عاشوراء والأربعين

الحسن يصالح والحسين يقاتل: مقارنة بين موقفين متضادين.. أيهما الصحيح؟!!

لماذا لم يصنع الإمام الحسن (عليه السلام) كما صنع الإمام الحسين (عليه السلام)؟

[اشترك]

قد يعقد البعض مقارنة بين ما فعله الإمام الحسن (عليه السلام) من مصالحة معاوية، وما فعله الإمام الحسين (عليه السلام) من عدم مصالحة يزيد، ويتساءل قائلاً: إذا كان الصلح هو الصحيح فلمَ لم يصالح الإمام الحسين عليه السلام؟ وإذا كان عدم الصلح هو الصحيح فلم صالح الإمام الحسن عليه السلام؟

ونحن نجيب على هذا التساؤل بأمور:

١.إذا كنا نرى أن الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام معصومان فلا بد من التسليم بأن ما فعله كل منهما صحيح وإن لم نفهم الحكمة منه ووجه المصلحة فيه.

٢. أن الظروف التي أحاطت بالإمام الحسن عليه السلام تختلف كلياً عن الظروف التي أحاطت بالإمام الحسين عليه السلام، فلا يصح القياس مع هذا الفارق الكبير، فإن الناس كانوا ينظرون إلى معاوية أنه صحابي، ولم يكن رفض حكم معاوية له أية مبررات عندهم، باعتبار أن معاوية كان واليا من قبل عمر وعثمان على الشام طيلة عقدين من الزمان، بخلاف يزيد فإنه لم يكن صحابيا، بل كان معروفا بالفسق والفجور والتجاهر بالمنكرات، وحكمه لم ينل الشرعية من أمثال عمر وعثمان، مع أن فساد الحكم الأموي حينذاك قد ظهر للعيان، فإن الأمويين خلال فترة حكم اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا.

٣. أن معاوية لم يطلب من الإمام الحسن عليه السلام البيعة، بخلاف يزيد فإنه أراد إكراه الإمام الحسين عليه السلام على بيعته، ولم يجعل له خيارا في القبول أو الرفض، وإمام الحق لا يبايع إمام الضلال، فكان لا بد من رفض تلك البيعة مهما كلف الأمر، ولهذا روي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: «ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السَّلة (أي الحرب بالسيف)، والذلة (أي البيعة)، وهيهات منا الذلة». 

٤. أن الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبرت أن الإمام الحسن عليه السلام يصالح، والإمام الحسين عليه السلام يقتل بغير حق.

فقد أخرج البخاري في صحيحه 2/962 أن أبا بكر رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

وعن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي:» اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام، قال: فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. (مجمع الزوائد 9/187، قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات).

وفي هذين الحديثين وغيرهما دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وآله قد صوَّب فعلهما وارتضاه، وإلا لأنكر عليهما فعلهما، وحذرهما من مغبته.

2021/09/06
قولة ووقفة: الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم

‏كتب السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي

وقف الناس منذ الأزل وسيقفون إلى الأبد بين ضدين كانا يصطرعان منذ الأزل وسيظلان في صراعهما ذاك إلى الأبد.

[اشترك] 

هذا «معنى» يدعو وتلك مادة تغري، والناس بينهما كثرة ساحقة يبهرها خداع الإغراء، وقلة معدودة يجتذبها شعاع الدعاء ومهما اختلف أفانين القول، وسمت ضروب الإجادة في وصف الخليقة التي تعشو بالكثرة عن شعاع الدعاء، وتميل بها إلى خداع الإغراء فليست ببالغة بعض ما بلغته كلمة الحسين (عليه السلام) في أدبه الصادق المصور الخارج من أعماق الحياة وسريرة الخلق بأوضح ملامح الناس في مثل هذا المأزق الشاق العسير.

قال (عليه السلام):

«الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون»

هذه قولة لم أجد لها عدلا غير وقفة للحسين، وهي وقفته تلك التي تدعوك وتدعو الملايين في كل جيل إلى تمجيد الحسين مجمع البطولات وباعث الثورات التحريرية بنظم الإرهاب والظلم والاستئثار.

