عاشوراء والأربعين

ما هي فوائد وآثار المآتم والمجالس الحسينية؟
اهتم أئمة أهل البيت الأطهار عليهم السلام اهتماماً كبيراً بإقامة المآتم الحسينية، وإحياء واقعة عاشوراء في كل سنة، فهم أول من أقاموا العزاء والمآتم على مصيبة سيد الشهداء عليه السلام.

[اشترك]

 كما ورد عنهم روايات متواترة في الترغيب والتحريض والحث على إقامة العزاء والندب على مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وعلى البكاء والإبكاء، وعلى إنشاد الشعر في مدحهم ورثائهم، وعلى تذاكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، وعلى زيارته راكباً وماشياً، فإن ذلك كله من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهو من مصاديق تعظيم الشعائر كما في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

وقد كان أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام يقيمون عليه العزاء، ويحيون واقعة عاشوراء، ويحثون أصحابهم على إظهار الحزن ولبس السواد وإقامة المآتم كي تبقى حادثة كربلاء حيّة في وجدان الناس وذاكرتهم.

روى الشيخ الصدوق بإسناده: عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه السلام قال: «إنَّ المُحَرَّمَ شَهرٌ كانَ أهلُ الجاهِلِيَّةِ يُحَرِّمونَ فيهِ القِتالَ، فَاستُحِلَّت فيهِ دِماؤُنا، وهُتِكَت فيهِ حُرمَتُنا، وسُبِيَ فيهِ ذَرارِيُّنا، ونِساؤُنا، واُضرِمَتِ النّيرانُ في مَضارِبِنا، وَانتُهِبَ ما فيها مِن ثَقَلِنا، ولَم تُرعَ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حُرمَةٌ في أمرِنا.

إنَّ يَومَ الحُسَينِ عليه السلام أقرَحَ جُفونَنا، وأسبَلَ دُموعَنا، وأذَلَّ عَزيزَنا، بِأَرضِ كَربٍ وبَلاءٍ أورَثَتنَا الكَربَ وَالبَلاءَ، إلى‏ يَومِ الانقِضاءِ، فَعَلى‏ مِثلِ الحُسَينِ عليه السلام فَليَبكِ الباكونَ، فَإِنَ‏ البُكاءَ يَحُطُّ الذُّنوبَ العِظامَ».

ثُمَّ قالَ عليه السلام: «كانَ أبي صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ إذا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لا يُرى‏ ضاحِكاً، وكانَتِ الكَآبَةُ تَغلِبُ عَلَيهِ حَتّى‏ يَمضِيَ مِنهُ عَشَرَةُ أيّامٍ، فَإِذا كانَ يَومُ العاشِرِ كانَ ذلِكَ اليَومُ يَومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ، ويَقولُ: هُوَ اليَومُ الَّذي قُتِلَ فيهِ الحُسَينُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ».

وعن أبي عمارة المنشد قال: «ما ذُكِرَ الحُسَينُ عليه السلام عِندَ أبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام في يَومٍ قَطُّ، فَرُئِيَ أبو عَبدِ اللَّهِ عليه السلام مُتَبَسِّماً في ذلِكَ اليَومِ إلَى اللَّيلِ، وكانَ عليه السلام يَقولُ: الحُسَينُ عليه السلام عَبرَةُ كُلِّ مُؤمِنٍ».

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «ما مِن رَجُلٍ ذَكَرَنا أو ذُكِرنا عِندَهُ، فَخَرَجَ مِن عَينَيهِ ماءٌ ولَو قَدرَ مِثلِ جَناحِ البَعوضَةِ إلّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيتاً فِي الجَنَّةِ، وجَعَلَ ذلِكَ حِجاباً بَينَهُ وبَينَ النّارِ».

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «مَن أنشَدَ فِي الحُسَينِ عليه السلام فَأَبكى‏ عَشَرَةً فَلَهُ الجَنَّةُ، ثُمَّ جَعَلَ يَنقُصُ واحِداً واحِداً حَتّى‏ بَلَغَ الواحِدَ، فَقالَ: مَن أنشَدَ فِي الحُسَينِ عليه السلام فَأَبكى‏ واحِداً فَلَهُ الجَنَّةُ، ثُمَّ قالَ: مَن ذَكَرَهُ فَبَكى‏ فَلَهُ الجَنَّة».

وروى الشيخ الطوسي عن معاوية بن وهب عن جعفر بن محمّد [الصادق‏] عليه السّلام‏ قال: «كُلُّ الجَزَعِ وَالبُكاءِ مَكروهٌ، سِوَى الجَزَعِ وَالبُكاءِ عَلَى الحُسَينِ عليه السّلام، فَإِنَّهُ فيهِ مَأجورٌ».

وروى الشيخ الصدوق عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن الرضا عليه السّلام قال: «مَن تَذَكَّرَ مُصابَنا فَبَكى‏ وأبكى‏، لَم تَبكِ عَينُهُ يَومَ تَبكِي العُيونُ».

وروى الشيخ الصدوق عن الريان بن شبيب عن الرضا عليه السّلام قال: «إن كُنتَ باكِياً لِشَي‏ءٍ فَابكِ لِلحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم السّلام، فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَما يُذبَحُ الكَبشُ، وقُتِلَ مَعَهُ مِن أهلِ بَيتِهِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ما لَهُم فِي الأَرضِ شَبيهونَ».

والروايات في الحث على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام وإقامة العزاء عليه والرثاء والزيارة متواترة، وكلها تؤكد على أهمية إحياء قضية عاشوراء وإقامة المآتم الحسينية حتى تبقى قضية الإمام الحسين عليه السلام باقية على مرّ الأزمان وتعاقب الأجيال.

وقد استمرت إقامة المآتم والمجالس الحسينية من عصر الأئمة الأطهار وحتى عصرنا الحاضر، فلم تتوقف في سنة من السنين رغم كل الظروف والأحداث التاريخية المؤلمة، بل بقيت متواصلة ومستمرة وفاءً لرسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار، وتحمل القائمون على تلك المآتم والمجالس في بعض الحقب التاريخية الكثير من الأذى والألم ولكنهم صبروا وتحملوا حتى تبقى تلك المآتم والمجالس مستمرة.

فوائد وآثار المجالس الحسينية

للمآتم والمجالس الحسينية - بالإضافة للأجر والثواب الجزيل - فوائد وآثار متعددة، نوجزها في النقاط الآتية:

1. إحياء قيم وأهداف النهضة الحسينية:

إن إقامة المآتم الحسينية فيها إحياء لقيم وأهداف النهضة الحسينية، واستذكار لقيم الفضيلة والأخلاق والعطاء والبذل والتضحية والإصلاح وغيرها من قيم وأهداف نهضته المباركة.

وإقامة المآتم الحسينية هو الذي حافظ على جذوة وشعلة النهضة الحسينية مشتعلة ووقادة، فبقيت حيّة في الوجدان الشعبي، ومغروسة في ذاكرة الناس، فما إن يأتي شهر محرم حتى يكتسي المؤمنون لباس السواد، ويتهيؤون للذهاب إلى المجالس الحسينية والمشاركة فيها، فهذه المجالس محبوبة ومحثوث عليها من قبل أهل البيت عليهم السلام، وقد عبّر الإمام الصادق عليه السلام عن محبته لها، فقد ورد عَنِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ لِفُضَيْلٍ: «تَجْلِسُونَ وَتُحَدِّثُونَ؟».

قَالَ: نَعَمْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ: «إِنَّ تِلْكَ الْمَجَالِسَ أُحِبُّهَا، فَأَحْيُوا أَمْرَنَا يَا فُضَيْلُ، فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْلُ مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِثْلُ جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ».

وعن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الرِّضَا عليه السلام: «مَنْ‏ جَلَسَ‏ مَجْلِساً يُحْيَا فِيهِ أَمْرُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ‏».

ومعنى إحياء أمرهم ذكر مصائبهم وفضائلهم وأحوالهم، ونشر أخبارهم وسيرتهم وعلومهم، وحفظ آثارهم وتراثهم الديني والعلمي، وتعريف الناس بنهجهم ومنهاجهم.

2. نشر ثقافة الإسلام:

من فوائد المآتم الحسينية نشر ثقافة الإسلام بما يحتويه من عقائد وأحكام وعبادات ومعاملات ومفاهيم وغيرها، فالمآتم والمجالس الحسينية عبارة عن مدرسة يستفيد منها مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، إذ يحضر فيها الشيوخ والشباب، المراهقون والأطفال، الرجال والنساء، المتعلم وغير المتعلم، الغني والفقير، فالكل يحضر في مآتم الإمام الحسين عليه السلام، ومن خلالها ينهلون مما يطرح على المنبر الحسيني من مواضيع دينية مختلفة، وقضايا أخلاقية واجتماعية وتربوية وثقافية وعلمية وفقهية وغيرها.

وهذا ما يحمل الخطباء مسؤولية كبيرة، فالمنبر الحسيني رسالة ومسؤولية وأمانة، لذا يجب أن يرتقي الخطيب في خطابه المنبري في هذا العصر مع المستوى العلمي المتقدم للناس، وأن تكون محتويات المواضيع محل البحث وفق المنهج العلمي الرصين حتى يكون الخطيب مفيداً ومؤثراً في المستمعين له.

3. الجمع بين العقل والعاطفة:

المآتم الحسينية تجمع بين العقل والعاطفة، فما يلقى فيها من محاضرات مكثفة خلال عشرة أيام أو تزيد في شهر محرم من كل عام، وفي غيره من الشهور، وما تحتويه تلك المحاضرات من تنوع فكري وثقافي وعقائدي وأخلاقي واجتماعي وتربوي تشكل مخزوناً ثقافياً متنوعاً يثير العقول ويحرك قوى التفكير عند الإنسان الواعي.

ومن جهة أخرى تحتوي المآتم الحسينية على الرثاء والنعي الذي يهيج المشاعر، ويوقظ العواطف، ويبكي العيون، وهذه الحالة العاطفية لها تأثير كبير على روح الإنسان وقلبه، فقد يتغير مسار إنسان بسبب الحالة العاطفية من المعصية إلى الطاعة، وقد يتوب الشاب المنحرف بفعل التأثير العاطفي في المجالس الحسينية؛ فالمآتم تجمع بين العقل والعاطفة في آن واحد.

وقد كان الإمام الصادق عليه السلام يحث أصحابه على إنشاد الشعر والرثاء في الإمام الحسين عليه السلام، فعن زيد الشحّام قال: كُنّا عِندَ أبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام ونَحنُ جَماعَةٌ مِنَ الكوفِيّينَ، فَدَخَلَ جَعفَرُ بنُ عَفّانَ عَلى‏ أبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَرَّبَهُ وأدناهُ، ثُمَّ قالَ: «يا جَعفَرُ!» قالَ: لَبَّيكَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِداكَ، قالَ: «بَلَغَني أنَّكَ تَقولُ الشِّعرَ فِي الحُسَينِ عليه السلام وتُجيدُ»، فَقالَ لَهُ: نَعَم، جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِداكَ! فَقالَ: «قُل»، فَأَنشَدَهُ [فَبَكى‏]عليه السلام ومَن حَولَهُ حَتّى‏ صارَت لَهُ الدُّموعُ عَلى‏ وَجهِهِ ولِحيَتِهِ.

ثُمَّ قالَ: «يا جَعفَرُ! وَاللَّهِ، لَقَد شَهِدَكَ مَلائِكَةُ اللَّهِ المُقَرَّبونَ، هاهُنا يَسمَعونَ قَولَكَ فِي الحُسَينِ عليه السلام، ولَقَد بَكَوا كَما بَكَينا أو أكثَرَ، ولَقَد أوجَبَ اللَّهُ تَعالى‏ لَكَ - يا جَعفَرُ- في ساعَتِهِ الجَنَّةَ بِأَسرِها، وغَفَرَ اللَّهُ لَكَ».

فَقالَ: «يا جَعفَرُ! ألا أزيدُكَ؟».

قالَ: نَعَم يا سَيِّدي.

قالَ: «ما مِن أحَدٍ قالَ فِي الحُسَينِ عليه السلام شِعراً فَبَكى‏ وأبكى‏ بِهِ، إلّا أوجَبَ اللَّهُ لَهُ الجَنَّةَ وغَفَرَ لَهُ».

وقد قال الإمام الحسين عن نفسه بأنه قتيل العبرة، فقد ورد في كامل الزيارات عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه [الصادق‏] عن الحسين عليهما السلام قال: «أنَا قَتيلُ العَبرَةِ، لا يَذكُرُني مُؤمِنٌ إلَّا استَعبَرَ».

وإضافة كلمة «قتيل» إلى «العبرة» هي من باب إضافة السبب إلى المسبّب، فإنّ جملة «أنا قَتيلُ العَبَرةِ» تعني أنّ قتلي سبب للبكاء وإهمال الدموع.

يقول العلّامة المجلسي في إيضاح الجملة المذكورة: «أنا قَتيلُ العَبَرةِ» أي ‏قتيلٌ منسوبٌ إلى العبرة والبكاء وسببٌ لها. أو اُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال. والأوّل أظهر.

وتشير كلمة الإمام «أنا قتيل العبرة» إلى ظاهرة اجتماعيّة وتاريخيّة مهمّة، وهي أنّ مقتل أيّ شخص لم يكن ولن يكون محزناً ومبكياً طيلة التاريخ‏ كمقتل سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام؛ فقد قتل طوال التاريخ أناس كثيرون ولم يبكِ عليهم أحد، أو بكي عليهم لفترة محدودة من الزمن، أو بكت عليهم من لهم علاقة نسب أو سبب بهم، أما أن يستمر البكاء لقرون من الزمن فهذا أمر لم يحدث ولن يحدث إلا للإمام الحسين عليه السلام، وقد أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله إلى ذلك بقوله: «إنَّ لِقَتلِ الحُسَينِ حَرارَةً في قُلوبِ المُؤمِنينَ لا تَبرُدُ أبَداً».

4. محطة لتلاقي المؤمنين:

من فوائد المجالس الحسينية أيضاً: تلاقي المؤمنين مع بعضهم البعض واجتماعهم المتكرر في المآتم في كل يوم، وهذا الأمر يقوي العلاقات البينية بين المؤمنين، ويشيع بينهم روح المحبة والمودة والتآلف والانسجام، وهذا مما يشجع عليه الإسلام ويدعو إليه.

والمجالس الحسينية من مجالس الذكر التي ينبغي المداومة عليها، لما روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنه قال: «علَيكَ بمَجالِسِ الذِّكْرِ».

واجتماع المؤمنين مع بعضهم البعض في المجالس الحسينية أمر راجح في نفسه ومطلوب لما فيه من فوائد عديدة، لما روي عن الإمام الصّادق عليه السلام قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «إذا رأيتُم رَوضةً من رياضِ الجنّةِ فارْتَعوا فيها».

قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وما رَوضةُ الجنّةِ؟

فقالَ: «مَجالِسُ المؤمنينَ».

وأما المجالس التي لا يذكر فيها اسم الله عزّ وجلّ، ولا يذكر فيها فضائل أهل البيت عليهم السلام ومصائبهم، فلا خير فيها، وقد روي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنه قال: «ما اجْتَمعَ قومٌ في مَجلسٍ لَم يَذْكُروا اللَّهَ ولَم يَذْكُرونا إلّا كانَ ذلكَ المَجلسُ حَسْرةً علَيهِم يَومَ القيامةِ».

5. تنشيط العمل التطوعي:

في شهر محرم الحرام يتفاعل الناس مع الأعمال التطوعية في خدمة مجالس أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فمن فوائد المجالس الحسينية تنشيط العمل التطوعي في المجتمع؛ فنجد إقبال الجميع على خدمة المجالس والمآتم من دون مقابل، بل والتسابق على فعل ذلك، فتجد من ينشط في إعداد وجبات الطعام، وتجد من يقوم بتقديم الطعام والشراب للمؤمنين، ومنهم من يقوم بتنظيف المكان وصيانته، ومنهم من يساهم في الاستقبال والتوديع... إلى آخر ما هنالك من أعمال تطوعية متنوعة.

إن الإنسان المؤمن يشعر بالشرف والسعادة عندما يساهم بأي عمل تطوعي في خدمة الإمام الحسين عليه السلام، ويشعر بالفخر عندما يسمى بخادم الإمام الحسين عليه السلام، لأنه ساهم بتقديم ولو شيء بسيط في قضية النهضة الحسينية المباركة.

وبالإضافة إلى النقاط المذكورة فإن للمجالس والمآتم الحسينية الكثير من الآثار الروحية والمعنوية التي لا تخفى، ونزول البركة، واستنزال الخير والتوفيق لكل من أخلص عمله لله تعالى، وواسى رسول الله صلى الله عليه وآله في سبطه وأهل بيته الأطهار.

2022/07/31
وصايا ’ السيد السيستاني’ للخطباء والمبلغين
بمناسبة حلول شهر محرم الحرام، يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر وصايا المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله للخطباء والمبلغين:

[اشترك]

وصايا المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين بمناسبة قرب حلول شهر المحرّم الحرام عام 1441هـ

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد خاتم النبيّين وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

السلام على بقيّة المصطفين من خلقه وخليفته على عباده إمام العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).

السلام على الحسين بن علي (عليه السلام) سيّد شهداء هذه الأمّة والـمَثل الأعلى في التضحية والفداء  والنبل والبسالة والعزّة وجميع المعاني السامية الإلهيّة والإنسانيّة، وعلى أولاده وأصحابه وأهل بيته أجمعين.

وبعد: فإنّه يقبل علينا عن قرب شهر المحرّم الحرام ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) والصفوة من أهل بيته وأصحابه الكرام، وهي ذكرى لأعظم حدث يمثّل مظلوميّة أهل بيت النبيّ (صلوات الله تعالى عليهم) في هذه الأمّة، وذلك بالرغم من كونهم العترة المصطفاة وعِدل القرآن الكريم ووصيّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقد أُزيحوا عن مواقعهم التي رتّبهم الله سبحانه فيها وحيل بينهم وبين ريادة الأمّة وقيادتها، بل تمّ اضطهادهم وقتلهم جراء عدم خضوعهم للظلم والباطل والمنكر، ودعوتهم إلى العدل والحقّ والمعروف.

وتُمثّل هذه الذكرى مبلغ تضحية أهل البيت (صلوات الله تعالى عليهم) في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته وتحكيم مبادئ الرشد والحكمة والعدل والمعروف، وهو غاية إرسال الأنبياء (عليهم السلام)، كما قال تعالى: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ] (الحديد: 25).

وقد أوصى أئمّة الهدى (عليهم السلام) بإحياء هذه الذكرى من خلال إقامة مجالس العزاء فيها واستذكار ما جرى عليهم من المصائب والمآسي ليكون عِبرةً وعَبرةً للمؤمنين، فكان حقّاً على المؤمنين كافّةً الاهتمام بإقامة هذه المجالس والحضور فيها والحزن معهم (صلوات الله عليهم) في أيّام حزنهم امتثالاً لوصيّتهم وعملاً بما أُمروا به من مودّتهم ومواساةً معهم، فإنّ في ذلك صلاح دينهم ودنياهم، ولينزّل كلّ واحد منهم ما وقع على أهل البيت (عليهم السلام) منزلة ما لو وقع شيء من ذلك عليه وعلى أعزّته وأسرته رحمةً ومحبّةً وحزناً وخشوعاً، فإنّ الله تعالى ورسوله وأهل بيته (صلوات الله عليهم) أعزّ على المؤمن من نفسه وأهله.

كما ينبغي للمبلّغين الاهتمام بذكر هذه المصائب ولا سيّما في أيّام شهر المحرّم، لتكون شعار تلك المجالس ووجهها، فإنّها أساسها ومنطلقها، وبها تخشع قلوب المؤمنين، وتُستنزل بركات الله سبحانه على أهلها بتقوية إيمانهم وترسيخ عقيدتهم وحثّهم على أعمال البرّ والخير.

وقد أصبحت ذكرى فاجعة الطفّ مناراً لذكر الله سبحانه وذكر أوليائه وسبباً موجباً لحياة الدين وحفظ تعاليمه وقيمه في نفوس أتباع أهل البيت (صلوات الله تعالى عليهم) وسائر المسلمين.

فكان ذلك فرصةً لأهل العلم (وفّقهم الله سبحانه) لأداء وظيفتهم في التبليغ والدعوة إلى الله تعالى والتذكير بمحلّهم (عليهم السلام) في الدين وفي الأسوة والقدوة.

وتلك سنّةٌ حسنةٌ يجب الحفاظ عليها وصيانتها وتحرّي الحكمة في شأنها وحسن الانتفاع بها في أداء مقاصد الدين وبيان مكانة أهل البيت (سلام الله عليهم).

ومن الـحِكَم الراشدة التي ينبغي رعايتها ـ لأهل العلم المبلّغين وسائر العاملين في هذا الشأن كالشعراء والرواديد في مقام أداء هذه الوظيفة الشريفة ـ ما يلي:

(الحكمة الأولى): الاهتمام بالقرآن الكريم في الخطاب اهتماماً أكيداً، فإنّه رسالة الله سبحانه إلى الخلق كافّة وثقله الأكبر في هذه الأمّة وميزان الحقّ والباطل، وقد أنزله الله سبحانه هدىً ونوراً وبصائر للناس، وهو ذكر مبارك وحكيم، وإنّما كانت سيرة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وتضحياتهم تطبيقاً لتعاليمه وامتثالاً لها، فينبغي أن يكون هو واجهة الخطاب ووجهه ويكون ذكر ما سواه في ظلّه وتحت لوائه.

(الحكمة الثانية): تضمين الخطاب ـ حيث يقتضي المقام بنحوٍ ما ـ ما يثبت أصول العقيدة الحقّة ودلائلها المحكمة من أدلّة قويّة ووجدانيّة بأساليب ميسّرة وقريبة من الفهم العامّ، كما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبويّة وآثار العترة الطاهرة، وذلك لمزيد ترسيخها في نفوس الناس ودفع الشكّ والشبهة عنها بما يزيح تلك الشبهة عنها ويزيل وهن التقليد والتلقين فيها، وذلك كأن يذكر المبلّغ ضمناً دلائل وجود الله سبحانه من روائع الكون وعجائب الخلقة ممّا يشهده الإنسان بوجدانه أو يطّلع عليه من خلال الأدوات والحقائق العلميّة، ودلائل صدق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحقّانيّة هذه الرسالة ممّا جاء في القرآن الكريم وتضمّنته شواهد التاريخ وثوابته الواضحة.

وليذكّر المبلّغ تذكيراً مؤكّداً بالدار الآخرة وأهمّيّتها حيث يؤتى كلّ امرئ بصحيفة أعماله في هذه الحياة وتوضع موازين القسط ليوم القيامة فيكون لكلّ امرئٍ ما سعى إليه من خصال وأعمال فيجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا الحسنى.

وليذكر في ذلك مثالاً ممّا ورد في بيان ذلك في القرآن الكريم ومحاسن أقوال النبيّ وعترته (صلوات الله عليهم) ممّا جاء في هذه المقامات.

وفي خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة مَثَل أعلى لما ينبغي أن يشتمل عليه الخطاب، حيث إنّه (عليه السلام) يبدأ بذكر الله سبحانه وآياته في الخلق ويذكّر الناس بحقّه العظيم عليهم بخلقه لهم وإنعامه عليهم، ويصف رسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بما اشتملت عليه من دلائل ومعانٍ، ويصف الدار الآخرة وصفاً يستحضرها به المخاطَبون حتّى كأنّها نصب أعينهم، ويذكر مكانة أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الأمّة وامتيازهم كما يصف وجوهاً من الحكمة والقيم الفاضلة تزيد في الرشد وتساعد على التربية الاجتماعيّة القويمة والصالحة، ولذكر ذلك كلّه مراتب حسب اقتضاء المقام.

كما أنّ في أدعية الصحيفة السجّاديّة الشريفة مَثَل أعلى لما يمكن أن يذكره المبلّغ في خاتمة خطابه فيقتبس فقرة منها ويدعو بها ليستحضر الناس الأدعية البليغة لأئمّة الهدى (صلوات الله تعالى عليهم).

(الحكمة الثالثة): الاهتمام ببيان التعاليم والقيم الفطريّة السامية الإلهيّة والإنسانيّة المتمثّلة في دعوة النبيّ وعترته (صلوات الله عليهم) وفي ممارساتهم وحياتهم، وتوضيح محلّهم في الأسوة والاقتداء.

فإنّ النبيّ والمصطفين من عترته (صلوات الله عليهم) هم أعلام الهدى والمثل الأعلى لهذه الأمّة في تجسيد تعاليم القرآن الكريم وقيمه الفطريّة من حيث التعلّق بالله سبحانه وعبادته، وكمال التعقّل والرشد وإيتاء الحكمة، والتحلّي بالقيم الأخلاقيّة كالعدل والصدق والإحسان والوفاء بالعهد والإنابة والعفاف وحسن الخلق.

وذلك لأنّهم (صلوات الله عليهم) قد نذروا نفوسهم الشريفة لهذه الغاية وضحّوا بحياتهم في سبيلها، ومن ثَمّ ينبغي عرض أصول هذه التعاليم والقيم من خلال القرآن الكريم مقروناً بما يتمثّل منها في محاسن أقوالهم ومكارم أخلاقهم وسيرتهم حتّى شهادتهم والتنبيه على مقتضياتها في العصر الحاضر.

فإنّ ذلك أوفى ببيان شخصيّتهم ومقاصدهم التي ضحّوا من أجلها مع ما فيه من القيام بوظيفة الدعوة الإلهيّة إلى الله تعالى.

وقد جعل الله سبحانه المصطفين في كلّ أمّة قدوةً لسائر أفرادها وأسوةً لآحادها وحجّةً على مَن تخلّف منها، كما قال عن عيسى بن مريم (عليه السلام): [وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ] (الزخرف: 59)، فكان النبيّ وعترته (صلوات الله تعالى عليهم) هم الحجّة على هذه الأمّة والأسوة فيها، كما قال تعالى: [لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا] (الأحزاب: 21)، وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض كلامه لبعض ولاته بعد وصف زهده عن الدنيا: ((أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ)) (نهج البلاغة ص:417).

وعلى الإجمال فإنّه لا بدّ من تركيز المبلّغين والدعاة على عناصر الرشد والحكمة والأخلاق في أقوالهم ومسيرتهم (صلوات الله عليهم) واستنطاقها عنها والاهتمام بإيضاحها والدعوة إلى وعيها واتّباعها والتأسّي بها بما يلائم مقتضياتها في الزمان الحاضر.

وليسعَ الشعراء إلى تضمين قصائدهم حول أهل البيت (صلوات الله تعالى عليهم) المعاني الراشدة والمذكّرة والحكيمة والفاضلة ليساعد في تنمية العقل وتحفيز الرشد وتحريك الضمير وتفعيل الفطرة ومزيد الاعتبار، اقتفاءً بكتاب الله سبحانه وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) وآثار عترته الطاهرين (عليهم السلام) ولأنّ ذلك هو السياق المناسب لعرض سيرة الأئمّة (صلوات الله عليهم) وتضحياتهم وما جرى عليهم، فإنّ للشعر البليغ جمالاً بالغاً وأثراً كبيراً في النفوس وقدرة فائقة على تأجيج المشاعر وتهييجها، فينبغي الانتفاع به على الوجه الأمثل للغايات الراشدة والنبيلة.

(الحكمة الرابعة): بيان وصاياهم (صلوات الله عليهم) الخاصّة إلى أتباعهم ومحبّيهم، وذلك أنّ لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ـ مضافاً إلى بياناتهم للأحكام وتوصياتهم العامّة للمسلمين وتأكيدهم على أهمّيّة الاهتداء إلى محلّ أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الأمّة واصطفائهم منها ـ وصايا خاصّة لمحبّيهم وأتباعهم، فينبغي الاهتمام بإيصالها إليهم حتّى يتأدّبوا بآدابهم وتكون أعرافاً راسخةً في أوساطهم.

وتؤكّد تلك الوصايا على الالتزام العمليّ بتعاليم دينهم والتوادّ بينهم والسعي إلى التحلّي بخصالهم (صلوات الله عليهم) ومكارم أخلاقهم حتّى مع المختلفين في الدين والمذهب فضلاً عن المشتركين فيهما، كقول الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ((عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى الخير بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا)) (الكافي ج:2 ص:77).

وفي الحديث عن جابر الجعفيّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قل لي: ((يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلّا بالتواضع، والتخشّع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء في عشائرهم في الأشياء))، وقال (عليه السلام): ((يا جابر، لا تذهبنّ بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليّاً وأتولّاه، ثمّ لا يكون مع ذلك فعالاً، فلو قال إنّي أحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرسول الله خير من علي ثمّ لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر، والله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلّا بالعمل الورع)) (الكافي ج:2 ص:74).

وفي الحديث عن معاوية بن وهب قال: قلت له (عليه السلام): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟ قال: ((تنظرون إلى أئمّتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنّهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدّون الأمانة إليهم)) (الكافي ج:2 ص:636).

وفي حديث آخر: ((ما أيسر ما رضي به الناس عنكم، كفّوا ألسنتكم عنهم)) (الكافي ج:8 ص:341).

(الحكمة الخامسة): أن يحذر المبلّغ في بيان أهمّيّة العقائد الحقّة ومسلّمات مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم) في شأن مقاماتهم الشريفة من أن يوهن أهمّيّة الطاعات ويهوّن المعاصي في أعين الناس، فإنّ أمر المؤمن لن يصلح إلّا بالخوف والرجاء، فلا بدّ من حفظ المؤمن للموازنة بينهما في نفسه وفي شأن الآخرين، ولا تأمين في الدين لأحد في ارتكاب شيء من المعاصي عدا اللمم، وهي ما يتّفق من المرء أحياناً من معصية غير كبيرة ثمّ ينتبه ويؤوب إلى الله تعالى، وعلى المبلّغ الفطن أن لا يؤمن الناس من عقاب الله تعالى على معصيته، ولا يؤيسهم من رجائه وعفوه وشفاعة أوليائه بإذنه سبحانه فيما إذا نصحوا له وآبوا إليه، وليذكروا ويذكّروا بمثل قوله سبحانه: [وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا] (الأنبياء: 90)، وقوله تعالى: [وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى] (النجم: 39 ـ 41)، وقوله عزّ وجلّ: [لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا] (النساء: 123)، وقد تقدّم من أحاديث أهل البيت (صلوات الله تعالى عليهم) ما يؤكّد ذلك.

(الحكمة السادسة): تجنّب طرح ما يثير الفرقة بين المؤمنين والاختلاف فيهم، والاهتمام بالحفاظ على وحدتهم وتآزرهم والتوادّ بينهم.

ومن وجوه ذلك تجنّب التركيز على جهات التمايز بينهم مثل اختلافهم في التقليد وفيما يختلف المجتهدون فيه من تفاصيل بعض المعتقدات، بل كلّ خلاف بينهم لا يـُخرِج بعضهم عن التمسّك بالكتاب والعترة حتّى لو نشأ عن الاختلاف في درجات إيمانهم أو بصيرتهم أو التزامهم أو رشدهم، بل حتّى لو كان عن زلّة صادرة من بعضهم.

ولا ينبغي إشهار الزلّة والتشهير بصاحبها فإنّ في ذلك ما يؤدّي إلى مزيد اشتهارها، وإلى إصرار صاحبها ومن قد يتأثّر به عليها، ويوجب وهن الحقيقة التي يُراد الحفاظ عليها فضلاً عن عدم جواز التشهير بالمؤمن وتسقيطه بزلّة صدرت منه لا سيّما فيما أوحى ذلك بعدم تقدير سائر خصائصه ومزاياه، ورُبّ زلّة خمدت بالسكوت عنها وترك ذكرها، واتّقدت ببيانها والحديث عنها، ورُبّ صمت عن شيء خير من كلام.

