزناً على سيد الشهداء، إلا أنّ المحزن في هذا الحكم  أنّه يخفي علينا لوعة، ويقبع ورائه حزناً دائماً لا ينقضي، وسيظهر ذلك جليّاً حين نعرف سبب الحكم، وإن شئتَ قل: حين نعرف وجه الاستحباب والحِكمة منه، وهو ما صرّحت به الرواية ذاتها التي اعتمدها الفقهاء وعمل بها وأفتوا على طبقها، ودونك الرواية، وهي رواية عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله(عليه السلام) قال: 

دخلتُ عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا ابن رسول الله(صلى اللّٰه عليه وآله) ممّ بكاؤك لا أبكى الله عينيك؟

فقال لي: أوَ في غفلة أنت؟! أما علمتَ أنّ الحسين ابن علي(عليهما السلام)أُصيب في مثل هذا اليوم؟!

فقلت: يا سيدي، فما قولك في صومه؟

فقال لي: صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله (صلى اللّٰه عليه وآله) وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم، يعزّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصرعهم، ولو كان في الدنيا يومئذ حياً لكان (صلوات الله عليه) هو المعزّي بهم، قال: وبكى أبو عبد الله (عليه السلام) حتى اخضلّتْ لحيتُه بدموعه..(مصباح المتهجّد،782).

أقول: بعد أيام سيأتينا يوم عاشوراء، وسيعمل المؤمنون بهذا المندوب إن شاء الله تعالى، ولكن عليهم أن يعرفوا خلفياته وما يحكيه من لوعة وحزن وأسى لا ينتهي، عليهم أن يستحضروا ذلك وقت العصر: وقت انجلاء الهيجاء عن سبايا الحسين، وانكشاف الملحمة عن آل محمد!، وإنّا لله وإنّنا إليه راجعون.

2023/07/24
واقعة كربلاء وإشكاليّة إلقاء النفس في التهلكة!
قال الفقيه العظيم، والمحدّث الجليل: الشيخ يوسف البحراني(ت1186هـ)، صاحب الحدائق الناضرة (رحمة الله تعالى عليه) ما نصّه:

قد كثُر السؤال من جملة من الأخلّاء الأعلام، والأجلّاء الكرام، عن الوجه في رضا الأئمَّة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وإعطائهم بأيديهم لما أوقعه بهم مخالفوهم من القتل بالسيف أو السم ، حيث إنّهم عالمون بذلك؛ لما استفاضت به الأخبار من أنّ الإمام (عليه ‌السلام)  يعلم انقضاء أجله ، وأنّه هل يموت حتف أنفه أو بالقتل أو بالسم؟ وحينئذ ، فقبوله ذلك وعدم تحرزه من الامتناع ، يستلزم الإلقاء باليد إلى التهلكة ، مع أنّ الإلقاء باليد إلى التهلكة محرّم نصاً؛ قرآنا وسنّة!!

وقد أكثر المسؤولون من الأجوبة في هذا الباب ، بل ربما أطنبوا فيه أي إطناب ، بوجوه لا يخلو أكثرها من الإيراد، ولا تنطبق على المقصود والمراد.

وحيث إنّ بعض الإخوان العظام، والخلان الكرام، سألني عن ذلك في هذه الأيّام، رأيتُ أن أكتب في المقام ما استفدته من أخبارهم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فأقول وبه سبحانه الثقة لإدراك المأمول، وبلوغ كلّ مسؤول:

يجب أن يعلم :

أولا : أن التحليل والتحريم أحكام توقيفية من الشارع عزّ شأنه ، فما وافق أمره ورضاه فهو حلال، وما خالفهما فهو حرام، وليس للعقل ـ فضلا عن الوهم ـ مسرح في ذلك المقام.

وثانيا : أن مجرد الإلقاء باليد إلى التهلكة على إطلاقه غير محرم وإن أشعر ظاهر الآية بذلك ، إلّا إنه يجب تقييده وتخصيصه بما قام الدليل على جوازه ، وذلك فإن الجهاد متضمّن للإلقاء باليد إلى التهلكة مع أنه واجب نصاً وإجماعاً، وكذلك الدفاع عن النفس والأهل والمال. ومثله أيضا وجوب الإعطاء باليد إلى القصاص وإقامة الحد عليه متى استوجبه.

وثالثا : أنّهم ـ صلوات الله عليهم ـ في جميع أحوالهم وما يتعلق بمبدئهم وحالهم يجرون على ما اختارته لهم الأقدار السبحانية ورضيته لهم الاقضية الربانية ، فكل ما علموا أنه مختار لهم تعالى بالنسبة إليهم وإن اشتمل على غاية الضرر والبؤس ترشفوه ولو ببذل المهج والنفوس.

إذا تقرّرت هذه المقدمات الثلاث، فنقول : إنّ رضاهم (صلوات الله عليهم) بما ينزل بهم من القتل بالسيف والسم، وكذا ما يقع بهم من الهوان على أيدي أعدائهم والظلم مع كونهم عالمين به وقادرين على دفعه ، إنما هو لما علموه من كونه مرضيا له سبحانه وتعالى ، ومختارا له بالنسبة إليهم ، وموجبا للقرب من حضرة قدسه والجلوس على بساط انسه.

وحينئذ ، فلا يكون من قبيل الإلقاء باليد الّذي حرمته الآية ؛ إذ هو ما اقترن بالنهي من الشارع نهي تحريم ، وهذا مما علم رضاه به واختياره له فهو على النقيض من ذلك ، ألا ترى أنه ربما نزل بهم شي‌ء من تلك المحذورات قبل الوقت المعدود والأجل المحدود ، فلا يصل إليهم منه شي‌ء من الضرر ، ولا يتعقبه المحذور والخطر؟ فربما امتنعوا منه ظاهرا ، وربما احتجبوا منه باطنا ، وربما دعوا الله سبحانه في رفعه فيرفعه عنهم؛ وذلك لما علموا أنه غير مراد له سبحانه في حقهم ولا مقدر لهم.

وبالجملة، فإنهم (صلوات الله عليهم) يدورون مدار ما علموه من الأقضية والأقدار ، وما اختاره لهم القادر المختار.(الدّرر النجفيّة من الملتقطات اليُوسفيّة،ج1،ص409،ت: دار المصطفى لإحياء التراث).

2023/07/23
الغاية مما وقع على سيد الشهداء!
في الخبر الصحيح بل المتفق على صحّته: سنداً ودلالةً: قال حمران للإمام الباقر(عليه السلام): جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (عليه‌ السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟

فقال أبو جعفر (عليه ‌السلام) يا حمران إن الله تبارك وتعالى:

 قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه  على سبيل الاختيار، ثمّ أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله قام علي والحسن والحسين وبعلم صمت من صمت منا.

ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عزّ وجلّ أن يدفع عنهم ذلك وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم؛ إذاً لأجابهم، ودفع ذلك عنهم، ثمّ كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم، انقطع فتبدد.

وما كان ذلك الذي أصابهم -يا حمران- لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.(الكافي-1/262).

قلتُ: وفي صحيحة أخرى قد ذكرتُها بطولها أعلاه، عن الإمام الصادق عليه السلام :إنّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب؛ ليأجرهم عليها من غير ذنب.(الكافي2/450).

ومن ثمّ فهذه من القواعد المقرّرة في محلّها، وهي أنّ المصائب: عقوبة للعصاة، ورفع درجة وكرامة للأولياء والصالحين؛ لذا حين أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) أمّ سلمة بمقتل سيد الشهداء وقالت له: سل الله أن يدفع ذلك عنه!، فردّ عليها(صلى الله عليه وآله) : 

قد فعلتُ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ: أنّ له درجة، لا ينالها أحد من المخلوقين...وفي آخر خاطب الإمام الحسين(عليه السلام): إنّ لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة.

2023/07/23
أعظم خصيصة في سيد الشهداء!
كتب العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) يقول: كلّما ارتفعت درجة أحد في هذه الدنيا ومرتبته عند الله تعالى، كان بلاؤه أعظم، وابتلاؤه أشدّ وأكثر، وإنّ أولياء الله يتمنّون هذه البلايا والشدائد، ويتضرّعون إلى الله تعالى ويدعونه دائماً يطلبون درجة الشهادة وعظم المصيبة، وإنّ الذين عرفوا معبدوهم، وأحبوه يرون في القتل في سبيله أعظم السعادات ويرون الأتعاب راحة ويرون في رضا محبوبهم في أي شيء كان غاية لذتهم، وقد سلخوا فروة رؤوس الكثير من الأنبياء وقتلوهم شرّ القتلات.

وقد ورد في الأحاديث المعتبرة أنّ أكثر الأنبياء ابتلوا بشتى أنواع الأذى والإذلال من أقوامهم، وأنّ الحق تعالى كتب ذلك على نبي آخر الزمان، وجعلها في ذريّته إكراماً له، ليرفع درجاتهم، ودرجاته، ولو دعا أكثر هؤلاء لما ردّ الله دعاءهم حتماً. ولو دعوا الله أن يطبق السماء على الأرض أو يسيخ الأرض لفعل، بيد أنّهم راضون بقضاء الله يبتغون السعادة بالشهادة.

     وقد جاءت أفواج الملائكة والجنّ لنصرته[الحسين] عليه السلام، فلم يقبل، لأنه كان يعلم أن الحقّ تعالى شاء أن ينال الدرجة الرفيعة بالشهادة، ويتمم الحجة على الخلق، ويعلم أن لو شاء الله لنصره دون الحاجة إلى نصرة الملائكة والجنّ، ولذا لم يقبل منهم، وهو يعلم أن إرسال تلك الأفواج كان لبيان عزّته وكرامته على الله تعالى، وقد روي عن لقمان أنّه سئل: لِمَ لم تقبل النبوّة؟ قال: لو شاء الله أن أكون نبياً حتماً لما خيّرني فيها!

     إنّ جميع الأنبياء والأوصياء يتمنّون منزلته(عليه السلام)، وأنّه كان يقدم على الشهادة بقلب مطمئن مسرور للقتل في المحبوب، وما كان كلامه الذي صدر منه(عليه السلام) إلا لإتمام الحجّة على أولئك الكفّار كما هو ظاهر الأخبار..(رسالة في بيان حكمة شهادة سيد الشهداء،ص29ط الأولى،1437هـ، ترجمة وتحقيق: علي السيد جمال أشرف الحسيني).

      ومن الأخبار التي تشهد على ذلك هي ما رواه الشيخ الصدوق(رحمه الله تعالى) بسند معتبر عن الإمام السجاد(صلوات الله عليه) قال:

لما اشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما ‌السلام) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم!، لأنّهم كلّما اشتد الأمر تغيّرت ألوانُهم وارتعدتْ فرائصُهم ووجبتْ قلوبُهم، وكان الحسين (عليه ‌السلام) وبعض من معه من خصائصه: تشرق ألوانهم، وتهدئ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض : انظروا، لا يبالي بالموت!

فقال لهم الحسين (عليه‌ السلام): صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة..(معاني الأخبار،ص288).

     من أجل ذلك كلّه، فإنّ أهم خصيصة، وأعظم صفة في سيد الشهداء(صلوات الله عليه) التي تتفرّع عنها سائر شمائله وصفاته؛ ما أفصح عنها بقوله الشريف(صلوات الله عليه): رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك ..هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله..!

2023/07/23
العزاء على مواقع التواصل الاجتماعي
مع اقتراب شهر محرم الحرام ونشر السواد والاعلان عن بدء العزاء في كل مكان وزمان حتى إن هذا العزاء وصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي فهناك طقوس سنوية منها تغير صورة الحساب الشخصي مع بعض النصوص الجاهزة ومشاركة أبيات العزاء والقصائد الحسينية في استقبال شهر محرم الحرام.

وهناك تطبيقات مخصصة أيضا في تصميم الرمزيات ومقاطع الفديو وهناك من يتصل مع اصدقاء الخارج ويشاركهم الحدث من كربلاء، يتهافتون في ايصال صوت الشعائر كما يقال الغيث يبدأ بخطوة والعزاء يبدأ أيضا من اعلان الحداد والمواساة إلى المشاركة في شهر محرم الحرام بعيدا عن تلك المسميات التي يطلقها البعض من محاربي الشعائر لعلها تكون مسيرة اصلاح للنفس في عالم المغريات والفساد الفكري والجسدي كما قال أحد الخطباء لا تحاربوا الشباب ويتذمرون من تغير صفاتهم في شهر محرم يلتزمون ويسارعون في الخدمة بينما يرفضهم البعض ويكون الرد أن باب الحسين (عليه السلام) مفتوح لكل مذنب وهي فرصة لإعلان التوبة والعودة كما فعلها من قبل الحر الرياحي..

كلّهم أبواب الجنان، لكنّ باب الحسين [عليه السلام] أوسع.

يقول آية الله المعظم الشيخ جعفر الشوشتري: أنّي أمعنت النظر في الوسائل المتعلّقة بالأئمّة (عليهم ‌السلام) فرأيت أجلّها فائدة، وأعظمها مثوبة، وأعمّها نفعاً، وأرفعها درجة، وأسهلها حصولاً، وأكثرها طرقاً، وأيسرها شروطاً، وأخفها مؤونة وأعمّها معونة ما يتعلّق بسيد شباب أهل الجنّة، ووالد الأئمّة السيد المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه‌ السلام ).

فرأيت له خصوصية في التوسّل إلى الله قد تفرّد بها، وامتاز في ذلك حتّى عمّن هو أفضل منه، فإنّ للتفاوت في الفضيلة مقاماً، ولوحدتهم مقاماً، نورهم وطينتهم مقام، والخصوصيات مقام آخر، فرأيت في الحسين (عليه ‌السلام) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتّصف بسببها بأنّه بالخصوص باب من أبواب الجنّة، وسفينة للنّجاة ومصباح للهدى.

فالنبي (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) والأئمّة (عليهم ‌السلام) كلّهم أبواب الجنان، لكنّ باب الحسين أوسع، وكلّهم سفن النّجاة، ولكنّ سفينة الحسين (عليه ‌السلام) مجراها في اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السّواحل المنجية أيسر، وكلّهم مصابيح الهدى، لكنّ الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع، وكلّهم كهوف حصينة، لكنّ منهاج كهف الحسين أسمح وأسهل.

فعند ذلك خاطبت النّفس وشركاءها، فقلت: هلمّوا إلى هذه الأبواب الحسينيّة، فــ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آَمِنِينَ)، وإلى مرساة هذه السّفينة الحسينيّة فــ(ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، ولتكتحل أعينكم بنور الحسين (عليه ‌السلام) الناظر إليكم، ثمّ ازدادوا شوقاً وصمّموا العزم على ذلك؛ لأنّي استشعرت من نفسي علائم الإيمان التي يئست منها، وعثرت بهذه الخصائص على الأعمال الصّالحة.

خدمة حسينية من طراز آخر

كما جاء في الحديث عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الإمام الرِّضَا (عليه السَّلام) ـ فِي حَدِيثٍ ـ أَنَّهُ قَالَ :

دخلت على الإمام الرضا (عليه السَّلام) في أول يوم من محرم فقال لي :

يا بن شبيب!.. إن بكيت على الحسين (عليه السَّلام) حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

اللهمّ اجعلنا من البكّائين على سيّد الشهداء (سلام الله عليه) .

المصدر: بشرى

 

2023/07/22
ما هي مصادر أحداث عاشوراء وكيف وصلت إلينا؟
بعض الحوادث حدودها من الزمان مدّتها فقط، فلا تشغل أكثر من خمس دقائق، مثل طعامك قبل شهر استغرق عشر دقائق، ثمّ إنّك نسيته فضلاً عن سائر الناس، ثمّ ينتهي.

نعم، لو كان فيه جهة محرّمة، كأن يكون غصباً أو حراماً، فإنّ تبعته تبقى، وأثره الوضعي يستمر، وهكذا لو كان فيه جهة خيّرة.

وهناك بعض الحوادث طبيعتها أن تبقى وتؤرّخ ؛ لما فيها من الجهة العامّة التي ترتبط بالآخرين، كما هو الحال في المعارك العقائدية والمناظرات الفكرية، بل الأحداث السّياسية.

وقضية الإمام الحسين (عليه السّلام) تحتوي على كلّ عناصر البقاء والاستمرار في التاريخ، بل في وعي الأُمّة الإسلاميّة، لذلك انتقلت بتفاصيلها الكثيرة، بمواقف أبطالها، وكلمات شجعانها، ورجز مُقاتليها من جهة، وانتقلت بعمق مأساتها، بجروح الضرب والتنكيل، والسّلب والتشهير، وبغربة النساء، وبلوعة الأطفال واليتامى. انتقلت من الأفئدة المكلومة والعيون الباكية إلى صدور الناقلين، ثمّ إلى كتب التاريخ.

ولقد حاول الكثيرون تزييف الحادثة، أو إسدال ستار النسيان على أحداثها، لكنهم خابوا ؛ فما زالت أحداث الواقعة حيّة ساخنة، وكأنّها قد حدثت ليوم خلا.

ويتعجّب الناظر إلى تلك التفاصيل الدقيقة التي ترصد كلّ حركة وكلمة، فمَنْ يا ترى الذي نقل كلّ هذه التفاصيل؟ وما هي مصادرها؟ ويمكن أن نوجز مصادر الواقعة فيما يلي:

  المصدر الأول: التأريخ العام

مثل: تاريخ الطبري، وابن الأثير، والمسعودي وغيرهم , فقد اعتمد هؤلاء المتأخرون على المؤرّخ المعروف لوط أبو مخنف الأزدي، بل قد يمكن القول: إنّ ما جاء في الطبري هو خلاصة لما كتبه أبو مخنف المذكور، وكان في ذلك أكثر من جهة فائدة، فقد فُقد كتاب مقتل الحسين للأزدي وتمّ استخراج ما نقله عنه الطبري بوصفه المقتل، بينما لم يكن كلّ المقتل وما جرى فيه، وهو يروي عن مَنْ شهد الواقعة كحميد بن مسلم بواسطة , والضحّاك المشرقي.

  المصدر الثاني: شهود عيان كانوا في المعسكر الأموي

فإنّ بعضهم كان بمثابة المؤرّخ والناقل للأخبار، مثل:

  ألف: حميد بن مسلم

الذي نقل كثير من أحداث الواقعة.

 باء: كعب بن جابر

الذي لمّا قتل برير بن خضير، عتبت عليه زوجته وقالت أنّها لن تكلّمه، فقال أبياتاً منها:

ولم ترَ عيني مثلـهم في زمــانهم

ولا قبلـهم في الناسِ إذ أنا يافعُ

أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ مَنْ يحمي الذمارَ مقارعُ

 جيم: شخص شهد الواقعة

والذي قال: (ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة، أو الاستيلاء على الملك. فلو كففنا عنها رويداً لأتت على العسكر بكامله، فما كنّا فاعلين لا أُمَّ لك) (راجع ذوب النضار في الأخذ بالثار ـ لابن نما الحلي / 9).

 دال: مثل هلال بن نافع

القائل: (كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه، وقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستسقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه) (راجع مقتل الحسين ـ للمقرّم / 282).

 هاء: هانيء بن ثبيت الحضرمي

القائل: (إنّي لواقف عاشر عشرة لمّا صُرع الحسين، إذ نظرت إلى غلام فأقبل عليه رجل يركض بفرسه حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه وعلاه بالسيف فقتله).

ومثل مسروق بن وائل الحضرمي القائل: (كنت أوّل الخيل ؛ لعلّي أُصيب رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد، فلمّا رأيت ما صُنع بابن حوزة علمت أنّ لأهل هذا البيت حرمة ؛ فتركت القتال) (المصدر السابق / 231).

المصدر الثالث: شهود عيان كانوا ضمن معسكر الحسين عليه السّلام

وهم ما بين ناجٍ من وقعة كربلاء أو أسير قد عفي عنه أو تملص من الواقعة بنحو معين، وهؤلاء قد نقلوا الكثير من أحداث الواقعة، لأنهم أو بعضهم قد رافق الإمام الحسين عليه السلام منذ خروجه من مكة إلى ساعة انتهاء المعركة، مثل كل من:

 ألف: الضحّاك بن عبد الله المشرقي

القائل: (لمّا رأيت أصحاب الحسين عليه السّلام قد أُصيبوا، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبقَ معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا بن رسول الله، قد علمت ما كان بيني وبينك، قلت لك: أُقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً، فإذا لم أرَ فأنا في حلّ من الانصراف، فقلت لي: نعم. قال: فقال: صدقت، وكيف لك بالنجاة ؟! فان قدرت على ذلك فأنت في حلّ.

قال: فأقبلت إلى فرسي، وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تُعقر، أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أُقاتل معهم راجلاً، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين ــ عليه السّلام ــ رجلين، وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين ــ عليه السّلام ــ يومئذ مراراً: لا تشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك ــ صلّى الله عليه وآله ــ.

فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثمّ استويت على متنها، ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفرجوا لي، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتّى انتهيت إلى شفية، قرية قريبة من شاطئ الفرات، فلمّا لحقوني عطفت عليهم، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي، وأيوب بن مشرح الخيواني، وقيس بن عبد الله الصائدي، فقالوا: هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمّنا، ننشدكم الله لما كففتم عنه.

فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله، لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم. قال: فلمّا تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال: فنجّاني الله).

ومع أن الضحاك لم يحظ بشرف الشهادة بين يدي الحسين عليه السلام ، وفاته هذا التوفيق العظيم إلا أن بقاءه نفع في نقل تفاصيل الواقعة وتفاصيل أحداث ما جرى في المخيم.

باء: عقبة بن سمعان مولى الرباب

الذي صحب الحسين عليه السّلام من المدينة إلى مكة، ومنها إلى العراق، والذي وقع في الأسر فعفا عنه عمر بن سعد ولم يقتله لأنه تحجج بكونه عبد للرباب زوجة الإمام الحسين ولم يكن مختارا في الحضور إلى المعركة، وهو الذي قال: (صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس). (راجع تاريخ الطبري ج4 ص313).

جيم: المرقع بن ثمامة الأسدي

الذي أُسر فاستأمنه قومه فنفاه ابن زياد إلى الزارة، والحسن بن الحسن المثنّى الذي قاتل إلى جانب عمّه الحسين عليه السّلام حتّى قتل سبعة عشر من الأعداء ثمّ قُطعت يده، وأخذه أسماء بن خارجة الفزاري لأنّ أُمّه فزارية.

المصدر الرابع: أئمّة أهل البيت عليهم السّلام

فالإمام السجّاد استفاد من جميع الفرص بما هو غير خافٍ , والإمام الصادق في تشجيعه للراثين والرثاء، وعن طريق نقل الأخبار فقد صلّى ركعتين في الحنّانة، وقال: (هاهنا وضِع رأس الحسين عندما أُخذ للكوفة).

وعندما شبّت النار في الأخبية نقل موضوع حرق الخيام، وتأتيه جارية بطفل في أثناء الرثاء فيذكّر بمصاب الطفل الرضيع.

المصدر الخامس: الزيارات التي صدرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ألف: مثل الزيارة المنسوبة للناحية المقدّسة

والتي تعرضت في تفصيل جميل لمقدمات الثورة، ووضع المجتمع الإسلامي في تلك الفترة، والدوافع التي حرّكت الإمام الحسين عليه السّلام للثورة، وكيف كان مسير المعركة، وأخيراً فيها تفصيل للمقتل ممّا صار على ألسنة الخطباء نصّاً ثابتاً: (... فلمّا رأوك ثابت الجأش، غير خائف ولا خاشٍ، نصبوا لك غوائل مكرهم، وقاتلوك بكيدهم وشرّهم، وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء ووروده، وناجزوك القتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسّهام والنبال، وبسطوا إليك أكفّ الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقبوا فيك آثاماً في قتلهم أولياءك، ونهبهم رحالك، وأنت مقدم في الهبوات، ومحتمل للأذيات، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات.

وأحدقوا بك من كلّ الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبقَ لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذبّ عن نسوتك وأولادك حتّى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً تطؤوك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطّغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينُك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفيّاً إلى رحلك وبيتك، وقد شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك، وأسرع فرسك شارداً، وإلى خيامك قاصداً، محمحماً باكياً.

فلما رأينَ النساء جوادك مخزيّاً، ونظرنَ سرجك عليه ملويّاً، برزنَ من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، وإلى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك، مولغ سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورُفع على القنا رأسك، وسُبي أهلك كالعبيد، وصُفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات، يُساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يُطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق ؛ لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السّنن والأحكام، وهدموا قواعد الإيمان، وحرّفوا آيات القرآن، وهملجوا في البغي والعدوان...). (راجع كتاب المزار للمشهدي ص503).

باء: وزيارة الإمام الحجّة للحسين عليهما السّلام، والتي فيها أسماء الشهداء مع الحسين عليه السّلام مع أسماء قاتليهم. وتوجد زيارات كثيرة في المضمون نفسه تعلم بالتتبع.

والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سادة الأنام محمد وأهل بيته الأطهار.

2023/07/22
هل تؤثّر المجالس الحسينية على الأطفال؟!
الطفل في الصغر يكون في مرحلة امتصاص المعلومات حيث يتقبل كل شيء وينمو عليه وسوف تُكوّن هذه المعلومات حياته المستقبلية.

ربما يظن البعض إن الطفل لا يعرف ولا يعي أي شيء ولكن تعمل حواسه بشكل كبير ودقيق جداً لذلك على الوالدين الاهتمام بالطفل وبما يرى ويسمع منذ البداية وفي جميع مراحل نموّه، هناك روايات كثيرة تحثّ على تعليم الطفل والاهتمام به منذ الصغر حيث يعدّ كأرضٍ خالية جاهزة للزرع فماذا تزرع فيها أيها الأب وأيتها الأم؟

كثير من الآباء يهتمون بالجانب المادي ويقومون بتلبية احتياجات الطفل وهناك من يهتم ويخطط للجانب التعليمي ويحرص أن يدخل الطفل إلى المدارس الجيدة كي ينمو الطفل في أجواء تعليمية هادفة ويكون ذا مستقبل ساطع، وهناك من يهتم بالجانب الروحي والديني أيضاً ويأخذ بيد طفله إلى المساجد والمجالس الدينية كي ينمو الطفل في أجواء روحانية ويتعلم علوم الدين.

لاشك إن الفيوضات الإلهية في المجالس الدينية ذات فائدة كبيرة وذات تأثير عظيم على النفوس فشتان بين من ينمو في مجالس الترف واللهو ويترسخ في دماغه حب الماديات واللهو والغناء وبين من ينهل من مجالس دينية ويتعلم علوم اهل البيت منذ الصغر.

فهذه المجالس ستحدد مصير الطفل في المستقبل إن كانت مجالس الخير فسوف يتعلم الخير والتقوى وروح الإنسانية وإن كانت مجالس الترف سوف يتعلم اللهو واللعب والرقص ولا يهمه سوى نفسه واشباع رغباته.

الطفل الذي يحضر المجالس الحسينية سوف يتأدب بأدب أهل البيت عليهم السلام ويتعلم علومهم منذ نعومة أظفاره، الطفل الذي يحضر المجالس الحسينية سوف يتعلم الحب والوفاء لأن لديه أسوة حسنة وهم أطفال عظماء حضروا واقعة الطف وكان لهم دور كبير في بناء التاريخ في تلك الواقعة.

الطفل الذي ينمو في هذه المجالس سوف يكون بارعاً في أداء مهامه يكون ذا أخلاق حسنة وقيم راسخة بناءً على ما سمع من المواقف البطولية من واقعة الطف وما رأى من تصرفات كخدمة الحسين السامية سيتعلم أن يكون إنساناً رساليا ذو أهداف سامية لا يعيش هباءً ولا يتحرك يميناً وشمالاً دون هدف.

سيعيش حراً لا يقبل بظلم الظلمة ويرفع رأسه شامخاً ويهتف لبيك ياحسين، إذن جردّوا الأطفال عن القفص الإلكتروني وخذوا بأيديهم إلى بحر الجمال ليغترفوا الوفاء والحب من تلك الأقمار المنيرة والشموس الطالعة لأن في كل سطر من سطور عاشوراء ألف ألف نصيحة إرشادية عملت بها وفي كل كلمة حكاية جميلة عن الإنسانية وكيفية التعامل مع الآخرين.

إنها مجالس الذكر، مجالس احياء القلوب، في الرواية المأثورة عن الإمام الرضا عليه السلام: "من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب". (ميزان الحكمة، ح 2394).

المصدر: بشرى
2023/07/21
جواب كل سؤال في قضية «عاشوراء»!
إنّ الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام بثورته الخالدة ونهضته النابعة من صميم الإسلام المحمّدي الأصيل فضح المنافقين على مرّ العصور والأحقاب ، وعلى اختلاف مشاربهم وأصناف حيلهم وخدعهم بمن فيهم خلفاء الجور وطغاة بني اُميّة الذين بالغوا واجتهدوا لإعادة العرب إلى أيّام الجاهليّة الاُولى.

كما أبان بتضحياته وسبي عياله مواقف علماء السوء الذين خدموا السلطات الجائرة ، كما أوضح زيف أشباه الزهّاد والذين تستّروا ببعض الطقوس الظاهريّة وتركوا أهمّ الفرائض الدينيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما فضح خطّ النفاق على طول التاريخ للذين يتّخذون الثورة وسيلةً لبلوغ

مآربهم الدنيويّة من الفساد والإفساد والأطماع والملاذّ واتّباع الأهواء.

إنّ الإمام الحسين عليه السلام بثورته الخالدة ، أوغل في عمق الزمان حتّى هيمن عليه ، فكان كلّ يوم عاشوراء، وتوغّل في آفاق المكان حتّى أحاط بالكائنات ، فكان كلّ أرض كربلاء، وما ذلك إلّا لأنّ الحسين أبو عبد الله نهض لله سبحانه ، وقام بإحياء دينه بدمه ومهجته وبسبي عياله ، فرعاه الله وأمدّه في اُفقي الزمان والمكان ، وجعله مصباح هدىً لمن استنار بنوره ، واستضاء بضوئه ، واهتدى بهداه ، وسفينة نجاة من الضلال والذنوب والذمائم لمن ركب فيها، ولا تزال سفينته السريعة والوسيعة تخبّ بحار التاريخ لينجو بها كلّ غريق ، ويجيب نداؤه المدوّي في ضمير الإنسانيّة «هل من ناصرٍ ينصرنا» كلّ من يريد أن يعيش بحرّيّة وسلام ، فإنّ فرصة الالتحاق به متاحة لكلّ من أراد النجاة والحياة الطيّبة والعيش السعيد.

ففي كلّ يوم وفي كلّ عام في أيّام محرّم الحرام يلتحق بالحسين عليه السلام أعداد هائلة من البشريّة ولسان حالهم يقول : لبّيك يا داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك واستنصارك ، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري وكلّ وجودي وما أملك في الحياة .

فالحسين رمز وعنوان وميزان في العقيدة والسلوك والعمل ، قام لله لا أشرآ ولا بطرآ ولا مفسدآ ولا ظالمآ، ودعى إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة على سيرة جدّه وأبيه ، ونصر دينه بدمه وأهل بيته وأصحابه ، مصلحآ مجاهدآ آمرآ بالمعروف وناهيآ عن المنكر، ليقيم الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ليست قضيّة الحسين أنّه قتل وقتل أصحابه وأهل بيته ، وسبي عياله وأطفاله

وحسب ، بل إنّما القضيّة أعمق من ذلك ، فإنّ الحسين عليه السلام إنّما قام لله من أجل العدالة والحرّيّة وإعلاء كلمة الإسلام ، وإحياء كتابه وسنّة نبيّه ، في ظروف حلكة وقاسية ، أحاطها الركود الاجتماعي ، واللامبالاة الجماعيّة ، والفساد الأخلاقي والمالي والثقافي والديني من ظهور البدع والأباطيل والضلال وإماتة حدود الكتاب والسنّة .

فالثورة الحسينيّة التراث الإلهي والنوري الذي يرجع إليه الثائرون والأحرار على طول التاريخ بما تحمل من عقيدة وإيديولوجيّة صحيحة وواضحة ، وسلوك عملي يمارس في النضال والجهاد يترجم تلك العقيدة السليمة ، والخطّة الدقيقة المرسومة بحكمة وحِنكة ، والاعتماد على النضال المقدّس والعنف المشروع .

فالصراع في عاشوراء الحسين صراع بين الحقّ والباطل ، بين القيم الإنسانيّة العليا وبين قيم الجاهليّة الاُولى .

فالحقّ آنذاك قد طمس نوره ، وتغيّرت معالمه ، فلا بدّ من ثورة مباركة قدسيّة تزهق الباطل وعوالمه ، وتبعث الروح الإسلاميّة والإنسانيّة من جديد، ولتبقى شعلة وهّاجة وشمس مضيئة للأجيال والثوّار على امتداد التاريخ .

وكلّ واحد في كلّ زمان ومكان تخطر على باله أسئلة مصيريّة وخطيرة ، فمن أنا؟ ومن الذي أوجدني ووهبني ما أنا فيه من النّعم ؟ من الذي مهّد لنا الأرض ، وسخّر لنا ما في السماوات والأرض ؟ وماذا بعد هذه الدنيا؟ وإلى أين تسير بنا الأقدار؟ فإلى أين نذهب ؟ وماذا يراد منّا؟ ومثل هذه الأسئلة تثير في الوجدان الإنساني أن يبحث عن حقيقته وعن مسيره في الحياة ، وأن يعيش في

متنها، لا في الهوامش .

وتجد جواب الأسئلة كلّها في قضيّة عاشوراء، فإنّها مدرسة حيّة خالدة ، ينبع منها عيون العلوم والمعارف ، ويتلألأ منها الحضارات والمدنيّات التي تسودها العدالة ونور الحقّ وضياء الحقائق والمعرفة.

2023/07/21
شعار يا لثارات الحسين.. هل المقصود به «الثأر الدمويّ»؟!
إن الروايات في المقام على صنفين: الصنف الأول: ما ورد من أهمية هذا الشعار وعظمته عند خروج القائم «عجل الله فرجه»، ومن هذه الروايات:

١- ما ورد في «أمالي الصدوق، ص129»: ”حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا  فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ - فَقَالَ لِي يَا ابْنَ شَبِيبٍ أَصَائِمٌ أَنْتَ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَعَا فِيهِ زَكَرِيَّا  رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ فَقَالَ‏ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَنَادَتْ زَكَرِيَّا وهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى‏ فَمَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ كَمَا اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا  ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا مَضَى يُحَرِّمُونَ فِيهِ الظُّلْمَ والْقِتَالَ لِحُرْمَتِهِ فَمَا عَرَفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ حُرْمَةَ شَهْرِهَا ولَا حُرْمَةَ نَبِيِّهَا  لَقَدْ قَتَلُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ ذُرِّيَّتَهُ وسَبَوْا نِسَاءَهُ وانْتَهَبُوا ثَقَلَهُ فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ أَبَداً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ وقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ ولَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ ولَقَدْ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِنَصْرِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ إِلَى أَنْ يَقُومَ الْقَائِمُ فَيَكُونُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ وشِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ شَبِيبٍ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ  أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ جَدِّي ص مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وتُرَاباً أَحْمَرَ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَيْنِ  حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ولَا ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ الْحُسَيْنَ  يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ الْغُرَفَ الْمَبْنِيَّةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ وآلِهِ  فَالْعَنْ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ لَكَ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا لِمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ الْحُسَيْنِ  فَقُلْ مَتَى مَا ذَكَرْتَهُ‏ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وافْرَحْ لِفَرَحِنَا وعَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَوَلَّى حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ“.

وهي صحيحة السند؛ لترضي الصدوق على ماجيلويه مرارًا.

٢- ما ورد في «بحار الأنوار، ط - بيروت، ج‏52، ص307»: وبِالْإِسْنَادِ يَرْفَعُهُ إِلَى الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ‏ لَهُ كَنْزٌ بِالطَّالَقَانِ مَا هُوَ بِذَهَبٍ ولَا فِضَّةٍ ورَايَةٌ لَمْ تُنْشَرْ مُنْذُ طُوِيَتْ ورِجَالٌ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ لَا يَشُوبُهَا شَكٌّ فِي ذَاتِ اللَّهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ لَوْ حَمَلُوا عَلَى الْجِبَالِ لَأَزَالُوهَا لَا يَقْصِدُونَ بِرَايَاتِهِمْ بَلْدَةً إِلَّا خَرَّبُوهَا كَأَنَّ عَلَى خُيُولِهِمُ الْعِقْبَانَ يَتَمَسَّحُونَ بِسَرْجِ الْإِمَامِ  يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ويَحُفُّونَ بِهِ يَقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي الْحُرُوبِ ويَكْفُونَهُ مَا يُرِيدُ فِيهِمْ رِجَالٌ لَا يَنَامُونَ اللَّيْلَ لَهُمْ دَوِيٌّ فِي صَلَاتِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ يَبِيتُونَ قِيَاماً عَلَى أَطْرَافِهِمْ ويُصْبِحُونَ عَلَى خُيُولِهِمْ رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ لُيُوثٌ بِالنَّهَارِ هُمْ أَطْوَعُ لَهُ مِنَ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا كَالْمَصَابِيحِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمُ الْقَنَادِيلُ وهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ مُشْفِقُونَ يَدْعُونَ بِالشَّهَادَةِ ويَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ شِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ‏ الْحُسَيْنِ‏ إِذَا سَارُوا يَسِيرُ الرُّعْبُ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يَمْشُونَ إِلَى الْمَوْلَى إِرْسَالًا بِهِمْ يَنْصُرُ اللَّهُ إِمَامَ الْحَقِّ.

٣- ما ورد في «مصباح الزائر، للسيد ابن طاووس، ص254»: والْغَائِبِ عَنِ الْعُيُونِ والْحَاضِرِ فِي الْأَفْكَارِ بَقِيَّةِ الْأَخْيَارِ الْوَارِثِ ذَا الْفَقَارِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ذِي الْأَسْتَارِ ويُنَادِي بِشِعَارِ يَا ثَارَاتِ‏ الْحُسَيْنِ‏ أَنَا الطَّالِبُ بِالْأَوْتَارِ أَنَا قَاصِمُ كُلِّ جَبَّارٍ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ ابْنُ الْحَسَنِ عَلَيْهِ وآلِهِ أَفْضَلُ السَّلَامِ اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ واجْعَلْنَا مِنْ أَنْصَارِهِ وأَعْوَانِهِ الذَّابِّينَ عَنْهُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ والْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وتَقَبَّلْ مِنَّا الْأَعْمَالَ وبَلِّغْنَا بِرَحْمَتِكَ جَمِيعَ الْآمَالِ وأَفْسَحَ الْآجَالِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الرِّضَا والْعَفْوَ عَمَّا مَضَى والتَّوْفِيقَ لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى ثُمَّ تُقَبِّلُ التُّرْبَةَ وتَنْصَرِفُ مَغْبُوطاً إِنْ شَاءَ اللَّه‏.

وقد جاء هذا المقطع في ضمن زيارة جامعة ذكرها العلامة المجلسي في البحار من غير إسنادها للمعصوم قائلًا: ”الزِّيَارَةُ التَّاسِعَةُ ذَكَرَهَا السَّيِّدُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ قَالَ: تَقِفُ عَلَى ضَرِيحِ الْإِمَامِ الْمَزُورِ صَلَوَاتُ عَلَيْهِ“... إلخ.

الصنف الثاني: ما ورد التصريح فيه بقتل الإمام «عج» لقتلة الحسين (ع) وذريتهم الراضين بأفعالهم، ومن هذه الروايات:

١- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا  يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ  أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ قَتَلَ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ  بِفِعَالِ آبَائِهَا فَقَالَ هُوَ كَذَلِكَ فَقُلْتُ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ مَا مَعْنَاهُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ لَكِنَّ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ يَرْضَوْنَ أَفْعَالَ آبَائِهِمْ ويَفْتَخِرُونَ بِهَا ومَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ ولَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي الْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي الْمَغْرِبِ لَكَانَ الرَّاضِي عِنْدَ اللَّهِ شَرِيكَ الْقَاتِلِ وإِنَّمَا يَقْتُلُهُمُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لِرِضَاهُمْ بِفِعْلِ آبَائِهِمْ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ يَبْدَأُ الْقَائِمُ فِيهِمْ إِذَا قَامَ قَالَ يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ ويَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ لِأَنَّهُمْ سُرَّاقُ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.

وهي صحيحة السند.

٢- ثواب الأعمال ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ الْقَائِمُ واللَّهِ يَقْتُلُ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ بِفِعَالِ آبَائِهَا.

٣- عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ أَوْلَادُ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ .

 

٤- وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  فِي قَوْلِهِ تَعَالَى - ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً قَالَ ذَلِكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ يَخْرُجُ فَيَقْتُلُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ  فَلَوْ قَتَلَ أَهْلَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مُسْرِفاً وقَوْلُهُ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ لِيَصْنَعَ شَيْئاً يَكُونُ سَرَفاً ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ  يَقْتُلُ واللَّهِ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ  بِفَعَالِ آبَائِهَا.

٥- ثواب الأعمال ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ الْقَائِمُ واللَّهِ يَقْتُلُ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ بِفِعَالِ آبَائِهَا.

٦- تفسير العياشي عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا قَالَ: قُلْتُ فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ لَا يَعْتَدِي اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى نَسْلِ وُلْدِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ .

وبعد ملاحظة هذه الروايات الشريفة، يتبين أنَّ ثأر سيد الشهداء الحسين ليس ثأرًا دمويًا؛ إذ ليس الهدف منه هو القتل في نفسه، وليس ثأرًا انتقاميًا كما يفعل المجتمع العشائري، وإنما هو ثأر إلهي، حيث يقوم المهدي «عج» بقتل القتلة ومن كان راضيًا بأفعالهم منتهجًا سننهم كما ذكرت بعض الروايات السابقة، وتصفية السراق كما في بعضها الآخر؛ والهدف من كل ذلك تطهير الأرض من أهل الجور تمهيدًا لإقامة الحق ودحض الباطل وتحقيق أهداف نهضة الحسين ، ولذلك عبرت الزيارة الشريفة عن ثأر الحسين  بأنه «ثأر الله»، فقالت: ”السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره والوتر الموتور“.