وقفة الحسين عليه السلام وحدها تعدل كلمته في تصوير هذه الخليقة التي تنحرف بالناس عن أمجاد مثلهم، وتضغط على مجاري دمائهم فإذا هم عصب ضعيف. موهون رخو تترادفان في مر صدى الحسين من الأزل إلى الأبد وهما القول والعمل اللذان يشبهان الحسين أتم الشبه في جميع ما قال وجميع ما عمل، ويلقيان أن يكونا مفتاح شخصيته التي اجتمعت لها ما تفرق من البطولات مع أبطال هذه الأرض.

وستظل قولته تلك، ووقفته هذه تدینان هذا الوجود الشره البطر بخزي يضع الكثرة ويمجد يرفع القلة مهما اختلفت المقاييس.

فعلى أبي عبد الله تحية من ربه وسلام).

المصدر: مجلة الغري – النجف – العدد – ۹، ۱۰ – السنة الثامنة – ۱۹٤۷/ص٢٥. 

2021/09/06
تنقية السيرة الحسينية.. حقيقة أم روح التمرد؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

إنَّ ما نلاحظه عمومًا في محاولات دعاة تنقية تاريخ نهضة الطف قد يُلَخّصُ في النقاط التالية:

[اشترك]

1- فقدان الأطروحةٍ المنهجيّةٍ للتوثيق التاريخي، فترى البعضَ يعمَدُ في محاولته إلى طرح حفنةٍ من النماذج ليهيلَ عليها وعلى ناقليها وابلاً من لاذع النقد دون أن يرتكز في نقده على أسسٍ واضحةٍ وآليّاتٍ محددة. فتارة ينطلق من عدم اعتبار المصدر وأخرى من قصور السند وطورًا من جهة أخرى، بينما تراهُ يأخذُ بما يشتمل على هذه النقاط في موضع آخر دون إبراز ميزان لهذه الازدواجية.

ولذا نرى أن غياب الأطروحةِ المنهجيّة تولّد تلقائيًا حالةَ الفرزِ الانتقائيّ بما يتوافق مع أهواء الناقد واستذواقاته الشخصية.

2- عدم تحديد دائرة البحث مما يحول دون بنّائيته إلى حدّ الاشتغال بتتبع عثرات النعاة والتقاط هفوة هنا أو كبوة هناك فيقومون بنشرها وتخليدها بَدَلاً من وأدها مما يلزم منه نقض الغرض، فتتحول الهفوة التي ألقيت في مجتمع خاص محدود إلى مدوّنةٍ تتناقلها الأجيال ومادةَ تشنيع يتلقفها المغرضون.

 بل قد تتسرب فيما بعد إلى تاريخ النهضة فيكون للناقد شرفُ الإسهام في التحريف بعد أن كان قاصدًا تنزيه التاريخ وتنقيته من عناصر التزييف.

3- غياب الموضوعية والمنطق في عملية التنقية وغلبة الأجواء التهويلية وإطلاق الادعاءات المضخّمة بفعل تحكم الانفعالات النفسية على أقسامها.

4- تأصل عقدة النقص وفقدان الثقة بالذات والتي كثيرًا ما تنتاب أبناء الفئة المضطهدة عبر التاريخ تأثرًا بالحملات التشنيعيّة الحاقدة؛ فيتحرك الباحث ليدافع عن قضيته بإسقاط كل ما يظن أنه ثغرةٌ ينفذ الشانئون من خلالها فيبادر إلى النفي والنقد مستبقا للغير من باب النقد الذاتي قطعًا للطريق أمام نقد الآخرين للمدرسة التي ينتمي إليها.

وقد تتفاقم هذه الحالة فيصاب صاحبها بداء فقدان الهوية المعرفية.

5- عدم امتلاك الخبرويةِ المطلوبةِ في هذا المضمار، من الإحاطةِ بالمصادرِ والتمييز بين غثها وسمينها، ومعرفة المراجعِ ومآخذِها والوقوف على آلياتِ الجمع ومِلاكاتِ التنافي بين النصوص والتبحر في اللغة وأساليب البيان في سبيل فهم النص.