ثمّ الحذر الحذر من إخراج بعض أهل الإيمان بتأوّل أو شبهة أو قول عن الدين بعد إقراره الصريح بالشهادتين، أو عن الانتماء إلى مذهب أهل البيت (عليه السلام) بعد الإذعان الواضح باصطفائهم (عليهم السلام) من هذه الأمّة كاصطفاء سلالات الأنبياء في الأمم السابقة للإمامة والحكم والعلم، فمن فعل ذلك فقد خالف سيرتهم وشقّ صفوف أوليائهم وأتباعهم وباء بخطأ عظيم.

بل ينبغي تجنّب ما يثير الفرقة بين المسلمين ويوجب الضغينة وسوء الظنّ فيما بينهم، فإنّ ذلك خلاف تعاليمهم وسيرتهم حيث كانوا (صلوات الله عليهم) يحرصون فيها على حسن التعامل مع الآخر وعدم إبراز الاختلاف على وجه يوجب وهن الإسلام أو تشويه الحقّ، حتّى وردت التوصية بالصلاة معهم والكفّ عنهم وحضور مجالسهم وتشييع جنائزهم، وذلك أمر مؤكّد وواضح في التاريخ بالنظر إلى أحاديثهم وسيرتهم، ومن ثَمّ كانوا (عليهم السلام) موضع احترام الآخرين وثنائهم بل اهتمّوا بالتعلّم منهم والتفقّه لديهم.

وليس في تجنّب مثل ذلك ما يقتضي تنازل المرء عن العقيدة الحقّة ولا المعاداة والبراءة ممّن ظلمهم، ولا الإغماض عنها وعن بيانها، فإنّ لبيان المعنى أساليب متعدّدة تفي كلّها به بحسب مقاماته، وعلى المتكلّم الحكيم العارف بتنوّع أساليب البيان اختيار الأسلوب الملائم لذلك كما جروا (صلوات الله عليهم) عليه، ولذلك جاء عنهم حثّ علماء أصحابهم على معرفة ملاحن كلامهم ـ وهي ما يلوّح إليه الكلام ـ كقولهم: ((إنّا لا نعدّ الرجل منكم فقيهاً حتّى نلحن فيعرف اللحن))، أو: ((حتّى يعرف معاريض كلامنا)).

وليتجنّب المبلّغ التحاكم إلى عامّة الناس في المسائل النظريّة والتخصّصيّة التي لم يُكلّف الناس بها، أو جاز لهم فيها الاعتماد على المتخصّصين فيها، فإنّ ذلك يجرّ إلى تسطيح المسائل، واستغلال أدعياء العلم وأصحاب الضلالة، وتغييب الموازين العلميّة، وتهوين العلم والتخصّص الحقيقيّ وأهله، ولذلك كلّه مضاعفات سلبيّة كبيرة جدّاً في أوساط المؤمنين ولا سيّما في الأمد المتوسّط والبعيد.

(الحكمة السابعة): تجنّب القول بغير علم وبصيرة، فإنّ ذلك محرّم في الدين أيّاً كان مضمون القول، كما قال تعالى: [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] (الإسراء: 36)، وليس في حسن قصد المرء وسلامة غايته ما يبيح ذلك، كما لا يقيه من محاذير ذلك ومضاعفاته.

ولن يتأتّى ذلك إلّا بتنمية المرء لعلمه فيما يتعلّق بمجال حديثه وسعة اطّلاعه وممارسته والالتفات إلى مواضع الوفاق والخلاف ومواطن الوثوق والشكّ والريبة والأخذ بالاحتياط في الأمور كلّها.

ومن جملة مقتضيات ذلك الاطّلاع المناسب على التاريخ وحوادثه وظروف الوقائع وملابساتها وقيمة المصادر ودرجة اعتبارها.

وعلى الإجمال: فإنّه ينبغي للمبلّغ أن يكون ذا فضيلة في العلوم ذات العلاقة، متجهّزاً بالأدوات اللازمة، ممارساً في موضوع بحثه وحديثه، مطّلعاً على المعلومات المتعلّقة بذلك، متحوّطاً فيما لا يعلمه أو لم يتعلّمه بعد.

وليحذر المرء من الابتداع والبدع، وهي إضافة شيء إلى الدين ليس منه ولا حجّةً موثوقةً عليه فيه، فإنّ الابتداع في الدين من أضرّ وجوه الضلالة فيه، وهي تؤدّي إلى تشعّب الدين إلى عقائد متعدّدة وانقسام أهله إلى فرق وأحزاب مختلفة ومتقاطعة ـ كما نشهده في كثير من الأديان والمذاهب ـ، وقد جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) التحذير من البدعة وأنّ شرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار.

ومن القول بغير علم وبصيرة المبالغة في الشيء والتجاوز به عن حدّه، كأن يجعل الأمر النظريّ المتوقّف على الاجتهاد واضحاً وبديهيّاً، أو يجعل الأمر المختلف فيه بين وجوه أهل العلم متّفقاً عليه بينهم تصريحاً أو تلويحاً وينزّله منزلته، أو يجعل المظنون مقطوعاً، أو يجعل المحتمل مظنوناً، أو يجعل بعض الوظائف الشرعيّة فوق درجاتها فيبلغ بالمستحبّ درجة الواجب ـ من غير عنوان ثانويّ واجب ينطبق عليه ـ وبالواجب من غير الدعائم درجة دعائم الدين أو يعكس ذلك، فإنّ ذلك كلّه أمر غير مقبول شرعاً، وعلى من يتبوّأ موقع التعليم والتزكية للناس وينتسب إلى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في التربية والتعليم بحسب التلقّي العامّ أن يتورّع عن ذلك، ولا خير في كلام من غير ورع ولا في خطاب من غير تقوى، ومن يتّقِ الله سبحانه فهو خير له وأسلم لما يقصده.

ويتوقّف تجنّب المرء عن القول بغير علم على رعاية الاحتياط في مقام نقل الروايات والحوادث، والتثبّت في الشيء قبل العرض الجازم له بضبط ما يريد قوله قبل إلقائه وتكرار المرور عليه، فلا تفلتنَّ كلمة منه من دون أن يتأمّلها حقّ تأمّلها فتكون أشبه برميةٍ من غير رامٍ، وليستحضر أنّه لا مجال له للاعتذار بعد إلقاء الخطاب في المشهد العامّ، على أنّ ترك المرء قول ما لا ينبغي له أن يقوله ـ ولو لإيهامه ـ أولى من أن يعتذر عنه أو يتصدّى لاحقاً لإيضاحه.

وليحذر المبلّغون عن أن يشمل كلامهم أو يبتني على شيء من المجادلة عن الحقّ بالباطل، فإنّه يوهن الحقّ ويشوّش عليه ويربك المنهج الصائب للاحتجاج، على أنّ في ما ثبت من الحقّ وشواهده غنىً عن التمسّك بالباطل.

(الحكمة الثامنة): أن يلاحظ المبلّغون ـ فضلاً عن سلامة مضمون خطابهم ـ آثاره التربويّة على المخاطبين والمجتمع، نظير ما يلاحظونه في الحديث مع أسرتهم وأولادهم، فرُبَّ معنى صحيح أو تصرّف سائغ في نفسه ينبغي تجنّب ذكره وممارسته بالنظر إلى عدم ملاءمته من حيث الآثار التي يتركها في نفس من يسمعه ويشهده، وشأن الدعاة إلى الله تعالى هو التذكير والتزكية معاً.

كما إنّ على المبلّغ أن يصوغ المقاصد الصائبة والصحيحة بصياغة ملائمة، فإنّ المعنى الواحد يمكن أن يؤدّى بصيغ مختلفة، وقد يكون بعضها ملائماً ونافعاً ومؤثّراً، وبعضها الآخر ليس بهذه المثابة، بل قد يكون مضرّاً ومنفّراً.

ومن ثَمّ لا بدّ للمبلّغ من أن يتفطّن فيما يُلقيه من القول لإيحاءاته ولوازمه وإيهاماته، فإنّ من حكمة المتكلّم أن ينتبه في كلامه لمثل ذلك، فربّما ألقى المرء كلاماً فهم الناس منه غير ما قصد، أو أوحى لهم بغير ما أراد، أو أوهم معنى أو غاية لم ينتبه إليها، أو ترك أثراً لم يكن يتوقّعه، أو استغلّه امرئ بسوء نيّة فطعن به عليه على الحقّ وشوّه به وجه الحقيقة، وهذه أمور متوقّعة جدّاً في هذا الزمان من جهة أدوات التسجيل والتصوير، فلا بدّ للمرء من أن ينتبه إلى أنّ كلامه وإن كان في مشهد محدود لكنّه عرضة للانتشار فيتكلّم بما يلائم مقام انتشاره بعد أن كان لكلّ مقام مقال ولكلّ قول موضع، ولا يكون الخطيب والشاعر خطيباً أو شاعراً حقّاً إلاّ إذا كان يلتفت إلى زوايا خطابه وشعره ويستطيع التحكّم في صياغته على وجه مناسب ويتوقّى المحاذير والإيهامات التي ينبغي له تجنّبها.

وممّا يساعد على ذلك اطّلاع المرء على وقائع التاريخ وحوادث الحاضر فيما تشتمل عليه من النقد والتجريح والاستغلال والتشهير والإشاعة، فإنّ ذلك كلّه يمثّل تجربةً لا غنى عن الاطّلاع عليها؛ لأنّها توجب التيقّظ والانتباه وتلفت إلى مواضع الحذر ومواطن الفتنة.

وليحذر المبلّغون والشعراء والرواديد أشدّ الحذر عن بيان الحقّ بما يوهم الغلوّ في شأن النبيّ وعترته (صلوات الله عليهم)، والغلوّ على نوعين: إسباغ الصفات الألوهيّة على غير الله سبحانه، وإثبات أمور ومعانٍ لم تقم حجّة موثوقة عليها، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) خالٍ عن الغلوّ بنوعيه، بل هو أبعد ما يكون عنه، وإنّما يشتمل على الإذعان للنبيّ وعترته (صلوات الله عليهم) بمواضعهم التي وضعهم الله تعالى فيها من دون زيادة ولا إفراط، بل مع تحذّر في مواضع الاشتباه، وورعٍ عن إثبات ما لم تقم به الحجّة الموثوقة، وإنّما المتّقي من لا يغلو فيمن يحبّ كما لا يحيف على من يبغض، ولا يصحّ بناء هذه المعاني على مجرّد المحبّة، وتصديق كلّ من زاد شيئاً، والإذعان له بمزيد الإيمان، فإنّ ذلك يؤدّي إلى المزايدة في أمر الدين بغير حجّة، وحدوث البدع، وطمع الجاهلين، وترؤّس أهل الضلالة، وتراجع المتورّعين العاملين بالحجّة والمتوقّفين عند الشبهة، وذلك يمحق الدين ويرتدّ ارتداداً معاكساً بتفريط آخرين، والزيادة في العقيدة بغير حجّة موثوقة على حدّ النقصان فيها ممّن قامت عليه الحجّة عليها، ومن زاد اليوم شيئاً بغير حجّة زيد عليه غداً حتّى أنّه ليُتّهم بالتقصير والقصور، فلزوم الحجّة والميزان أحمد وأسلم.

وليحذر المبلّغ من سَوق الخطاب على وجه ينفّر الناس، مثل تعميم القول في الذمّ والتعريض بالمخاطبين، فإذا انتقد شيئاً فليُجمل ولا يُعمّم، وإذا تأدّى الغرض بالملامة والعتاب اكتفى بها عن الذمّ والتقريع، وليقدّر بجنب ذلك الخصال الحسنة والممارسات اللائقة للآخرين، ليكون ذلك تشويقاً إليها وإذعاناً بالحسنى لأهلها.

(الحكمة التاسعة): أن يهتمّ المبلّغ بمطابقة خصاله وسريرته مع توصيفاته وأقواله، فيكون أسبق من الناس في العمل بها، فإنّ ذلك أقرب إلى الصدق وأبعد من الرياء وأوجب للإخلاص والتأثير في المخاطبين، فكيف يصف المرء بصدقٍ خصال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعترته النبيلة ويوصي الآخرين بها ـ من عبادتهم لله سبحانه وإعراضهم عن الدنيا وتحرّيهم للعدل والصدق والعفاف والوفاء والإحسان إلى الوالدين وسائر المعاني النبيلة ـ وهو بعيد عنها في نفسه وفي عمله، وقد قال الله سبحانه: [أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ] (البقرة: 44)، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ] (الصفّ: 2)، ومن تعوّد على أن يقول ما لا يعمل نبت في قلبه الرياء وغلب على سيرته التلوّن، وذلك ممّا يحبط العمل ويفضح صاحبه إن في الدنيا أو في الآخرة، وقد يؤدّي إلى سوء العاقبة، نعوذ بالله تعالى منها.

(الحكمة العاشرة): أن يتّصف المبلّغ باللياقات الملائمة لهذه الوظيفة الشريفة والسمت المناسب لها، فإنّ لكلّ وظيفة أموراً ملائمة لها من حيث المظاهر والسلوكيّات العامّة والخاصّة ولتبليغ الدين وأداء العزاء الحسينيّ أيضاً لياقات ملائمة مع ما يتضمّنه فيه من الحديث عن الحقّ وأئمّة الهدى وما يُراد به من الإرشاد والتذكرة.

وذلك بملاحظة ما يقتضيه الوقار والابتعاد عن المشاحّة في طلب المال، وتجنّب ما يوجب سوء الظنّ ويخدش بنقاء الصورة ويؤشّر على الطمع، ومراعاة العفاف عن أيّ مأرب دنيويّ من وراء أداء هذه الوظيفة.

وليتجنّب المبلّغون ـ وكذلك أصحاب المجالس والمواكب ـ من المناقضة والمنافرة والتفرّق والاختلاف، ولا سيّما في بلاد المهجر، فإنّ ذلك يخدش بالإخلاص ويحبط الأجر ويوجب سوء الظنّ بين المؤمنين ويؤدّي إلى تعطّل المشاريع التي يتوقّف إنجازها على التعاون والتكاتف، ومن استطاع أن يجعل عمله وإعانته أشبه بصدقة السرّ من دون طلب رئاسة أو شهرة أو جاه فليفعل، فإنّ ذلك خير له وأكثر بركة، وقد قال الله سبحانه: [إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] (البقرة: 271)، ومن يتّق الله سبحانه يرزقه من حيث لا يحتسب ويجعل له من أمره يُسراً.

وليتجنّب المبلّغ ما لا يليق بقداسة مجالس الله سبحانه ورسوله وأوصيائه (صلوات الله عليهم) من أساليب وأطوار، فإنّ طبيعة الموضوع تملي على المتحدّث عنه أساليب أدائيّة مناسبة، فإذا نقضها المتكلّم انتقض غرضه واختلفت هويّة القول عمّا يُفترض به، بل ربّما كان إساءةً وهتكاً.

(الحكمة الحادية عشرة): أن يهتمّ المبلّغ بنقد نفسه بنفسه، ممحّصاً لأقواله وأدائه قبل الناس، متجنّباً عن تزكية النفس، غير آمنٍ من خطئه وخطيئته، مستحضراً لحضور الله سبحانه معه ورقابته عليه في مقام دعوته وفي أحواله كلّها وسؤاله عنها في يوم القيامة، منتفعاً بنقد الناس إيّاه، منصفاً لهم من نفسه، مستجيباً للتذكير بالحقّ.

وليعلم أنّ النبيّ وعترته (صلوات الله عليهم) شهداء على أهل العلم في الدين والدعاة والمبلّغين بما أدّوا وعملوا، ثمّ أهل العلم شهود على سائر الناس في مجتمعهم بما أدّوه وعملوا به، كما قال تعالى: [لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ] (الحجّ: 78)، فمَن فرّط في أمر الدعوة في قول أو عمل تمّت الحجّة عليه وحُمّل نتيجة تفريطه، ومَن وفى به على وجهه ثمّ فرّط الناس في الاستجابة تمّت به الحجّة وسلم من العقاب والعتاب، وذلك أمر خطير لمن تأمّله حقّ تأمّله ووعاه حقّ وعيه.

(الحكمة الثانية عشرة): وقبل ذلك كلّه وبعده تحرّي التقوى والإخلاص لله تعالى في القول والأداء والسلوك، فيجعل الله سبحانه نصب عينيه ويستحضر رقابته عليه ويسعى إلى رضاه وقبوله ويكون عمله لوجهه الكريم، فإنّ من أخلص لله تعالى حقّاً واتّقاه أوقظه في مواضع الغفلة ونبّهه على مواضع الخلل ويسّر له سبيل الرشد، ثمّ بارك له سبحانه في عمله في هذه الحياة وما بعدها.

وليس في ذلك ما يعني أنّ في نيّة المرء ما يغني عن الاهتمام بعمله وإتقانه إيّاه والانتباه إلى آثاره والاستعداد له قبل إنجازه، بل الإخلاص الحقّ ما فتح ذهن الإنسان على مزيد من التعقّل وساعد على إدراكه لمقتضى الحكمة والتفاته إلى عواقب الأمور، فيتجهّز لكلّ أمر وفق ما يقتضيه، ولا يرسل القول على عواهنه، ويعتبر بتجاربه وبتجارب الآخرين، كما جاء أنّ المؤمن كيّس وأنّه ينظر بنور الله سبحانه ولن يُلدغ من جحر مرّتين ولسانه وراء عقله بينما يكون عقل الأحمق وراء لسانه، يعمل الأعمال الصالحة وهو منها في وجل، [وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَـئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ] (المؤمنون: 60 ـ 61)، هذا [وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ] (البقرة: 269).

اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد، وترحّم على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

اللّهمّ وفّق الداعين إليك والمبلّغين لدينك والذاكرين لأهل بيت رسولك (عليهم السلام) لأداء هذه الوظيفة على الوجه الأمثل، واكتب لهم الإخلاص لك والابتغاء لرضوانك، وأعنهم على التحلّي بكلّ فضيلة والابتعاد عن كلّ ذميمة، واشكر لهم سعيهم في ذلك في الدنيا والآخرة، واكتب مثل ذلك لكلّ من سعى في ذلك بإقامة تلك المجالس والمراسم والإعانة عليها والحضور فيها، ربّنا وتقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم، والحمد لله ربّ العالمين.

 

2022/07/30
وقف وحيداً غريباً: هل تعرفون ما معنى ’ المصيبة الراتبة’؟!
ما معنى ما ورد في الزيارة المأثورة: "السلامُ عليكَ يا صريعَ الدمعةِ الساكبة، السلامُ عليكَ يا صاحبَ المصيبةِ الراتبة"؟

[اشترك]

المدلول اللُّغوي لمادَّة سكَب:

الدمعة الساكبة: بمعنى المسكوبة فاستُعمل اسم الفاعل –ساكب– وأُريد منه اسم المفعول –مسكوب- كما في قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ ([1]) أي المحفورة، وقوله تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ ([2]) أي مرضيَّة.

والسكب: يعني الصب والانصباب، يقال ماءٌ مسكوب بمعنى مصبوب، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ / فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ / وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ / وَظِلٍّ مَمْدُودٍ / وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ﴾([3]) ولا يُوصف الماءُ بالمسكوب إلا أنْ يكون جارياً -من طرفٍ إلى آخر- غزيراً منحدراً من أعلى، وقد يُوصف الماءُ بالمسكوب للتعبير عن استمراره في الجريان دون انقطاع كما في الآية الشريفة، وكذلك يُوصف الماءُ بالمسكوب حين يمتدُّ انصبابه طويلاً، ولذلك تُوصف حالة المطر حين يمتدُّ هطولُه طويلاً بالسكب، فيُقال: هطلَ المطر سكباً وتسكاباً.

وكما يُوصف الماءُ بالمسكوب كذلك يُوصف الدمعُ بالمسكوب حين ينحدرُ من المُقلتين بغزارةٍ بحيث لا يكادُ يرقى أي ينقطع. فدمعةٌ ساكبة يعني مسكوبة ومصبوبة تنحدر بغزارة، ولا تكون كذلك إلا حين يبلغُ الحزنُ والحنين بالإنسان مبلغاً عظيماً.

المعاني المتصوَّرة من إضافة صريع للدمعة الساكبة:

وأمَّا معنى قوله(ع): "يا صريع الدمعة الساكبة": فالظاهر أنَّه من إضافة الموصوف إلى صفته، والتقديرُ يا صريعاً يستدرُّ الدمعةَ الساكبة، فجملةُ "يستدرُّ الدمعة الساكبة" في محلِّ صفة للمنادى، وإسناد "الدمعة الساكبة" إليه نشأ عن كونه سبباً لانهمالِها، وفي ذلك تعبيرٌ عن عمقِ المأساة التي وقعت عليه بحيث لا يقفُ عليها من أحدٍ سويٍّ إلا وجد عينيه تذرفان بالدمع دون تلبُّثٍ أو تروٍّ، فلا يحولُ دون جريانهما وقارٌ أو احتشام. فكأنَّ الإمام (ع) أراد القول إنَّ العلاقة بين الحسين (ع) وبين الدموع تلقائية، وذلك هو ما صحَّح إضافة الدمعة الساكبة إليه دون سواه، فغيرُه قد تُذرَفُ لأجلِه الدموع ولكنَّ العلاقة بينهما تكون عارضة وآنيَّة، فما أسرعَ أنْ لا تجد النفسُ باعثاً على البكاء عند ذكره وخطوره في الذهن، وأمَّا الحسين (ع) فذكراهُ أبداً تستفزُّ النفس وتقسرُها على الأسى فيستجيبُ لها الدمع. ولعلَّ ذلك هو معنى قوله (ع): "أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمنٌ الا بكى"([4]).

وقد يكون المراد من قوله (ع): "يا صريع الدمعة الساكبة": هو يا صريعاً اقترنَ اسمُه أو اقترنَ ذكرُه بالدمعة الساكبة، فلأنَّ هذه الخصوصيَّة لم تتَّفق لأحدٍ على امتداد الزمن -رغم تنوُّع المآسي التي سبقت ولحِقت مأساةَ الحسين (ع)- لذلك صحَّ أنْ تُضاف الدمعة الساكبة إليه دون سواه، فغيرُه قد تُسكب عليه الدموع ولكنَّ ذلك لا يمكث طويلاً فما أسرع أنْ ينطويَ ذكرُه أو تخبو جذوةُ الحزنِ عليه فيحتفظ بالذكر الجميل دون أنْ تجدَ النفسُ ما يبعثُها على البكاء عند ذكره، وأمَّا الحسين الشهيد (ع) فبين ذكره وبين البكاء عليه اقترانٌ وثيق يتجدَّدُ بتجدُّد الزمن. لذلك فهو أليقُ مَن عرفَه الدهر بوسام قتيل العبرات وصريعِ الدمعةِ الساكبة.

وقد يكون المراد من قوله (ع) "يا صريعَ الدمعة الساكبة": يا صريعاً يستحقُّ الدمعة الساكبة أو يا صريعاً جديراً وحقيقاً بالدمعة الساكبة، ويكون المرادُ من الساكبة هو: المتجدِّدة والمتعاقبة بتعاقب الزمن، فغيرُه قد يكون جديراً بأنْ تبكيه العيون وتَذرفُ عليه وفاءً بحقِّه ولكن لا يكون من اللائق أنْ يمتدَّ بكاؤها طويلاً، وأمَّا الحسين (ع) فهو لائقٌ بالدمعة الساكبة المتجدِّدة والعابرة للزمن، ولعلَّ هذا هو معنى ما ورد عن النبيِّ الكريم (ص) أنَّه قال: "إنَّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبردُ أبدا"([5])، وكذلك ما ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع): "إنَّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلِّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (ع)، فإنَّه فيه مأجور"([6])، فالبكاءُ حين يطولُ أمدُه أو يعملُ المُصاب على تجديده يكون من الجزع وهو مكروه، وأمَّا على الحسين (ع) فهو محمود وفاعلُه مأجور، ذلك لأنَّ العناية الإلهيَّة قد قضت بأنْ تظلَّ مأساةُ الحسين (ع) حاضرةً في الوجدان لبليغ أثرِها في إحياء القِيَم وسجايا الخير ونبذ الشرور ومناهضة البغي.

معنى فقرة ياصاحب المصيبة الراتبة:

وأمَّا معنى "الراتبة" في قوله (ع) "السلامُ عليكَ يا صاحبَ المصيبةِ الراتبة": فهو الثابتة التي لا انقطاع لها من الرتوب بمعنى الثبوت والدوام، يقال: رَتَبَ الشيءُ يَرْتُبُ رتُوباً، وتَرَتَّبَ بمعنى ثبت فلم يتحرّك، ويقال: عَيْشٌ راتِبٌ أي ثابِتٌ دائمٌ، وأَمْرٌ راتِبٌ أَي دارٌّ ثابِت، ويُقال: ما زِلْتُ على هذا راتِباً أَي مُقيماً ([7]).

وعليه فمعنى المصيبة الراتبة هي المصيبة التي لا يخبو أبدَ الدهرِ وهجُها بل تظلُّ -رغم تعاقُب العصور- تُلهِبُ المشاعر، وتبعثُ على الأسى والحزن، وتستنهضُ الهِمَم، وتُرشِدُ إلى طريق الكرامة والعزَّة، وتُضيء للباحثين عن الخَلاص سبيلَ الخَلاص، وللباحثين عن الهدى سبيلَ الهدى، وتُخاطبُ الخانعين أنَّه لا يليقُ بكمُ الخنوع، والغافلين أنَّ الغفلة شأنُ السَوَام، والبائسين أنَّ البؤسَ ليس قدراً محتوماً، وتُلهمُ الدعاة أنَّ الصبر على الأذى وإنْ تعاظمَ وتَطاوَلَ به الأمد يُثمِرُ النجاح، ومَن كانت غايته رضوانَ الله تعالى لا يكون في الخاسرين بل سعادتُه محتومة، كذلك أراد اللهُ تعالى لمصيبةِ الحسين (ع) أنْ تفعل في وعي الأجيال وكذلك فعلتْ.

الهوامش: [1]- سورة النازعات / 10. [2]- سورة القارعة / 7. [3]- سورة القارعة / 27-31. [4]- كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص216، مستدرك الوسائل -ميرزا حسين النوري الطبرسي- ج10 / ص311. [5]- مستدرك الوسائل -ميرزا حسين النوري الطبرسي- ج10 / ص318. [6]- كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص201، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص507. [7]- راجع لسان العرب -ابن منظور- ج1 / ص410.
2022/07/30
كيف نستقبل شهر المحرم الحرام؟
لطالما أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهل بيته، وكان دائم التذكير للأمَّة بذلك حتَّى جعلهم عدل القرآن بوصيته المعروفة والمتفق عليها: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، وَعِتْرَتِي، كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي: أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا"([1]).

[اشترك]

وما أن يرحل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عالم الدُّنيا حتَّى تتآمر الأمَّة على وصيِّه فيدفعونه عن مكانه، ثمَّ تتوالى المصائب فتظلم الزهراء (عليه السلام) ويسلب حقها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى أن تُقتل مظلومة مقهورة، وهكذا إلى مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) مظلومًا من هذه الأمَّة، وتتوالى الظلامات فيقتل الإمام الحسن (عليه السلام) في مصيبةٍ اهتزَّ لها عرش الرحمن، وبعدها تلوح أكبر مصيبةٍ جرت على آل الرسول محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجزرةٍ ارتكبها بنو أميَّة طالت الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، في تفاصيل مروَّعة تضمَّنت قطع الرؤوس وتقطيع الأشلاء وقتل النساء والأطفال، ثمَّ سبي بنات العترة الطاهرة بعد قتل رجالهن في أبشع صورة إلى الشام مركز الخليفة الملعون، وكل ذلك جرى في محرَّمٍ الحرام من عام إحدى وستين من الهجرة النبوية، وكل ذلك جرى على أهل بيت النبوة وكأنَّ الرسول لم يوصِ بهم، وأنَّه أوصى بقتلهم وتشريدهم لما زادت أمَّة الإسلام فيما رمتهم به .

وها نحن مقبلون على شهر محرَّمٍ الحرام الذي جرت فيه أحداث مصرع الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) في أبشع جريمةٍ عرفتها الإنسانية، نتساءلُ عمَّا ينبغي علينا فعله في هذا الشهر الحزين لكي نكون مرضيين عند أئمَّتنا (عليهم السلام)، وفي الجواب على ذلك نستذكر حال أئمَّتنا عندما يمرُّ بهم هذا الشهر لنتَّخذ من أفعالهم قدوةً لنا في متابعتهم ومشايعتهم، وممَّا ورد عنهم بهذا الصدد ما نُقِل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه "كان إذا هل هلال عاشوراء اشتدَّ حزنه، وعظم بكاؤه على مصاب جدَّه الحسين (عليه السلام)، والناس يأتون إليه من كلِّ جانب ومكان يعزونه بالحسين (عليه السلام (ويبكون وينوحون معه على مصاب الحسين (عليه السلام) ثم يقول: اعلموا أنَّ الحسين (عليه السلام (حي عند ربِّه يرزق من حيث يشاء، وهو دائمًا ينظر إلى معسكره ومصرعه، ومن حل فيه من الشهداء، وينظر إلى زواره والباكين عليه، والمقيمين العزاء عليه، وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنازلهم في الجنة"([2])، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام): "إذا دخل شهر المحرم لم يُرَ ضاحكًا، وكانت كآبته تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام)"([3]) .

ومن هنا يجب على المؤمنين أن يُعظِّموا حرمة هذا الشهر كما كان الأئمَّةِ (عليهم السلام)، وأن يلتزموا الوقار والسكينة وأن يُظهروا الحزن لمصاب سيِّد الشهداء (عليه السلام)، وأن يُشدِّدوا على إقامة مجالس العزاء يستذكرون بها ما حصل لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بدموعٍ باكيةٍ وحُزنٍ ظاهر، وأن يبتعدوا في هذه الأيَّام عن مجالس اللهو والمزاح؛ ليكونوا من المعزِّين لرسول الله وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام) .

ويجب أن نعرفَ جيِّدًا بأن الحزن على سيِّد الشهداء من شعائر الله تعالى ومن خير العبادات، وقد أعدَّ الله تعالى لمن يمتثل يبكي على الحسين (عليه السلام) ويحزن على مصابه أجرًا عظيمًا؛ ولذلك يوصي أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم بلزوم استذكار مصاب الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه في كربلاء في هذا الشهر، وهذا المعنى نجده في وصايا الإمام الرِّضا (عليه السلام) لابن شبيب عندما دخل عليه في أوَّل محرَّم وكان ممَّا قال له: ((يا بن شبيب، إنَّ المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها (صلى الله عليه وآله)، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبدًا . يا بن شبيب، إن كنت باكيًا لشيء، فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنَّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلًا ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين، يا بن شبيب، لقد حدثني أبي عن أبيه، عن جده (عليه السلام): أنه لما قتل جدي الحسين (صلوات الله عليه)، مطرت السماء دمًا وترابًا أحمر . يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين (عليه السلام) حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيرًا كان أو كبيرًا، قليلًا كان أو كثيرًا . يا بن شبيب، إن سرك أن تلقى الله (عزَّ وجل) ولا ذنب عليك، فزر الحسين (عليه السلام) يا بن شبيب، إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله (صلوات الله عليهم)، فالعن قتلة الحسين، يا بن شبيب، إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين (عليه السلام) فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا .يا بن شبيب، إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنَّ رجلًا تولَّى حجرًا لحشره الله معه يوم القيامة))([4]) .

