عاشوراء والأربعين

كيف بكت الملائكة على الحسين (ع)؟!
أورد الكليني في كتاب الكافي عن محمد بن حمران، قال: قال أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام: "لَمَّا كان مِن أمْرِ الحسين (عليه السلام) ما كان، ضَجَّتِ الملائكةُ إلى اللهِ بالبكاءِ، وقالت: يُفْعَلُ هذا بالحسينِ صَفِيِّكَ وابنِ نبيِّكَ؟". قال: "فَأَقَامَ اللهُ لَهُمْ ظِلَّ القائمِ (عليه السلام) وقال: بهذا أنتَقِمْ لِهذا"(1).

 [اشترك]

وقد نصَّت رواياتٌ كثيرة على أنَّ الملائكة بكتْ على الإمام الحسين (ع)، والسؤال هو أنَّ البكاء من خصائص الإنسان وأمَّا الملائكة فهي وجوداتٌ مجرَّدة أو هي وجوداتٌ روحانيَّة فكيف تبكي على الحسين (ع)؟

البكاءُ من كلِّ شيء بحسبه:

البكاءُ من كلِّ شيءٍ بحسبِه أي بحسب ما تقتضيه طبيعةُ خَلْقِه وتكوينِه، ولهذا قال اللهُ تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾(2) وهو ما يُشعِر أو يدلُّ على أنَّ السماء قد تبكي وكذلك الأرض، غايته أنَّ بكاء السماء والأرض يكون بالنحو المُناسب لطبيعة تكوينِهما، وجهلُنا بالكيفيَّة لا يُصحِّحُ النفيَ والإنكار، فما أكثرُ الحقائق التي نجهلُها عن هذا الكون وعن هذا العالمِ المشهود فضلًا عن العوالِم الأُخرى، يقولُ الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾(3).

ويقولُ الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾(4)، فكلُّ شيء يُسبِّح بحمد الله تعالى ولكنَّ الإنسان لقصوره ومحدوديَّة مداركه لا يُدرك كيفيَّة تسبيحِ الأشياء بحمد الله تعالى إلا أنَّ عليه أنْ يؤمِنَ ويُذعنَ بوقوع ذلك حقيقةً لأنَّ خالق الأشياء والأعلم بخصوصيَّات تكوينِها قد أخبرَ عن هذه الحقيقة، وهذا هو معنى الإيمان بالغَيب الذي هو أحدُ أركان الإيمان كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾(5).

بكاء الملائكة من شؤون الغَيب:

فبكاءُ الملائكة الذي أخبرتْ عنه الرواياتُ المستفيضة واقعٌ في هذا السياق، فهو مِن شؤون الغَيب بل إنَّ مُجمل وجودِهم (ع) بما لهم من خصوصيَّات وما يقومونَ به من أفعال هو من شؤون الغَيب، ولهذا يتعيَّن على المؤمن الإيمان بهذه الحقيقة وبما هي عليه من خصوصيَّات إذا ثبت عن الله تعالى أنَّه قد أخبرَ عنها مِن طريق مَن ارتضاهم من خلْقِه للاطِّلاع على شيءٍ من غَيبه، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾(6) وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾(7) وقال جلَّ وعلا: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا﴾(8)، فحيثُ ثبتَ عن الرسول (ص) المؤيَّد بالغَيب أو عن أهل بيتِه (ع) المتَّصلين بالغَيب مِن طريقِ رسول الله (ص) فحيثُ ثبَتَ عنهم أنَّ الملائكة قد ضجَّت بالبكاء على الحسين (ع) لذلك يتعيَّنُ على المؤمن الإذعانُ بوقوع ذلك على إجماله كما هو الشأنُ في سائر المغيَّبات التي نُؤمنُ بها على إجمالها رغم عدم العلم بكُنهِها وحقيقتِها كالإيمان بالبرزخ والبعث والحساب.

منشأُ الاستيحاش وجوابُه:

ثم إنَّ منشأ الاستيحاش من بكاء الملائكة هو دعوى أنَّ البكاء من خصوصيَّات الإنسان المركَّب من لحمٍ ودمٍ وعصَب وبما ينطوي عليه من مشاعرَ وأحاسيس، وحيثُ إنَّ الملائكة وجوداتٌ مجرَّدة لذلك فلا يُتعقَّل في حقِّهم البكاء!!

إلا أنَّ هذه الدعوى لا تصحُّ، فإنَّ البكاء من شؤون المشاعر النفسانيَّة كمشاعر الحزن أو الخوف أو الألم، ولذلك ثبتَ من القرآن أنَّ الإنسان ينتابه الشعورُ بالحُزن والفرح والخوف بعد موته رغم تجرُّده مِن بدنه بعد موته وهو ما يكشفُ عن أنَّ المشاعر النفسانيَّة لا صلة لها بالبدن، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(9).

 فالملائكةُ وإنْ كانوا مجرَّدين عن المادَّة إلا أنَّه قد ثبتَ من القرآن أنَّ لهم مشاعرَ، فهم يخافون ويغضبون، والخوفُ والغضبُ من شؤون المشاعر النفسانيَّة، قال تعالى: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾(10) وقال جلَّ وعلا: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾(11) وقال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾(12) فهم يخشون ربَّهم إلى حدِّ الإشفاق وهو أعلى درجات الخوف والخشية، وقال تعالى يصفُ ملائكة العذاب: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾(13) والغِلْظة من مظاهر الغضب والذي هو من شؤون المشاعر النفسانيَّة، فإذا صحَّ على الملائكة الخوفُ والخشيةُ والغضب فأيُّ محذورٍ في أنْ يصحَّ عليهم البكاءُ والذي هو تعبيرٌ عن الحزن، نعم تختلفُ مظاهرُ التعبير عن الحزن باختلاف طبيعة الخَلْق والتكوين، فبكاءُ كلِّ شيءٍ بحسب ما يُناسب طبيعة خلْقِه وتكوينِه.


الهوامش: 1- الكافي -للكليني- ج2 / ص509. 2- سورة الدخان / 29. 3- سورة الإسراء / 85. 4- سورة الإسراء / 44. 5- سورة البقرة / 3. 6- سورة الجن / 26-27. 7- سورة آل عمران / 179. 8- سورة هود / 49. 9- سورة عمران / 169-170. 10- سورة الرعد / 13. 11- سورة النحل / 50. 12- سورة الأنبياء / 28. 13- سورة التحريم / 6.
2022/08/31
كلمات للمشككين في زيارة الأربعين
إن تضعيف الزيارة والتشكيك في قيمتها مع كونها وجهًا بارزًا من وجوه كيان التشيع بعيد عن الصواب كما أن هذه الإشكالات لا أهمية لها بعد المفروغية عن محبوبية الزيارة في نفسها بالعناوين والملاكات المختلفة خصوصًا وقد اتسمت هذه الزيارة العظيمة بما أخرجها عن كونها زيارة مستحبة مثل سائر الزيارات في سائر الأيام إلى درجة المسيرة المعبرة عن عظمة الأئمة - صلوات الله عليهم - وترويج قيمهم وفضائلهم وإحياء أمرهم.

[اشترك]

فإن الفقيه كل الفقيه كما يصرح سيدنا الأستاذ السيستاني دامت بركاته من يتأمل في كل قضية وظاهرة بمختلف عناوينها وملابساتها وآثارها الفعلية والمستقبلية، إذ الفقاهة المقصودة في النصوص الشريفة نحو قوله عز وجل: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾، وما ورد عن الإمام الصادق -  -: ”لوددت أن أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا“، ليست هي عبارة عن معرفة الحلال والحرام، وإنما هي الإحاطة بدقائق الفقه واكتشاف سائر النكات المختزنة في روايات أهل البيت والقدرة على ربط التعاليم الواردة في أحاديثهم مع الأهداف العليا للدين المتلقاة عنهم، وتوجيهها بإطارها، وقراءة كل حدث من خلال النصوص والمرتكزات وسائر الملابسات المكتنفة بها.

2022/08/29
ما حقيقة وعد الإمام السجاد (ع) بأداء الأمانة لـ ’ قاتل أبيه’؟!
عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعتُ سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول لشيعتِه: "عليكم بأداء الأمانة، فو الذي بعث محمداً بالحقِّ نبيَّاً، لو أنَّ قاتل أبيَ الحسينِ بن عليٍّ (عليهما السلام) ائتمنني على السيف الذي قتلَه به لأدَّيتُه إليه"(1).

[اشترك]

ما هو توجيهُكم لهذه الرواية ألا يعدُّ ذلك من التساهل من زين العابدين (ع) مع قتلة الحسين (ع)؟

الرواية بصدد المبالغة في التأكيد على لزوم الأداء للأمانة، وأنَّ هذا التكليف ثابتٌ حتى لو كان صاحبُ الأمانة فاسقاً أو كافراً، وكان الشيءُ الذي ائتمنك عليه قد وصلَك منه أذى.

فليس مفادُ الرواية أنَّه لو ائتمنني قاتلُ الحسين (ع) على سيفه لقبلتُ ذلك منه وأديتُه له بعد ذلك بل مفادها أنَّه لو قبلتُ الاستئمان له لكان عليَّ الأداء، فهي لا تدعو لقبول أمانةَ الفاسق وإنَّما تدعو للأداء في فرض القبول تماماً كما لو قيل: لو كان عليَّ دينٌ لفاسقٍ غشوم لوفيتُ له بدينه، فهذا الكلام لا يعني الدعوة إلى الاستدانة والتعامل مع الفاسق وإنَّما يعنى الدعوة إلى الوفاء بالدَّين حتى لو كان الدائن فاسقاً.

وبتعبير آخر: الرواية لا تدعو للتعامل مع الفسقة والظلمة والقتلة، ولا تدعو لقبول أماناتهم، وإنَّما هي بصدد بيان أنَّه لو فُرض القبول -لأيِّ سببٍ من الأسباب- بالاحتفاظ بشيءٍ من أموالِهم لكان ذلك مقتضياً لوجوب أدائها إليهم. فمفاد الرواية هو مفاد قولِ أمير المؤمنين -في حديث الأربعمائة الذي يرويه الصدوق في الخصال بسنده عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال: أدُّوا الفريضةَ والأمانةَ إلى من ائتمنكم، ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء (عليهم السلام)"(2).

 

فليس في الرواية إشعارٌ بصحَّة التساهل مع قتلة الإمام الحسين(ع) لأنَّها لا تدعو للتعامل معهم والقبول لأماناتهم بل مفادُها هو أنَّ أفظع الأمور المتصوَّرة وأشقَّها على النفس أنْ يكون السيفُ الذي قُتل به الحسين (ع) قد صار أمانةً في يدِك فإنَّه رغم مشقَّةَ أدائه لصاحبِه على النفس يتعيَّنُ عليك الأداء والإيفاء له بما ائتمنَكَ عليه. وفي ذلك مبالغةٌ في تأكيد الشريعة على وجوبِ الأداء للأمانة.

وهنا ينبغي التنبيه على أمرٍ: وهو أنَّ مفروض الرواية الشريفة هو أنَّ قاتل الحسين (ع) لو ائتمنك على السيف الذي كان قد قتَلَ به الحسين (ع) وقبلتَ منه ذلك فإنَّ عليك أداء الأمانةِ له، فليس في مفروض الرواية أنَّه لو ائتمنَك مَن يريد قتل الحسين (ع) على سيفة لوجب عليك اعطاءه السيف الذي تعلم أنَّه سيقتلُ به الحسين (ع) فإنَّ ذلك غير جائزٍ قطعاً لأنَّه يكونُ من الإعانة على الإثم.

فمفروض الرواية أنَّ قاتل الحسين (ع) بعد أنْ قتله لو ائتمنك على السيف الذي قتلَ به الحسين (ع) وقبلتً منه الاحتفاظ بالأمانة لوجب عليك تسليمه إياه متى ما طلبه منك. ويتأكَّدُ ذلك من مدلول كلمة قاتل الحسين (ع) فإنَّ مفاد اسم الفاعل هو تلبسُّه بجريمة القتل لا أنَّه سوف يتلبَّسُ بها فيما بعد، فإنَّ ذلك خلاف الظاهر، فحين يُقال فلانٌ قاتلُ زيد فإنَّ المستظهَر من ذلك هو أنَّه قد قتلَه وأنَّه قد تحقَّق منه فِعلُ القتل.

وكذلك يُستظهرُ من الرواية أنَّ مفروضَها هو أنَّ الائتمان وقع بعد تحقُّق القتل، يُستظهرُ ذلك من مدلول الفعل الماضي في فقرة: "الذي قتلَه به" فمفادُ هذه الفقرة هو أنَّ قاتل الحسين (ع) قد ائتمنك على سيفِه بعد أنْ قتلَ به الحسين (ع) لا أنَّه ائتمنك على سيفِه قبل أن يقتلَ به الحسين (ع) فإنَّ ذلك خلافُ الظاهر من الرواية كما أنَّه منافٍ لما هو المعلوم بالضرورة من حرمة الإعانة على قتل الحسين (ع) ولو بما هو أدنى من ذلك.

2022/08/27
اللهم العن العصابة التي ’ جاهدت’ الحسين.. هل يمكن وصف محاربة الإمام بالجهاد؟!
اقدم المصادر التي روت زيارة عاشوراء هو كتاب (كامل الزيارات) للمحدث الجليل أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه.

 وقد جاء فيه (اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، واخر تابع له على ذلك، اللهم العن العصابة التي حاربت الحسين)، وقد رواها من بعده الشيخ الطوسي في كتابه مصباح المجتهد بلفظة جاهدت بدل حاربت، وهي الرواية التي اشتهرت بسبب أن الشيخ عباس القمي أخذها عنه في كتابه مفاتيح الجنان، وعليه فإن لفظة حاربت هي الأنسب في المقام والاقدم في الرواية، ولا يمنع ذلك من قبول كلمة (جاهدت) إذا تم حملها على المعنى اللغوي وليس الشرعي، فالجهاد في اللغة يعني المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل، وهذا ما حصل فإن القوم قد استفرغوا غاية مجهودهم في قتال الإمام الحسين (عليه السلام)، وكذلك يمكن حملها على أنّ الأعداء خرجوا بهذا العنوان، فيكون المعنى (اللّهمّ العن العصابة التي تدّعي مجاهدة الحسين (عليه السلام).

2022/08/20
هل قاتل الإمام زين العابدين (ع) مع أبيه في كربلاء؟
الإمام السجاد عليه السلام كان يوم كربلاء، مريضاً، أو موعوكا (1) إلا أنها لم تحدد نوعية المرض ولا سببه، لكن ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله: كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام أنه كان ألبس درعا، ففضل عنه، فأخذ الفضلة بيده ومزقها (2).

[اشترك]

وهذا يشير إلى أن الإمام إنما عرض للمرض وهو على أهبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها، حيث لا يلبس الدرع إلا حينذاك، عادة.

ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب: (ولم يقتل زين العابدين لأن أباه لم يأذن له في الحرب، كان مريضا) (3).

لأن مفروض الأدلة السابقة أن الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أول مرة في القتال وبعد أن ارتث وجرح، فلعل عدم الإذن له في أن يقاتل كان في المرة الثانية وهو في حال المرض والجراحة.

ولو فرض كونه مريضا منذ البداية فالأدلة التي سردناها تدل بوضوح على مشاركته في بعض القتال.

فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجاد عليه السلام هي:

أولا: حمله السلاح - وهو مريض - ودخوله المعركة، إلى أن يجرح، يحتوي على مدلول بطولي كبير، أكبر من مجرد حمل السلاح!

فلو كان حمل السلاح واجبا على الأصحاء، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنص القرآن، لكن ليس حراما عليهم ذلك، إذا وجدوا همة تمكنهم من أداء دور فيه.

ثانيا: إن وجود علي بن الحسين عليه السلام، مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام، في أرض كربلاء، حيث ساحة النضال المستميت، وميدان التضحية والفداء، وحيث كان الإمام الحسين عليه السلام يسمح لكل من حوله - وحتى أولاده وأهل بيته - بالانصراف، ويجعلهم في حل، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة فيما قام به أبوه.

قال الإمام السجاد عليه السلام: لما جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء، دنوت لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول: ... أما بعد، فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا..

ألا، وإني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا (٤).

ففي ذلك الظرف، لا دور - إذن - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالمعنى الفقهي، لأن الأخطار المحدقة كانت ملموسة، ومتيقنة ومتفاقمة للغاية، تفوق حد التحمل.

وقد أدرك ذلك كل من اطلع على أحداث ذلك العصر، قبل اتجاه الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق، ممن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليه السلام في مسيره الطويل من المدينة إلى مكة وإلى كربلاء، ومن أولاده وأهل بيته خاصة؟ الذين لا تخفى عليهم جزئيات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفي للإمام، وسمعوا الإمام عليه السلام يصرح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومن معه! حتى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع، أو ليلة عاشوراء؟

فلقد عرف من بقي مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، بأن ما يقوم به الإمام ليس إلا فداءً وتضحية، لحاجة الإسلام إلى إثارة، والثورة إلى فتيل ووقود، واليقظة إلى جرس ورنين، والنهضة إلى عماد وسناد، والقيام إلى قائد ورائد، والحياة الحرة الكريمة إلى روح ودم.

والإمام الحسين عليه السلام قد تهيأ ليبذل مهجته في سبيل كل هذه الأسباب لتكوين كل تلك المسببات.

ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على علي بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال، وقد بلغ ثلاثا وعشرين سنة وكان ملازما لأبيه الشهيد منذ البداية، وحتى النهاية.

فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلا كافيا على روح النضال مع بطولة فذة، تمتع بها أولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام.

ثم هو - كما تقول تلك الرواية - قد شهر السلاح، وقاتل بالسيف، حتى أثخن بالجراح، وأخرج من المعركة وقد ارتث.

وإذا كانت هذه الرواية - بالذات - زيدية، فمعنى ذلك تمامية الحجة على من ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال.

ثالثا: مضافا إلى أن حامل هذه الروح، قبل كربلاء، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كربلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته، وما جرى عليهم من مصائب وآلام، وما أريق من تلك الدماء الطاهرة.

أو يسكت، ولا يتصدى للثأر لأبيه، وهو ثار الله، مع أنه لم ينسهم لحظة من حياته.

فكيف يستسلم مثله، ويهدأ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هدرا؟ إذ لم يبق من يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره.

فإذا كان - كما يقول البعض: - (مصرع الحسين عليه السلام في كربلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدى إلى بلورة جماعة الشيعة، وظهورها كفرقة متميزة ذات مبادئ سياسية وصبغة دينية (أكثر وضوحا وتميزا مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله).

وكان لمأساة أثرها في نمو روح الشيعة وازدياد أنصارها، وظهرت جماعة الشيعة، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام، كجماعة منظمة، تربطها روابط سياسية متينة) (٥).

فكيف لا تؤثر هذه المأساة في ابن الحسين، وصاحب ثأره، والوحيد الباقي من ذريته، والوريث لزعامته بين الشيعة، ولا تزيد نمو الروح السياسية عنده؟

وكيف تجمع هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية، ولكن تبعد علي بن الحسين عليه السلام عن السياسة؟!

وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم، وارث صاحب الثورة وصاحب الحق المهدور؟

أليس في الحكم بذلك تعنت وجور؟

*مقتطق من كتاب جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي

 

الهوامش: (1) الإرشاد للمفيد (ص 231) شرح الأخبار (3: 250) وسير أعلام النبلاء (4: 486). (2) نقله ابن شهرآشوب عن كتاب (المقتل) في مناقب آل أبي طالب (3 / 284) وفي ط دار الأضواء (4 / 155) ونقله في العوالم (ص 32). (3) مناقب ابن شهرآشوب (دار الأضواء) (4 / 122). (٤) الإرشاد للمفيد (ص 231). (٥) جهاد الشيعة، لليثي (ص 27)  
2022/08/18
كيف مات يزيد بن معاوية؟!
ذكر السيد ابن طاووس في اللهوف في قتلى الطفوف (ص 152): قال أبو مخنف: وأما ما كان من أمر يزيد بن معاوية فإنّه ركب في بعض الأيام في خاصته في عشرة آلاف فارس يريد الصيد والقنص فسار حتى بعد من دمشق مسير يومين فلاحت له ظبية فقال لأصحابه: لا يتبعني منكم أحد.

[اشترك]

ثم إنه أنطلق جواده في طلبها وجعل يطاردها من وادٍ إلى واد، حتى انتهت إلى واد مهول مخوف فأسرع في طلبها فلما توسط الوادي لم ير لها خبراً ولم يعرف لها أثراً وكضه العطش فلم يجد هناك شيئاً من الماء وإذا برجل معه صحن ماء فقال يا هذا اسقني قليلاً من الماء فلمّا سقاه قال لو عرفت من أنا لازددت من كرامتي، فقال له: ومن تكون. قال أنا أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال الرجل: أنت والله قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يا عدو الله ثم نهض ليلزمه فنفر من تحته فرمى به عن مستتر فعلقت رجله بالركاب فجعل الفرس كلما رآه خلفه نفر فلم يزل كذلك إلى أن مزّقه وعجّل الله بروحه إلى النار.

*الأبحاث العقائدية
2022/08/18
يوم ثارَ يزيدٌ.. على الحسين!!
هل ثارَ الحسينُ عليه السلام على يزيد بن معاوية؟!

[اشترك]

وأراد التَوَثُّبَ عليه ونَزعَ الحكم منه؟! وكان مؤسِّساً لخارطة طريق الحركات المسلّحة؟!

أم ثارَ يزيدٌ على الإمام الحسين عليه السلام؟! فَسَلَبَهُ حقّاً أعطاه الله إياه؟!

سؤالٌ في مُنتهى الغرابة! مَنشؤوه الاختلاف في فَهمِ مصطلح (الثَّورة).

فهذا اللَّفظُ في كتب اللغة يعني: (الهَيَجَان والغَضَب والوَثبَة والإنبِعاث) (العين ج‌8 ص234، والصحاح ج‌2 ص606).

والذي يُلفِتُ نظر الباحث أنَّ المعصومين عليهم السلام قد نسبوا الثورة لا إلى الإمام الحسين عليه السلام، بل إلى أعدائه الذين (ثاروا عليه)!

فعن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة سيِّد الشهداء: اللهمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا قَبْرُ ابْنِ حَبِيبِك‏.. بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيك‏.. حَتَّى ثَارَ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِكَ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيَا، وَبَاعَ الآخِرَةَ بِالثَّمَنِ الأَوْكَسِ الأَدْنَى (كامل الزيارات ص229).

بهذا المعنى، يكون أعداءُ الحسين عليه السلام هم أهلُ الثّورة، فهم من تَوثَّبَ عليه وسَلَبَهُ حقاً أعطاه الله له، وهم من هاجوا وغضبوا فانبعثوا لسلب الخلافة عن أهلها.

(يزيدُ) بهذا المعنى هو (إمامُ الثائرين في أيام الحسين) عليه السلام.. هُمُ الثائرون بالباطل والشرور على أهل الحق، المنكرون لنبوّة سيد الأنبياء محمد (ص)، ولوحي السماء على جدّ الحسين عليه السلام.

وأتباعُ يزيد وجُندُه هم الثُوَّارُ الذين استعملهم يزيد، وهم مصاديقُ مَن قال عنهم الصادق عليه السلام: لَوْ لَا أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ وَجَدُوا مَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ، وَيَجْبِي لَهُمُ الفَيْ‏ءَ، وَيُقَاتِلُ عَنْهُمْ، وَيَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ، لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا (الكافي ج5 ص106).

ما تمَكَّنَ بنو أميّة وتسلَّطوا على آل محمدٍ عليهم السلام إلا بمعونة الأوباش، الهَمَجِ الرُّعاع، فلو أنّ الأمة أطاعت أمرَ السماء في آل الرَّسول لعَجِزَ هؤلاء الأرجاس عن سلب الحق من أهله.

 كيف صار الحُسينُ ثائراً إذاً؟!

 إذاً كيفَ يُسمى الإمام الحسينُ اليوم ثائراً عند كثيرٍ من شيعته ومُحبّيه؟!

إنَّ مصطلح (الثورة) قَد لَبِسَ لبوساً حادثاً، فصارَ يعني التغيير الجذري في أوضاع البلد، سواءٌ كان بالسِّلاح فيُعَبَّر عنه بالثورة المسلحة، أو دون السلاح فيعبَّر عنه بالثورة البيضاء أو السلميّة التي لا يُسفَكُ فيها الدم، وهو يشمل ما يُقصدُ به إطاحة نظام الحكم تارةً أو تعديله أخرى، فضلاً عن استعماله في مجالاتٍ أخرى كالثورة الزراعية أو الصناعية أو المعلوماتية وغيرها.

ومِنَ النّاس اليوم من يرى أن الإمام الحسين عليه السلام ثائرٌ بالمعنى المعاصر، بمعنى أنّه كان يريد إجراء تغييرات أساسية في أوضاع البلاد بعدما سُلِبَ حقَّه، سواءٌ كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية.

وأنّ ما فَعَلَهُ عليه السلام هو نوعٌ من أنواعِ الثّورة المسلَّحة، فكان الإمام عليه السلام ثائراً بل رمزاً للثوّار.

 وقَد يُضمُّ للدلالة على ذلك ما ورد في زيارته عليه السلام: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ الله وَابْنَ ثَارِهِ.. أَشْهَدُ أَنَّكَ ثَائِرُ الله وَابْنُ ثَائِرِهِ (الكافي ج‏4 ص576)، وما روي عنه عليه السلام أنَّهُ قال: إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاحِ.

 هل ثار الحسين فعلاً؟!

يُلاحظ على هذا الكلام أمورٌ:

أوّلاً: أنَّ ما فعله الإمام عليه السلام لا يمكن أن يكون من باب (الهَيَجَان والغَضَب والوَثبَة والإنبِعاث)، فهو الإمام المطمئنُّ الذي ظَلَّ وجهه الشريف نَيِّراً حتى آخر لحظاتٍ من حياته المباركة.

 

وهذا قاتله شمرُ اللّعين يقول: فَوَ الله مَا رَأَيْتُ قَطُّ قَتِيلًا مُضَمَّخاً بِدَمِهِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَنْوَرَ وَجْهاً، وَلَقَدْ شَغَلَنِي نُورُ وَجْهِهِ وَجَمَالُ هَيْئَتِهِ عَنِ الفِكْرَةِ فِي قَتْلِه (اللهوف ص128).

ثانياً: أنَّ معنى (ثار الله) و(ثائر الله) هو أنّه تعالى مَن يطلب بثأره أي بدمه، أو يأمر بالطلب بدمه، والشاهدُ على ذلك في كتب اللغة واضحٌ (كما في مجمع البحرين ج‏3 ص235).

وفي الروايات الشريفة صريحٌ كما في قولهم عليهم السلام: وَأَنَّكَ ثَارُ الله فِي أَرْضِهِ حَتَّى يَسْتَثِيرَ لَكَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِه‏ (كامل الزيارات ص196).

وفي قولهم عليهم السلام: وَأَنَّكَ ثَارُ الله فِي الأَرْضِ وَالدَّمُ الَّذِي لَا يُدْرِكُ ثَارَهُ [تِرَتَهُ‏] أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، وَلَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الله وَحْدَه‏ (كامل الزيارات ص216).

حتىّ أنَّ ما ورد عن أنّ الأمّة التي قتلت الحسين عليه السلام لا توفَّق لفطرٍ ولا أضحى: حَتَّى يَثُورَ ثَائِرُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) (الفقيه ج‏2 ص175).

قد فُسِّرَ فيها الثائر بالآخذ بالثأر، أي قاتلُ قاتليه، ففي الحديث: والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين‏ (تفسير العياشي ج2 ص290).

ثالثاً: أنّ ما فعله الإمام وإن كان فيه طلب الإصلاح، كما في الكلمة الشهيرة عنه عليه السلام: وَأَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً، وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه وآله، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ (تسلية المجالس ج2 ص 160، وبحار الأنوار ج‏44 ص330).

إلا أنّ طَلَبَ الإصلاح لا يعني بالضرورة العمل المسلَّح، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر له مراتب متدرِّجة آخرها القوّة في مواردها.

وإذا تحقَّقَ الغَرَضُ من المرتبة الأدنى لا تصل النوبة للأعلى، وقد تحقَّقَ ما أراده الحسين عليه السلام بإنكاره على يزيد وامتناعه عن بيعته، ولو أدى ذلك إلى قتله عليه السلام، دون أن يسعى هو لحمل السلاح وقتال يزيد.

لماذا قاتل الحسين عليه السلام إذاً؟

هل أرادَ الإمامُ تغيير نظامَ الحكم بقوّة السلاح؟!

وهَل لنا أن نتأسّى به عليه السلام فنثور على الأنظمة الفاسدة كيفما اتّفق، لنعمل على إسقاطها بقوّة السلاح، وإن أدّى ذلك إلى سفك الدماء وهتك الأعراض؟

لَعلَّ مِثلَ هذه الكلمات صارت مسموعةً في أيامنا المعاصرة، بل صار بعضُ الناس يؤمنُ أنّ الحسين عليه السلام رَمزُ العمل المسلّح بين الأئمة المعصومين، وأنموذجٌ يُقتدى به للعمل على إسقاط الأنظمة الظالمة في زمن الغيبة.

لكنّ عمومَ الشيعة أدركوا منذ اليوم الأوّل خطأ هذا التفسير لما جرى في كربلاء، فبين أيديهم الكثير من الشواهد التي تمنعُ من قبول هذه الأفكار، ويتَّضحُ الأمرُ جلياً بالتأمُّل فيما يأتي من شواهد تؤكد أنّ الإمام عليه السلام ما خَرَجَ للقتال وتغيير الحكم، ومنها:

1. أنه بَذَلّ مهجته لاستنقاذ العباد من الضلالة وإرشادهم إلى باب الهدى والرّشاد، كما ورد في زيارته الشريفة (كتاب المزار ص108).