6- عدمُ خوض غمارِ التتبعِ المسوّغِ للبَتِّ في الواقعة نفيًا وإثباتًا إمّا لعدم توفر المصادر وإمّا للتسرع الذي قد يعود لإحدى النقاط الآنفة أو الآتية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى ما يمتاز به النفي في إثباته إذ يحتاج إلى استقصاء شامل واستقراء تام بخلاف الإثبات الذي قد يكفي فيه العثور على نص معتبر.

7- الاشتغال بالمفردات الجزئية وإيلاؤها عظيم الاهتمام بما يؤول إلى زعزعة المكونات الأساسية في الذهنية العامة، وبذلك يسقط نداء الحقائق الهامة صريع صخب التفصيلات.

8- عدم الوقوف على منطلقات النهضة وأهدافها وآلياتها العملية المرسومة لها، مما يجرُّ الناقدَ إلى استنكار جملة من الحوادث ونفي كثير من المواقف دون استناد إلى حجة، بحجة تصادمها مع العلة الغائية المتوخاة منها.

9- النقص المعرفي ولا سيما في الجنبة العقائدية، حيث لا سبيل لورود مشرعة هذه النهضة دون توفر المخزون المعرفي العقدي الذي يمثل الإطار الجوهري الأساس في توثيق المنقولات التي تحكي خطوطها وخيوطها وترسم ملامحها بكلّ تفاصيلها.

10- فقدان السمو الروحي والتأصّل الأخلاقي، إذ كيف يمكن لمن هو أجنبي عن روح الواقعة بتمام ما للكلمة من معنى، ومن يحكم أفكاره وأفعاله النمطُ المادي الدنيوي أن ينفذ إلى لُباب نهضة إلهيّة إنسانيّة ترتكز على البُنيَةِ الأخلاقيّة القيمية وتستقي مدادها من عالم الغيب، هيهات، هيهات أن يلامس مثل هذا قِرابَها فضلاً عن استجلاء لُبابها.

11- طغيان روح التمرد على التراث: لقد مُنينا في عصرنا بحالة هي الأولى من نوعها بحسب ما وصل إلينا من أنباء الماضين. ألا وهي روح التمرد على التراث وهاجس الولع بالتجديد. لقد وصل الأمر ببعضهم إلى أن يَعُدَّ نسفَ المسلّمات التاريخية فتحًا مُبينًا.

إننا لا نأبى التجديد ولا ننكر أهميته، بل نرى بأنه الوسيلة الناجعة للحفاظ على المضمون إذا ما اقتصر على جهة الأسلوب، أما إذا انقلب إلى هدف في حد ذاته فلا نرى فيه إلا محقًا للدين بل سائر الشرايع والقيم.

وإننا مع التحقيق والتدقيق في التراث لكن بشرط أن لا يتضخم كخلية سرطانية فيفتك بالجذور لنصبح كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

إنّ موجة التمرد هذه أصبحت واقعًا لا يمكن أن يضمر، وقد تجلت في بعض النتاجات التي عالجت بعض مفردات تاريخ النهضة فعاجلتها بالإنكار.

 

12- سيطرة روح التشكيك: لا شك في أن الشك ضرورة فكرية تشكل الجسر للوصول إلى الحقيقة إنه القنطرة التي إذا ما أحسن المرء سلوكها وصلت به إلى اليقين المقصود.

لكن الشك هذا بإمكانه أن يتحول إلى حالة مَرَضيّة يقعد بالإنسان عن الرُّقيِّ المعرفيّ، فإنَّ من أكبر آفات العقل البشري -ومنذ القِدَم- هو اختناقه في شرنقة قاتلة من الشكوك.