فالإمام الرِّضا (عليه السلام) يقدِّم لنا برنامجًا عباديًّا في شهر محرَّم، وكذلك يُقدِّم الأجر إزاء كلِّ عبادة، وقد تنوَّعت العبادات ما بين الحزن والبكاء على الحسين (عليه السلام) إلى لعن أعدائه وقاتليه، ثمَّ تمني الكون معهم، وكلُّ ذلك يرسِّخ في النفس الاتِّصال الدِّيني والعبادي، إذ من المعروف أنَّ في الدُّنيا ملهياتٍ كثيرة، ومشاغل الإنسان لا تقف عند حدٍّ؛ ولذلك كانت هناك بعض المحطَّات التي يستعيد فيها الإنسان تنشيط اتِّصاله مع الله تعالى، ومن تلك المحطَّات شهر محرَّم، فإنَّه من خيرِ المحطَّات التي يتزود بها المؤمن من الطاقاتِ العباديَّة التي تجعله في ارتباطٍ دائم مع الله تعالى، لكونه مرتبط بالحسين (عليه السلام) ذلك الإنسان الذي ضحَّى بكلِّ شيء في سبيل العقيدة والدِّين، وفي حال استذكار العبد لمصيبة الحسين (عليه السلام) فإنَّه ستنسحب إليه تلك الروح الثوريَّة ضدَّ الباطل بحسب طاقته واستعداده، وستهون عنده ملذات الدُّنيا فيشمخ بنفسه نحو التكامل الذي خطَّه الحسين (عليه السلام) ليكون حرًّا لا طوق في عنقه سوى طوق العبوديَّة لله.

الهوامش: ([1]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: 17/212 – 213 . ([2]) مستدرك سفينة البحار: 7/212 . ([3]) مفاتيح الجنان: 444 . ([4]) الأمالي، الشيخ الصدوق: 192 – 193 .
2022/07/27
تعلّموا من العراق أعلى درجات السلم الأهلي.. هنا زيارة الأربعين!

كتب السيد حسين الحكيم:

إنني أدعو محبي السلام في العالم كي يستفيدوا من هذه التجربة للمرجعية الدينية للمسلمين الشيعة التي نجحت بشكل لافت وهي تستند إلى سيرة النبي وأهل بيته المعصومين وأقوالهم ومواقفهم الخالدة وتقدم رؤيتها بشكل مقنع لمئات الملايين من أتباعهم في العالم كيلا يسببوا أي شعور بالخطر عند الأشخاص المسالمين.

[اشترك]

لقد نقلت وسائل الإعلام المختلفة التي غطت المسيرة المليونية لزيارة الحسين مشياً على الأقدام عبر مئات الكيلو مترات مشاركة الكثيرين من أتباع الأديان والمذاهب المختلفة.

إن من أهم دروس حضور المختلفين دينياً ومذهبياً في الزيارة الأربعينية المليونية واندماجهم الاجتماعي مع الزوار بحيث يمشون ويجلسون ويأكلون وينامون في نفس الأماكن هو أن فهم المجتمع العام للدين الإسلامي بحسب مذهب التشيع خالٍ من عناصر  التوتر  وتهديد الآخر بحيث يجد نفسه مُرحباً به ليس من قبل مسؤولي العلاقات في مؤتمر محدد بقاعات خاصة في فنادق محددة، بل يجد نفسه موضع ترحيب من قبل ملايين الناس من الرجال والنساء والكبار والصغار المتفاوتين جداً في مستوى تعليمهم وتجاربهم الحياتية.

ولا بد أن نأخذ بنظر الاعتبار أن هذه الدرجة العالية من السلم الأهلي برغم أن الشيعة عموماً والزوار خصوصاً تعرضوا لهجمات إرهابية قال منفذوها أنها تمثل السنة. ومع ذلك لم يحمل الزوار الشيعة بملايينهم وتفاوت مستوياتهم التعليمية والثقافية مسؤولية تلك الدماء للأبرياء السنة بل استقبلوهم ورحبوا بهم.

 وقد حصل الكثير من تلك الاستهدافات في مسيرتهم المليونية السنوية هذه نفسها.

إنني أدعو محبي السلام في العالم كي يستفيدوا من هذه التجربة للمرجعية الدينية للمسلمين الشيعة التي نجحت بشكل لافت وهي تستند الى سيرة النبي وأهل بيته المعصومين وأقوالهم ومواقفهم الخالدة وتقدم رؤيتها بشكل مقنع لمئات الملايين من أتباعهم في العالم كيلا يسببوا أي شعور بالخطر عند الأشخاص المسالمين لهم وعدم تحميلهم مسؤولية الإرهابيين المشتركين معهم في الديانة، ولهذا كانت الملايين في المسيرة تحتضن المسيحي والإيزدي والصابئي والسني وغيرهم من مختلف الأديان والمذاهب وتشعرهم باحتفاء كبير يبعث في نفوسهم الشعور العميق بالسلام والاطمئنان.

إن البابا المعظم وهو من أبرز القيادات الروحية في العالم قد أدرك ما أقول بشكل عميق وجاء لزيارة العراق والمرجع الأعلى السيد السيستاني دام ظله وعبّر عن تقديره لكل ذلك. 

إن القيادات الروحية المخلصة في العالم اليوم مرحب بها شعبياً وحكومياً لزيارة العراق ودراسة هذه التجربة بعمق لتعميمها في مختلف البلدان التي تعاني من التوترات الدينية والعرقية.

2021/10/03
من قصص الزائرين: لماذا تحبون الحسين؟!

إن الهدف المشترك الذي جمع أعداد الزائرين الكبير، وتحدياتهم على المواصلة سيرا على الاقدام، الشاب والشيخ والمرأة والصبي، لزيارة الامام الحسين عليه السلام، يصف مستوى العشق وتأثير الجوارح بهذا العشق، فالقلوب مطمئنة والنفوس في حالة رضا والصدور تتسع لكل متغير وحادث، قاطعين المسافة ايام وليال.

[اشترك]

لماذا تحبون الحسين؟ 

سؤال طرحناه على مجموعة من الشباب حلوا ضيوفا في احد المواكب الحسينية ليريحوا اقدامهم المتعبة من المسير؟، فطال شرحهم وتوسع وصفهم وتعددت اسبابهم نذكر منها بعض ما قيل.

يقول الزائر محسن حميد: "حبنا للحسين واحد من طرق نيل القرب الإلهي المستمد من جده حبيب الله وخاتم انبياءه، واحب الناس لنبينا هم اهل بيته الاطهار وهذه الوشيجة تشابكت وتواصلت وامتدت عبر الأجيال".

ويضيف محسن "اتذكر دعاء أمير المؤمنين عليه السلام: "إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا إلهي أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب"، وحبنا للحسين توفيق من الله وتقربا له في الوقت ذاته، والحب يورث الاخلاص ونحن على عهده مخلصون ومستمرون".

فيما يؤكد الزائر توفيق الحسناوي على كلام صديق السفر حميد والذي تعرف عليه خلال الطريق ويقول: عندما نبلغ المعرفة الحقيقة لإنسانية الحسين تنجذب الارواح وتتعلق في حبه، ان لتلك الجموع التي سَعت إلى إمامها بخطوات الأقدام سيرًا، وبلهفة القلب شوقًا، لم يكن فقط حب الفطرة او المتوارث ولكن اثبتته العقول بالفكرة والحجج والشواهد الكثيرة، واذكر منها مثلا في واقعة الطف كان الحسين كل حركة منه وفعل تسمو على الطبائع البشرية، فمن شواهد رحمته التي تجاوزت عقول البشر ورحمتهم، انه كان يسقي كتيبة معسكر الحر وهي جاءت لتقاتله ويذرف الدموع لانهم سيدخلون النار".

من جهته يقول الزائر احمد الجبوري: "لقد تميّزت وتفردت ادعية أهل البيت (عليهم السّلام) لبديع المعنى ورقي المفردات، ولكني الجأ الى الله في ادعية ومناجاة الامام عليه السلام والتي تستدر الرحمة الربانية، فأشعر بالطمأنينة والراحة واعلم أن الله تعالى يستمع لي وسيستجيب لدعائي".

ويذكر الجبوري دعاء الحسين عليه السلام والذي كان يدعو به في قنوته، ويقول هذا الدعاء الرابط الروحي بيني وبين الحسين والذي اردده كما كان الامام يردده في صلاته: "اللهم منك البدء ولك المشيئة، ولك الحول ولك القوة، وانت الله الذي لا إله إلا انت". فدعائه ومناجاته فيها الاستغفار والتوبة، ودروس لنا وللغافلين، والحكمة والموعظة والتأمل في وجودية الله التي ان اوجدها الانسان فهي تغني عن كل شيء، وحين اشعر بالتعب والضغوط النفسية بسبب مشاكل الحياة ومسؤولياتها، اردد هذا الدعاء فيذهب عني اليأس والحزن، "عميت عين لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل من حبك نصيباً ".

بينما الشاب محمد جاسم الذي فقد ثلاثة من اصابع يده اليمنى في القتال ضد الدواعش شاركنا الرأي قائلا: يكفي ان نقول انه سيّد الشهداء، وسيّد شباب أهل الجنة، ويكفي ان نقول انه مسير النور والطريق المستقيم الذي حاول بنو امية ان يعتموا النور بالظلام ويحيدوا في استقامته، ولكن الله ورسوله وصمود الحسين وشجاعته رفع نير الظلم واختصر كل الفضائل في ملحمة الطف".

ويضيف محمد "ان الحب الحسيني ينمو ويستمر بالقيم السامية التي مثلّها وليس فقط لأنه ظلم وقتل، وتؤدي موجة المعلومات المضلّلة التي تبثها النفوس المغرضة والجاهلة حول شعائر الاربعينية، الى عدم فهم جوهر القضية الحسينية الأخلاقية والإنسانية والدينية، ومن اجل استقطاب الناس ولعل الشباب هم الشريحة الأكثر تأثرا بسبب نظرتهم السطحية للأمور التي لم تنضج وتتعمق بعد، نحتاج إلى التعاون وايجاد صيغة عقلانية واساليب الحوار تتماشى مع العقول التي عايشت العولمة والعالم المنفتح".

*نقلاً عن النبأ

2021/09/27
وصيّة المرجعية: إجعلوا طريق حياتكم كلّه طريق الأربعين

لتكون جميع أيّامكم أيّام الأربعين كما أنتم الآن في أيّام الأربعين، يظهر منكم عمق الولاء، صدق الولاء للإمام الحسين (عليه السلام).

[اشترك]

تمثّل مسيرةُ الأربعين في هذا العام كما في الأعوام الماضية أروع وأعظم تجمّع وحشد إيمانيّ يجسّد فيه محبّو الإمام الحسين (عليه السلام) عظيم حبّهم للإمام ولمبادئه وقيمه التي استُشهِدَ من أجلها.

وقد أظهرت هذه المسيرة المباركة فُضلى الصفات الإيمانية ومكارم الأخلاق الإسلاميّة لأتباع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ سيركم على الأقدام رجالاً ونساءً وصغاراً وكباراً أصحّاء ومرضى ومُعاقين من شقّةٍ بعيدة وعبر أراضٍ صعبة المسار وعرةٍ في طرقها الى كربلاء المقدّسة إنّما هو تعبيرٌ صادق عن حقيقة إيمانكم وولائكم.

ونقول لهؤلاء الأحبّة لقد أثبتم بما قمتم به صدق استعدادكم للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل حفظ مبادئ النهضة الحسينيّة التي مثّلت جوهر الإسلام وحقيقة الدعوة المحمديّة، مثلما كان لعظيم بذلكم وعطائكم في الخدمة والإطعام والمأوى ما أبرز جودكم وكرمكم بأبهى صورةٍ لم تكن تخطر ببال الكثيرين، وزاد ذلك بهاءً وجمالاً طيب المعاشرة والتخلّق بحسن الصحبة فيما بينكم ما مثّل صدق الأخوّة والولاء الذي يجمعكم صغاراً وكباراً ورجالاً ونساءً، ومن المؤكّد أنّ الذي سيرفع قدركم عند الله تعالى ويزيدكم أجراً وثواباً هو إدامتُكم لهذه المبادئ قولاً وعملاً بعد أن تقفلوا راجعين الى دياركم وأهاليكم لتجعلوا من طريق حياتكم كلّه طريق الأربعين في صدق العبوديّة لله تعالى والتخلّق بأخلاق النبيّ وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام).

وليكون منهج الإمام الحسين (عليه السلام) هو منهجكم اليوميّ وبرنامجكم الحياتيّ في مختلف أماكن حضوركم في البيت والسوق والمدرسة والمصنع والدائرة والأماكن العامّة، فإنّ منهج الحسين (عليه السلام) لا يختصّ بأيّام ذكراه بل هذه الأيّام هي لمزيد الالتصاق به (عليه السلام) ولزيادة اللّوعة على مصابه ولتعميق رسالته في الحياة ما حيينا وما كان للدنيا نهاراً وليلاً يتعاقبان.

أيّها الإخوة والأخوات هذا الذي يظهر منكم من صدق الولاء والتعبير عن هذه المبادئ الحسينيّة في أيّام الأربعين وما نراه من هذه الأخلاق الكبيرة والتضحية والعطاء وحسن المعاشرة، المأمول منكم أن تستمرّ هذه الأخلاق وأن يستمرّ هذا العطاء وهذا البذل وهذه المعاشرة الطيّبة لبقيّة أيّام عمركم، حينما تقفلون راجعين الى أهاليكم إن شاء الله سالمين غانمين، لنرى فيكم هذه الأخلاق ولتستمرّ هذه المبادئ مجسّدةً في كلّ نواحي حياتكم، لتكون جميع أيّامكم أيّام الأربعين كما أنتم الآن في أيّام الأربعين تظهر منكم عمق الولاء صدق الولاء للإمام الحسين(عليه السلام) هذه الأخلاق الرفيعة والآداب السامية لتظهر منكم دائماً في بقيّة أيّامكم، لتكون كلّ هذه الأيّام حينما تقفلون راجعين الى أوطانكم وأهاليكم لتبقى هذه المبادئ وهذه الصفات وهذه الأخلاق حيّةً ظاهرةً فاعلةً مؤثّرة في حياتكم وفي بقيّة أيّام عمركم.

الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (17صفر 1438هـ) الموافق (18تشرين الثاني 2016م).

*نقلا عن شبكة الكفيل

2021/09/27
بناء عام كامل ينهار في شهرين فقط!

بلغنا عن بعض السلفيين ممن نشط في أيام النظام السابق في التبشير بدعوته أنهم يقولون: إنا نبني طول السنة، حتى إذا جاء شهرا محرم وصفر انهار بناؤنا، ورجعنا من حيث بدأنا.

[اشترك]

من الطريف ما جرى بيننا وبين بعض ذوي الاختصاص من الباحثين في فرع التربية من المثقفين الأجانب حيث قلت له في مقام المقارنة بين مجتمعنا ومجتمعاتهم: إنا نملك بواسطة الدين حاجزاً نفسيا عن التورط في الجريمة، لشعورنا بأن الله تعالى محيط بنا عالم بأعمالنا وخفايانا ونوايانا. وذلك يؤدي طبيعياً إلى التزامنا بأداء ما علينا واجتناب ما حرمه الله تعالى علينا نسبيا وإن لم يكن هناك مانع أو رقيب من قانون أو شاهد أو غير ذلك.

أما أنتم فتفقدون ذلك، ولا يمنعكم من الجريمة إلا القانون، بمقدار فاعليته، فهو المحرك لكم لأداء ما عليكم، والانتهاء عما منعكم، من دون وازع داخلي نفيس.

فأنتم في ذلك كالميت سريرياً الذي تحركه الأجهزة بمقدار فاعليتها، ونحن كالحي الذي تحركه حياته نحو ما يصلحه.

كما أن عقيدتنا تمنحنا قوة داخلية وحصانة أمام المصائب والمآسي التي تمر بنا في معرتك الحياة، لشعورنا بأن الله تعالى رؤوف رحيم، وأن بعينه ما يجري، ولا يختار لنا إلا الخير، وهو القادر على تغيير ما بنا من سوء، وتعويضنا ما فات، فنلجأ إليه في ذلك، ونأمل منه الخلف والعوض.

ولذا لم تحصل فينا ظاهرة الإنتحار على شدة المصائب والكوارث التي تعرضنا لها من النظام السابق، أما أنتم فظاهرة الانتحار فيكم شائعة لأتفه الأسباب.

وبدلا من أن يجرح ذلك شعور الشخص المذكور أو يكابر، فقد تقبَّل ذلك مني، وقال: إذا كان النظام السابق قد قتلكم، فإن الذين سلبونا العقيدة وجردونا منها قتلونا، وقد أخر بين بعض من كانت له علاقة به أنه ذكر ذلك له أيضا.

وأكد قناعته بحديثنا معه بزيارة له أخرى مع جماعة من الفريق الذي يعمل معه (1)، من أجل أن يستمعوا حديثنا، ويتعرفوا على وجهة نظرنا.

وقد تفاعلوا بحديثنا حول الارتباط العائلي وارتباط المجتمع بعضه ببعض، حتى انتهى الأمر ببعضهم إلى الحسرة، ثم البكاء، لفقدهم ذلك.

وذلك منه ومنهم، مع خبرتهم وموقعهم الثقافي في بلادهم، يكشف عن الواقع المأساوي الذي تعاني منه تلك المجتمعات، يدركه منهم من أدركه، ويغفل عنه من غفل.

كما يظهر به أهمية النعمة التي تحيط بنا بسبب قيمنا وديننا وما يستتبعه من معالم ومواسم مذكرة تجدد فاعلية العقيدة.

وقد بلغنا عن بعض السلفيين ممن نشط في أيام النظام السابق في التبشير بدعوته أنهم يقولون: إنا نبني طول السنة، حتى إذا جاء شهرا محرم وصفر انهار بناؤنا، ورجعنا من حيث بدأنا.

كما ذكر نظير ذلك بعض المؤمنين رحمه الله ممن كان يحاور المسؤولين في النظام السابق في توجيه تحرشهم ومنعهم للمراسم المعهودة في الشهرين المذكورين، مع أنه يثير حفيظة الجمهور عليهم، ويضر بهم شعبيا.

وكان في حسابهم أنهم بذلك يستطيعون أن يغيروا ثقافة البلد، لكن انشداد المؤمنين لثقافتهم وتجذرها في نفوسهم جعل المنع المذكور محفزا على التمسك بها بنحو أحرج المسؤولين وشعروا بخطئهم، فيما بلغنا، وظهر ذلك من بعض مواقفهم.

وكان من نتائج ذلك اندفاع المؤمنين بعد سقوط النظام بنحو أدهش العالم، وكشف عن قوة تلك الثقافة، ولله عز وجل أمر هو بالغه. (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (2).

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

والفضل في ذلك لأنبياء الله ورسله وأوصيائهم، الذين هم الواسطة بين الله عز وجل وبين عباده، والسلام على سيدهم وخامتهم (محمد) نبينا العظيم وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، الذين بقي أثر تعاليمهم وجهودهم حتى اليوم.

ونسأل الله تعالى أن يعصمنا في مهاوي الهالكات، ويسددنا في ظلمات الفتن والأزمات إنه أرحم الراحمين وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.


الهوامش:

(1) كان ذلك في شوال سنة ١٤٤٠هـ.

(2) سورة إبراهيم الآية: ٢٤-٢٥.

المصدر: خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)، المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، ص443-446.

2021/09/26
​بشارة الأربعين.. من أحب عمل الحسين أُشرك معه
هل لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم العشرين من صفر خصوصيّة تميّزها عن باقي زيارات الإمام (عليه السلام)؟ [اشترك]

يظهر من الروايات أن للإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين زيارتين:

الأولى: زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه وهو من أجلّاء أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين وأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أخبره بطول عمره، وأنّه سيدرك الإمام الباقر(عليه السلام) ويبلّغه سلامه، وحدّث ما أخبر النّبي (صلى الله عليه وآله)، وزيارته هذه إمّا من إنشائه كما يظهر، أو أنّه قد أخذها من أهل البيت: لموافقتها بقية الزيارات المأثورة، وأنّها عالية المضامين.

بحار الأنوار بسنده: قال عطا ـ عطيّة العوفي ـ كنت مع جابر بن عبدالله يوم العشرين من صفر، فلمّا وصلنا الغاضريّة اغتسل في شريعتها ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثمّ قال لي: أمعك شيء من الطيب يا عطا؟ قلت: معي سعد، فجعل منه على رأسه وسائر جسده ـ ربما يتطيّب ذلك المكان الشريف ـ ثمّ مشى حافياً حتّى وقف عند رأس الحسين (عليه السلام) وكبّر ثلاثاً، ثمّ خرّ مغشيّاً عليه فلمّا أفاق سمعته يقول:

«اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا آلَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صِفْوَةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا خِيَرَةَ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا سادَةَ السّاداتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا لُيُوثَ الْغاباتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا سُفُنَ النَّجاةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا اَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ عِلْمِ الاْنْبِياءِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ نُوحٍ نَبِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليüلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ اِسْماعيüلَ ذَبيحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ عَلِىٍّ الْمُرْتَضى، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرآءِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ خَديجَةَ الْكُبْرى، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا شَهيدُ بْنَ الشَّهيدِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا قَتيلُ بْنَ الْقَتيلِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا وَلِىَّ اللهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَّتِهِ عَلى خَلْقِهِ، اَشْهَدُ اَنَّك قَدْ اَقَمْتَ الصَّلوةَ، وَآتَيْتَ الزَّكـوةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَرُزِئْتَ بِوالِدَيْك، وَجاهَدْتَ عَدُوَّك وَاَشْهَدُ اَنَّك تَسْمَعُ الْكَلامَ، وَتَرُدُّ الْجَوابَ، وَاَنَّك حَبيبُ اللهِ وَخَليلُهُ وَنَجيبُهُ، وَصَفِيُّهُ وَابْنُ صَفِيِّهِ، يا مَوْلاىَ وَابْنَ مَوْلاىَ، زُرْتُك مُشْتاقاً فَكُنْ لى شَفيعاً اِلىَ اللهِ، يا سَيِّدى، وَاَسْتَشْفِعُ اِلَى اللهِ بِجَدِّك سَيِّدِ النَّبِيّينَ، وَبِابيüك سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، وَبِاُمِّك فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسآءِ الْعالَمينَ، اَلا لَعَنَ اللهُ قاتِليك، وَلَعَنَ اللهُ ظالِميك، وَلَعَنَ اللهُ سالِبيك وَمُبْغِضيك، مِنَ الاْوَّلينَ وَالاْخِرينَ ».

ثمّ انحنى على القبر ومرّغ خدّيه عليه، وصلّى أربع ركعات، ثمّ جاء إلى قبر علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:

«اَلسَّلامُ عَلَيْك يا مَوْلاىَ وَابْنَ مَوْلاىَ، لَعَنَ اللهُ قاتِليüك، وَلَعَنَ اللهُ ظالِميك، اِنّى اَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ بِزِيارَتِكُمْ وَبِمَحَبَّتِكُمْ، وَاَبَرَءُ اِلَى اللهِ مِنْ اَعْدآئِكُمْ».

ثمّ قبّله وصلّى ركعتين، والتفت إلى قبور الشهداء فقال:

«اَلسَّلامُ عَلَى الاَْرْواحِ الْمُنيخَةِ بِقَبْرِ اَبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا طـاهِريüنَ مِنَ آلدَّنَسِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا مَهْدِيُّونَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَبْرارَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمَلائِكَةِ الْحآفّينَ بِقُبُورِكُمْ اَجْمَعيüنَ، جَمَعَنَا اللهُ وَاِيّاكُمْ في مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ وَتَحْتِ عَرْشِهِ».

ثمّ جاء إلى قبر العبّاس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) فوقف عليه وقال:

«السّلامُ عليك يابن أميرالمؤمنين أشهدُ أنّك قد بالغتَ في النصيحة وأدّيت الأمانة وجاهدتَ عدوّك وعدوّ أخيك، فصلواتُ الله على روحِك الطيّبة وجزاك الله من أخ خيراً».

ثمّ صلّى ركعتين ودعا إلى الله ومضى[1].

الزيارة الثانية:

تهذيب الشيخ بسنده عن صفوان بن مهران الجمّال: قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول:

«السّلام على وليّ الله وحبيبه» إلى آخر الزيارة.

فالله السّلام، ومنه السّلام، وإليه يعود السّلام، وفي مقام الدعاء أو الإخبار تقول: السلام على ولي الله وحبيبه، فتخاطب الإمام الحسين(عليه السلام) بالسّلام عليه، برفع درجاته في عالم الملكوت، كما تخبره أنك سلم لمن سالمه كما أنه من قبلك لا يصل إليه الأذى بمعصية الله، وبما تشينه في دينه ومذهبه وشخصيّته، ثمّ تسلّم عليه، وتنسبه إلى ولاية الله وأنه محبوبه، والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله، وأن الله يحبّهم ويحبّونه. وإليكم تمام الزيارة:

«اَلسَّلامُ عَلى وَلِىِّ اللهِ وَحَبيبِهِ، اَلسَّلامُ عَلى خَليلِ اللهِ وَنَجيبِهِ، اَلسَّلامُ عَلى صَفِىِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ، اَلسَّلامُ عَلىَ الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهيدِ، اَلسَّلامُ على اَسيرِ الْكُرُباتِ، وَقَتيلِ الْعَبَراتِ، اَللّـهُمَّ اِنّى اَشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّك وَابْنُ وَلِيِّك، وَصَفِيُّك وَابْنُ صَفِيِّك، الْفآئِزُ بِكَرامَتِك، اَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ، وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ، وَاَجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السّادَةِ وَ قآئِداً مِنَ الْقادَةِ، وَذآئِداً مِنْ الْذادَةِ، وَاَعْطَيْتَهُ مَواريثَ الاْنْبِيآءِ، وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلى خَلْقِك مِنَ الأْوْصِيآءِ، فَاَعْذَرَ فىِ الدُّعآءِ، وَمَنَحَ النُّصْحَ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيك، لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَك مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا، وَباعَ حَظَّهُ بِالاْرْذَلِ الأْدْنى، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالَّثمَنِ الاْوْكَسِ، وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّى فى هَواهُ، وَاَسْخَطَك وَاَسْخَطَ نَبِيَّك، وَاَطـاعَ مِنْ عِبادِك اَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ، وَحَمَلَةَ الاْوْزارِ الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ، فَجاهَدَهُمْ فيك صابِراً مُحْتَسِباً، حَتّى سُفِك فى طـاعَتِك دَمُهُ، وَاسْتُبيحَ حَريمُهُ، اَللّـهُمَّ فَالْعَنْهُمْ لَعْناً وَبيلاً، وَعَذِّبْهُمْ عَذاباً اَليماً، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْك يَا بْنَ سَيِّدِ الاْوْصِيآءِ اَشْهَدُ اَنَّك اَمينُ اللهِ وَابْنُ اَمينِهِ، عِشْتَ سَعيداً، وَمَضَيْتَ حَميداً وَمُتَّ فَقيداً مَظْلُوماً شَهيداً، وَاَشْهَدُ اَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ ما وَعَدَك، وَمُهْلِك مَنْ خَذَلَك وَمُعَذِّبٌ مَنْ قَتَلَك، وَاَشْهَدُ اَنَّك وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ، وَجاهَدْتَ فى سَبيلِهِ حَتّى اَتيكَ الْيَقينُ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِك فَرَضِيَتْ بِهِ، اَللّـهُمَّ اِنّى اُشْهِدُكَ اَنّى وَلِىٌّ لِمَنْ والاهُ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداهُ، بِاَبى اَنْتَ وَاُمّى يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فىِ الاْصْلابِ الشّامِخَةِ وَالاْرْحامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَمْ تُنَجِّسْك الْجاهِلِيَّةُ بِاَنْجاسِها، وَلَمْ تُلْبِسْك الْمُدْلَهِمّاتُ مِنْ ثِيابِها، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مِنْ دَعآئِمِ آلدّينِ وَاَرْكانِ الْمُسْلِمينَ، وَمَعْقِلِ الْمُؤْمِنينَ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ الاْمامُ الْبَرُّ التَّقِىُّ، الرَّضِىُّ الزَّكِىُّ الْهادِى الْمَهْدِىُّ، وَاَشْهَدُ اَنَّ الاْئِمَّةَ مِنْ وُلْدِك كَلِمَةُ التَّقْوى، وَاَعْلامُ الْهُدى، وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقى، وَالْحُجَّةُ على اَهْلِ الدُّنْيا، وَاَشْهَدُ اَنّى بِكُمْ مُؤْمِنٌ، وَبِاِيابِكُمْ مُوقِنٌ، بِشَرايِعِ دينى وَخَواتيمِ عَمَلى، وَقَلْبى لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ، وَاَمْرى لاِمْرِكُمْ مُتَّبِـعٌ، وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتّى يَاْذَنَ اللهُ لَكُمْ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لامَعَ عَدُوِّكُمْ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَعلى اَرْواحِكُمْ وَاَجْسادِكُمْ، وَشاهِدِكُمْ وَغآئِبِكُمْ، وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ».

وتصلّي ركعتين وتدعو بما أحببت وتنصرف[2].

ومن الواضح الثابت: أن الزيارات المأثورة في مدرسة أهل البيت: لم تكن مجرّد ألفاظ وإبراز عواطف وأحاسيس من دون أن يكون من ورائها خزائن وكنوز من العلم والمعرفة، بل نصوص الزيارات تحتوي على مفاهيم شامخة في العقائد الحقّة، والأخلاق الحسنة، والسلوك الطيّب، والتفاعل مع صفات الإمام المزور، ومع حياته وسيرته الذاتيّة، وارتباطه بالسماء، وخلافته في أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، ومن هذا المنطلق نجد ما ورد في زيارة الأربعين، ولاسيّما في الثانية المنصوصة والمعتبرة دلالات واضحة وإشارات لامعة، تنصّ على فلسفة وجود الإمام الحسين وأنه من دعائم الدين، وأركان المسلمين، فكلّ مسلم يركن إليه في إيمانه وعقائده وعباداته وحياته، كما يدخل كلّ مؤمن في حصنه ومعقله، ويركب سفينته ويستضيء بمصباحه، فإنه الإمام البرّ التقيّ الرضيّ الزكيّ الهاديّ المهديّ، فكلّ واحد يقتدي ويأتم ويتأسّى بهديه وبرّه وتقواه، ثمّ بعلم وشهود يتبع الأئمّة المعصومين: من ولده، فإنّهم كلمة التقوى وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، وحجّة الله الكبرى على أهل الدنيا، ولله الحجّة البالغة.

ويبدو لي أن البيت القصيد في هذه الزيارة الإشارة إلى سبب شهادته، وأنه لماذا اختار القتل في سبيل الله، وذلك في قوله عليه السلام: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) فلولا قيامه وثورته لما كان يقوم للإسلام قائمة، فإن الإسلام كما هو المعروف محمّدي الحدوث وحسيني البقاء (إن كان دين محمّد لم يستقم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني) فنهض الإمام الحسين وبذل مهجته الطاهرة، وسفك دمه الزكيّ، ليستنقذ عباد الله من الجهالة، فإنهم غرقوا في جهلهم، فلابدّ من نجاة غريق وكما اختاروا في ضلالتهم عن الحق وأهله، فانّ من يدعي خلافة رسول الله كيزيد بن معاوية يشرب الخمور، ويسفك الدماء الزكيّة، وأنكر الوحي والمعاد قائلاً: (لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل) فلابدّ من هادٍ، فإن لكلّ قوم هاد، فثار الإمام عليه السلام وقدّم النفس والنفيس من أجل إعلاء كلمة الحق، وحفاظاً على إسلام جدّه وأبيه، ولا يبالي بالموت وقع عليه أم وقع على الموت، وإن اجتمع عليه ثلاثين ألف من المنافقين من غرّتهم الدنيا الدنيّة وزبرجها وزخرفها، وباعوا حظهم بالأرذل الأدنى، بطاعتهم لمثل يزيد ومن قبله من الطغاة والجائرين فباعوا آخرتهم بالثمن الأوكس القليل كملك الريّ، فتغطرسوا وتردّوا في هواههم واتبعوا شهواتهم، وأسخطوا الله وأسخطوا نبيّه، ومن يؤذى الله ورسوله فعليه لعنة الله في الدنيا والآخرة، وله عذاب مهين، فأطاعوا خلفاء الجور من أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين للنار، إلى آخر ما في مفردات هذه الزيارة من الحقائق العقائديّة والتاريخيّة، كما يقف عليها العارف والمنصف، وكلّ من أراد أن يعرف الحق، وأنّه يبحث عن الحقيقة التي غابت شمسها وراء سحاب الظلم والجهالة وحبّ الدنيا.