2023/07/19
كيف نستثمر موسم عاشوراء في تربية أطفالنا؟
عندما يطل شهر محرم الحرام وشهر صفر بأحزانه و دموعه، ويبعث في القلوب تلك الشرارة العاطفية التي توقد شعلة العقل والفكر بأهداف نهضة الامام الحسين عليه السلام، والتي هي نهضة الاسلام و امتداد النبوة المحمدية.

فـ(الحسين مني و أنا من حسين) ليست مقولة عاطفية تعبر عن محبة الجد لسبطه بل هي إشراقة الحسين في ضمير الأجيال، فالحسين يحيي الصلاة والحجاب والصدق وبر الوالدين، بأسلوب يفوق أسلوب الأهل لسنوات من التربية والتنشئة الدينية، وفي موسم الأربعين الحسيني تستطيع الأسر المؤمنة أن تحصد من القيم والفضائل والأخلاق والالتزام الديني لدى أبنائها بأضعاف ما تحصده في غيره من أيام السنة، فيغدو هذا الفصل محطة عبادية إيمانية تربوية لا نظير لها، وليس فقط محطة ثورية مخضبة بالدماء الزكية.

تتميز أيام شهر محرم وشهر صفر أنها تبث العِبرة من خلال العَبرة، لتنشئ جيلا حسينيا من أبنائنا وبناتنا، الذين سرعان ما يتحمسون للمشاركة في مراسم العزاء، سواء من خلال لبس السواد وحضورهم المجالس أو المشاركة في المسيرات أو اللطميات وأداء الزيارة أو إعداد الطعام، وكل ما ذكرناه من مراسم يتفاعل معها الكبير والصغير باندفاع وحماس كبيرين، في مشهد رائع من الاندفاع الذاتي الذي يشكل بحد ذاته عاملا أساسيا في التأثير التربوي، فكم نصرف من الجهد في إيجاد الدافع والحافز لدى أبنائنا في الممارسات العبادية أو الالتزامات الاخلاقية؟ ولكن في هذا الموسم المبارك سترى ولدك يستيقظ باكرا ليؤدي المراسم وليتواجد مع زملائه في مجموعات تؤدي الصلاة وتقرأ الأدعية والزيارات وتقيم المجالس وتقوم بترتيب وتنظيف الأماكن لتهيئتها لإقامة الشعائر الحسينية وتنتظم في صفوف مرتبة ما كنت لتراها لولا هذا العشق الحسيني الذي يفعل فعله في النفوس والعقول !!!

نستثمر هذا الموسم الكربلائي الحافل بالعطاء، بما يعود بالمنفعة التربوية والاخلاقية والسلوكية على أبنائنا، فربط الصلاة بالأمام الحسين من أكثر الوسائل نفعا في تحفيز الأبناء على الالتزام بالصلاة و إقامتها بكمالها في وقتها والمشاركة في صلاة الجماعة، فالثورة الحسينية قامت للحفاظ على هذه الصلاة والإمام (ع) صلى صلاة الظهر بأصحابه قبل شهادته المباركة رغم الرماح و السهام التي كانت تتساقط على مخيم الإمام الحسين (ع).

وكذلك يحاول بعض الأطفال إبراز مواهبهم فتراهم تارة يقلدون قارئ عزاء وتارة يرفعون أصواتهم بالندبيات وأحيانا يرتقون ما يشبه (المنبر) لقراءة السيرة الحسينية، من المناسب جدا تحفيزهم و مواكبتهم في هذه الممارسات وأخذها على محمل الجد، فلعل الله تعالى قدّر له أن يكون خادما حسينيا فهل تبخلون على الإمام (ع) بخدمته عبر أبنائكم؟ طبعا القارئ الحسيني يحتاج إلى إعداد و تأهيل من هذه المرحلة.

وأيضا أن موسم عاشوراء الحسين عليه السلام هو موسم مفعم بالروحيات الإيجابية العالية فالجدير بعاشق الحسين (ع) أن يعيد حساباته بعلاقاته بأهله وذويه وأرحامه وجيرانه، ومن الرائع أن يشاهد أبناءنا هذا الاقبال الروحي و العاطفي ذو الطابع الاجتماعي، وأن نحيي بهم هذا الحس الاجتماعي في صلة الارحام والاحسان للجيران

المصدر: واحة المرأة
2023/07/19
متى يستحب رفع راية شهر المحرم الحرام؟
الوجوبُ والحُرمة، والاستحبابُ والكراهة، منَ العناوينِ الخاصّةِ بالأحكام الشرعيّة، والطريقُ لمعرفتِها هوَ النصوصُ الشرعيّةُ منَ القرآنِ والسنّة، أمّا تحديدُ موضوعاتِ الأحكامِ فهيَ مِن مُختصّاتِ المُكلّفِ إلّا ما خرجَ مِنها بدليلٍ خاصٍّ.

وعليهِ فإنَّ العباداتِ تارةً تكونُ مُقيّدةً وتارةً تكونُ موسّعةً، فالصّلاةُ والحجُّ والصيامُ منَ العباداتِ المُقيّدة، حيثُ بيّنَ الشارعُ موضوعاتِها مُضافاً لبيانِ أحكامِها، أمّا الذكرُ والتسبيحُ وتلاوةُ القرآنِ والإحسانُ إلى الناسِ وبرُّ الوالدين وغيرُ ذلكَ منَ المُستحبّاتِ والواجباتِ لم يتدخَّل الشارعُ في بيانِ كيفيّةٍ خاصّةٍ بها وإنّما أوكلَ ذلكَ للمُكلّف، فيجوزُ للإنسانِ التسبيحُ وتلاوةُ القرآنِ في أيّ زمانٍ ومكان، وكذلكَ لم يرسِم الشارعُ تقاليدَ مُحدّدة ًلعنوانِ الإحسانِ أو برِّ الوالدين وإنّما جعلَ ذلكَ خاضعاً لعُرفِ العُقلاءِ والمُتشرّعةِ فكلُّ ما يرونَهُ إحساناً أو برّاً للوالدين لا يجوزُ للمُكلِّف مُخالفتُه، والشعائرُ الحُسينيّةُ مِن هذا القبيلِ حيثُ لم يُبيّن الشارعُ كيفيّةً مُعيّنةً لإحياءِ ذكرى الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) وإنّما أوكلَ ذلكَ للمُكلّفينَ، وعليهِ فإنَّ كلَ أمرٍ يتوافقُ عليهِ العقلاءُ وعُرفُ المُتشرّعةِ على أنّه مِن مصاديقِ المواساةِ يكونُ مِنها، وذلكَ لأنَّ النصوصَ لم تحصُر إقامةَ الشعائرِ في كيفيّةٍ مُحدّدةٍ وإنّما أكّدَت على استحبابِ هذهِ الشعيرةِ في عنوانِها العامّ، وبالتالي كلُّ فعلٍ يتوافقُ عليهِ العقلاءُ وعُرفُ المُتشرّعةِ على أنّه منَ المواساةِ يكونُ مُستحبّاً بوصفِه مِصداقاً لها وليسَ مُستحبّاً بوصفِه منصوصاً عليهِ منَ الشارعِ بشكلٍ خاصٍّ ومباشرٍ، فمثلاً مواكبُ العزاءِ تكونُ مُستحبّةً طالما اعتبرَها عرفُ المُتشرعةِ عنواناً للمواساةِ، وإذا تخلّى عَنها العُرفُ واستبدلَها بشيءٍ آخرَ يسقطُ عَنها الاستحبابُ ويتحوّلُ الاستحبابُ إلى ذلكَ الشيءِ الآخر، وعلى هذا النحوِ يكونُ رفعُ الرايةِ ليلةَ العاشرِ منَ المُحرّمِ منَ الشعائرِ المُستحبّةِ طالما توافقَ عليها عرفُ المُتشرّعةِ واعتبرَها بدايةَ الانطلاقِ للشعائرِ الحُسينيّة.

وفي الخُلاصةِ أيُّ شعيرةٍ مِن شعائرِ الإمامِ الحُسين تكونُ مُستحبّةً إذا اعتبرَها العُرفُ مِصداقاً للنصوصِ التي أكّدَت وندبَت على إحياءِ ذكرى الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، ولا يتوقّفُ الأمرُ على وجودِ رواياتٍ ونصوصٍ خاصّةٍ بالموردِ طالما كانَت الشعائرُ منَ العباداتِ الموسَّعةِ التي لم يُحدِّد الشارعُ موضوعاتِها.

2023/07/19
موسم حزن جديد: لماذا نقيم المجالس الحسينية؟
رغم أننا ندعو إلى تحسين و تطوير المجالس الحسينية و مراسم العزاء الحسيني و الشعائر الحسينية بكل أنواعها وفقاً لمتطلبات العصر و حاجاته و تطوراته، إلا أننا نُذكِّر بأن لإحياء و إقامة الشعائر الحسينية أهدافاً عديدة، منها:

1.التثقيف و التوعية: حيث اننا نقوم من خلال إقامة مجالس العزاء و الحزن بتجديد البيعة مع الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و تأييد ثورته، و الدعوة إلى نهجه، و بيان أهدافه و حقانيته و سيرته المباركة و تضحياته العظيمة من أجل الإسلام و المسلمين، و نتعَلُّم معالم الدين و المذهب في مدرسة الحسين ( عليه السَّلام ).

2.تخليد الثورة الحسينية: نقوم بإحياء الشعائر الحسينية حتى لا تنسى الأمة الإسلامية تلك الثورة العظيمة، و حتى لا ينسى أو يتناسى التاريخ تلك الملحمة الكبرى و النهضة المباركة و تبقى حية نابضة ما بقيت الدنيا.

3.التفاعل الفردي و الإجتماعي: و نقوم بإحياء هذه الشعائر من أجل التفاعل الفردي و الاجتماعي مع هذه النهضة المباركة و حصول حالة التأثر و الحزن، من خلال استذكار حوداثها الأليمة و الظلم الذي جرى على أبطال هذه الملحمة الكبرى، و هذا التفاعل قد يحصل للإنسان من خلال مطالعة تاريخ هذه النهضة أو سماع بعض الأشرطة، فيكون مأجوراً و مثاباً.

4.الإعلام الرسالي الهادف: حيث نقوم من خلال إقامة العزاء الحسيني و تسيير المسيرات و المواكب و غيرها من صنوف الشعائر الحسينية بعمل إعلامي فريد، إذ نقوم بتحريك الرأي العام و توحيد الصفوف و رصِّها أمام الأعداء، و من الواضح ان العمل الإعلامي يحتاج إلى التظاهر و الخروج إلى الشارع و الإستنكار و رفع الصوت بل حتى الصراخ و العويل في وجه الطغاة، حيث لا يكفي الحزن القلبي وذرف الدموع في زاوية البيت.

إذن فلا بد لنا أن نأخذ بعين الإعتبار جميع الأهداف و المقاصد، و أن نُعطي كلا منها ما تستحقه من العناية و الاهتمام، و أن نعرف بأن الهدف من إقامة الشعائر الحسينية لا ينحصر في المشاركة في المجالس و البكاء و الحزن القلبي، كما هو واضح.

2023/07/16
كيف وصلت قافلة السبايا من الشام إلى كربلاء في الـ 20 من صفر؟
المشهور والمتعارف عليه عند الشيعة إن الإمام السجاد وزينب ومن معهم من السبايا وصلوا إلى كربلاء في يوم العشرين من صفر أي بعد مرور اربعين يوماً من استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).

وقد صرح بذلك الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد حيث قال: (وفي اليوم العشرين منه -أي من صفر- كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنه من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فكان أول من زاره من الناس ويستحب زيارته عليه السلام فيه وهي زيارة الأربعين)، وقد شكك البعض في إمكانية ذلك لصعوبة الجمع بين طول المسافة وبين تحديد الوصول في العشرين من صفر، إلا أن ذلك ليس مستحيلاً فبحسب ما سجلته المصادر من تواريخ لحركة السبايا من كربلاء إلى الكوفة ومن ثم منها إلى الشام وبعدها إلى كربلاء تؤكد إمكانية ذلك، فمن الناحية التاريخية كان دخول السبايا إلى الشام في أول يوم من صفر كما رواه الكفعمي والبهائي والمحدث الكاشاني، وكان بقاؤهم في الشام خمسة أو سبعة أيام، وبالتالي فإن خمسة عشر يوما أو ثلاثة عشر يوما كافية للمسافة بين الشام وكربلاء، فبحسب المصادر التاريخية أن مدة إقامة السبايا في الكوفة كانت ثلاثة أيام، وخروج السبايا نحو الشام كان في (15) محرم، ووصولهم إليها كان في الأول من صفر، قال الشيخ عباس القمي: (قالَ الشيخ الكفعمي وشيخنا البهائيّ والمحدث الكاشاني: في أول صفر أُدخل رأس الحسين عليه السلام إلى دمشق، وهو عيد عند بني أُمية، وهو يوم تتجدد فيه الأحزان)، وحُكيَ أيضاً عن أبي ريحان في الآثار الباقية أنه قال: في اليومِ الأول من صفر أُدخل رأس الحسين عليه السلام مدينة دمشق فوضعه يزيد بين يديه ونقر ثناياه بقضيب في يديه.. الخ) وعليه يكون قد قطعوا المسافة بين الكوفة والشام في (15) يوماً، ولبثوا في الشام من (5ـ 8) أيام، وعليه يمكن العودة إلى كربلاء بحوالي (12ـ15) يوماً؛ ويكون مجموع المدة الزمنية (40) يوماً.

كما أن اللقاء الذي حصل بين جابر الانصاري والإمام زين العابدين (عليه السلام) يُثبت أن وصولهم كان يوم العشرين من صفر، وقد أكد الشيخ الجليل نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي المتوفى سنة 645 هـ في كتابه (مثير الأحزان) اللقاء بين جابر الانصاري وركب الإمام زين العابدين (عليه السلام) حيث قال: (ولما مر عيال الحسين بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله عليه وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد فتلاقوا بالحزن والاكتياب والنوح على هذا المصاب المقرح لاكباد الاحباب) وقد كانت زيارة  جابر الانصاري للإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر، وهذا ما ذكره أيضاً السيد علي بن طاووس الحلي المتوفى سنة 664 هـ في كتابه اللهوف، حيث قال: (ولما رجع نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء ووصلوا إلى المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم)، والمتيقن أن جابراً جاء إلى كربلاء في يوم الأربعين، كما فصّل ذلك في كتاب مصباح الزائر، وبشارة المصطفى.

2022/09/28
من تجمّع الأربعين المليوني: هنا يكمن الفرق بين التشيع الأصيل وغيره!
زيارة الاربعين دروس وعبر خلقت الجموع المليونية من الزائرين ومن هيأ لهم الخدمات اللازمة التي يحتاجها الزائر .. تجمعا عظيما لا نظير له.

[اشترك]

وقد اثبتت هذه التجمعات الشعبية القائمة على فطرة الايمان أن التشيع واحد وهو الأصيل، وهو التشيع الذي اسسته النصوص الدينية التي تضمنتها نصوص الكتاب العزيز والذي ميّز اهل البيت عليهم السلام عن سائر المسلمين بنزول الآيات القرآنية الكثيرة في فضلهم وعظيم شأنهم

حتى روي عن ابن عباس أن ثلث القرآن فيهم.

وأضاف اليها النبي صلى الله عليه وآله نصوصا أخرى كحديث الثقلين وحديث الأئمة اثنا عشر  وأمثالهما من نصوص نبوية شريفة أرادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان تبقى دليلا على ولاية اهل البيت عليهم السلام في الائمة الاثني عشر الذين خلفوا تراثا عظيما جمعه العلماء والرواة في الكتب المعروفة.

وقد مرت خلال هذه القرون منذ بدء الدعوة الإسلامية والى يومنا هذا أحداث وظروف طُرحت بسببها رؤى تختلف عن الصراط المستقيم الذي اوضحه النبي صلى الله عليه وآله فطُرح مشروع الزيدية والإسماعيلية وطُرح مشروع مودة اهل البيت عليهم السلام وحبهم من دون إمامة وولاية.

وفي عصورنا المتأخرة حاول البعض تقسيم التشيع الى علوي وصفوي وحاول البعض تقسيم الشيعة الى عارفين بحق أهل البيت ومقصرين في معرفتهم، كما حاول اعداء الشيعة تقسيم التشيع الى عربي وفارسي.

وكل هذه الرؤى يبدو أنها لاتلامس الواقع ولم يصح في النهاية الا الصحيح وهو أن التشيع الأصيل واحد يتجسد في الائمة الاثنا عشر وشيعتهم الذين توارثوه جيلا بعد جيل حتى وصل الينا بهذه الخصائص التي نراها اليوم في التمسك بأهل البيت عليهم السلام والعمل بما وصل الينا من توجيهاتهم وارشاداتهم.

فإن هذا التشيع وحده الذي يمتلك مقومات البقاء والديمومة والصمود وهو الذي يخلق مثل التجمعات المليونية بدون أن تتصدى جهة لإدارتها وخلقها.

 وهذا الإعجاز العظيم لا يمكن تفسيره الا بوجود رعاية إلهية تظلله فتدفع عنه الكوارث والمحن والفتن ... ولعل إلى ذلك يشير التوقيع الشريف المروي عن الامام المنتظر (واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا جللها السحاب).

الحمد لله الذي وفقنا لدينه ونسأله العصمة والسداد انه ارحم الراحمين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

2022/09/19
ما هي مسؤوليتنا تجاه الإمام الحسين (ع) في هذا العصر؟
ترك الإمام الحسين بثورته الخالدة تاريخاً مشرقاً في مسيرة الأمة الإسلامية، وتراثاً عظيماً في التضحية والإيثار والفداء من أجل الدين، وتقديم أهل بيته وأولاده وأصحابه قرابين في سبيل الله تعالى.

[اشترك]

 فلم يشهد التاريخ ثورة كثورة الإمام الحسين في أهدافها وتضحياتها ومنطلقاتها ورموزها، فهي بحق ثورة استثنائية في كل مشاهدها وصورها الدامية، ورسالتها المعبرة بكل قوة وشجاعة عن الحق والحرية والإصلاح.

والإمام الحسين قام بكل واجباته ومسؤولياته، وضحى بنفسه في سبيل الله، من أجل بقاء الدين، ومحاربة الفساد والظلم والانحراف؛ إذ نقرأ في زيارة الإمام الحسين (أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وأطعت الله حتى أتاك اليقين)

لكن السؤال المهم هو: ما هي مسؤولياتنا نحن تجاه الإمام الحسين في هذا العصر وفي كل عصر؟

للإجابة على هذا التساؤل يمكنني أن أشير إلى أبرز المسؤوليات والواجبات المهمة التي يجب علينا القيام بها تجاه الإمام الحسين وهي:

1ـ التمسك بالقيم والمبادئ:

ثار الإمام الحسين من أجل أن يبقى الدين سليماً من التحريف والتضليل الذي مارسه بنو أمية، حيث انتشر في عهد يزيد الفساد علناً، وحُرِف الدين عن أصوله وفروعه، فأراد الإمام أن يسجل بنهضته درساً عملياً للحفاظ على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، وهذا هو واجبنا أيضاً أن نتمسك بالمبادئ والقيم والمثل والأخلاق التي باتت في خطر في ظل انتشار القنوات الفضائية المنحلة، وما يقدمه الإنترنت من مواقع مخلة بالآداب والأخلاق، وانتشار الوسائل الجديدة والمتنوعة في نقل الصور الإباحية، والأفلام المروجة لثقافة العري والتحلل.

إن على كل واحد منا أن يسعى وبمقدار ما يستطيع من أجل تكريس المبادئ والقيم والأخلاق في البنية الاجتماعية، ويتم ذلك عبر التمسك بها، ونشرها في كل مكان، ومحاربة الرذيلة والفساد والميوعة التي يبثها الإعلام الفاسد إلى بيوتنا ومجتمعاتنا، فلنستذكر في ذكرى ثورة الإمام الحسين المبادئ والقيم التي من أجلها ضحى بنفسه، ولنعمل نحن أيضاً من أجل الدفاع عنها بمختلف الوسائل التي تناسب كل واحد منا.

2 ـ الاقتداء بسيرة الإمام الحسين:

سيرة الإمام الحسين سيرة مشرقة وعظيمة، فالإمام الحسين قمة في الأخلاق، ومَثَل أعلى في العبادة والارتباط بالله، ومضرب المثل في الشجاعة والتضحية من أجل الدين، وعلينا الاقتداء بسيرته العظيمة، أن نقتدي بأخلاقه، وأن نقتدي بعبادته، وأن نقتدي بتضحياته، وأن نقتدي بصبره وقوته وشجاعته.

والذي يحب الإمام الحسين حقاً عليه أن يسير على نهجه، وأن يستمر على منهجه فلا يكفي لمن يحبه أن يبكي عليه، أو يلطم صدره وخده حزناً عليه، أو يحضر مأتمه... وإن كان كل ذلك مطلوباً وفيه ثواب وأجر عظيم، ولكنه إذا تحول إلى مجرد طقوس ميكانيكية، وعادات اعتدنا عليها بلا هدف أو غاية فإنها تفقد أي تأثير على من يمارسها بهذه الصورة السلبية، تماماً كمن يصلي ولكن صلاته لاتنهاه عن الفحشاء والمنكر، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ أما إذا كانت صلاتك لاتنهاك عن ارتكاب المحرمات، فعليك أن تشك في قبول صلاتك !