وليسَ هُناك من تلازُمٍ بين استنقاذ العباد وبين القتال لأجل تغيير نظام الحُكم، بل هما أمران متباينان، ويحصل غَرَضُ الإمام عليه السلام برفع الجهل والضلال والشك، وبالهداية إلى طريق الحقّ، ولو كلَّفَ ذلك سفكَ دمه الطاهر.

2. أنَّهُ زَحَفَ بأسرته

ولم يزحف عليه السلام بجيشٍ حيث قال: أَلَا وَإِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الأُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وَخِذْلَةِ النَّاصِرِ (اللهوف ص98).

والخارجُ لإسقاط نظام الحكم يخرج بجيشٍ لا بأُسرَةٍ يضنُّ بها عن القتل والإبادة، وَهَل يَطلُبُ الإمامُ وهو البصير الخبيرُ ما لا يُدرَك؟! أيُعقل أن يطلب مقارعةَ الحاكم الظالم بلا عدَّةٍ ولا عَدَدٍ؟ مع علمِهِ بخذلان الناصر؟!

3. أنّه كان عالماً بمقتله

وشواهده أكثر من أن تحصى، كقوله لمحمد ابن الحنفية: وَالله يَا أَخِي، لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرِ هَامَّةٍ مِنْ هَوَامِّ الأَرْضِ لَاسْتَخْرَجُونِي مِنْهُ حَتَّى يَقْتُلُونِّي (بحار الأنوار ج‏45 ص99).

وكقوله لبني هاشم: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ ألحق [لَحِقَ‏] بِي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ مَعِي، وَمَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الفَتْحَ، وَالسَّلَام (بصائر الدرجات ج‏1 ص482).

4. أنّه لم يبدأ أعداءه بقتالٍ حيث كان أسهل وذلك حينما ذَكَرَ زهير بن القين أنّ قتال جيش الحرّ أهون ممن يأتي بعده، لكنّ الحسين عليه السلام أجاب زهيراً بقوله عليه السلام: مَا كُنْتُ لِأَبْدَأَهُمْ بِالقِتَالِ (الإرشاد ج2 ص84).

5. أنّه لم يلجأ إلى المدد الغيبي

لما لقيته أفواج الملائكة وبأيديهم حِرابٌ من الجنة، وقد أمدَّهُمُ الله تعالى به، ولمّا أتته أفواجٌ من مؤمني الجنّ لنصرته، فما استعانَ بأحدٍ منهم، وليس هذا حالُ من يطلب المُلك والسُّلطان.

6. أنه أذِنَ لأصحابه بالإنصراف

حتى في ليلة عاشوراء حين قال لهم: أَلَا وَإِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ، فَانْطَلِقُوا جَمِيعاً فِي حِلٍّ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ، هَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا (الإرشاد ج‏2 ص91).

7. أنّه أراد الإنصراف دون البيعة والقتال وقد تكرَّرَ الأمر منه مراراً، ومن ذلك ما قاله عليه السلام لأعدائه:

وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَكُنْتُمْ لِمَقْدَمِي كَارِهِينَ، انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ إِلَى المَكَانِ الَّذِي جِئْتُ مِنْهُ إِلَيْكُمْ، فَسَكَتُوا عَنْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ (الإرشاد ج‏2 ص79).

8. أنّه سيصبر إن لم يُقبل قوله

فقد صرَّح الإمام أنه إن لم يُقبل قوله فليس ممّن يريد القتال، بل إنّه سيصبر، وقد قال عليه السلام:

فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الحَقِّ فَالله أَوْلَى بِالحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ الله بَيْنِي وَبَيْنَ القَوْمِ بِالحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الحاكِمِينَ (تسلية المجالس ج2 ص 160).

هذه الشواهدُ وغَيرُها في غاية الوضوح، وقد ذكرناها وسواها بشكل مفصلٍ في محله، وهي تؤكِّدُ أنّ الحسين عليه السلام أراد بيان الحقّ، وهذا هو الإصلاح الذي يبتغيه، ولكن لم يكن مؤسِّساً لخارطة طريق الحركات المسلّحة، وإن استعمل السِّلاح عِندما خُيِّرَ بين السلَّة والذلّة، وفَرقٌ كبيرٌ بين الأمرين.

فمنهجه عليه السلام هو إحقاق الحقّ، ولما خُيِّرَ بين القتال أو اضمحلال الحقّ، اختار الأول، ولمّا خُيِّرَ بين القتال وبين الدَّنية اختار الأول فقال: لَا أُعْطِي الدَّنِيَّةَ مِنْ نَفْسِي أَبَداً (اللهوف ص27).

وما توانى عن تقديم القُربان تلوَ القربان في سبيل الله تعالى، في أعظَمِ فاجعةٍ أبكَت الكونَ بأسرِه، من أعظمٍ قَلبٍ في الكون الرَّحب، قلب المصطفى صلى الله عليه وآله، وبضعته الزهراء، إلى أصغر مخلوقات الله التي لا تُرى.

لقَد ثارَ يزيدُ على الحسين عليه السلام.. وليِّ الله تعالى وخليفته.. ورفع السِّلاح في وجهه.. فسالَت دماءُ الحسين عليه السلام، لكنَّه:

جَعَلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ بِكَفِّهِ، فَلَمَّا امْتَلَأَتْ لَطَخَ بِهَا رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَيَقُولُ: ألقَى الله عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا مَظْلُومٌ مُتَلَطِّخٌ بِدَمِي (الأمالي للصدوق ص163).

سلامُ الله عليك يا أبا عبد الله.. أيها المظلوم الشهيد..

وإنا لله وإنا إليه راجعون

*علي شعيب العاملي
2022/08/17
الحسينيون لا يعرفون الهزيمة: 11 درساً من واقعة كربلاء
العبر والدروس من واقعة كربلاء لا يمكن حصرها، ولكن يمكننا أن نقول إنها علَّمتنا ما يلي من الدروس.

[اشترك]

- الدرس الأول:

أن نثأر لله وحده، لا لانتسابات الأرض، وانتماءاتها، وعصبياتها، وصيحاتها، وجاهلياتها.

- الدرس الثاني:

أن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام وحده، لا أن تبقى نظريات الإنسان، وحزبياته، وشعاراته، وزيفه.

- الدرس الثالث:

أن ننتصر للدين، وللمبدأ، وللعقيدة، لا للعصبيات، والقوميات، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان، وأهواءه.

- الدرس الرابع:

أن نحمل شعار القرآن.

- الدرس الخامس:

أن نرفض الباطل، والزيف، والفساد، والضلال، وأن نرفض كل ألوان الانحراف الأخلاقي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي.

- الدرس السادس:

أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين، وتواجه البغي والباغين، وتواجه الطغيان والطاغين، وتواجه الاستكبار والمستكبرين.

- الدرس السابع:

أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون، ولا يتنازلون، ولا يسترخون، كقوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، (الفتح: 29)، ولا تعني المبدئية والصلابة أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين، و الإنسان المؤمن في حالات التصدي وا لمواجهة والصراع يجب أن يكون شديداً وحدِّياً و صارماً في موقفه مع أعداء الإسلام، وأعداء الحق.

نعم، حينما يحاور الآخرين، ويدعو ويبلِّغ يجب أن يكون مَرِناً منفتحاً شفّافاً، وهنا نؤكد أنَّ المُرونة والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين لا تعني الاسترخاء في طرح الأفكار والقناعات العقيدية والمذهبية، والثقافية والسياسية.

ولا تعني الاسترخاء في طرح الحُجَج والبراهين، ولا تعني المساومة والتنازل.

ولا تعني المجاملة الفكرية، أو المجاملة السياسية، أو المجاملة الاجتماعية.

ولا تعني السكوت عن مواجهة الأفكار التي تتنافى مع المبادئ والقيم التي نؤمن بها.

فالمرونة والحوار في منهجنا هي أسلوب متكامل في الحوار.

- الدرس الثامن:

أن نعيش الصمود والثبات في مواجهة كل التحديات، التحديات الفكرية، والثقافية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية، والإعلامية. الحسينيون الحقيقيون لا يعرفون الانهزام، والتراجع والتخاذل، والضعف والخور، فهم الثابتون الصامدون، الذين يملكون عُنفُوَان العقيدة، وصلابة الإيمان، وإباء المبدأ، وشموخ الموقف.

- الدرس التاسع:

أن نحمل شعار الجهاد والشهادة، وأن نكون المجاهدين الصادقين في سبيل الله، نجاهد بالكلمة، ونجاهد بالمال، ونجاهد بالروح.

فلسنا حسينيِن إذا لم نحرك المالَ في خط الدعوة، والخير، والجهاد.

ولسنا حسينيين إذا لم نحمل الأرواح على الأكُفِّ، وإذا لم نكن عُشَّاقاً للشهادة، وإذا لم نسترخص الدم من أجل المبدأ والعقيدة، فالسائرون في خط الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار الحسين (عليه السلام): (لا أرَى المَوتَ إِلاَّ سَعَادَة والحَياةَ مَع الظالمينَ إِلاَّ بَرَمَا).

والسائرون على خط الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار

علي الأكبر (عليه السلام): (لا نُبَالي أنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ)، والسائرون على خط الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار العباس (عليه السلام): (وَاللهِ إِنْ قطعتُموا يَميني إِنِّي أُحَامي أبداً عن دِيني وَعَن إِمامٍ صَادقِ اليَقينِ)، والسائرون على خط الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار القاسم (عليه السلام): (المَوتُ فيكَ يا عَم أحلَى مِنَ العَسَل).

- الدرس العاشر:

أن نكون المتدينين الحقيقين، وأن نكون الذين يملكون بصيرة الدين والعقيدة، وبصيرة الإيمان، والمبدأ، ونقاوة الانتماء، والالتزام، وأن لا نكون من أولئك الذين يحملون بَلادَة الدين والعقيدة، وغباء الإيمان والمبدأ وأن لا نكون النفعيِّين المَصلحيِّين المتاجرين بالدين، والمساومين على حساب المبدأ.

الإمام الحسين (عليه السلام) أوقف حَجَّه، وأعلن الثورة على يزيد، وذلك ليقول للمسلمين: أيّ قِيمَةٍ لطوافٍ حولَ بيت الله ما دام الناس يطوفون حول قصور الطغاة والظالمين.

وأيَ قيمة لتقبيل الحجر الأسود مادام الناس يقبِّلون الأيدي الملوثة بالجرائم.

وأيّ قيمة لركوعٍ وسجودٍ عند مقام إبراهيم مادام الناس يركعون ويسجدون عند أقدام السلاطين.

وأيّ قيمةٍ لسعيٍ وحركةٍ بين الصفا والمروة مادام الناس يعيشون الخنوع والركود، والجمود والاستسلام، والجور والضعف.

وأيّ قيمةٍ لتلبيةٍ إذا كان الناس مأسورين لنداءات الطواغيت والمستكبرين.

وأيّ قيمة لذكرٍ وتلاوةٍ وعبادةٍ إذا كان الناس يمجِّدون ويعظِّمون ويؤَلِّهون الجبابرة والفراعنة.

- الدرس الحادي عشر:

أن نكون إِمَّا الحسينيِّين الذي يعطون الدم من أجل المبدأ، أو نكون الزينبيِّين الذين يحملون صوت الحسين (عليه السلام).

فالحسين (عليه السلام) وشهداء كربلاء فجَّروا الثورة في يوم عاشوراء، وكان وقود هذه الثورة دماءهم الطاهرة.

*تبيان 
2022/08/16
لو أن الإمام الحسين (ع) لم يخرج ضد يزيد.. ما الذي سيحدث؟!
حقا هو سؤال جميل، فالعادة أن يتم السؤال عن أنه لماذا ثار الحسين عليه السلام ضد يزيد، وهذا السؤال يتناول القضية من طرفها الآخر، ما هي الآثار التي يمكن أن تحصل لو لم يخرج الإمام الحسين ولم يقم بثورته؟

[اشترك]

ويمكن تصور الآثار في عدة مستويات:

المستوى الأول:

في حدود الفكر الإسلامي ـ في حدوده الزمنية في تلك الفترة وللمستقبل ـ: فلو لم يقم الحسين عليه السلام بثورته تلك، لكان لدينا معضلة في كيفية التعامل مع الحاكم الجائر الذي يصل به الأمر إلى حدود التصريح بمخالفة العقائد الدينية كما صدر من يزيد بن معاوية. فكيف يتعامل المسلمون مع مثل هذا الحاكم؟ هل يخضعون له ويتبعونه؟ أو أنهم ينهضون ضده؟ لقد سعى الأمويون وأتباعهم إلى إشاعة الفكرة الأولى ودعموها بروايات نسبوها للرسول حاصلها أنه عليهم السمع والطاعة مهما بلغ الأمر، وأن خروجهم عليه فيه من المفاسد ما هو أكثر من ولايته، ولقد سُخر لهذه الفكرة من الأموال والرجال، لتكون الفكرة العامة السائدة بين المسلمين ما يفوق الوصف والعد، وكان كل حاكم يأتي يحلم بأمة الإسلام وهي خائرة العزيمة مقيدة الحركة، لا تستطيع غير الصبر الذليل، والخنوع الدائم سبيلا، ولولا خروج الحسين عليه السلام وتضحيته بالغالي والنفيس لما أمكن للمسلمين أن ينطلقوا من أسر ذلك الجبت الفكري.

بينما الفكرة الثانية تصطدم بسلوك الإمام الحسين عليه السلام فيما لو لم يخرج، فلو كان الخروج والثورة مشروعة لما تركها الإمام الحسين عليه السلام.

المستوى الثاني:

في حدود الوضع التاريخي الذي كان يعيشه الإمام الحسين عليه السلام، فإن تشخيص الإمام للوضع الإسلامي آنئذ هو ما قاله: " وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد "، إن وجود شخص مثل يزيد وهو (رجل فاجر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق) على رأس الحكم والقيادة، يشبه أن تعطي قيادة حافلة مليئة بالركاب في طريق جبلي إلى سائق ثمل، لا يعرف من السكر موضع قدميه! بل هو أعظم.

إن ما رآه المسلمون في السنوات العجاف الثلاث التي تسلط فيها يزيد على الأمة، وما ارتكب من مخاز ومآثم حيث قتل الحسين عليه السلام وصحبه في الأولى، وأباح المدينة في الثانية وهدم الكعبة في الثالثة، ولو مُد له في العمر لمد حبل الموبقات، ليشير بالصراحة إلى أنه لم يكن هناك مجال آخر أمام الحسين عليه السلام من الناحية الدينية حفاظا منه على مسيرة الأمة، إلا الخروج والثورة.

المستوى الثالث:

انسجام العمل الثوري الذي قام به الحسين مع الأصول الدينية التي يؤمن بها: فهو من جهة روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله) من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا بقول كان حقا على الله أن يدخله مدخله) وقد طبق هذا على الوضع الموجود آنئذ " ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيّر ".

ولو لم يفعل ما فعله لكان متناقضا ـ والعياذ بالله ـ، فكيف يقول من جهة أن يزيد هكذا ثم يسالمه ويبايعه ويترك الأمر له؟

إن مبايعة الحسين ليزيد وسكوته عنه، يعني إمضاء الخطأ الذي ارتكبه معاوية بتولية ابنه يزيد شؤون الخلافة، وهو الخطأ الذي وقف أمامه الحسين عليه السلام في أيام معاوية عندما قال له: لعلك تصف غائبا أو تنعت محجوبا، فخل بين يزيد وبين الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السبق لأترابهن ودع عنه ما تحاول من الخلافة!! فهل يمضي اليوم ما رفضه بالأمس؟ وهل يمضي ببيعته ليزيد أعماله المخالفة للدين؟ إنه حينئذ يفقد صفات الإمام.

قد يقول قائل: إن الحسين لو ترك يزيدا وشأنه، فلا هو يثور عليه، ولا يبايعه.. ألم يكن ذلك مخرجا مناسبا؟

وجوابه: أننا لا نفتش عن مخارج للحسين عليه السلام!! ولم يكن يزيد بالذي يترك الحسين عليه السلام، فإن هؤلاء الظالمين لا يحتملون أحدا يكون إلى جانبهم، وهو أضعف منهم شأنا فكيف إذا كان أعلى منهم منزلة، وأرفع شأنا عند الخلائق؟ وقد بين الإمام عليه السلام أن الأمر قد انتهى بقوله: " ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة " وفي ذلك إشارة إلى سياسة يزيد، وإلى رسالته لواليه على المدينة، فإن يزيد قد أرسل رسالة ليقرأها على الناس وأرسل إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد: فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة اخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام.

2022/08/16
السيدة زينب (ع) تُسقط إمبراطورية يزيد!
سيدة جليلة وعظيمة، مرت بأدوار تاريخية كبيرة وصعبة جدا، لا يمكن أن يتحمّلها إلا الشخص العظيم، وهي حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (عليهما السلام)، وأخت الحسن والحسين (عليهما السلام)، ألا وهي السيدة الحوراء زينب (عليها السلام).

[اشترك]

لا شك أن الإنسان الذي يعيش في بيئة كهذه، يصبح عظيما بالإضافة إلى قابلياته الخاصة، وقد تربّتْ على صفات عالية، وكبيرة وعظيمة ترتقي إلى قمة الإنسانية، ومرت بالمواقف الصعبة واحدا تلو الآخر، وكل موقف كان ابتلاء يزيدها عظمةً إلى أن تجلى ذلك الموقف الكبير في كربلاء، وظهر المعدن الحقيقي للسيدة زينب (عليها السلام).

وقفت ذلك الموقف البطولي ولم تتزلزل عن موقعها، صامدة مستقيمة، في كل لحظة كانت تمسك بزمام الأمور، ولا تدع شيئا ينفلت حتى يصبح أبناء أهل البيت (عليهم السلام) في مأمن، فكانت هي الحامية في غياب الرجال، وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) مريضا، وكان يحتاج إلى حماية حتى يبقى نسل المعصومين (عليهم السلام) مستمرا.

كانت السيدة الحوراء (عليها السلام) هي المدافعة عن أهل البيت (عليهم السلام) في كربلاء، وعندما نقرأ التاريخ ونرى مواقفها (عليها السلام) نرى قيمة هذه الشخصية، وهناك بعض الصفات التي يمكن أن نستلهمها من شخصية السيدة زينب (عليها السلام):

أولا: الإيمان واليقين والتسليم

في شخصيتها كان الإيمان واليقين والتسليم، وهذا هو المستوى الراقي لهذه الشخصية في مقام المستوى الكبير للأولياء، فهي البذرة الصالحة الكبيرة التي جسدت في كربلاء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بقوتها وعظمتها وهيبتها، وجسدت في كربلاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ببلاغتها وخطابها وشجاعتها وصمودها.

والإيمان هو المؤشّر الأول والبداية الأولى كي يكون الإنسان شخصية جيدة، وبعد الإيمان تصل إلى اليقين الذي هو قمة الإيمان، فالإنسان الذي يكون على مراتب في شخصيته وفي نموه، يكون أعلى مستويات الإيمان هو اليقين، ومن اليقين ينبثق التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى والرضى بقضائه، حيث واجهت السيدة زينب (عليها السلام) في كربلاء تلك المواقف الجليلة المأساوية.

وقفت حفيدة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وابنة أمير المؤمنين العقيلة زينب على جثمان أخيها الحسين (عليه السلام) الذي مزقته السيوف، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها إلى السماء وهي تدعو بحرارة قائلة: (اللهمّ تقبَّل منا هذا القربان)، وهذا هو الإيمان واليقين والتسليم المطلق لأمر الله سبحانه وتعالى، ففي هكذا موقف جليل ويسلم انسان نفسه لله سبحانه وتعالى، فهذا يعبّر عن عظمة هذه الشخصية وقوتها.

بعض الناس عندما يواجه مواقف صعبة في حياته ينهار ويستسلم، ولا يبقى على قوته وصموده، إلا الصالحين والأولياء، والأئمة والرسل، لذلك وقفت السيدة زينب بقوة وتماسك وهذا الإيمان والتماسك يقف خلفه اليقين وقوة التسليم.

التربية على عدم الاستسلام

عندما نستلهم العبر والدروس من أهل البيت (عليهم السلام)، نحاول أن نستفيد من هذه العبر والدروس في حياتنا، ونصنع من أنفسنا شخصيات قوية من خلال التأسّي بأهل البيت (عليهم السلام)، وهذا هو المهم وهو الدرس العظيم الذي نحن بحاجة إليه، هناك كثير من الناس يستسلم وينهار وينحرف بسبب استسلامه، أو يذهب في طريق الظالمين ويكون من أعوانهم، وهذا خطأ كبير يضيع بسببه الإنسان وينتهي، وتذهب حياته هدرا في الاستسلام للظالم والطاغية، وفقا لمبدأ (حشر مع الناس عيد).

لذلك لابد أن نربي أولادنا على الإيمان واليقين، وأن لا يكون مرتابا ولا شاكّا في حياته، بل يكون عنده يقين بعقائده وإيمانه بالله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وبأئمته (عليهم السلام)، وبالمعاد والآخرة وأن هناك حساب، وهذا الايمان يجعله مسلما أمره لله سبحانه وتعالى، من خلال تلك القوة التي تجعله قادرا على مجابهة التحديات الصعبة والمشاكل التي قد تحصل في حياته.

ثانيا: البصيرة والعلم والفهم

من صفات السيدة زينب (عليها السلام) البصيرة والعلم والفهم، فالإنسان موقف، أما يتخذ موقفا صالحا أو سيئا، والذي يتخذ موقفا في حياته، وخصوصا إذا كان موقفا عظيما، فهو يمتلك بصيرة كبيرة، وهي القدرة على النظر إلى ما وراء الحُجب الدنيوية والمادية، ورؤية الواقع كما هو، وهذا ينشأ من العلم، وبالنتيجة فإن التعلّم الجيد والمركّز، والتعلّم الشخصي الصحيح، وتعلّم المبادئ الصحيحة، وأسس العلم المفيد، وخصوصا العلم الإلهي، يعطي للإنسان بصيرة.

وفي مقال سابق، تطرقنا في قضية أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى الرؤية الاستراتيجية وكيف يصل الإنسان إلى المرحلة الأخيرة للفهم، البصيرة هي كاشفة عن فهم الإنسان، ولذلك فإن السيدة زينب (عليها السلام) كان عندها علم وبصيرة وفهم، فهي تعرف وتفهم ماذا تعمل، وماذا تؤدي في حياتها، وهذا نوع من الكشف العلمي للواقع.

الإنسان الفاهم المتعلم بصورة صحيحة للعلوم سوف يصل إلى البصيرة، وهي التي تكشف له ماذا يجري في الواقع فيفهمهُ، لذلك يقول الإمام علي (عليه السلام): (إن معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس علي)، بمعنى لم أعمل على تضليل أحد، ولم يضللني أحد، فهو في مقام الإدراك الكامل، فلا ينخدع بالأباطيل والضلالة التي تبثها قوى الطغيان والانحراف.

فصاحب البصيرة لن يكون ناقلا لهذا الضلال والانحراف، كما نلاحظ ما يحصل اليوم، في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يُلبَّس على الناس، فهناك من ينقل الانحراف والأكاذيب دون أن يعلم ومع ذلك هو يلبّس الضلالة على الآخرين، وبدون أن يدقق الأمر ويمحّصه، وهذا يدل على عدم وجود البصيرة والفهم.

قيمة الفهم والإدراك والوعي

الجدير بمن يتبع أهل البيت (عليهم السلام) أن يكون متصفا بهذه الصفة، وفي حال عكس ذلك فلابد أن يسعى للوصول إلى الحقيقة، لكي يصل إلى الواقع، وهذه نقطة محورية في حياتنا، لأن كل حياتنا قد تكون عبارة عن أكاذيب أخذناها من الآخرين بسبب عدم وعينا وفهمنا للأمور، ولكن السيدة زينب (عليها السلام) كانت في قمة الفهم والإدراك.

في هذه القضية التاريخية، (لمّا أدخلوا السبايا الكوفة وأخذ الناس يبكون وينوحون لأجلهم، التفتت إليهم سيدتنا زينب (ع) وأومأت إليهم بالسكوت، ثم خطبت عليهم خطبتها الشهيرة والتي قال عنها الراوي: فلم أر والله خفره أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين (ع)، وبعد أن انتهت من خطابتها على الناس، توجه إليها الإمام زين العابدين (ع) قائلاً لها: (يا عمَّة… أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة).

هناك ثلاث معان لكلمة (خفره)، المعنى الأول شديدة الحياء، المعنى الثاني أنها كانت متعبة، والمعنى الثالث أنها كانت حامية ومجيرة لأهلها، وكل هذه المعاني تنطبق عليها، فكانت متعبة فعلا، وشديدة الحياء، وكانت هي الحامية الوحيدة لهذا الجمع، فكانت (عليها السلام) في موقف بالغ الصعوبة، يُقتَل أخوتها، وأبناء أخوتها وابنائها، فكانت مجزرة كاملة وإبادة شاملة، وكل شيء جرى أمام عينيها، وتكون بتلك القوة وذلك المنطق، (كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين)، كأن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي يخطب بالناس.

وقول الإمام زين العابدين (عليه السلام)، (يا عمَّة… أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة)، شهادة عظيمة بحق السيدة زينب (عليها السلام) من الإمام زين العابدين وهو إمام معصوم (عليه السلام)، وكلامه وسيرته وسكوته حجة.

وفعلا كانت السيدة زينب (عليها السلام) قوية بكلماتها، وعندما تراها في تلك المواقف فسوف ترى العلم والفهم.

ثالثا: الشجاعة والصمود والاستقامة

وهذه الصفات تعبر عن شجاعتها، وكيف صمدت وكيف كانت مستقيمة إلى آخر لحظة، في حماية الرسالة الحسينية العلوية المحمدية، وإيصال ذلك الخطاب للناس حتى يعرفوا الحقيقة، وهذه شجاعة وصمود واستقامة، في مواجهة الطغاة والظالمين من أمثال (بن زياد)، ويزيد عليهم لعائن الله.

بوجود الطغاة من الصعب إيصال الحقائق للناس، والإعلام المضاد لأهل البيت (عليهم السلام)، ومع وجود كل هذه التحديات استطاعت (عليها السلام)، إيصال فكرة وأهداف النهضة الحسينية إلى المجتمع، بصورتها السليمة الصحيحة.

الكلمة تُسقِط إمبراطورية كاملة

خاطبت السيدة زينب (عليها السلام) ذلك الطاغية يزيد ذلك الخطاب الذي زلزل عرشه، وزلزل عرش الأمويين، ويمكن القول أن هذا الخطاب هو الذي أسقط عرشهم، بالإضافة إلى خطاب الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فخطاب السيدة زينب أسقط الدولة الأموية، كلمة اسقطت دولة وامبراطورية كاملة.

كلمة عظيمة تعبر عن شجاعة الشخص وصموده واستقامته في مواجهة المشكلات والتحديات، والاستقامة على الدرب والطريقة، تقول السيدة زينب (عليها السلام): (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جاهدك. فو اللّه لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا ولا يرخص عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة اللّه على الظالمين).

إن شجاعة السيدة زينب (عليها السلام) في توضيح الأمر أمام هذا الطاغية جعلت عرشه يتزلزل، فالشجاعة تغلب الظلم دائما، والشجاع غالب، والجبان مغلوب، فالسيدة زينب (عليها السلام) لم يرهبْها ذلك الطاغية الجالس بين جيوشه وقواته، وأخذ يستهزئ بأهل البيت (عليه السلام).

لكن السيدة زينب (عليها السلام) خاطبته بكلمات عالية جدا في رزانتها ورصانتها، وفي تبيين الأمور، كما أعطت ببصيرتها رؤية للمستقبل، وقالت للطاغية (وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد)، وهذا ما حدث بالفعل، وهذه هي صفات الطغاة، فليس لديهم رأي بل وهم يصنعوه من أجل تثبيت حكمهم، لكن كلمتها زلزلت عرش الطاغية وهزت اركانه وبددت جمعه.

رابعا: الصبر والعطاء والتضحية:

قال بن زياد: (كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتكِ)، فأجابته (عليها السلام): (ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم)، هذا هو جمال التضحية، فالجمال لا يأتي من الأشياء الظاهرية التي نراها، بل يأتي من خلال جمال المعنى وقوة الشخصية التي تعبر عن ذلك المعنى، يقول القرآن الكريم: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا) المعارج 7، فالصبر جميل لأنه يعبر عن معنى إنساني كبير، لذلك نحن نحتاج أن نقرأ معنى الجمال، فنحن دائما ننظر إلى الجمال بأعيننا وحواسنا، ولا ننظر له ببصيرتنا ورؤيتنا الداخلية، فالجمال الحقيقي ينبثق من الداخل، الجمال بالصبر، لأنه يقود إلى كل المعاني العالية في الإنسان.

أين يكمن الجمال الحقيقي؟

الجزع في مقابل الصبر، والإنسان الجزوع يعبر عن الانهيار الكامل له، فالصبر يساعد على بناء اليقين وبناء الإيمان، والرحلة طويلة نحو التألق والارتقاء والسمو إلى المعاني الإلهية الكبيرة، لذلك فإن الصبر جميل، والتضحية جمال، والعطاء جمال، وهذا الجمال انبثق في كربلاء، وتبيّن ذلك الصبر الجميل في شخصية السيدة زينب (عليها السلام).

(هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل)، فكل إنسان بالنتيجة سوف يموت، لكن كيف يموت؟، هناك من يختار الموقف الذي يموت بسببه، وهذا الموقف الذي اختاره شهداء كربلاء عبّر عن جمالهم، وجمال معانيهم الكبيرة، لذلك يتفاعل الناس مع كربلاء وشهدائها ومع السيدة زينب (عليهم السلام)، لأن موقفهم هو تعبير عن الجمال الإلهي العظيم، الذي اجتمعت فيه كل تلك القيم والمبادئ العظيمة.

هذا هو الجمال الحقيقي الذي لابد أن ننشده، أما الجمال المادي الموجود حاليا، والذي تلهث وتركض الناس وراءه، فهو جمال مزيّف يحمل في كثير من الأحيان من وراءه قبحا.

إن السيدة زينب (ع) مثال للتضحية والصبر والتحمّل، وقد لعبت دوراً مهمّاً وأساسياً في إحياء الثورة العاشورائية، وجسّدت أروع ملاحم الإيثار والمواساة، وكانت (ع) كالطود الشامخ، كيف لا وهي العالمة غير معلّمة والفاهمة غير مفهمة، كما ورد على لسان الإمام السجاد(ع).

التحديات التي تواجهها المرأة في عصرنا الحالي

إن الاستجابة التحديات التي تواجهها المرأة هو أن تجعل من السيدة زينب أسوةً لها، وتكمن التحديات في أن تتعلم المرأة اليوم معنى التضحية والعطاء، لذلك فإن التأسّي وجعل السيدة زينب نموذجا للمرأة ونموذجا للإنسان بشكل عام، يقود المرأة نحو عالم آخر غير العالم الذي نعيش فيه اليوم، ونقصد به العالم المادي الضحل، فالنموذج الزينبي يقود المرأة إلى عالم أسمى وأرقى.

أولا التحدي الذاتي:

ويتمثل في الحصول على الإيمان وبناء النفس والشجاعة وقوة الشخصية ومعرفة النفس، والبساطة في الحياة وتحصين الذات، كل هذه الصفات نستلهمها من السيدة زينب (عليها السلام)، البساطة في الحياة تجعل الإنسان لا يكون لديه توقعات مادية كبيرة، ولابد أن يعيش في المعنى لأنه هو المهم، أما الأمور المادية فهي مجرد وسائل.

لذلك ترى الناس يذهبون وراء المهور الغالية، والتعقيدات الأخرى في الحياة، كالبيت الواسع، والسيارة الفارهة، كل هذه الأمور فيها تعقيد كبير، بحيث تُخرج الإنسان من المعنوية وتغرقه في الأمور المادية، لهذا لابد من العمل على تحصين الذات، من خلال بناء النفس، وهذا التحصين يساعد الإنسان على مواجهة كل تلك الأمور التي تنهال عليه من جميع الجوانب، كالقضايا النفسية والاجتماعية والثقافية.

ثانيا التحدي التربوي:

صناعة الشخصية وظيفة أساسية، فعندما يضيع الأبناء والبنات، السبب يكمن في وجود خلل في التربية، لذلك وعلينا أن نأخذ التربية كعامل بناء كما أوصانا أهل البيت (عليهم السلام)، فحين تقرأ وصايا أمير المؤمنين إلى ولده الحسن (عليهما السلام)، تجدها جميعا وصايا تربوية، إنها منهج تربوي، وصناعة تربوية.

التربية على الاحترام والمسؤولية

التربية هي استراتيجية تُصنَع، وتسير باستقامة في الحياة، من أجل إعطاء زخم دائم لأبنائنا لكي يعرفوا كيف يعيشون، وذلك من خلال التغذية بالقيم الصالحة، والأفكار والأخلاق الصالحة، كذلك التربية بالأسوة على نموذج زينب وأهل البيت (عليهم السلام)، والتربية بالحوار أيضا، والعمل على فتح حوارات داخل الأسرة.

يجب التربية باللاعنف، وليس بالتشدد والعنف والقوة والقسر فهذا خطأ كبير، لأن الإنسان عاقل ويحتاج إلى حوار وفهم ويجب أن يقتنع بالكلام الذي يسمعه، وإذا تم كل شيء بالقوة والعنف يصبح الإنسان بليد المشاعر وأفكاره معتمة وظلامية.

وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): (حزم في لين)، فالتربية باللين هي تربية تغذي الإنسان بالأفكار والأخلاقيات الصالحة، كذلك التربية على الاحترام والمسؤولية، وأن لا نجعل أولادنا عشوائيين يتصرفون بلا مسؤولية، فالمسؤولية تربية، واحترام الآخرين تربية، وهذا يؤدي إلى احترام النفس وتقديرها لذاتها.

ثالثا التحدي الثقافي:

إننا نعيش اليوم في ظل غزو ثقافي كبير ينهال علينا، كالأعاصير الكبيرة، وهذا الغزو الثقافي يؤدي بنا الوقوع في فخ التضليل، ويدفعنا للتخلي عن أصالتنا، واستنساخ نماذج الآخرين في سلوكيات حياتنا، مما يجعلنا مقلّدين للآخرين في تقليد أنماط حياتهم، حتى أصبحت مجتمعاتنا اليوم تعيش التبعية للثقافات الأخرى.

بالإضافة إلى العيش في عالم الاستهلاك المطلق، الذي جعل ثقافتنا سطحية جدا، وقد قادنا عالم الاستهلاك إلى الضحالة، وإلى التسافل والتفاهة، وهو من أكبر التحديات الثقافية الكبيرة.

لقد أوصى القرآن الكريم ببذل الجهد والسعي، فيجدر بالمرأة أيضاً أن تكون ساعية دوماً ولا تهدر حتى لحظة واحدة من عمرها في غير النافع أو الضروري، أي لا تهدر حياتها بالتفاهة ولا بالأشياء التي ليس لها أولوية في حياتنا، فنحن نحاسَب على عمرنا، وكلما نختاره له ثمن، ولأنفسنا ثمن، فلابد أن نختار الراقي معنويا وليس الغالي ماديا.

لابد من اختيار الأشياء الضرورية والمهمة في حياتنا، وكلما اخترنا الأشياء الضرورية في حياتنا، يرتفع مستوى الفهم والوعي عندنا، وكلما نذهب إلى اختيار الماديات، فإن مستوى الوعي والإدراك ينخفض لدينا إلى أن يصبح الإنسان بلا وعي ولا إدراك.

2022/08/13
شجاعة وثبات زينب (ع) في مجلس الكوفة والشام
دخلت بنت أمير المؤمنين مجلس بن زياد والجواري حوله بثياب بالية وبسيطة فاتخذت ركن من أركان القصر مجلساً لها.

[اشترك]

 عندها سأل ابن زياد من تكون هذه المرأة؟ فلم يجبه أحد، فأعاد السؤال مرة أخرى فأجابته إحدى جواري زينب سلام الله عليها قائلة: إنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهنا تكمن الوظيفة الصعبة والمهمة العويصة التي تنتظر زينب سلام الله عليها، فيجب عليها أن تتمالك أعصابها وأن لا تفقد صبرها كي لا تسمح لابن زياد اللعين أن يزيف الحقيقة أمام النّاس، قال ابن زياد: أشكر الله على قتلكم وكشف خدعكم وكذبكم أمام الملأ.

لقد تجرأ ابن زياد بخطاب الكفر هذا النابع من قمة غروره بانتصاره الزائف على بيت النبوة، وإلاّ فأي كذب كان ينطق به بنو هاشم؟ هل كذبوا بأن كانوا يقولون "محمد رسول الله"؟ أم كان غير ذلك؟ وعلى كل حال فقد أجابته زينب دون أدنى تردد قائلة:

"الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وطهرنا من الرجس تطهيراً، يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله".

فقال ابن زياد مرة أخرى أرأيت ماذا فعل الله بأهلك؟ وكأنه أراد بذلك تذكير زينب بقتلى يوم عاشوراء وإثارتها، ساعياً إلى جعلها سلام الله عليها تجيبه حسب ميله أو تترجاه، غافلاً أنها أذكى منه بكثير فلن تقول كلمة واحدة في غير محلها، وكل ما ستقوله مسطر ومحسوب مُؤَمِّنـة بذلك الهدف المنشود لنهضة عاشوراء المباركة.

قالت زينب في جوابها على ابن زياد اللعين: "كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتخاصمون عنده"، عندها ارتسم الغضب الشديد على وجهه ولولا وجود عمرو بن حريث ولومه له لأصدر أمره بقتل زينب سلام الله عليها، لكن ما هي الفائدة يا ترى من هذا الكلام الفاخر الصادر من طاهرة من بيت طاهر بيت النبوّة من زينب عليها السلام الذي فضحت به هذا الفاسق الفاجر، ونزّهت وعرَّفَت به أهل بيت العصمة والطهارة.

بعد شهر أو أكثر مضى على هذا المجلس، تجتمع زينب في مجلس أهم وأصعب موقفاً من الأول موضحة معالم نهضة عاشوراء، مزيحة بذلك الستار أمام أهل الشام الذين كانوا يجهلون مواقف أهل الكوفة ومغَرَّبين عن معرفة أهل بيت العصمة والطهارة.

كان هذا المجلس في مركز الخلافة الإسلامية دمشق الذي وقفت فيه زينب بثبات وثقة وإصرار عجيب. لقد خطبت سلام الله عليها في هذا المجلس، وقد نقلت خطبتها الشريفة في كتاب بلاغة النساء لأحمد بن أبي طاهر البغدادي الذي قال: عندما وقعت عين يزيد اللعين على أسرى وسبايا أهل البيت (ع)، أصدر أمره بإحضار رأس الإمام الشريف في طشت ثم بدأ يضرب أسنانه الشريفة بعصاه مردداً هذا الشعر:

لعبـت هاشـم بالملـــك***فلا خبر جاء ولا وحي نزل

ليت أشياخي ببـدر شهـدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلـوا واستهلــوا فرحـا***وقالوا يا يزيد لا تشـــل

فجزيناهـم ببـدر مثلهــا***وأقمنا مثل بدر فاعتــدل

لست من خندق إن لم أنتقـم***من بني أحمد من كان فعـل

فلو كان يزيد لحد الآن يحارب الحسين (ع) هل يتجرأ على المساس بشخص النبي! ويقف في وجهه متجاهراً بعدائه لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم كيف يكون موقف زينب يا ترى؟ هل تقف ساكتة تاركة العنان ليزيد كي يتجرأ بكلامه المخزي وغير المتصور على خليفة رسول الله، ويبدي أحقاده الدفينة للنبي الأكرم ويساوي بينه وبين مشركين قريش الذين قتلوا في معركة بدر، جاعلة كلامه مورد قبول واعتقاد أهل الشام؟ لا نظن أنّ زينب تؤثر السكوت في هذا الموقف وكل شيء ستقوله ينبع من تكليفها ووظيفتها الشخصية التي سيحفظها الله لها يوم القيامة- هذه المواقف لم تمح كما محيت العديد من المستندات المذهبية الأُخَر- لأنها لم تكن لتستطيع أي قدرة أن تخمد صوت زينب سلام الله عليها وتحبسه عن أن يسجل آهاته على صفحات التاريخ حاملاً رسالته المحمدية الأصيلة لكل مسلمي العالم.

أم يجب على زينب أن تحرّف الحقيقة وتبدّل كلماتها بكلمات التجليل والتكريم ليزيد، وإظهار العجز وطلب الاعتذار أمامه، لا نهج بلاغة علي (ع) يرضى بهذا التبديل ولا الصحيفة السجادية للإمام الرابع، و لا خطب الإمام الحسين (ع) في طريقه إلى كربلاء أو يوم عاشوراء، ولا خطب الإمام زين العابدين (ع) وزينب الكبرى، و أم كلثوم و فاطمة بنت الحسين (ع) في الكوفة و الشام والمدينة. وما دامت المكتبات متواجدة في هذه الدنيا ستبقى هذه الكلمات حية خالدة، ممنوعة من التحريف غير قابلة للزيادة أو النقصان.

إن الله سبحانه وتعالى ليس حافظاً للقرآن من التحريف فحسب، بل حافظاً لكل مستند مذهبي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتعاليم القرآن، لذا وجب شكره الجزيل على نعمته التي تفضل بها علينا.

*الشيخ جوادي آملي
2022/08/13
هل يمكن استبدال ’المنبر الحسيني’ بوسائل أخرى؟
إنّ فكرة المنبر بما تحمله من جنبة دينية قد اقترنت ببداية الدعوة الإسلامية، على يد الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله)، الذي كان يقف أثناء حديثه مع الناس، ممّا حدا ببعض المؤمنين من الذين شعروا بتعبه (صلى الله عليه واله) أن يجعلوا له جذعاً من النخل؛ كي يتكئ عليه أثناء حديثه وخطابه بينهم، ثمّ بدأت القضية تتطوّر ـ بعد ذلك ـ إلى أن بُنيت له أعواد وبدأ يجلس على تلك الأعواد ويخطب بالمسلمين في المناسبات الدينية التي يغتنمها (صلى الله عليه واله) لتعليمهم وهدايتهم [1].

[اشترك]

ولهذا نجد أنّ المنبر الديني قد اكتسب ـ نتيجة هذه البداية التأسيسية ـ شيئاً من القدسية والاحترام، وقد بقيت هذه القدسية مستمرة إلى يومنا هذا، وذلك أنّ عموم المسلمين يكنّون الاحترام والتقدير للمنابر الدينية بشكل عام، على الرغم من سعي بعض أعداء الله ـ في المدّة التي أعقبت رحيل النبي(صلى الله عليه واله) ـ إلى سرقة هذه القدسية؛ إذ كانت هنالك محاولات لنقل منبر الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله) إلى الشام[2]؛ هادفين من وراء ذلك إلى إضفاء الشرعية على حكمهم الزائف، وإلباس ما يتلونه في محافلهم لباس المشروعية والمصلحة الدينية، خصوصاً ما يتعلّق بسبّ ولعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، إلّا أنّ الإعجاز الإلهي ـ وكما هو مسجّل في التاريخ ـ حال دون تحقيق هذا الأمر[3]، وبقيَ المنبر محافظاً على الهالة القدسية التي اكتسبها ببركة اعتلاء النبي(صلى الله عليه واله)، واتخاذه له في خطبه المختلفة أثناء تواجده بين المسلمين.

بل نلاحظ أنّ هذا المنبر قد نال جملة من الآثار الشرعية التي استمرت بعد وفاة النبي(صلى الله عليه واله)؛ حتى أنّ المعتمر والزائر للمسجد النبوي بعد أدائه مراسم زيارة قبر رسول الله(صلى الله عليه واله)، يأتي بمجموعة من الآداب الدالة على بقاء مكانة المنبر وقيمته في نفوس المسلمين[4].

 ثمّ ازداد الاعتناء والاهتمام بموضوع المنبر، وبقيَ مستمراً حتى زمان حدوث واقعة الطف الأليمة، فأخذ المنبر بعد هذه الواقعة صفة أُخرى وعُنون بعنوان إضافي وهو: (المنبر الحسيني)، وقد شَيّد المنبر الحسيني بنحو الأصالة الإمام الصادق(عليه السلام)، الذي كان يرعى ويهتم بالمنبر الحسيني سواء كان على صعيد المضمون، أم المنهج، أم الأُسلوب، فقد كان(عليه السلام) يذكر تفاصيل متعدّدة في كيفية إحياء ذكرى عاشوراء، وما جرى على الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وصحبه من مآسٍ ومحن، فهو من ناحية المضمون كان يوصي الشيعة بأن تتمحور مجالسهم حول إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام)، الذي لا ينفك عن كلّ ما شأنه تقوية الدين الإسلامي، وإرساء دعائمه، وتقوية شوكته؛ إذ روي عنه(عليه السلام) مخاطباً الفضيل بن يسار:( تجلسون وتحدّثون؟ قلت: نعم. قال: تلك المجالس أُحبُّها فأحيوا أمرنا رحم الله مَن أحيا أمرنا...)[5]، وروي عنه أيضاً(عليه السلام) أنّه قال: (تلاقوا وتحادثوا العلم، فإنّ بالحديث تُجلى القلوب الرائنة، وبالحديث إحياء أمرنا فرحم الله مَن‏ أحيا أمرنا)[6]. وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي تضمّنت الحثّ على إحياء أمرهم(عليهم السلام).

أمّا فيما يتعلّق بالمنهج الذي يتمّ السير عليه في مثل هذه المجالس، والمحور الرئيس الذي تدور حوله جميع الأحاديث التي تُطرح فيها، هو عبارة عن ذكر أهل البيت(عليهم السلام)، خصوصاً ذكر ما جرى على أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وصحبه في واقعة الطفّ ومسيرة السبي، وهنا يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في تكملة خطابه مع الفضيل بن يسار في الرواية المتقدّمة:( يا فُضيل، مَن ذكرنا، أو ذُكرنا عنده، فخرج من عينيه مثل جناح الذُّباب غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر)[7]، وقال(عليه السلام) في حديث آخر:( ومَن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله، ولم يرضَ له بدون الجنّة)[8].

هذا، ولم يكتفِ الإمام الصادق(عليه السلام) بهذا الحدّ، فقد وردت عنه روايات حول طبيعة الأُسلوب الذي يتمّ فيه تأدية مثل هكذا مجالس، ومن ذلك ما ورد عنه حول ضرورة إنشاد الشعر رثاءً للحسين(عليه السلام)؛ إذ قال:( مَن أنشد في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى عشرةً، فله ولهم الجنّة...)[9]. كما يصل الأمر إلى تدخّله (عليه السلام) في أُسلوب إنشاد الشعر الرثائي؛ إذ يطلب من بعض المنشدين أن يكون الأُسلوب في إلقاء شعره رقيقاً ومشجياً، من ذلك ما ورد عنه(عليه السلام) مخاطباً أبا هارون المكفوف:(يا أبا هارون، أنشدني في الحسين(عليه السلام). قال فأنشدته فبكى، فقال أنشدني كما تُنشدون ـ يعني بالرّقة ـ. قال فأنشدته:

امْرُرْ على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيّة

قَالَ فَبَكَى. ثُمّ قال: زدني. قال: فأنشدته القصيدة الأُخرى، قال: فبكى وسمعت البكاء من خلف السِّترِ، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون، مَن أنشد في الحسين(عليه السلام) شعراً فبكى وأبكى عشراً، كُتبت له الجنّة...)[10].

وبعد الإمام الصادق(عليه السلام) نجد أنّ الإمام الرضا(عليه السلام) سار على المنوال نفسه أيضاً، محاولاً منح المنبر الحسيني هالة وقداسة إضافية، وذلك من خلال تأكيداته المستمرة على قضية البكاء على الحسين(عليه السلام) وعياله وصحبه، فقد رُوي عنه(عليه السلام):(مَن‏ تذكّر مصابنا فبكى وأبكى، لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَن جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)[11]، ورُوي عنه(عليه السلام) أيضاً:(فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البُكاء عليه يحطّ الذّنوب العظام‏...)[12].

الحفاظ على مكانة المنبر الحسيني في عصر الغيبة

مع ملاحظة الدور الذي قام به أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وخصوصاً الإمام الصادق والرضا(عليهما السلام) في مجال تشييد صرح المنبر الحسيني، ومنحه المكانة والقدسية اللائقة به، التي بقيت في وجدان الشيعة إلى يومنا هذا، فإنّنا نجد في المقام ـ أيضاً ـ بأنّ أصحاب القرار الديني وعلى رأسهم المؤسسة الدينية والمرجعية قد بذلت العناية الفائقة جداً في مجال حفظ المنبر الحسيني وتطويره، سواء على مستوى القول أم الفعل، فنرى في سيرة علمائنا ـ مثلاً ـ أنّه عندما يأتي الخطيب الحسيني ويتلو المصيبة في المجالس التي يقيمونها في مكاتبهم أو بيوتهم، فإنّه حينما يريد أن يغادر نرى بأنّ المرجع يقوم من مكانه ويشيّعه بنفسه إلى آخر نقطة من داره؛ إشارة إلى أهمية المنبر الحسيني الذي أصبح لوناً من ألوان نشر العلوم الدينية، سواء على صعيد العقائد، أم الفقه، أم التفسير، أم الأخلاق، أم غير ذلك.

ثمّ إنّه وبفعل الجهود الحثيثة التي قام بها أهل البيت(عليهم السلام)، ومراجعنا العظام وحوزاتنا العلمية فقد أصبح للمنبر الحسيني حضوراً منقطع النظير في المواسم والمناسبات الدينية لدى الشيعة الإمامية، حتى أنّه عُدّ من أهمّ الشعائر الدينية، وحظي ـ تقريباً ـ بالمكانة نفسها، والآثار التي تحظى بها قُبة الإمام الحسين(عليه السلام). ومن هنا؛ فلا مجال للتوقّف في شرعية المنبر الحسيني، وأنّه من المناشئ المهمّة لإحياء الدين الإسلامي الناصع والحقيقي المستند إلى القرآن الكريم، والأحاديث الصادرة عن العترة الطاهرة.

الرؤى المتباينة حول المنبر الحسيني

شهد العالم الإسلامي بشكل عامّ ـ والشيعي خاصّة ـ نوعاً من الجدل حول مصير المنبر الحسيني، والحالة التي يجب أن يكون عليها في عصرنا الراهن، وفي ضوء هذا الجدل الواسع تمظهرت التكتلات في الرؤى الآتية:

الرؤية الأُولى: تهميش المنبر الحسيني وجعله من الفلكلور الشعبي

يسعى بعضٌ إلى تغليف المنبر الحسيني بطابع الفلكلور الشعبي، ويعدّه من الأُمور التاريخية المحكومة بتعدّد الثقافات المجتمعية وتغيّرها؛ ساعياً من وراء ذلك إلى بيان أنّ هذه المفردة كانت حاضرة في ظرفي زمان ومكان معيّنين، ومع تبدّل هذين العنصرين، فمن المفترض أن يتغيّر الموقف تجاهها، وبعبارة أُخرى: يرى هؤلاء أنّ مفردة المنبر الحسيني داخلة في السياق التاريخي، الذي من المفترض أن يكون حاكماً ومؤثّراً على جميع القضايا المتولّدة فيه، والخاضعة لظروفه ومتطلّباته. هذا، وقد كان هدف القائلين بهذه الرؤية ـ ومن خلال الأدلّة التي أقاموها في المقام ـ هو التأكيد على ضرورة حبس المنبر الحسيني وحصرهِ في زاوية تاريخية معينة، وعدم التعويل عليه أو السماح له بأن يكون فاعلاً في واقعنا المعاصر، ولعلّنا نسمع من هنا وهناك بعضاً من هذه النداءات.

ومن الأدلّة التي استندوا إليها في المقام هو قولهم: إنّ المنبر الحسيني كان مهمّاً عندما لم يكن عند الشيعة مصادر إعلام تُبرز مظلومية أهل البيت(عليهم السلام) وما جرى عليهم في واقعة الطف، وأنّ اهتمامهم(عليهم السلام) بالمنبر الحسيني وما صدر عنهم من نصوص مبرزة لذلك، يكون ـ بنظر أصحاب هذه الرؤية ـ من باب الإرشاد لا التأسيس لقضية مهمّة وحيوية تصبّ في خدمة الرسالة الإسلامية. وبناءً على هذا الدليل؛ ومع ملاحظة المساحة الواسعة التي يمتلكها الإعلام المرئي وغير المرئي في العصر الحالي، والقدرة الكبيرة والتقنية العالية والإمكانيات الممتازة التي يحظى بها، فإنّ بعضاً ذهب إلى الرؤية التي بيّناها آنفاً، فبيّن بأنّ الإعلام المعاصر له تأثير سريع، وله قدرة على الخطاب الشمولي، ممّا يؤهّله لأن يكون بديلاً عن المنبر الحسيني. أضف إلى ذلك ـ والكلام لا زال لأصحاب هذه الرؤية ـ أنّ الشخص الذي يرتقي المنبر الحسيني ليس بمستوى الطموح، لأنّه ينطلق من منطلقات تقليدية كلاسيكية ولا يعيش لغة الخطاب العصري والحداثوي.

وكنتيجة لما تقدّم؛ فقد بدأت حركة مسعورة في هذا الاتّجاه، وهي وإن تعدّدت فيها الألسن واختلفت فيها الأزياء بحسب الظاهر، إلّا أنّها من حيث النتيجة تصبّ في مصبٍّ واحدٍ، وهو تعطيل المنبر، أو تهميشه، أو التهريج بعدم النفع والجدوائية منه، وعليه لا بدّ من البحث بشكل جادّ عن إيجاد البدائل المتّصفة بالعصرنة والحداثة، وجعل الأُمة تتّجه إلى ثقافات أُخرى بدل أن تنخرط في ثقافة المنبر وثقافة المدرسة المنبرية، ومن الكلمات التي تدسُّ السمّ في العسل ـ في المقام ـ ما يرد إلى المؤسسة الدينية من تساؤلات تتمحور حول المقارنة بين الإنسان الذي يجلس في بيته ويستمع إلى بعض الطروحات العلمية والدينية التي تبثّها الفضائيات، وبين الذهاب إلى منبر ضعيف لا يرقى إلى مستوى المحتوى الذي يتمّ طرحه عبر وسائل الإعلام هذه، وهنا وإن كان المدلول المطابقي للسؤال وأمثلته هو أيّ النوعين المذكورين أفضل؟ إلّا أنّ هذا المدلول ليس مقصوداً، وإنّما المقصود ـ في المقام ـ هو المدلول الالتزامي، والذي هو: لماذا الجمود والإصرار على منهج تقليدي يدخل في ضمن الفلكلور والقضايا التاريخية؟ منهج أقلّ نفعاً في مقابل اللغة الحداثوية والخطاب المعاصر.

طبعاً، هذه الفكرة لا تختصّ بهذا المجال فقط، فقد لاحظتُ أنّ هذه الفكرة بدأت تصل حتى إلى اللباس الديني؛ بذريعة أنّ الحوار مع الوسط الثقافي والجامعي لا يتأتّى إلّا من خلال الزهد بهذا اللباس وتضعيفه، وأمثال هذه العبائر. هذا، وأنّ الجامع لكلّ هذه الدعاوى الفارغة هو أنّ الأساليب القديمة صارت حديثاً من الماضي، وفاقدة للتأثير، ولكلّ ما ينبغي أن يُقدَّم في مجال العمل الإعلامي.

طبعاً، إنّ هذه الرؤية الأُولى قد أساءت إلى المنبر الحسيني، وسعت من خلال الشبهات والتساؤلات التي يطرحها أصحابها إلى تهميش دور هذه الوسيلة الإعلامية، التي سعى أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) إلى تثبيتها في الثقافة الشيعية؛ وذلك من خلال ربطها بالنهضة الخالدة للإمام الحسين(عليه السلام).

الرؤية الثانية: الإبقاء على الحالة التقليدية

توجد في مقابل الرؤية المتقدّمة رؤية أُخرى تختلف عنها تماماً، رؤية تقليدية بحتة تسعى إلى المحافظة على المنبر، الذي أُنشئ في العصور المتقدّمة، وعدم السماح لأيّ أحد أن يغيّر في شكله أو محتواه، وذلك من خلال الوقوف أمام أدنى تغيير أو تبدّل يمكن أن يطرأ عليه، فالكيفية المنبرية التي تمّ تداولها في الأزمنة الماضية، والتي تتألّف من الشعر الرثائي (القريض) في البداية، ثُمّ موضوع البحث المتكوّن من السرد التاريخي وصولاً إلى ذكر المصيبة (شعراً ونثراً) وختاماً بالدعاء، هذه الكيفية يجب المحافظة عليها من وجهة نظر أصحاب هذه الرؤية، وإذا كان ولا بدّ من وجود تغيير فليتجه إلى غير هذا الأمر، فإنّ قضية المنبر الحسيني لا تتقبل التغيير، بل أكثر من هذا بدأ بعضنا يعيش شعوراً في داخله، وهو أنّ أدنى محاولة تسعى لإصلاح المنبر الحسيني لا بدّ أن تُتّهم بسوء القصد وبتبييت النوايا غير الطيّبة، والسعي إلى سرقة المضمون المنبري؛ وعليه فقد صارت لغة التطوير في أذهان هؤلاء لغة قبيحة وليست باللغة الحسنة.

طبعاً، إنّ هذه الرؤية في الوقت نفسه الذي تمنع فيه فكرة تطوير المنبر الحسيني، فهي بطريقة أو بأُخرى لا تسمح بتوجيه أيّ نقدٍ إليه، مع اعترافهم المسبق بأنّ النقد حالة صحية وليست حالة سلبية، فيما إذا كان الناقد يتحرّك بإيجابية وبمقاصد صحيحة، ويسعى إلى إيجاد البدائل المناسبة؛ خصوصاً ونحن نعيش اليوم ظاهرة النمو الكمّي الكبير للمنبر الحسيني، هذه الظاهرة التي لم تكن موجودة في السابق، فقد كانت قضية المنبر تقتصر على المساجد والحسينيات، بينما نجد أنفسنا في هذه الأزمنة قد انتقلنا نقلة جوهرية في هذا المجال، فقد بدأ المنبر ينفذ إلى بيوتنا طيلة أيّام السنة، فما من مناسبة نعيشها إلّا وكان المنبر حاضراً فيها.

هذا، وقد يكون ترتّب الثواب على المنبر وصيرورته جزءاً مهمّاً داخلاً في كيانه هو أحد المنطلقات التي انطلق منها أصحاب هذه الرؤية الثانية، فإنّنا نجد أحياناً أنّ فكرة الجزاء الأُخروي قد طغت على الواجهة في مجال العمل المنبري؛ ممّا دعا إلى اختزال أو حذف بعض الفوائد الأُخرى المهمّة للمنبر، أو إغفال ذلك وعدم النظر إليها بنظرة دقيقة.