هذا ولا بأس أن أُشير إلى خبر جابر الأنصاري (رحمه الله) مرّة اُخرى فإنّه أوّلاً: يعدّ أوّل زائر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزور الإمام الحسين (عليه السلام) بعد شهادته، وثانياً: لما في الحديث الشريف من فوائد وعوائد يقف عليها القارئ النبيل.

ورد في (بشارة المصطفى) بسنده عن عطيّة العوفي قال: خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري؛ زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب فلمّا وردنا كربلاء دنا جابرمن شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سعد فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخط خطوة إلّا ذكر الله حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه، فألمسته، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فأفاق، وقال: يا حسين ـ ثلاثاً ـ ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه.

ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك ـ أي تضرج بالدم ـ وفُرّق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنّك ابن النبيّين، وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، ومالك لا تكون هكذا، وقد غذّتك كف سيّد المرسلين، وربّيت في حجر المتّقين، ورُضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك، ولا شاكّة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريّا.

ثم جال ببصره حول القبر وقال:

«اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ أيُّها الاْرْواحِ الَّتى حَلَّتْ بِفِنآءِ قَبْرِ الحُسَين، وَاَناخَتْ بِرَحْلِهِ، اَشْهَدُ اَنَّكُمْ اَقَمْتُمُ الصَّلوةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجاهَدْتُمْ الْمُلْحِدينَ، وَعَبَدْتُمُ اللهَ حَتّى اَتيكُمُ الْيَقينُ».

والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطيّة: فقلت لجابر: كيف ولم نهبط وادياً ولم نَعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطيّة سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أحبّ قوماً حشر معهم، ومن أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم، والذي بعث محمّداً بالحقّ إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه، خذوني نحو أبيات كوفان فلمّا صرنا في بعض الطريق فقال لي: يا عطيّة هل اُوصيك وما أظنّ انّني بعد هذه السفرة ملاقيك: أحب محبّ آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ما أحبهم، وأبغض مبغض آل محمّد ما أبغضهم، وان كان صوّاماً قوّاماً، أرفق بمحبّ آل محمّد، فإنه ان تزلّ قدم بكثرة ذنوبهم، ثبتت لهم اخرى بمحبّتهم، فإن محبّهم يعود إلى الجنّة، ومبغضهم يعود إلى النار[3].

وهذه من أعظم البشارات إشارة للمؤمنين والمؤمنات، فطوبى لهم الجنّة وحسن مآب، طوبى لهم ولائهم وحبّهم لمحمّد وآل محمّد، ولمواليهم ومحبّيهم وشيعتهم الكرام.

اللّهم اجعلنا من شيعة أهل البيت في الدنيا والآخرة.


الهوامش:

[1] البحار::98 33 عن مصباح الزائر: 151 ـ 152.

[2] البحار: 98 ص332 عن التهذيب::6 113.

[3] البحار:98 169 عن البشارة: 74.

المصدر: رياض العارفين في زيارة الأربعين المرحوم السيد عادل العلوي، خصوصية زيارة الأربعين 112.

2021/09/26
الشيخ الوحيد: زُر موضع الرأس واصرخ ’يا حسين’

عند وصولك الى باب الحائر ثم وصولك الى باب الروضة يجعلك الله من المفلحين، أنا بنفسي مازلت حيران ما الخبر، عندما تصل باب روضته تصبح من المفلحين، ما معنى المفلحين؟

[اشترك]

 فلنعُد الى القرآن ونلاحظ ماهي شروط الوصول للفلاح.

 أقرأوا سورة المؤمنين (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)، ولنعلم هذا النظام أي نظام، من المؤمنون؟ (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، فما تلك الخصوصية حتى يصل الى هنا، (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، لما يصل الى هنا يصبح من المفلحين، هذه المنزلة عظيمة جداً (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤنون بالغيب) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

بزيارة واحدة عند الوصول إلى الحائر سوف يصبح من المفلحين، ما هذا الإكسير الذي ينقلب هكذا؟ يقلب الحديد الى الذهب، إذا مشى في الطريق الى قبره، ثم المهم هنا التفكير الدقيق عندما تفرغ من مناسكك في حج البيت، مع هذا الفارق أن هذا الحج حج البيت وهنا حج ذات الله، الحج هو القصد، والمقصد هناك عبارة الكعبة، أما المقصد هنا هو زيارة ذات الله لأنه ورد في النص الصحيح من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه.

ثم بعد الفراغ من الحج ماذا يحدث؟

فالذي يحير العقول أنه لما تفرغ من مناسكك كتبك الله من الفائزين، فبعد مقام المفلحين من باب مرقده الى موضع رأسه ينقلب الى الفائزين، ما هي درجة الفائزين؟ يجب أن يلاحظ كلام الله تعالى حتى يفهم الحديث.

الذين آمنوا: انظروا الآن بدقة ما هي الشروط حتى تصل هنا الفلاح، (الَّذِينَ آمَنُوا) والكلمة الثانية (وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، هذا مقام الفائزين، (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، ففي هذه المرحلة التي هي مرحلة كمال السعادة البشرية، مرهونة بزيارة موضع الرأس من قبر الحسين بن علي (عليهما السلام)، هذه الزيارة لقبره هي التي تقلب النفس هكذا، عندما تأتي أمه يوم القيامة مع ذلك الضلع المكسور والساعد المتورمة هل تطرح من على رأسها ذلك الثوب الذي تلطخ بمثل ذلك الدم، ماذا سيحدث، وماذا سيُصنع، فلهذا يجب أن تصرخ هذه المملكة في هذه السنة صرخة واحدة بـ (يا حسين)، يجب أن تصبح أرجاء المملكة نوحاً وصياحاً في عزاء مثل هذه الشخصية، فلينقلب العالم.

المصدر: محاضرة للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ وحيد الخرساني (دام ظله)

 

2021/09/25
ثمرة ’فاجعة الطف’: التوجّه الديني في المجتمع الإسلامي

من الطبيعي أن يكون لفاجعة الطف بأبعادها السابقة وتداعياتها السريعة أثرها العميق في المسلمين، بحيث أدت إلى يقظة كثير منهم، ورجوعهم لدينهم، واهتمامهم بالتعرف عليه وتحمل ثقافته، لعدة عوامل أفرزتها واقعة الطف وتداعياتها السابقة.

[اشترك]

أولها: الشعور بتدهور المجتمع الإسلامي وابتعاده عن الدين وتقصيره في أمره، بنحو يستوجب تأنيب الضمير على ذلك.

خصوصاً بعد أن ركّز أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم على عظم الجريمة، واهتموا بإحيائها والتذكير بها، بإقامة المآتم، وزيارة قبر الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ورثائه، وما يجري مجرى ذلك.

حيث يكون ردّ الفعل المناسب لذلك من كثير ممن لهم جذور دينية هو ترك السلطة ومن يتنازع عليها جانباً والرجوع للدين، والتعرف عليه، والتمسك به.

ثانيها: معاناة الناس من السلطة الجائرة، ومن تدهور الأوضاع نتيجة الصراعات والفوضى. فإن ردّ الفعل المناسب لذلك والميسور لعامة الناس- ممن لا حول له ولا قوة- هو الانكفاء على النفس، والبعد عن الفتن، واللجأ إلى الله عز وجل، وطلب رضاه بالرجوع لدينه، والتزام تعاليمه الشريفة.

ولاسيما بعد أن ظهر على السلطة الاستهتار بالدين والإستهانة به؛ فإن ذلك يؤكد الاندفاع نحو الدين، لكونه مظهراً إرادياً أو لا إرادياً للتحدي العملي للسلطة، والاحتجاج الصامت عليها، الذي فيه السلامة من خطر الاحتكاك بها، مع ما فيه من فضح السلطة، والتنبيه لسلبياتها.

ولعل لهذين الأمرين أعظم الأثر في الصحوة الدينية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في أيامنا هذه بعد موجة التحلل من الدين، تبعاً للغرب والشرق الماديين، فهي ردّ فعل لظهور العدوان من الشرق والغرب، وتجاوزهما على حقوق الشعوب.

ثالثها: قوة التشيع وانتشاره بعد فاجعة الطف: حيث أن من أبرز مفاهيم التشيع وتعاليمه ضمّ العمل للعقيدة، فقد استفاض عن النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (صلوات الله عليهم) أن الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان‌ (1). وأكدوا (صلوات الله عليهم) على العمل كثيراً.

وكان التدين والالتزام بالأحكام الشرعية من السمات البارزة في الشيعة، وقد سبق عن سفيان الثوري قوله: «وهل أدركت خيار الناس إلا الشيعة؟»، وسبق عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) ما يناسب ذلك‌ (2).

وذلك ينضم للعاملين السابقين في تنبيه عامة المسلمين لدينهم، وتحفيزهم على العمل بأحكامه، والتعرف عليها وعلى واقع دينهم في العقائد والفقه والسلوك والأخلاق.

الهوامش:

  1. نهج البلاغة ج: 4 ص: 50. الخصال ص: 178 ح: 239، ص: 179 ح: 241. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ج: 2 ص: 204. سنن ابن ماجة باب في الإيمان. المعجم الأوسط ج: 6 ص: 226، ج: 8 ص: 262. تفسير القرطبي ج: 1 ص: 372. الدر المنثور ج: 6 ص: 100. تاريخ بغداد ج: 1 ص: 271 في ترجمة محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الله. تهذيب الكمال ج: 18 ص: 82 في ترجمة عبد السلام بن صالح. سير أعلام النبلاء ج: 15 ص: 400 في ترجمة علي بن حمشاذ. وغيرها من المصادر الكثيرة.
  2. تقدمت مصادرهما في ص: 382.

المصدر: مقتطف من كتاب فاجعة الطف للمرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص418-419.

2021/09/25
مجلس للحسين وللباكين عليه.. مرحباً بكم في عرش الله!

سر من أسرار أبي الأحرار

قال الله سبحانه في محكم كتابه الكریم (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ).

[اشترك]

قال رسول الله محمد المصطفی: (كُتب علی یمین عرش الله بلون أخضر ـ وهو لون المعرفة ـ الحسین مصباح الهدی وسفینة النجاة).

وعن الإمام الحسین بن علي علیهم السلام، قال: (دخلت علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعنده أُبيّ بن كعب فقال لي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: مرحباً بك یا أبا عبدالله، یا زین السماوات والأرضین. فقال له أُبيّ: وكیف یكون یا رسول الله زین السماوات والأرض أحد غیرك؟ فقال: یا أُبيّ، والذي بعثني بالحقّ نبیّاً إنّ الحسین بن عليّ في السماء أكبر منه في الأرض، فإنّه لمكتوب عن یمین عرش الله: مصباح هدی وسفینة نجاة وإمام خیرٍ ویمن (غیر وهن)، وعزّ وفخر وبحر علم وذخر، وإنّ الله عزّوجلّ ركب في صلبه نطفة طیّبة مباركة زكیّة، ولقد لُقّن دعوات ما یدعو بهنّ مخلوق إلّا حشره الله عزّوجلّ معه، وكان شفیعه­­­­في آخرته، وفرّج الله عنه كربه، وقضی بها دینه ویسّر أمره وأوضح سبیله، وقوّاه علی عدوّه، ولم یهتك ستره. فقال له اُبيّ بن كعب: ما هذه الدعوات یا رسول الله؟ قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد: «اللّهم إنّي أسألك بكلماتك، ومعاقد عرشك، وسكان سماواتك، وأنبیائك ورسلك أن تستجیب لي، فقد رهقني من أمري عسر، فأسألك أن تصلّي علی محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من عسري یُسراً»، فإنّ الله عزّوجل یسهّل أمرك، ویشرح لك صدرك، ویلقّنك شهادة أن لا إله إلّا الله عند خروج نفسك». والحدیث المبارك طویل فیه أسماء الأئمة من ولد الإمام الحسین وأدعیتهم الشریفة، فراجع.

جاء في الخصائص الحسینیّة لآیة الله المحقّق الشیخ جعفر الستتري رضوان الله تعالی علیه: وقد كتب مدحه وثنائه عن یمین العرش: (إنّ الحسین مصباح الهدی وسفینة النجاة) فأعطاه الله من أعظم مخلوقاته، یغي عرشه العظیم. ولهذا الإعطاء الرّباني والكرامة الحسنیة والتي كانت من خصائصه كیفیات متفاوتة لما في العرش من خصوصیات.

فنقول:

أولاً إنّه قد أعطی الله الإمام الحسین علیه السلام من العرش ظلّه، لجعله له مجلساً یجلس فیه یوم القیامة، ومعه زوّاره والباكون علیه فیرسل إلیهم أزواجهم من الجنّة فیأتون ویختارون مجلسه وحدیثه.

وثانیاً: وقد أعطاه یمین العرش فجعله مقرّاً له في برزخه، فإنّه عن یمین العرش دائماً ینظر إلی مصرعه ومن حلّ فیه.

وثالثاً: وینظر إلی زوّاره والباكین علیه، ویستغفر لهم ویخاطبهم، ویسأل جدّه وأباه أن یستغفرا لهم (بالله علیك من كان النبيّ وآله الأطهار والإمام الحسین علیهم السلام، یستغفر له فهل یبقی له ذنب یعاقب علیه یوم القیامة؟!)

ورابعاً: وقد أعطاه فوق العرش محلّ حدیث لزائره، وأيّ حدیث فقد ورد في بعض أقسام زیاراته أنّه یكون من محدّثي الله فوق عرشه، فالعرش مجلس حدیث لزوّاره ظلّه لمن یحدّثه،  وفوقه لمن یحدّثه الله.

وخامساً: وقد أعطاه أظلّة العرش التي إقشعرّت لدمه وبكت علیه.

وسادساً: وقد أعطاه نظیر العرش من أصناف الملائكة المحدقین والطائفین.

وسابعاً: هناك كیفیّة أعلی من ذلك وأبلغ فكأنه قد أعطاه العرش كلّه له، لأنّه إذا كان مع أخیه الإمام الحسن المجتبی علیه السلام زینة للعرش الإلهي وقرطاً وشنفاً، فكلّ شيء بزینته، فلو تكلّم العرش لقال: أنا من حسین ـ فهو حسیني الوجود والهوی وكفی.

2021/09/23
ما حقيقة صلة القرابة بين ’شمر’ وأبي الفضل العباس (ع)؟!

هل هناك نسبة أو صلة رحم بين الشمر بن ذي الجوشن (لعنه الله) والسيّدة أمّ البنين (سلام الله عليها)؟

[اشترك]

إنّ السيّدة أمّ البنين (عليها السلام) هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر الكلابيّة العامريّة، وأمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. [ينظر: عمدة الطالب ص356].

وشمر (لعنه الله) هو ـ كما يُقال على الظاهر ـ ابن ذي الجوشن بن الأعور بن عمرو بن معاوية ـ وهو ضِباب ـ بن كلاب بن ربيعة بن عامر الضبابيّ الكلابيّ. وقد اختلف في اسم أبيه فقيل: اسمه أوس، وقيل: شرحبيل، وقيل: جوشن بن ربيعة الكلابيّ، وهناك تشويش وغموض في نسبه (لعنه الله).

وبناءً على هذا، يظهر أنّ الالتقاء في النسب في (كلاب)، فإنّ أمّ البنين (عليها السلام) من ذرية عامر بن كلاب، بينما الشمر من ذرية معاوية بن كلاب. وعليه، فما ورد في كتب السير والمقاتل [ينظر: اللهوف ص54]، من تسمية شمر (لعنه الله) لأبي الفضل العبّاس وإخوته (عليهم السلام) بـ « بني أختي »، وما جاء من قول الإمام الحسين (عليه السلام) لهم: «أجيبوه وإن كان فاسقاً، فإنّه بعض أخوالكم »، فليس ذلك على أنّها أخته حقيقة، فقد تقدّم: أنّ الالتقاء في الجدّ الأعلى لا الأب المباشر حتّى يكون بني أمّ البنين (عليها السلام) أولاد أخته، ولهذا قال العلّامة الأوردباديّ في [حياة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) ص206] بعد تحقيق أنيق: « فتعبير الشمر (عليه لعائن الله) عن بني أمّ البنين بـ(بني الأخت) ليس إلّا لِمَا جرت عليه عادة العرب من تسمية بنت القبيلة بالأخت، وبنيها ببنيها، وابنها بالأخ، وبنيه ببنيه ».

وينبغي التنبيه على أنّه نقل الشيخ عبّاس القميّ (قدّس سرّه) في [سفينة البحار ج4 ص492]: « عن كتاب (المثالب) لهشام بن محمّد السائب الكلبيّ: أنّ امرأة ذي الجوشن خرجت من جبانة السبيع إلى جبانة كندة، فعطشت في الطريق ولاقت راعياً يرعى الغنم، فطلبت منه الماء فأبى أن يعطيها إلّا بالإصابة منها، فمكّنته فواقعها الراعي، فحملت بشمر »، وهذا ما يفسّر معنى قول سيّد الشهداء (عليه السلام) لشمر يوم عاشوراء: « يا ابن راعية المعزى » [ينظر: الإرشاد ج2 ص96، أنساب الأشراف ج3 ص187، تاريخ الطبري ج4 ص322، وغيرها]، وقد جاء كلام زهير بن القين (رضوان الله عليه) لشمر: « يا ابن البوّال على عقبيه، ما إيّاك أخاطب، إنّما أنت بهيمة، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم » [ينظر: تاريخ الطبري ج4 ص324، الكامل في التاريخ ج4 ص63، وغيرها]..

ولهذا نجد مثل العلّامة الأوردباديّ في [حياة العباس (عليه السلام) ص204] يقول: « وأمّا شمر فنسبه الصوريّ أنّه ابن ذي الجوشن.. » إشارة منه إلى أنّه ابن زنا، ويقول المحقّق النمازي في [المستدركات ج4 ص220]: « شمر بن ذي الجوشن: تولّد من الزنا ».

وهذه الحقيقة تسندها الأحاديث القطعيّة المرويّة عند الشيعة والسنّة من أنّ نصب الشخص وبغضه لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولأولاده (عليهم السلام) علامة كونه ابنَ زنا، كالمرويّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): « يا عليّ لا يبغضك إلّا ولد الزنا »، وقد كان الصبيّ ـ إذا شُكّ في نسبه ـ على عهد الصحابة يُعرَض عليه محبّة أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن قبلها أُلحق بمَن ينتمي إليه وإن أنكرها نفي، ورُوي: أنّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ (رضوان الله عليه) كان يدور في سكك الأنصار بالمدينة وهو يقول: « يا معشر الأنصار، أدّبوا أولادكم على حبّ علي، فمَن أبى فانظروا في شأن أمّه ».

وتسندها أيضاً الأحاديث المستفيضة أنّه لا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء (عليهم السلام) إلّا أولاد الزنا والبغايا وأنّ قاتل الحسين (عليه السلام) ابن زنا، وقد روى ابن قولويه في [كامل الزيارات ص161] جملة من الأحاديث وبأسانيد متعدّدة عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): « كان قاتل الحسين (عليه السلام) ولد زنا ».

فأين هذا ابن البوّال على عقبيه وابن راعية المعزى، من سليلة الأشراف والشجعان، فقد رُوي: « أن أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) قال لأخيه عقيل - وكان نسّابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم -: انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً، فقال له: تزوّج أمّ البنين الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها، فتزوّجَها » [عمدة الطالب ص357، سر السلسلة العلوية ص88].

ويتبيّن ممّا تقدّم: أنّ صلة القرابة بين السيّدة الطاهرة أمّ البنين (عليها السلام) وبين أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن (عليه لعائن الله) هي أنهما أبناء عمومة بحسب الظاهر، ويلتقي نسبهما في (كلاب) الجدّ الأعلى، وأما بحسب الواقع فهو ولد لغية نتاج سفاح وزنا (قبّحه الله وأخزاه).

2021/09/22
العقيدة عند سيد الشهداء: انزلوا عن منبر جدي!

موقف الإمام الحسين (عليه السلام) في أمر الخلافة

إن الإمام الحسين السبط (صلوات الله عليه)، فقد جرى على سنن أهل بيته في التذكير بحقهم.

[اشترك]

1 ـ فقد أنكر على عمر وهو على المنبر فقال: "انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك"، فقال له عمر: إن أبي لم يكن له منبر (1).

بل في حديث عبد الله بن كعب: "إن الحسين بن علي (عليه السلام) قام إلى عمر وهو على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: انزل عن منبر جدي، فقال عمر: تأخر يا ابن أخي، قال: وأخذ حسين برداء عمر، فلم يزل يجذبه، ويقول: انزل عن منبر جدي، وتردد عليه حتى قطع خطبته، ونزل عن المنبر، وأقام الصلاة... وحسين (عليه السلام) يومئذِ دون المحتلم" (2).

2 ـ وقد تقدم منه (عليه السلام) في جواب السؤال الثاني قوله في وصيته لأخيه محمد ابن الحنفية: "وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب".

منبهاً بذلك إلى أن السيرة الرشيدة التي ينبغي أن تتبع هي سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) دون سيرة غيرهما ممن تسنم السلطة.

وربما يكون بذلك قد أضعف موقفه المادي، حيث يخسر تأييد من يوالي الأولين، ويفقد تعاطفهم معه، وهم في وقت نهضته (عليه السلام) كثيرون، ويتعرض لتهريج الأمويين، الذين يعدون ذلك نقطة ضعف على أهل البيت (عليهم السلام)، نظير ما تقدم من معاوية في كتابيه للإمام الحسن (صلوات الله عليه)، وما تقدم ويأتي منه فيما كتبه لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام).

ولكن الإمام الحسين (عليه السلام) رأى أن التأكيد على مبادئ أهل البيت (عليهم السلام)، ومذهبهم في الحكم والسلطة، أهم من القوة المادية، وتكثير المؤيدين له والمتعاطفين معه.

3ـ وكذلك فعل (صلوات الله عليه) حينما كتب من مكة المكرمة إلى جماعة من رؤساء البصرة كتاباً واحداً يقول فيه: "أما بعد فإن الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلغ ما أرسل به (صلى الله عليه وآله وسلم). وكنا أهله، وأولياءه، وورثته، وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضين، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه..." (3).

وكلامه (عليه السلام) هذا ـ كما ترى ـ صريح في التأكيد على حقهم (عليهم السلام) في الخلافة، وفي أن رضاهم (عليهم السلام) بما حصل إنما كان كراهة للفرقة وطلباً للعافية، لا لأنهم تنازلوا عن حقهم لغيرهم، ورضوا بتوليه له، وأمضوا حكمه، لأنهم يرونه أهلاً له.


الهوامش:

(1) سير أعلام النبلاء 3: 285 في ترجمة الحسين الشهيد، واللفظ له. الإصابة 2: 77 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. معرفة الثقات 1: 301 في ترجمة حسين بن علي ابن أبي طالب. تهذيب التهذيب 2: 300 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. تهذيب الكمال 6: 404 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. تاريخ واسط 1: 203 في ترجمة أبي الحسين سعدبن وهب ابن سنان السلمي. تاريخ الخلفاء: 143 في ترجمة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : فصل في نبذ من أخباره وقضاياه. تاريخ بغداد 1: 141 في ترجمة الحسين بن علي. بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2584، 2585 في ترجمة الحسين بن علي بن عبد مناف أبي طالب. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة 1: 295 في ترجمة الحسين بن علي. علل الدارقطني 2: 125. تاريخ دمشق 14: 175، 176 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. كنز العمال ج13 ص654 حديث:37662. تاريخ المدينة المنورة 3: 799.

(2) تاريخ المدينة المنورة 3: 798.

(3) تاريخ الطبري 3: 280 في ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه)، واللفظ له. البداية والنهاية 8: 157 ـ 158 في قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله.

المصدر: في رحاب العقيدة، المرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم، ج2، ص129-131.

2021/09/21
هل تقع ’أربعينية الإمام الحسين’ في التاسع عشر من صفر؟!

هل تقع الأربعين في التاسع عشر من صفر؟!

بعد أن نشرتُ مقالاً حول زيارة الأربعين سألني أحد المؤمنين سؤالاً وجيهاً يتعلّق بتحديد يومها وتعيين وقتها في شهر صفر، فهل تصادف الأربعين يوم التاسع عشر أم العشرين من صفر؟

[اشترك]

 فبالرغم من أنّ المعروف من أنّها تقع في العشرين من شهر صفر، وأنّ ذلك هو علّة تسميتها بالأربعين، كما يقول الكفعمي(ت905هـ): إنّما سميت بزيارة الأربعين لأن وقتها يوم العشرين من صفر؛ وذلك لأربعين يوماً من مقتل الحسين..(عنه: بحار الأنوار ج : 98 ص : 334).. إلا أنّ إعمال العد، وإجراء الحسبة يفضي إلى أنّ عدد الأيام التي مرّتْ على الشهادة من عاشر محرّم إلى العشرين من صفر؛ هي واحد وأربعون يوماً!

 وأوّل من طرح هذا السؤال الاشكالي هو ابن طاووس (ت664هـ)، فكتب يقول: "كيف يكون يوم العشرين من صفر يوم الأربعين، إذا كان قتل الحسين صلوات الله عليه يوم عاشر من محرم، فيكون يوم العاشر من جملة الأربعين، فيصير أحدا وأربعين؟".(اقبال الأعمال،ج3،ص100)، ثمّ بعده بمدة مديدة جاء الشيخ البهائي(ت1030هـ) متبنياً الإشكال، ومسلّماً به قائلاً عن يوم: التاسع عشر من صفر فيه زيارة الاربعين لابي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهى مروية عن الصادق ووقتها عند ارتفاع النهار وفى هذا اليوم وهو يوم الاربعين من شهادته عليه السلام..(انظر-توضيح المقاصد،ص7).

إلا أنّ السيد صاحب الإقبال قد عقّب السؤال وعالج الاشكال بإحدى معالجتين، فقال: لعله قد كان شهر محرم الذي قتل فيه) صلوات الله عليه) ناقصاً، وكان يوم عشرين من صفر تمام أربعين يوماً، فإنّه حيث ضبط يوم الأربعين بالعشرين من صفر، فأمّا أن يكون الشهر- كما قلنا- ناقصاً، أو يكون تاماً ويكون يوم قتله (صلوات الله عليه) غير محسوب من عدد الأربعين؛ لأنّ قتله كان في أواخر نهاره، فلم يحصل ذلك اليوم كله في العدد، وهذا تأويل كاف للعارفين، وهم اعرف بأسرار رب العالمين في تعيين أوقات الزيارة للطاهرين.(المصدر السابق).

وما ذكره رحمه الله في الجواب الأول لا دليل عليه، وإن كان محتملاً، ومن ثمّ فالعمدة في الجواب هو أنّ مبدأ الحساب هو اليوم التالي ليوم العاشر، والوجه في ذلك هوما أشار إليه آنفاً من أنّ الاستشهاد كان في آخر النهار فلا يحسب، وعليه يكون يوم العشرين من صفر هو تمام الأربعين، وهذا هو السبب في إدراج القدماء طراً زيارة الأربعين ضمن أعمال العشرين من صفر.

2021/09/21
عمر وابن الحنفية.. هل تخلف بعض بني هاشم عن نصرة الحسين (ع)؟!
هل عمر بن الامام علي وأخيه الثاني، ومحمد بن الحنفية، وزوج السيدة زينب عليها السلام، هل هؤلاء خانوا الامام الحسين عليه السلام أم كذب؟؟

لا يمكن الحكم بخيانتهم وخذلانهم للإمام الحسين (عليه السلام)، فيحتمل أن يكون الإمام قد أذن لهم في البقاء، كي لا يفنى نسل أمير المؤمنين (ع)، أو لعلّ الإمام لم يطلب منهم الخروج معه، لحصول الغرض بمن خرج معه من بني هاشم، وأذن للبقية منهم بالبقاء ليشكلوا ثقلاً في مقابل بني أمية، ولا تخلو الساحة منهم، ويكون لهم دورٌ في معادلات الأحداث لاحقاً.

فلا يجوز الكلام عنهم بسوء مادام لا وجود لبيّنة شرعية ثابتة تثبت إدانتهم أو إدانة الإمام المعصوم لهم.

وقد فصّلنا الكلام في عدم خروج محمد بن الحنفية، وذكرنا وجوهاً عديدة لبقاءه وعدم خروجه، فيمكن ملاحظة بعضها وتطبيقها على عدم خروج البقية منهم.

نقل بعض علماء الأنساب أنّ الإمام الحسين (ع) دعا أخاه عمر إلى الخروج معه، ولكنه رفض! ويقال: إنه لما بلغه قتل أخيه الحسين (ع) خرج في معصفرات له وجلس بفناء داره وقال: أنا الغلام الحازم ولو أخرج معهم لذهبت في المعركة وقتلت. (عمدة الطالب لابن عنبة ص362).

ولكن ما نقلوه كلام مرسَل يصعب البناء عليه.

ولا تصح رواية حضوره في كربلاء مع أخيه الحسين (ع).

أما عبد الله بن جعفر زوج السيدة زينب (ع)، فهو رجل متفانٍ في ولاية أهل البيت (ع)، ولم يتزحزح قيد أنملةٍ، وقدّمَ ثلاثاً أو اثنين من أبنائه شهداء بين يدي أبي عبد الله الحسين (ع).

وتنصّ الروايات أنّه كان يحاول جاهداً رفع حكم القتل الصادر بحق الإمام الحسين (ع).

ولذا لم يجلس مكتوف اليدين، بل فعّلَ وحرّكَ ما بوسعه من علاقات ومعارف، واستطاع بشكل جزئي وبسيط أن يترك تأثيراً، ولكن لما كانت القضية أكبر بكثير مما يتصوره، وخرجَ أبي عبد الله الحسين (ع) من مكة، أرسل مجموعة من ابناءه معه.

وأما عبيد الله بن علي بن أبي طالب، فلم نعثر على شيء يدلّ على دعوة الإمام الحسين (ع) له إلى النصرة.

قال العلامة الحلي في تبرير عدم خروج عبد الله بن جعفر وأمثاله من عبيد الله وبقية أبناء امير المؤمنين (ع) بعد أن ذكر أن محمد بن الحنفية كان مريضاً: ويحتمل في غيره (يعني في غير محمد بن الحنفية) عدم العلم بما وقع لمولانا الحسين عليه السلام من القتل وغيره، وبنوا على ما وصل من كتب الغدرة إليه وتوهموا نصرتهم له. (أجوبة المسائل المهنائية ص38 – 39).

وخلاصة كلامه: أنّ هؤلاء لم يكن عندهم علمٌ بأنّ الإمام الحسين (ع) سيقتل، وإنما ظنوا أنّ الكوفيين سينصرونه، ولذا لم يخرجوا معه.

وسواء صحّ هذا الوجه أم لم يصح، ففيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى.