وقد تبلورت هذه الحالة في العهد الإغريقي على يد رمزين من رموز هذا المنهج وهما تيمون وبيرون ثم سرعان ما تلاشت بفعل كفاح سقراط وغيره من رواد منهج اليقين لتعود بحلة جديدة بعد الانفجار المنبثق عن روح التمرد على عهد الاستبداد الكنسي في الغرب لتتردد أصداء منهج الشك في الساحة الفكرية الإسلامية والعربية في عملية اجترار نمطي على يد ثلة من المنبهرين بالنتاج الهجين، حيث قدَّموا للأمة ما أكل الدهر عليه وشرب من أفكار الأغارقة ملبّسًا لَبوسَ التجديد، ليدور المثقف في دوامة من الشك لا يخرج منها حتى خروجِ النَّفسِ عن رَوح آخرِ الأنفاس.

13- الإسقاط: باتخاذ نتائج وقناعات مسبقة قد تكون ناشئة عن خلفيات كوّنتها ظروفٌ مرحلية تحجب الرؤية المجردة وتدفعه نحو إسقاط الوقائع عليها.

14- الأغراض التعبوية: تفسير الواقعة بما يُجَيّرُها لمصلحة مشروع سياسي أو عسكري معين يدفع بأصحابه لإزالة جميع المفردات التاريخية التي تعاكس خطابهم التعبوي.

إنَّ هذه الهنات لوحظت على تلك المحاولات من حيث المجموع، بمعنى أنها ليست مجتمعة في محاولة واحدة بل بعضُها يجل عنه بعضُ من ابتُلي ببعضها الآخر.

2021/09/05
لماذا لم يعمل الإمام الحسين (ع) بالتقية؟!

لماذا لم يعمل الإمامُ الحسين (عليه السلام) بالتقيَّة؟ أليست ثورتُه إلقاءً للنفس في التهلكة؟

[اشترك]

لم يكن الظرفُ الذي عايشه الإمامُ الحسين (عليه السلام) مورداً للتقيَّة، ذلك لأنَّ تشريع التقيَّة منوط بأمورٍ كثيرة مذكورةٍ في كتب الفقه أهمُّها هو أنْ لا يترتَّب على التزام التقيَّة مفسدةٌ أكبر مِن عدم التزامها. 1

بمعنى أنَّه لو كان في التزام التقيَّة مفسدة تفوق المفسدة المترتِّبة على ترك التقيَّة فإنَّ التقيَّة حينئذٍ لا تكون مشروعة.

فلو دار الأمر بين التحفُّظ على النفس مِن الهلاك وبذلك تنطمسُ معالمُ الإسلام أو يدخلُ الوهن الشديد عليه، وبين تعريض النفس للموت فتبقى معالمُ الإسلام واضحة دون أنْ يمسَّها اندثار أو يدخلها الوهن فإنَّ التحفُّظ على النفس تقيَّةً في الفرض المذكور غيرُ مشروعٍ بضرورة الفقه، ذلك لأنَّ أبرز ملاكات جعل التقيَّة وتشريعها هو حفظ معالم الإسلام عن أنْ تكون في معرض الاندثار أو أنْ يدخل عليها أو على حملتها الوهن الشديد، فإذا لزم مِن التقيَّة ذلك فإنَّ تشريعها يكون مِن نقض الغرض.

لذلك لا يصحُّ الاستدلال بحكومة أدلَّة التقيَّة على الأدلَّة الأوليَّة القاضية بوجوب حماية الشريعة، لأنَّ أدلَّة التقيَّة الحاكمة على الأدلَّة الأوَّليَّة قاصرة عن الشمول لمورد البحث.

لاستلزام القول بحكومتها في مورد البحث لنقض الغرض مِن تشريع التقيَّة.

ولذلك يكون وجوبُ حماية الشريعة غيرَ محكوم بأدلَّة التقيَّة كما هو ليس محكوماً بقاعدة نفي الضرر والحرج بنفس التقريب، وهو قصور القاعدة عن الشمول للفرض المذكور، إذ أنَّ قاعدة نفي الضرر والحرج سيقت لغرض التحفُّظ على ما هو أهمّ ملاكاً، فإذا كان التحفُّظ على النفس أو المال يُفضي لفوات ما هو أهمّ ملاكاً فإنَّ تشريع القاعدة يكون مِن نقض الغرض، وهذا هو ما يُوجب استظهار قصور القاعدة عن الشمول للمورد المذكور، حيث افترضنا فيه أنَّ ملاحظة الضرر أو الحرج أو التقيَّة يُنتج فوات ما هو أهمّ ملاكاً بنظر الشريعة والذي هو التحفُّظ على معالم الإسلام وأصوله عن أنْ تكون في معرض الاندثار.