نعم، إنّ ترتّب الثواب على ذكر أهل البيت(عليهم السلام) في بيوتنا ومساجدنا وحسينيّاتنا هو أمر في غاية الأهمية، لكن شريطة المحافظة على البُعد التنويري والحالة الجوهرية التي من المفترض ترتّبها على ذلك، وكنظير لما تقدّم ما نجده في تلاوة القرآن، فإنّنا نجد أنّ بعض الناس قد يقرأ القرآن؛ لأجل نيل الثواب من دون جعله جهازاً معرفياً يُستفاد منه في ترويض الذات وتطويرها، وكذلك في تطوير الأُسرة وتطوير المجتمع.

الرؤية الثالثة (المختارة): ضرورة التطوير والمواكبة

ممّا لا شكّ فيه أنّ التقليدية والثبات في العبادات والمناسك من الأُمور المهمّة والمطلوبة، لكن ليس بمعنى الجمود، ففرق بين الحفاظ على الروح التقليدية للعبادة والنُّسك، وبين أن ندعو إلى الجمودية في المقام، فما من نُسك إلّا وفي داخله مجال للتكامل، فلو أخذنا تلاوة القرآن كمثال لما نقول، لوجدنا أنّ المراحل التي مرّت بها انطلقت من التلاوة الفردية وغير المتضمّنة لشرح المفردات، ثمّ تطوّرت شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى التلاوة في المحافل الجماعية التي تبث في الفضائيات والمصحوبة بشرح وتبيين المفردات التي يصعب فهمها على بعض المشاهدين.

وبما أنّ المنبر يُعدّ أحد المناسك والشعائر الدينية المهمّة، فهو خاضع لهذه القاعدة أيضاً؛ لذا ينبغي أن نفتّش عن هذا البُعد التكاملي، سواء كان التكامل على الصعيد الروحي والنفسي، أم كان على الصعيد الفكري والعلمي، فلا بدّ من البحث عن هذا التكامل. ومن هنا؛ فنحن ندعو إلى ضرورة القيام بعملية تكاملية تطويرية للمنبر، شريطة ألّا يكون بنحو البديل الفاقد لنسخة الأصل، وإنّما هو عبارة عن امتداد لنسخة الأصل، مع فارق أنّه صار نسخة مضاعفة وأكثر تطوّراً.

وبناءً على هذا؛ فإنّ الدعوى القائلة: بأنّ سائر الوسائل الإعلامية لها من التأثير ما ليس للمنبر من التأثير، فيها من المسامحة التي لا تخفى؛ وذلك لأمرين، هما:

أوّلاً: إنّ واحدة من مقاصد الدين الإسلامي الرئيسة، هي أنّه يدعو إلى مجموعة شعائر يمكن أن نُسمّيها بشعائر العقل الجمعي، أو الشعائر التي توجد وتحثّ الفرد من خلال اللاشعور الداخلي إلى حالة حبّ الانضمام إلى الجماعة والابتعاد عن العزلة، ومن هذه الشعائر نجد أنّ فريضة الحجّ ـ مثلاً ـ تدعو بشكل واضح إلى هذا البُعد الحيوي في حياة الإنسان، والدليل على ذلك ما نستكشفه من الأمر الجماعي المتعلّق بهذه الفريضة، والوارد في قوله تعالى:(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً....)  [13]. ومن تلك الشعائر التي لها الدور نفسه شعيرة المنبر، الذي يُعدّ من المناشئ المهمّة لإيجاد ظاهرة العقل الجمعي، وعليه فإنّ استبدال هذه الوسيلة الجماهيرية بالجلوس والاستماع إلى الأُمور العلمية، أو حتى الدينية التي تُبثّ عبر سائر الوسائل الإعلامية، سوف يحرم الإنسان من التماهي مع الجماهير، ويؤدّي إلى إبعاده عن الهدف الذي أراده المشرّع، المتمثّل بوجود حالة اللُحمة الجماعية بين المؤمنين؛ وعليه فإذا لم نحافظ على المنبر الحسيني فإنّنا لا نتمكّن من تحقيق هذه الحالة المهمّة في حياة الإنسان.

ثانياً: نحن نرى أنّ هناك أُموراً معنوية (قدسية) قد لا يتفهّمها العقل المادّي ولا يتقبّلها، ومن ذلك ما نعتقده بشأن المنبر الحسيني الذي دلّت الآثار على أنّه محفوف بجملة من المعنويات والكمالات، وذلك من قبيل ما ورد في الأخبار من أنّ المجالس الحسينية منظورة من قِبل الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام):(إنّ الحسين بن علي(عليهما السلام) عند ربِّه (عزّ وجلّ) ينظر إلى موضع‏ معسكره‏، ومَن حلّه من الشُّهداء معه، وينظر إلى زُوّاره... وإنّه ليرى مَن يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه(عليهم السلام) أن يستغفروا له...)[14]. وورد أيضاً أنّ هذه المجالس والمنابر الحسينية هي مشهد لملائكة الله المقرّبين، ومن ذلك ما رواه زيد الشحّام بقوله:( كُنّا عند أبي عبد الله(عليه السلام)، ونحن جماعةٌ من الكوفيين، فدخل جعفر بن عفّان على أبي عبد الله(عليه السلام) فقرّبه وأدناه، ثُمّ قال: يا جعفر. قال: لبّيك جعلني الله فداك. قال: بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين(عليه السلام) وتُجيد؟ فقال له: نعم، جعلني الله فداك. فقال: قُلْ. فأنشده‏ [فبكى](عليه السلام) ومَن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثُمّ قال: يا جعفر، والله، لقد شهدك ملائكة الله المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين(عليه السلام)، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر...)[15].

ومع ملاحظة هذه الآثار التي قد لا يصل إلى إدراكها العقل المادي، وإنّما يتمّ التعرّف عليها من خلال المعين الصافي والمنبع الزلال، المتمثّل بأهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام)، هل يبقى مجال للقول: بأنّ الجلوس في البيت والاستماع بتركيز إلى ما يُذكر من أُمور علمية أو دينية عبر الوسائل الإعلامية الأُخرى أكثر فائدة، وأهمّ بكثير من الجلوس تحت المنبر مع ما يلازمه من ضجيج ربّما يحرم المستمع من الوصول إلى المعلومة الأكمل؟ نعم، ما يحكم به العقل المادي هو ضرورة البقاء في البيت وتحصيل المعلومة مع التركيز والتمعّن، وأنّ ذلك ـ بحسب مقتضياته ـ أهمّ بكثير من تحصيل المعلومة من دون تركيز. لكن عندما نمرّ بالموروث الديني، ونراه يذكر بأنّ هناك أبعاداً معنوية لا يمكن تحصيلها إلّا بواسطة الحضور إلى المأتم الحسيني، فإنّ دعوى الاستبدال تكون ـ حينئذٍ ـ غير صحيحة وغير موفّقة.

وبالعودة إلى صلب الحديث عن الرؤية المختارة، نقول: إنّ المنبر الحسيني بالدرجة نفسها التي لا يمكن استبداله فيها بوسيلة إعلامية أُخرى، كذلك لا يمكن اختزاله بالبُعد العاطفي واللوعة والبكاء والدمعة، فإنّ هذا البُعد وإن كان مطلوباً بصورة كبيرة جدّاً، لكنّ المنبر غير مقتصر عليه فقط، فالحسين(عليه السلام) بحسب الكلمة المشهورة التي يتناقلها عموم الشيعة هو عِبرة[16]وعَبرة[17]، وعليه فإنّ المنبر الحسيني ينبغي أن يكون مصدراً لتهييج النفوس والعواطف نحو القضية التي ضحّى من أجلها سيّد الشهداء(عليه السلام)، ويكون أيضاً مصدراً للعديد من المعارف (عقائد، فقه، تفسير، تاريخ... ونحو ذلك).

وبناءً على ما تقدّم؛ فإنّنا كما نرفض فكرة تهميش المنبر واستبداله، نرفض أيضاً دعوى الجمودية التي لا محالة ستنتهي إلى حالة سلفية، سوف تُفقدنا جزءاً كبيراً من أمّتنا، وهذا الجزء هو الشريحة التي تتأثر بالحداثة، وتطلب الجديد، وتطمح لأن يكون المنبر مُلبّياً لجميع احتياجاتها ومتطلّباتها.

المنبر الحسيني النموذجي

إنّ المنبر الحسيني الذي يتألّف من ثلاثة أطراف أساسية هي: (الخطيب، المستمع، المادة الخطابية)، يكون نموذجياً في حال محافظته على القداسة التي تأسّس في ضوئها، والتي لا تزول بمرور الأزمنة. وهنا أذكر شاهدين تاريخيين روائيين صحيحي السند:

الأوّل: الخبر الذي يروي لنا حادثة جرت بين الإمام الحسن(عليه السلام) وبين أبي بكر، وهي أنّه(عليه السلام) عندما دخل إلى مسجد رسول الله(صلى الله عليه واله)، ورأى أبا بكر يخطب في المسلمين، وقد ارتقى منبر النبي(صلى الله عليه واله)، قال له:(انزل عن مجلس أبي)[18]. فإنّ اعتراضه(عليه السلام) لم يجابه باعتراض من قِبل المتحدّث أو الحاضرين، فلم يستطع أحد أن يقول للإمام الحسن(عليه السلام) في ذلك الموقف: إنّ قدسية المنبر كانت متقوّمة بوجود رسول الله(صلى الله عليه واله) وبعد رحيله لا يُسمّى منبر رسول الله، بل هو منبر الخليفة الأوّل، وعليه فإنّ ما صدر من الإمام(عليه السلام) كان له دلالة واضحة على ضرورة حمل المنبر النبوي لنفس اسمه السابق حتى بعد رحيله(صلى الله عليه واله). وفي الحقيقة هذا عين ما ندعو إليه بالنسبة إلى المنبر الحسيني، وهو أن يحافظ على قدسيته، وعلى الأطراف الثلاثة التي يتشكّل منها.

وأمّا الشاهد التاريخي الثاني: فهو حادثة مشابهة جرت بين الإمام الحسين(عليه السلام) وبين الخليفة الثاني[19]. وهذا معناه إنّنا بصدد التأصيل لفكرة مارسها أكثر من معصوم، فالمنبر لم يعد في الحقيقة عبارة عن مجرّد هيكلٍ خشبي، فهو بعد ما سُمّي منبراً حسينياً اكتسب شيئاً من القدسية والاحترام، نظير أبواب مراقد المعصومين(عليهم السلام) فإنّها قبل أن توضع في محالّها لم تكن لها هذه القيمة المعنوية الكبيرة، لكنّها بعدما وضعت اكتسبت هذه المكانة والمنزلة في نفوس الشيعة، ثمّ إنّه يُخطئ مَن يرى أنّ هذه القضية اعتبارية، بمعنى أنّنا أعطينا هذه المكانة والمنزلة توافقاً لتلك الأبواب بطريقة توافقية بيننا، وإنّما قدسيتها حقيقية تكوينية تبعاً لقدسية الأجساد الطاهرة للمعصومين(عليهم السلام)، وفرق بين القدسية الاعتبارية وبين القدسية الحقيقية التبعية، فالأخيرة لها آثار حقيقية. والأمر نفسه يجري في قضية المنبر الحسيني، فهو بانتسابه إلى الحسين(عليه السلام) حظي بالقدسية الحقيقية المنبثقة من القدسية التي يمتلكها(عليه السلام)، ممّا جعله منبعاً للآثار المعنوية، وعليه فإنّ دعوى تهميشه واستبداله بناءً على كون القدسية التي يمتلكها قدسية اعتبارية وليست حقيقية، كلّ هذا محلّ نظر وتأمل. والدليل على ذلك هو أنّ أهل البيت(عليهم السلام) عندما أسّسوا هذا السبيل، فإنّما أسّسوه ليكون سبيلاً عامّاً إلى قيام الساعة، فلم يقيّدوه بمدّة معيّنة، ولم يجعلوا حُسنه مؤقّتاً، ومن الروايات الواردة في المقام قول الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام): كان علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول:(أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي‏(عليهما السلام) دمعةً حتى تسيل على خدّه، بوّأهُ الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مُؤمنٍ دمعت عيناه حتى تسيل على خدّه فينا لأذىً مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه الله بها في الجنّة مُبوّأ صدقٍ، وأيّما مُؤمنٍ مسّه أذىً فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ما أُوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار)[20]، ومنها أيضاً قول الرضا(عليه السلام):(...إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاءٍ، وأورثتنا [يا أرض كربٍ وبلاءٍ أورثتنا] الكرب [و] البلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإنّ البكاء يحطُّ الذنوب العظام‏...)[21]، فالإطلاق في الروايتين أعلاه وفي غيرهما من الروايات له دلالة واضحة على استمرار الدور الذي يلعبه المنبر في إحياء النهضة الحسينية،  واستمرار قدسيته النابعة من ارتباطه بالحسين(عليه السلام) إلى قيام الساعة.

على أنّ هذه القدسية وهذه المكانة المرموقة للمنبر الحسيني، لا تمنع من توظيف الأساليب الحديثة في مجال تطويره، شريطة الحفاظ على هيكليته التي أسّسها أهل البيت(عليهم السلام). فإنّ هذه الأساليب بإمكانها تقديم نموذج أكمل للمنبر الحسيني وأكثر فائدة. وبعبارة أُخرى: إنّ المنبر الحسيني هو المادة التي تتغذّى منها سائر الوسائل الإعلامية الحديثة، لا أنّه في عرضها.

وفي الحقيقة أنّ الجدليات التي يدّعي بعضٌ وجودها بين المثقّف والخطيب، وبين المؤسّسة الدينية والخطباء، وبين الإعلام والخطابة، وغير ذلك لا واقع لها أساساً، فإنّ ما موجود بين الجهات المذكورة ـ بحسب الواقع ـ هو تمام الانسجام والأُلفة. ومن هنا؛ فإنّنا نعتقد أنّ المنبر الحسيني كان ولا زال وسيبقى واجهة المذهب الشيعي، وليس عندنا بديل عنه أصلاً، فهو المعني بالدرجة الأُولى والأساس عن الخطاب الرسمي في المذهب الشيعي، وسائر المؤسسات إنّما تكون في طول مؤسّسة المنبر الحسيني، هذه المؤسّسة التي وقفت بشكل دائم أمام الضربات الشديدة الموجّهة من قِبل أعداء الله، ومن قِبل السلطات الظالمة التي كانت تسعى إلى حصد رقاب ورؤوس الشيعة، وتسعى أيضاً إلى تجهيلهم والحطّ من مكانتهم المعرفية؛ ومن هنا فقد سعى المنبر الحسيني على طول الخط ـ وحتى يومنا هذا ـ إلى أن يكون هو المصدر الرئيس الذي يتولّى مهمّة الحفاظ على سلامة المعتقدات المذهبية وبقائها، وربط القاعدة الشيعية بمراجعها وبمؤسّساتها الدينية.

المنهج التطويري للمؤسّسة المنبرية

قد يرى بعضٌ ـ في مقام تطوير المنبر الحسيني ـ ضرورة إنشاء مؤسّسة دينيّة ترعى المبلّغين وتُشرف عليهم وعلى تطويرهم، وكذلك تقوم بتوزيعهم على المناطق آخذةً بعين الاعتبار حاجة الناس وقدرة المبلّغ الحسيني على سدّها بما يملكه من مخزون معرفي.

ونحن في مقام التفصيل حول هذا الطرح نقول: إنّ قانون النظم هو أمرٌ في غاية الأهمية، وقد أكّد عليه الحُسن العقلي والحُسن الشرعي، كما أنّه في المقابل يُعدُّ ضرب هذا القانون سبباً لحدوث الخلل في حياة الناس؛ وبناءً على هذه الحقيقة المهمّة فنحن لا نخشى من وجود حالة التنظيم والتطوير في المنبر الحسيني، بل هو أمرٌ نطمح إليه ونسعى إلى تحقيقه من خلال أمرين أساسيين:

الأوّل: تأهيل الطاقات الحسينية وإدخالها في مواقع التأثير، والارتقاء بالواقع الديني للفرد والمجتمع، وهذا أمرٌ يبدو أنّ الآيات الشريفة قد أشارت إليه؛ إذ يقول عزّ من قائل(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[22]، فمع القول بعدم اختصاص الآية بموضوع الفقه تحديداً، وبعد تنقيح المناط والتوسّع في مضمونها، فإنّها سوف تشمل حقولاً معرفية أُخرى مضافاً إلى الفقه، ومن تلك الحقول عالم الخطابة، وعليه فمن الضروري أن ينضوي ثلّة من طلّاب الحوزة العلمية الراغبين في أن يكونوا خطباءً منبريين تحت رعاية عمل موحّد ومنظّم، يسير وفق موروث دقيق صحيح، وضمن اجتهادات فعلية لا انفعالية، ووفق ملاكات ومقاسات علمية. وهذا الأمر بلا أدنى شكّ من أهمّ السبل المؤدّية إلى عملية التطوير في موضوع المنبر الحسيني.

الثاني: إنّ المسؤولية في عملية تطوير المنبر الحسيني لا ترتبط بالخطيب الحسيني، أو المؤسّسة الدينية وحسب، وإنّما هي مسؤولية المجتمع والأُمة أيضاً، وهنا أرى من الضروري أن أذكر مقدّمة أسعى من خلالها إلى تقريب الفكرة للقارئ الكريم.

عندما نمرّ بموضوع الإمامة عندنا ـ نحن الشيعة ـ وتحت عنوان نظرية بسط اليد، فإنّنا نعتقد أنّ مَن يتسنّم هذا المنصب لا بدّ أن تتوفّر فيه صفات معينة من قبيل: العلم اللدني، والعصمة، والأفضلية، أي: إنّه أفضل ما في الكون؛ وهذه الصفات الثلاثة تتعلّق بنظام التنصيب الإلهي ولا دخل للأُمّة في تحقيقها، لكن تبقى قضية بسط اليد للإمام، فهي ليست موكولة إلى الإمام فحسب، بل لا بدّ للأُمّة من بيعته، وعند مراجعتنا لقاموسنا الديني نجد أنّ مصطلح البيعة يمتلك حضوراً بارزاً في منظومتنا المعرفية الدينية؛ وبناءً على هذه المقدّمة الموجزة فإنّ الأُمّة وإن كانت لا تمنح الشرعية للخطيب، فهي ممّا يتم تحصيله من المحافل العلمية ومركز القرار العلمي، إلّا أنّ بسط يد الخطيب الحاذق لا بدّ أن يكون على عاتق الأُمّة، لا أنّ الخطيب يُملي عليها من دون أن يكون لها دور في التشخيص وترجيح مَن يفيدها من الناحية المعرفية والعملية.

ومن هنا جاءت فكرة ضرورة التواصل بين مؤسساتنا الإيمانية كالمساجد، أو الحسينيات، أو نحو ذلك، وبين مؤسساتنا الدينية، ولعلّنا نلاحظ في الحقبة القريبة أنّ هناك تجارب ناجحة قُدِّمت في هذا المضمار، ومن تلك التجارب الناجحة نجد أنّ بعض أصحاب المواكب هم الذين ينتدبون الخطيب الجيد، وهم الذين يراقبونه ويتابعونه، ثمّ ينقلون ـ بعد ذلك ـ صورةً وتقريراً مفصّلاً عن حاله إلى الجهة المسؤولة عنه، وعليه فقد وجدت عملية رقابية إيمانية على الخطيب، تجعل موضوع المنبر الحسيني عملية منضبطة تخضع إلى جهاز رقابي. إلّا أنّ هذه الرقابة ـ سواء كانت من المؤسّسة الدينية أم من الأُمّة ـ لا تعني الوصاية على الخطيب والتضييق عليه، وإنّما هو تحمّل لجزء من المسؤوليات الرامية إلى ترشيد الحالة الصحية، وإبعاد المنبر عن كلّ ما شأنه الإضرار برسالته ودوره في إصلاح المجتمع. وفي حال عدم أداء الأمّة لهذه المسؤولية فإنّها سوف تلام، كما وقع اللوم على الأُمّة التي نصّبت غير الإمام علي ابن أبي طالب(عليه السلام)، إماماً وخليفةً للمسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه واله) وإن كان استحقاق الإمامة ثابتاً للإمام بالنص الإلهي، سواء أبايعت الأُمّة أم لم تُبايع.

وبناءً على ما بيّناه ـ من ضرورة تحمّل الأُمّة لجزء من المسؤولية في قضية إنجاح وتطوير المنبر الحسيني ـ قد يتساءل بعضٌ، بل يعترض على ذلك: بأنّ الأُمّة في هذه الأزمنة مغلوب على أمرها؛ وذلك بسبب كثرة الأفكار المزيّفة في أوساطها، والغث والسمين الذي يُطرح على شبكة الإنترنت، الذي يُشكّل مادة فاعلة يتغذّى منها أفرادها، وهي فاقدة للقدرة على تشخيص المصلحة، وفي ضوء ذلك فلا يمكن أن تكون لها مساهمة فعّالة في موضوع المنبر الحسيني.

وفي مقام الإجابة عن هذا السؤال نقول: إنّ الأُمّة التي نفترضها ـ في المقام ـ هي أُمّة إيمانية، لها القدرة والقابلية على تحمّل مسؤوليّاتها الدينية بكلّ جدارة. وبعبارة أُخرى: إنّ الأُمّة بشكلها العام تمتلك مجموعة مقوّمات فطرية تتمكّن في ضوئها من معرفة سلامة السبيل.

نعم، قد تضعف إرادتها أحياناً، ولكن ضعف الإرادة شيء وعدم معرفة السبيل شيء آخر، فنحن لم نعهد أنّ الأُمّة قد مرّت بظرفٍ يعوزها معرفة السبيل الصحيح، فهي تمتلك العصمة الفطرية والقدرة اللّازمة على تشخيص ذلك، نعم، قد تتلوّث هذه الفطرة في بعض الأحيان، وقد تضعف الإرادة ممّا يجعلها تنحرف عن جادّة الحقّ، قال تعالى:(وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)[23].

وهذه القدرة على التشخيص قد أهّلت الأُمّة إلى الوقوف في وجه الكثير من الحركات، فعلى سبيل المثال: الحركة الباطنية التي سعت إلى التغلغل في أعماق المجتمع واختراقه، لكنّه بفعل يقظة الأُمّة تمّ تحجيم هذه الاختراقات وجعلها مقطعية ومحدودة. وكمثال آخر في المقام نذكر ظاهرتين قد ألّمتا بالمجتمع الإسلامي، هما ظاهرة الغلو بأهل البيت(عليهم السلام)، وظاهرة تهميش مقامهم(عليهم السلام)، فعندما نمرّ بهاتين الظاهرتين فلربّما نجد بأنّ أحد الأسباب في المقام هو عدم إعطاء القيمة الحقيقية للمعصوم(عليه السلام)؛ وذلك بسبب أنصاف الأفكار، لا بسبب عدم إمكان استيعاب الفكرة، ونظراً لذلك نجد أنّ أهل البيت(عليهم السلام) عندما أقدموا على معالجة هاتين الظاهرتين بيّنوا بأنّ السبب وراء هذه الدعاوى هو الاعتماد على السبيل الناقص لا السبيل التام، فبدأوا بتزريق المفاهيم الصحيحة في نفوس المسلمين وتكميل معلوماته. أمّا إذا كان السبب وراء الظاهرتين المشار إليهما هو حبّ الدنيا، والسعي إلى نيل مقاصدها الزائفة، من قبيل كون الشخص باب الله ووجه الله، وذلك من خلال سعيه الحثيث إلى إعطاء مناصب للأئمّة الأطهار من أجل أن يكون هو سبيل الوصول إلى تلك المناصب. وهنا نجد أنّ الأئمّة(عليهم السلام) في مقام الردّ على هؤلاء استخدموا أساليب أكثر شدّة وغلظة من قبيل اللعن[24]؛ وذلك لأنّ هذه الفئة تُعتبر فئة نادرة وقليلة عرفت الحقّ ولكنّها لم تتبعه.

وبالعودة إلى الإجابة عن السؤال المتقدّم نقول: إنّ الأُمّة بما تحمله من حسّ فطري نراها تسعى إلى أن تكون في دائرة الصواب. نعم، هذه الإرادة تحتاج إلى دفع مستمر من قِبل المؤسسة الدينية التي من المفترض أن تلعب دوراً بارزاً في تقوية الإرادة وسدّ الفراغات؛ حتّى لا تضطر الأُمّة إلى القبول بأيّ أحدٍ كان، نحن نرى أنّ الأُمّة ـ مع إعطائها الخبرة الكافية ـ ستكون قادرة على التعرّف على الحقّ؛ لأنّه ليس بالأمر الخفي، فهو نور ظاهر وبارز.

وبناءً على ما تقدّم؛ فالمؤسسة التي ترعى شؤون المبلّغين، التي يرغب الكثير منّا في وجودها، ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار مسؤولية الأُمّة ـ في المقام ـ ولتحقيق هذه المسؤولية لا بدّ من تأسيس مؤسّسات تحت عنوان جمعية المواكب والمساجد، يكون لها ارتباط مستمر بالمؤسسة الحوزوية، ويتمّ من خلال التعاون فيما بينها انتخاب الأشخاص اللائقين بمشروع النهضة الحسينية.

وهنا بودّي أن أذكر للقارئ الكريم خاطرة بسيطة تتعلّق بمسيرة الأربعين، وهي أنّه عندما صار البناء على أنّ الحوزة العلمية المباركة الميمونة تقترح ثلّة من المؤمنين والمحترمين للعمل كمبلِّغين في المواكب والهيئات الحسينية، تردد بعضٌ بشأن موافقة القائمين على تلك المواكب، واحتمال عدم تفاعلهم مع هذه الفكرة؛ لكن في الحقيقة أنّ الخشية من تطبيق هذا المشروع لم تكن في محلّها؛ فإنّ مَن عاش ستّين سنة أو أكثر في جامعة الحسين(عليه السلام)، سوف تصبح عنده مناعات داخلية رائعة، بغضّ النظر عن سلوكيّاته الفردية؛ لأنّها سلوكيّات لا تصطدم مع الرؤيا الأساسية للنهضة الحسينية، مناعات تجذبه دوماً نحو التشخيص الصحيح للحقّ والإيمان به. ثمّ إنّه وبعد أن بدأنا بهذا المشروع رأينا أكثر شريحة مصرّة على اعتماد موقف وقرار المؤسسة الدينية هي مؤسسة المواكب.

طبعاً، كلامنا الذي نذكره هنا ينطبق على الحالة العامّة، وهذا لا يمنع من وجود حالتين أو ثلاث حالات تسعى إلى عرقلة هذا المشروع، مع عدم امتلاكها لمساحة انتشار واسعة في المجتمع؛ وتبقى هذه الحالات مجرّد فقاعة ليس لها القدرة الكافية على البقاء والاستمرار.

وهنا أنا لا أُريد أن اختزل هذا المشروع المهمّ الرامي إلى تطوير المنبر الحسيني بمسيرة الأربعين وحسب، بل ينبغي تفعيله في مختلف المواسم التبليغية التي يعيشها المذهب الشيعي، التي هي من قبيل: موسم المحرّم، المواسم الثلاثة لشهادة الزهراء(عليها السلام)، موسم شهر رمضان المبارك، وغير ذلك. كما إنّي أؤكد في المقام على أنّ النجاح الذي يتحقّق في المقام ليس نجاحاً لفردٍ معيّن، وإنّما هو نجاح لجميع المؤسّسات المشاركة في هذا المشروع، سواء كانت توجيهية، أم خدمية، أم داعمة دعماً لوجستياً، فكلّ هذه المؤسّسات تقوم بدور مهمّ وحقيقي، وهي التي ستأخذ بأيدينا وتدفع بنا إلى الأمام دائماً.

والحمد لله أولاً وآخراً.