2021/09/21
جابر والأربعين.. ما حقيقة فقده للبصر؟

لم يكن جابرٌ كفيفًا يومَ الأربعين

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر» 

هل كان جابرُ بن عبد الله الأنصاري مكفوفَ البصر حين زيارتِه لقبر الحسين (ع)؟ وإذا كان مكفوفاً فكيف نُوفِّق بين ذلك وبين ما ورد أنَّه التقى بالإمام الباقر (ع) ورأى شمائلَه وبلَّغه سلامَ النبيِّ الكريم (ص)؟

[اشترك]

لم يكن جابرُ بن عبد الله الأنصاري كفيفًا حينَ زيارتِه لقبر الحسين (ع) ولا بعدها وإنَّما كُفَّ بصرُه في آخر عمرِه والذي امتدَّ إلى سنةِ أربعٍ وسبعين أو ثمان وسبعين للهجرة، فهو قد بقيَ بعد مقتلِ الحسين (ع) ثلاثة عشر سنة على أقلِّ تقدير أو سبعة عشر سنةٍ على أكثرِه. عن عمرٍ بلغ أربعاً وتسعين سنة وقيل سبعاً وتسعين سنة (1).

وأما إدراكه للإمام الباقر (ع) والتقائه به ورؤيته لشمائله وتبليغه لسلامِ الرسول (ص) أمرٌ ثابتٌ نصَّت عليه رواياتٌ مستفيضةٌ وصريحةٌ في أنَّه كان حينذاك بصيرًا:

فمن ذلك ما رواه الشيخُ الصدوق في الأمالى بسندٍ صحيح قال: حدَّثنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدَّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدَّثنا محمد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: إنَّ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله) قال ذاتَ يومٍ لجابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر، إنَّك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، المعروف في التوراة بالباقر، فإذا لقيتَه فأقرئه مني السلام.

فدخل جابر إلى عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) فوجد محمد بن عليٍّ (عليهما السلام) عنده غلامًا، فقال له، يا غلام، أقبِلْ. فأقبَلَ، ثم قال له: أدبِرْ. فأدبَر، فقال جابر: شمائلُ رسولِ الله وربِّ الكعبة، ثم أقبل على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال له، مَن هذا؟

قال: هذا ابني، وصاحبُ الأمر بعدي محمد الباقر. فقام جابرُ فوقع على قدميه يُقبِّلهما، ويقول: نفسي لنفسك الفداء يابنَ رسول الله، إقبَلْ سلامَ أبيك، إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقرأُ عليك السلام. قال: فدمعتْ عينا أبي جعفرٍ (عليه السلام)، ثم قال: يا جابر، على أبي رسولِ الله (صلَّى الله عليه وآله) السلام ما دامتِ السماواتُ والأرض، وعليك -يا جابر- بما بلَّغتَ السلام"(2).

فهذه الروايةُ الصحيحة صريحةٌ في أنَّ جابرًا الأنصاري كان بصيرًا حين التقائه بالإمام الباقر (ع) فهو- بحسب الرواية- قد وجد عند الإمام السجَّاد (ع) غلامًا فأقبَلَ عليه وقال له أقبِلْ وأدبِرْ ليتحقَّق من شمائلِه ثم أقسَمَ بربِّ الكعبة إنَّ شمائلَه هي شمائلُ رسولِ الله (ص) وكيف يتسنَّى له التحقُّق من شمائلِ الباقر (ع) وما هي جدوى الأمر بالإقبال والإدبار لولا أنَّه كان بصيرًا.

وثمة روايةٌ أخرى قريبةُ المضمون من هذه الرواية أوردها الكلينيُّ في الكافي بسندٍ معتبرٍ عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله الصادق (ع) ورد فيها: ".. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْه قَالَ: يَا غُلَامُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ: لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ: شَمَائِلُ رَسُولِ الله (ص) والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، يَا غُلَامُ مَا اسْمُكَ قَالَ: اسْمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَأَقْبَلَ عَلَيْه يُقَبِّلُ رَأْسَه ويَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، أَبُوكَ رَسُولُ الله (ص) يُقْرِئُكَ السَّلَامَ .."(3).

وهذه الرواية أصرحُ من التي سبقتها حيثُ اشتملتْ على قوله (ع): "فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْه قَالَ: يَا غُلَامُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ: لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ" ثم أقسَم إنَّ شمائلَه شمائلُ رسولِ الله (ص).

وأورد الشيخُ الصدوق في كمال الدين روايةً أخرى مشتملةً على ما يقربُ من مضمون الروايتين السابقتين أوردَهها بسندِه عن جابر بن يزيد الجعفي (رحمه الله) ورد فيها: ".. قال جابر بن يزيد: فدخل جابرُ بن عبد الله الأنصاري على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) فبينما هو يُحدِّثه إذ خرج محمد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) من عند نسائه وعلى رأسه ذؤابة وهو غلام، فلمَّا بصُر به جابر ارتعدتْ فرائصُه، وقامت كلُّ شعرةٍ على بدنه، ونظر إليه مليَّاً، ثم قال له: يا غلام أقبِلْ فأقبَلْ، ثم قال له: أدبِرْ فأدبَرْ، فقال جابر: شمائلُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وربِّ الكعبة، ثم قام فدنا منه، فقال له: ما اسمُك يا غلام؟ فقال: محمد قال: ابنُ مَن؟ قال: ابنُ عليِّ بن الحسين، قال: يا بُني فدتْك نفسي فأنتَ إذن الباقر؟ فقال: نعم .." (4)

وهذه الرواية أصرح من الروايتين السابقتين حيث أفاد فيها جابرُ الجعفي أنَّ جابرًا الأنصاري بصُر بالباقر (ع) حين دخوله فارتعدتْ فرائصُ جابر وقامتْ كلُّ شعرةٍ على بدنه ثم قال: "ونظر إليه مليًّا" ثم أمره بالأقبال والإدبار ليتحقَّق من شمائله. ثم أقسم بربِّ الكعبة انَّ شمائلَه شمائلُ رسول الله (ص). وممَّا يصلحُ للإستدلال به على أنَّ جابرًا الأنصاري لم يكن كفيفًا عند زيارته لقبر الحسين (ع) وأنَّه ظلَّ كذلك إلى وقتٍ متقدِّم من حياةِ الإمام الباقر (ع) ممَّا يصلح للإستدلال به على ذلك ما ورد في رواية اللوح المستفيضة والتي اشتملت على أسماء الأئمة الإثني عشر واحدًا بعد الآخر، ونذكرُ من طرقِها ما أوردَه الشيخُ الكلينيُّ في الكافي بسندٍ معتبرٍ عن أبي بصير عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (ع) قَالَ: قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا فَقَالَ لَه جَابِرٌ: أَيَّ الأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَه فَخَلَا بِه فِي بَعْضِ الأَيَّامِ فَقَالَ لَه: يَا جَابِرُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَه فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ (ع) بِنْتِ رَسُولِ اللَّه (ص) ومَا أَخْبَرَتْكَ بِه أُمِّي أَنَّه فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ فَقَالَ جَابِرٌ: أَشْهَدُ بِالله أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ (ع) فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله (ص) فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ ورَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا لَوْحًا أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّه مِنْ زُمُرُّدٍ ورَأَيْتُ فِيه كِتَابًا أَبْيَضَ شِبْه لَوْنِ الشَّمْسِ فَقُلْتُ لَهَا بِأَبِي وأُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ الله (ص) مَا هَذَا اللَّوْحُ فَقَالَتْ: هَذَا لَوْحٌ أَهْدَاه الله إِلَى رَسُولِه (ص) فِيه اسْمُ أَبِي واسْمُ بَعْلِي واسْمُ ابْنَيَّ واسْمُ الأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وأَعْطَانِيه أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ: فَأَعْطَتْنِيه أُمُّكَ فَاطِمَةُ (ع) فَقَرَأْتُه واسْتَنْسَخْتُه فَقَالَ لَه أَبِي: فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَه عَلَيَّ قَالَ: نَعَمْ فَمَشَى مَعَه أَبِي إِلَى مَنْزِلِ جَابِرٍ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ فَقَالَ يَا جَابِرُ: انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَةٍ فَقَرَأَه أَبِي فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفًا فَقَالَ جَابِرٌ: فَأَشْهَدُ بِالله أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُه فِي اللَّوْحِ مَكْتُوبًا".

ثم أورد نصَّ الكتاب المشتمل على أسماء الأئمة (ع)، وموضعُ الشاهد من الرواية هو قولُ الإمام الباقر (ع) لجابرٍ الأنصاري: "انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَةٍ فَقَرَأَه أَبِي فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفًا" فهو صريحٌ بأنَّ جابرًا (رحمه الله) كان حينها بصيرًا يتمكَّنُ من النظر فيما كَتَب.

وأوردَ هذه الرواية الشيخُ الطوسيُّ في الأمالي من طريقٍ آخر ورد فيه فقال له -الباقر (ع)-: فهل لك أنْ تُعارضني به؟ قال: نعم. فمضى جابرٌ إلى منزلِه وأتى بصحيفةٍ من كاغد فقال له: انظرْ في صحيفتِك حتى أقرأَها عليك، وكان في صحيفتِه مكتوب .." (5).

فجابرٌ -بحسب الرواية-  كان ينظر في صحيفته - التي نسخها من اللوح الذي وجده عند فاطمة (ع)- والباقر (ع) يقرأُ عليه ليتثبَّت من مطابقةِ ما يقرأُ مع ما هو مكتوبٌ في صحيفةِ جابرٍ (رحمه الله).

وثمة طرقٌ ورواياتٌ أخرى يطولُ بعرضها المقام، والمقدارُ الذي أوردناه كافٍ للتثبُّت من أنَّ جابرًا الأنصاري لم يكن كفيفًا عند تشرُّفه  بزيارة قبر الحسين (ع) بعد مَقتلِه وأنَّ ما هو متداولٌ لدى بعض الأخوة الخطباء من أنَّه كان حينها كفيفًا نشأ عن الغفلة عن ملاحظة هذه الروايات المستفيضة.

وأمَّا ما أوردَه محمَّد بن أبي القاسم الطبري في بشارة المصطفى ممَّا يُوهم أنَّ جابرًا الأنصاري كان حينذاك مكفوفَ البصر فهو ممَّا لا يصلحُ لمعارضة هذه الروايات التي تفوقُ طرقها حدَّ الاستفاضة، على أنَّ ما أوردَه في كيفيَّة زيارة جابر (رحمه الله) ليس صريحًا بل ولا ظاهرًا في أنَّ جابرًا كان كفيفًا عند زيارته للقبر الشريف، فالعبارةُ التي قد يظهرُ منها بدْوًا أنَّ جابرًا كان حينها كفيفًا هي قوله لعطيَّة العوفي حين دنا من القبر الشريف: ألْمسْنِيه، فألمستُه، فخرَّ على القبر مغشيًا عليه ..." (6).

فهذه الفقرة من النصِّ ظاهرةٌ بدوًا في أنَّ جابرًا كان كفيفًا إلا أنَّه عند ملاحظة تمامِ النصِّ ينتفي هذا الظهور، فقد اشتمل النصُّ على أنَّ جابرًا بعد أنْ قرأ الزيارة وأبَّنَ الحسين (ع) قال: "وأشهدُ أنَّك مضيتَ على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا. ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلامُ عليكم أيُّتُها الأرواحُ التي حلَّت بفناءِ الحسينِ وأناخَتْ برحلِه ..."(7).


الهوامش:

1- سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 ص 194، 192، الإصابة -ابن حجر- ج1 ص 547، الأبواب (رجال الطوسي) -الشيخ الطوسي- ص 31، الأخبار الطوال -ابن قتيبة الدينوري- ص 316.

2- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص 435.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 ص470.

4- كمال الدين -الشيخ الصدوق- ص 353.

5- الأمالي -الشيخ الطوسي- ص 291.

6- بشارة المصطفى -محمَّد بن أبي القاسم الطبري- ص 125.

7- بشارة المصطفى -محمَّد بن أبي القاسم الطبري- ص 125.

2021/09/20
زيارة الأربعين في مواجهة ’الكآبة’ و ’العُزلة’!
تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة "الأئمة الاثنا عشر"

كتب مرتضى معاش: زيارة الاربعين وتحديات تحقيق النهضة الشاملة

 

زيارة الأربعين مناسبة خاصة استثنائية ليس فقط بسبب القدسية العظيمة لهذه الزيارة بل هناك سبب آخر متمثل بالحشود الكبيرة التي تأتي من كل بقاع الأرض لزيارة المعشوق.

[اشترك]

وهذا الحماس الكبير الذي يملكونه جاء ضمن الانفتاح الكبير الذي حصل عليه الشيعة بعد ان كانوا محرومين منه قبل عام 2003، فقد كانوا يعيشون في ضنك وانغلاق تام وظلم واضطهاد ومازال الى الان الكثير يعانون هذه المعاناة، ولكن الشيعة في العالم والعراق بعد سقوط النظام البائد وحصول الانفتاح على العالم استطاعوا الوصول الى الامام الحسين (عليه السلام)، وهذا الدافع والحماس لم يخبو بل يتطور كل سنة.

وزيارة الأربعين بهذه الطاقة الكبيرة تفرض علينا ان ندرس هذه الظاهرة بشكل واسع من اجل تحقيق النهضة الشاملة وما نقصده هو النهضة الاجتماعية، السياسية، الاعلامية، الاقتصادية...الخ. وهذا تحدٍ كبير أمامنا كرجال دين وباحثين وحوزات دينية وجامعات ومراكز دراسات ومؤسسات ثقافية ونخب اكاديمية وثقافية وإعلامية وسياسية تفرضها علينا استحقاقات زيارة الأربعين.

وكذلك تحتاج الى وقفة عميقة مشتركة من خلال المؤتمرات والندوات ومراكز البحوث والدراسات للوصول الى الكيفية الصحيحة لاستثمارها في سبيل تحقيق التقدم الاجتماعي.

النهضة الاجتماعية

اليوم العالم يعيش تطورا تكنولوجيا كبيرا ووصل الى القمة بما يسمى بالذكاء الاصطناعي واعتماد المجتمعات على وسائل التواصل الاجتماعي مما جعلها تعيش حالة من الاختلال الثقافي والسلوكي وهذا ادى الى انعزال تام وأصاب الكثير حالة الاضطراب الفردي.

مما حدا ببعض الدول الاهتمام البالغ بإقامة المهرجانات والاحتفالات والتجمعات بهدف إخراج مجتمعاتهم من الحالة الفردية الى الحالة الجمعية من اجل تعزيز روح الجماعة، لان المجتمع الذي لا يوجد فيه تفاعل اجتماعي او تواصل يكون مجتمعا ميتا، فالانعزال يؤدي الى الكآبة والوحدة المقيتة.

ومن هنا علينا ان نعي ونعرف نعمة الزيارات وخصوصا زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، فهذا التموج الجمعي الكبير التلقائي يدفع الناس لإظهار القيم الإنسانية النبيلة كالعطاء والتكافل والكرم التي تسهم في تعزيز الروح الجمعية وتكسر حواجز الانعزال والسلبية، فلابد ان ندرس هذه الحالة من اجل توطيد الثقافة المجتمعية والمشاركة الإنسانية التضامنية لترسيخ هذه القيم واستثمارها الشامل في الإصلاح الاجتماعي وتحقيق أمنيات الناس وتطلعاتهم.

وهذه المسؤولية تقع على عاتق النخب ولكن للأسف نلاحظ هناك بعض النخب تقوم بجلد ذاتها وجلد المجتمع عن طريق التعاطي مع هذه الظاهرة الجمعية الجميلة بطريقة سلبية وانتقادها، بينما الصحيح والمفروض هو استثمار هذه الظواهر كقيمة فكرية وتفاعلية في طريق الإصلاح والتغيير.

النهضة الاقتصادية

الانفتاح الشيعي على العالم له تحديات وواحدة منها هو التحدي الاقتصادي، وزيارات اهل بيت رسول الله (ص) بشكل عام والزيارات الحسينية بشكل خاص تعد من اهم الاسباب التي تحرك الاقتصاد العراقي.

ولكن هذا لا يكفي، لأنه يحتاج الى تنظير عملي لبناء الاقتصاد العراقي من قبل المفكرين والمتخصصين والمسؤولين وان يتناسب مع الحركة الاقتصادية الكبيرة ومحاربة الفساد والعمل على رفع العوائق الاستبدادية والبيروقراطية التي تعيق العملية الاقتصادية، فالكثير من المستثمرين في العالم يودون الاستثمار في الأماكن المقدسة للدوافع المعنوية ومعرفتهم الجيدة بفوائد السياحة الدينية، ولكن العوائق الداخلية والقوانين تشكل العائق الاكبر لهم.

فرغم الانفتاح الكبير الحاصل للعراق لكنه لم يتزامن معه بناء اقتصادي قوي ليسهم بتطور مدن العراق خصوصا المدن المقدسة كي تستوعب الزائرين.

ان الحكومة تواجه مشاكل كبيرة بسبب صراع الكتل السياسية التي تتداخل بها عوامل داخلية واقليمية. وواجبنا هو مشاركة مجتمعية لكافة المؤسسات والافراد في العمل على تغيير القوانين التي تمنع استثمار القطاع الخاص والتشجيع على تبني عقلية القطاع الخاص وتشغيل الأيدي العاملة في الصناعة والزراعة، وتحقيق التنمية في التعليم والصحة وبناء المدارس والجامعات.

والتأكيد في التعامل وفق نظرية الادارة الحديثة التي تحث على ثقافة الترشيد فهناك هدرٌ كبير في المال العام وازمة المياه تعد أحد أسباب الهدر ويجب ان نتعلم ونعلّم اولادنا على إدارة الموارد خصوصا الموارد المائية والكهربائية.

ويتحقق جزء من هذه الواجبات بسعينا نحن، كحوزات، جامعات، مؤسسات، واعلاميين، ورجال دين، حين نعمل على التثقيف الشامل وهذا يحتاج الى تغيير الافكار القديمة واستبدالها بأفكار جديدة تتناسب مع الانفتاح الحاصل.

النهضة في منظومة القيم

ان الامام الحسين (عليه السلام) عبرة وعبرة فأحداث عاشوراء تحرك العواطف وتهتز لها اقسى القلوب وتتزلزل لها الابدان فتترسخ في عمق الوجود الإنساني، فالبكاء في المجالس الحسينية هو علاج للمشاعر الانسانية حيث تتكسر جدران القسوة وتتفتت التراكمات لتفتح الطريق امام التغيير والاصلاح وبناء منظومة القيم النبيلة، فعندما يتعاطف ويتفاعل الشخص مع قضية ابي الفضل العباس (عليه السلام) يكون في محاولة لممارسة قيمة الوفاء وخصوصا الوفاء للقضية الحسينية ومبادئها السامية، فكل القيم الإنسانية العظيمة موجودة في عاشوراء، لذلك فان التكامل بين العبرة والعبرة في النهضة الحسينية هو من اجل بناء الانسان واصلاحه في امتداد مستمر الى يوم القيامة.

2021/09/19
’المرجع الحكيم’: الحوزات العلمية.. شرايين التشيّع

لقد أكد الأئمة عليهم السلام على التفقه في الدين، وعلى كتابة الكتب وتدوين العلم، ومذاكرته وتدارسه وتعليمه، وعلى إحياء أمرهم (عليهم السلام)، وأن به حياة قلوب شيعتهم. وبذلك قام للشيعة كيان علمي وثقافي متميز، حملته وحافظت عليه الحوزات العلمية في مختلف بقاع الأرض التي يتواجد فيها الشيعة.

[اشترك]

وقد رعى الأئمة (صلوات الله عليهم) هذه الحوزات مدة تزيد على قرنين ونصف، ووضعوا الضوابط العامة لها، وراقبوا مسيرتها، حتى تأقلمت مع نهجهم عليهم السلام وحملت بصماتهم، وتفاعلت مع مفاهيمهم، بحيث أمنوا عليها من الزيغ والانحراف.

ونتيجة لذلك تميزت هذه الحوزات بالإهتمام بالبحث عن الحكم الشرعي، وأخذه من مصادره الأصيلة وحججه المعذرة بين يدي الله تعالى، وبالحفاظ على حدوده وحرفيته، بعيداً عن التخرص والتسامح، وعن التأثر بالجهات الخارجية من سلطان أو عرف اجتماعي أو غير ذلك، جرياً على نهج أهل البيت (صلوات الله عليهم)، والتزاماً بتعاليمهم الموافقة للفطرة، وحكم العقل السليم.

تحديد الاجتهاد عند الشيعة

وذلك هو الاجتهاد الذي بقي مفتوحاً عند شيعة أهل البيت أعز الله دعوتهم، واستمروا عليه هذه المدة الطويلة، وليس الاجتهاد عندهم تطويع الحكم الشرعي لأوضاع المجتمع القائمة وتطبيعه وتحويره بما يتناسب مع الظروف المختلفة، والمؤثرات الطارئة.

وبذلك أمِن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) على تعاليمهم‌ الشريفة وثقافتهم السامية من الضياع والتحريف والتحوير.

ولهذا أمكن وقوع الغيبة الكبرى بانقطاع خاتم الأئمة المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) عن الاتصال المباشر بالشيعة، لاكتفاء الشيعة بما عندهم من تعاليم وثقافة دينية تقوم بها الحجة عليهم، وعلى الناس من مختلف الفئات والأديان والمذاهب‌ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ (1).

وكأنه إلى ذلك يشير حديث المفضل بن عمر قال: «قال لي أبو عبد الله (ع): اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم» (2).

ظهور المرجعيات الدينية بضوابطها الشرعية

وقد انبثقت من تلك الحوزات - نتيجة الحاجة الملحة، خصوصاً بعد الغيبة الكبرى- المرجعيات الدينية، بضوابطها الشرعية المعذرة بين يدي الله عز وجل.

وعمدة تلك الضوابط - بعد العلم بأحكام الدين- العدالة بمرتبة عالية تناسب ثقل الأمانة التي يعهد فيها للمرجع، وهي دين الله تعالى القويم، حيث يتعرض المرجع لضغوط نفسية وخارجية كثيرة في عملية الوصول للحكم الشرعي، وفي الفتوى وتثقيف عموم المؤمنين به.

فلابد من قوة العدالة، تبعاً لشدة الخوف من الله عز وجل، لتكون حاجزاً دون الإنحراف أمام تلك الضغوط ومانعاً من الإستجابة لها مهما اشتدت.

بعض الأحاديث في ضوابط التقليد

وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه بعد أن ذمّ اليهود بتقليدهم لعلمائهم قال: «وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبية الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقاً، وبالترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقاً، فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم.

فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم. فإنه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة، فلا تقبلوا منّا عنه [منهم عنا. وسائل‌] شيئاً، ولا كرامة ...» (3).

وكان نتيجة ذلك أمور:

إرتباط الشيعة بمرجعياتهم الدينية عملياً وعاطفياً

أولها: إرتباط الشيعة بمرجعياتهم الدينية عملًا، لحاجتهم لها، بسبب شمولية التشريع الإسلامي لجميع شؤون الإنسان ومفردات حياته.

ثانيها: إرتباطهم بمرجعياتهم المذكورة عاطفياً ولاءً واحتراماً، بسبب اعتقادهم بتدينها، بحيث تكون أهلًا لإئتمانهم لها على دينهم، فكأنها واجهة لأئمتهم (صلوات الله عليهم)، وممثلة لهم عليهم السلام.

ولاسيما مع شعور هذه المرجعيات بمسؤوليتها إزاء المؤمنين، في إصلاح‌ أمرهم، وتوحيد كلمتهم، وعلاج مشاكلهم، وتخفيف أزماتهم، ومواساتهم، ومدّ يد العون لهم، حيث أوجب ذلك الشعور المتبادل بأبوة المرجعية الدينية، وتوثق الروابط بينها وبين المؤمنين.

ثالثها: أن للثقافة الدينية والحكمة والتقوى والإخلاص والإهتمام بصلاح الدين والمؤمنين أعظم الأثر في تقريب وجهات النظر بين مراجع الدين في أداء وظيفتهم، وتخفيف حدّة الخلاف بينهم، بنحو يؤدي إلى موقف موحد أو شبه موحد في توحيد الشيعة ومعالجة مشاكلهم، بالرغم من فتح باب الإجتهاد، وتمتع الجميع بالحرية في اختيار المواقف المناسبة.

قيادة المرجعية للأمة

وبذلك استطاعت المرجعية الشيعية قيادة الأمة وتوحيدها في عصر الغيبة الطويل، حيث لا إمام ناطق تجب طاعته، ولا يتمتع المرجع - واحداً كان أو أكثر- بقوة مادية قاهرة ترغم على متابعته.

نعم لاريب في أن للتسديد الإلهي أعظم العون على ذلك، مشفوعاً برعاية إمام العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي يكون الإنتفاع به في غيبته كالإنتفاع بالشمس إذا جلّلها السحاب.

العمق التاريخي للمرجعية

ومن الملفت للنظر أن هذه المؤسسة بقيت ما يقرب من أربعة عشر قرناً مستمرة في فاعليتها وعطائها، محافظة على وظيفتها وأهدافها واستقامتها، رغم كل المعوقات والمثبطات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها في تاريخها الطويل، وهي حالة فريدة من بين المؤسسات الأخرى الدينية وغيرها.

ويزيد في العجب أنها في مدة أحد عشر قرناً من مبدأ الغيبة الكبرى تفقد القوة الملزمة مادياً أو دينياً، بل تعتمد على القناعة الشخصية من المرجع والأتباع بأداء الواجب والقيام بالوظيفة الشرعية، مع ما هو المعلوم من تعرض وجهات النظر للإختلاف.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسدد المرجعيات ويمدها - ببركة إمام العصر (صلوات الله عليه) - بالتوفيق للثبات على السير في الطريق المستقيم، ويوفق المؤمنين للتجاوب معها والتلاحم، من أجل أداء الوظيفة، والخروج عن التكليف الشرعي، إنه المسدد للحسنات، والعاصم عن السيئات، والناصر للمؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


الهوامش:

(1) سورة الأنفال الآية: 42.

(21) الكافي ج: 1 ص: 52. كشف المحجة لثمرة المهجة ص: 35. وسائل الشيعة ج: 18 ص: 56. 

(3) الاحتجاج ج: 2 ص: 264، واللفظ له. وسائل الشيعة ج: 18 ص: 95.

المصدر: مقتطف من كتاب فاجعة الطف للمرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص548-552.

2021/09/19
من الشام إلى كربلاء.. ما حقيقة رجوع السبايا في ’الأربعين’؟!

المشهور بين علمائنا أنّ رجوع موكب سبايا أهل البيت عليهم السلام إلى كربلاء كان في يوم الأربعين. 

[اشترك]

وذهب بعضهم إلى استبعاده نظراً إلى عدم سعة الزمان لذلك. 

وأمّا إمكان ذلك بحسب الوضع الطبيعيّ فبهذا البيان: 

إنّ السبايا توجّهوا ظهر اليوم الحادي عشر من محرّمٍ إلى الكوفة ، ودخلوا الكوفة في اليوم الثاني عشر. 

وفي نقْل سبط ابن الجوزيّ أنّ ابن زيادٍ جهّز الرؤوس والسبايا في اليوم الثاني إلى الشام. تذكرة الخواصّ ص234. 

فيكون اليوم الثالث عشر أو الرابع عشر من محرّمٍ هو يوم انطلاق موكب السبايا إلى الشام. 

وهذا النقل قريب من الواقع، فابن زيادٍ جهّزهم وأرسلهم سريعاً إلى الشام خوفاً من اضطراب الوضع في الكوفة. 

والمشهور بين علمائنا أنّ السبايا دخلوا الشام في الأوّل منْ صفرٍ. 

قال الشيخ عباس القمّيّ: ( قال الشيخ الكفعميّ وشيخنا البهائيّ والمحدّث الكاشانيّ: في أول صفرٍ أدخل رأس الحسين عليه السلام إلى دمشق ، وهو عيد عند بني أميّة ، وهو يوم تتجدّد فيه الأحزان: 

كانتْ مآتم بالعراق تعدّها *** أمويّة بالشام منْ أعيادها 

وحكي أيضاً عن أبي ريحان في الآثار الباقية أنّه قال: في اليوم الأوّل من صفرٍ أدخل رأس الحسين عليه السلام مدينة دمشق فوضعه يزيد بين يديْه ونقر ثناياه بقضيبٍ في يديه ويقول: لست منْ خنْدف. .الخ ) نفس المهموم ص391 ، مصباح الكفْعميّ 510 ، توضيح المقاصد للبهائيّ ص4 ، تقويم المحسنين للكاشانيّ ص15 ، الآثار الباقية للبيرونيّ ص331. 

فيكون مجموع مسيرهم من الكوفة إلى الشام سبعة عشر أو ستة عشر يوماً. 

وهذه الفترة مدة طبيعية جداً لسير قافلةٍ من الكوفة إلى دمشق ، فالقوافل تقطع هذه المسافة بأقلّ منْ هذه المدة بكثيرٍ. 

وأمّا فترة بقائهم في دمشق: فلمْ يدمْ طويلاً، قال المفيد: " أقاموا أيّاماً " الإرشاد ج2 ص122 ، ولعلّها زهاء عشرة أيامٍ ، كما رواه المجلسيّ في البحار ج45 ص169 ؛ لأنّ الوضع اضطرب في الشام على يزيد ، بعد خطبة الإمام السجّاد والسيدة زينب ، وإقامة النّوْح والبكاء والمأتم على الإمام الحسين عليه السلام ، فجهّزهم يزيد سريعاً إلى المدينة ، ومن هنا نستبعد بقاءهم إلى شهرٍ أو أكثر في دمشق. 

 

فكان خروجهم في يوم الحادي عشر من صفرٍ أو قبل ذلك ، فتكون مدة مسيرهم من دمشق إلى كربلاء عشرة أيامٍ أو أكثر ، وهذا قريب من الواقع؛ لأنّ رجوعهم كان من الطريق السريع ، وليس من الطرق الوعْرة الطويلة. 

وبناءً على هذا: فمن المحتمل والقريب جداً على طبق هذه الروايات أنْ يكون رجوعهم إلى كربلاء في اليوم الأربعين. 

 

2021/09/19
زائرات الحسين وفراشات السلام.. إليكنّ هذه النصائح

كتبت مريم الخفاجي:

عزيزتي المؤمنة بوركتِ من قاصدةٍ نحو سفينةِ النّجاة في  زيارة الأربعين، وأنت أهلٌ أن تركبي السَّفينة بسُرعةِ وأمانِ، فلنقف جزاكِ الله خیراً وقفة بسيطة، لنتزود جميعاً من ألطاف الحُسين [عليه السلام]

[اشترك]

حتماً ياعزيزة الزّهراء وشريكتها بالعزاء، أنَّك تعلمين أن ماسنذكره إنما هو لأجل أن نتسلح بالعلم لتزداد قلوبنا قوة في الله،  و انكساراً لمصاب أهل بيت رسول الله [صلى الله عليه وآله]، فتنزف ألماً لشدّة هول الفجیعة، لذا ما أجمل أن نجعل من أولويات منهاجنا بالمواساة مايلي:

-تجدید العهد بالوَلاء و البقاء علی خُطی سیّد الشُّهداء، والإستمرار في إحياء شعائر الله فهي من تقوى القلوب.

-عدم الاكتفاء بالحُزن الذي يضجّ في صدورنا، وعلينا حثُّ السَّير في السّعي لإظهاره بشتى الطّرق المُمكنة والمقبولة شرعاً، فنحن في طريقٍ محفوفٍ بالأحزان، مشوب بذكريات الوجع والظلم على رسالة السّماء.

-فضلاً عن أداء الصّلاة الواجبة في وقتها و التي تعد من علامات المؤمن، فالإجتهاد في إقامة النوافل مع المستحبات المؤكدة والممارسات المقبولة التي تعبّر عن الحزن والرثاء كاللّطم، والنُّدبة، و حضور مجالس العزاء أو إقامتها هي من لوازم هذه الأيام الشريفة، فإنّ حجم الإنفعال يُبَيّن عَظَمَة الفجيعة.