إذا اتَّضح ما ذكرناه يتَّضح أنَّ موقف الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن منافياً للتقيَّة لأنَّ ظرفَه لم يكن مورداً للتقيَّة، إذ أنَّه لو عمل بالتقيَّة فقبِل البيعةَ ولم يخرج على يزيد فإنَّ النتيجة المترتِّبة على ذلك هي استمرار النظام الأمويِّ في مخطَّطه الرامي لطمس معالم الإسلام الأساسيَّة، وذلك تحت غطاءٍ شرعي دثَّر به نفسه.

وبيان ذلك:

إنَّ النظام الأموي قد روَّج -وبواسطة المتزلِّفين مِن الرواة- أحاديثَ عن الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) مفادها وجوب طاعة أولي الأمر وإنْ جاروا وظلموا وأظهروا الفسوق والمعاصي واستأثروا بالفيء وعبثوا في مقدَّرات الناس، وإنَّه لا يجوز الخروج عليهم وشقّ عصا الطاعة بل يجب أداء حقّهم دون مطالبتهم بالحقّ الذي عليهم وإنَّما هو الصبر والاحتساب. 2

هذا ما روَّجه بنو أُميَّة لغرض تخدير الأمَّة ليضمنوا بذلك بقاء سلطانهم، وحينئذٍ يتهيَّأُ لهم تمرير مخطَّطاتهم الرامية لإعادة الأمَّة إلى الجاهليَّة الأولى.

لذلك لم يكن مِن طريق لإيقاظ الأمَّة وحماية خطِّها الرسالي الذي يُراد له الامتداد والاستمرار إلاَّ أنْ ينبري رجلٌ هو بحجم الحسين (عليه السلام) ليُعلن أنَّ ما يُروِّجه الجهاز الأموي مِن وجوب طاعة السلطان الجائر ليس مِن الإسلام في شيء، فلقد كانت الأمَّة تثقُ في الحسين (عليه السلام) وبمعرفته التامَّة بمبادئ الإسلام وبسنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلو كان الأمر كما ينقله الرواة المتزلِّفون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان الحسين (عليه السلام) هو أعرف الناس بذلك، فإعلانُه الثورة على النظام الأموي تعبيرٌ واضح عن تكذيب ما يتناقلُه الرواة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم يكن بوسع الحسين (عليه السلام) أنْ يوصل صوته لجميع الأمَّة ولمستقبلها لو اكتفى بالتكذيب القولي، ذلك لأنَّ مِن اليسير على الطغمة الأمويَّة التعتيم على الحقائق بعد أنْ كانت مقدَّرات الأمَّة كلّها بأيديهم، فالحواضرُ الإسلاميَّة بأسرها كانت تحت نظارتهم وفي قبضتهم، فَهُم الذين يختارون الولاة وإمام الحاج والقضاة والوعّاظ، وقد كانوا يبذلون الأموال الكثيرة للذين يضعون الأحاديث المناسبة لهواهم ومصالحهم. 3

فليس ثمَّة مِن وسيلةٍ قادرة على الوصول لجميع مسامع الأمَّة وقادرة على الصمود أمام التعتيم الإعلامي سوى ثورةٍ مجلجلة ومدوِّيَّة يكون رائدُها رجلاً هو ألصق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعلمهم بما جاء عنه.

أعتقد أنَّ القارئ الكريم يُدرك مستوى الخطورة المترتِّبة على تأصيل المفهوم الذي روَّج له بنو أميَّة، وهو وجوب الطاعة للسلطان وإنْ جار وظلم وأشاع الفساد والضلال، ذلك لأنَّ هذا المفهوم يُهدِّد بتقويض كلِّ بُنَى الإسلام وقيمه، حيثُ إنَّ للسلطان ممارسة دور التضليل والتجهيل وترويج المفاهيم المنافية للدين وتأصيلها بواسطة الوسائل الكثيرة المتاحة له ولا يجد مَنْ يقف في وجهه، ذلك لأنَّ المفترض أنَّ الوقوف في وجهه ينافي وجوب الطاعة المفروضة على الأمَّة.