وكذلك إذا كنت تعزي على الإمام الحسين، وتبكي عليه أيام عاشوراء، وتلطم صدرك وخدك بكل قوة، ولكن أفعالك أبعد ما تكون عن منهج الإمام الحسين أو سيرته، فعليك أن تشك في قبول أعمالك!

فإذا كنت من محبي الإمام الحسين حقاً، فاقتدِ بأفعاله وأقواله، وتخلق بأخلاقه، وسر على نهجه، وحافظ على أركان الدين ومعالمه، ولا تترك واجباً، ولا تعمل محرماً، في كل أيام السنة وليس فقط في أيام عاشوراء كما يفعل بعض الناس!

3 ـ التعريف بالثورة الحسينية:

إن من أهم مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين هو التعريف بثورته ونهضته المباركة، ويشمل التعريف منطلقات الثورة الحسينية وأهدافها ووسائلها وغاياتها، وما حدث فيها من معركة بين الحق والباطل يفوق حد التصور، والتعريف بشخوص هذه الثورة الحسينية لكل الناس.

ومن المهم للغاية أن يحتوي التعريف بالثورة الحسينية على قراءة تحليلية وليس مجرد قراءة سردية، لأن المنهج الأول هو الكفيل بإيصال أهداف ثورة الإمام الحسين بكل وضوح، ويساعد الأجيال المعاصرة على استيعاب الدروس والعبر لهذه الثورة المباركة.

ويجب علينا الاستفادة من الوسائل الحديثة كالقنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية والمجلات والصحف والأقراص المدمجة وغيرها للتعريف بثورة الإمام لكل شعوب الأرض وأممها.

ومن المفيد جداً أن يبادر التجار وأصحاب الأموال إلى وقف أوقاف خاصة للقيام بمثل هذه الأعمال الصالحة، كأن نوقف وقفاً لتأسيس قناة فضائية للحديث عن الإمام الحسين وثورته وسيرته، أو نوقف وقفاً لترجمة ما كتب عن الإمام الحسين بكل لغات العالم، وإذا كان في الماضي توقف الأوقاف لإقامة المآتم الحسينية، أو لإطعام المستمعين أو الزوار الطعام على حب الإمام الحسين، فإن الأوقاف في هذا الجانب كثيرة جداً، أما في هذا العصر فعلينا أن نساير التطور والتقدم العلمي والتقني للتعريف بالإمام الحسين وثورته وأهل بيته عبر الاستفادة من الوسائل الحديثة في التعريف بالنهضة الحسينية.

4ـ الارتباط بمنهج الإمام الحسين:

الإمام الحسين كباقي الأئمة الأطهار رسموا لنا منهجاً للتعرف على الإسلام المحمدي الأصيل، وعلينا أن نسير على ذلك، ونرتبط بمنهجهم الذي من سار عليه نجا، ومن تخلف عنه غرق وهوى.

وكي يرتبط أبناؤنا بالإمام الحسين علينا أن نعلمهم محبة الإمام، وأن نصطحبهم إلى مجالس العزاء والتعزية، ونشجعهم على قراءة زيارة وارث، ونشرح لهم معاني هذه الزيارة الراقية، كما أن من الضروري أن نوضح لهم تفاصيل ثورة الإمام الحسين وأهدافها النبيلة.

والارتباط بمنهج الإمام الحسين يعني اتباع خط الإمام وفكره ومنهجه العلمي والعملي، أما ادعاء محبة الإمام ومودته بدون السير على نهجه فلا يعدو كونه حباً أجوفاً بلا معنى أو قيمة حقيقية.

5 ـ قراءة سيرة الإمام الحسين:

وهذه المسؤولية من أضعف الإيمان، إذ يجب على كل واحد منا أن يقرأ ما يستطيع قراءته من كتب تتحدث عن السيرة العطرة لسبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي.

ومن المخجل حقاً أن نرى بعض شبابنا وشباتنا يعرف الكثير عن المشاهير في عالم الرياضة والفن والتمثيل، أو أسماء المشاركين في ستار أكاديمي أو سوبر ستار، لكنه لا يعرف عن ثورة الإمام الحسين إلا العنوان فقط ومع ذلك يدعي مثل هؤلاء لأنفسهم أنهم من محبي الإمام الحسين!!

إن من أولى مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين أن نعرف سيرته، ونقرأ ما نستطيع مما كتب عنه، فليسأل كل واحد منا نفسه: كم كتاب قرأت عن الإمام الحسين؟ وما هي المعلومات التي أعرفها عن سيرته العطرة؟ وماذا أعرف عن أخلاقه أو عبادته أو زهده أو جهاده أو شجاعته أو صبره؟!

وأترك لك أن تجيب بنفسك عن نفسك!

6- المشاركة في العمل الحسيني:

كل مؤمن يتحمل مسؤولية في المشاركة في العمل الحسيني، وذلك بمقدار ما يمكنه في سبيل ذلك الهدف النبيل في تعريف الأجيال الحاضرة والقادمة بسيرة الإمام المباركة، ونهضته العظيمة، فليعمل كل واحد منا بما يستطيع من أجل ذلك، ويمكن الإشارة إلى بعض ما يمكن القيام به:

1 ـ تأليف الكتب عن الإمام الحسين، أو ترجمة ما كتب عنه بمختلف اللغات العالمية.

2ـ تأسيس مواقع على الإنترنت للتعريف بالإمام الحسين، وبمختلف اللغات الحية.

3 ـ المساهمة عبر المحاضرات أو العزاء أو التمثيل، ونشرها من خلال القنوات الفضائية الملتزمة، ومواقع الإنترنت المتاحة، ومختلف وسائل الإعلام الحديثة.

4ـ التبرع المالي لطباعة الكتب التي تتحدث عن الإمام الحسين، أو أي شيء آخر يخدم التعريف بالإمام وسيرته ويحتاج إلى دعم مالي.

5 ـ الاستفادة من التقنيات الالكترونية الجديدة للتعريف بالإمام الحسين ونهضته الخالدة.

2022/09/17
انتهى موسم الحزن.. هل قدّمت المواكب العزائية شيئاً للمجتمع؟!
ألا تعتقدون أن كثيرا من المواكب العزائية لا تنتج شيئا، فما أن ينتهي موسم المحرم حتى يعود كل شيء إلى مكانه وتنسى الشعارات التي رفعت أيام المحرم بل إن بعض من يعزون لا يطبقون أهداف الحسين ولا ينسجمون معها؟

 [اشترك]

مجرد أن الشعارات التي رفعت أيام محرم تنسى، أو أن بعض المعزين لا يطبقون أهداف الحسين عليه السلام، لا يضر بموقع المواكب العزائية، ولا يدفع للاستغناء عنها، فإننا نجد أن القرآن الكريم وهو كتاب الله المنزل الذي لو أنزل ﴿... هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ...﴾ ومع ذلك فإنه لا يؤثر في حياة كل المسلمين بمعنى أنك تجد العديد من المسلمين وهم غير متأثرين بثقافة القرآن وأخلاقه وتعاليمه، فهل يعني ذلك عدم فائدة القرآن؟ أو الاستغناء عنه؟

وأنت ترى أن الرسول الأعظم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو من هو في الفصاحة والبلاغة، وقوة التأثير لكن بعض من عاصره واستمع إليه مباشرة لم يتأثر بأقواله!! فهل يعني ذلك عدم الفائدة من حديث النبي؟

إن من المهم أن يكون لدى المجتمع مؤسسات دينية، ومظاهر إسلامية، وشعائرية حتى تحافظ على الصورة الإسلامية العامة، وتكون مقصدا لمن يريد الاهتداء إلى التعاليم الالهية، هذا ما يحتاجه كل جيل.

كما أنه ليس من الصحيح أن نطلب من الموكب العزائي أكثر من طاقته، فالموكب العزائي يقوم بدور الشحن العاطفي وتهيئة النفوس لتقبل التوجيه الفكري، ويصنع انتماء على مستوى العاطفة بين المعزي والمعزي به، أما أن نفترض أنه محلول كيماوي يدخله المعزي وهو مذنب أو غير واع، فيخرج من الطرف الآخر بعد ساعة وقد تغير كليا!! هذا مما لا يتوقع أصلا، والبحث عنه بحث عن السراب.

إن علينا أن نشجع المواكب العزائية بكافة أشكالها، ونحاول أن نقوي فيها المضمون العاطفي والولائي لأهل البيت عليهم السلام، وأيضا أن يتم توجيهها توجيها سليما من خلال إشراف الهادفين والواعين على تسييرها، واختيار الكلمات المناسبة فيها.

لقد رأينا أن بعض ما يقال من قصائد، و(رداديات) تصنع من الانتماء وتشجع الفرد على الالتزام بالقيم الدينية، أكثر مما تصنعه محاضرات متعددة، لا سيما في فئة الشباب.

وبناء عليه نحن نعتقد أن المواكب العزائية تصنع الكثير، الكثير، ووجود بعض المشاركين ممن لا يتأثرون بعد الموكب، أو ممن لم يكونوا على خط الانسجام مع الهدف الحسيني قبل الموكب لا يمنع من حصول الفوائد الكثيرة للمجتمع، ولا بد من تقوية هذه المواكب كماًّ ونوعاًّ.

2022/09/17
لماذا لم تعاقب أمة النبي بـ ’ الاستئصال’ بعد قتل الإمام الحسين (ع)؟
لا شك في أن لله تعالى حرمات متى ما انتهكت فإنه تعالى يغضب لانتهاكها، وشواهد ذلك كثيرة، دونك حادثة نحر فصيل ناقة صالح حيث قال تعالى (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها).

ومن أكثر الحوادث وضوحاً في هذا الجانب حادثة أصحاب الفيل، حيث قادهم أبرهة القادم من الحبشة مع جيش جرار مدجج بالفيلة، غرض هذا الجيش هو تهديم البيت العتيق بمكة الذي شيده إبراهيم الخليل وولده إسماعيل (عليهما الصلاة والسلام).

وما هي إلا لحظات وقد حجبت ضوء الشمس أسراب طير الأبابيل تحمل تلك الحجارة التي وصفها القرآن الكريم بأنها (من سجيل) فما كان من القوم إلا أن يهلكوا مستأصلين بهذا العذاب، بعد أن جعلهم (كعصفٍ مأكول).

وآيات العذاب من هذا القبيل مذكورة في القرآن الكريم بما لا يدع مجالاً للشك في أن عاقبة الاجتراء على حرمات الله وشعائره جزائها الهلاك والعذاب.

وهذا ما حصل عند اجتراء هذه الأمة العاصية على قتل سبط رسول الله (صلى الله عليه واله) وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

فآيات غضب الله عند إجتراح هذه الجريمة أكثر من أن تحصى، يكفيك منها ظهور الحمرة في السماء ونبع الدم عند رفع أي حجر من بيت المقدس عشية مصرع الإمام الحسين (روحي له الفداء).

كما أن سبب تأخير فرج آل محمد (صلوات الله عليهم) على يد قائمهم (عليه السلام) لمقتل الحسين (عليه الصلاة والسلام) له علاقة به.

فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: " يا ثابت إن الله تعالى قد كان وقت هذا الامر في سنة السبعين فلما قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم بذلك فأذعتم وكشفتم قناع الستر فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك وقتا عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

قال أبوحمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال: قد كان ذلك ".

وهنا يحتمل أن يكون المبدء يوم غيبته (عليه السلام) كما احتمله بعض الأكابر، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى قرره أولاً بشرط أن لا يقتل الحسين (عليه السلام) بعد السبعين من غيبة المهدي (عليه السلام) فبعد أن قتل الحسين (عليه السلام) أخره إلى المائة والاربعين بشرط عدم الاذاعة لسرهم، فقال (عليه السلام) بعد أن أذعتم السر وكشفتم قناع الستر، وستر عنا علمه، أو لم يأذن لنا في الاخبار به.

تبقى ملاحظة أخيرة لا بد من بيانها وهي:

لماذا أهلك الله تعالى أصحاب الناقة وأصحاب الفيل بالاستئصال ولم يهلك مجرمي كربلاء بمثل هذا العذاب مع العلم بأن الحسين (عليه الصلاة والسلام) أكثر قداسة من البيت الحرام وأعظم شرافة وطهراً من الناقة؟

الجواب: للأسباب التالية:

1 ـ لم يكن جميع من حضر في كربلاء في جيش الكوفة القادم لقتال الحسين (عليه الصلاة والسلام) على قلب واحد بل كان بعضهم غير راضٍ بقتله بل كان بعض الضعاف المهزوزين يدعو له، وهذا ما لم يحصل عند قوم نوح أو لوط أو صالح (صلوات الله عليهم) أو جماعة أبرهة، حيث كانوا على قلب رجل واحد متفقين على اجتراء المعاصي عداوة لله تعالى ورسله وأنبيائه (صلوات الله عليهم)، فما كان من الله إلا أن يُنزل عليهم عذاب الاستئصال بأن يبيدهم عن بكرة أبيهم.

2 ـ أعقبت حادثة مصرع الحسين (عليه السلام) إقامة العزاء والنياحة من قبل الموالين للحسين وأهل بيت (عليهم السلام) سيما يوم مواراة جسده القدسي والكوكبة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه (صلوات الله عليهم) وهذا له أثر كبير في دفع غضب الله عن الحلول في ساحة خلقه.

2022/09/15
لقاء البكاء والحزن.. فضل أربعينية الإمام الحسين (ع)
يَمرُّ على استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) أربعون يوماً، وقَدْ قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال، أحياءً وأمواتاً، وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم، وإظهار الحُزن عليهم، لا سِيَّما من بذل نفسه وجاهَد، حتى قُتِل لمقصدٍ سَامٍ، وغَايَةٍ نَبيلة، وقد جرت على ذلك الأمم في كلِّ عصرٍ وزمان.

[اشترك]

فحقيق على المسلمين - بل جميع الأمم - أن يقيموا الذكرى في كل عام للإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه (عليه السلام) قد جَمَع أكرمَ الصفات، وأحسنَ الأخلاق، وأعظمَ الأفعال، وأجلَّ الفضائل والمناقب، عِلماً وفَضلاً، وزهادةً وعبادةً، وشجاعةً، وسخاءً وسماحةً، وإباءً للضَّيم، ومقاوَمة للظُّلم، وقد جمع إلى كَرمِ الحَسَب شَرَفَ النسَب، وقد جاهد الإمام الحسين (عليه السلام) لنيل أسمَى المقاصد، وأنْبل الغايات، وقام بما لم يَقُم بمثله أحد، فبذلَ (عليه السلام) نفسَه، ومالَه وآلَه، في سبيل إحياء الدين، وإظهار فضائح المنافقين، واختار المنيَّة على الدنيَّة، وميتة العِزِّ على حياة الذُل، ومصارع الكرام على اللِّئام.

وأظهر (عليه السلام) من عِزَّة النفس والشجاعة، والصبر والثبات، ما بَهَر به العقول، وحيَّر الألباب، واقتدى به (عليه السلام) في ذلك كل مَن جاء بعده، ومن يمتلك مثل هذه الصفات.

فالحقُّ أنْ تقام له (عليه السلام) الذكرى في كلِّ عام، وتبكي له العيون بَدَلَ الدُموعِ دَماً.

فقد بكى الإمام زين العابدين (عليه السلام) على مصيبة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثين سنة.

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يبكي لتذكُّر المصيبة، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي.

وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه.

وقال الإمام الرضا (عليه السلام) :( إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا، وأسال دموعنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء).

وقد حَثُّوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلِّ عام، وهُم (عليهم السلام) نِعْم القدوة، وخير مَنْ اتُّبِع، وأفضَلُ من اقتُفِيَ أثرُه، وأُخِذَت منه سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فضل يوم الأربعين

رُويَ عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه قال :( عَلامَاتُ المؤمن خمسٌ: صلاةُ إِحدى وخمسين، وزيارةُ الأربعين، والتخَتُّم في اليمين، وتعفير الجَبين، والجهر بـ(بِسْم اللهِ الرحمن الرحيم)) بحار الأنوار 101 / 329.

وقال عَطا: كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثم قال لي: أمَعَكَ من الطيب يا عَطا؟

قلت: معي سُعد.

فجعل منه على رأسه وسائر جسده، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين (عليه السلام)، وكَبَّر ثلاثاً، ثم خرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق سَمِعتُه يقول: السلام عليكم يا آلَ الله (بحار الأنوار 101 / 329).

وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين (عليه السلام) إلى المدينة، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة.

فلمَّا بلغوا العراق، قالوا للدليل: مُر بنا على طريق كربلاء، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام).

فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام.

فقال جابر لعبده: اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين (عليه السلام) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى.

فمضى العبد، فما أسرع أن رجع وهو يقول: يا جابر، قمْ واستقبل حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته وأخواته.

فقام جابر يَمشي حافي الأقدام، مكشوف الرأس، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) :( أنْتَ جَابِر؟).

فقال: نعم يا بن رسول الله.

فقال الإمام (عليه السلام) :( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا، وذُبحِت أطفالُنا، وسُبيَتْ نساؤنا، وحُرقَت خِيامُنا).

وفي كتاب الملهوف: إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن، وأقاموا المأتم، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً (أعيان الشيعة 1 / 617).

* تبيان

 

2022/09/14
على الرمح.. طافوا برأس الحسين (ع) في هذه الأماكن!
بعد رفع رأس الإمام الحسين (ع) على الرمح هل ظلَّ مرفوعًا إلى أنْ دُفن مع الإمام الحسين (ع) يوم الأربعين، أرجو توضيح المسألة؟

[اشترك]

لقد طافوا بالرأس الشريف الكثيرَ من الحواضر الإسلامية، فقد طافوا به في أزقَّة الكوفة وأحيائها وأسواقِها، يقولُ الشيخ المفيد في الإرشاد: "ولمَّا أصبح عبيدُ الله بن زياد بعث برأس الحسين (عليه السلام) فدِيرَ به في سُكك الكوفة كلِّها وقبائلها"(1) ثم تمَّ صلبُه على باب قصر الإمارة (2) وطافوا به كذلك في أحياء دمشق، وكانوا يتعمَّدون العبور به في الطرق المكتظَّةِ بالنّاس، ثُمّ تمَّ صلبُه في دمشق ثلاثة أيام وهذا المقدار ثابتٌ لاستفاضة نقلِه عن الفريقين(3).

وكذلك طِيف بالرأس الشريف في عموم مدائن الشام وغيرها كما أفاد ذلك القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار، قال: "ثم أمر يزيد .. برأس الحسين (عليه السلام) فطِيف به في مدائن الشام وغيرها"(4).

ومن الحواضر الإسلامية التي مرَّوا عليها بالرأس الشريف -كما قيل- مدينة نصيبين(5) ذكر ذلك أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي (ت 511ه) في كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات قال: "في مدينة نصيبين مشهد النقطة يُقال إنَّه من دم الحسين (ع) وفي سوق النشابين مشهد الرأس فإنّه عُلّق هناك لما عبروا بالسبي إلى الشام"(6).

ومن تلك الحواضر أو المنازل التي قيل إنَّهم مرَّوا عليها بالرأس الشريف منزلًا يقال له قنسرين(7)، ذكر ذلك ابن شهراشوب في المناقب نقلًا عن النطنزي في الخصائص قال: لمَّا جاؤوا برأس الحسين ونزلوا منزلاً يُقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته .."(8) وأشار لذلك أيضًا الخوارزمي في مقتل الحسين(ع)(9).

 

وثمة حواضرُ أخرى مرَّت عليها سبايا الحسين (ع) ومعها الرأسُ الشريف مثل مدينة الموصل، ونصيبين، وعسقلان(10)، وحماة(11)، وحِمْص ومدينة حلب كما أشار لذلك ابنُ شهراشوب في المناقب قال: "ومن مناقبه (ع) ما ظهر من المشاهد التي يُقال لها مشهد الرأس من كربلاء إلى عسقلان وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك" وأشار إلى حلب ابن العديم (ت: 660) في بغية الطلب(12).

هذا وكان الرأس الشريف في كلِّ حاضرة يدخلونها أو يمرُّون بها معلَّقًا على الرمح، وذلك لغرض إرهاب النّاس وتعريفهم بهيبة الدولة وسطوتها وأنَّها لن ترعى لأحدٍ حرمةً مهما كان موقعه الديني أو الاجتماعي إذا ترتَّب على وجوده وهنٌ لسلطانها وهيمنتها.

حمل رأس الحسين (ع) إلى مدينة الرسول (ص):

ومن المدن التي حُمل إليها رأس الحسين (ع) هي مدينة الرسول (ص) كما نصَّ على ذلك العديد من المؤرَّخين(13) يقول القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار: ولما أمر -يزيد- بأنْ يُطاف برأس الحسين (عليه السلام) في البلدان أُتي به إلى المدينة، وعاملُه عليها يومئذٍ عمرو بن سعيد الأشدق .."(14).