المصادر والمراجع: * القرآن الكريم. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، محمد بن الحسن الطوسي، تصحيح وتعليق: المعلم الثالث ميرداماد الأسترآبادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، نشر مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، مطبعة بعثت، قم ـ إيران، 1404هـ. الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة، نشر دار الثقافة، قم ـ إيران، ط1، 1414ه‍. الأمالي، محمد بن علي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة، نشر مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ط1، 1417هـ. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، ط2 المصححة، 1403هـ/1983م. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، تحقيق ومراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، ط4، 1403هـ/1983م. تاريخ المدينة، عمر بن شبة النميري، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، نشر دار الفكر، قم ـ إيران، مطبعة القدس، 1410هـ/1368ش. الجعفريات (الأشعثيات)، محمد بن محمد ابن الأشعث، نشر مكتبة نينوى الحديثة، ط1، طهران ـ إيران. الدروس الشرعية في فقه الإمامية، شمس الدين محمد بن مكّي العاملي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم ـ إيران، ط2، 1417هـ. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيتمي المكي، (ت974هـ)، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة لصاحبها: علي يوسف سليمان - شارع الصنادقية - بميدان الأزهر بمصر، ط2، 1385هـ/1965م. عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، محمد بن علي الصدوق، تحقيق وتصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، مطابع مؤسسة الأعلمي، 1404هـ/1984م. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ)،  تحقيق: علي أكبر الغفاري،  دار الكتب الإسلامية - طهران، ط4، 1365ش. كامل الزيارات، محمد بن جعفر بن قولويه، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، نشر مؤسسة نشر الفقاهة، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1417هـ. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، يوسف بن تغري بردي الأتابكي، نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ المؤسسة المصرية العامّة، مطبعة مطابع كستاتسوماس وشركاه. وسائل الشيعة، محمد بن حسن الحرّ العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، نشر مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم ـ إيران، مطبعة مهر، ط2، 1414هـ. وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، نور الدين علي بن عبد الله السمهودي، تحقيق: قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ط1، 1422هـ/2001م. [1]اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج21، ص47. [2] اُنظر: بردي الأتابكي، يوسف بن تغري، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ج1، ص138. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص177. [3] اُنظر: بردي الأتابكي، يوسف بن تغري، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ج1، ص138. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص177. [4] اُنظر: الشهيد الأول، محمد بن مكي، الدروس الشرعية في فقه الإمامية: ج2، ص20. السمهودي، نور الدين علي بن أحمد، وفاء الوفا: ج2، ص426. [5] الحرّ العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة: ج12، ص20. [6] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج1، ص202. [7] الحرّ العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة: ج12، ص20. [8] المصدر السابق: ج14، ص507. [9] ابن قولويه، محمد بن جعفر، كامل الزيارات: ص106. [10] المصدر السابق: ص104. [11] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ج1، ص294. [12] الحرّ العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة: ج14، ص504 ـ 505. [14] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص55. [15] الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ص290. [16] وهذا يُفهم من الهدف الصريح الذي أطلقه الإمام الحسين(عليه السلام) عند خروجه من المدينة إلى مكّة، والذي أراد للأُمّة أن تعرفه من خلال نهضته المباركة وتسير على وفقه، وهذا الهدف كان عبارة عن قوله(عليه السلام):(...وأنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مُفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي(صلى الله عليه واله)، أُريدُ أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي‏...). المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329 ـ 330. [17] قال الإمام أبو عبد الله(عليه السلام): قال الإمام الحسين(عليه السلام): (أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمنٌ إلّا استعبر). ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص108. [18] ابن حجر الهيتمي المكي، أحمد (ت974هـ)، الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة:  ص177. [19] اُنظر: ابن الأشعث، محمد بن محمد، الجعفريات (الأشعثيات): ج1، ص214. ابن شبّة النميري، عمر بن شبة، تاريخ المدينة: ج3، ص798ـ 799. [20] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص100. [21] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص128. [24]  اُنظر: الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص 418.
2022/08/13
16 جريمة ارتكبت بحق الإمام الحسين (ع) في كربلاء والشام!
النموذج الاول: محاصرة الحسين (ع) وأصحابه وعائلته ومنعهم من الوصول إلى الماء الذي كان قريبًا منهم، فكانوا يمنعون حتى النساء والأطفال ورودَ الماء، وقد اشتدَّ الحصارُ عليهم قبل مقتل الحسين(ع) بثلاثة أيام ، وذلك لأنَّ ابن زياد أمرَ عمر بن سعد بأنْ يُضيَّق على الحسين (ع) وعائلته وأصحابِه أشدَّ التضييق ويمنعهم ورودَ الماء(1).

النموذج الثاني:

لمَّا قُتل أبو عبد الله الحسين (ع) هجمَ المعسكرُ الأموي على مخيَّمه وسلبوا ما فيه من متاع ثم أضرموا النار فيه، وسلبوا بناتِ رسول الله (ص) ما كان عليهنَّ مِن ملاحف.

وأقبل عمرُ بن سعد إلى النساء فلمَّا رأينَه بكين في وجهِه فمنعَ القومَ عنهن، وقد أخذوا ما عليهنَّ ولم يردُّوا شيئًا، فوكَّل جماعةً بحفظهن وعاد إلى خيمته(2).

النموذج الثالث:

قتلُ الأطفال كعبد الله الرضيع -وقيل اسمه علي- الذي قُتل وهو في حجر أبيه الحسين (ع) أو على ذراعه(3) وكعبد الله بن الحسن (ع) رماهُ حرملةُ بن كاهل وهو على صدر الحسين (ع) قبل أن يُقتل بقليل، وكان قد قطع يدَ الطفل رجلٌ قبل أنْ يرميه حرملةُ بالسهم فيذبحه(4).

وثمة طفلٌ ثالث اسمه محمد بن أبي سعيد بن عقيل خرج بعد مصرع الحسين (ع) مذعورًا فأقبل رجلٌ يركضُ حتى إذا دنا منه مالَ عليه بالسيف فقتلَه، وكانت أمُّه تنظرُ إليه وهي مدهوشة(5).

النموذج الرابع:

بعد أنْ أثخنتِ الحسينَ (ع) الجراحاتُ سقط على وجه الأرض وهو يقول: ".. صبرًا على قضائِك ياربِّ لا إلهَ سِواك، ياغياثَ المستغيثين، مالي ربٌّ سواك، ولا معبودَ غيرك، صبرًا على حكمك ياغياثَ مَن لا غياثَ له، يادائمًا لا نفادَ له .. احكم بيني وبينهم وأنت خيرُ الحاكمين".

فتواثب عليه المعسكرُ الأموي فضربَه زرعةُ بن شريك على كتفِه الأيسر، ورماهُ الحصينُ في حلقِه، وضربه آخرُ على عاتقِه، وطعنه سنانُ بن أنس في ترقوته ثم في بواني صدره، ثم رماه بسهمٍ في نحرِه، وطعَنه صالحُ بن وهب في جنبِه، ثم صاح عمرُ بن سعد: انزلوا إليه وأريحوه، فنزل إليه شمرٌ فرفسه وجلسَ على صدرِه وقبض على شيبته المقدَّسة وضربَه بالسيف اثنتي عشرة ضربةً واحتزّ رأسَه المقدَّس(6).

النموذج الخامس:

سُلب جسدُ الحسين (ع) بعد مقتلِه، فاخذ إسحاقُ بن حويه قميصَه، وأخذ الأخنسُ بن مرثد الحضرمي عمامتَه، وأخذَ الأسودُ بن خالد نعلَيه، وأخذَ سيفَه جميعُ بن الخلق الأودي، ويقال رجلٌ من بني تميم اسمُه الأسودُ بن حنظلة، وجاء بجدلُ فرأى الخاتم في إصبعِه والدماء عليه فقطع إصبعه وأخذ الخاتم، وأخذ قيسُ بن الأشعث قطيفتَه وكان يجلسُ عليها فسُميَّ قيسُ قطيفة.

وأخذَ ثوبَه جعونةُ بن حوية الحضرمي، وأخذ القوسَ والحُلل الرحيلُ بن خيثمه الجعفي وهاني بن شبيب الحضرمي وجريرُ بن مسعود الحضرمي(7).

النموذج السادس:

بعد قتل الحسين (ع) نادى عمرُ بن سعد ألا مَن ينتدب إلى الحسين فيُوطئ الخيل صدرَه وظهرَه فقام عشرةٌ ووطؤا جسدَ الحسين (ع) بخيولهم وأقبل العشرةُ على ابن زياد يقدمُهم أسعد بن مالك يرتجز:

نحنُ رضخنا الصدرَ بعد الظهرِ ** بكل يَعبوبٍ شديدِ الأسر(8)

النموذج السابع:

أمَر ابنُ سعد بقطع رأس الحسين (ع) ورؤوس مَن كان من أصحاب الحسين (ع) واقتسمتها بعد ذلك القبائلُ لتتقرَّب بها إلى ابن زياد، وبعد ذلك حُملت الرؤوس إلى الكوفة ثم إلى الشام حيثُ كان يزيد بن معاوية وقد تمَّ صلبُ رأس الحسين(ع) في الكوفة، وكذلك في الشام(9).

النموذج الثامن:

أَسرُ عائلةِ الحسين (ع) نسائه وأطفاله، وكان معهم الإمام عليُّ بن الحسين السجاد (ع) وكان حينئذٍ مريضًا وقد أرادوا قتله لولا عنايةُ الله تعالى.

(وساق القوم حُرَم رسول الله (ع) من كربلاء كما تساق الأسارى)(10).

النموذج التاسع:

بعد مقتل الحسين (ع) أمر عمرُ بن سعد أن يُجهَّز القتلى من معسكرهِ ثم صلَّى عليهم ثمَّ دفنهم، ورحلوا وتركوا جسدَ الحسين (ع) ومن قُتل من أصحابِه وأهل بيتِه دون تجهيزٍ ودفنٍ وظلَّ الجسدُ الطاهر ومَن كان معه في صحراء كربلاء، وهم أشلاء، وبلا رؤوس يومًا أو أكثر على اختلافِ الروايات حتى قيَّض اللهُ تعالى لهم من يدفنُهم ويُعين الإمام السجَّاد (ع) على تجهيزهم وموارتهم (11).

النموذج العاشر:

ذكر الكثيرُ من المؤرِّخين أنَّه لمَّا جيء برأس الحسين (ع) إلى عبيد الله بن زياد أمر بتقويره فقام رجلٌ يقالُ له طارقُ بن المبارك فقوَّره وأخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللَّحم.

وفي مرآة الجنان لليافعي الشافعي (وذكروا ما يعظم على الزندقة والفجور، وهو أنَّ عبيد الله بن زياد أمر أنْ يُقوَّر الرأس المشرَّف المكرَّم حتى يُنصَّب في الرمح فتحامى الناس عن ذلك فقامَ من بين الناس رجلٌ يُقالُ له طارق بن المبارك بل هو ابن المشؤوم المذموم، فقوَّره ونصبَه بباب المسجد الجامع وخطب خطبةً لا يحلُّ ذكرها)(12).

النموذج الحادي عشر:

لمَّا حُمل الرأس الشريف إلى ابن زياد وكان في مجلسِه العام فوُضع الرأس المقدَّس بين يديه فجعل ينظرُ إليه وهو يبتسمُ وفي يده قضيبٌ يضربُ به ثنايا الحسين(ع) وينكُتُ ثناياه به(13).

النموذج الثاني عشر:

أمَر عبيدُ الله بن زياد بحبس عائلة الحسين (ع) وفيهم الإمامُ السجاد (ع) وأمرَ بأنْ يُضيَّقَ عليهم في الحبس فحُبسوا في سجن وطُبِّق عليهم كما في عبارة الشيخ الصدوق.

ثم بعث ابنُ زياد إلى يزيد يستفتيه في شأن الرؤوس وعائلةِ الحسين (ع) فجاءه الجواب بأنْ يحملَهم إلى الشام(14).

النموذج الثالث عشر:

ذكر الطبري في تاريخه أنَّ عُبيد الله أمرَ بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجُهِّزن وأمرَ بعليِّ بن الحسين (ع) فغُلَّ بغلٍّ إلى عنقِه ثم سرَّح بهم مع محفِّز بن ثعلبة العائذي ومع شمر بن ذي الجوشن فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد ..)(15).

وقال ابنُ الصباغ المالكي: "وقد جعل ابنُ زياد الغِلَّ في يديه -السجاد- وفي عُنقِه ولم يزالوا سائرين بهم على تلك الحالة إلى أنْ وصلوا الشام".

وقال ابنُ أعثم الكوفي في كتابه الفتوح: "فسار القوم بحرم رسول الله (ص) من الكوفة إلى بلاد الشام على محامل بغير وطاء من بلدٍ إلى بلد ومِن منزلٍ إلى منزلٍ كما تُساق أُسارى الترك والديلم"(16).

النموذج الرابع عشر:

لمَّا وصلتْ عائلةُ الحسين (ع) إلى الشام تمَّ إيقافُهم على باب الساعات أمام مرأى الناس، وقد خرج الناس بالدفوف والبُوقات مبتهجين وكان يزيدُ في منظرةٍ على جيرون، ولمَّا رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنيَّة جيرون أنشأ يقول:

لمَّا بدت تلك الحمـول وأشـرقت ** تلك الشموسُ على رُبى جيرونِ

نعبَ الغرابُ فقلتُ صِحْ أو لا تصِحْ ** فلـقد قضيتُ من النبيِّ ديوني

ولهذه الأبيات وكذلك تمثُّله بأبيات ابن الزبعري حكم ابنُ الجوزي والقاضي أبو يعلي والتفتزاني والجلال السيوطي بكفرِه ولعنِه(17).

النموذج الخامس عشر:

قبل إدخال عائلة الحسين (ع) إلى مجلس يزيد جاؤا لهم بحبالٍ فربطوهم بها، فكان الحبلُ في عنق زين العابدين (ع) إلى زينبَ (ع) وباقي بنات رسول الله (ص) وكلَّما قصَّروا عن المشي ضربوهم حتى أُوقفوا بين يدي يزيد، ولمَّا وُضع الرأس بين يدي يزيد أخذَ ينكتُه بقضيبٍ وتمثَّل بقول الحصين بن حمام:

صبرنا وكان الصبرُ منّا عزيمةً ** وأسيافُنا يقطعنَ هامًا ومِعصَما

نُفلِّقُ هامًا من رجال أعزَّةٍ ** علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

وتمثَّل كذلك بقول ابن الزبعرى:

لـيت أشياخي ببدرٍ شـهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّـوا واستهـلّوا فـرحًا ** ثمَّ قالوا يـا يزيـدُ لا تُشـل

قد قتلنا الـقِرْمَ مـن ساداتِهـم ** وعدلنـاه بـبـدرٍ فـاعـتـدل

لعــبتْ هاشمُ بالملك فـلا ** خبرٌ جــاءَ ولا وحـيٌ نــزل(18)

النموذج السادس عشر:

أمرَ يزيدُ بإخراج الرأس من مجلسِه، وأمر بصلبِه على باب القصر ثلاثة أيام، وأمرَ أنْ تُحبس عائلة الحسين (ع) في خَرِبةٍ، لا تقي من حرٍّ ولا بردٍ، فإنّا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(19).

هذه بعض النماذج المعبِّرة عن القسوة المفرطة التي مارسها المعسكرُ الأموي مع أهل البيت (ع) ولولا خشيةُ الإطالة لذكرنا الكثير منها، وقد اقتصرنا في ذكر المصادر على بعضها، ومن أراد التوثُّق مما نقلناه فكتب التاريخ ببابه.

الهوامش: 1- تاريخ الطبري -الطبري- ج6 / ص234، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص22. 2- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص32، تاريخ الطبري -الطبري- ج6 / ص260، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص204، مقتل الحسين -المقرم- ص302 والكثير من المصادر. 3- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص257، ينابيع المودة لذوي القربى -القندوزي- ج3 / ص78، مقاتل الطالبيين -أبو الفرج الأصفهانى- ص60. 4- مقاتل الطالبيين -أبو الفرج الأصفهانى- ص58، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص181، الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص108، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص256، المزار -محمد بن المشهدي- ص490، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص52، إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص75. 5- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص126، الاختصاص -الشيخ المفيد- ص83، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص259، العوالم، الإمام الحسين (ع) -الشيخ عبد الله البحراني- ص277، الثقات -ابن حبان- ج2 / ص309. 6- روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص189، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص164، الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص112، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص258، الأخبار الطوال -الدينوري- ص258، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص346، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص78، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص204، مقتل الحسين (ع) -أبو مخنف الأزدي- ص199، كتاب الفتوح -أحمد بن أعثم الكوفي- ج5 / ص118، إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص469، ترجمة الإمام الحسين (ع) -ابن عساكر- ص340، الدر النظيم -إبن حاتم العاملي- ص558، اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص74. 7- كتاب الفتوح -أحمد بن أعثم الكوفي- ج5 / ص120 وج6 / ص244، تاريخ اليعقوبي -اليعقوبي- ج2 / ص244، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص346، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص258، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص78، الأخبار الطوال -الدينوري- ص302، ترجمة الإمام الحسين (ع) -من طبقات ابن سعد- ص78. 8- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص80، روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص189، الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص113، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص347. 9- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص218، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص252، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص196، عمدة القاري -العيني- ج16 / ص241، مسند أبي يعلى -أبو يعلى الموصلي- ج5 / ص54، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص125، الفايق في غريب الحديث -جار الله الزمخشري- ج1 / ص363. 10- كتاب الفتوح -أحمد بن أعثم الكوفي- ج5 / ص120، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع) -محمد بن طلحة الشافعي- ص403، كشف الغمة -ابن أبي الفتح الإربلي- ج2 / ص263، الفصول المهمة في معرفة الأئمة -ابن الصباغ- ج2 / ص830. 11- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص59، الأخبار الطوال -الدينوري- ص260، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص348، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص80، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص205. 12- مرآة الجنان -اليافعي الشافعي- ج1 / ص135، تذكرة الخواص -سبط بن الجوزي- ص233، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص58-59، شرح إحقاق الحق -السيد المرعشي- ج33 / ص701. 13- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص114، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة -السيد على خان المدنى- ص452، إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص471، عمدة القاري -العيني- ج16 / ص241، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج68 / ص95، أسد الغابة -ابن الأثير- ج2 / ص21، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص349، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص81، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص207، الدر النظيم -إبن حاتم العاملي- ص560، كشف الغمة -ابن أبي الفتح الإربلي- ج2 ص275. 14- الأمالي -الشيخ الصدوق- ج 3 / ص140، تاريخ الطبري -الطبري- ج3 / ص339، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج3 / ص298. 15- تاريخ الطبري -الطبري- ج3 / ص338. 16- تاريخ الطبري -الطبري- ج3 / ص338، الفصول المهمة -ابن الصباغ المالكي- ص193، كتاب الفتوح -احمد ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص147، اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص208، الكامل في التاريخ -ابن الاثير- ج4 / ص34، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص191. 17- الصواعق المحرقة- ابن حجر- ص330-331، وللتفصيل راجع شرح إحقاق الحق -السيد المرعشي- ج33 / ص615. 18- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص158، تاريخ الطبري -الطبري- ج8 / ص188، بلاغات النساء -ابن طيفور- ص21، كتاب الفتوح -أحمد بن أعثم الكوفي- ج5 / ص129، المسترشد -محمد بن جرير الطبري (الشيعي)- ص511، الاحتجاج -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص34، الخرائج والجرائح -قطب الدين الراوندي- ج2 / ص580، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص261. 19- تاريخ الطبري -الطبري- ج6 / ص267، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص35، تذكرة الخواص -سبط ابن الجوزي- ص148، الصواعق المحرقة -ابن حجر- ص116، الفروع -ابن مفلح الحنبلي في فقه الحنابلة- ج3 / ص549، مجمع الزوائد -ابن حجر- ج9 / ص195، الفصول المهمة -ابن الصباغ- ص205، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص192، شرح مقامات الحريري -الشريشي ج1 / ص193.
2022/08/11
المواكب الحسينية تكتظ بـ ’الشباب’.. هل وجدوا ضالتهم؟
توحي مفردة التمكين إلى الإسناد والمعاونة، وتقديم الخبرات اللازمة لمن يحتاجها، كي يوظفها لتحقيق أهدافه.

[اشترك]

 والشباب هم أحوج الشرائح إلى التمكين، وإلى الخبرات الداعمة والساندة، لكي يواصلوا مشاريعهم المختلفة في أوائل العمر، لاسيما وأنهم في هذه المرحلة من العمر، يمتلكون القوة العضلية والمطاولة والتركيز في جانب الذكاء والمهارة، وهم بحاجة إلى التأسيس السليم والانطلاق في رحلتهم الحياتية بنجاح.

أكبر معضلة يواجهها الشباب الفراغ وهو مشكلة العصر، لأسباب معروف أكثرها شيوعا فقدان فرص العمل، وعدم وجود جهات تخطط بشكل علمي دقيق لامتصاص البطالة، وحين تكون هناك قلة في العمل، سوف تكثر أماكن قتل الفراغ، لذلك من مظاهر عصرنا الحالي، كثرة المقاهي والكوفي شوبات والكازينوهات، وهي الأماكن التي باتت تضج بالشباب، منذ أوائل النهار حتى أواخر الليل.

حيث تغص هذه الأماكن بالآلاف من شريحة الشباب الذين يعانون من الفراغ، والبطالة وعدم التمكين أو قلّته، فحين يتجول أحدنا في شوارع المدن، صباحا أو ظهرا ومساءً وليلا، سوف يلاحظ ذلك الاكتظاظ الغريب في هذه الأماكن بالشباب.

منظر مؤلم وأنت تتطلع إلى طاقات شبابية هائلة لكنها معطّلة تماما، آلاف الشباب بل وأكثر يقتلون أوقاتهم في الكوفي شوب وفي مواقع التواصل الاجتماعية، أو في الألعاب الإلكترونية التي تنشر العنف في أذهان وعقول وسلوك الشباب، كونهم غير محصّنين بثقافة رصينة تحميهم من الانزلاق والانحراف في منحدرات فكرية خطيرة.

حذارِ من العالم الافتراضي الخطير

لا أحد من المعنيين في الحكومة أو في منظمات المجتمع المدني يشعر بمسؤوليته تجاه هؤلاء الشباب، حيث يتم هدر الوقت والجهد والطاقات بلا طائل، على الرغم من أن شريحة الشباب هي الأكبر من بين الشرائح في مجتمعاتنا، وأنها الأكثر إمكانيات وطاقات من سواها، فكيف يمكن انتشال هذه الطاقات الهائلة وهؤلاء الشباب من محنتهم هذه؟

الشباب بطبيعتهم يبحثون عمّن يساعدهم، ويحترمون الجهات أو الشخصيات التي تقف معهم، وتشجعهم على التطور وعلى الانتاج المتميز، إنهم شباب يتطلعون للأفضل دائما، لكن حين تحاصرهم البطالة ويفتك بهم الفراغ، ويلتف حولهم الإهمال الرسمي والمدني، فإنهم في ظل واقع كهذا سوف ينسون أنفسهم ويهملون طاقاتهم، ويقتلون أوقاتهم عبثا في عبث.

بالإضافة إلى ضعف ثقافتهم، فيكونون عرضة للتأثر بتيارات ثقافية غازية، وقد باتت الثقافات الوافدة كثيرة ومختلفة الأشكال والمضامين، ومعظمها فيه خطورة كبيرة على أفكار الشباب وسلوكياتهم، هنا تكمن مشكلة الشباب الأكبر، إنهم يبحثون عمّن ينقذهم ويقدم لهم مبادرات التمكين اللازمة لمواجهة واقعهم المشوّه والمختلّ، لذلك تجدهم يتمسكون بأية فرصة تسنح لهم، وهذا ما نلاحظه في شهريّ محرم وصفر وتغيّر الشباب من حال إلى حال.

هؤلاء الشباب التي تكتظ بهم المقاهي والكوفي شوبات، هم أنفسهم يتحولون إلى شباب من نوع آخر في محرّم، هؤلاء أنفسهم وبهذه الأعداد الكبيرة ينتقلون من أماكن قتل الوقت والفراغ والبطالة، إلى المواكب الحسينية المباركة، فتراهم شبابا من نوع مختلف، إنهم يضجّون بالحيوية والنشاط والأمل والتفاؤل، ويتفانون في خدمة سيد الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام)، فيقدمون خدمات كبيرة ومتواصلة للزوار الكرام دونما ملل أو كلل.

إنهم يتغيرون نفسيا وروحيا وحتى جسديا، فالشاب الذي كان يضيق ذرعا بالوقت، ويقتل يومه في مواقع التواصل الإلكترونية والألعاب الملهية، لم يعد كذلك في عاشوراء، إن روح الوفاء والنشاط وحب الحسين (عليه السلام) تشتعل في أعماقهم، ويعثرون على أنفسهم، فيندفعون في خدمة الزائرين وأعمال الخير المختلفة، ويتحولون من شباب خاملين كسلانين يائسين، إلى شباب من نوع مختلف تماما ممتلئين بالحيوية والأمل والإشراق.

تمكين الشباب تمكين للمجتمع كله

الزمن بالنسبة للشباب لا يختلف، وساعات النهار والليل تبقى كما هي لا تقل ولا تنقص، فما كانوا يقضونه في المقاهي هو نفس الوقت الذي يقضونه اليوم وهم في خدمة زوار أبي عبد الله الحسين، ولكن الذي يختلف هو طبيعة العمل وما ينتجه الشباب، وما يحققونه في أوقاتهم.

هناك في المقاهي وقت مقتول ميت معتاد ومجترّ ومكرّر وبليد، يتجدد عليهم بنفس النمط والروتين طوال شهور وأيام السنة، لا جديد في أوقاتهم ولا خلاص من فراغهم وبطالتهم ويأسهم وضجرهم، أما في المواكب الحسينية فهناك نوع من الخلاص الروحي والعملي معا.

هناك مجالس تثقيفية، يحصل منها الشاب على الوعظ الجيد، وعلى التثقيف وزيادة الوعي، ومعرفة الأحكام الدينية، وهناك دعم معنوي متواصل ينعكس على نفسية الشاب، ويجعل معنوياته عالية، ويعثر على ضالته أو كما يقال يجد نفسه في المواكب المباركة، وفي العمل الحسيني الشريف، كما أنه يساهم في نشاطات فنية وثقافية كما يفعل الكثير من الشباب في الكثير من المواكب حيث تُعقَد الندوات التثقيفية، وتقدَّم الأعمال المسرحية المتميزة، وهناك معارض للكتب باهرة، تقدم عناوين فكرية متفردة.

هذه الأجواء التي يعيشها الشباب في عاشوراء، ترسّخ عندهم ثقافة الجدوى والنجاح والشعور بالمعنى في حياتهم، لذلك يجب أن تستمر حتى بعد انتهاء محرم وصفر، ولا يجب أن يعود الشباب إلى الأماكن التي تدمّر حياتهم، وتقتل أوقاتهم بلا طائل، وتعيدهم إلى السأم والاكتئاب والخمول مرة أخرى.

لذلك لابد أن توضع خطط عملية منتظمة لاستمرارية تغيير حياة الشباب وتمكينهم عبر تزويدهم بالمهارات المختلفة، وهذه مهمة القطاعية العام والخاص معا، فهم مسؤولان عن تمكسن الشباب، على هدي الفكر الحسيني. ولابد أن يتم نقلهم من مقاهي قتل الوقت، إلى أجواء وأماكن وجمعيات ومنظمات تحيي أوقاتهم ونفوسهم وقلوبهم، وتحرص كل الحرص على تمكينهم في ضوء مبادئ النهضة الحسينية.

2022/08/10
لا تشقي عليَّ جيباً: هل جزعت زينب (ع) على الإمام الحسين (ع)؟
أشكل على الشيعة بعض المخالفين لهم، فقال: يقول سبحانه وتعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155-157].

ويقول عزَّ وجل: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ) [البقرة: 177].

وذكر في «نهج البلاغة»: «وقال علي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً إياه صلى الله عليه وسلم: لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون». (نهج البلاغة، ص 576. وانظر: مستدرك الوسائل 2/445).

وذكر أيضاً: «أن عليًّا عليه السلام قال: من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله». (انظر: الخصال للصدوق، ص 621، ووسائل الشيعة  3/270).

وقد قال الحسين لأخته زينب في كربلاء كما نقله صاحب «منتهى الآمال» 1/248 بالفارسية وترجمته بالعربية: «يا أختي، أحلفك بالله عليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قُتلتُ فلا تشقي عليّ الجيب، ولا تخمشي وجهك بأظفارك، ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي».

ونقل أبو جعفر القمي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال فيما علم أصحابه: «لا تلبسوا سواداً، فإنه لباس فرعون». (من لا يحضره الفقيه، لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي 1/232، ورواه الحر العاملي في وسائل الشيعة 2/916).

وقد ورد في «تفسير الصافي» في تفسير آية: (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) [الممتحنة: 12] أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء على أن لا يسوِّدْن ثوباً، ولا يشققن جيباً، وأن لا ينادين بالويل.

وفي «فروع الكافي» 5/527 للكليني أنه صلى الله عليه وسلم وصى فاطمة رضي الله عنها، فقال: « إذا أنا مت فلا تخمشي وجهاً، ولا ترخي عليّ شعراً، ولا تنادي بالويل، ولا تقيمي عليَّ نائحة».

وهذا شيخ الشيعة محمد بن الحسين [كذا] بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق يقول: «من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يُسبق إليها: «النياحة من عمل الجاهلية» (رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه 4/271 – 272، كما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة 2/915، ويوسف البحراني في الحدائق الناضرة 4/149، والحاج حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة 488/3، ورواه محمد باقر المجلسي بلفظ: النياحة عمل الجاهلية (بحار الأنوار 82/103)).

كما يروي علماؤهم: المجلسي والنوري والبروجردي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «صوتان ملعونان يبغضهما الله: إعوال عند مصيبة، وصوت عند نغمة؛ يعني النوح والغناء». (أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 82/103، ومستدرك الوسائل 1/143-144، وجامع أحاديث الشيعة 3/488، ومن لا يحضره الفقيه 2/271).

والسؤال بعد كل هذه الروايات:

لماذا يخالف الشيعة ما جاء فيها من حق؟! ومن نصدق: الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل البيت أم الملالي؟!

والجواب:

إن هذه المسألة مسألة فقهية، وليست عقدية، فليس هذا الإشكال إشكالاً على أصل المذهب، والخطأ في المسألة الفقهية لو ثبت لا يدل على بطلان نفس المذهب.

وعلماء المذهب أفتوا بحرمة الجزع وشق الجيوب وخمش الوجوه والدعاء بالويل والثبور عند موت الميت لدلالة الأحاديث الكثيرة على ذلك، إلا أن جملة أخرى من الأحاديث الصحيحة دلت على أن كل الجزع مكروه إلا الجزع على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ـ في حديث ـ: كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام. (وسائل الشيعة 2/923).

والجمع بين تلك الأحاديث وهذه يقتضي حرمة كل جزع إلا الجزع على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، والأحاديث الناهية ناظرة إلى الجزع على غير الإمام الحسين عليه السلام.

وبه يتبيَّن أن الجزع قسمان: قسم محرَّم أو مكروه، وقسم آخر مباح أو مستحب.