-الزيادة في طلب التعجيل بالفرج للإمام صاحب الزمان [عجل الله تعالی فرجه الشریف] فإن فرجنا بفرجه.  

-تجسيد الإيثار الحسيني، ومحاولة إيصاله للأُمَم التي هي بحاجة لأن تستشعر نهضة وقيم الإمام الحسين [عليه السلام].

-العمل على تزكية النّفوس من خلال البُكاء و بيان الجزع على المقتول بأرض الطفّ، فهو مُحِطّ للذنوب، رافع للدرجات، بل هو من الوصايا المتكررة للأئمة المعصومين [عليهم السلام].

-السّعي لتحصيل الخشوع، و زيادة رقّة القلب من خلال التَّفَجُّع على أوجاع بيت الرّسالة.

-إشراك المؤمنين بالأعمال لاسيّما الشهداء الأبرار والصُّلحاء، فهم إمتداد تلك النهضة العظيمة.

-طوبى لكِ يا فراشة السّلام فنور الحسين [علیه السلام] بانتظارنا، أما أن نكون ممن يستحق عنوان "زائرة الحسين" فهي نظرة أُوليَت لنا من صاحبة العزاء الأولى مولاتنا الزهراء [عليها السلام]، فما أجمل أن نهدي إليها  أداء حقّ هذه النّظرة، بأن نقدّم لها قلوباً طاهرةً من ضوضاء الشُّبُهات، خالصة النيّة، جادّة في إعادة الرّوح نحو بوصلة الحياة الحقيقيّة، فنحن لازلنا في فرصة من صنف النَّجاة.

-ياشريكة زينب بالعزاء، هنيئاً لكِ فنحن في مهمة مُشَرِّفة أرادتها لنا سيدتنا زينب الحوراء [عليها السلام]  لنساعدها في نقل صوتها المحمديّ الحسينيّ إلى العقول فتنيرها، فهي مازالت تصرخ بوجه مَن زَيَّفَ الدّين لتظهر حقيقته جلية ونسأل الله أن نكون جديرات بذلك بأن نكون خير عون على طاعة الله.

 -وأعلمي أختي، أننا في سفرٍ في أيام الله، و جدير أن يكون العبد فيها سائراً نحو الكمال، یطلب رضا مولاه وما أنتِ فيه من عفّةٍ وحجاب ومواساة لأهل البيت [عليهم السلام] في مصابهم يدعو إلى الفخر والإعتزاز، حماكِ الله ممن يريد النيل من طهارتكِ التي باتت مضرباً للأمثال، فلنكن يداً واحدة وسدّاً منيعاً أمام من لاينظر بنور الله ويسعى لتدنيس هذه الصورة ولنُحارب أضدادها بسلاح  العفة الزينبية.

-عزيزتنا العفيفة، مشينا نحو كربلاء إحياء للحِجاب والعفاف، فعلى عاتقنا اليوم مسؤولية تهاجمها القوى الإستكبارية، فهم يحاولون محو أثر زينب المرأة العالمة، فعلينا أن نوصل للعالم صوت الحسين أرواحنا فداه الذي مابرح يوصي نساءه وبناته بأن لايرى منهن الأعداء ما يجلب الشّماتَة، فاعلمي حماكِ الله :

أن لباسنا المحتشم الفضفاض وعباءتنا الزینبیة، البعيدة عن الضِّيق والشَّفافِية هو إنتصار كربلائي.

أن مشيتنا البعیدة عن الرِّجال، والإبتعاد عن الأماكن التي تُعرِّضنا للإختلاط المذموم هو إنتصار كربلائي.

أن صمتنا الحَيِيّ الذي إعتدنا عليه في بيوتنا المحبة للحسين [علیه السلام] لهو خنجر في قلب العدوّ، وإنتصار كربلائي. 

إن وجوهنا التي مابرح الإمام الصادق [علیه السلام] يدعو لها بالرّحمة، مابرحت تحسب إنتصاراً كربلائياً.

أن نصائحنا التي يملؤها الرفق والتي أصبحنا نُعرف بسيماها، وإعانتنا على الخَير والصّلاح لبعضنا هو تجسيد لأمر الحسين بالمعروف ونهيه عن المنكر، وهي إنتصار كربلائي.

أختي الحسينية، تفقهنا بأمورنا و انتباهنا لكل جوانب أفعالنا شَرعاً، وسؤالنا  إذا ما ألمّت بنا مسألة، وحذرنا  من أن نجتهد إجتهاداً شخصیاً هو تبرئة  للذمّة، و إذا ما واجهنا أختا بحاجة لجواب سؤالها الشرعي فيمكننا ارشادها لما یلي: 

1. إن أغلب المواكب المباركة يوجد فيها نساء مؤمنات من أهل العلم والفضيلة بإمكانها الرجوع لهنّ. 

2. إذا لم تظفر الزائرة بمبلغة، فيمكنها الإستنجاد بأحد من محارمها لیسأل بدلاً عنها أحد طلبة العلم الأفاضل المنتشرين على الطريق.

3. وإذا تقطعت  بها السُّبل، فیمکنها الإستعانة بإحدى الأخوات من أصحاب العلم الموثوقات، تكون قد هيأت رقماً لها مُسبَقا قبل بدئها بالمَسير نحو أبي عبد الله [علیه السلام]  لتكون لها عوناً في حالاتِ الحَرج.

هذا ونسأل الله أن يكون سفرنا سفراً إلهيّاً مُبارکاً، ندخل به السّرور علی قلوب موالینا الأطهار [علیهم السلام]، ونفقَأ به أعين الشّامتين، ونرد به السّهام الموجِعة عن قلب صاحب الأمر المنتظر [أرواحنا له الفداء]، ونساعد في تعجيل ظهوره المقدس بوعينا، والتزامنا وحفظنا حدود الله.

 

2021/09/18
الطغاة يخشون ’زيارة الأربعين’: عامة الناس لا يمكن مقاومتهم!

تنويه: النص مقتطف من محاضرة لسماحة المرجع الراحل (قدس)

الشيء الذي لابد أن يهتم به الإنسان هو عامة الناس فلابد أن يهتم بهم، وكما قلتها عندما كنا في لندن حينما تجري بعض الأحاديث قلت انا أقول لكم لا رجال الدين ولا المثقفين ولا أهل المال ولا أهل الوظائف هؤلاء جميعهم القضاء عليهم سهل.

[اشترك]

رجال الدين يقتلون يشردون، أهل المال تصادر أموالهم وتذهب، أهل الوظائف يعزلون من وظائفهم وينتهون، أهل الوجاهة يمكن أن يجاملون، لكن العامة لا يمكن مقاومتهم، شعب صعب مقاومته ليس واحد واثنين وخمسة وعشرة.

هذا الشيء الذي يحصل الآن والمراسيم وهذا الاندفاع غير المحدود، وبشجاعة فوق المتعارفة، عندما يقول لي أحد من جماعتنا لنذهب الى المشي أمسك قلبي؛ مازلت خائف؛ لكون الوضع حرج، هؤلاء لم يفكروا هذا التفكير بل يسيرون بقناعاتهم، لماذا لم يفكروا لا أعلم. لكن المهم بوجود حالة تصميم، وهذا التصميم ينصر الدعوة بنصر غير طبيعي، فهؤلاء العامة لهم كل الأهلية، الإنسان لابد أن يتوجه لهم بكل جهاته، حتى في تكريمه النفسي لهم لا أن يكرمهم خارجاً، بل ليرى لهم من الشأن في نفسه، لا أن يصورهم أنهم شيء عادي، ولا يفكر أن عنده معرفة، بل ليعرف أن الحق لهؤلاء، ومن جانب آخر يلزمه أن يشجعهم بما يستطيع.

أنا الآن شخصياً لو كان يتيسر لي أن أشارك في هذه المواسم أذهب للمشاركة، لابد أن تشعر الناس أن هذه القضية ليست كونها مبنية على أنها تختارها الطبقة العامة المنعدمة، لا لتبين على أنها قضية يشارك بها الجميع، لكن ماذا أصنع مع الظروف ولو تحسنت وأصبح هنالك مجال قطعاً سأشترك، وليس بالضرورة أن أشترك بالكل لكون قدمي لا تساعدني، بل اشترك ولو ببعض الشيء، وهذا في بالي ليس من اليوم بل من السابق.

من الحديث الذي حدث مع صدام مع بعض جماعته في التعرض الى قضية (البيادة) -المشي سيراً على الاقدام- وكانت عبارة أحدهم (هو من يمشي بيادة، قابل فد يوم سيد محسن الحكيم مشى بيادة) تكلم أحدهم بهذا الكلام ولكن قطعوا الحديث لأنهم يريدون التذكير بالسيد محسن الحكيم، أنا في نفسي قلت ان شاء الله إذا الله سبحانه وتعالى مكنني أنا سوف أمشي، حتى يفهم أن سيد محسن الحكيم يمشي أو لم يمشي.

 هذا يعني أننا نريد أولاً احترامنا النفسي لهم حتى الله سبحانه وتعالى يرأف بنا ويعتبرنا نعترف بالحقيقة ليس لنا حالة تكبر على أحد، هؤلاء لهم مقامهم الرفيع؛ لأنهم هم الذين قادوا الدعوة وهم حفظوها، يلزم أن يكون هذا في نفوسنا، أضف الى ذلك ما نستطيع أن نشجعهم به مما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

بلغكم أو لم يبلغكم أن جاءني بعض الأشخاص المرتبطين بالمراكز العليا بعد عشرة محرم يوم أربعة عشر أو خمسة عشر من محرم، تكلم بكلمة وأنا لم أنتبه لها وبعد فترة فهمت كلامه بأن هؤلاء الشيعة من أي بشر؟، في وقت الشجاعة شجعان لديهم تصميم، أجروا الانتخابات مع المقاومات ومع القتل بذلك الاصرار، هذه المواكب الحسينية وما فعلوه في العشرة من المحرم مع وجود الخطر هم بقوا مصممين، من له هكذا قوة تصميم كيف لديه قوة صبر بحيث يُقتل ولم يعد فما هو المسيطر عليه وأي قوة غير طبيعية هذه، قال هذا حديث خاص، هؤلاء بشر يحيرون العقول، لديهم قوة ولم يكونوا خانعين، بل عندما يريدون فعل شيء يفعلوه، أجروا انتخابات هذه قضية ليست بالسهلة، وهذه مسيرة كربلاء موجودة، مسيرة الكاظمين موجودة، ونصبوا مجالس العزاء عشرة أيام.

هم لديهم إحصائية أحسن مني والإحصائية أن كربلاء هذه السنة أشد وأكثر تجمعاً من السنة الماضية، أكيداً مع الحذر ومع التفتيش ليس كما السابق، مع هذا كانت بهذا العدد الهائل، من لديه هكذا قوة تصميم وهكذا حيوية وهكذا إصرار كيف يصبرون مع التحديات الموجودة، هؤلاء استطاعوا أن يرفعوا شأن الطائفة، ونحن من دونهم ليس لدينا شيء ولم نستطيع فعل شيء.

هذه المواسم لابد أن يهتم بها الإنسان بقدر ما يستطيع، ويهتم بهم أيضاً بما يستطيع، يكرمهم بما يستطيع، يشجعهم بما يستطيع.

السلبيات موجودة عند الخاصة وعند العامة ليس فقط عند العامة، لكن الخاصة ربما تكون مسؤوليتهم أكثر، والعامة قد تكون سلبياتهم مغفورة قبل أن تكون سلبيات الخاصة مغفورة، لهذا الشيء الذي يقتضي للإنسان ان يأخذ القضية بعين الاعتبار، وهذا ليس في هذا البلد فقط بل في كل البلاد، لكن هنا صار مورد احتكاك وأصبح شيء ملفت للنظر وإلا كل البلاد الان الحمد لله رب العالمين قضايا الحسين والمراسم محفوظة، هذا الشيء المهم الذي يلزم للإنسان الحفاظ عليه، لان هؤلاء يثبتون حقائق ويثبتون وجود ويثبتون كيان، فلابد من معرفة اهميتهم بها، وأرجوا ان تكون توجهاتكم لهذه الفضية واهتمامكم بها ونسال الله سبحانه وتعالى أن يسدد ويحفظ ويتقبل ويصلح الشؤون ويدفع البلاء.

2021/09/16
زيارة الأربعين في فقراتها المهمّة ومفرداتها المبهمة!

المعروف بين أهل الإيمان أنّ هناك صيغتان لزيارة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في يوم الأربعين:

[اشترك]

الأولى: قد وردت على لسان الصحابي جابر الأنصاري (رضوان الله عليه) في سياق السرد التاريخي لحدث زيارة هذا الصحابي الجليل بصحبة عطيّة العوفي في القصّة المشهورة، وليس الكلام عنها هنا، وإنّما الكلام عن نصّ الزيارة الثانية بصيغتها الشرعيّة المعصومية التي جاءت عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وهي أقدم نصّ يؤسس لعنوان :"زيارة الأربعين" على نحو صريح، وما زال المؤمنون إلى يومنا هذا يتداولون قراءتها من مفاتيح الجنان عند زيارة الإمام في العشرين من صفر؛ ومن أجل ذلك كلّه: سنسلط الضوء على متنها بإبراز بعض فقراتها المهمّات، وتوضيح مفرداتها المبهمات:

  • ثلاث فقرات مهمّات:

في متن زيارة الأربعين مقاطع وجمل لا يسع استيعابها في مقال موجز، خذ مثلاً جملة: "وأعطيته مواريث الأنبياء"، فإنّها تختزل وتطوي، وتستبطن وتُجمِل وتجمع وتلف ما تفرّق وفصّل، وبيّن وشرح، ونشر وفُسّر في الزيارة المعروفة بزيارة وارث؛ لكن عملاً بقاعدة: مالا يدرك كلّه لا يترك كلّه، فإنّنا نخصّ ثلاث فقرات مهمّة في هذه الزيارة الشريفة:

١.أوّلها ما في صدر الرواية، وهو قول صفوان الجمّال: "قال لي مولاي الصادق (صلوات الله عليه): "في زيارة الأربعين، تزور عند ارتفاع النهار.."!.

وهذه الفقرة بالغة الأهميّة؛ لأنّه تثبت أن مصطلح (زيارة الأربعين) مصطلح روائي يراد به زيارة الإمام الحسين في العشرين من صفر أي بعد مضي أربعين يوماً على استشهاده، ولذلك أدرج العلماء النصوص التي ورد فيها المصطلح آنفاً تحت عنوان: زيارة العشرين من صفر، أو زيارة الأربعين.( انظر-الطوسي: تهذيب الأحكام ٦ / ١١٣ ح ١٧ من باب ٥٢، ومصباح المتهجد،ص788).

ومن ثمّ يندفع بهذه الفقرة أكثر من اعتراض على الزيارة نفسها، أوعلى غيرها، وفيما نموذجين من الاعتراضات المدفوعة بها: 

الاعتراض الأوّل -إنّ"ادراج الطّوسي لها[الزيارة] في أعمال العشرين من صفر لا شاهد روائيّ عليه أصلاً"!،ونؤكّد مرّة أخرى أنّ أساس الاعتماد في المقام ليس هو مجرّد إدراج الطوسي أو غيره على الرغم من أهميّة مثل هذا الإدراج كما لايخفى على أهل العلم، إلا أنّ المعتمد هي فقرة من ضمن الرواية، و جزء من داخل متن الحديث أعني قول صفوان عليه الرحمة والرضوان:

قال لي مولاي الصادق: في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار..!

الاعتراض الثاني: على حديث علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين.. يقول صاحب الاعتراض مفسّراً عبارة "وزيارة الأربعين" في الحديث: "بعض الناس يتصور أن زيارة الأربعين هي زيارة الحسين في يوم الأربعين، لا، مش هيك [ليس هكذا، بل المقصود] زيارة أربعين مؤمن."، وبالرغم من عدم وجود أي أساس لهذا التفسير، فإنّ حديث صفوان في فقرته آنفاً يدفع هذا الاحتمال بشكل قاطع، ويفسّر المقصود على نحو واضح وساطع.

٢."وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة"، وحسب أهل اللغة (كما في مجمع الطريحي) فإنّ الفعل (بذل) يعني الإباحة عن طيب نفس، وهكذا كان (عليه السلام) فقد أباح نفسه لله تعالى راضياً قانعاً مسلّماً؛ فورد عنه أنّه (عليه السلام) قال: إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.. والمهجة هنا هي: الروح، والجهالة غير الجهل، فالجهل عدم العلم، بينما الجهالة هي زوال القوّة العاقلة.

هذا، وتمثّل الفقرة آنفاً سماء الزيارة وقدحها المعلّى وقمتها، وذروتها و شُرفتها؛ لأنّها تحدّد وبإيجاز غير مخل: غايةَ النهضة وغرضها، وتختصر عرض الأهداف والفوائد، والثمار والنتائج لحركة سيد الشهداء وفاجعته، وهي إذ تكشف عن ذلك وتنيره، وتسفر عنه وتوضّحه بالرغم من أنّه مطلب معتاص، ومركب صعب؛ لذا اختلفت الآراء، وتعدّدت الرؤى، وتنوّعت المسالك حسب المشارب في بيان أهداف الحركة الحسينية، والمقال لا يطمع في تفصيل هذا المرام الصعب، والحمى المنيع، لكنّ من المفيد أن أنقل ما توصل إليه أحد المراجع الكبار، ونتيجة لدراسة مطوّلة في هذا السياق كتب يقول:

الذي ظهر لنا من فوائد نهضة الإمام الحسين وثمراتها هو إكمال مشروع أمير المؤمنين في إيضاح معالم الدين، وسلب شرعية السلطة التي كانت تتحكم فيه، وتركيز دعوة التشيع، ودفعها باتجاه التوسع والانتشار، وبعد حصول ذلك كله بجهود الأئمة الأولين (عليهم السلام) وخاصة شيعتهم وتضحياتهم، التي بلغت القمة في فاجعة الطف، لا يبقى مبرِّر للتضحية من الأئمة الباقين (عليهم السلام) أو من شيعتهم (السيد محمد سعيد الحكيم رحمه الله-فاجعة الطف،ص493).

وهذا ما حدث بالفعل، فقد قرّبت كربلاء البعيد،  واختزلت الطريق وأظهرت المخفي وبيّنت الملتبس وعرّبت المستعجم وأوضحت المشتبه، وميّزت الصفوف، وفصلتْ وبمنتهى الجلاء والوضوح بين الحق و الباطل، والحجّة والشبهة، والحسن والقبح.. وفرزت العامر عن الغامر، والمنصف من المعاند والجاحد.!

٣. ومن الفقرات المهمّة في الزيارة هي قوله:"ونصرتي لكم معدة، حتى يأذن الله لكم"، ومنشأ أهميتها أنّها تربط الماضي بالحاضر، والحاضر بالمستقبل، وتوثق الصلة بين ما كان وما ينبغي أن يكون، وترسخ العلاقة وتشدها بين قضية الحسين والمهدي، إنّها بإيجاز الفقرة الخاصة بالإعداد والتمهيد، ولن تعدم الفقرة الشبه من هذه الناحية مع سائر الزيارات الأخرى ففي عاشوراء مثلاً نقرأ نظير هذا الربط: وأن يرزقني طلب ثاري أو ثارك مع إمام منصور..

وقد تناولتْ الفقرة الإشارة إلى ثلاثة مفاهيم : النصرة، والإعداد، والظهور:

- أمّا النصرة، فما ينبغي للزائر المؤمن معرفته أنّ نصرة أهل البيت وتأييدهم قوامها أولاً وقبل كلّ شيء تقع من الله تعالى وتأييده لهم، ثمّ نصرة المؤمنين ثانياً. {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال : 62] غاية الأمر أنّ نصرة الله تعالى ثابتة، وتأييده لهم دائم ولا يخضع للزوال والتغيّر{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}[التوبة : 40] وأمّا نصرة المؤمنين فتخضع لقانون الاستبدال والتغيير "واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري". 

- وأمّا الإعداد قبل المواجهة، والاستعداد الذي يسبق الحرب الفكرية أو الثقافيّة أو العسكرية... فتتفق كلمة العلماء على أنّ مفهوم الإعداد مفهوم عام ثابت، وهو مطلوب على كل حال، إلا أنّ آلياته وكيفياته ومصاديقه تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فرباط الخيل في الآية مثلاً: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال : 60] يتناسب والمرحلة آنذاك، ولا شك أنّه يختلف عنه الآن، حيث الفضائيات وعالم النت ووسائل التواصل، والمناخ السائد غالباً هي الحرب الإعلاميّة والفكريّة والعقائديّة.

- وتشير جملة"حتى يأذن الله لكم" إلى الرجعة وعصر الظهور كما هو واضح، ويشهد له ما في الزيارة الجامعة الكبيرة: "وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِىَ اللهُ تَعالى دينَهُ بِكُمْ، وَيَرُدَّكُمْ في اَيّامِهِ، وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَيُمَكِّنَكُمْ فى اَرْضِهِ " ومعنى ذلك أن النصرة مستمرة، والإعداد قائم ودائم طيلة فترة الغيبة الكبرى، وأنّ منتهى ذلك ونهايته وغايته وحدّه ومنتهاه هو أن يأذن الله تعالى لدينه بالسيادة التامّة، والظهور المطلق، والغلبة الكاملة على كلّ الإتجاهات والمذاهب والأديان ويسود الأرض ويعمّ المعمورة كلّها؛ حتى لا يقول قائل: إنّا لو ولينا لعدلنا، كما في الخبر.. ولم يتحقق مثل هذا الظهور ولن يتحقق إلا في عصر الظهور الشريف؛ لذا جاء في الحديث الصحيح في تفسير قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قَالَ: يُظْهِرُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ..(انظر-الكافي،ج1،ص432).

- وأمّا مفردات الزيارة المبهمات، وعبائرها المجملات فأبرزها:

١. أسير الكربات: الكُربة بالضم هي الغم الذي يأخذ بالنفس، وجمعها كربات، وكرب كغرفة وغرف، و منه الدعاء: يا مفرّج عن المكروبين..

٢. وذائدا من الذادة: الذَّوْد السَّوق والطرد والدفع تقول ذُدْتُه عن كذا وذاده عن الشيءِ ذَوْداً وذِياداً ورجل ذائد أَي حامي الحقيقة دفاع من قوم، وفي حديث النبي لعلي (ص): أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة.

٣. فأعذر في الدعاء: العُذْر اسم للحجة التي يُعْتَذر بها، والمصدر هو الإِعْذار، وأَعْذَرَ بمعنى اعْتَذَر اعتذاراً يُعْذَرُ به وصار ذا عُذْرٍ منه، وجاء بما صار به معذوراً، فيقال في المثل: قد أعذر من أنذر: أي أتى بما صار به معذورا،وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف : 164] ..فمعنى "فأعذر في الدعاء" هو أنّ الإمام الحسين عليه السلام دعا أعدائه إلى طريق الحقّ، وبذل لهم النصيحة وأقام عليهم الحجة وأتاهم بما يقتضي العذر.

٤. الثمن الأوكس: الوكس هو النقص، في الحديث: بيع الربا و شراؤه وكس، أي نقصٌ، وفي الخبر: المرأة لها مهر مثلها، لا وكس و لا شطط، أي لا نقصان و لا زيادة. و الثمن الأوكس: الأنقص.

٥. فالعنهم لعناً وبيلاً: والوبيل هنا هو الشديد، ويوصف به العذاب فيقال: عذاب وبيل، ويوصف به الأخذ أيضاً كما يقول الله تعالى عن فرعون:{فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل : 16]، ويقال أيضاً: لعناً وبيلاً، أي لعناً شديداً مضاعفاً.

٦. ولم تلبسك المدلهمّات من ثيابها: المدلهمّات: جمع مُدلهم، والمُدْلَهمُّ هو الأسود، وادْلَهَمَّ الليلُ والظلام كَثُفَ واسْودّ، ويقال: ليلة مُدْلَهِمَّة أي مظلمة وأسود مُدْلَهِمّ مُبالَغٌ به.

٧. مَعقِل المؤمنين: المعقل هو الحِصن أو قريب منه، تقول العرب: فلان معقل قومه أي حصنهم وملاذهم وملجأهم، كذا الحسين أمان لأهل الأرض، وسفينة نجاة، وحصن وملاذ وملجأ في حياته بإمامته الهادية وبعد استشهاده باستجابة الدعاء تحت قبته و بجمع المؤمنين اليوم سيما في الأربعين.

٨. في الختام أشير إلى الإلتباس الواقع في فقرة: "أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي"، فالشائع عند الكثير من المؤمنين هو قراءتها على أنّها مقطع واحد متصل و متواصل ودونما توقّف، بينما الصحيح هو التوقف ولو قليلاً في القراءة عند "بإيابكم"، ثمّ الإستئناف بعدها، وكتابياً ينبغي أن توضع فارزة بين الجملتين على النحو التالي: إني بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني؛ لأنّ الجار والمجرور الأوّل (بإيابكم) متعلق بمؤمن، والجار والمجرور الثاني(بشرائع) متعلّق بـ(موقن).

وقد طلب أحدُ المؤمنين من السيد الخوئي بيان هذه الفقرة وتوضيح متعلّق(بشرايع)؛ فأجابه السيد ما لفظه: "إذا قرأتَ هكذا: (أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وبخواتيم عملي) يوضح لك متعلّق الجملة، أي الجار والمجرور متعلق بموقن، وكذا "بخواتيم عملي" معطوف على ما قبله، ومتعلق بموقن.(صراط النجاة،ج1،ص467، الطبعة الأولى-1416هـ نشر: دفتر نشر برگزيده: إيران- قم)، ويشهد على ما أفاده رحمه الله: ما جاء في زيارة أبي الفضل العباس(عليه السلام): إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين. على أنّ ارادة المحتمل الثاني غير ممتنعة على تفصيل ليس هنا محلّه، والحمد لله ربّ العالمين.

2021/09/16
زيارة الأربعين: طاقة الـ ’نيرفانا’ الروحية

النيرفانا كلمة ذات جذور هندية سنسكريتية بمعنى الوصول إلى حالة (الغبطة المستديمة) أو النشوة، وذلك بعد فترات طويلة يستغرقها الإنسان في التفكر والاستغراق في معرفة عمق الأشياء وكنهها وصولاً لمبتغاه من أجل الوصول إلى قيمته، وقد يتشظى المعنى إلى صفاء الروح بعد أن تتطهر بفعل مؤثرات تمنحها الانسجام والتصالح.

[اشترك]

ولو أسقطنا مفهوم (النيرفانا) بهذه الأبعاد على مانشاهده من صور وتمثلات الزيارة المليونية الخاصة بأربعينية الإمام الحسين (ع)؛ لوجدنا أن المؤثرات الإيمانية التي تُسْقط على الملايين القاصدة لكربلاء تفعل فعلها النيرفاني في إيصال النشوة ببعدها الروحي إلى كل ما يتصل بمشاعر القاصدين، وكأنهم يعيشون طقس اغتسالٍ وتطهرٍ عبرهذه الخطى التي تمثل معراجاً روحياً.

إن الشحن بطاقة النيرفانا يتخذ عند البوذيين مثلاً يلزم سلوكيات تتعلق بالعزلة والاختلاء بالنفس، وتقول الحكايات أنهم يتوارون في كهوف جبال التبت؛ من أجل الحصول على أوقات أكثر للتعبد والتأمل والتفكر.

بينما الأمر في (نيرفانا) الزيارة الأربعينية تتخذ شكلاً لا علاقة له بطقوس العزلة والاختلاء في الكهوف أو أماكن التأمل الأخرى، بل على العكس، تأخذ الفكرة بعداً جماعياً يصل إلى أكثر من عشرين مليون إنساناً من جنسيات وأعراق مختلفة. وقد تكون هذه الزيارة تأكيداً لأهمية السلوك الجماعي الذي يحقق الكثير من الأهداف سواء للفرد أو المجتمع، زارعاً في النفوس المعاني الجميلة، والقيم النبيلة، حتى مع الزمن الطويل نسبياً الذي تستغرقه هذه الزيارة من دون حدوث مشاكل، بينما تسطع صور السلوكيات الأخلاقية، والتكافل الاجتماعي، الأمر الذي يعطي قوة إضافية للمجتمع المتوحد، وهذا ما يفسر ديمومة هذه الطاقة الإيجابية التي تترسخ سنة بعد سنة منذ قرون.

حالة من البناء الجماعي للإنسان تمتد عبر أكثر من أسبوعين سيراً على الأقدام تمنح تجديداً للمفاهيم، وشرحاً آخر لها يكاد يكون هو الشرح المؤكد، والذي لا تشوبه شائبة كأنه معراج روحي متحقق بأبعاده المتعلقة بفهم القضية ومؤثراتها التي تمنح هذه الطاقة الإيجابية، معززة بذهنية صافية مرتكزة على يقين لن يتزعزع، فضلاً عن سلوكيات اخلاقية تنسجم مع ذهنية الطاقة الروحية، الذهنية التي تؤكد أن هذه الملايين البشرية صارت عناصر مشحونة بكل احتياجات الروح السامية، فهي مجتمع مندمج روحياً وجسدياً بقيمة القضية وعمقها.

هذه الخطى المليونية تنتج علائق إنسانية هي في حقيقتها مزيج من العواطف والأفكار. والعلائق بين هاتين البنيتين تُنتج وتُكتشف طيلة الفترة الزمنية التي يتوقف الزمن إزاءها، مسترقاً السمعَ لنبض المسافة المنتعشة إيمانياً بتسابيح المؤمنين، واجتماعياً بتكافلهم ومساعدتهم لبعضهم البعض في كرنفال الأنسنة المتجدد.

لقد أثبتت الزيارة الأربعينية ومازالت تثبت ان الانطلاق لتجديد خصوصية كربلاء يمر عبر قناة التصور العقلاني، والنظرة الواقعية للشعائر التي تمثل " تقوى القلوب "؛ ذلك لأن الافرازات الاجتماعية لهذه الزيارة تقود إلى حالة وجدانية حضارية، فحين نعمد لتأصيل العلائق الإنسانية في هذه الزيارة لابد أن ننظر لهذه الإفرازات؛ لأن الصور التي نشاهدها خلال أيام المشي ليست خيالات تأملية، او مناهج تدريس تُدرّس لمرحلة عمرية محددة، إنما هي مشاهد تتجلى فيها الروح العاشقة المتذوقة لحلاوة اليقين.

هي تجربة تنطلق من واقع مدرك، وفكرة متيقظة، وجذوة عشق لن تنطفئ بتأكيدات نبوية " إن لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تنطفئ أبداً "، إذن، نحن إزاء حاضر فاعل في الوجدان الذي يُظَنُّ خطأ أنه وجدان سيفضي إلى الغياب.

ولكي تترسخ هذه الطاقة بأبعادها المتعددة، وأهمها البعد الإنساني الجماعي؛ لابد من تعزيز الاحتفاء بمسببها الأصلي، على أن يكون الابتعاد عابراً لمسميات العرق والدين، وهذا هو الذي تثبته الزيارة الأربعينية، متخذة من اشكال التعبير عنها مرتكزاً لتأصيل عالميتها، فهذه الحشود المليونية صار لها حضورٌ في اعمال الأدب المتنوعة، وكذلك في اللوحات الفنية، وربما نشاهد مستقبلاً معزوفات عالمية تتخذ من هذه الزيارة ومن الملايين الذين يحيونها عنواناً لافتاً وفريداً يعزز(النيرفانا) وطاقاتها المتوهجة عبرالمبدعين وإنجازاتهم. وهذا ليس بالأمر الصعب، فمع كل موسم تتجدد فيه الزيارة الأربعينية؛ نجد أشياء مستحدثة؛ لذلك يمكن أن نرى في القادم من السنوات معارض للكتاب، أو ندوات تثقيفية وفكرية تُعرِّف بأبعاد هذه الزيارة مجتمعياً وثقافياً بل وحتى اقتصادياً.