وفي أنساب الأشراف للبلاذري: إنَّ رأس الحسين (ع) نُصب في مدينة الرسول (ص) كما نُصب في دمشق ثلاثًا وكما نُصب في الكوفة قال: وحدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو بكر عيسى بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: رعِف عمرو بن سعيد على منبر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال بيار الأسلمي -وكان زاجرا-: إنَّه ليوم دم. قال: فجِيءَ برأس الحسين (ع) فنُصب فصرخ نساء آل أبي طالب فقال مروان:

عجّت نساء بني زبيد عجّة ** كعجيج نسوتنا غداة الأرنب .."(15).

وأما أنَّ الرأس الشريف هل ظلَّ مرفوعاً إلى حين دفنه؟

فجوابه إنَّ الرأس الشريف قد يُرفع عن الرمح فيُوضع في طستٍ كما وقع ذلك في مجلس يزيد، وكذلك في مجلس ابن زياد قبل ذاك، وقد يُوضع في طومار أو صندوقٍ وعلى صخرةٍ عندما ينزل به جنود النظام الأموي في واحدٍ من منازل الطريق.

 وهل تمَّ إرجاع الرأس الشريف إلى كربلاء يوم الأربعين فمختلفٌ فيه بين العلماء، والأرجح عندي أنّ إرجاعه قد تمّ بعد هذا التاريخ ولعلنا نُوضح منشأ هذا الترجيح في فرصةٍ أخرى. فإرجاع الرأس الشريف إلى كربلاء متسالَمٌ عليه بين علمائنا والاختلاف إنَّما هو في تاريخ الإرجاع.

الهوامش: 1- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص117، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص473، الدر النظيم -ابن حاتم المشغري العاملي- ص561. 2- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص351، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج18 / ص445، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص341، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ترجمة الإمام الحسين ص80، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص208. 3- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج69 / ص160، المحبر -محمد حبيب البغدادي (ت 245)- ص490، المنخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين -الطبري- ص25، بستان الواعظين ورياض السامعين -أبو الفرج ابن الجوزي- ج1 / ص264، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص319، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص66، 81. 4- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص159. 5- نصيبين: بالفتح ثم الكسر .. وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادَّة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان، بينها وبين سنجار تسعة فراسخ، وبينها وبين الموصل ستة أيام" معجم البلدان -ياقوت الحموي- ج5 / ص288. وفي الموسوعة العربيَّة نصيبين: مدينة سورية قديمة، تقع إلى الشمال من مدينة القامشلي، ولا يفصل بينهما سوى الخط الحديدي، وهي اليوم نقطة عبور بين الحدود السورية والتركية، يمر منها نهر جغجغ أحد روافد الخابور. 6- الإشارات إلى معرفة الزيارت -أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي- ج1 / ص60. الأعلاق الخصيرة في أمراء الشام والجزيرة -ابن شداد الحلبي (ت 684)- ج1 / ص133. 7- قِنِّسرين: بكسر أوله، وفتح ثانيه وتشديده مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص معجم البلدان -الحموي- وفي الموسوعة العربيَّة قِنِّسْرين إحدى أهم المدن الآرامية في سورية الطبيعية، تقع جنوبي مدينة حلب بـنحو 25 كيلومتراً. 8- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص217. 9- مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص116. 10- عسقلان: عسقلان: بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم قاف، وآخره نون .. وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ويقال لها عروس الشام "معجم البلدان -الحموي-". 11- حماة: بالفتح مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات بينها وبين دمشق خمسة أيام للقوافل، وبينها وبين حلب أربعة أيام. معجم البلدان الحموي 12- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص235. بغية الطلب في تاريخ حلب -ابن العديم الحلبي- ج1 / ص470. 13- الطبقات الكبرى ترجمة الإمام الحسين -ابن سعد- ص 84-85، الأمالي الخميسيَّة للشجري -يحيى بن الحسن الجرجاني- ص248، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص57، مرآة الجنان -اليافعي- ج1 / ص109-110، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج1 / ص75، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص344، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص20، تذكرة الخواص -سبط ابن الجوزية- ص301. 14-شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص159. 15- أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص218.  
2022/09/13
الزيارة الأربعينية تشعل النار في قلوب الأعداء
زيارة الأربعين تغيظ الكافرين قال أحد المؤمنين إنه كان ينوي زيارة الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر المُعبر عنها بزيارة الأربعين، مشياً على الأقدام زمن النظام البعثي المقبور.

[اشترك]

 وكان خائفا قلقا، لأن إلقاء القبض عليه من قبل أزلام النظام ، كان يعني حلول الموت بساحته، فتردد أياماً قبل الزيارة يخيِّر نفسه بين الحياة والموت، ثم انقدحت في ذهنه أن يستفتح بالقرآن لعل الله يهديه سبيلا سواء، ففتح كتاب الله فإذا هو بين يدي هذه الآية الكريمة: ( مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة:120)، فأطبق الكتاب مسرورا مستبشرا بهذه البشارة الإلهية، ومضى مسرعاً يجدُّ السَّير إلى كربلاء، فماذا يريد الإنسان المؤمن أكثر من ألاَّ يرفع قدما ويضع أخرى، إلا ويكتب الله له بذلك عملا صالحا، وهو مستلزم بطبيعة الحال للأجر والثواب، وثم يعدُّه الله من المحسنين؟، لكن أكثر ما لفت نظره في الآية الشريفة قوله تعالى: (وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً).

الإغاظة ودلالاتها

الإغاظة: مبدأ من مبادئ الحرب النفسية، مارسه الإنسان مع أعداءه وخصومه فطريا منذ أقدم العصور، وهو من الأساليب الناجحة في إشعار العدو بالخيبة والهزيمة والفشل.

والغيظ في اللغة : يعني الغضب الشديد، وهو كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه، وهي تعني عند ابن منظور: الغضب الكامن للعاجز، وهي مبدأ قرآني مارسه الله تعالى مع أعدائه، وأمر المؤمنين أن يمارسوها معهم، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (الفتح:29)، وقال: (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119).

والموطئ: هو الأرض التي توطئ بالأقدام، والآية الشريفة مطلقة لا تختص بنوع معين من الوطء، فكل خطوة يخطوها مؤمن سواء أكانت في طريق الجهاد في سبيل الله، أو في سبيل إحياء شعائر الله، أو لإقامة فريضة معينة، تعدُّ قرآنيا عملاً صالحاً يثاب عليه العبد، طالما كان ذلك العمل مما يغيظ الكفار والمنافقين، لوجود هذا الملاك - الإغاظة - في الجميع.

ومن المؤكد أن الجموع المليونية الزاحفة إلى كربلاء مشياً على الأقدام من داخل العراق وخارجه، تشعل النار في قلوب أعداء آل البيت (عليهم السلام) من كفار ومنافقين وتغيظهم وتشعرهم بالعجز، وأن أساليبهم الخبيثة التي مارسوها في سبيل إيقاف هذا المد الزاحف من القتل والتفجير والدعايات المغرضة، قد ذهبت أدراج الرياح (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) (الأحزاب:25). وهذه الممارسة (الإغاظة) بذاتها تعد عملاً صالحاً فضلا عما يناله الزائرون من الأجر والثواب على نفس الزيارة، خصوصاً إذا كان فيها تعب ومشقة، كما هو الشأن في الزيارة مشياً على الأقدام ومن أماكن بعيدة، فإن أفضل الأعمال أحمزها - أي أشدها مشقة -.

ومن هنا على الزائر أن يستحضر ما يمكن استحضاره من معان ونيات في هذه الممارسة العبادية، وسيثاب إن شاء الله بعدد تلك النيات، وإن كان العمل واحداً من باب تداخل المستحبات، فيمكن أن يقصد في مشيه الزيارة قربة الى الله، وأن يقصد فيه إغاظة الكافرين والمنافقين، وأن يقصد به حبس نفسه على الله بالعبادة طيلة الأيام التي يمشي فيها، بترك المعصية، والمداومة على الذكر من التحميد والتهليل والصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله).

النيل من العدو

نال من الشيء أو الشخص يعني أوقع به إصابة أو ضربة، وهي لا تختص بالأشياء المادية بل تتجاوزها الى الأمور المعنوية، فعندما يشتم شخص شخصا مثلا يقال نال منه، والآية الشريفة أعم من أن يكون النيل من العدو مادياً كأخذ أمواله، أو إيقاع ضربة عسكرية به، أو إيقاع ضربة نفسية به، بل لعل الضربة النفسية - أي تلك التي تؤلم النفس - أشد تأثيراً في العدو من سابقتيها.

ولا ضربة أشد ولا أقوى من حركة الجماهير إلى كربلاء، حيث تشعر أعداء الله ورسوله بالذل والهوان والهزيمة.

والخلاصة: لا تخلو شعيرة المشي إلى كربلاء في زيارة الأربعين، خصوصاً بهذه الأعداد المليونية، من إغاظة للكافرين تشحن صدورهم هما وألما، وهي ضربة شديدة توجهها الجماهير المؤمنة إلى صدور الكفار والمنافقين.

* عبد الهادي الطهمازي

2022/09/13
المشي إلى الحسين (ع) حافياً.. رسالة حزن عميقة
المشي حافياً في يوم عاشوراء أو غيره من الأيام في عزاء الإمام الحسين (عليه السَّلام) وسيلة معبّرة عن الحزن العميق على سيد الشهداء وأبي الأحرار (عليه السَّلام).

[اشترك]

ومن المؤكد أن الإنسان يُثاب على إظهاره الحزن في مثل يوم عاشوراء مواساة لأهل البيت (عليهم السلام)، لكن رغم ذلك ينبغي بصورة عامة وبالنسبة للشعائر الحسينية بصورة خاصة اختيار الوسيلة الأحسن والأفضل والأكثر تعبيراً وتأثيراً ومصلحة بحسب المكان والزمان دائماً، كما وينبغي أخذ ما تتطلبه الظروف الخاصة والمصالح والأهداف العامة بعين الاعتبار.

أما من حيث رجحان هذا الأمر فلقد ورد الحَثِّ عليه في الأحاديث التي رُويت عن الأئمة (عليهم السَّلام) بخصوص زيارة الامام الحسين (عليه السَّلام) ماشياً و حافياً مما يدل على رجحان المشي حافياً لدى الذهاب إلى حرم الامام الحسين (عليه السَّلام) سوى في حالة الزيارة أو العزاء و يدل عليه ما رُوِيَ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنَّهُ قَالَ: "مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) [مُحْتَسِباً] لَا أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا رِيَاءً وَ لَا سُمْعَةً مُحِّصَتْ ذُنُوبُهُ كَمَا يُمَحَّصُ الثَّوْبُ فِي الْمَاءِ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَنَسٌ، وَيُكْتَبُ لَهُ‏ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حِجَّةٌ، وَ كُلَّمَا رَفَعَ قَدَمَهُ عُمْرَةٌ"

وَعَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أيضاً أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الزَّائِرِ لِقَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السَّلام) فَقَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ فِي الْفُرَاتِ ثُمَّ مَشَى‏ إِلَى‏ قَبْرِ الْحُسَيْنِ‏ (عليه السَّلام) كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَ َضَعُهَا حَجَّةٌ مُتَقَبَّلَةٌ بِمَنَاسِكِهَا"

وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَيُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَلَمَةَ السَّرَّاجُ جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع ـ إلى أن قال ـ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَزُورَهُ ـ أي الحسين (عليه السَّلام) ـ فَكَيْفَ أَقُولُ، وَكَيْفَ أَصْنَعُ؟

قَالَ: "إِذَا أَتَيْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) فَاغْتَسِلْ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، ثُمَّ الْبَسْ ثِيَابَكَ الطَّاهِرَةَ، ثُمَّ امْشِ‏ حَافِياً، فَإِنَّكَ فِي حَرَمٍ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ وَحَرَمِ رَسُولِه‏"

2022/09/13
زيارة الأربعين: الانتصار الذي تنبّأت به زينب (ع)!
تكشف زيارة الأربعين للإمام الحسين بن علي عن دلالات وآثار عظيمة، كما تبرز جانباً مهماً من تجليات عظمة الإمام الحسين ومكانته وفضله.

[اشترك]

إن ظاهرة الزيارة المليونية في زيارة الاربعين للإمام الحسين يعبر عن انتصار القيم والمبادئ والأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين في معركة كربلاء.

وهذا الحشد الهائل من البشر الذي نراه ونشاهده في كل عام، ومن مختلف الأديان والمذاهب، والأعراق والجنسيات والقوميات يؤكد انتصار المظلوم على الظالم، والمقتول على القاتل، والحق على الباطل.

وتؤكد واقعة كربلاء أن الانتصار المادي الذي حدث في كربلاء للجيش الأموي كان مؤقتاً وزائلاً، بينما انتصار القيم والمبادئ مستمر وثابت، وهذا ما أكدته أحداث كربلاء وما حدث بعدها، وهذا هو الانتصار الحقيقي.

وقد تنبأت بهذا الأمر السيدة زينب الكبرى في حديثها ليزيد عندما قالت له: «فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين!»، وهذا ما تحقق بالفعل؛ فإن ذكر الإمام الحسين وأئمة أهل البيت يزداد انتشاراً واتساعاً يوماً بعد آخر؛ أما ظلمتهم فقد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.

وزيارة الإمام الحسين من المستحبات المؤكدة في كل وقت وحين، ويتأكد استحبابها في بعض المناسبات كزيارة عاشوراء، والنصف من شعبان، وليلة الجمعة ويومها لورود الروايات المتواترة والصحيحة والمعتبرة في ذلك.

ومن الزيارات المستحبة - بإجماع الفقهاء- والتي تحظى باهتمام شعبي كبير زيارة الأربعين، وقد عقد الشيخ الحر العاملي في الوسائل باباً أسماه: «باب تأكد استحباب زيارة الحسين يوم الأربعين من مقتله، وهو يوم العشرين من صفر».

ومن علامات المؤمن زيارة الأربعين، فقد روى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي قالا: روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام أنه قال: «علامات المؤمن خمس: صلاة الاحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»، وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنه توجد الكثير من الروايات التي تعضدها في الجملة، كما تواترت الروايات التي تنص على استحباب زيارة الإمام الحسين بصورة مطلقة في كل وقت.

وقد روى الشيخ الطوسي بإسناده عن صفوان الجمال قال: قال لي مولاي الصادق في زيارة الأربعين تزور ارتفاع النهار وتقول: السلام على ولى الله وحبيبه... وذكر الزيارة إلى أن قال: وتصلي ركعتين، وتدعو بما أحببت وتنصرف.

أما عن فضل الزيارة وثوابها فنكتفي بما رواه مجمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، قال: قال أبو عبد الله: «مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ للَّهِ‏ وفِي‏ اللَّهِ‏، أعتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ وآمَنَهُ يَومَ الفَزَعِ الأَكبَرِ، ولَم يَسأَلِ اللَّهَ تَعالى‏ حاجَةً مِن حَوائِجِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ إلّا أعطاهُ».

وعن عاصم بن حميد الحنّاط: سَأَلتُ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عَن‏ زِيارَةِ قَبرِ الحُسَينِ؟

فَقالَ: «يا عاصِمُ! مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ وهُوَ مَغمومٌ أذهَبَ اللَّهُ غَمَّهُ، ومَن زارَهُ وهُوَ فَقيرٌ أذهَبَ فَقرَهُ، ومَن كانَت بِهِ عاهَةٌ فَدَعَا اللَّهَ أن يُذهِبَها عَنهُ أذهَبَها عَنهُ، وَاستُجيبَت دَعوَتُهُ، وفُرِّجَ هَمُّهُ وغَمُّهُ.

فَلا تَدَع أن تَأتِيَهُ، فَإِنَّكَ كُلَّما أتَيتَهُ كُتِبَ لَكَ بِكُلِّ خُطوَةٍ تَخطوها عَشرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنكَ عَشرُ سَيِّئاتٍ، وكُتِبَ لَكَ ثَوابُ شَهيدٍ في سَبيلِ اللَّهِ اهَريقَ دَمُهُ، فَإِيّاكَ أن تَفوتَكَ زِيارَتُهُ».

وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه [الصادق‏]: «مَن زارَ الحُسَينَ عارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَوابَ ألفِ حَجَّةٍ مَقبولَةٍ، وألفِ عُمرَةٍ مَقبولَةٍ، وغَفَرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّر».

وفي كتاب الوسائل عقد الحر العاملي باباً حول فضل زيارة الإمام الحسين ماشياً تحت عنوان: (باب استحباب المشي إلى زيارة الحسين) أورد فيه ستة أحاديث في فضل ذلك، ومنها: ما روي عن الإمام الصادق أنه قال: «: مَن أتى‏ قَبرَ الحُسَينِ ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرفَعُها ويَضَعُها عِتقَ رَقَبَةٍ مِن وُلدِ إسماعيلَ».

وعن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبد الله وهو يقول: «مَن أتى‏ قَبرَ الحُسَينِ ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ ألفَ حَسَنَةٍ، ومَحا عَنهُ ألفَ سَيِّئَةٍ، ورَفَعَ لَهُ ألفَ دَرَجَةٍ».

وعن الإمام الصادق قال: «مَن خَرَجَ مِن مَنزِلِهِ يُريدُ زِيارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ، إن كانَ ماشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ حَسَنَةً، وحَطَّ بِها عَنهُ سَيِّئَةً، حَتّى‏ إذا صارَ بِالحائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ المُفلِحينَ».

ونظراً للحشود الضخمة التي تزور الإمام الحسين في زيارة الأربعين مشياً على الأقدام يجب استثمار هذه الظاهرة المليونية في نشر المزيد من العلوم والمعارف الإسلامية بين الزوار، وزيادة مستوى الوعي والثقافة عند الناس، والتأكيد على أهمية التخلق بأخلاق الإمام الحسين، وأئمة أهل اليت.

ومن المهم والمفيد للغاية إظهار هذا الحشد الجماهيري الواسع إعلامياً بصورة مميزة وحضارية بما يعكس الصورة الناصعة لأتباع أهل البيت، وبما يبعث برسالة قوية إلى أعداء الإسلام والأمة عن تلاحم وعزة وقوة المؤمنين ووحدتهم.

ويؤكد اهتمام الوسائل الإعلامية المختلفة بهذا الحدث المهم في زيارة الأربعين على حقيقة ديمومة وثبوت انتصار القيم والمبادئ التي حملها الإمام الحسين كالعدل والكرامة والعزة والشموخ والإباء والعطاء والإيثار.

ويجب أن تكون زيارة الأربعين -وغيرها من المناسبات الهامة- فرصة لاستنهاض كل القيم والمبادئ والأهداف الحسينية، والتي من أجلها استشهد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه الأخيار، وعدم اختزال القضية الحسينية بأمور جزئية أو طقوس شكلية؛ بل يجب الحفاظ على جوهر النهضة الحسينية، وإحياء القيم الكبرى والأهداف العظيمة التي من أجلها ضحى الإمام الحسين بالنفس والنفيس.

2022/09/11
ما الدليل على استحباب زيارة الأربعين؟
*آية الله السيد محمد رضا السيستاني
سند زيارة الأربعين(١) روى الشيخ (قدس سره) (٢) في التهذيب والمصباح قائلاً: أخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري، قال حدثنا محمد بن علي بن معمر، قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمال قـال: قال لي مولاي الصادق (صلوات الله عليه) في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: (السَّلامُ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وحَبِيبِهِ السَّلامُ عَلَى خَلِيلِ اللَّهِ ونَجِيبِهِ السَّلامُ عَلَى صَفِـيِّ اللَّهِ وابْنِ صَفـــِيِّهِ السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهِيدِ السَّلامُ عَلَى أَسِيرِ الْكُرُبَاتِ وقَتِيلِ الْعَبَرَاتِ ..).

[اشترك] 

وهذه الرواية هي عمدة ما يستدل به على استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده (صلوات الله عليه)، ولا ينبغي الشك في تمامية دلالتها على ذلك، فإنه ــ مضافاً إلى أن متن الزيارة يكشف بوضوح عن تعلّقها بزيارته (عليه السلام) ــ لا ريب في أن عنوان (زيارة الأربعين) إنما يختص بزيارته (عليه السلام) في مناسبة الأربعين في مرتكزات المؤمنين وما هم عليه خلفاً عن سلف.

ولكن وقع الإشكال في تمامية سند هذه الرواية، إلا أنه قد يبنى على تماميته من جهة أنه ليس فيه من يتوقف في وثاقته سوى رجلين:

١ ــ (سعدان بن مسلم) الذي لم يوثق في كتب الرجال، ولكنه من رجال كامل الزيارات(3) ومن مشايخ ابن أبي عمير(4)، فيمكن البناء على وثاقته وفق المسلكين المعروفين فيهما، والمختار تمامية المسلك الثاني دون الأول.

٢ ــ محمد بن علي بن معمر، فإنه لم يوثق في كتب الرجال أيضاً، ولكن الملاحظ أن ابن نديم ذكره في فهرسته(5) بعنوان (أبو الحسين .. بن معمر الكوفي) في عداد فقهاء الشيعة ومحدثيهم وعلمائهم، فيعرف أنه كان من المشاهير في عصره، وحيث لم يرد فيه طعن اقتضى ذلك قبول رواياته.