قال الحر العاملي قدس سره: ويفهم من أحاديث الجزع أنه قسمان كما مرَّ في الصبر. (وسائل الشيعة 2/916).

ولا ينبغي أن يتوهم متوهم أن ما قلناه يستلزم تفضيل الإمام الحسين عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لم يرد في الأحاديث حسن الجزع على مصابه صلى الله عليه وآله؛ لأن ذلك لا دلالة فيه بأي نحو، فإن إظهار الجزع على مصاب الإمام الحسين عليه السلام مرتبط بإظهار ظلامته، والتنديد بظلم بني أمية ومن سار على نهجهم.

قال في صراط النجاة: إن البكاء على الحسين عليه السلام من شعائر الله؛ لأنه إظهار للحق الذي من أجله ضحى الحسين عليه السلام بنفسه، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو أمية، ولذلك بكى زين العابدين عليه السلام على أبيه مدة طويلة، إظهاراً لمظلومية الحسين عليه السلام، وانتصاراً لأهدافه. (صراط النجاة 3/442).

والبكاء على النبي صلى الله عليه وآله أو على أمير المؤمنين عليه السلام أو على غيرهما من أئمة أهل البيت عليهم السلام لا يحمل هذا المعنى، ولذلك لم يرد فيه ما ورد في الحث على الجزع على الإمام الحسين عليه السلام.

وأما نهي الإمام الحسين عليه السلام لأخته السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام عن أن تشق عليه جيبها، أو تخمش عليه وجهها، أو  تنادي عليه بالويل والثبور، فهو محمول على أن النهي إنما كان في ذلك الوقت في كربلاء، حيث بمرأى من أعدائه المقاتلين له، حذراً من أن يشمتوا بها أو بالإمام الحسين عليه السلام، ولهذا قال لها: «إذا أنا قتلت فلا تشقي عليَّ جيباً... إلخ».

وحاصل الجواب هو أن مقتضى الجمع بين الأحاديث هو حمل الروايات الناهية عن إظهار الجزع على الجزع على الأرحام أو غيرهم، وهي مخصصة بما ورد من أن الجزع على أبي عبد الله الحسين عليه السلام ليس قبيحاً، فيكون كل جزع قبيح إلا على الإمام الحسين عليه السلام.

وما يصدر من الشيعة من لطم الوجوه والضرب على الصدور داخل في هذا الباب الذي لم تثبت حرمته عندهم بحسب أحاديثهم الصحيحة.

ثم إن أهل السنة رووا أن أم فروة أخت أبي بكر أقامت النوح على أبي بكر بعد وفاته.

قال البخاري في صحيحه 2/722: باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة، وقد أخرج عمرُ أختَ أبي بكر حين ناحت.

قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: «وقد أخرج عمرُ أختَ أبي بكر حين ناحت»، وصله ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، قال: لما توفي أبو بكر أقامت عائشة عليه النوح، فبلغ عمر، فنهاهن فأبين. فقال لهشام بن الوليد: اخرج إلى بيت أبي قحافة - يعني أم فروة - فعلاها بالدرة ضربات، فتفرَّق النوائح حين سمعن بذلك. ووصله إسحاق بن راهويه في مسنده من وجه آخر عن الزهري، وفيه: فجعل يخرجهن امرأة امرأة وهو يضربهن بالدرة. (فتح الباري 5/92).

وضرب عمر لأم فروة ولمن كان معها - وربما كان معها جملة من الصحابيات - لا يدل على أن النياحة محرمة، فلعله اجتهاد من عمر، فإنه كان لا يحب أن يُبكى على الميت، وكان يضرب الناس على ذلك، مع أن البكاء على الميت جائز، بل فعله أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وآله كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة.

فإذا كان الشيعة قد أخطأوا في ذلك، فقد سبقهم إلى هذا الخطأ بعض الصحابيات الجليلات عند أهل السنة.

2022/08/10
الإمام الحسين (ع) يقيم الصلاة في المعركة!
للصلاة منزلة عظيمة في الإسلام، فهي أفضل الأعمال الدينية، وأحب الأعمال إلى اللَّه تعالى، وهي من أعظم الطاعات، وأفضل العبادات، وهي عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت ردَّ ما سواها، وهي آخر وصايا الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وهي معراج المؤمن اليومي إلى عالم الملكوت.

[اشترك]

وقد حثَّ القرآن الكريم على المحافظة على الصلاة، وأدائها في مواقيتها، والالتزام بشرائطها وواجباتها وآدابها، يقول اللَّه تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ويقول تعالى: ﴿.. فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ ويكفي أن تعلم أنه قد ورد ذكر الصلاة في القرآن الشريف 99 مرة، مما يوحي بأهمية الصلاة ومكانتها المقدسة في الدين.

وقد روى المؤرخون أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان من أعبد الناس في زمانه، ومن أكثرهم اهتماماً بالصلاة حتى في الظروف الصعبة، وإليك بعض ما أثر عن محافظته وإقامته للصلاة في النقاط التالية:

1- كثرة صلاته:

عرف الإمام الحسين (عليه السلام) بكثرة صلاته وصيامه، ومناجاته لله تعالى وقد أشاد بعبادة الإمام الحسين (عليه السلام) المؤالف والمخالف، فهذا ابن الأثير يقول: «وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها».

وقال عبد الله بن الزبير: «أما والله لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه».

وكان أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما حدث بذلك ولده زين العابدين.

2- إحياء ليلة العاشر بالعبادة والصلاة:

في عصر يوم التاسع من محرم سنة 61هـ أمر الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه العباس أن يطلب من الجيش الأموي تأخير المعركة من ليلة عاشوراء إلى يومها وذلك للتفرغ للعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار.

فقد ذكر العلامة المجلسي أن الإمام الحسين (عليه السلام)، قال لأخيه العباس (عليه السلام)

يوم التاسع من المحرم: «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار».

وروى الطبري في تاريخه مثل ذلك: إن الإمام الحسين (عليه السلام) قال لأخيه العباس:

«ارجِع إلَيهِم، فَإِنِ استَطَعتَ أن تُؤَخِّرَهُم إلى‏ غُدوَةٍ وتَدفَعَهُم عِندَ العَشِيَّةِ؛ لَعَلَّنا نُصَلّي لِرَبِّنَا اللَّيلَةَ، ونَدعوهُ ونَستَغفِرُهُ، فَهُوَ يَعلَمُ أنّي قَد كُنتُ احِبُّ الصَّلاةَ لَهُ، وتِلاوَةَ كِتابِهِ، وكَثرَةَ الدُّعاءِ وَالاستِغفارِ!».

أما كيف أحيا الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك الليلة؟

يشير المؤرخون والرواة إلى أن الإمام (عليه السلام) وأصحابه قد أحيوا ليلة عاشوراء بالعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار.

قال الراوي: «وباتَ الحُسَينُ عليه السّلام وأصحابُهُ تِلكَ اللَّيلَةَ ولَهُم دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحلِ، ما بَينَ راكِعٍ وساجِدٍ وقائِمٍ وقاعِدٍ، وكَذا كانَت سَجِيَّةُ الحُسَينِ عليه السّلام في كَثرَةِ صَلاتِهِ وكَمالِ صِفاتِهِ».

وذكر ابن كثير عن الحارث بن كعب وأبي الضحاك عن عليّ بن الحسين [زين العابدين‏] عليه السّلام‏:

«باتَ الحُسَينُ عليه السّلام وأصحابُهُ طولَ لَيلِهِم يُصَلّونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ، وخُيولُ حَرَسِ عَدُوِّهِم تَدورُ مِن وَرائِهِم، عَلَيها عَزرَةُ بنُ قَيسٍ الأَحمَسِيُّ، وَالحُسَينُ عليه السّلام يَقرَأُ: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾».

وفي أنساب الأشراف: «لَمّا جَنَّ اللَّيلُ عَلَى الحُسَينِ عليه السّلام وأصحابِهِ قامُوا اللَّيلَ كُلَّهُ يُصَلّونَ‏ ويُسَبِّحونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ».

لقد أرادوا أن يلاقوا الله تعالى بقلب سليم ونفس مطمئنة، وهم يسألون الله العفو والمغفرة والرحمة، وقد سهروا تلك الليلة لإحيائها بالعبادة والصلاة والدعاء حتى أنه لم يذق أحد منهم طعم الرقاد كما يروى في بعض المصادر التاريخية.

3- الإتيان بالصلاة جماعة في اليوم العاشر:

كان الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) حريصاً على أداء الصلاة حتى في أصعب الأوقات وأحلك الظروف، فقد أدى الصلاة جماعة بأصحابه في اليوم العاشر من المحرم والأعداء تهجم عليه من كل حدب وصوب، والسهام تنهال على جسده الطاهر، إلا أنه كان لا يبالي بكل ذلك وهو واقف بين يدي لله عز وجل.

وقد جعل عبد الله بن سعيد الحنفي -وهو من أصحاب الإمام- بدنه درعاً دون الإمام الحسين من سهام العدو إلى أن أتمّ الإمام (عليه السلام) صلاته جماعة في يوم عاشوراء، وما إن انتهى الإمام من صلاته حتى قضى عبد الله الحنفي نحبه لما أصابه من السهام، حيث وجدوا على جسده الطاهر ثلاثة عشر سهماً غير ضربات السيوف وطعنات الرماح؛ فكان أول من لقب بـ(شهيد الصلاة).

وبذلك أعطى الإمام الحسين (عليه السلام) الأمة الإسلامية درساً في وجوب المحافظة على الصلاة، والإتيان بها في الشدة والرخاء، في العلن والسر، في السلم والحرب، في القوة والضعف، فالصلاة هي عمود الدين التي لا تترك بأي حال من الأحوال.

2022/08/08
السيدة زينب (ع) والشعائر الحسينية
اهتمت السيدة زينب (عليها السلام) بالشعائر الحسينية أكبر اهتمام، فعلاً وقولاً وتقريراً.

[اشترك]

فبكت، وأبكت، ولطمت وجهها، ونطحت رأسها بمقدم المحمل حتى جرى الدم، وخطبت خطباً، وأنشأت أشعاراً، وعقدت مجالس العزاء والبكاء على الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

ففي صبيحة عاشوراء حينما كانت عند ابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام تمرضه، سمعت أخاها الإمام الحسين عليه السلام يقول:

يا دهر أفٍّ لك من خليـل كم لك بالإشراق والأصيل.

إلى أخر الأبيات.

يعيدها المرتين أو الثلاثة، فلم تمتلك نفسها أن وثبت وخرجت حتى انتهت إليه (عليه السلام) مناديه:

واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.. فنظر إليها الإمام الحسين عليه السلام وترقرقت عيناه بالدموع قائلاً لها: يا أُخيّة.. لو ترك القطا يوماً لنام، فقالت: يا وليتاه … ذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي، ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقَّته وخرَّت مغشياً عليها ـ كما في رواية الإمام السجاد عليه السلام ـ.

ولما كان اليوم الحادي عشر وأراد ابن سعد حمل النسوة والأسرى من آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الكوفة، طلبن النسوة أن يمروا بهن على مصرع أبي عبد الله عليه السلام والشهداء، فمروا بهن، فلما نظرن إلى القتلى صحن ولطمن الوجوه، وأخذت زينب (عليها السلام) تندب أخاها الحسين عليه السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب:

يا محمداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمَّل بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وإلى الله المشتكى… ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت: إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان، وفي الحديث: انها أبكت والله كل عدوٍّ وصديق.

وعندما أُدخل السبايا من آل البيت (عليهم السلام) الكوفة وأخذت أم كلثوم تخاطب الناس، إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والريح تلعب بها يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب (عليها السلام) فرأت رأس أخيها فنطحت رأسها بمقدَّم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:

  غاله خسفه فأبدا غروبا        يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا

  كان هذا مقدَّراً مكتوبا         ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي

  ماله قد قسى وصار صلبا         يا أخي قلبك الشفيق علينا

  مع اليتم لا يطيق وجوبا           يا أخي لو ترى عليّاً لدى الأسر

  بذلّ بغيض دمعاً سكوبا          كلّما أوجعوه بالضرب ناداك

  وسكّن فؤاده المرعوبا            يا أخي ضُمّه إليك وقرِّبه

  بأبيه، ولا يراه مجيبا              ما أذل اليتم حين ينادي

وقد خطبت السيدة زينب (عليها السلام) عندما جيء بهنَّ أسارى إلى الكوفة، فأومأت إلى الناس بالسكوت والإنصات، فارتّدت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت في خطبتها بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله:

أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر والحدل…

أتبكون على أخي؟! أجل والله فابكوا، فإنكم والله أحق بالبكاء، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً…

أتدرون ـ ويلكم ـ أي كبد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فريتم؟ وأي عهد نكثتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم سفكتم؟!…

ثم أنشأت تقول:

  ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم؟          ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

  منهم أسارى ومنهم ضرَّجوا بدم؟     بأهل بيتي وأولادي ومكرمتي

إلى آخر الخطبة التي هزت ضمائر الناس وعروش الطواغيت، حتى قال الراوي: فلم أرَ والله خَفِرة أنطق منها، كأنّما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام.

وقال مشيراً إلى مدى تأثر الناس يومئذ بخطبتها: فوالله لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلَّت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا يبزي.

وهنا قال الإمام زين العابدين عليه السلام: (يا عمة.. ـ أنت بحمد الله ـ عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة).

كما وقد أمرتنا السيدة زينب (عليها السلام) بإقامة مآتم البكاء على سيد الشهداء قائلة:

(يا قوم اِبكوا على الغريب التريب…).

وهي (عليها السلام) التي استفادت من كل فرصة تتاح لها في ذلك، حتى أنها (عليها السلام) لما عادت إلى كربلاء مع حرم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) العائدات من الأسر وتراءت لهن القبور، ألقت بنفسها على قبر أخيها ثم أخذت تعدَّد مصائبها لأخيها وهي تبكي كالثكلى وترثيه بأبيات، فأنَّت وبكت بكاءً شديداً حتى أبكت أهل الأرض والسماء، كما ورد في الحديث!

وقد تنبَّأت سيدتنا العالمة مستقبل القضية الحسينية، فقالت لابن أخيها الإمام زين العابدين عليه السلام:

(لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمَّة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرَّجة، وينصبون بهذا الطف عَلَمَاً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدنَّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد إلا ظهوراً وأمره إلا علواً).

وقالت ليزيد: (… فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل، فَكِدْ كَيْدك، واسعَ سَعْيَك، وناصِب جُهدك، فوالله لا تمحو ذِكْرنا، ولا تميت وَحْينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها.

تبيان 
2022/08/08
قُتل الحسين ومعه 18 رجلاً من أهل بيته.. فمن هم؟!
ورد في الرواية: « يا ابن شبيب، إنْ كنتَ باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، فإنّه ذُبِح كما يُذبَح الكبش، وقُتِل معه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله »، مَن هم هؤلاء الـ 18 المذكورين في الرواية؟

[اشترك]

اختلفت الروايات والأقوال عند الفريقين في عدد شهداء كربلاء من بني هاشم وأسمائهم، فقيل: إنّهم ثلاثة عشر رجلاً، وقيل: ستّة عشر رجلاً، وقيل: سبعة عشر، وقيل: اثنان وعشرون، وقيل: سبعة وعشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل غير ذلك.

وقد وردت الرواية الصحيحة ـ كما في [عيون أخبار الرضا ج1 ص268، والأمالي ص192] ـ عن الإمام الرضا (عليه السلام): « وقُتِل معه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته، ما لهم في الأرض شبيهون »، كما قد اشتملت زيارة الناحية للشهداء يوم عاشوراء على أسماء سبعة عشر رجلاً غير سيّد الشهداء (عليه السلام) [ينظر: المزار الكبير للمشهدي ص486]، وذكر الشيخ المفيد في [الإرشاد ص248]: « إنّ عدّة مَن قُتل مع الحسين (عليه السلام) من أهل بيته بطفّ كربلاء هم سبعة عشر نفساً، الحسين بن عليّ (عليه السلام) ثامن عشر »، وهي متوافقة لرواية المؤرّخ الطبريّ في [تاريخه ج5 ص468] حيث عدّهم تسعة عشر رجلاً منهم مسلم بن عقيل وأبا بكر بن عليّ بن أبي طالب وقال عنه: « شُكّ في قتله »، فالثابت عند الطبريّ أنّ الشهداء بكربلاء سبعة عشر، وجاءت رواية عن الحسن البصريّ ـ كما في [مقتل الحسين للخوارزميّ ج2 ص47]: « قتل مع الحسين (عليه السلام) سبعة عشر رجلاً من أهل بيته ».

وقد كتب جملة من الأعلام والباحثين دراسات في تحقيق هذه القضية، ومن التحقيقات الأنيقة ما كتبه الشيخ محمّد مهدي شمس الدين في [أنصار الحسين ص126 وما بعده]، وقد قوّى فيه القول أنّهم سبعة عشر، ثمّ سرد أسماءهم وأشار لمصادر ذكرهم، ونحن نذكر في المقام ملخّص ما ذكره:

أسماء شهداء كربلاء من بني هاشم

1ـ علي بن الحسين الأكبر: ورد ذكره في: زيارة الناحية للشهداء، والإرشاد للمفيد، وتاريخ الطبري، ومقاتل الطالبيين للأصفهانيّ، ومقتل الحسين للخوارزميّ، ومروج الذهب للمسعوديّ.

2ـ عبد الله بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، وتاريخ الطبري، ومقاتل الطالبيين، ومقتل الخوارزمي، ومروج الذهب.

3ـ جعفر بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

4ـ عثمان بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

5ـ محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي.

6ـ العباس بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

7ـ عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والاصفهاني، والخوارزمي.

8ـ أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي.

9ـ القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

10ـ عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأًصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

11ـ عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأًصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

12ـ محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

13ـ جعفر بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأًصفهاني، والخوارزمي.

14ـ عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والخوارزمي.

15ـ عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي، والخوارزمي.

16ـ عبد الله بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأصفهاني، والمسعودي.

17ـ محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: الزيارة، والإرشاد، والطبري، والأًصفهاني.

ثمّ ذكر الشيخ شمس الدين: هؤلاء السبعة عشر هم الذين ثبت عندنا أنّهم استشهدوا في كربلاء من بني هاشم؛ لإجماع المصادر الأساسية على ذكرهم، أمّا مَن عداهم فسنعرض أسماءهم فيما يلي، مع شكّنا في كونهم ممّن رزق الشهادة مع الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، ونُقدِّر أنّ بعضهم قد استشهد في مواقع أخرى متأخرة واختلط أمره على أصحاب الأخبار والمؤرخين، مع احتمال أن يكون رأينا في عدد الشهداء السبعة عشر وأسمائهم خطأً أيضاً، وأن يكون العدد أكثر مما ذكرنا أو أن تكون بعض الأسماء غير ما ذكرنا:

1ـ أبو بكر بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في: الإرشاد، والخوارزمي، والأصفهاني. في الطبري: (شُكّ في قتله).

2ـ عبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ورد ذكره في: الأًصفهاني والخوارزمي.

3ـ محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب: ورد ذكره في: الأًصفهاني والخوارزمي.

4ـ عبد الله بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره في الإرشاد للمفيد.

5ـ عمر بن علي بن أبي طالب: ورد ذكره عند الخوارزمي.

6ـ غلام في أذنيه قرطان، قتله هاني بن بعيث، ورد ذكره عند الخوارزمي، ذكر البعض أنّه محمد بن أبي سعيد بن عقيل ـ الذي تقدم برقم (17) ـ وأن قاتله هاني بن ثبيت وقد تحرّف اسمه.

7ـ إبراهيم بن علي بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي.

8ـ عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي.

9ـ محمد بن عقيل بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي.

10ـ جعفر بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: ذكره الخوارزمي.

ولمزيد من التفصيل حول هذه المسألة يراجع ما كتبه الشيخ محمد مهدي شمس الدين في [أنصار الحسين ص129]، والشيخ محمد طاهر السماوي في [إبصار العين في أنصار الحسين ص33]، والشيخ ذبيح الله المحلاتي في [فرسان الهيجاء]، وغيرها من الكتب التي عنت بترجمة أنصار سيد الشهداء (عليه السلام).

2022/08/06
من أمر الشيعة بـ ’اللطم والبكاء’ على الحسين (ع)؟
من أمرك أيها الشيعي أن تفعل هذه الأفعال في عاشوراء؟ إن قلت: الله ورسوله أمراني بهذا سأقول لك أين الدليل؟ وإن قلت لي: لم يأمرك أحد سأقول لك هذه بدعة. وإن قلت: أهل البيت أمروني سأطالبك أن تثبت من فعل هذا منهم؟

[اشترك]

وإن قلت: أني أعبر عن حبي لأهل البيت فسأقول لك: إذاً كل المعممين يكرهون أهل البيت لأننا لا نراهم يلطمون وأهل البيت يكرهون بعضهم بعضاً لأنه لا يوجد أحد منهم لطم وطبر على الآخر.

الجواب من سماحة الشيخ علي آل محسن:

أما بكاء الشيعة على الإمام الحسين عليه السلام فقد وردت روايات صحيحة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل قتله بسنين كثيرة.

منها: ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 188 عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل عليّ أحد، فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وآلة وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت فقال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها. فأراها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرب وبلاء.

قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات.

ومنها: ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 /187عن نجي الحضرمي، أنه سافر مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليٌّ: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال، فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم. قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.

قال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا.

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 9 /318: رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وأبو يعلى، بسند صحيح.

ومنها: ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل عليَّ أحد، فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فأطلت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، قال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرب وبلاء، وفى رواية: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء.

قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات.

مضافاً إلى ورود روايات كثيرة من طرق أهل البيت عليهم السلام تحث على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام.

منها: صحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر1.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا، فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار2.

مضافاً إلى أن البكاء ـ وكذلك لطم الصدور ـ تعبير عن الحب والموالاة للإمام الحسين عليه السلام، مع ما فيهما من الإنكار على من أمر بقتل الإمام الحسين ومن شرك في قتله عليه السلام.

وأما من طبر أو ضرب نفسه بالسلاسل فهو إنما فعل ذلك لإحياء ذكر ما وقع على الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه من الظلم والقتل، ولئلا تغيب هذه الظلامة عن الأذهان مع مرور الأيام وتعاقب الأزمان، مع ما في هذه الممارسات من التعبير عن حب الإمام الحسين عليه السلام، وموالاته، والإعلان عن صحة موقفه عليه السلام، بل الدلالة على أن موقفه عليه السلام هو الموقف الأمثل الذي يقتبس منه كل مؤمن منهاجا في حياته لئلا يخذل الحق، ويعين الظالمين المنحرفين.

وأما قول المخالف: إن (كل المعممين يكرهون أهل البيت؛ لأننا لا نراهم يلطمون، وأهل البيت يكرهون بعضهم بعضاً؛ لأنه لا يوجد أحد منهم لطم وطبر على الآخر) فهو هراء؛ لأننا لو سلمنا جدلاً أن العلماء لا يلطمون ولا يطبرون، لكونهما أمرين جائزين غير واجبين، فإن حب أي شيعي للإمام الحسين عليه السلام ليس متوقفاً على اللطم أو التطبير عليه، ومن أحب الإمام الحسين عليه السلام يمكنه أن يعبر عن حبه بألف طريقة وطريقة، ولا ينحصر التعبير عن حبه له في اللطم والتطبير كما هو واضح جلي لكل ذي عينين.

الهوامش:     1. كامل الزيارات: 207.     2. كامل الزيارات: 201.
2022/08/06
هل حددت الروايات رفع ’راية شهر محرم’ في وقت معيّن؟!
الوجوب والحرمة، والاستحباب والكراهة، من العناوين الخاصة بالأحكام الشرعية، والطريق لمعرفتها هو النصوص الشرعية من القرآن والسنة.

[اشترك]

أما تحديد موضوعات الأحكام فهي من مختصات المكلف إلا ما خرج منها بدليل خاص، وعليه فإن العبادات تارة تكون مقيدة وتارة تكون موسعة، فالصلاة والحج والصيام من العبادات المقيدة، حيث بين الشارع موضوعاتها مضافاً لبيان أحكامها، أما الذكر والتسبيح وتلاوة القرآن والإحسان إلى الناس وبر الوالدين وغير ذلك من المستحبات والواجبات لم يتدخل الشارع في بيان كيفية خاصة بها وإنما أوكل ذلك للمكلف، فيجوز للإنسان التسبيح وتلاوة القرآن في أي زمان ومكان، وكذلك لم يرسم الشارع تقاليد محددة لعنوان الإحسان أو بر الوالدين وإنما جعل ذلك خاضع لعرف العقلاء والمتشرعة فكل ما يروه أحساناً أو براً للوالدين لا يجوز للمكلف مخالفته، والشعائر الحسينية من هذا القبيل حيث لم يبين الشارع كيفية معينة لأحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) وإنما أوكل ذلك للمكلفين، وعليه فإن كل أمر يتوافق عليه العقلاء وعرف المتشرعة على أنه من مصاديق المواساة يكون منها، وذلك لأن النصوص لم تحصر إقامة الشعائر في كيفية محددة وإنما اكدت على استحباب هذه الشعيرة في عنوانها العام، وبالتالي كل فعل يتوافق عليه العقلاء وعرف المتشرعة على أنه من المواساة يكون مستحباً بوصفه مصداقاً لها وليس مستحباً بوصفه منصوص عليه من الشارع بشكل خاص ومباشر، فمثلاً مواكب العزاء تكون مستحبة طالما اعتبرها عرف المتشرعة عنواناً للمواساة، وإذا تخلى عنها العرف واستبدلها بشيء أخر يسقط عنها الاستحباب ويتحول الاستحباب إلى ذلك الشيء الآخر، وعلى هذا النحو يكون رفع الراية ليلة الأول من المحرم من الشعائر المستحبة طالما توافق عليها عرف المتشرعة واعتبرها بداية الانطلاق للشعائر الحسينة.

وفي الخلاصة إي شعيرة من شعائر الإمام الحسين تكون مستحبة إذا اعتبرها العرف مصداقاً للنصوص التي أكدت وندبت على إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا يتوقف الأمر على وجود روايات ونصوص خاصة بالمورد طالما كانت الشعائر من العبادات الموسعة التي لم يحدد الشارع موضوعاتها.

2022/08/06
بين النواويس وكربلاء.. كيف قطعوا جسد الحسين (ع)؟!
ما مدى صحَّة ما يقال في تفسير قول الإمام الحسين(ع): - " كأنِّي بأوصالي تُقطِّعُها عسلانُ الفلَوات بين النواويس وكربلاء" - (1) أنَّ خيول الأعوجيَّة لما داست جسد الحسين (ع) كانت تقفُ على جسده وتسحقُه بأقدامِها حتى يلتصقَ لحمُه الطاهر (روحي فداه) بحوافر الخيل، فحين خرج الجيش من كربلاء تناثر لحم الحسين (ع) من حوافر الخيول وتوزَّع بين كربلاء والنواويس المكان الذي دُفن فيه الحُر.

فهل هذا التفسير لقول الإمام (ع) صحيح؟ وهل هذه التفاصيل موجودة في الروايات؟!

التفسير الصحيح للفقرة المذكورة:

هذا التفسير للفقرة المذكورة - من الخطبة المأثورة عن الإمام الحسين (ع) - خاطئٌ جدَّاً، فالمستظهَر عرفاً من قوله (ع) : " كأنِّي بأوصالي تُقطِّعُها عسلانُ الفلَوات بين النواويس وكربلاء" هو أنَّ الإمام (ع) كان بصدد التعريف الإجمالي بموقع مقتلِه الشريف، وأنَّه يقعُ بين منطقتين هما النواويس وكربلاء، فليس معنى ذلك أنَّ مساحة المقتل تستوعبُ المنطقة الواقعة بين هاتين المنطقتين بل معناه أنَّ المقتل يقعُ في موضعٍ هو بين هاتين البقعتين، فحينما يقال مثلاً : إنَّ بيتنا بين بغداد والبصرة فإنَّ أحداً لا يفهمُ من ذلك أنَّ مساحته تستوعبُ ما بين بغداد والبصرة بل المتفاهَم عرفاً من هذا التعبير أنَّ البيت يقعُ في نقطةٍ هي بين هاتين المدينتين.

وكذلك حينما يُقال إنَّ الإمام موسى بن جعفر (ع) وُلد في الأبواء وهي منزلٌ بين مكة والمدينة فإنَّ أحداً لا يفهمُ من ذلك أنَّ الأبواء تستوعبُ المساحة التي هي بين مكة والمدينة بل المتفاهَم من ذلك هو أنَّ المتكلِّم كان بصدد التعريف الإجمالي بجغرافيَّة هذه المنطقة وأنَّها تقعُ بين مكة والمدينة، ولذلك لا يكونُ هذا التعريف منافياً للقول أنَّ الجعرانة مثلاً قريةٌ بين مكة والمدينة، وأنَّ البيداء تقعُ بين مكة والمدينة، وأنَّ عسفان تقعُ بين مكة والمدينة، وأنَّ غدير خم يقع بين مكة والمدينة، وأنَّ الروحاء قريةٌ بن مكة والمدينة، فهذه قُرى ومنازل مختلفة في مواقعها يجمعُها أنَّها تقعُ بين مكة والمدينة ، بعضُها أقرب إلى مكة، وبعضُها أقربُ إلى المدينة، فلو كان معنى قولهم الأبواء بين مكة المدينة هو أنَّها تستوعب المساحة ما بينهما لكان معنى ذلك أنَّه لا توجد منازل وقرى بين مكة والمدينة سوى الأبواء أو أنَّ كلَّ القرى والمنازل داخلة في الأبواء، ولا يقول بذلك أحد بل ولا يتوهمُه مِن أحد .