*نقلاً عن النبأ

2021/09/15
’جوائز’ إحياء الشعائر والعزاء.. هل تحث على اقتراف المعاصي؟!

استفاضت النصوص، بل تواترت إجمالًا بعظيم أجر إحياء أمر أهل البيت (صلوات الله عليهم). وخصوصاً ما يتعلق بالإمام الحسين (عليه السلام) في زيارته والبكاء عليه وقول الشعر فيه وغير ذلك، على اختلاف أنحاء الأجر من غفران الذنوب، وإثبات الحسنات، ورفع الدرجات، وضمان الجنة، والوعد بالشفاعة إلى غير ذلك.

[اشترك]

كل ذلك بوجه مكثف، وبنحو مذهل، كما يظهر بأدنى ملاحظة لتراث أهل البيت (صلوات الله عليهم).

وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أهمية إحياء أمرهم (صلوات الله عليهم) دينياً، بنحو يناسب الثمرات المهمة له في صالح الدين.

شبهة أن ذلك يشجع على المعصية

نعم ربما حامت الشبه أو الوساوس حول ذلك في محاولة استبعاده -رغم استفاضة النصوص به- لدعوى أن في ذلك فسح الطريق للقائمين بممارسات الإحياء لأن يقارفوا المعاصي، ويأمنوا عقابها ومغبتها نتيجة ممارساتهم المذكورة.

بل قد يبلغ حدّ التشجيع عليها، بلحاظ ما هو المعلوم من كون كثير من المعاصي مرغوب نفسياً رغبة ملحّة، نتيجة الشهوة العارمة، والغرائز المتوثبة، فالتنبيه على غفرانها بهذه الممارسات يؤول إلى التشجيع عليها.

دفع الشبهة المذكورة

لكن من الظاهر أن ذلك لا يختص بإحياء مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) وجميع ما يتعلق بهم، بل ورد في غيرها أيضاً.

قال الله عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الليْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ‌ (1).

وفي صحيح الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في شامة ظهرت في آدم (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام) لما هبط إلى الأرض اسودّ منها جسمه، وأن جبرئيل (عليه السلام) هبط عليه وأمره بالصلوات الخمس، فكلما صلى‌ واحدة انحطت الشامة بسوادها للأسفل، حتى إذا صلى الخامسة خرج من الشامة، وابيضّ جسمه. فقال له جبرئيل (عليه السلام): «يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة. من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة» (2).

ومما ورد عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قوله: «تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً... وإنها لتحُتّ الذنوب حتّ الورق، وتطلقها إطلاق الرَبَق ‌(3). وشبهها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحِمّة (٤) تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات. فما عسى أن يبقى عليه من الدَرَن‌ (5) ...» (6).

وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال رسول الله (ص): الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» (7).

وفي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إن الله عز وجل ليغفر للحاج ولأهل بيت الحاج ولعشيرة الحاج ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر» (8)... إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جداً الواردة في الصلاة والحج وغيرهما.

ومجرد الوعد أو القطع بغفران الذنوب لا يقتضي التأمين منها المستلزم للتشجيع عليها، بل هو- نظير الحثّ على التوبة والوعد بغفران الذنوب معها- من أسباب صلاح الإنسان، لأن شعوره بالتخلص من تبعة الذنوب والتخفف منها، وبشرف علاقته بالله عز وجل، وقبوله تعالى له، ودخوله في حظيرة طاعته، وكونه مورداً لفيضه وثوابه، واستشعاره لذة ذلك، وانشراح صدره به، كل ذلك يكون محفزاً له على المزيد، حتى قد ينتهي بصلاحه وتهذيب نفسه وبُعده عن التمرد والعصيان

وكلما كان الحثّ من الشارع الأقدس على العمل القربي أشد، والثواب عليه أكثر، كشف عن أهميته وشدّة قرب القائم به والمؤدي له عند الله تعالى، وكان أحرى بإصلاح الإنسان، وحمله على طاعة الله عز وجل، وإبعاده عن معصيته.

ولاسيما إذا كان العمل بنفسه مدرسة تربوية، تهذب الإنسان وتذكره بالله تعالى، كالصلاة بأفعالها وأذكارها، والحج بمناسكه ومشاعره، وإحياء أمر أهل البيت (صلوات الله عليهم) وما يتعلق بهم مما يوجب الانشداد لهم وتأكد حبهم والتعلق بهم، والتعرف على تعاليمهم وسلوكهم، حيث يوجب القبول منهم والتفاعل بسيرتهم وتعاليمهم.

ولذا لم نعهد مؤمناً ملتزماً في نفسه قد تحلل وقارف المعاصي نتيجة توفيقه لمثل الصلاة والحج وإحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام اتكالًا على عظيم الثواب عليها وتكفيرها للذنوب.

بينما نعهد الكثير من غير الملتزمين قد صار توفيقهم لشيء من هذه الأمور محفزاً لهم على الالتزام الديني تدريجاً، وسبباً لصلاحهم وتهذيبهم.

لا محذور في التركيز على نصوص الأجر والثواب‌

 

ومما ذكرنا يظهر أنه لا مجال لدعوى: أن النصوص الشريفة وإن تضمنت الثواب العظيم على إحياء أمر أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وخصوصاً ما يتعلق بالإمام الحسين (ع) لمصالح هم عليهم السلام أعلم بها، إلا أنه لا يحسن الإعلان بذلك والتأكيد عليه أمام الجمهور، حذراً من اغترارهم بذلك وتسامحهم دينياً اتكالًا عليه.

حيث اتضح مما سبق أنه لا منشأ للحذر المذكور. على أن النصوص إنما وردت لإعلام المؤمنين بمضامينها، وحثهم على هذه الممارسات من طريق ذلك. فلا وجه لكتمان ذلك، والامتناع من إعلامهم به.

رجحان الوعظ والتذكير باهتمام أهل البيت عليهم السلام بالالتزام الديني‌

نعم من الراجح جداً وعظ القائمين بهذه الممارسات وحملهم على الالتزام الديني، وتنبيههم إلى حثّ أهل البيت (صلوات الله عليهم) لشيعتهم أن يعينوهم بالتقوى والورع، ويتنافسوا في الدرجات، وأن يكونوا زيناً لهم، ولا يكونوا شيناً عليهم، وإلى أن أعمالهم تعرض على النبي والأئمة من آله (صلوات الله عليهم أجميعن) فما كان فيها من حسن سرّهم، وما كان فيها من سي‌ء ساءهم‌ (9).

بل الله عز وجل محيط من ورائهم بكل شيء، فقد يكون تورط العبد بالموبقات سبباً لمقته له مقتاً يستتبع خذلانه تعالى إياه، وسلب نعمة الولاية لأهل البيت عليهم السلام منه... إلى غير ذلك من وجوه الترغيب والترهيب. وقد سبق أن مناسبات إحياء أمرهم عليهم السلام مواسم للتثقيف، خصوصاً الديني منه.

وذلك أولى من التشكيك فيما استفاض من نصوص أجر الأعمال الصالحة ونصوص الشفاعة ونحوها، أو إغفالها وحرمان جمهور المؤمنين من الاطلاع عليها، حذراً من اتكالهم عليها. لأن ما ذكرنا هو الأنسب بغرض أهل البيت (صلوات الله عليهم) من بيان تعاليمهم الشريفة وثقافتهم الرفيعة (10).


الهوامش:

  1. سورة هود الآية: 114.
  2. وسائل الشيعة ج: 3 ص: 9- 10 باب: 2 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث: 9.
  3. الرَبَق: جمع ربقة، وهي عروة الحبل. وقد شبه (عليه السلام) الذنوب بعرى الحبل التي يربق بها الأسرى، لبيان أن الصلاة تطلق المذنب منها.
  4. الحِمة: العين الحارة الماء، يستشفي بها الأعلّاء والمرضى.
  5. الدرن: الوسخ.
  6. نهج البلاغة ج: 2 ص: 178- 179.
  7. وسائل الشيعة ج: 8 ص: 74 باب: 38 من أبواب وجوب الحج والعمرة وشرائطه حديث: 43.
  8. وسائل الشيعة ج: 8 ص: 71 باب: 38 من أبواب وجوب الحج والعمرة وشرائطه حديث: 31.
  9. راجع وسائل الشيعة ج: 11 باب: 101 من أبواب جهاد النفس.
  10. مقتطف من كتاب فاجعة الطف للمرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، ص، 587-592.                       
2021/09/14
لقاء الأربعين حياةٌ للدين.. من وصايا المرجع الحكيم

من محاضرة للمرجع الراحل سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)

نحن في الحقيقة نعرف أهمية الزيارة وأهمية قصد الأئمة (عليهم السلام)، والمهم الآن أن نفكر ماهي الفائدة من هذه الزيارة؟ وما هو هذا الشيء المهم الذي أُركز عليه.

[اشترك]

الأمر الأول: نفس الزيارة وثواب الزيارة وما ورد فيها من شد ومن تأكيد، شيء مهذل فالإنسان لا يحسب حسابه ولا يمكن أن يستوعبه الفكر لولا أن الزمن كشف لنا إن هذه القضية لها في بقاء المذهب وفي بقاء الإسلام وإلا لما كان يصدَّق هذا الحديث في اليوم الأول.

الأمر الثاني: تميزت هذه الزيارة بجمع المؤمنين من أقطار الأرض على اختلاف مشاربهم وقومياتهم ومراكزهم الاجتماعية، وعلى اختلاف حالاتهم، من جميع الجهات يتوحدون في وحدة واحدة وهي وحدة الإيمان ليس لهم شيء أخر ولم يكن هناك تمييز، بل إلغاء الفوارق حتى يعرف كل واحد ما يوجد عند الثاني وكل أحد يرى ما عند الثاني، وهذا الشيء من أهم الأشياء التي يؤكد عليها الأئمة (عليهم السلام).

عثرت على رواية معظمة، الإمام يخاطب رجل من أهل الكوفة يقول له " كم بينك وبين البصرة قلت: في الماء خمس إذا طابت الريح وعلى الظهر ثمان ونحو ذلك، فقال: ما أقرب هذا ؟ تزاوروا ويتعاهد بعضكم بعضا فإنه لابد يوم القيامة من أن يأتي كل إنسان بشاهد يشهد له على دينه. وقال: إن المسلم إذا رأى أخاه كان حياة لدينه إذا ذكر الله عز وجل".

في ذلك اليوم على ثمانية أيام والبصرة ليس فيها إمام ولا زيارة ولا شيء إنما تلاقي أخوان وتعارفهم، ثمانية أيام يمشي على الظهر فالإمام يؤكد أن في ذلك حياة لدينكم لأن الإنسان لو كان الهدف واحد فطبيعي يُذكره بموازينه، هذا من أهم الأشياء التي أكد عليها الأئمة (عليهم السلام).

فالمهم هو التلاقي بين الأخوان والتعارف والتحابب بينهم فمهما أمكن أن لا يرى أحد نفسه متميز على الأخر، نعم هناك مميزات جهات اختلاف ثقافية، اختلاف جنسية، اختلاف قومية، اختلاف لغة كل هذه الاختلافات موجودة، هذا كله يلغى في سبيل أشياء مشتركة عندنا هي التي يجب أن تجمعنا في هدف واحد.

وحدة الهدف توحد الأمة هذا الشيء الثاني الذي دائما نحن نؤكد عليه والشيء المطلوب لتحصيل ثمرتها، هذه المدرسة ينبغي للمؤمنين أن يستفيدون منها في طول حياتهم وتذكرهم بتعاليم القرآن في تعاطف المؤمنين وتآلفهم وحسن أخلاقهم (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل - الآية 125، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت - الآية 34، ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) سورة الإسراء- آية 34، والى اخر ما ورد عندنا في ما يتعلق بحسن التعامل وصدق الحديث وأداء الأمانة ومراعاة الحقوق العامة والخاصة وعدم الاستهانة بالآخرين واحترام المؤمنين واحترام الناس كلهم، احترام كل من يجامل لتعبيرالإمام الصادق (عليه السلام): (ليس منا من لم يمادح من يمادحه ولم يخالط من يخالطه ولم يحابب من يحاببه) يعني ما يحقق حالة التآلف وحسن المعاشرة على اختلاف الفئات مسلم وغير المسلم أن تكون أخلاقك أخلاق جيدة هذا أيضاً الشيء المهم.

الأمر الثالث: أن يكون للإنسان التزام بدينه وتذكير بدينه هناك أحكام شرعية وهناك واجبات هناك محرمات لابد ان يعرف أن هذه الأمورلا تترك فقط أيام الزيارة بل يلزم أن تكون عنده حالة من التذكير ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الذاريات- الآية 55...

شهر، شهرين من أول محرم الى آخر صفر نحن مشغولين بذكر الحسين (عليه السلام)، والحسين هو الذي حافظ على الصلاة في أوقاتها في أحلك الظروف في أحلك الأوقات في أحلك الظروف حافظ على الصدق، وابتداءً تكلم بكل صدق فقال سأستشهد، لم يخدع أحداً ولم يكن في مقام خديعة، بل في مقام (وخُير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء)، وكتب الى بني هاشم (من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام)، ومعنى ذلك أنه صدق في حديثه، الإهتمام بصدق الحديث وكشف الواقع على واقعه، ليس هناك تغرير وليس هناك خديعة وتحايل ولف ودوران، يوجد وضوح منهج أنا هذا منهجي من أراده فبها ومن لم يريده فلا يريده (فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)، هذا حديثه ولابد أن نستفيد منه طوال حياتنا لا فقط في أيام الزيارة.

وهذا الشيء يجب على المؤمنين أن يهتمون به وأن يعايشوا العالم كله، أصبحت رسالتهم موجهة للعالم كله، لأن العالم كله في أقصى الأرض في بوليفيا في تشيلي في المكسيك كلها جاءت تريد ان ترى أوضاع هذه الزيارة فالشيعة الآن أصبحوا مسؤولين أن يكونوا دعاة الى مذهبهم في أقطار الأرض، لا أن يفكر كل واحد منهم في تجارته وعمله بل لابد ان يفكر بأن له هدف وهو أن يكون مذكر بمذهبه مذكر بدينه مذكر بالله، قد شكى لي بعض رجال الدين المحترمين من بعض الأديان بأن التكنلوجيا الحديثة تعمل على أن تُنسي الناس ذكر الله، فقلت له علاجها أن يكون الانسان المبلغ صادق في دعواه؛ فاذا صدق المبلغ في دعواه يؤثر أثره، والقدر المتيقن أن هؤلاء هم المسؤولون في اقطار الأرض عن رفع كلمة الإسلام الصحيحة الصافية التي أخذت من القرآن ومن أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ومن أحاديث الأئمة (عليهم السلام) ومن سيرتهم، وحتى سيرة الأنبياء عيسى (عليه السلام) أيضاً سيرته نفس السيروموسى أيضا نفس السيرة، كون الأمم شذت عن واقعها وخرجت عن تعاليم أنبيائها ليس معناه أن الأنبياء تعاليمهم منحرفة، بل تعاليمهم هي تلك التعاليم، وكذلك تعاليم إسلامنا أيضاً تعاليم صحيحة، ولكن شذوذ الأمم ليس معناه شذوذ التعاليم، الآن على المؤمنين الذين يؤمنوا بالحقيقة أن يبرزوها عملياً للناس، وهذه الزيارة مذكرة، بل المواسم كلها مذكرة فموت أمير المؤمنين يذكرنا بمواقف أمير المؤمنين المبدئية مقتل الإمام الحسن ومقتل الإمام الحسين والإمام الكاظم كذلك، وهكذا كل المناسبات التي لدينا في طول السنة هي تذكرنا بهذه المبادئ، فإذا أحد لديه تذكار فما عذره؛ فيجب عليه ان يستفيد من هذه المدرسة استفادة عملية، ويبرز وجه الإسلام الصحيح من طريق سلوكه الصادق لا ان يكون مبني على الرياء بل على الحقيقة، وهذه هي حقيقتي ليس لي غيرها، هذا الشي الذي يلزم ان نهتم به في ما بيننا وتعبير الآية الكريمة ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ "وَالْعَصْر ِإِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر ٍإِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) سورة العصر- الآية 1-3، وإلا الانسان في خسران إذا لم يسير على الموازين التي رسمها الله سبحانه وتعالى لعباده، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من المؤمنين.

 ونحن أيضاً نقدم شكرنا واعتزازنا وامتناننا للمؤمنين المشاركين على اختلاف مشاركاتهم كل بموقعه على أن تكون القضية مبنية على حقيقتها وأن لا تخرج عن حقيقتها التي رسمت لها وهي دعوة سيد الشهداء كما يقول: (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر)، فليس لنا حالة عنف تعالوا اصبحوا مثلي، أنا عليّ أن أبرز ما عندي والباقي كلٌ بتوفيقه من أراد الله أن يوفقه يوفقه وأن أراد هو ان يعرض والشيطان يغلبه، هو وشيطانه ( لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة المائدة - الآية 105، ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) سورة المدثر- الآية38، لابد أن نستفيد من هذه الزيارة وأمثالها من المواسم بما يذكرنا وينبهنا الى ابراز واقعنا وحقيقتنا.

(اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) سورة النحل - الآية 128، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة آل عمران- الآية 200، ونسأل الله حسن العاقبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

2021/09/14
الحسين (ع) تخلى عن نفائس الدنيا ليكون في ’ضاحية الطف’

كتب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:

إن التضحية والمفاداة التي تسامی وتعالى بها إمام الشهداء وأبو الأئمة يوم الطف من أي ناحية نظرت إليها، ومن كل وجهة اتجهت لها متأملا فيها، أعطتك دروسا وعبرا، وأسرارا وحكما تخضع لها الألباب وتسجد في محراب عظمتها العقول.

[اشترك]

واقعة الطف، وشهادة سيد الشهداء وأصحابه في تلك العرصات کتاب مشحون بالآيات الباهرة والعظات البليغة فهي:

کالبدر من حيث التفت وجدته يغشي

البلاد مشارقاً ومغارباً

أو:

کالبحر يمنح للقريب جواهراً

غرراً ويبعث للبعبد سحائبا

هذه الدنيا وشهواتها ولذائذها وزينتها وزخارفها التي يتكالب إليها البشر وتتهاوى على مذبحها ضحايا الأنام، هذه الدنيا التي اتخذها كل واحد من الناس ربا وصار لها ولمن في يده شيء منها، فلعبت بهم ولعبوا بها، هذه الدنيا وشهواتها التي أشار جلت عظمته إلى جمهرتها بقوله تعالی:

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)

كانت هذه النفائس الدنيوية قد توفر للحسين عليه السلام أكملها وأجملها، من المال والبنين والنساء والخيل المسومة، مضافا إلى ما كان له من العز والكرامة وكل مؤهلات الشرف والتقدير التي استحقها بحسبه ونسبه وبيئته ووسطه ومواهبه، وقد كان في ذلك العصر لا يوازيه ولا يدانيه أحد في دنيا المفاخر والمآثر، الكل يعترف ويعرف ماله من عظيم القدر ورفيع المنزلة، فسلم المجد والصعود إلى السماء بيمينه، ومفاتیح خزائن الدنيا في قبضة شماله، ومع ذلك كله فحين جد الجد وحقت الحقيقة بذل كل ذلك وضحى به في ضاحية يوم الطف.

وفي سبيل المبدأ كان أهون شيء عليه كل تلك النفائس، وما اكتفى حتى بذل نفسه وجسده ورأسه وأوصاله وأولاده وكل حبيب له وعزيز عليه في سبيل حبيبه الأعلى ومعشوقه الأول.

أفليس هو الجدير والحري بأن يقول:

وبماشئت في هواك اختبرني

فاختاري ما كان فيه رضاك

يحشر العاشقون تحت لوائي

وجميع الملاح تحت لواكا

واقتباس الأنوار من ظاهري

غير عجیب وباطني مأواك.

*نقلا عن مجلة لواء الوحدة الإسلامية – النجف العدد-4- السنة الأولى – ١٩٤٩/ص ۱.

 

2021/09/13
كـ ’مسلم بن عقيل’.. الشجاعة: سلطة الإنسان على نفسه!
ما هو المفهوم من الشجاعة، وإذا لم تكن الشجاعة بمعنى القوة الجسدية، فما هي المعايير التي نعرف بها معنى الشجاعة؟ وماهو ارتباط الشجاعة بمنظومة القيم الأخلاقية؟ وكيف تكون الشجاعة او عدمها بمفهوم النصرة والخذلان للإمام الحسين (عليه السلام)؟ وكيف تجسدت الشجاعة في مسلم بن عقيل؟ وكيف توثر الشجاعة في واقعة عاشوراء على تربية اجيالنا؟

الشجاعة هي قوة معنوية تجعل الإنسان قادرا على مواجهة التحديات والصعاب وانضباط الانفعال والتحكم بردود الفعل، فمهما كانت قوة الإنسان الجسدية تبقى قوته المعنوية هي الفيصل في الميدان، لذلك نرى بعض الأشخاص أقوياء جسميّا لكن يُهزمون نفسيا ويخسرون، ورأينا في كل الأزمان والأمكنة كيف أن المجتمعات تنهار نتيجة لعدم وجود شجاعة حقيقية لمواجهة التحديات التي تتعرض لها هذه المجتمعات في الأزمات. قال الامام علي (عليه السلام): «وجدت الحلم والاحتمال أنصر لي من شجعان الرجال».

لأن الأساس في القوة هو القوة المعنوية، فالشجاعة هي من الفضائل التي تنتج ملَكَة نفسية ومرتبة اخلاقية، فتحتاج إلى تربية وتنمية لتحقيق تراكم الفضائل ومن أهمها العقل والحلم والعطاء والصبر والعلم، قال الإمام علي (عليه السلام): (أشجع الناس من غلب الجهل بالحلم)، (لا أشجع من لبيب).

ومعرفة معنى القوة الحقيقية من خلال السلوك المعتدل، فالشجاعة فضيلة وسطية بين الجبن والتهور. فلا شجاعة في الطغيان والاعتداء بل الشجاعة في العفو والسماحة. فالشجاعة تعني سلطة الإنسان على نفسه، كما في الرواية عن الإمام علي (ع): (أقوى الناس أعظمهم سلطانا على نفسه)، (الشجاعة صبر ساعة). معنى ذلك كلما كان الإنسان صبورا وقويا في التمسك بنفسه وقوتها يكون شجاعا أكثر.

وفي الأزمات التي نعيشها اليوم حيث استبداد وعنف الحكام الظالمين نلاحظ أن الإنسان يتعرض للانهيار، والسبب في ذلك عدم وجود شجاعة وقوة معنوية عند هذا الإنسان في مواجهة هذه التحديات، بمعني أن اليأس والإحباط الذي نراهما عند كثير من الناس بمثابة الموت البطيء، حيث يستسلم للأمر الواقع بسبب الخوف وفقدان الإيمان والشك والقلق، وهذا الاستسلام هو سبب في كثير من الانهيارات الإنسانية والاجتماعية. وقد رأينا قضية الحيادية في عدم نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، عندما أصبح الحياد هو نوع من الانهزام وعدم وجود الشجاعة في اتخاذ موقف، فمعنى الشجاعة هو عدم الوقوف في جانب الحياد بل اتخاذ موقف يعبر عن إيمان ويكشف عن مسؤوليته العقلية والشرعية.

بعض الأشخاص لا يتخذ موقفا في بادئ الأمر، بمعنى إذا اتخذ موقفا لا ينتظر أن تظهر النتيجة في نفس اللحظة، فربما تظهر النتيجة بعد مدة، لذا عليه أن يصبر إلى أن تبان نتيجة اتخاذه لهذا الموقف الشجاع أو العكس.

الشجاعة هي القدرة على اتخاذ الموقف، نلاحظ اليوم أن بعض الناس يعتبرون من لا يواجههم بأنه جبان وضعيف، فيمارسون العنف ضده، والعنف هو من أسوأ الرذائل التي يمكن للإنسان أن يفعلها، لأنه لم يضبط نفسه فيمارس العنف ضد الآخر ويعتدي عليه، لذلك نلاحظ أن الروايات تدعو الإنسان للتحلي بالصبر والحلم والحزم، وكما جاء في الرواية، فالحزم قوة كبيرة للإنسان الذي يضبط نفسه، فعن الإمام علي (عليه السلام): (آفة الشجاعة إضاعة الحزم)، وفعلا هذه هي القوة الحقيقية والملَكة النفسانية التي ينالها الإنسان من خلال ممارسة التصبّر والمصابرة في حياته. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله!، قال: أشدكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحق).

معايير الشجاعة

من المواقف التي يُعرف بها الإنسان هو الثبات على المبدأ، فهناك من الناس بسبب خوفهم على حياتهم ينهزمون ويتنكرون للمبادئ، أو أنه يريد يعيش حياته فحسب، فيقول ما علاقتي بالمبادئ، وبماذا تفيدني؟، وهذه مصيبة كبيرة.

ولاحظوا أن أولئك الذين يتخلون عن مبادئهم، إذا أصبحوا واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، فإن حالة التنكّر للمبادئ تصبح ظاهرة عامة، وعندها ينتشر الفساد في المجتمع ويصبح مجتمعا فاسدا، لأنه قام بالتخلي عن المبادئ الأساسية التي لابد للإنسان أن يتمسك بها من أجل حماية نفسه ومجتمعه.

لذلك من أهم صفات الإنسان الشجاع، أنه مبدئي، لا يتهاون، ولا يتلاعب، ولا ينظر إلى مصالحه إلا إذا كانت نابعة من مبادئه، كذلك يجب ألا يبيع مبادئه بأشياء بسيطة.

واقعة عاشوراء معركة بين المبادئ والمصالح

لقد انهزم كثير من الناس من أجل مصالحهم، قليل من أصحاب الإمام الحسين بقوا معه (عليه السلام) من أجل المبادئ، فإيمانهم بالإمام الحسين هو مبدأ إيمانهم بالحق في مقابل الباطل، وإيمانهم بالتضحية هو إيمان بالإمام (عليه السلام)، ولابد من مواجهة الباطل لأنه دمار وتدمير للمجتمع وللإنسان نفسه، فالهروب من مواجهة الباطل خسارة وليست ربحا.

 

لابد للإنسان التمسك بالمبدأ رغم أن بعض الناس يقول لك: لماذا أنت مثالي جدا، ولماذا هذه المثالية، عش حياتك، ودع هذه المثالية جانبا لأنك سوف تخسر، لكنك تقول إن الربح الحقيقي يكمن في التمسك بالمبادئ، وأولئك الذين يذهبون وراء مصالح صغيرة من اجل أن يربحوا شيئا صغيرا هم أناس سطحيون وخاسرون في الدنيا والآخرة.

هؤلاء مثلهم مثل الإنسان الذي يذهب للشراء من صاحب دكان لا يهمه أن يكذب ولا يكون صادقا مع المشتري، بالتالي حين يكذب على المشتري رغم أن ربحه بسيط، فإن المشتري لا يأتي مرة أخرى ليشتري من صاحب الدكان لأنه كاذب، هذه خسارة وليست ربحا، كذلك فإن المشتري سوف يبلّغ الآخرين بأن صاحب الدكان شخص كاذب فلا تشتروا منه. وهكذا سوف لا يخسر شخصا واحدا، بل خسر عدة زبائن.

من قضايا الشجاعة التي نعرِّف بها، هي قضية نصرة المظلومين، فالإنسان الذي لا ينصر المظلوم يعدّ جبانا وليس شجاعا، لاسيما أننا نرى الناس في حاجة إلى من يساندهم، فمن الذي يكون معهم، ويقوم بحمايتهم وحماية حقوقهم؟، لكننا نرى الكثير من الناس متخلّين عن هذه القضية. فنصرة المظلوم من شيم الشجعان، والشجاع هو من ينصر المظلوم ويقف معه.

الشجاعة في الانتصار للدين

الانتصار الحقيقي للدين هو أمر جوهري، لأنه الأساس الذي يحمي المجتمعات، لأن الدين إيمان وتقوى، لاحظوا هذه الآية المباركة (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين)، فالدين معناه كل الفضائل الأخلاقية والتقوى، وإذا لم ننتصر للدين لن ننتصر للتقوى والإيمان، فيكون المجتمع مخلخلا ومختلّا ومريضا. لذلك من شيم الشجعان أن يقف الإنسان مع الدين.

الشجاعة هي القوة الحكيمة، أي يكون استخدامها بحكمة، وفي موقعها، والشجاع هو الذي ينتصر للدين بحكمة، ويتم انتصار الدين بأشياء كثيرة، منها العلم والمعرفة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم.

الإنفاق في سبيل الله

من المعايير الأخرى الإنفاق في سبيل الله، ففي الروايات تذكر الشجاعة مع السماحة والسخاء، لأن قمة الشجاعة أن الإنسان ينفق أمواله في سبيل الله، وفي سبيل الفقراء وبناء المجتمع، فالإنفاق من سمات الشجعان، لأن الإنسان بطبيعته يخشى على أمواله من أن تقلّ، فيكون جبانا في إنفاقها، ويكون بخيلا وحريصا، لكن هذه ليست من صفات الشجاع، فالإنسان الشجاع هو الذي ينفق أمواله على الخير والمحتاجين، والإنفاق في سبيل الإمام الحسين (عليه السلام)، فيضاعفها الله له أضعافا مضاعفة. فعن الإمام علي (عليه السلام): (أشجع الناس أسخاهم).

قصة وفاء

من أهم صفات الحسينيين في عاشوراء هو الوفاء فقضية كربلاء هي قصة وفاء، كما نلاحظ في وفاء مسلم بن عقيل، ووفاء أبي الفضل العباس (عليه السلام)، ووفاء أولئك الشجعان الذين لم يفكروا بأنفسهم.

وهذا هو الفرق بين الناجحين والفاشلين، فالناجحون هم الملتزمون بعهودهم وكلامهم، الموفون بعهودهم، لذلك نراهم محترمين أقوياء وشجعان، أما الإنسان الذي يتخلى عن وفائه وعهده، فهذا إنسان فاشل، فحتى علماء النفس أو علماء الإدارة يقولون إن الإنسان الناجح يوفي بكلامه وعهوده دائما، وهذه من صفات الإنسان الشجاع مهما كانت الظروف.

ارتباط الشجاعة بمنظومة القيم الأخلاقية

البعض يعرف معنى القوة بمعاني عدة منها القوة الصلبة والقوة الذكية والقوة الناعمة وقوة الإرغام، لكن القوة في حقيقتها هي قوة الأخلاق، لذلك في الحديث عن الامام علي (عليه السلام): (لو تميزت الأشياء لكان الصدق مع الشجاعة، وكان الجبن مع الكذب). فالإنسان الشجاع صادق ولا يخاف من قول كلمة الحق، ولو وضعوا شيئا مع الجُبْن لكان الكذب، فالكذاب جبان، لذلك فإن القيم الأخلاقية في حياة الإنسان تصل به إلى مرتبة ملَكة الشجاعة، فهو قوي لأنه تغذى بهذه القيم الأخلاقية. وعن الامام الصادق (عليه السلام): (من كانت فيه خلة من ثلاثة انتظمت فيه ثلاثتها في تفخيمه وهيبته وجماله: من كان له ورع، أو سماحة، أو شجاعة).

الخوف من الله

إن أهم الطرق في بناء الشجاعة هو الخوف من الله سبحانه وتعالى، يقول الامام الصادق (عليه السلام): من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.

لماذا تخاف من الظالم، ولماذا تخاف من الآخرين، لماذا تخاف من أن ينقطع رزقك، عليك أن تخاف من الله سبحانه وتعالى فقط، فإذا كان الإنسان خائفا من الله كان شجاعا قويا في الدنيا، وقال (عليه السلام): من عرف الله خاف الله ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا.