وأما (علي بن محمد بن مسعدة) فلا يضر عدم ثبوت وثاقته، لأن ابن معمر روى عنه وعن ابن فضال جميعاً، ويكفي وثاقة الثاني.

أقول: إن محمد بن علي بن معمر ممن روى عن حمدان بن المعافى(6) المتوفى سنة ٢٦٥، وعن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب(7) المتوفى سنة ٢٦٢، وهما من الطبقة السابعة، وروى عنه الكليني(8) وفرات بن إبراهيم(9) وهما من الطبقة التاسعة، فيتعين أن يكون هو ــ أي ابن معمر ــ من الطبقة الثامنة، ولكن يظهر من رواية التلعكبري ــ وهو من الطبقة العاشرة ــ أنه طال به العمر حتى

أدركه أصحاب تلك الطبقة أيضاً.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ الحسن بن علي بن فضال من الطبقة السادسة، ولا يتسنى لابن معمر أن يروي عنه مباشرة، والمظنون قوياً أن حرف العطف (و) في قوله (والحسن بن علي بن فضال) مصحف حرف الجرّ (عن) كما وقع مثله في عشرات الموارد في كتب الحديث.

وعلى هذا، فإن علي بن محمد بن مسعدة ــ الذي هو حفيد مسعدة بن صدقة كما يظهر من بعض الأسانيد ويعدّ من الطبقة السابعة لأنه يروي عنه ابن معمر الذي هو من الثامنة ووردت روايته عن عبد الرحمن بن أبي نجران الذي هو من السادسة مثل ابن فضال ــ يكون وسيطاً بين ابن معمر وابن فضال.

وبذلك يظهر أن الإشكال في السند المذكور لا ينحصر في وقوع سعدان وابن معمر فيه ليدفع بما تقدّم، بل من جهة اشتماله على ابن مسعدة أيضاً، مضافاً إلى أن ما ذكر من أن كون ابن معمر من المشاهير مع عدم ورود الطعن فيه يكفي في قبول روايته إنما يتم على مسلك بعض الأعلام (قدس سره)، وهو غير تام على المختار كما أوضحته في موضع آخر. اللهم إلا أن يقال إن عدّ ابن معمر من فقهاء الشيعة ومحدثيهم وعلمائهم يكفي في حدّ ذاته في الاعتماد على روايته، ولكنه محل تأمل.

هذا، ولكن يمكن أن يقال: إنه بالرّغم مما ذكر فإنه يمكن تقريب الاعتماد على الرواية المذكورة، لأن ابن معمر وابن مسعدة لم يكونا من أصحاب الكتب وإنما من مشايخ اجازة كتب الآخرين، والملاحظ أن النجاشي(10) عدّ من كتب الحسن بن علي بن فضال (كتاب الزيارات)، والظاهر أن التلعكبري ــ الذي نصّ الشيخ(11) على أنه روى جميع الأصول والمصنفات) إنما استخرج رواية صفوان المذكورة من ذلك الكتاب، وحيث أن كتب بني فضال كانت مشهورة معروفة في ذلك العصر ــ كما عليه شواهد مذكورة في محلّها ــ فلا حاجة في الاعتماد على ما استخرج منها إلى ملاحظة السند إليها.

 فالمتجه البناء على تمامية سند الرواية المتقدّمة، وإمكان التعويل عليها في البناء على استحباب زيارة الأربعين بعنوانها.

*فائدةٌ مقتَضبةٌ لسماحة السيّد محمّد رضا السيستانيّ «دامت بركاته» فيما طُبع أخيرًا من بحوثه الرجاليَّة (١٤٤٣ هـ) من كتاب [قبسات من علم الرجال: ج٣، ص٦٥٥ – ٦٥٨]

الهوامش:
(١) فوائد رجالية (مخطوط). (٢) تهذيب الأحكام ج:٦ ص:١١٣، مصباح المتهجد ج:٢ ص:٧٨٨. (٣) كامل الزيارات ص:٥٣٥. (٤) الكافي ج:١ ص:١٧٨. (٥) فهرست ابن نديم ص:٢٧٨. (٦) الأمالي للطوسي ص:٦٣٠. (٧) تهذيب الأحكام ج:٣ ص:٦٦. (٨) الكافي ج:٨ ص:١٨. (٩) الأمالي للصدوق ص:٨. (١٠) رجال النجاشي ص:٣٦. (١١) رجال الطوسي ص:٤٤٩  
2022/09/10
أيهما أحق بالإنفاق.. زائر الحسين (ع) أم الفقراء؟!
إن الضابطة الشرعية لقبول الأعمال هي أن تكون لله تعالى، وعلى هذه الضابطة تتفاضل الأعمال المقبولة، فأي عمل أكثر خلوصا لله تعالى سيكون هو الأفضل.

[اشترك]

ثم إن هنالك ضابطة أخرى مترتبة على الضابطة الأولى وهي، مقدار المصلحة والمنفعة المترتبة على ذلك العمل، فأي عمل تترتب عليه منفعة أعظم سيكون ثوابه أكبر بعد تحقق الضابطة الأولى (نية القربة الى الله تعالى).

قال تعالى: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء /96).

فالإيمان بالله تعالى أجره عظيم عند الله تعالى، غير أن الجهاد في سبيله تعالى بالنفس والمال له اجر أعظم بكثير من الإيمان الخالي عن الجهاد، والعلة في ذلك واضحة، إذ لولا دماء الشهداء، وجهادهم لما وصل الإسلام إلى ما وصل إليه الآن.

ولتقريب ذلك أكثر استعين بمثال.

إن إطعام الفقير من المستحبات المؤكدة في الشريعة، وله أجر وثواب عند الله تعالى، غير أن المجاهد الذي يطعم مهجته لالة الحرب دفاعا عن الدين والمقدسات والفقراء، له أجر وثواب أيضا.

ولكن يقينا أن أجر من أطعم لقمة، غير أجر من أطعم روحه ونفسه وجاد بهما دفاعا عن أمر مقدس.

أليس الجود بالنفس اقصى غاية الجود؟

قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ () الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة/20-21).

وعلى هذا أصبح الجواب واضحا، فان الطبخ للإمام الحسين عليه السلام، هو تثمينا لمواقفه المشرفة العظيمة، فالإمام الحسين عليه السلام الذي أطعم كل وجوده آلة الحرب، دفاعا عن الدين، دفاعا عن الحق عن المظلومين، عن الحرية الحقة، يستحق من كل إنسان يعي معنى الحرية الحقيقية أن يخلد له تلك المواقف المشرفة، فنحن حينما نطعم، نطعم إكراما وتثمينا لمواقف الإمام الحسين عليه السلام وصحبه وبنيه. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، إن الطعام الذي يطبخ لسيد الشهداء يأكله الفقراء بمعية زوار أبي عبد الله عليه السلام.

فلا مجال للمقارنة وان أيهما أفضل الطبخ أم إطعام الفقراء.

وهل الطبخ الذي يكون في المواكب يقدم للأغنياء خاصة؟ أم هو لكل زوار أبي عبد الله والكثير منهم فقراء.

هذا إذا أردنا أن نتكلم بعيدا عن الروايات والأدلة التي ذكرت ثواب زيارة الإمام الحسين وثواب خدمة زواره صلوات الله وسلامه عليه.

فقد ثبت عندنا أن أول إمام نصب خيمة لاستقبال زوار الإمام الحسين (عليه السلام) على طريق كربلاء هو الإمام الصادق (عليه السلام) .

حيث روى ابن قولويه رحمه الله (عن موسى بن القاسم الحَضرميّ «قال : قدم أبو عبد الله عليه السلام في أوَّل ولاية أبي جعفر فنزل النّجف ، فقال: يا موسى اذهب إلى الطّريق الأعظم فقِف على الطّريق فانظر فإنّه سَيأتيك رجلٌ مِن ناحية القادسيّة ، فإذا دنا منك فقل له : ههنا رَجلٌ مِن وُلد رَسول الله يدعوك ، فسيجيء معك ، قال : فذهبت حتّى قمتُ على الطَّريق والحرُّ شديد ، فلم أزل قائماً حتّى كدتُ اُعصي وأنصرف وأدَعه ، إذ نظرتُ إلى شيءٍ يقبل شبه رَجل على بَعير ، فلم أزل أنظر إليه حتّى دنا منّي ، فقلت : يا هذا ههنا رجلٌ مِن ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يدعوك وقد وَصَفك لي ، قال : اذهب بنا إليه ، قال : فجئت به حتّى أناخ بَعيره ناحيةً قريباً مِن الخيمة ، فدعا به فدخل الأعرابيُّ إليه ودنوتُ أنا فصرت إلى باب الخيمة أسمع الكلام ولا أراهم ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : مِن أين قَدِمتَ؟ قال : مِن أقصى اليمن ، قال : أنتَ مِن موضع كذا وكذا؟ قال : نعَم أنا مِن موضع كذا وكذا ، قال : فبما جئتَ ههنا؟ قال : جئت زائراً للحسين عليه السلام ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : فجئتَ مِن غير حاجةٍ ليس الاّ للزّيارة؟ قال : جئتُ من غير حاجةٍ إلاّ أنْ اُصلّي عنده وأزوره فاُسلّم عليه وأرجع إلى أهلي ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : وما ترون في زيارته؟ قال : نَرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : أفلا أزيدك من فَضله فضلاً يا أخا اليمنيّ؟ قال : زدني يا ابن رسول الله ، قال : إنَّ زيارة الحسين عليه السلام تعدِلُ حَجّةَ مقبولة زاكية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فتعجّب مِن ذلك ، قال : إي والله وحَجَّتين مَبرورَتين متقبّلَتين زاكيتَين مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فتعجّب ! فلم يزل أبو عبد الله عليه السلام يزيد حتّى قال : ثلاثين حجّة مبرورةً متقبِّلة زاكية مع رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم) كامل الزيارات-ابن قولويه القمي- (ص177/ ح 7)

أضف إلى ذلك أن الطبخ للإمام الحسين عليه السلام، إنما هو باختيار الناس فلا يوجد من أجبر الناس على ذلك، ومن المعلوم أن الناس مسلطون على أموالهم، فلهم الحق في صرف أموالهم في أي جهة من جهات البر، واي بر اعظم من وصل من امرنا الله بمودتهم عليهم السلام. قال تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/24).

2022/09/08
ما هو دور المرأة في زيارة الأربعين؟
المرأة كانت ولازالت ترافق الرجل في شتى المجالات فهي شريكة الرجل في رحلة الحياة، لذلك نجد إنها متواجدة غالباً مع الرجل خلف ستائر الحروب وفي إدارة المجتمعات وغير ذلك في كل صغيرة وكبيرة.

[اشترك]

 لو نراجع نصوص التاريخ نستطيع ان نلاحظ دور المرأة وأهمية هذا الدور بوضوح، ولو نلاحظ بتمعن في واقعة الطف سنجد إن واقعة الطف حسينية الوجود وزينبية البقاء، ولولا دور الاعلام لم يكن هناك أثر لتلك الثورة العظيمة.

كذلك اليوم نشاهد ان المرأة تشترك في إحياء هذه الزيارة العظيمة والتجمع الانساني الكبير بمختلف المجالات، كما نستطيع ان نشير إلى أهم مشاركاتها وهي المشي مع الأطفال حيث إنها تقوم بتربية جيل صالح يحمل أسمى القيم وأنبل الصفات اذ يتعلم الطفل الصبر والايثار في هذا الطريق ويتقن دروس الانسانية بأفضل صورة.

مساعدة الرجال في استقبال الزائرين:

إن النساء يساعدن الرجال في استقبال الزائرين من حيث اعداد الطعام خلف السواتر وتنظيف الموكب والحسينية التابعة للنساء وتقديم بعض المساعدات للنسوة أمثالها فهذه الخدمة من أفضل الخدمات كما قالت بعض النسوة التي قمن بأداء هذا المهام إنهن لا يشعرن بالتعب الجسدي لما يشعرون بالراحة النفسية في هذا العمل وهذه الخدمة وينتظرون طوال العام ليقترب موعد الخدمة..

تشجيع الرجال في أداء المهام

تستطيع ان تكون صاحبة الخلق الحسن وتشجع الرجل في القيام بالخدمات الحسينية في شتى المجالات وتكون سنداً له في هذا الطريق وتصبر عن بعض الأذى والحرمان في هذه الفترة المزدحمة ولا توبخ الرجل حباً لسيد الشهداء عليه السلام.

مراكز طبية:

حيث هناك كثير من النساء يقدمن خدمات طبية ويساعدن المرضى في الشفاء والابتعاد عن بعض الأخطاء الصحية وبهذه الخدمة يسجلن أسمائهن في دفتر الخدمة الحسينية.

مراكز إرشادية:

هناك مراكز خاصة للنساء تقوم بإعطاء نصائح إرشادية لأجل حياة أفضل وتخطي الصعوبات وبعضهن تعلّم النساء بعض الواجبات الدينية.

حلقات التعارف والتآلف:

في هذا الطريق تتعرف المرأة على نساء أخريات وتتعلم منهن بعض الدروس والتجارب في الحياة وهكذا تتحرك نحو سيد الشهداء وهي تحمل حقائب معنوية والجمال الروحي وتودّع السلبيات لتتنعم بحياة جديدة مملوءة بدرر وعبر من واقعة الطف العظمى.

إن المرأة لها دور عظيم في تغيير المجتمع وتربية الأجيال، إنها الأرض الصالحة التي من أحضانها يخرج صنّاع المستقبل ومدراء المجتمع لذلك كما لها دور في جميع المجالات ونلمس حضورها في كل مكان لا يمكن ان نبعدها عن الساحة الحسينية المقدسة ونحكم عليها بالحبس في البيوت كما فعل الطالبان والوهابية الذين أبعدوا الناس عن الطريق الصحيح وبدلّوا المرأة إلى كائن هامشي لا حول ولا قوة لها!

لابد وأن تتعلّم وتتثقّف الأنثى كي تزرع الورود في كل مكان وتعلن للعالم إنّها خُلقت كي تكون مع آدم في هذه الرحلة والموعد الجنة بإذن الله وبحب الحسين عليه السلام.

*فهيمة رضا

 

2022/09/07
2022/09/06
زيارة الأربعين: فقراتُها المهمّة، ومفرداتها المُبهمة
​       المعروف بين أهل الإيمان أنّ هناك صيغتين لزيارة الإمام الحسين(صلوات الله عليه) يوم الأربعين: الأولى-قد وردت على لسان الصحابي جابر الأنصاري(رضوان الله عليه) ..، ولا غرض لنا بها هاهنا، وإنّما الكلام عن نصّ الزيارة الثانية بصيغتها المرويّة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وهي أقدم نصّ يؤسس لعنوان :"زيارة الأربعين" على نحو صريح، وما زال المؤمنون إلى يومنا هذا يتداولون قراءتها من مفاتيح الجنان عند زيارة الإمام في العشرين من صفر؛ ومن أجل ذلك كلّه: سنسلط ضوءاً على متنها بإبراز بعض فقراتها المهمّة، وتوضيح مفرداتها المبهمة:
  • ثلاث فقرات مهمّات:

في متن زيارة الأربعين مقاطع وجمل لا يسع استيعابها في مقال موجز، خذ مثلاً جملة:"وأعطيته مواريث الأنبياء"، فإنّها تختزل وتطوي، وتلفُّ وتُجمِل- ما تفرّق وفصّل في زيارة وارث.. لكن عملاً بقاعدة: مالا يدرك كلّه، لا يترك كلّه، فإنّنا نخصّ ثلاث فقرات مهمّة في هذه الزيارة الشريفة:

  1. أوّلها ما في صدر الرواية، وهو قول صفوان الجمّال: "قال لي مولاي الصادق (صلوات الله عليه): في زيارة الأربعين، تزور عند ارتفاع النهار.."!.

وهذه الفقرة بالغة الأهميّة؛ لأنّه تثبت أن مصطلح(زيارة الأربعين) مصطلح روائي يراد به زيارة الإمام الحسين في العشرين من صفر أي بعد مضي أربعين يوماً على استشهاده، ولذلك أدرج العلماء النصوص التي ورد فيها المصطلح آنفاً تحت عنوان: زيارة العشرين من صفر، أو زيارة الأربعين.( انظر-الطوسي: تهذيب الأحكام ٦ / ١١٣ ح ١٧ من باب ٥٢، ومصباح المتهجد،ص788).ومن ثمّ يندفع بهذه الفقرة أكثر من اعتراض على الزيارة نفسها، أو على غيرها، وفيما نموذجين من الاعتراضات المدفوعة بها: 

الاعتراض الأوّل- إنّ"ادراج الطّوسي لها[الزيارة] في أعمال العشرين من صفر لا شاهد روائيّ عليه أصلاً"!!،ونؤكّد مرّة أخرى أنّ أساس الاعتماد في المقام ليس هو مجرّد ادراج الطوسي أو غيره على الرغم من أهميّة مثل هذا الادراج كما لايخفى على أهل العلم، إلا أنّ المعتمد هي فقرة من ضمن الرواية، و جزء من داخل متن الحديث أعني قول صفوان عليه الرحمة والرضوان: قال لي مولاي الصادق: في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار..!

الاعتراض الثاني- على حديث: علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين.. يقول صاحب الاعتراض مفسّراً عبارة"وزيارة الأربعين" في الحديث: "بعض الناس يتصور أن زيارة الأربعين هي زيارة الحسين في يوم الأربعين، لا، مش هيك [ليس هكذا، بل المقصود] زيارة أربعين مؤمن."، وبالرغم من عدم وجود أي أساس لهذا التفسير، فإنّ حديث صفوان في فقرته آنفاً يدفع هذا الاحتمال بشكل قاطع، ويفسّر المقصود على نحو واضح وساطع.

  1. "وبذل مهجتَه فيك؛ ليستنقذَ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة". حسب أهل اللغة: إنّ الفعل (بذل) يعني الإباحة عن طيب نفس، وهكذا كان (عليه السلام) فقد أباح نفسه لله تعالى راضياً قانعاً مسلّماً؛ فقد روي عنه (عليه السلام) قوله: إلهي، إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.. والمهجة هنا هي: الروح.. والجهالة غير الجهل، فالجهل عدم العلم، بينما الجهالة هي زوال القوّة العاقلة.
  2. تمثّل الفقرة آنفاً سماء الزيارة وقدحها المعلّى وقمتها، وذروتها و شُرفتها؛ لأنّها تحدّد وبإيجاز غير مخل: غايةَ النهضة وغرضها، وتختصر عرض الأهداف والفوائد، والثمار والنتائج لحركة سيد الشهداء وفاجعته، وهي إذ تكشف عن ذلك وتنيره، وتسفر عنه وتوضّحه بالرغم من أنّه مطلب معتاص، ومركب صعب؛ لذا اختلفت الآراء، وتعدّدت الرؤى، وتنوّعت المسالك حسب المشارب في بيان أهداف الحركة الحسينية، والمقال لا يطمع في تفصيل هذا المرام الصعب، والحمى المنيع، لكن من المفيد أن أنقل ما توصل إليه أحد المراجع الكبار المعاصرين، ونتيجة لدراسة مطوّلة في هذا السياق كتب يقول: 

"الذي ظهر لنا من فوائد نهضة الإمام الحسين وثمراتها هو إكمال مشروع أمير المؤمنين في إيضاح معالم الدين، وسلب شرعية السلطة التي كانت تتحكم فيه، وتركيز دعوة التشيع، ودفعها باتجاه التوسع والانتشار. وبعد حصول ذلك كله بجهود الأئمة الأولين (عليهم السلام) وخاصة شيعتهم وتضحياتهم، التي بلغت القمة في فاجعة الطف، لا يبقى مبرِّر للتضحية من الأئمة الباقين (عليهم السلام) أو من شيعتهم (فاجعة الطف، ص493).

وهذا ما حدث بالفعل، فقد قرّبت كربلاء البعيد، واختزلت الطريق وأظهرت المخفي وبيّنت الملتبس وعرّبت المستعجم وأوضحت المشتبه، وميّزت الصفوف، وفصلتْ وبمنتهى الجلاء والوضوح بين الحق والباطل، والحجّة والشبهة، والحسن والقبح.. وفرزت العامر عن الغامر، والمنصف من المعاند والجاحد.!

  1. ومن الفقرات المهمّة في الزيارة هي قوله: "ونصرتي لكم معدة، حتى يأذن الله لكم"، ومنشأ أهميتها أنّهاتربط الماضي بالحاضر، والحاضر بالمستقبل، وتوثق الصلة بين ما كان وما ينبغي أن يكون، وترسخ العلاقة وتشدها بين قضية الحسين والمهدي، إنّها بإيجاز الفقرة الخاصة بالإعداد والتمهيد. ولن تعدم الفقرة الشبه من هذه الناحية مع سائر الزيارات الأخرى ففي عاشوراء مثلاً نقرأ نظير هذا الربط: وأن يرزقني طلب ثاري أو ثارك مع إمام منصور..