وعليه فمعنى قوله (ع) : " كأنِّي بأوصالي تُقطِّعُها عسلانُ الفلَوات بين النواويس وكربلاء" هي أنَّ المقتل الشريف سيقعُ في نقطةٍ واقعة بين النواويس وكربلاء، ومثلُ هذا التعبير يُستعمل عادةً حينما لا يكون الموضعُ الذي يُراد تعريفُه معروفاً لدى المخاطَب فيتمُّ تعريفُه التقريبي بواسطة بيان أنَّ موضعَه يقع بين موضعين مشهورين نسبيَّاً .

موضع النواويس وكربلاء:

فالنواويس -كما أفاد الميرزا النوري في كتابه نفس الرحمن- هي "مقابر النصارى" قال: "وسمعنا إنَّها في المكان الذي فيه مزار الحرِّ بين يزيد الرياحي من شهداء الطف، وهو في ما بين الغرب وشمال البلد، وأمَّا كربلاء : فالمعروف عند أهل تلك النواحي إنَّها قطعةٌ من الأرض الواقعة في جنب نهرٍ يجري مِن قبلي سور البلد ويمرُّ بالمزار المعروف بابن حمزة ، منها بساتين ومنها مزارع والبلد واقع بينهما"(2)

وعليه فلعلَّ اسم كربلاء فعلاً قد تمَّ التوسُّع فيه فأُطلقَ على جميع المناطق المتقاربة آنذاك مثل الغاضريَّة، ونينوى، والعقر والطف، وطف الفرات، وشاطئ الفرات، والنواويس وغيرها من الأسماء التي كانت تُطلق على القرى والصحراء والبساتين والمنازل والعيون المتجاورة أو المتقاربة(3) ولعلَّ منشأ إطلاق اسم كربلاء في الروايات (4) على موضع المصرع الشريف وموضع الملحمة كان بسبب، أنَّ اسم كربلاء كان من أشهر أسماء تلك البقاع تماماً كما هو منشأ التعريف التقريبي بموضع المصرع في بعض الروايات بمنطقة "عمورا" (5) وأرض بابل (6) وبشط الفرات (7) وبنينوى(8) وبظهر الكوفة(9) .

معنى التقطيع للأوصال:

ثم إنَّ المستظهَر من التقطيع للأوصال في قوله :" كأنِّي بأوصالي تُقطِّعها عسلان الفلوات"  هو أنَّ قتله سوف لن يتمَّ بضربة واحدة -في مقتلٍ- تُودي بحياته بل سيتمُّ ذلك بتآزر ذئبان الفلوات على تمزيق جسده بأسلحتهم، فلا موجب لاستظهار بعثرة أوصالِه -على امتداد ما بين النواويس وكربلاء- من كلمة التقطيع ، فالتقطيع يصدق حتى مع بقاء الأوصال في موضعها، والتناثر يحتاج إلى بيانٍ زائد لم تتصدَّ الرواية لذكره ، فلا يصح الرجمُ بالغيب والتبرُّع بما لم تتصدَّ الرواية لبيانه أو حتى الإشارة إليه .

على أنَّ الروايات والنصوص التاريخيَّة -بعد التتبع - خالية من هذا التصوير الفظيع، فلم نجد في شيءٍ منها على أنَّ أوصاله (ع) قد تناثرت بفعل خيول الأعوجيَّة على امتداد ما بين النواويس وكربلاء. هذا مضافاً إلى أنَّ من المستبعَد غايته أنْ يظلَّ شيءٌ من الأوصال عالقاً في حوافر الخيول مسافة تمتد لسبعة كيلو مترات تقريباً بناءً على أنَّ النواويس تقع في موضع قبر الحرِّ بن يزيد الرياحي.

الهوامش: 1- كشف الغمة - الأربلي- ج2/  239، نزهة الناظر- الحلواني- ص 86،  مثير الأحزان - ابن نما الحلي- ص29، اللهوف في قتلى الطفوف- السيد ابن طاووس- ص 38، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول- الزرندي الحنفي- ص 94. 2- نفس الرحمن في فضائل سلمان- ميرزا حسين النوري الطبرسي- ص ٢٥٧ 3- لاحظ: معجم البلدان - ياقوت الحموي - ، مرقد الإمام الحسين ( ع ) - السيد تحسين آل شبيب- ص ١١ 4- كامل الزيارات - ابن قولويه- 452، المعجم الكبير - الطبراني- ج23 / 289. 5- الخرائج والجرائح - القطب الراوندي-ج 2/ 848، مختصر بصائر الدرجات - حسن بن سليمان الحلي- ص 37. 6- تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج14 / 209، سير أعلام النبلاء- الذهبي- ج3/  397، البداية والنهاية - ابن كثير - ج8/ 176. 7-الخرائج والجرائح - القطب الراوندي- ج3/ 1145، المصنف - ابن أبي شيبة- ج8/ 632، الطبقات الكبرى - ابن سعد - ترجمة الإمام الحسين (ع) ص 48 8-الخرائج والجرائح - القطب الراوندي- ج3/ 1145،  المصنف - ابن أبي شيبة- ج8/ 632، الطبقات الكبرى - ابن سعد - ترجمة الإمام الحسين (ع) ص 48 
2022/08/06
مع وجود الإمام الحسين.. كيف أصبح العباس كافل زينب (ع)؟!
لماذا سيّدنا أبو الفضل العبّاس (عليه السلام) هو كافل السيّدة زينب (عليها السلام)، وليس الإمام الحسين (عليه السلام) مع أنّه الأخ الأكبر؟

[اشترك]

وردت روايتان في بعض كتب المتأخّرين حول كفالة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) للسيّدة زينب (عليها السلام)، وقد نقلتا بالمعنى لا بالنصّ، ولم نعثر عليها في الكتب التاريخيّة المعتبرة.

ففي أحدها: « إنّ زينب لمّا رأت أباها جمع أولاده عند الاحتضار وأخذ يوصيهم، تقدّمت إلى أبيها، وقالت: يا أبتاه، أريد أن تختار لي من أخوتي مَن يكفلني ويلتزم بي، فقال: بنيّة، هؤلاء إخوتك، فاختاري مَن تريدين، هذا الحسن، وهذا الحسين، فقالت: الحسن والحسين أئمّتي وسادتي، وأنا أخدمهما بعيني، ولكن أريد من أخوتي مَن يخدمني، لعلّي أحتاج في هذه الحياة إلى سفر فيخدمني ويكفلني في السفر، فقال: اختاري منهم من شئت، فمدّت زينب بصرها إلى أخوتها، فما وقع الاختيار إلّا على قمر العشيرة أبي الفضل العباس، فقالت زينب: يا أبتاه، أريد أخي هذا، وأشارت إلى العبّاس، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): بني، أدنُ مني، فدنا منه، فأخذ بيد زينب ووضعها في يد العبّاس، وقال: بنيّ، هذه وديعة منّي إليك، فقال العباس ـ وقد تحادرت دموعه على خدّيه ـ: يا أبتاه، لأنعمنّك عيناً، وأبذل كلّ جهدي في حفظها ورعايتها، فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) ينظر إلى العبّاس وإلى زينب ويبكي » [النص الجليّ في مولد العبّاس بن علي ص56].

وفي الأخرى: « إنّه لمّا مضت أيام على ولادة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) جاءت السيّدة زينب (عليها السّلام) إلى أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) يوماً، وهي تحمل أخاها العبّاس (عليه السّلام)، وقد ضمّته إلى صدرها، وقالت له: أبه، يا أمير المؤمنين ، ما لي أرى قلبي متعلّقاً بهذا الوليد أشدّ التعلّق، ونفسي منشدّة إليه أكبر الانشداد؟

فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بلطف وحنان قائلاً: وكيف لا تكونين ـ يا أبه ـ كذلك وهو كفيلك وحاميك؟ فقالت السيّدة زينب (عليها السّلام) بتعجّب: إنّه كفيلي وحاميني؟! فأجابها (عليه السّلام) بعطف وشفقة: نعم يا بُنيّة، ولكن ستفارقينه ويفارقك، فقالت السيّدة زينب (عليها السّلام) باستغراب: يا أبتاه، أيتركني هو أم أتركه أنا؟ فقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو يجيبها بلهفة ولوعة: بل تتركينه يا بُنيّة وهو صريع على رمضاء كربلاء، مقطوع اليدين من الزندين، مفضوخ الهامة بعمد الحديد، ضامٍ إلى جنب الفرات، فلم تتمالك السيّدة زينب (عليها السّلام) لمّا سمعت ذلك حتّى أعولت وصاحت: وا أخاه! وا عبّاساه! » [الخصائص العباسيّة ص72ـ73].

أقول: أوضحت الرواية الأولى أنّ السبب في عدم كون الإمام الحسين (عليه السلام) هو الكفيل، باعتباره الإمام على الخلق، وأوضحت الرواية الثانية أنّه كان نحو تعلّق خاص بين أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) وبين السيّدة زينب (عليها السلام).

2022/08/04
يولّد في النفس الكآبة.. لماذا يصرّ الشيعة على لبس السواد في محرم؟
إن السواد أغمض الألوان، والنظر اليه يولد في النفس كآبة وانقباضاً، فهو بطبيعته رمز الحزن، فلذلك اعتاد المفجعون لمصيبة مهما كان شكلها أن يلبسوا السواد، إشعاراً بأنهم محزونون.

[اشترك]

 وهذه عادة كانت في الإسلام، وبقيت بعده، ولم تختص بالمسلمين، بل جرت في غيرهم كالفرس والروم والروس والألمان يسودون رؤوس أعلامهم، إذا نكبوا بكارثة زلزال أو غرق سفينة، أو خسارة معركة، والناس يحملون الأشرطة السوداء في موت قريب أو صديق.

وقد ورثت الشيعة عن أسلافهم ظاهرة لبس السواد، وتوشيح الجدران، ورفع الأعلام تعبيراً عن تفجعهم بفاجعة الطف، وأصبح شعاراً لهم يعرفون به.

وقد روي عنهم عليهم السلام: (رحم الله من أحيا أمرنا)، فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود، كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب، فيسأل: ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد؟!

فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول صلّى الله عليه وآله الإمام الحسين عليه السلام، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره عليه السلام، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييتا بواقعة كربلاء، وهذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه، لتراه الأجيال القادمة أمام عيونها، فيحصل لهم اليقين به، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع، وأبطل ما عداه.

عن عمرو بن علي بن الحسين قال: (لما قتل الحسين بن عليّ عليه السلام لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم)، وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد، بل استحبابه في عاشوراء، تدلّ على أُمور أُخرى، منها: استحباب إقامة المأتم، والإطعام، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسين عليه السلام، حيث كان الإمام السجّاد عليه السلام نفسه يقوم بهذه الخدمة، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم.

وفي الفتاوى نرى إنّ من الثابت استحباب مواساة أهل البيت عليهم السلام مطلقاً، بحزنهم وفرحهم، لعموم ما دلّ على ذلك، ولاستحباب التأسّي بهم، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم..

فقد ورد أنّ أيام محرم كانت أيام حزن لبعض الأئمّة عليهم السلام، فيقيمون العزاء والمصاب على الحسين (عليه السلام)، ويدعون الشعراء أن ينشدوا الأشعار والمراثي فيه (عليه السلام)، وعلينا أيضا أن نقتدي بهم ونتأسى بسيرتهم.

*الشيخ علي آل موسى
2022/08/04
كيف ورث الإمام الحسين رسالات الأنبياء؟
ورثَ الإمامُ الحسين (ع) كلَّ الرسالات بمعنى أنَّ رسالاتِ الأنبياء قد آلتْ إليه، وأُسند إليه حملُها، وأُنيط به التحمُّل لمسئولياتها، وذلك يستبطنُ معرفته الكاملة والتفصيليَّة بمضامينها، كما أنَّه يستبطنُ وجدانَه لكلِّ ما كان للأنبياء من ملَكاتٍ وكمالات، وإلا لما أنيط به الحمل لمسئولياتها.

[اشترك]

وأمَّا لماذا حصل هذا التوريث فجوابه أنَّ الإمامة كالنبوَّة اصطفاءٌ من الله جلَّ وعلا قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾(1) فهو تعالى: ﴿أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾(2).

وأمَّا كيف حصل هذا التوريث فجوابُه أنَّ الله تعالى حين تقتضي مشيئتُه اختيار عبدٍ من عباده للإمامةِ أو النبوَّة فإنَّه يفيضُ عليه من الكمالات والملَكات ما يُؤهله لتحمُّل مسؤوليَّة الدور الذي أراد أنْ يُنيطَه به. فالنبيُّ وكذلك الإمام يُصنعُ على عينِ الله تعالى من حين نشأته كما قال تعالى عن نبيِّ الله موسى(ع): ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾(3).

وأمَّا لماذا انحصر التوريثُ بالإمام الحسين (ع) فجوابُه أنَّ وراثة الأنبياء والرسالات ليست منحصرةً بالإمام الحسين (ع) بل هي ثابتةٌ لجميع الأئمة المعصومين (ع) ويُؤكِّد ذلك مثل صحيحة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فَقُلْتُ لَه: أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللَّه (ص)؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: رَسُولُ اللَّه (ص) وَارِثُ الأَنْبِيَاءِ عَلِمَ كُلَّ مَا عَلِمُوا؟ قَالَ لِي: نَعَمْ، قُلْتُ: فَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تُحْيُوا الْمَوْتَى وتُبْرِؤُوا الأَكْمَه والأَبْرَصَ ؟ قَالَ: نَعَمْ بِإِذْنِ اللَّه .. قَالَ فَحَدَّثْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ بِهَذَا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ"(4).

وكذلك ما ورد في الزيارات المأثورة من وصف الإمام المقصود بالزيارة بعينِ ما وُصف به الإمام الحسين (ع) أنَّه وارثُ آدم (ع) ووارثُ نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى (ع)، فمِن ذلك زيارة الإمام الرضا (ع) المأثورة التي أوردها الشيخُ الصدوق في مَن لا يحضره الفقيه(5).

 

ومِن ذلك أيضاً زيارة أمير المؤمنين (ع) الذي أوردها المشهدي في المزار(6) وورد في زيارة الإمام الحسن العسكري (ع) -التي أوردها السيِّد ابن طاووس- وصفُه بوارث الأنبياء المنتجبين(7).

الهوامش: 1- سورة الحج / 57. 2- سورة الأنعام / 124. 3- سورة طه / 39. 4- الكافي- الكليني- ج1 / ص470. 5- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج2 / ص604، المزار -المشهدي- ص548. 6- المزار -المشهدي- ص256، ص651، المزار -الشهيد الأول- ص100. 7- مصباح الزائر -السيد ابن طاووس- ص409.
2022/08/03
من قتل الحسين.. شيعة العراق أم شيعة آل أبي سفيان؟!
هذه شبهة يتكرر ذكرها بحق الشيعة وهي أوهن من بيت العنكبوت عند الملاحظة والتدقيق، وإليك البيان:

أولا: الذين قاتلوا الإمام الحسين عليه السلام هم شيعة أبي سفيان وليسوا من شيعة علي عليه السلام، والدليل هو قول الإمام الحسين عليه السلام في الواقعة ذاتها، وهو أعرف بمن خرج عليه، حين خاطب مقاتليه وقال لهم: ( ويحكم يا شيعة أل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون) .(مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص38) .

ويشهد لهذا الكلام ابن تيمية في " منهاج السنّة النبوية " ج4 ص 368 الذي صرّح بأنّ قاتلي الإمام الحسين ( عليه السلام ) هم من النواصب .

ثانيا: تصريح القوم بأنهم يقاتلونه بغضا لأبيه، وهذا دليل صارخ على عدم تشيعهم :(إنا نقتلك بغضا لأبيك). (ينابيع المودة ج3 ص80).. بل خطابهم لبرير الهمداني (من أصحاب الحسين عليه السلام ) حين خاطبهم قائلا: (… وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه قد حيل بينه وبين ابن رسول الله)، فقالوا: يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله . ويقصدون بذلك عثمان بن عفّان!!

ومن الواضح أن مثل هذا الجواب لا يصدر من شيعي قط.

ثالثا: شهادة ابن كثير في "البداية والنهاية" بأن ّالذين خرجوا مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في أوّل أمره ستين رجلا فقط من أهل الكوفة وكانوا من شيعته  وقتلوا معه .

قال في ج 8 ص178: ( وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجها إليهم في أهل بيته وستين شخصا من أهل الكوفة صحبته، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة) .

ثم قال في الجزء نفسه، ص 208: ( قال هشام: فحدثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه، عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير . قال: والله إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس فدخل على يزيد، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك ؟ فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، ورد علينا الحسين بن علي بن أبي طالب وثمانية عشر من أهل بيته، وستون رجلا من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال، فغدونا إليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم ). انتهى

رابعا: لم يثبت تاريخيا بأن أحدا من الخارجين لحرب الحسين عليه السلام كأمثال عمر بن سعد وشبث بن ربعي وحصين بن نمير ونحوهم كانوا من شيعة علي ( عليه السلام )، بل النصوص تدل على أنهم من جمهور المسلمين .

قد يقال: هم كانوا محكومين تحت أمرة أمير المؤمنين عليه السلام أيام حكمه ؟

نقول: ليس بالضرورة ان كل من يكون محكوما بإمرته عليه السلام أو صلى خلفه شيعيا، بل قد يكون يراه خليفة للمسلمين حاله حال بقية الخلفاء، والإمام عليه السلام بهذا الاعتبار مقبول عند الجميع .

خامسا: أن الكوفة لم تكن كلها يومذاك شيعية، كما يتصور البعض، قياسا على واقعها اليوم، بل الشيعة فيها - كما ذكر بعضهم - يمثّلون سبع سكّانها، أي بحدود (15) ألف شخص حسب نقل التأريخ، وقد زج حدود (12) ألف في السجون بأمر زياد بن أبيه، وقسم منهم اعدموا، وقسم منهم سفّروا الى الموصل وخراسان، وقسم منهم شرّدوا، وقسم منهم حيل بينهم وبين الحسين (عليه السلام) مثل بني غاضرة، وقسم منهم استطاعوا أن يصلوا الى الحسين (عليه السلام) .

فها هو الطبراني ينقل في " المعجم الكبير " ج 3 ص 68، بإسناد صحيح [ كما يثبت ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 295 ] بأنّ زياد بن أبيه كان يتتبع الشيعة في الكوفة فيقتلهم فبلغ ذلك الإمام الحسن بن علي ( عليه السلام ) فدعا عليه .

وقد شهد ابن تيمية بأنّ مجتمع الكوفة لم يكن كلّه شيعة لعلي ( عليه السلام )، فقال بصريح العبارة: ( وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين، وكان رأسهم المختار بن أبي عبيد الكذاب، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي رضي الله عنه وأولاده، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي ) . انتهى [ منهاج السنّة النبوية 8: 554]

والتاريخ يخبرنا عن حصول تغير ديموغرافي في الكوفة قام به عبيد الله بن زياد قبل مجيء الإمام الحسين ( عليه السلام ) إليها، فقد جاء في "تاريخ الشعوب الإسلامية" ل كارل بروكلمان، ص 123: ( حتى إذا توفي المغيرة سنة 670 م، صار زياد أميرا على البصرة والكوفة جميعا، وكان من تقاعس سلفه وضعفه أن أقدم أتباع علي على ثورة مسلحة جاءت فرصة سانحة لزيادة تصفية الحساب مع العلويين مرّة وإلى الأبد، وبعد أن أخمد زياد هذه الثورة دونما جهد كبير، حلّ منظمات المقاتلين القبلية السابقة وأعاد تنظيمهم في جماعات أربع على رأس كلّ منها رجل من الموالين للبيت الأموي، ثم أنّه أنزل الكوفيين - كانوا أعظم الثوار تشيعا - وأسرهم، وعددا كبيرا من البدو يبلغون الخمسين ألفا، في خراسان، المقاطعة الفارسية الشرقية ) . انتهى

فدعوى أن الكوفة أو العراق كله كان شيعيا آنذاك هي دعوى باطلة، لا دليل عليها، بل الشواهد والنقل التاريخي على خلافها .

ومن هنا نقول: هذه الشبهة هي أوهن من بيت العنكبوت عند التتبع لها، ولكن البعض لإفلاسه أمام قوة التشيع وأدلته يرددها عسى أن ينصر مذهبه بالكذب والدجل، وحتى لو فرضنا جدلا - وفرض المحال ليس بمحال - بأن شخصا كان شيعيا ثم رفع السيف بوجه إمامه وقاتله فهل يسمى بعد ذلك شيعيا ومواليا ؟؟!! من الواضح جدّا أن صفة التشيع ستنسلخ عنه؛ لأنّ العقيدة تدور مدار الإيمان بها وتطبيقها، فإذا خالفها الإنسان لا يكون من أهلها.. ولكن الجاهلين في غيهم يعمهون.

2022/08/03
6 أسباب منعت أهل الكوفة من نصرة الإمام الحسين (ع)
اولاً: الوضع العام في مدينة الكوفة كان ذا ألوان مختلفة من الشيعة الحقيقيين وتوسطاً بالخوارج الى العثمانيين والأمويين.

[اشترك]

وليس صحيحاً ما غلب على الاسماع أن الكوفة كانت كلها من الشيعة فإن الموالين الحقيقيين الذين يعرفون الإمام (عليه السلام) على حقيقته ووجوب طاعته كانوا نسبة قليلة منهم، والنسبة الاكبر محبين يفضلونهم على الأمويين وعلى عثمان مثلاً، مع أنهم يوالون أبا بكر وعمر، فقد كانت هناك شريحة واسعة في الكوفة هي على عقائد أغلب المسلمين قبل استيلاء معاوية على الحكم، ثم هناك الناقمين على ظلم بني أمية وان لم يكونوا شيعة وأيضاَ الخوارج، فلم يخلص من هذه الفئات عندما جد الجد الا القليل مع أن الكثير من تلك الفئات كتبت الى الإمام الحسين (عليه السلام) تدعوه.

ثانياً: ان مواقع القوة والنفوذ كانت بيد غير الشيعة الموالين للائمة (عليهم السلام) نتيجة لحكم معاوية الذي استمر عشرين سنة وهذا طبيعي في الحكومات المستبدة، فكان أصحاب المال والقادة ورؤساء العشائر والعرفاء وغيرهم يوالي أكثرهم الحكومة الأموية فإن مناصبهم واطماعهم متعلقة بالحكومة.

ثالثاً: لم يكن الوعي الديني عند الشيعة بالعنوان العام في ذلك الوقت كما نعرفه اليوم عند الشيعة الإمامية بالنسبة لمكانة ومعرفة حق الإمام (عليه السلام) المفروض الطاعة، وذلك نتيجة ما عمله الخلفاء قبل الامام علي (عليه السلام) من تشويه لمبدأ الإمامة خاصة ومبادئ الاسلام عامة.

رابعاً: الإرهاب والقمع الشديد الذي مارسه ابن زياد ، فإنه اتبع أسلوب الترغيب والترهيب فرغب ضعفاء النفوس بزيادة العطاء واستمال رؤساء العشائر بالمناصب والقيادة، وبالمقابل قمع من كان صلباً في عقيدته فألقى القبض عليهم وزجهم في السجون وكثير منهم لما خرجوا قاموا بحركة التوابين المتمثلة بسليمان بن صرد الخزاعي واتباعه، واما رؤساء العشائر الموالين فقد غدر بمن غدر وسجن من سجن، ونحن نعرف أن الذي يحرك الناس نحو الهدف الصحيح ويجمعهم هم الرجال اصحاب المكانة والنفوذ فاذا غيبوا انفرط عقد الناس خاصة في مجتمع قبلي يكون ولاء الناس فيه للقبيلة ورئيس القبيلة ويكونون معه في أي جهة كان، فقد كانت ولاءات رؤساء العشائر مقسمة بين الامويين والعلويين فاستعان ابن زياد بمن والاه من رؤساء العشائر للقضاء على من خالفه، فكل قبيلة فقدت رئيسها وذو الكلمة فيها ضعفت عن اخذ المبادرة وانفرط عقدها وتشتتت، هذا مع ملاحظة ما كان يبثه اعوان ابن زياد من التهديد والوعيد والارهاب، والقبض على المخالفين وبث الجواسيس والعيون وجعل الارصاد على مداخل الكوفة وتهديدهم بجيش الشام ففي مثل هذا الوضع يسقط ما في يد الرجل المستضعف المنفرد ولا يقوى على التحرك والصمود الا الأوحدي.

خامساً: إن من لا يكون له حريجة في الدين يفعل أي شيء ويستعمل أي وسيلة للوصل الى غايته ويأخذ الناس بالظنة والتهمة ويأخذ الاخرين بجريرة غيرهم، فينتشر الرعب بسرعة وتثبط عزيمة الناس وهذا دأب كل الطغاة، اما اصحاب الدين والمبادئ فلا يمكنهم أن يستعملوا هذه الاساليب، فيتوقفون ويتأملون في كل حركة لمعرفة كونها موافقة للدين أو مخالفة ولذا يكون عملهم بصورة عامة واقل مبادرة من عمل الطغاة وغير الملتزمين بالدين، فانك ترى في بعض الاحيان تدبير جيد يمكن النجاح فيه ولكن لا يفعله المؤمنون خوفاً من الله فيستغل المقابل هذا التوقف لصالحه، فمثلاً لم يقتل مسلم بن عقيل ابن زياد غدراً ولكن قتل ابن زياد هاني غدراً، وكذا لم يهدد أو يقتل أصحاب مسلم عندما كانوا مسيطرين على الكوفة مخالفيهم حتى انهم بقوا آمنين أحرار يكيدون لمسلم بينما أخذ ابن زياد يقتل على الظن والتهمة ويهدد بهدم الدور وقطع الارزاق، فان مثل هذه الحالة تظهر الطغاة كأنهم مسيطرين على البلد ولهم الكثرة وتجعل المؤمنين كأنهم قلة خائفين وهذه قاعدة عامة في كل المجتمعات وفي كل الأوقات وفي مثل هذه الحالات تتجلى مواقف الرجال والمؤمنين وقوة شخصيتهم.

سادساً: هناك حالة تصيب المجتمعات وتعتبر مرضاً عاماً لكل الحركات الرسالية المبدأية، وهي انه بعد فترة من ظهور الحركة سوف تضعف نفوس المعتنقين لمبادئ هذه الحركة ويلجأون الى الدعة والراحة وطلب الدينا وملذات الحياة وهو ناتج عن طبيعة النفس البشرية المحبة للشهوات والكارهة للتضحية، وهذه الحالة المرضية يسميها الشهيد الصدر بمرض ضعف الارادة وخورها، أي انهم لا يملكون الارادة للتحرك والفعل العملي مع كونهم يرغبون بذلك في قلوبهم إذ أنهم لازالوا مؤمنين بالمبادئ التي قامت عليها حركتهم ويعلمون أن الحق معها وان التحرك والثورة هو الطريق الصحيح ولكن يخافون التحرك الفعلي الواقعي، فيكون هناك ازدواج في الشخصية عندهم من جهة كونهم لا زالوا يعرفون الحق ومن جهة ليس لهم إرادة فاعلة للتحرك واصابهم ما يشبه التخدير والخوف من التضحية والهرب من الموت والركون الى الدنيا والتوكل على الآخرين، فقد فسدت نفوسهم وضمائرهم مع أن عقلهم لازال يميز الحق.

هذه الحالة نجدها تنطبق على مجتمع الكوفة والمجتمع الاسلامي عامة في عصر الامام الحسين (عليه السلام)، فقد أفسد معاوية طوال سني حكمه ضمائر الناس أي جانب الارادة والفاعلية بما اتخذه من سياسات، اذ تربى الناس على أن الفوز بالمناصب والاموال يكون مع معاوية وان الحرمان والقتل يكون مع مخالفيه، وانقسموا قسمين قسم باعوا ضمائرهم بالمال وحب الدنيا وآخرين ماتت ضمائرهم خوفاً من القتل والتضحية، فاحتاجوا الى حركة وتضحية كبرى تهز نفوسهم وضمائرهم وتوقضها من هذا السبات وتشفيها من هذا المرض الوبيل الذي اصاب الامة فقام الحسين (عليه السلام) بهذه الحركة والتضحية.

*الأبحاث العقائدية 
2022/08/03
النار أم ملك الري.. ما حقيقة كره عمر بن سعد لقتل الإمام الحسين (ع)؟
ذكرت مصادر أهل السنة نفسها أن لعمر بن سعد دوراً رئيسياً في التصدي للحسين (عليه السلام) منذ البداية، فهو كان قد كتب ليزيد بن معاوية يحذره من تواجد سفير الحسين مسلم بن عقيل في الكوفة، كما يذكر ذلك الطبري في تاريخه ج2 ص 265 والبلاذري في أنساب الأشراف ص 77.

[اشترك]

وعندما رأى منه يزيد الإخلاص في ولائه له أمر بتوليته الري، وهي مدينة جميلة من مدن بلاد فارس، فعمل بذلك ابن زياد وكتب كتاب ولايته على الري لكنه شرط عليه الخروج لمقاتلة الحسين (عليه السلام) أول الأمر، ثم التوجه إلى الري، فحاول ابن سعد التخلص من هذه المهمة والتوجه إلى الري إلا أن أبن زياد خيره بين التوجه لمقاتلة الحسين (عليه السلام) أو أن يعزله عن ملك الري، فطلب ابن سعد أن يمهله يوماً يفكر في الأمر، فعاد إليه في اليوم الثاني وهو تنازعه نفسه بين ملك الري ومواجهة الحسين (عليه السلام)، فوافق على الخروج لقتل الحسين (عليه السلام) كما يذكر ذلك الطبري في تاريخه ج4 ص ص 309 وهو من أوثق التواريخ عند أهل السنة بشهادة ابن تيمية نفسه؛ لخلوه عن الموضوعات كما يقول.