الشجاع لا يهتم للدنيا، فهي ليست مهمة عنده، إنها شيء بسيط، وليس مهما أن يحرص على منافعه ولذاته في الدنيا، ولا يقلق ولا يخاف من ضياع مستقبله، لذلك فإن الأبطال الحقيقيين هم الشجعان الحقيقيون الذين يخافون من الله.

القوة المعنوية للإمام علي (عليه السلام)

أكثر الناس خوفا من الله تعالى الإمام علي (عليه السلام)، كان الإمام علي (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل. فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان على ضعفه، فلا أدري أحسن إذا حملت أم لا.

لذلك كان أشجع الناس، فقضية الإمام علي (عليه السلام) ليست قضية جسدية فقط، وإنما هي قضية معنوية كبيرة وعظيمة، فمن كان يقاتل الإمام علي كان يخاف من إيمان الإمام (عليه السلام) وقوته المعنوية الهائلة، فكان ينهار وينهزم قبل بدء القتال، لذا نستطيع أن نقول أن الأضداد قد اجتمعت في أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو الشجاع الخائف، إنه الشجاع في ساحة المعركة والخائف من الله سبحانه، ومن يخاف الله فهو شجاع لأنه يخافه تعالى ولا يخاف من أي شيء آخر.

أما الإنسان الذي لا يخاف من الله سبحانه وتعالى، ويخاف من الناس، فهذا جبان وعبد، واليوم نعيش في مجتمعات متخلفة بائسة شقية، بسبب خوف الناس من الحكام الظالمين ومن الآخرين، فنلاحظ أن الإنسان يتعلم الخوف وهو صغير لذلك فهو لايحمل الشجاعة في قلبه.

تثقيف الناس بالخوف من الله؟

من الخطأ والخطر أن يتربى الإنسان على الخوف وهو صغير، لذلك نلاحظ وجود الأُسر التي لا تهتم بشجاعة الأبناء، بل تهتم بتخويفهم، فيعيشون مدجنين في أجواء الظلم والأنظمة المستبدة والحكومات الجائرة، ونلاحظ أنهم يخوّفون أطفالهم دائما، فيربون عندهم حالة الجبن، وهناك من يربي أبناءه على الكذب والنفاق وعلى الانزواء والحياد، لذلك لابد أن نربي أبناءنا ومجتمعنا على الخوف من الله سبحانه وتعالى، وليس الخوف من الظالمين. والخوف من الله منهج تربوي مهم في بناء الشجاعة عند الإنسان.

ومن معايير الشجاعة، هي ارتباط الشجاعة بالعقل والتعقل، فالإنسان الشجاع هو المتعقل الذي يستخدم عقله وحكمته في عملية إدارة الأمور والمواقف، وإدارة المواجهات، فالإنسان المتعجرف والذي يحاول أن يمارس القوة ضد الآخرين هذا ليس بشجاع. قال رسول الله (ص): وآفة الشجاعة البغي.

نصرة وخذلان للإمام الحسين (عليه السلام)

الشجاعة هي انتصار للإنسان مهما كانت المواقف وهي ربح، والخذلان هو هزيمة وجبن مهما كانت المواقف أيضا، لذلك فإن الانتصار للإمام الحسين هو انتصار للإنسان الشجاع في حياته، فعندما ننتصر للإمام الحسين ننتصر لمبادئ الحق، ونقف مع المظلومين، وننتصر للقيم الأخلاقية، وننتصر للإنفاق في سبيل الله، وبالعكس من ذلك، هو من يخذل الإمام الحسين (عليه السلام).

بعض الناس للأسف الشديد ليس لديه دافع لنصرة الحق، فيكون إنسانا روتينيا في حياته، ويعيش يومه ليأكل ويشرب وينام وهكذا، بالنتيجة ليس له موقف في الحياة، وهذا هو الإنسان الذي يتملكه الخذلان.

تجسد الشجاعة في مسلم بن عقيل

مسلم بن عقيل وأصحاب الإمام (عليه السلام) هم تجسيد حقيقي لمعنى الشجاعة، كيف يُعقل أن فئة قليلة تقف أمام ذلك الجيش الجرار، ففي هكذا موقف الناس يفرون هاربين، وكيف يُعقل أن مسلم بن عقيل يذهب إلى الكوفة، وهناك يرى الخذلان والهزيمة؟، لكنه يقف صامدا، هذا هو معنى الشجاعة لأنه هناك ايمان ويقين، والإنسان الشجاع لا يبيع مبادئه، وهذه المواقف هي التي تبني تاريخنا المشرف.

نحن كبشر إذا لا نملك شجاعة الإمام الحسين وأصحابه، فماذا يبقى لدينا في الحياة من قيم؟ في حياة كثير من المجتمعات قيم فاسدة، أو سلوكيات فاسدة، لكننا نحن نعيش ببركة الإمام الحسين وأصحابه وشجاعة مسلم بن عقيل، وهو نِعْمَ الرسول، فقد كان يمثل الشجاعة الحسينية والعلوية، وهو تربّى في حجر أمير المؤمنين، وتربى في مدرسة أهل البيت، وكان تجسيدا لتلك الشجاعة العظيمة، وقد قال رسول الله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «اني أحب عقيلا حبين حبا له وحبا لحب أبي طالب له وإن ولده لمقتول في محبة ولدك تدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون» ثم بكى رسول الله وقال «إلى الله تعالى أشكو ما تلقى عترتي من بعدي».

وقد رأينا موقف مسلم بن عقيل الكبير في الكوفة، وفي ذلك الموقف الذي حصل في بيت شريك بن الأعور، نلاحظ عندما جاء عبيد الله بن زياد، فهو كان يستطيع أن يقتله، وعندما ذهب عبيد الله بن زياد، سأل شريك بن الأعور مسلم بن عقيل: لماذا لم تقتله؟، فقال سمعت عن رسول الله أنه قال (الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مسلم) فشجاعة مسلم ليست غدرا، لأن الغدر من شيم الشياطين والجبناء والانتهازيين، فهؤلاء هم الغدارون.

لقد تربى مسلم بن عقيل في مدرسة الإمام الحسين وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، على القيم الأخلاقية، فأهل البيت لم يأتوا من أجل الوصول للسلطة بأي ثمن بحيث الغاية تبرر الوسيلة، وللأسف الشديد هناك كثير من الناس يستخدمون قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وهؤلاء هم اللاهثون وراء السلطة والمال والربح مهما كانت الوسائل التي يستخدمونها، فهؤلاء يفعلون كل شيء، يقتلون ويعبثون ويكذبون ويسرقون من اجل السلطة.

الدين لا يقبل ذلك، الغاية لا تبرر الوسيلة، هناك مبادئ، فلا يطاع الله من حيث يُعصى كما في الرواية، وإذا كانت الغاية تبرر الوسيلة، فإن الإمام علي كان أدهى الناس، يقول الإمام علي (عليه السلام): (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة..).

إن الغدر يدمر الإنسانية، وإذا أصبح كل البشر غدارون، تصبح الحياة فوضى حيث يختل التوازن الكوني الذي يقوم على الإنصاف والعدل وتكافؤ الفرص، واحترام الآخرين وحقوقهم، فإذا تم اغتيال كل هذا بالغدر انتهى كل شيء، فهدف أهل البيت هو بناء مجتمعات صالحة.

يجب ملاحظة أن المجتمع الصالح يُبنى بالمبادئ، وبالقيم الأخلاقية، لكن الحكومات والقوى الكبرى الموجودة في عالم اليوم، لا تهتم بالبشر، في حين تمتلئ الدول بالفقراء والحروب بسبب القوى الكبرى، لأنها تقول علنا (مصالحنا أولا)، ولا أهمية للبشر فليموتوا لا مشكلة في ذلك، لذا نلاحظ انتشار الأسلحة النووية في العالم التي من الممكن أن تدمر البشرية مئات المرات.

كما نلاحظ أن العالم اليوم محاصر بالحرائق والفيضانات والكوارث والاوبئة، وهذا كله بسبب سوء إدارة هذه القوى للعالم، ولأن مصالحها الخاصة وارباحها الشخصية أهم من كل شيء مهما أدى هذا كله الى تدمير البشرية.

إن هدف أهل البيت هو بناء المجتمع الصالح، لهذا فإن مسلم بن عقيل عرف أن هناك حدّا فاصلا بين الإيمان والكفر ولم يغدر، ولو أنه لا سامح الله غدر، لانتهى كل شيء، ومن باب القضية الافتراضية كان أهل البيت يستطيعون أن يجمعوا أناسا كثيرين من خلال الأموال وتقسيم المناصب والمغانم وينتصروا ويحصلوا على السلطة، لكن هذا ليس هدفهم لأنهم أصحاب رسالة، والسلطة والغدر ليست رسالة الأنبياء والائمة (عليهم السلام)، بل رسالتهم بناء المجتمعات الصالحة الصادقة والمؤمنة التقية.

كيف تؤثر الشجاعة في واقعه عاشوراء على تربية أجيالنا؟

نحن نحتاج إلى أناس شجعان، ومجتمعات شجاعة، لأننا نعيش التخلف بسبب الخوف، فلابد أن تكون عاشوراء مدرسة لتربية الشجاعة عند الناس، ليست الشجاعة الجسدية فقط، لكن نحن نركز على الشجاعة الجسدية وعلى السيف والسلاح، وهذا كله شيء وشكل ظاهري، القوة الحقيقية تكمن في الشجاعة المعنوية والتقوى والإيمان والسخاء والكرم والعطاء والفضائل الأخلاقية والصدق، هذه هي القيم التي تربي الإنسان على أن يكون ذا شخصية قوية.

عندما نقرأ كربلاء نلاحظ أنها كلها مواقف، لحظة بلحظة، وموقف بموقف، إذ تعبر هذه المواقف عن الإنسان العظيم والشجاع والفاضل والصالح، فالناس يتمسكون بعاشوراء لأنها مدرسة لتربية الفضائل وتنمية الأخلاق، لذلك لابد أن نشجع أبناءنا على استلهام الدروس من عاشوراء، حتى نصنع شخصيات قوية وناجحة في مجتمعاتنا، وبناء أجيال قوية، وبناء أمة قوية قائمة على فكر وثقافة أهل البيت وقيمهم.

ترسيخ مفهوم الشجاعة الحسينية

نعم بالإمكان ذلك إذا أصبحت الممارسة الحسينية واقعا مستمرا في حياتنا، فنحن في عاشوراء لابد من استثمار التلاحم العاطفي الكبير من أجل إيجاد تلاحم فكري وأخلاقي كبير بين الناس، وتبيين واقعة عاشوراء حتى يؤثر ذلك تأثيرا كبيرا في بناء الإصلاح في مجتمعاتنا وإدانة كل أنواع الانتهازية، خصوصا أولئك الذين يستغلون الدين.

فقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) الدين في يوم عاشوراء، هذا هو الدين الحقيقي، إنه دين الحرية والصدق والشجاعة والعطاء، وكل القيم الصادقة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستقامة، وليس دين الانتهازية، الإنسان الذي يظلم الآخرين هذا ليس إنسان متدينا، بل هو يستغل الدين.

لذلك عندما يعرف الناس معنى القيم التي ناضل من اجلها الإمام الحسين (عليه السلام)، سوف نستطيع أن نبني مجتمعا صالحا، فنحن نحتاج إلى جهاد حسيني، ومعنوي كبير، نحصل عليه من خلال الثقافة والتثقيف وبناء التفكير الحسيني، وكيفية ممارسة الشجاعة التي تطرقنا لها سابقا، من خلال الصدق والحكمة والعقل، حتى نستطيع أن نحقق تلك القوة الكبيرة.

بعض الدول المتقدمة تقدمت ليس بالسلاح، بل بالفكر والإبداع والإنتاج، لذا يجب أن نشجع مجتمعنا على العمل والإنتاج والتفكير والإبداع، واستخدام القوة الحقيقية، وهي قوة العقل والحكمة وضبط النفس، وقوة التعاون فيما بيننا وبين الآخرين، لأن التعاون شجاعة، والتواضع شجاعة، أما الإنسان المتكبر فهو جبان، ويريد يفرض نفسه على الآخرين من خلال تكبره.

على عكس ذلك، نلاحظ أن الإنسان المتواضع متعاون شجاع ومستعد لأن يتنازل عن حقه، حتى لو كان هو صاحب حق، إنه يتنازل من أجل تحقيق التعاون الاجتماعي، لذلك فإن الاهم في حياتنا، أننا نحتاج إلى الشجاعة الحسينية في بناء المجتمعات الصالحة، وأننا لابد أن نسير على هذا النهج لكي نتقدم ونفلح ونرتقي.

2021/09/12
ذكريات في ’طريق الأربعين’.. المرجع الحكيم: ما يحدث في كربلاء أكثر مما كنّا نحلم به!

قرره وأعده: السيد علاء العوادي

نشكر ونعتز بالإخوة الذين شاركوا في هذه المسيرة المباركة، إن هذه المسيرة قد تفضل الله بها على المؤمنين ووحد كلمتهم وجمع شملهم وألغى الفوارق النسبية والاجتماعية والمالية والعرقية والجنسية بينهم.

[اشترك]

ولم يبق شيء يجمعهم إلا كلمة الإيمان وولاية أهل البيت (سلام الله عليهم)؛ وجواب كلمة الامام الحسين (عليه السلام) التي تشير لها الزيارة المباركة (لبيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك سمعي وقلبي وبصري سبحان ربنا إن كان وعدُ ربنا لمفعولا)، ولإن يجتمع المحبون هنا لترى كل فئة الفئة الأخرى يتألفون يتآزرون يتعارفون ويتعرف بعضهم على ما عند البعض؛ ليأخذ أحدهم ما عند الثاني من الجانب الحسن، ويؤكدون جانب الولاء بالله وبالنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وتذكيرهم دائماً بإيمانهم وهذه المدرسة تمتد الى شهر يعيش الانسان في جوها؛ وهذا الجو كما ينعكس على من يشارك في المسيرة فأنه ينعكس على كل من يشاهدها بالفضائيات أو يسمع عنها فهو يشترك معهم وتكون مذكرة له وهذه من أعظم النعم، ولابد أن يعرفها الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى حينما يرسل ويذكر (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55]،  فمن أفضل النعم أن يهيئ الله الأسباب للذكر، وللتفكير، والتنبيه، والإرشاد، ورفع الغفلة عن الانسان، وهذه النعمة تحتاج الى شكر فلو لم يشكر الإنسان على هذه النعم فأن الله يسلبها.

 وثم يذكر السيد الفقيد الراحل (قدس سره) بعد خروجه من السجن سنة 1412 هجري في يوم عاشوراء:

كنا نريد الخروج الى زيارة الامام الحسين (عليه السلام) وكان الموقف في خطر وتأزم فقلت لرفيقي الشيخ صادق قاموسي والشيخ عبد الهادي الأسدي سأذهب وأرى إن منعونا فقد أدينا ما علينا من إحياء لهذا اليوم، وإن لم يمنعونا فقد حصلنا على ما نريد (...) ودخلنا كربلاء ولم يكن فيها أحد وكانت خالية من الزوار، وقد أنتج الإخلاص هذا المنطقة كلها وليس كربلاء مزدحمة ومكتظة في ذكر أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه النعمة لم نكن نتصورها في عالم الرؤيا ولكنها أصبحت حقيقة والحمد لله، الكل يشارك فيها ويؤدي خدمته المطلوبة من المشي والخدمة، ولابد من شكر هذه النعمة (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7] (فلا تملوا النعم فتحور نقما) ولابد من استثمار هذه المناسبة لذكر أخلاق الإسلام وأخلاق القرآن الذي يؤكد فيها على مكارم الأخلاق (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35]، والتوكل على الله والتأكيد على الالتجاء الى الله وتأكيده على الرعاية له والخوف منه والرجاء إليه دائما تنبيه الى هذا فالقرآن من أوله الى آخره دائما يشير الى التذكير بهذه الامور والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في قولهم وسيرتهم على ذلك وكذا أصحابه يتبعوهم على هذا النهج الى أن وصلت القضية لنا فيجب علينا أن نؤدي وضيفتنا، ولابد من أن نستفيد من هذه المدرسة فلا نجعل هذه المناسبات أمر مؤقت بعد ذلك كل شيء يرجع الى حاله ومكانه فلا يحصل منها على فائدة عملية، فلابد أن تكون هذه المناسبات واعز لتحفيز وزيادة الوضع الإيماني والأخلاقي والالتزام الديني وحسن التعامل وحسن الخلق، بحيث تؤكده في المؤمنين وتكون هذه المناسبات أداة تذكير لهم في كل سنة، فلابد ان لا تنسى هذه النعمة وأن لا يغفل عنها، لأنه إذا غفل عنها تسحب بصريح الآية الكريمة (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]، فلا بد للإنسان أن لا يغفل بل يجب أن يبقى شاكراً للنعم قولاً وعملاً، فقد أعطانا الله شيء ليذكرنا وينبهنا ويوجهنا فلابد أن شكر الله تعالى ليزيده فإذا كفرنا بذلك فأن الله يسلبه منا فلتكون هذه النعمة عبرة للمؤمنين وأن لا يكونوا من الغافلين.

ثم أشار سماحته رحمه الله الى أن يديم الله هذه النعم علينا وأن توحد شمل المؤمنين وأن لا تكون للنعرات والخلافات بين بعضنا البعض سبباً لسلب هذه النعم (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وكل من له وجهة نظر فيلزم أن نحترم وجهة نظره من دون مهاجمة الآخرين مما يسبب الانشقاق بيننا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة: 21]، ولكن هذا على أيدينا أم على أيدي غيرنا هذا نحن وتوفيقنا وإن شاء الله العاقبة للمتقين (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل: 128].

ونسأل الله حسن العاقبة وصلاح الأحول وحسن المآل.

ما هي أهم الدروس التي نستلهما من هذه المناسبة؟

إن أهم الدروس أن نلتزم بديننا في تعاملنا وفي سلوكنا في عادتنا في تقاليدنا فلابد أن نراها موافقة للدين أو مخالفة فإن كانت موافقة فالحمد لله رب العالمين وإن كانت مخالفة نصلحها وهذه ليس بقضية صعبة -إصلاح الحال لما يوافق الدين- والجو الآن قابل لإصلاح الحال، وأن الحسين (عليه السلام) كل ما عنده هو الإصلاح والتذكير بالله ودعائه في أواخر ساعاته التأكيد على الارتباط بالله والدعاء إليه والإلتجاء إليه، والمواعيد ثابتة ولم تذهب (واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا) (وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يُدرَس أثره ولا يعفو رسمه)، وهذا وعد صدق غايته أما على أيدينا أو على أيدي غيرنا، نحن وتوفيقنا، (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}[محمد: 38]، وإن شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أهل لتحمل المسؤولية وأداء الواجب والله أرحم الراحمين وأسألكم الدعاء.

2021/09/11
شهيد الطف وضحية الفضيلة!

لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما

[اشترك]

وهكذا يأبى التفكير الصحيح من الخضوع لمسالمة من أراد بالأمة سوء وتحكم فيها مستبداً دون أن تثيره النخوة، فلا يفتأ أن يصرخ في وجوه المستبدين فيبني كيان أمته بكل ما يستطيعه وإن وجوده في الأمة النادر بل لا يدركه الشعور والحسين أبو الشهداء، لأنه المثل الأعلى للمجاهدين حيث ضرب المثل العليا لجميع الشهداء.

وواقعة الطف متى ذكرت تذکر مقرونة بالتعظيم والتبجيل ذلك لأنها اشتملت على مفاخر وعبر ما لم تحويه أي مأساة جرت في الوجود فحلت في قلب كل إنسان خضع لصاحب الرسالة أو لم يخضع. وحتى أخذت أثرها في قلب كل رجل كان الناس لا يظنون به إلا سوء فأسمعه يرثيه بما يتم عن أثرها العميق في نفسه فيقول:

 وعلى الأرض من دماء الشهيدين

علي ونجله  شاهدان

فهما في أواخر الليل فجران

وفي أوليائه قمران

فما سبب هذا التأثير الذي يجده كل من قدس الفضيلة وما سبب خلود هذه التضحية إلا لأنها قاومت الباطل بكل ما استطاعت من رفع الظلم عن الأمة وإزالة حلم الاستبداد الجائر عنها. يقول علي لأبيه:

ألسنا على الحق

فيقول له أبوه:

 بلى والذي إليه يرجع أمر العباد.

وهكذا كانت نية أصحابه وأهل بيته إيمانا بالحق وتفانيا إزاء المبدأ القويم. خرج من مكة عالما بمصرعه متيقنا أن تضحيته هذه ستعود بالخير الكثير على أمة جده سار في طريقه وهو يرتل

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا مانوی حفا وجاهد مسلما

نعم هان الموت عنده وعند أصحابه الأشاوس وعظم عليهم الخضوع لذلك الفاسق المستهتر، لقد خاب ظن ابن هند فيما فكر فيه من تنصيب يزيد خليفة على المسلمين وتمكينه من رقابهم ولسنا ببعيدين عن الحقيقة إذا قلنا أن إذهاب الإسلام وفل شعاعه كان أمنية في نفس معاوية فلم يستطعها في حياته فخلف ابنه من بعده وأسر إليه بها فما تربع یزید دست الخلافة إلا أخذ يجاهر بقوله: لا خبر جاء ولا وحي نزل، وبأعماله التي ينفر القلم من ذكرها فهل يا ترى يخضع الحسين لهذا الفاجر وهو سبط صاحب الرسالة والمثل الأعلى لجده القائل فيه "حسين مني وأنا من حسين"

فصرخ في وجوه المعادين لدين الله فعاد بأجمل الذكر وفل عروش الدولة الجائرة وأوضح ما انطوت عليه نفوس أمية فحصل كما قيل : من رام تفسير الحياة لقومه

قدم الشهيد يبين عن معناها

لولا الدماء تراق لم تك أمة

بلغت من المجد العريق مناها

تسمو الحياة بكل حر ماجد

وجبت عليه حقوقها فقضاها

فسلام عليك يا ضحية الفضيلة وعلى أصحابك تحيات من الله.

المصدر: مجلة القادسية - النجف - العدد-6 - السنة الرابعة - ۱۳۹۱ هـ، ص3

 

2021/09/09
أكبر دروس الطف: الدفاع عن الدين المغتصب!

كتب الشيخ محمد جواد الجزائري:

تقدم الوجود بتطوراته، وتعالی بكماله. فتأهل للوحي الإلهي، وعبرت عليه النبوات المقدسة المحدودة متدرجة ناشرة دروس الإصلاح والصلاح. وهو يتقدم بين حدود الكمال ويعلو من حد إلى حد. حتي تأهل للنبوة المطلقة وتجلى بنبوة خاتم الأنبياء محمد العربي صلى الله عليه وآله وسلم.

[اشترك]

قام هذا النبي العظيم بنشر رسالة الوحي بين السيف والقلم حتى عمت دعوته أنحاء البشرية، وآمن بدروسها بين أوامرها ونواهيها الكثير من أحياء الصحراء ومدنها، وقبل أن يتم تطبيقها على عموم بني الإنسان، ويهتدوا بأنوارها اختار لقاءه مبدعه سبحانه فلبى دعوة ربه وفارقت روحه الطاهرة هذا الكون وفازت بسعادة ما وراء الطبيعة.

قام من بعده خلفاؤه أمناء الحقيقة يجدون في تسيير الوجود إلى الأمام، ومهمتهم نشر دروس النبوة وتطبيقها على نوع الإنسان، بيد أن عشاق الطبيعة فضت بهم ميولهم إلى مظاهرها. فقاموا بمعاكساتهم وخلافهم، وأدى ذلك إلى اضطراب في الأحوال، واختلاف في الأيدي، وتفرق في الكثرات، وتفكك في عرى الإتحاد وقعد بالوجود عن تقدمه إلى الكمال المطلق.

دام هذا الخلاف ودامت مآسيه. ومساويه في أدوار مترامية حتى استحكمت الضغائن وثارت الأحقاد بين الأفراد والجماعات، وابتعد الإسلام عن صدره، والخلافة الإسلامية تتداول بين امنائها وحافظي أسرارها على حساب التشريع الإلهي فكلما يقضي خليفة دوره ويلاقي ربه راضية مرضيا يقوم خليفة مقامه، ويجاهد جهاده، ويواصل دفاعه عن حرية العقيدة وحرمة الدين.

ولما حالت الخلافة عام 61هـ وانتهى أمرها إلى الحسين بن علي عليه السلام وتجلى للوجود فجره المشع، وقد كانت نفس الحسين عليه السلام مجردة من غواشي الطبيعة وهي في عالم الطبيعة تشاهد عالم الغيب أو العالم غير المرئي، وتستطلع الماضي والمستقبل على حد سواء حتى من دون أن تقرأ أو تسمع فترى كل شيء على الوضع الذي هو فيه، فنهض ابن فاطمة إذ ذاك بعبء الخلافة متذرعا بالإيحاء الإلهي وهو يرى تطور العقيدة الإسلامية وتشعبها بين الناس شعبة لم تأخذ نصيبها من الرشد، ولم تطرد على محورها الذي مثله الوحي الإلهي.

يرى المتهوسين من عشاق الطبيعة يردون العقيدة الدينية إلى العقيدة السياسية، ويمزجون فصول العقيدة بفصول السياسة، يرى العقيدة الدينية بين طلاب الحقائق مثالا واهيا كالألغاز والأحلام لا يكيلون لها كيلها ولا يحكموها على أغراضهم الشخصية.

يرى أن مسألة التوحيد تنازلت بين الناس عن حدود اليقين. وأصبحت مسألة حدس وتخمين.

يرى أن الأمة مرغمة على بيعة من لا صلة له بالتعاليم الإسلامية أحكامها وآدابها.

يرى أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهی عنه.

يرى أن الأمر الذي يطوي هذه الأمور جميعا هو قيام الدولة الأموية مقام الدین الإسلامي.

ويرى غير ذلك مما لا تثبت عليه وحدتنا الإسلامية المتماسكة في عقيدتها وشعورها، ولغتها وأدبها لهذا وقف عليه السلام موقفه الإيجابي على أبواب محكمة العدل يخاصم الخليفة الأموي. وبطانته على هذه الأحداث المفزعة نصرة للحق. ودفاعا عن الدين، وإثباتا للعدل، وإعادة للإنسانية المنتكسة إلى حدود فطرتها، واستقامتها فكانت فاجعة كربلاء العامرة بالعبرة والعظات على مر الدهور، وفيها ضحى الحسين عليه السلام وجاهد، وتحمل، وثابر وقدم جثمانه طعمة للسيوف والرماح، والسهام.

أنا لا يهمني أن أقف موقف القصصي أمام المأساة الموجعة إظهارا لخصائصها، ومزاياها الجليلة الخالدة فإن كتابنا الأفاضل قد حررت أقلامهم الحرة أكثر نواحي تأريخها، ونشروها دروسا مقدسة ستبقى تعاليمها أهدافا لكل جيل وفي كل حال .

*مقتطف من مجلة الغري - النجف
العدد -۲ - السنة الخامسة عشرة - ۱۹٥۳/ ص4.

2021/09/07
هذا أعزّ شيءٍ عند الحسين (ع)!

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

جرت عادة الصحف منذ سنوات أن تفرد عددا خاصا في الحسين سلام الله عليه عند رأس السنة مستهل محرم من كل عام فيستنهضون أقلام الكتاب ويشحذون عزائمهم لتحبير المقالات فيأخذ كل كاتب أو شاعر أو خطيب ناحية من نواحي واقعة الطف ويكتب فيها حسبما تملي عليه قريحته وثوابت قدرته.

[اشترك]

وكنا كتبنا في فواتح عدة من الصحف في مستهل السنوات الغابرة ما لو جمع لجاء مؤلفا مستقلا وكتابا فذا، أما لو جمع ما كتبه العلماء والأدباء والشعراء والخطباء في تلك الفاجعة نعم لوجمع كل ما قيل في تلك الفاجعة الدامية من بدء حدوثها إلى اليوم لاستوعب ألوف الكتب والمؤلفات وبرزت من دائرة معارف كبرى لم يأت لها الدهر بنظير، وليس هذا هو الغرض من كلمتي هذه وإنما المقصود بالبيان -أن نهضة الحسين عليه السلام على كثرة ما نظم فيها الشعراء مما يجمع مئات الدواوين وأكثر منها الخطب والمقالات وألوف المؤلفات- هل ترى أن كل ذلك وجميع أولئك أحاطوا بكل مزاياها، وأحصوا جميع خصائصها وخفاياها، ووصلوا إلى كنه أسرارها وعجائبها، كلا فإن أسرار تلك الشهادة ومزاياها لا تزال تتجدد بتجدد الزمان وتطلع كل يوم على البشر طلوع الشمس والفجر لا ينتهي أمرها ولا ينطفئ نورها ولا يحد سورها، ولعل أقرب مثل يضرب للحسين عليه السلام هو كتاب الله المجيد.

فإن هذا الفرقان المحمدي على كثرة تفاسيره وشرح نكاته ودقائقه وغوامض حقایق وأعجازه وبلاغته، وباهر فصاحته وبراعته. لا يزال کنزا مخفية ولا تزال محاسنه تتجدد وأسراره تتجلی وفي كل عصر وزمان يظهر للمتأخر من إشاراته ومغازيه ما لم يظهر للمتقدم فكأنه يتجدد مع الدهر ويتطور بتطور الزمان، نعم القرآن كتاب الله التدويني والحسين (كتاب الله التكويني)، وكل من الكتابين صنع ربوبي، ولكن الحسين والقرآن صنعهما الله للتحدي والإعجاز، وما تحدى الله بصنعه يعجز البشر عن الإحاطة به وإستیعاب مزاياه وأسراره وبدايع أحكامه وحكمته، القرآن يملي على البشر في كل زمان أسرار الكون وخبايا الطبيعة ودقائق الفطرة، ونهضة الحسين عليه السلام في كل محرم من كل سنة بل في كل سنة تملي على الكائنات عجایب التضحية وغرائب الإقدام والثبات ومقاومة الظلم ومحاربة الظالم، تلقى على العالم دروس العزة والإباء، والاستهانة بكل عزیز من نفس أو مال في سبيل نصرة الحق وقمع الباطل، والدفاع عن المبدء والعقيدة يلقي على الواعين دروس الأخلاق الفاضلة، والإنسانية الكاملة والسجايا العالية والملكات الزاكية وكل ما جاء به القرآن والسنة من الخلق العظيم والنهج القويم لكن جاء كما القرآن قولا وطبقها الحسين عليه السلام عملا وأبرزها للناس يوم الطف عيانا، أتريد أن تتعرف بناحية مما صنع الحسين يوم الطف أنظر إلى الكتاب الكريم فإن أقصى ما طلبه من العباد في باب الجهاد هو الجهاد بالنفس.

 (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) والحسين سلام الله عليه لم يقنع بهذا حتى جاهد بماله ونفسه وأولاده وعياله وأطفاله والصفوة من صحبه وأسرته، صنع الحسين يوم الطف صنع العاشق الولهان فضحي في سبيل معشوقه كلما عثر وهان، كان الله أعز شيء عند الحسين فأعزه الله وصار ثار الله في الأرض والوتر الموتور.

نعم قلنا ولا نزال نقول إن نهضة الحسين عليه السلام لا تحصى أسرارها ولا تنطفئ أنوارها ولا تنتهي عجائبها.

وعلى افتتان الواصفين بوصفه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف، فصلوات الله عليك (أبا عبد الله) وعلی نهضتك المقدسة التي حيرت الأفكار وأذهلت العقول، وأدهشت الألباب، وأعجزت عن الإحاطة بها كل كاتب وكتاب، على مر الدهور وتمادي الأحقاب.

*مقتطف من مجلة البيان - النجف - العدد -۱۱، ۱۲، ۱۳، ١٤ - السنة الأولى -۱۹٤۷/ص۲۷٥.

2021/09/07