وقد تناولتْ الفقرة الإشارة إلى ثلاثة مفاهيم: النصرة، والإعداد، والظهور:

  • أمّا النصرة، فما ينبغي للزائر المؤمن معرفته أنّ نصرة أهل البيت وتأييدهم قوامها أولاً وقبل كلّ شيء تقع من الله تعالى وتأييده لهم، ثمّ نصرة المؤمنين ثانياً. {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] غاية الأمر أنّ نصرة الله تعالى ثابتة، وتأييده لهم دائم ولا يخضع للزوال والتغيّر {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة: 40] وأمّا نصرة المؤمنين فتخضع لقانون الاستبدال والتغير "واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري". 
  • وأمّا الإعداد قبل المواجهة، والاستعداد الذي يسبق الحرب الفكرية أو الثقافيّة أو العسكرية.. فتتفق كلمة العلماء على أنّ مفهوم الإعداد مفهوم عام ثابت، وهو مطلوب على كل حال، إلا أنّ آلياته وكيفياته ومصاديقه تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فرباط الخيل في الآية مثلاً: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] يتناسب والمرحلة آنذاك، ولا شك أنّه يختلف عنه الآن، حيث الفضائيات وعالم النت ووسائل التواصل، والمناخ السائد غالباً هي الحرب الإعلاميّة والفكريّة والعقائديّة.
  • وتشير جملة "حتى يأذن الله لكم" إلى الرجعة وعصر الظهور كما هو واضح، ويشهد له ما في الزيارة الجامعة الكبيرة: "وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِىَ اللهُ تَعالى دينَهُ بِكُمْ، وَيَرُدَّكُمْ في اَيّامِهِ، وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَيُمَكِّنَكُمْ فى اَرْضِهِ " ومعنى ذلك أن النصرة مستمرة، والاعداد قائم ودائم طيلة فترة الغيبة الكبرى، وأنّ منتهى ذلك ونهايته وغايته وحدّه ومنتهاه هو أن يأذن الله تعالى لدينه بالسيادة التامّة، والظهور المطلق، والغلبة الكاملة على كلّ الاتجاهات والمذاهب والأديان ويسود الأرض ويعمّ المعمورة كلّها؛ حتى لا يقول قائل: إنّا لو ولينا لعدلنا، كما في الخبر.. ولم يتحقق مثل هذا الظهور ولن يتحقق إلا في عصر الظهور الشريف؛ لذا جاء في الحديث الصحيح في تفسير قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قَالَ: يُظْهِرُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ..(انظر-الكافي،ج1،ص432).

***

  • وأمّا مفردات الزيارة المبهمات، وعبائرها المجملات فأبرزها:
  1. أسير الكربات: الكُربة بالضم هي الغم الذي يأخذ بالنفس، وجمعها كربات، وكرب كغرفة وغرف، و منه الدعاء: يا مفرّج عن المكروبين..
  2. وذائداً من الذادة: الذَّوْد السَّوق والطرد والدفع تقول ذُدْتُه عن كذا وذاده عن الشيءِ ذَوْداً وذِياداً ورجل ذائد أَي حامي الحقيقة دفاع من قوم.. وفي حديث النبي لعلي (ص): أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة..
  3. فأعذر في الدعاء: العُذْر اسم للحجة التي يُعْتَذر بها، والمصدر هو الإِعْذار، وأَعْذَرَ بمعنى اعْتَذَر اعتذاراً يُعْذَرُ به وصار ذا عُذْرٍ منه، وجاء بما صار به معذوراً، فيقال في المثل: قد أعذر من أنذر: أي أتى بما صار به معذورا، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف : 164] ..فمعنى "فأعذر في الدعاء" هو أنّ الإمام الحسين عليه السلام دعا أعدائه إلى طريق الحقّ، وبذل لهم النصيحة وأقام عليهم الحجة وأتاهم بما يقتضي العذر.
  4. الثمن الأوكس: الوكس هو النقص، في الحديث: بيع الربا و شراؤه وكس. أي نقصٌ، وفي الخبر: المرأة لها مهر مثلها، لا وكس و لا شطط، أي لا نقصان و لا زيادة. و الثمن الأوكس: الأنقص.
  5. فالعنهم لعناً وبيلاً: والوبيل هنا هو الشديد، ويوصف به العذاب فيقال: عذاب وبيل، ويوصف به الأخذ أيضاً كما يقول الله تعالى عن فرعون: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16]، ويقال أيضاً: لعناً وبيلاً، أي لعناً شديداً مضاعفاً..
  6. ولم تلبسك المدلهمّات من ثيابها..: المدلهمّات: جمع مُدلهم، والمُدْلَهمُّ هو الأسود، وادْلَهَمَّ الليلُ والظلام كَثُفَ واسْودّ، ويقال: ليلة مُدْلَهِمَّة أي مظلمة وأسود مُدْلَهِمّ مُبالَغٌ به.
  7. مَعقِل المؤمنين: المعقل: هو الحِصن، تقول العرب: فلان معقل قومه، أي: حصنهم وملاذهم وملجأهم، كذا الحسين (عليه السلام) أمان لأهل الأرض، وسفينة نجاة، وحصن وملاذ وملجأ في حياته بإمامته الهادية وبعد استشهاده باستجابة الدعاء تحت قبته وبجمع المؤمنين اليوم سيما في الأربعين.

في الختام أشير إلى الإلتباس الواقع في فقرة: "أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي .."، فالشائع عند الكثير من المؤمنين هو قرائتها على أنّها مقطع واحد متصل و متواصل ودونما توقّف، بينما الصحيح هو التوقف ولو قليلاً في القراءة عند " بإيابكم"، ثمّ الإستئناف بعدها، وكتابياً ينبغي أن توضع فارزة بين الجملتين على النحو التالي: إني بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني..؛ لأنّ الجار والمجرور الأوّل (بإيابكم) متعلق بمؤمن، والجار والمجرور الثاني(بشرائع ) متعلّق بـ(موقن).

      وقد طلب أحدُ المؤمنين من السيد الخوئي (ره) بيان هذه الفقرة وتوضيح متعلّق(بشرايع)؛ فأجابه السيد ما لفظه: "إذا قرأتَ هكذا: (أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وبخواتيم عملي) يوضح لك متعلّق الجملة، أي الجارّ والمجرور متعلق بـ(موقن)، وكذا "بخواتيم عملي" معطوف على ما قبله، ومتعلق بموقن.(صراط النجاة،ج1،ص467)، ويشهد على ما أفاده رحمه الله: ما جاء في زيارة أبي الفضل العباس (عليه السلام): إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين..

2022/09/06
موقف محرج وكرامة لزوار الإمام الحسين (ع)!
الشيخ أحمد علي الحلي هذه كرامتهم عند الله تعالى: بيتي في شارع الطوسي، ومن الطبيعي أن أكون بخدمة الزائرين أيّام الأربعين وبعدها، وبيتي وقتها يمتلأ حتى سطح الدار؛ للمجاورة كما ذكرت.

وفي إحدى السنوات السابقة وقبل الأربعين حلّ الليل واستنزفت فراش البيت، والشتاء قارص، فاستعنت بفراش بيت والدتي وبيت صهري من آل شكر، والحمد لله ربّ العالمين على الخدمة والتوفيق.

وفي وقت متأخر من الليل طُرقت الباب وإذا (١٧) زائرا، خجلت من ردّهم، وليس من أخلاقي، فقلت لمن في الدار من الزوار: وسعوا لأخوتكم الزوار، فوسعوا، وأتيت بالعشاء، مع ضيق المكان، وكان الهمّ عندي من أين أجلب الفراش لهم؟

فطُرقت الباب، وإذا بأحد الأخوة من البحرين (الحاج … الصفّار) ويجمعني معه العمل التراثي وحب الكتب، ومعه زائر قطريّ لا أعرفه، وبعد السلام والتحية، نظروا للزوار من فتحة الباب اليسيرة، فقالوا: أنحب نتبرك مع الزوار؟ فقلت: اتفضلوا، وتعشوا مع الزوار.

فأخرج القطريّ مبلغاً من المال، وقال: هذا  للزوار، فامتنعت من أخذه للكرامة والعفّة وطلباً للكمال، وثمّ هو في أول دخوله، وليس لي به معرفة سابقة، ولهذا وغيره امتنعت من أخذه منه، وألحّ عليّ وألح، فامتنعت، فاجتمعت الأصوات من الزوار قائلين: هو قال للزوار وليس لك، فأخذت المبلغ بعد الإصرار، وخرج الصفّار وصديقه.

فاتصلت بأختي العزيزة وأعطيتها كلّ المبلغ، وقلت لها: ولو زحمة اشترينا فراش للزوار، ولم أذكر لها العدد، يشهد الله تعالى.

فجاءت بعد ساعة ومعها (١٧) دوشك وبطانية ووسادة، فتعجبت من هذا الاتفاق، والكرم الحسيني، فما جلبته هو بعدد الزوار دون زيادة أو نقصان.

هذه كرامتهم عند الله تعالى فلم لا نخدم زوارهم، بأبي هم وأمي.

وهذا غيض من فيض مما رأيت من كرمهم.

2022/09/05
آداب في طريق الزيارة: هذا ما ينبغي على الزائر مراعاته
*الشيخ عباس القمي (ره): من الآداب في طريقه إلى الزّيارة وفي ذلك الحرم الطّاهر وهي عديدة:

الاوّل : أن يصوم ثلاثة أيّام متوالية قبل الخروج من بيته ويغتسل في اليوم الثّالث على ما أمر الصّادق صلوات الله وسلامه عليه صفوان، وستأتي الرّواية عند ذكر الزّيارة السّابعة وقال الشّيخ محمّد بن المشهدي في مقدّمات زيارة العيدين: اذا أردت زيارته (عليه السلام) فصُم ثلاثة أيّام واغتسل في اليوم الثّالث واجمع اليك أهلك وعيالك وقُل :

اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْتَوْدِعُكَ الْيَوْمَ نَفْسي وَاَهْلي وَمالي وَوَلَدي وَكُلَّ مَنْ كانَ مِنّي بِسَبيل، الشّاهِدَ مِنْهُمْ وَالْغائِبَ، اَللّـهُمَّ احْفَظْنا بِحِفْظِكَ بِحِفْظِ الاِْيمانِ وَاحْفَظْ عَلَيْنا، اَللّـهُمَّ اجْعَلْنا في حِرْزِكَ وَلا تَسْلُبْنا نِعْمَتَكَ وَلا تُغَيِّرْ ما بِنا مِنْ نِعْمَة وَعافِيَة، وَزِدْنا مِنْ فَضْلِكَ اِنّا اِلَيْكَ راغِبُونَ .

ثمّ اخرج من منزلك خاشعاً واكثر من قول لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَاللهُ اَكْبَرُ وَالْحَمْدُ للهِ وَمِن تمجيد الله تعالى والصّلاة على النّبي وآله صلوات الله عليهم وامض وعليك السّكينة والوقار . وروي انّ الله يخلق من عرق زوّار قبر الحسين (عليه السلام)من كلّ عرقة سبعين ألف ملك يسبحون الله ويستغفرون له ولزوّار الحسين (عليه السلام) الى أن تقوم السّاعة .

الثّاني : عن الصّادق (عليه السلام) قال : اذا زرت أبا عبد الله (عليه السلام) فزره وأنت حزين مكروب شعث مغبر جائع عطشان فانّ الحسين عليهِ السلام قتل حزيناً مكروباً شعثاً مغبراً جائعاً عطشاناً واسأله الحوائج وانصرف عنه ولا تتّخذه وطناً .

الثّالث : أن لا يُتّخذ الزّاد في سفر زيارته (عليه السلام) ممّا لذّ وطاب من الغذاء كاللّحم المشوي والحلاوة بل يغتذى بالخبز واللّبن، عن الصّادق صلوات الله وسلامه عليه قال : بلغني انّ قوماً اذا زاروا الحسين (عليه السلام)حملوا معهم السّفرة فيها الجداء والاخبصة واشباهه، ولو زاروا قبور آبائهم واحبّائهم ما حملوا معهم هذا، وقال المفضّل بن عمر في حديث معتبر آخر: تزورُون خير من أن لا تزورون ولا تزورون خير من أن تزورون ، قال : قلت قطعت ظهري ، قال : تالله ان احدكم ليذهب الى قبر أبيه كئيباً حزيناً وتأتونه بالسُّفر، كلاّ حتى تأتونه شعثاً غبراً.

أقول : ما أجدر للاثرياء والتّجار أن يراعوا هذا الامر في سفر زيارة الحسين صلوات الله وسلامه عليه فاذا دعاهم أخلاؤهم في المدن الواقعة على المسير الى المادب رفضوا الدّعوة فاذا عمدوا الى حقائبهم وسفرهم يملؤونها بما طاب من مطبوخ الزّاد كالدّجاج المشوي وغيره من الشّواء أبوا ذلك وصدّوا عنه قائلينْ انّنا راحلون الى كربلاء ولا يجدر بنا أن نتغذّى بمثل ذلك .

روى الكليني (رحمه الله) انّه لمّا قتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه اقامت امرأة الكلبيّة عليه مأتماً وبكت وبكت النّساء والخدم حتّى جفّت دموعهم فأهدى اليها الجونىَ وهو القطا على ما فسّرَ لِيَقْتَتْنَ به فَيَقْوينَ على البكاء على الحسين، (عليه السلام)فلمّا رأته سألت عنه فقيل: هو هديّة أهداها فلان تستعنّ بها في مأتم الحسين (عليه السلام)، فقالت: لَسْنا في عُرْس فَما نَصْنَعُ بِها فأمرت باخراجه من الدّار.

الرّابع : ممّا ندب اليه في سفر زيارة الحسين (عليه السلام) هو التّواضع والتّذلّل والتّخاشع والمشي مشي العبد الذّليل فمن ركب من الزّائرين المراكب الحديثة التي تجري مسرعة بقوّة البخار وامثالها يجب عليه التّحفّظ والاحتراز عن الكبر والخيلاء والتّمالك عن التّبختُر على سائر الزّوار من عباد الله الّذين هم يقاسون الشّدائد والصّعاب في طريقهم الى كربلاء فلا ينظرون اليهم نظر التّحقير والازدراء .

روى العلماء في أصحاب الكهف انّهم كانوا من خاصّة دقيانوس ووزرائه فلمّا وسعتهم رحمة الله تعالى فاستقام فكرهم في معرفة الله عزّوجل وفي اصلاح شأنهم استقرّوا على الرّهبنة والانزواء عن الخلق والاواء الى كهف يعبدون الله تعالى فيه، فركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة فلمّا ساروا ثلاثة اميال قال لهم تميلخا وكان هو أحدهم : يا اِخْوَتاهُ جاءَتْ مَسْكَنَةُ الاْخِرَةِ وَذَهَبَ مُلْكُ الدُّنْيا اِنْزِلُوا عَنْ خُيُولِكُمْ وَامْشُوا عَلى اَرْجُلِكُمْ (انزلوا عن الخيول وسيروا في سبيل اللهِ على ارجلكم لعلّ الله تعالى ينزّل عليكم عطفه ورحمته ويجعل لكم من امركم مخرجاً) فنزل اولئك العظماء الاجلاء عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم حتى تقاطرت ارجلهم دماً، فعلى زائر هذا القبر الشّريف أن يراعي هذا الامر وليعلم ايضاً انّ تواضعه في هذا الطريق لوجه الله تعالى انّما هو رفعة له واعتلاء .

وقد روي في آداب زيارته (عليه السلام) عن الصّادق (عليه السلام) قال : من أتى قبر الحسين صلوات الله وسلامه عليه ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة الف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له الف درجة، فاذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك وامش حافياً وامش مشي العبد الذّليل .

 

الخامس : أن يجتهد ما وسعه الاجتهاد في اعانة الزّائر الرّاجل اذا شاهده وقد تعب واعيا عن المسير فيهتمّ بشأنه ويبلغه منزلاً يستريح فيه، وحذار من الاستخفاف به وعدم الاهتمام لشأنه .

روى الكليني بسند معتبر عن أبي هارون ، قال : كنت عند الصّادق (عليه السلام)يوماً فقال لمن حضره : ماذا بكم تستخفّون بنا ؟ فقام من بينهم رجل من أهل خراسان وقال : نعوذ بالله أن نستخفّ بكم أو بشيء من امركم ، فقال : نعم أنت ممّن استخفّ بي واهانني ، قال الرّجل : اعوذ بالله أن اكون كذلك ، قال (عليه السلام) : ويلك ألم تسمع فلاناً يناديك عندما كنّا بقرب جحفة ويقول اركبني ميلاً فوالله لقد تعبت انّك والله لم ترفع اليه رأسك واستخففت به، ومن اذلّ مؤمناً فقد اذلّنا واضاع حرمة الله تعالى .

أقول : راجع الادب التّاسع من آداب الزّيارات العامّة فقد أوردنا هناك كلاماً يناسب المقام، ورواية عن عليّ بن يقطين، وهذا الادب الَّذي ذكرناه هُنا لا يخصّ زيارة الحسين (عليه السلام)وانّما أوردناه هُنا في الاداب الخاصّة بزيارته (عليه السلام)لكثرة مصادفة موارده في هذه الزّيارة خاصّة .

السّادس : عن الثّقة الجليل محمّد بن مُسلم عن الامام محمّد الباقر (عليه السلام)قال : قلت له: اذا خرجنا الى أبيك أفلسنا في حجّ ، قال : بلى ، قلت : فيلزمنا ما يلزم الحاج ، قال : يلزمك حُسن الصحبة لمن يصحبك، ويلزمك قلّة الكلام الاّ بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك نظافة الثّياب، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحير، ويلزمك الخشوع وكثرة الصّلاة والصّلاة على محمّد وآل محمّد، ويلزمك التّحفّظ عمّا لا ينبغي لك، ويلزمك أن تغضى بصرك (من المحرّمات والمشتبهات)، ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من اخوانك اذا رأيت منقطعاً والمواساة (أن تناصفه نفقتك)، ويلزمك التّقيّة التي قوام دينك بها، والورع عمّا نهيت عنه، وترك الخصومة وكثرة الايمان والجدال الَّذي فيه الايمان، فاذا فعلت ذلك تمّ حجّك وعمرتك واستوجبت من الَّذي طلبت ما عنده بنفقتك واغترابك عن أهلك ورغبتك فيما رغبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرّضوان .

السّابع : في حديث أبي حمزة الثّمالي عن الصّادق صلوات الله عليه في زيارة الحسين (عليه السلام) انّه قال : اذا بلغت نينوى فحطّ رحلك هُناك ولا تدهن ولا تكتحل ولا تأكل اللحم ما أقمت فيه .

الثّامن : أن يغتسل بماء الفُرات ، فالروايات في فضله كثيرة، وفي رواية عن الصّادق صلوات الله وسلامه عليه قال : من اغتسل بماء الفُرات وزار قبر الحسين (عليه السلام) كان كيوم ولدته امّه صفراً من الذّنوب ولو اقترفها كبائر .

وروي انّه قيل له (عليه السلام) : ربّما أتينا قبر الحسين بن عليّ (عليهما السلام)فيصعب علينا الغُسل للزّيارة من البرد أو غيره ، فقال (عليه السلام): من اغتسل في الفرات وزار الحسين (عليه السلام) كُتب له من الفضل ما لا يحصى . وعن بشير الدّهان عن الصّادق (عليه السلام) قال : من أتى قبر الحسين بن عليّ (عليهما السلام) فتوضّأ واغتسل في الفرات لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً الاّ كتب الله له حجّة وعُمرة، وفي بعض الرّوايات إئت الفرات واغتسل بحيال قبره، وكما يستفاد من بعض الرّوايات يحسن اذا بلغ الفرات أن يقول مائة مرّة اَللهُ اَكْبَرُ ومائة مرّة لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ ويصلّي على محمّد وآله مائة مرّة .

التّاسع : أن يدخل الحائر المقدّس من الباب الشّرقي على ما أمر الصّادق صلوات الله وسلامه عليه يوسف الكناسي .

العاشر : عن ابن قولويه عن الصّادق (عليه السلام) انّه قال للمفضّل بن عمر : يا مفضّل اذا بلغت قبر الحُسين صلوات الله وسلامه عليه فقف على باب الرّوضة وقل هذه الكلمات، فانّ لك بكلّ كلمة منها نصيباً من رحمة الله تعالى :

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّد حَبيبِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عَلِيِّ وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ، اَلسّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الحَسَنِ الرَّضِّي، اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الشَّهيدُ الصِّدّيقُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبارُّ الْتَّقِيُّ، اَلسَّلامُ عَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَاَناخَتْ بِرَحْلِكَ، اَلسَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللهِ الُْمحْدِقينَ بِكَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ثمّ تمضي الى القبر ولك بكلِّ خطوة تخطوها أجر المتشحّط بدمه في سبيل الله فاذا اقتربت من القبر فامسحه بيدك وقُل : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ في اَرْضِهِ وَسَمائِهِ ثمّ تمضي الى صلاتِك ولك بكلّ ركعة ركعتها عنده كثواب من حجّ ألف حجّة واعتمر الف عمرة واعتق في سبيل الله الف رقبة وكأنّما وقف في سبيل الله الف مرّة مع نبيّ مرسل . الخبر

الحادي عشر : روى عن أبي سعيد المدائني قال : أتيت الصّادق (عليه السلام)فسألته ءأذهب الى زيارة قبر الحسين (عليه السلام)فأجاب بلى اذهب الى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أطيب الطيّبين واطهر الطّاهرين وأحسن المحسنين، فاذا زرته فسبّح عند رأسه بتسبيح امير المؤمنين (عليه السلام) ألف مرّة، وسبّح عند رجليه بتسبيح الزّهراء (عليها السلام) ألف مرّة، ثمّ صلّ عنده ركعتين تقرأ فيهما سورة يس والرّحمن، فاذا فعلت ذلك كان لك أجر عظيم ، قلت : جعلت فداك علّمني تسبيح عليّ وفاطمة (عليهما السلام) ، قال : بلى يا أبا سعيد تسبيح علي صلوات الله عليه هو :

سُبْحانَ الَّذي لا تَنْفَدُ خَزائِنُهُ، سُبْحانَ الَّذي لا تَبيدُ مَعالِمُهُ، سُبْحانَ الَّذي لا يَفْنى ما عِنْدَهُ، سُبْحانَ الَّذي لا يُشْرِكُ اَحَداً في حُكْمِهِ، سُبْحانَ الَّذي لاَ اضْمِحْلالَ لِفَخْرِهِ، سُبْحانَ الَّذي لاَ انْقِطاعَ لِمُدَّتِهِ، سُبْحانَ الَّذي لا اِلـهَ غَيْرُهُ .