وفي هذا الجانب توجد أبيات أو كلمات مأثورة لابن سعد يذكرها بعض المؤرخين، منها:

(أأترك ملك الري والري رغبتي، أم أرجع مذموما بقتل حسين وفي قتله النار التي ليس دونها حجاب وملك الري قرة عين) انظر : معجم البلدان ل ياقوت الحموي ج3 ص 118.

وقد كان لابن سعد يوم عاشوراء من المواقف الشنيعة التي تكشف عن لؤمه وخبث طويته تجاه أهل البيت (عليهم السلام)، فهو أول من رمى بسهم تجاه معسكر الحسين (عليه السلام)، وقال أشهدوا لي أنني أول من رمى. كما يذكر ذلك ابن الأثير في كامله ج4 ص 65. وفي المصدر نفسه يذكر ابن الأثير قول الحر بن يزيد الرياحي لعمر بن سعد: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ فيقول عمر بن سعد: أي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.

وعلى الرغم من أن القادة لا يشاركون الجنود في القتال والهجوم على خصومهم عادة إلا ابن سعد خالف هذه القواعد فكان أول من رمى معسكر الحسين (عليه السلام) بسهم، وكذلك أول من طعن سرادق وخيام الحسين (عليه السلام)، وروع عياله، فعن البخاري في التاريخ الصغير ج1 ص 178 قال: حدثنا موسى ثنا سليمان بن مسلم أبو المعلي العجلي قال سمعت أبي أن الحسين لما نزل بكربلاء فأول من طعن في سرادقه عمر بن سعد.

وهو (عليه لعائن الله) قد أمر بوطيء صدر الحسين (عليه السلام) بحوافر الخيل تشفياً بموته مع أنه ورد النهي في الشريعة عن التمثيل بالأموات حتى لو كان الميت كلباً عقوراً..

قال ابن الأثير في ( أسد الغابة ) ج2 ص 21 : ( ولمّا قُتل الحسين أمر عمر بن سعد نفراً فركبوا خيولهم وأوطؤوها الحسين).

وهو الذي أمر بحمل رأس الحسين (عليه السلام) إلى عبيد الله بن زياد إلى الكوفة مع خولي بن يزيد الأصبحي كما يذكر ذلك الدينوري في الأخبار الطوال ص 259.

وعن المزي في ( تهذيب الكمال ) ج 6 ص 429 أن عمر بن سعد سرح بحرم الحسين وعياله إلى عبيد الله. وعن ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح ج5 ص 120 قال: أن القوم كانوا يساقون كما تساق الأسارى.

فهذا غيض من فيض من مواقف عمر بن سعد تجاه نهضة الحسين (عليه السلام) ومواجهته لها.

2022/08/02
قرون من البكاء على الحسين (ع).. هذه فوائده
إن من أهم ما يلفت نظر المرء في سلوك الأفراد والجماعات في الحياة الدنيا، هو أن يرى، أو يسمع أحدا أو جماعة يبكون، وكلما كان البكاء حادا كلما كان الانتباه يشتد إليه والفضول يحوم حوله.

[اشترك]

وكلما كان بكاء المسلمين على الحسين عليه السلام سلوكا جمعيا وشديدا كلما كان أكثر إثارة في شد الانتباه، ويبعث على طلب الجواب المقنع، على الصعيد الفردي والاجتماعي ثم على الصعيد السياسي، ولذا كان بكاء المسلمين على الحسين عليه السلام يقض مضاجع الطغاة على مر العصور. وتلك حقيقة تاريخية وسياسية في حياة المسلمين تحتاج إلى دراسة.

فالإنسان قد يقول كذبا، او يفعل زورا، او يماري او يجادل باطلا، لكنه لا يستطيع ان يبكي كذبا في مجاميع، وربما في شعوب بالكامل، وفي موضوع تنعقد النفوس عليه كدين، والسلوك الجمعي فيه بقصد القربى لله تعالى، وان يطول بكاؤه أحقابا وقرونا ويتكرر حزنه بصدق تام!!!

ولو قلبنا تاريخ الأدب العالمي على الإطلاق فلن نجد شعرا اصدق وأوفر وأكثر وأحسن من أدب ألطف، ترى لماذا؟

والشعر الحسيني خصوصا لم يكن له في الشعر العالمي مثيل بصدق عاطفته، حتى إن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يقول: كان الشعر العربي علويا وسيبقى علويا، لما فيه من حرارة العاطفة وصدقها الذي ينبض بحب آل محمد (صلوات الله عليهم).

من هنا ندرك أهمية الحسين عليه السلام، كثائر يطالب الإصلاح في امة جده (صلى الله عليه وآله)، قتل ظلما وخيانة وغدرا، ثم سبيت عياله عيال الرسول (صلى الله عليه وآله) الطاهرات، وقدمت الرؤوس المقدسة هدايا لأبناء الباغيات والطلقاء.

اذن؛ صدق عاطفة الناس اتجاه الحسين المظلوم، ودوام الحزن والبكاء على مصيبة الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة الأطهار، كلها أمور تؤدي إلى حفظ الدين؛ وديعة الحسين المحبوب المظلوم المذبوح من اجل هذا الدين، ويمكننا ان نشهد اقتران اظهار مظلومية الحسين بحفظ الدين في اتجاهين:

الاتجاه الاول:

في البكاء على الحسين عليه السلام معاني التصاق العاطفة عند الباكين من أنصار الحسين عليه السلام، بالمبدأ الذي قدم الحسين نفسه شهيدا من اجله، وقدم عياله؛ بنات الوحي، سبايا عند الأدعياء من اجل الدين، فالبكاء هنا احتجاج وتعبير عاطفي مستمر، لأجل أهل البيت (عليهم السلام) المظلومين وضد الظالمين منذ فجر الإسلام الى الآن.

ان أهل البيت ((عليهم السلام)) مطهرون بإرادة الله:

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وإرادة الله لا شك نافذة، فالبكاء على الحسين عليه السلام، إنما هو بكاء لفقدان الإسلام الحق الذي يمثله الحسين الطاهر المطهر عليه السلام بكل ما تعنيه إرادة الله تعالى من محض الخير والسؤدد، والذي يختفي من واقع المسلمين، فالحسين لازال يذبح في كل لحظة، والبكاء عليه تمثيل لواقع مفقود ولا يمكن لمبدأ الحسين إن يسود إلا بمحق الظالمين، وعلى هذا يستمر البكاء على الحسين عليه السلام، ومعه تستمر مبررات هذا البكاء التي هي ضرورة سيادة دين جد الحسين صلى الله عليه وآله.

ومن جانب أخر نجد أن أعداء الحسين عليه السلام، ولا زالوا، بنفس مواصفات يزيد وعمر بن سعد والشمر وعبيد الله، وخولي وسنان... أوغاد أجلاف ظلمة متسلطون، لا يهمهم من الكرسي إلا التحكم في رقاب الناس واكل أموالهم، والتلاعب بمقدراتهم...والدين لعق على الألسن كما يصف الحسين الناس عليه السلام في خطبته يوم عاشوراء

فالبكاء على الحسين عليه السلام إنما هو احتجاج على استمرار الحال وغياب دين الحسين وجد الحسين وأبو الحسين (صلوات الله عليهم).. ترى ما هو دين الحسين الذي يريده الباكون؟

وعلى هذا المنوال تستمر هذه الاطروحة الربانية الحسينية الراتبة، الى ظهور امام الزمان عجل الله فرجه، وفي معانيها يستمر حفظ مذهب ال محمد في نفوس المحتجين من المسلمين البكائيين على الحسين فقط.

وهذا للأسباب التالية:

1- في البكاء على الحسين عليه السلام وسيلة للتعبير عن الالتصاق بالدين الصادق وللكون مع الصادقين، الذين امر الله تعالى بالكون معهم. قال تعالى:

(يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، والصادقون هم أهل البيت (صلوات الله عليهم).

2- والبكاء على الحسين عليه السلام وسيلة تمثل اختيار السفينة المنجية التي أوصى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بركوبها وعدم التخلف عنها.. قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: (ان مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك).

3- والبكاء على الحسين عليه السلام وسيلة للتمسك بالثقل العاصم من الثقلين الذين أوصى بهم الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بالتمسك بهما عصمة من الضلال

4- فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:

(أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين، اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).

والبكاء على الحسين عليه السلام طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين، في محبة الحسين واهل بيته عليهم السلام، كما مر معنا في قوله صلى الله عليه واله: (أحب الله من أحب حسينا).

فالبكاء على الحسين عليه السلام طاعة لله تعالى في مودة ذوي القربى عليهم السلام، المطلوبة في القران، وهو تعبير لتجنب الاصطفاف مع حزب إبليس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:

(النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس).

وفي الاتجاه الثاني:

في البكاء عل الحسين عليه السلام، دعوة لنصرة المستضعفين من كل جنس ولون، الذي هو عماد مذهب أهل البيت عليهم السلام، باعتبار ان الدين أصلا جاء لعصمة الإنسان من ان يكون مستغلا او مستغلا، وهو بيان لكل معنى جميل في الوجود الذي ليس فيه فرق ولا ميزة لعربي على اعجمي الا بالتقوى التي لم تبرز الا من خلال ثورة الحسين عليه السلام، لان البكاء على الحسين فيه حجة على بقية المسلمين بالملازمة والتكرار، حيث البكاء يلازم المستضعفين المحبين لناصريهم الحقيقيين، ويتكرر مع الدهر في أيام الله، وضمن معيار شعائره؛ فهو إذن دعوة للجميع؛ ان يسالوا عن سر هذا البكاء السرمدي، ومن خلال هذه الشعائر، هل هو معقول ان تكذب عواطف مئات فطاحل الشعراء وعمالقتهم على مر التاريخ.

فما من فطحل او عملاق في الشعر الا وهو محب لأهل البيت وللحسين عليه السلام من النادبين المبكين الباكين!!!

ليس صدفة ان يكون عمالقة الفكر الإسلامي، هم ممن يبكون الحسين عليه السلام ومن اشد محبيه ومواليه، من امثال العالم المبدع والمفكر العظيم جابر بن حيان الكوفي، والفيلسوف الكبير والطبيب العبقري ابن سيناء الشيخ الرئيس، وابن النديم الذي يصفونه بالمتطرف في حب ال محمد، والفراهيدي، وابو الاسود الدؤلي...وغيرهم كثير، ومن القريبين الفيلسوف المبدع صدر الدين الشيرازي

(الملا صدرا).

اما كل عمالقة الشعر فهم ممن يبكون الحسين ويندبونه، الفرزدق والكميت ودعبل وأبو العتاهية وابو فراس وابو نؤاس.. حتى لكأن البكاء على الحسين ملهم الإبداع في كل اتجاه.

هل معقول ان هذه العقول العملاقة في التاريخ كلها تبكي الحسين لمجرد صدفة!!!

نطلق هذا التساؤل بفرض ان المتسائل عن البكاء على الحسين عليه السلام هو باحث عن الحقيقة، ولم يكمم عقله بمسلمات ما انزل الله بها من سلطان، لذا فان لم يكن باحثا عن الحق، فليس مأسوف عليه ما يفعله بنفسه فان يوم الفصل كان ميقاتا.

قال الله تعالى:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ).

تبيان 
2022/08/02
هل سحقت الخيل صدر الإمام الحسين (ع)؟!
الثابتُ والمشهورُ في كتب التاريخ والمقاتل أنّ عُمَرَ بن سعد نادى:- مَنْ ينتدب إلى الحسين (عليه السلام) فيُوطِئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ؟ فقام عشرةٌ - ذَكرَ المؤرخونَ أسماءَهم - فداسُوا بخيولِهم جسدَ ريحانةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله .

[اشترك]

انظر : تاريخ الطبري ج4 ص347 ، الإرشاد للمفيد ص303 ، مروج الذهب للمسعودي ج3 ص62 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص184 ، اللهوف لابن طاووس ص182 ، المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص121 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص150 ، روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص189 ، وغيرها .

قال السيد ابن طاووس : ( قال الراوي : ثم نادى عمرُ بنُ سعد في أصحابه : مَنْ ينتدب للحسين فيوطئ الخيلَ ظهرَه وصدره ؟

فانتدبَ منهم عشرةٌ وهم : إسحاقُ بن حوبةَ الذي سَلَبَ الحسين عليه السلام قميصَه, وأخنسُ بن مرثد ، وحكيمُ بن طُفيل السبيعي ، وعمرُ بن صبيح الصيداوي ، ورجاءُ بن منقذ العبدي ، وسالمُ بن خيثمة الجعفي ، وصالحُ بن وهب الجعفي ، وواحظ بن غانم ، وهاني بن ثبيث الحضرمي ، وأسيد بن مالك (لعنهم الله) . فداسُوا الحسينَ عليه السلام بحوافرِ خيلِهِم حتى رضُّوا ظهرَه وصدره.

قال الراوي : وجاء هؤلاءِ العشرةُ حتى وقفوا على ابن زيادٍ لعنه اللهُ فقال أسيدُ بنُ مالك - أحد العشرة - :

نحن رضَضْنَا الصدرَ بعد الظهرِ *** بكلِ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ

فقال ابنُ زياد : من أنتم ؟ قالوا : نحن الذين وطئنا بخيولِنا ظهرَ الحسين حتى طحنَّا حناجرَ صدرِهِ !

قال : فأمَرَ لهم بجائزةٍ يسيرة .

قال أبو عُمرَ الزاهد : فنظرنا إلى هؤلاءِ العشرةِ فوجَدْنَاهم جميعاً أولادَ زنا !

وهؤلاءِ أخذَهُم المختارُ فشدَّ أيديَهم وأرجُلَهم بسككِ الحديد وأوطأ الخيلَ ظهورَهم حتى هلكوا ).

 اللهوف لابن طاووس ص182 ، ومثير الأحزان لابن نما ص59 .

وقال ابو ريحان البيروني : ( وفُعِلَ به - الحسين - وبهم ما لم يُفعلْ في جميعِ الأممِ بأشرارِ الخلقِ من القتلِ بالعطش والسيف والإحراق وصلب الرؤوس وإجراء الخيولِ على الأجساد .) الآثار الباقية 329 .

وهي روايةُ أبي مخنفٍ عن حميد بن مسلم كما يظهر من تاريخ الطبري وارشاد المفيد وغيرهما .

- وكان هذا الفعلُ منهم تنفيذاً لأمرِ عبيدِ اللهِ بن زياد لعنه الله ، حيث كتب الى عمرَ بنِ سعد : ( إني لم أبعثْكَ إلى الحسينِ لتكُفَّ عنه ولا لتطاوِلَه ولا لتمنّيه السلامةَ والبقاءَ, ولا لتعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعا ، انظُرْ فإنْ نزلَ حسينٌ وأصحابُهُ على حكمي واستسلموا فابعثْ بهم إليَّ سلما ، وإنْ أبَوا فازحَفْ إليهم حتى تقتلَهُم وتمثِّلَ بهم ، فإنهم لذلك مستحقون !

 وإن قُتِلَ الحسينُ فأوطِئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ، فإنه عاتٍ ظلوم ! وليس أرى أن هذا يضرُّ بعد الموت شيئاً ، ولكن علي قولٍ قد قلتُهُ : لو قتلتُهُ لفعلتُ هذا به ، فإن أنتَ مضيتَ لأمرِنا فيه جزيناك جزاءَ السامع المطيع ، وإن أبيتَ فاعتزلْ عملنا وجُنْدَنا ، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناهُ بأمرِنا ، والسلام .)

أنساب الأشراف للبلاذري ج3 ص183 ، الارشاد للمفيد ص287 ، المنتظم لابن الجوزي ج5 ص337 ،  مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص150 ، وغيرها .

قال الكراجكي : ( وأما بنو السرج : فأولاد الذين أُسرِجَتْ خيلُه لدوس جسد الحسين ( عليه السلام ) ، ووصل بعضُ هذه الخيل إلى مصر ، فعُلِقَتْ نعالُها من حوافرِها وسُمِّرتْ على أبواب الدور ليُتَبَرَكَ بها ، وجرت بذلك السُنَّة عندهم حتى صاروا يتعمَّدون عَمَلَ نظيرِها على أبواب دور أكثرِهِم .) التعجب من أغلاط العامة 116 .

- ولكن نقل الكليني روايةً يظهر منها عدم حصول ذلك حيث روى بسندِهِ عن إدريس بن عبد الله الأودي قال : لما قُتِلَ الحسينُ عليه السلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل ، فقالت فضةُ لزينب : يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج إلى جزيرةٍ فإذا هو بأسد ، فقال : يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فَهَمْهَمَ بين يديه حتى وقف على الطريق والأسد رابضٌ في ناحية ، فدعيني أمضي إليه وأُعْلِمُهُ ما هم صانعون غدا ، قال : فمضت إليه فقالت : يا أبا الحارث! فرفع رأسه ثم قالت : أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبدِ الله عليه السلام ؟ يريدون أن يوطئوا الخيلَ ظهرَه ، قال : فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين عليه السلام ، فأقبلت ( الخيل ؟ ) فلما نظروا إليه قال لهم عمرُ بنُ سعد - لعنه الله - : فتنةٌ لا تثيروها انصرفوا ، فانصرفوا .) الكافي ج1 ص465 .

- علَّق العلامة المجلسي - بعدَ أنْ حكَمَ على سند الرواية بالجهالة ، ثم نقل روايةَ السيد ابن طاووس - قائلاً : ( وأقول : المعتمد ما رواه الكليني (ره) ويمكنُ أن يكونَ ما رواه السيدُ ادّعاءً من الملاعين، وذلك لإخفاء هذه المعجزة ، وكأنه لذلك قلَّلَ ولدُ الزنا جائزتهم لعلمه بكذبِهم ، وما فعله المختار لادعائهم ذلك وإن كان باطلا ، وإن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش وأفظع منه .) مرآة العقول ج5 ص371 - 372 .

أقول: وإدريس بن عبد الله الأودي إن كان هو الأزدي فهو من أصحاب الصادق عليه السلام كما نصّ عليه الطوسي ، وليس له توثيق ، وليس له في مجاميعنا الحديثية إلا هذا النقل ، والرواية مرسلة ، وبينه وبين الحادثة فاصلٌ كبير ، ونَقْلُهُ خلاف المشهور .

ولكن مع ذلك يمكن حملها على تعدد الحادثة ، إذ يظهر من حادثة وطئ الخيول صدر الإمام عليه السلام أنها حصلت في اليوم العاشر من محرم بعد مقتله مباشرة ، ورواية الكافي تنصّ على أن الأسد جاء في اليوم الحادي عشر لحراسة جسد أبي عبد الله الحسين عليه السلام حسب طلب فضة .

فإن أمكن هذا الحمل والجمع بين النقلين فبها، وإلا فالمشهور بين علمائنا والثابت تاريخياً أنّ الأمر قد وقع وحصلَ. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

2022/08/02
وجد نفسه وحيداً.. من خذل الإمام الحسين (ع)؟!
ورد أنَّ الإمام الحسين (ع) قال: عند قبر جدَّه رسول الله (ص) قبل خروجه من المدينة: "السلام عليك يا رسول الله أنا الحسينُ ابن فاطمة، فرخُك وابن فرختِك، وسبطُك، والثقلُ الذي خلَّفته في أمتِّك، فاشهد عليهم، يا نبيَّ اللّه! أنَّهم قد خذلوني، وضيّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك -صلّى اللّه عليك-".

[اشترك]

فمن خذل الإمام الحسين (ع) حينها؟

والحال أنَّه لم تصل إليه أخبار الكوفة بعدُ ولم يذهب إلى مكة أيضًا ليعرف أحوال الناس هناك، وبالتأكيد ليس المقصود من ذلك بني أُميَّة لأنهم لم يكونوا يومًا من أنصاره أو أنصار أخيه أو أبيه. فمن المقصود بقوله: "خذلوني وضيَّعوني".

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

الإمام الحسين (ع) هو الخليفة الشرعي لرسول الله (ص) بعد أبيه الإمام أمير المؤمنين (ع) وأخيه الإمام الحسن (ع) –بمقتضى مثل حديث الثقلين المتواتر وغيره- فكان على الأمَّة أنْ تُقِرَّ له بذلك وتُؤازره على ذلك، فكلُّ من لم يُقرَّ له بالإمامة ويُبايعه ويؤازره فهو ممَّن خذَله كما هو الشأن فيمَن لم يُبايع أمير المؤمنين (ع) بعد رسول الله (ص) وفيمَن لم يُبايع ويؤازر الإمام الحسن (ع) بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع).

وأساساً لم يكن الحسين (ع) بحاجة إلى أنْ يُعلنَ عن ثورته ونهضته المباركة لو لم تخذلْه الأمَّة وتنصرف عنه إلى غيره، فلو أنَّ الأمة بايعتْه على الإمامة كما أوصى بذلك رسولُ الله (ص) لانكفأ بنو أميَّة ولم تقم لهم دولة ولا كانت لهم سلطة وسطوة، لكنَّ الأمَّة تخاذلت عنه بل ومالَأ الكثيرُ منهم الأمويين فضيَّعوا بذلك وصيَّة رسول الله (ص) في أهل بيته (عليهم السلام). وهذا هو معنى: "فاشهدْ عليهم يا نبيَّ الله أنَّهم قد خذلوني وضيَّعوني".

ثم إنَّ الإمام الحسين (ع) -بعد استشهاد الإمام الحسن (ع) وبعد أنْ دعا معاوية الأمة إلى مبايعة يزيد بولاية العهد– أعلن عن رفضِه المطلق للقبول بولاية يزيد للعهد وتعرَّض للتهديد والضغط لكنَّه لم يرضخ(1)، وظلَّ عشر سنوات يُحرِّض الأمَّة على إعلان الرفض للقبول بولاية يزيدٍ للعهد لكنَّه لم يجد من الأمَّة استجابةً تُذكر، ولذلك تمكَّن معاوية من تمرير هذا المشروع، فما إنْ تُوُفِّيَ معاوية حتى صارت مقاليد الحكم بيد يزيد وبايعته الناس على ذلك ومَن لم يبايع كان على استعدادٍ للبيعة، وبلغ خذلان الأمة للإمام الحسين (ع) حدًّا بحيثُ صار هو مطالبًا بالبيعة ليزيد قسرًا وإلا فمآله القتل، وبعث إليه الوالي الأموي على المدينة وأخبره عن قرار القتل إنْ لم يُبايع(2). فهل يجرؤ الأمويُّون على ذلك لولا خذلان أهل الحجاز -المدينة ومكَّة-؟!

لذلك وجد الحسينُ (ع) نفسه وحيدًا في مدينة الرسول (ص) مع نفرٍ يسير من أنصاره وأهل بيته (ع) فاضطُرَّ للخروج منها إلى مكَّة محاولةً منه في استنهاض ما يُمكن استنهاضه من هذه الأمَّة، فخروجه من المدينة نشأ عن علمِه بخذلانهم له وضعفِهم عن الانتصار لحقِّه والاحتضان لنهضته، إذ أنَّه ظلَّ معهم عشر سنوات يستحثُّهم على التعبير عن رفضهم لولاية عهد يزيد لكنَّ الوهنَ والخلود للراحة والعافيَّة قد استولى عليهم.

ولهذا بثَّ شكواه لرسول الله (ص) فقال: "أنا الحسينُ بن فاطمة، فرخُك وابن فرختِك، وسبطُك، والثقلُ الذي خلَّفته في أمتِّك، فاشهد عليهم، يا نبيَّ اللّه! أنَّهم قد خذلوني، وضيّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك -صلّى اللّه عليك-"[3).

الهوامش: 1- اختيار معرفة الرجال –الطوسي- ج1 / ص258، الاحتجاج – الطبرسي- ج2 / ص21، الإمامة والسياسة –ابن قتيبة الدينوري- ج1 / ص208، 209، الكامل –ابن الأثير – ج3 / ص507، 511، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص250، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك –ابن الجوزي- ج5 / ص323، البداية والنهاية –ابن كثير- ج8 / ص157. 2- الأمالي –الصدوق- ص216، مثير الأحزان –ابن نما الحلي- ص13، الفتوح –ابن أعثم- ج5 / ص10. 3- مقتل الحسين –الخوارزمي- ص269، 270، الفتوح –ابن أعثم- ج5 / ص18.
2022/08/02
لماذا استجاب الإمام الحسين لأهل الكوفة؟
لماذا استجاب الإمام الحسين عليه السلام لأهل الكوفة وأرسل إليهم سفيره مع علمه بحالهم وأنهم سوف ينقلبون؟

يمكن الإجابة على هذا التساؤل بعدة إجابات:

1- أن الإمام الحسين عليه السلام لم يستجب إلى القوم مباشرة بعد وصول كتب أهل الكوفة إليه، وإنما أرسل إليهم سفيره الثقة الجليل ابن عمه: مسلم بن عقيل رضوان الله عليه لاستطلاع الأمر، والوقوف على حقيقة الحال، وأمره أن يكتب إليه بما يراه، فلما جاءه كتاب مسلم بن عقيل بأنه قد بايعه ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة، وحثه على القدوم توجَّه الإمام عليه السلام إلى الكوفة.

2- أن الأئمة عليهم السلام ـ ومنهم الإمام الحسين عليه السلام ـ إنما يتصرفون بحسب ظاهر الأحوال، لا بحسب علمهم بالواقع، ولذلك استجاب إليهم الإمام الحسين عليه السلام لما بايعوه على النصرة، وعاهدوه على الموت دونه، وعلمه عليه السلام بواقع الحال لا يجعله يترك ما يجب عليه ظاهراً. 

3- أن الإمام الحسين عليه السلام لم يكن له مفر من الذهاب إلى الكوفة؛ لأن والي مكة وهو محمد بن سعيد الأشدق بعث عشرين رجلاً من جلاوزته لقتل الحسين عليه السلام، وقال لهم: (اقتلوا الحسين ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة)، فدار الأمر بين الذهاب إلى الكوفة التي فيها أنصار له عليه السلام رغم قلتهم، وبين الذهاب إلى بلاد أخرى لا أنصار له فيها، فكان الإمام الحسين عليه السلام مضطراً في خروجه من المدينة ومكة، كما قال الشاعر:

مثل ابن فاطمة يبيت مشرداً         ويزيد في لذاته متنعم

ويضيق الدنيا على ابن محمد       حتى تقاذفه الفضاء الأعظم

خرج الحسين من المدينة خائفاً        كخروج موسى خائفاً يتكتم

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها      وبه تشرفت الحطيم وزمزم

لم يدر أين يريح بدن ركابه      فكأنما المأوى عليه محرم

4- أن أهل الكوفة كتبوا إلى الإمام الحسين عليه السلام أنه قد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وإنما تقدم على جند لك مجند. وكتب إليه بعضهم أنه إذا لم تقدم إلينا فإنك آثم. وقد وصلت إلى الإمام الحسين مئات الكتب تحثه على القدوم إلى الكوفة، ولو كتب إليهم الإمام الحسين عليه السلام (أني أعلم أنكم لن تفوا بما جاءت به كتبكم، وأنكم ستنقلبون علي وتقاتلونني)، لما قبل ذلك منه أحد، ولكانت حجته ضعيفة وحجتهم في رفض بني أمية داحضة. فلأجل ذلك كان على الإمام الحسين عليه السلام أن يستجيب لهم ليتبين الصادق من الكاذب.

2022/08/01
تجلسون وتتحدثون: مجالس يحبها أهل البيت (ع)
لقد دأب الأئمة الأطهار عليهم السلام على إقامة المآتم الحسينية وحث شيعتهم على إقامتها كلما جاء شهر محرم الحرام، أو سنحت للإمام عليه السلام فرصة لبعث هذه القضية من جديد في نفوس الشيعة الذين كانوا يختلفون على الإمام عليه السلام.

[اشترك]

فيغتنم الإمام عليه السلام دخول بعض شعراء الشيعة عليه، ليأمره بإنشاد ما قاله في رثاء الحسين عليه السلام، بعد أن يضرب الإمام عليه السلام ستراً، ويدعو النساء العلويات لحضور هذا المجلس الحسيني المصغر الذي لم يكن يتاح للإمام عليه السلام أن يقيم سواه، حتى يبكي الإمام عليه السلام ويعلو صياح النساء من خلف الستر.

ولا ريب في أن من تعظيم شعائر الله إقامة المجالس الحسينية التي بها يتحقق إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام والدعوة لهم، فإن الإمام الصادق عليه السلام سأل الفضيل قائلاً: تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم، جعلت فداك. فقال عليه السلام: تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا يا فضيل، من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.

ولكي تتحقق الأهداف المرجوة من إقامة المجالس الحسينية ينبغي بذل المزيد من العناية لرعاية تلك المجالس ودعمها ماديا ومعنوياً وبالوسائل المختلفة، كالمساهمة المادية الفاعلة فيها، والمشاركة في تنظيمها، وتهيئة الموارد اللازمة لإنجاحها، وأقل ما يقوم به المؤمن لإحياء هذه المجالس هو المداومة على حضورها، وحث إخوانه المؤمنين على ارتيادها، فإن ذلك إحياء لها بالدرجة الأساس، مع ما في ذلك من حث المؤمنين الآخرين على حضورها والاهتمام بها، وتحفيز القائمين عليها لبذل المزيد في جهتها، وتشجيع الخطيب على مزيد العناية بالمادة العلمية التي يلقيها على مسامع الحضور.

2022/08/01