وتسبيح فاطمة (عليها السلام) هو :

سُبْحانَ ذِي الْجَلالِ الْباذِخِ الْعَظيمِ، سُبْحانَ ذِي الْعِزِّ الشّامِخِ الْمُنيفِ سُبْحانَ ذِي الْمُلْكِ الْفاخِرِ الْقَديمِ، سُبْحانَ ذِي الْبَهْجَةِ وَالْجَمالِ، سُبْحانَ مَنْ تَرَدّى بِالنُّورِ وَالْوِقارِ، سُبْحانَ مَنْ يَرى اَثَرَ الَّنمْلِ فِي الصَّفا وَوَقَعَ الطَّيْرِ فِي الْهَواءِ .

 

الثّاني عشر : أن يصلّي الفرائض والنّوافل عند قبر الحسين (عليه السلام) فانّ الصّلاة عنده مقبُولة، وقال السّيد ابن طاوُس (رحمه الله):اجتهد في أن تؤدّي صلاتك كلّها فريضة كانت أو نافلة في الحائر فقد روي انّ الفريضة عنده تعدل الحجّ، والنّافلة تعدل العمرة .

أقول : قد مضى في حديث مفضّل فضل كثير للصّلاة في الحائر الشّريف، وفي رواية معتبرة عن الصّادق (عليه السلام) قال : من صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات كتبت له حجّة وعُمرة . والَّذي يبدو من الاخبار انّ صلاة الزّيارة أو غيرها من الصّلوات يحسن أداؤها خلف القبر كما يحسن أن تؤدّى ممّا يلي الرّأس الشّريف، وليتأخّر المُصلّي قليلاً اذا وقف ممّا يلي الرّأس حتى لا يكونُ محاذياً للقبر الشّريف، وورد في رواية أبي حمزة الثّمالي عن الصّادق (عليه السلام) انّه قال : صلّ عند رأسه ركعتين تقرأ في الاولى الحمد ويس وفي الثّانية الحمد والرّحمن وان شئت صلّيت خلف القبر وعند رأسه أفضل فاذا فرغت فصلّ ما أحببت الاّ انّ الركعتين ركعتي الزّيارة لابدّ منهما عند كلّ قبر . وروى ابن قولويه عن الباقر (عليه السلام)انّه قال لرجل : يا فلان ماذا يمنعك اذا عرضتك حاجة أن تمضي الى قبر الحسين صلوات الله عليه وتصلّي عنده أربع ركعات ثمّ تسأل حاجتك، انّ الفريضة عنده تعدل الحجّ، والنّافلة تعدل العُمرة .

الثّالث عشر : اعلم انّ أهمّ الاعمال في الرّوضة الطّاهرة للحسين (عليه السلام)هو الدّعاء فانّ اجابة الدّعاء تحت قبّته السّامية هي ممّا خوله الله الحسين (عليه السلام)عوضاً عن الشّهادة، فعلى الزّائر أن يغتنم ذلك ولا يتوانى في التّضرّع الى الله والانابة والتّوبة وعرض الحوائج عليه وقد وردت في خلال زياراته عليه السلام أدعية كثيرة ذات مضامين عالية لم يسمح لنا الاختصار بايرادها هنا والافضل أن يدعو بدعوات الصّحيفة الكاملة ما وسعه الدّعاء فانّها أفضل الادعية، ونحن سنذكر دعاء يدعى به في جميع الرّوضات المقدّسة في أواخر هذا الباب بعد ذكر الزّيارات الجامعة وسنذكر دعاءً هو أجمع الادعية التي تقرأ في روضات الائمة عليه السلام، واحترازاً عن خلوّ المقام نثبت هنا دعاء وجيزاً ورد في خلال بعض الزّيارات، وهو انّه تقول في ذلك الحرم الشّريف رافعاً يديك الى السّماء :

اَللّـهُمَّ قَدْ تَرى مَكاني، وَتَسْمَعُ كَلامي، وَتَرى مَقامي وَتَضَرُّعي وَمَلاذي بِقَبْرِ حُجَّتِكَ وَابْنِ نَبِيِّكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ يا سَيِّدي حَوائِجي وَلا يَخْفى عَلَيْكَ حالي، وَقَدْ تَوَجَّهْتُ اِلَيْكَ بِابْنِ رَسُولِكَ وَحُجَّتِكَ وَاَمينِكَ وَقَدْ اَتَيْتُكَ مُتَقَرِّباً بِهِ اِلَيْكَ وَاِلى رَسُولِكَ فَاجْعَلْني بِهِ عِنْدَكَ وَجيهاً فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبينَ وَاَعْطِني بِزِيارَتي اَمَلي وَهَبْ لي مُناىَ وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِشَهْوَتي وَرَغْبَتي وَاقْضِ لي حَوائِجي وَلا تَرُدَّني خائِباً وَلا تَقْطَعْ رَجائي وَلا تُخَيِّبْ دُعائي وَعَرِّفْنِى الاِْجابَةِ في جَميعِ ما دَعَوْتُكَ مِنْ اَمْرِ الدّينِ وَالدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَاجْعَلْني مِنْ عِبادِكَ الَّذينَ صَرَفْتَ عَنْهُمُ الْبَلايا وَالاَْمْراضَ وَالْفِتَنَ وَالاَْعْراضَ مِنَ الدّينَ تُحْييهِمْ في عافِيَة وَتُميتُهُمْ في عافِيَة وَتُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ في عافِيَة وَتُجيرُهُمْ مِنَ النّارِ في عافِيَة وَوَفِّقْ لي بِمَنْ مِنْكَ صَلاحَ ما اُؤَمِلَّ في نَفْسي وَاَهْلي وَوُلْدي وَاِخْواني وَمالي وَجَميعِ ما اَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ .

الرابع عشر : من اعمال حرم الحسين (عليه السلام) الصّلاة عليه وروي انّك تقف خلف القبر عند كتفه الشّريف وتصلّي على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الحسين صلوات الله عليه، وقد أورد السّيد ابن طاوُس في مصباح الزّائر في خلال بعض الزّيارات هذه الصّلاة عليه :

اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَصَلِّ عَلى الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهيدِ، قَتيلِ الْعَبَراتِ، وَاَسيرِ الْكُرُباتِ، صَلاةً نامِيَةً زاكِيَةً مُبارَكَةً يَصْعَدُ اَوَّلُها وَلا يَنْفَدُ آخِرُها اَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ على اَحَد مِنْ اَوْلادِ الاَْنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ يا رَبَّ الْعالِمينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الاِْمامِ الشَّهيدِ الْمَقْتُولِ الْمَظْلُومِ الَْمخْذُولِ، وَالسَّيِّدِ الْقائِدِ، وَالْعابِدِ الزّاهِدِ، والْوَصِيِّ الْخَليفَةِ الاِْمامِ الصِّدّيقِ الطُّهْرِ الطّاهِرِ الطَّيِّبِ الْمُبارَكِ، وَالرَّضِيِّ الْمَرْضِيِّ وَالتَّقِيِّ الْهادِي الْمَهْدِيِّ الزّاهِدِ الذّائِدِ الُْمجاهِدِ الْعالِمِ، اِمامِ الْهُدى سِبْطِ الرَّسُولِ، وَقُرَّةِ عَيْنِ الْبَتُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدي وَمَوْلايَ كَما عَمِلَ بِطاعَتِكَ وَنَهى عَنْ مَعْصِيَتِكَ وَبالَغَ في رِضْوانِكَ، وَاَقْبَلَ عَلى ايمانِكَ غَيْرَ قابِل فيكَ عُذْراً سِرّاً وَعَلانِيَةً يَدْعُو الْعِبادِ اِلَيْكَ، وَ يَدُلُّهُمْ عَلَيْكَ، وَقامَ بَيْنَ يَدَيْكَ يَهْدِمُ الْجَوْرَ بِالصَّوابِ، وَيُحْيِي السُّنَّةَ بِالْكِتابِ، فَعاشَ في رِضْوانِكَ مَكْدُوداً، وَمَضى عَلى طاعَتِكَ وَفي اَوْلِيآئِكَ مَكْدُوحاً، وَقَضى اِلَيْكَ مَفْقُوداً لَمْ يَعْصِكَ في لَيْلِ وَلا نَهار بَلْ جاهَدَ فيكَ الْمُنافِقينَ وَالْكُفّارَ، اَللّـهُمَّ فَاَجْزِهِ خَيْرَ جَزاءِ الصّادِقينَ الاَْبْرارِ، وَضاعِفْ عَلَيْهِمُ الْعَذابَ وَلِقاتِليهِ الْعِقابَ، فَقَدْ قاتَلَ كَريماً وَقُتِلَ مَظْلُوماً وَمَضى مَرْحُوماً، يَقُولُ اَنَا ابْنُ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّد، وَابْنُ مَنْ زَكّى وَعَبَدَ، فَقَتَلُوهُ بِالْعَمْدِ الْمُعْتَمَدِ قَتَلُوهُ عَلَى الاْيمانِ وَ اَطاعُوا في قَتْلِهِ الشَّيْطانَ وَلَمْ يُراقِبُوا فيهِ الرَّحْمنَ، اَللّـهُمَّ فَصَلِّ عَلى سَيِّدي وَمَوْلايَ صَلاةً تَرْفَعُ بِها ذِكْرَه وَتُظْهِرُ بِها اَمْرَهُ، وَتُعَجِّلُ بِها نَصْرَهُ، وَاخْصُصْهُ بِاَفْضَلِ قِسَمِ الْفَضائِلِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزِدْهُ شَرَفاً في اَعَلى عِلِّيِّينَ، وَبَلِّغْهُ اَعَلى شَرَفِ الْمُكَرَّمينَ وَاَرْفَعْهُ مِنْ شَرَفِ رَحْمَتِكَ في شَرَفِ الْمُقَرَّبينَ في الرَّفيعِ الاَْعَلى، وَبَلِّغْهُ الْوَسيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْجَليلَةَ وَالْفَضْلَ وَالْفَضيلَةَ وَالْكِرامَةَ الْجَزيلَةَ، اَللّـهُمَّ فَاَجْزِهِ عَنّا اَفْضَلَ ما جازَيْتَ اِماماً عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَصَلِّ عَلى سَيِّدي و مَوْلايَ كُلَّما ذُكِرَ، وَكُلَّما لَمْ يُذْكَرْ يا سَيِّدي و مَوْلايَ أدْخِلْني في حِزْبِكَ وَزُمْرَتِكَ، وَاِسْتَوْهِبْني مِنْ رَبِّكَ وَرَبّي فَاِنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ جاهاً وَقَدْراً وَمَنْزِلَةً رَفيعَةً، اِنْ سَأَلْتَ اُعْطيتَ وَاِنْ شَفَعْتَ شُفِّعْتَ اللهَ اللهَ في عَبْدِكَ وَمَوْلاكَ لا تُخَلِّني عِنْدَ الشَّدائِدِ وَالاَْهْوالِ لِسُوءِ عَمَلي وَقَبيحِ فِعْلي وَعَظيمِ جُرْمي، فَاِنَّكَ اَمَلي وَرَجائي وَثِقَتي وَمُعْتَمَدي وَوَسيلَتي اِلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكَ لَمْ يَتَوَسَّلِ الْمُتَوَسِّلُونَ اِلَى اللهِ بِوَسيلَة هِىَ اَعْظَمُ حَقاً وَلا اَوْجَبُ حُرْمَةً وَلا اَجَّلُ قَدْراً عِنْدَهُ مِنْكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ لا خَلَّفَنِىَ اللهُ عَنْكُمْ بِذُنُوبي وَجَمَعَني وَاِيّاكُمْ في جَنَّةِ عَدْن الَّتي اَعَدَّها لَكُمْ وَلاَِوْلِيائِكُمْ اِنَّهُ خَيْرُ الْغافِرينَ وَ اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، اَللّـهُمَّ اَبْلِغْ سَيِّدي وَمَوْلايَ تَحِيَّةً كَثيرَةً وَسَلاماً، وَارْدُدْ عَلَيْنا مِنْهُ السَّلامِ اِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ، وَصَلِّ عَلَيْهِ كُلَّما ذُكِرَ السَّلامُ وَكُلَّما لَمْ يُذْكَرْ يا رَبَّ الْعالَمينَ.

أقول : قد أوردنا تلك الزّيارة في خلال اعمال يوم عاشوراء وسنذكر في أواخر الباب صلاة يصلّى بها على الحجج الطّاهرين (عليهم السلام)تتضمّن صلاة وجيزة على الحسين (عليه السلام) فلا تدع قراءتها .

الخامس عشر : من أعمال هذه الرّوضة المنوّرة دعاء المظلوم على الظّالم أي ينبغي لمن بغى عليه باغ أن يدعو بهذا الدّعاء في ذلك الحرم الشّريف، وهو ما أورده شيخ الطّايفة (رحمه الله) في مصباح المتهجّد في أعمال الجمعة ، قال : ويستحبّ أن يدعو بدعاء المظلوم عند قبر ابي عبدالله وهو : اَللّـهُمَّ اِنّي اَعْتَزُّ بِدينِكَ وَاكْرُمُ بِهِدايَتِكَ وَفُلانٌ يُذِلُّني بِشَرِّهِ وَيُهينُني بِاَذِيَّتِهِ، وَيُعيبُني بِوَلاءِ اَوْلِيائِكَ، وَيَبْهَتُني بِدَعْواهُ، وَقَدْ جِئْتُ اِلى مَوْضِعِ الدُّعاءِ وَضَمانِكَ الاِْجابَةَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاَعْدني عَلَيْهِ السّاعَةَ السّاعَةَ، ثمّ تنكبّ على القبر وتقول : مَوْلايَ اِمامي مَظْلُومٌ اسْتَعْدي عَلى ظالِمِهِ النَّصْرَ النَّصْرَ حتّى ينقطع النّفس .

السّادس عشر : من اعمال ذلك الحرم الشّريف الدّعاء الَّذي رواه ابن فهد (رحمه الله)في عدّة الدّاعي عن الصّادق (عليه السلام)قال : من كان له الى الله تعالى حاجة فليقف عند رأس الحسين (عليه السلام) ويقول : يا اَبا عَبْدِاللهِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ تَشْهَدُ مَقامي وَتَسْمَعُ كَلامي وَاَنَّكَ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّكَ تُرْزَقُ فَاسْأَلْ رَبَّكَ وَرَبِّي في قَضاءِ حَوائِجي، فأنّه يقضى حاجته ان شاء الله تعالى .

السّابع عشر : من جملة الاعمال في ذلك الحرم الشّريف الصّلاة عند الرّأس المقدّس ركعتان بسورة الرّحمن وسورة تبارك .

روى السّيد ابن طاوُس (رحمه الله) انّ من صلاها كتب الله له خمساً وعشرين حجّة مقبولة مبرورة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

الثّامن عشر : من الاعمال تحت تلك القبّة السّامية الاستخارة، وصفتها على ما أوردها العلاّمة المجلسي (رحمه الله)ومصدر الرّواية كتاب قُرب الاسناد للحميري ، قال بسند صحيح عند الصّادق (عليه السلام) قال : ما استخار الله عزّوجلّ عبد في أمر قط مائة مرّة يقف عند رأس الحُسين صلوات الله عليه ويقول : اَلْحَمْدُ للهِِ وَلا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَسُبْحانَ اللهِ فيحمد الله ويهلّله ويسبّحه ويمجّده ويثنى عليه بما هو أهله ويستخيره مائة مرّة الاّ رماه اللهُ تبارك وتعالى بأخير الامرين . وعلى رواية اخرى يستخير الله مائة مرّة قائلاً : اَسْتَخيرُ اللهَ بِرَحْمَتِهِ خِيَرَةً فِي عافِيَة .

التّاسع عشر : روى الشّيخ الاجل الكامل أبو القاسم جعفر بن قولويه القمّي (رحمه الله)عن الصّادق صلوات الله عليه انّه قال : اذا زرتم أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) فألزموا الصّمت الاّ عن الخير، وانّ ملائكة اللّيل والنّهار من الحفظة يحضرون عند الملائكة الّذين هم في الحاير، ويصافحونهم فلا يجيبهم ملائكة الحائر من شدّة البكاء وهم ابداً يبكون ويندبون لا يفترون الاّ عند الزّوال وعند طلوع الفجر فالحفظة ينتظرون حين يحين الظّهر أو يطلع الفجر فيكالمونهم ويسألونهم عن امور من السّماء وهم لا يمسكون عن الدّعاء والبكاء فيما بين هاتين الفترتين .

وروي ايضاً عنه (عليه السلام) انّ الله تعالى قد وكّل على قبر الحسين صلوات الله عليه أربعة آلاف من الملائكة شعث غبر على هيئة اصحاب العزاء يبكون عليه من طلوع الفجر الى الزّوال فاذا زالت الشّمس عرجوا وهبط مثلهم يبكون الى طلوع الفجر، والاحاديث في ذلك كثيرة ويبدو من هذه الاحاديث استحباب البكاء عليه في ذلك الحرم الطّاهر بل الجدير أن يعد البكاء عليه والرّثاء له من اعمال تلك البُقعة المباركة الّتي هي بيت الاحزان للشّيعة الموالين، ويستفاد من حديث صفوان عن الصّادق (عليه السلام) انّه لا يهنأ للمرء أكله وشربه لو اطّلع على تضرّع الملائكة الى الله تعالى في اللّعن على قتلة امير المؤمنين والحسين (عليهما السلام) ، ونياح الجنّ عليهما وبكاء الملائكة الّذين هم حول ضريح الحسين (عليه السلام) وشدّة حزنهم . وفي حديث عبد الله بن حماد البصري عن الصّادق صلوات الله وسلامه عليه انّه قال : بلغني انّ قوماً يأتون من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ونساء يندبنه فمن بين قاريء يقرأ وقاص يقصّ أي يذكر المصائب ونادب يندب وقائل يقول المراثي ، فقلت له : نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف ، فقال : الحمد لله الَّذي جعل في النّاس من يفد الينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا أو غيرهم يهدون بهم ويقبّحون ما يصنعون .

وقد ورد في أوائل هذا الحديث انّه يبكيه من زاره ويحزن له من لم يزره، ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر الى قبر ابنه عند رجليه في ارض فلاة ولا حميم قربة، ولا قريب، ثمّ منع الحقّ وتوازر عليه أهل الرّدة حتّى قتلوه وضيّعوه وعرضوه للسّباع، ومنعوه شرب ماء الفرات الَّذي يشربه الكلاب وضيّعوا حقّ رسُول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيّته به وبأهل بيته .

وروى ايضاً ابن قولويه عن حارث الاعور عن امير المؤمنين صلوات الله عليه انّه قال : بأبي واُمّي الحسين الشّهيد خلف الكوفة، والله كأنّي أرى وحُوش الصّحراء من كلّ نوع قد مدّت اعناقها على قبره تبكي عليه ليلها حتّى الصّباح فاذا كان كذلك فايّاكم والجفاء، والاخبار في ذلك كثيرة .

العشرون : قال السّيد ابن طاوُس (رحمه الله) يستحبّ للمرء اذا فرغ من زيارته (عليه السلام)وأراد الخروج من الرّوضة المقدّسة أن ينكبّ على الضّريح ويُقبّله ويقول : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صِفْوَةَ، اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خالِصَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا قَتيلَ الظَّماءِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا غَريبَ الْغُرَباءِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ سَلامَ مُوَدِّع لا سَئِم وَلا قال، فَاِنْ اَمْضِ فَلا عَنْ مَلالَة، وَاِنْ اُقِمْ فَلا عَنْ سُوءِ ظَن بِما وَعَدَ اللهُ الصّابِرينَ، لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكَ، وَرَزَقَنِيَ اللهُ الْعَوْدَ اِلى مَشْهَدِكَ وَالْمَقامَ بِفَنائِكَ وَالْقِيامَ فِي حَرَمِكَ وَاِيّاهُ اَسْألُ اَنْ يُسْعِدَني بِكُمْ وَيَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ .

2022/09/05