وبذلك يسير النظام الفاسد بالأمَّة نحو الانحدار تدريجيّاً حتًّى يصل الأمرُ إلى حدٍّ تكون معه الأمَّة قد فقدت هويَّتها ولم يبقَ عندها مِن الإسلام إلاَّ اسمه.

وهكذا الحال فيما يتَّصل بالجانب القيمي والأخلاقي فإنَّه لمَّا كان قادراً على تسخير كلّ وسائل الإغراء والانحلال والتفسيق وإشاعة الفاحشة مع تعطيل الحدود والتعزيرات في الوقت الذي لا يخشى مِن المواجهة بعد افتراض وجوب الطاعة فإنَّ مصير الأمَّة عندئذٍ هو التحلُّل تدريجيّاً مِن كلِّ القيم والمبادئ الأخلاقيَّة التي حرص الإسلام على تمثُّلها والعمل وفق ضوابطها.

وإذا قيل أنَّ وجوب الطاعة لا يعني إلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنَّ للعلماء أنْ يمارسوا هذا الدور ويُعرِّفوا الناس معالم الإسلام.

قلنا: إنَّ العلماء مهما بذلوا مِن جهد فإنَّهم لن يمتلكوا الوسائل التي يمتلكها السلطان بعد أنْ كان زمام الأمور بيده وخزائن الأمَّة في قبضته، وبعد أنْ كان على الناس أنْ توفِّيَه حقَّه دون أنْ تكون لهم المطالبة بحقوقهم، فالزكوات والخراج وموارد البلاد إنَّما تجبى للسلطان، فله أنْ يعطي مَنْ يشاء ويمنع مَنْ يشاء، على أنَّ له أنْ يمنع العلماء عن الجأر بالحقِّ أو يُضيِّق عليهم، وليس لهم حينئذٍ أنْ يشقُّوا عصا الطاعة.

فلو أنَّ السلطان أغفلهم بل لو أذِن لهم أنْ يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ومارس في المقابل دور التضليل والتجهيل وإشاعة الفساد فإنَّ أثر دوره سيكون أبلغ، وذلك لامتلاكه كلَّ منابع القوَّة القادرة على تمرير كلِّ مخطَّطاته ومآربه، كيف والحال أنَّ له أنْ يمنع العلماء عن ممارسة دورهم أو يُضيِّق عليهم في ذلك.

إذن فالنتيجة أنَّ بني أميَّة لو لم يُمارسوا سوى دور التأصيل لمفهوم وجوب الطاعة للسلطان واعتبار ذلك مِن الدين لكان ذلك كافياً في تعريض كلِّ مبادئ الإسلام وقيمه للخطر الحتمي.

فلو أنَّهم لم يكذبوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) إلاَّ هذه الكذبة والتزموا في المقابل بكلِّ ما جاء به الإسلام مِن قيم ومبادئ فلم يختلقوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الأباطيل، ولم يسيئوا إلى مقامه ولم يحرِّفوا عقائد الإسلام، ولم يعبثوا في أحكام الشريعة ، ولم يستأثروا بالفيء لهم ولأعوانهم، ولم يعطِّلوا الحدود، ولم يشيعوا الفاحشة والفسوق بين الناس، ولم يُثيروا الفتن والأضغان القبليَّة، ولم يمكِّنوا ولاتهم مِن رقاب المسلمين، ولم يسفكوا الدم الحرام، لو لم يفعلوا كلَّ ذلك واكتفوا بالتأكيد على أنَّ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قد نهى عن الخروج على السلطان الجائر وألزم الأمَّة بوجوب طاعته 4واختلقوا لذلك الأحاديث الكثيرة بواسطة الرواة الذين يظهرون التديَّن والنسك واستطاعوا أنْ يؤصِّلوا هذا المفهوم في نفوس الأمَّة.

لو لم يكن إلاَّ ذلك لكان الأمر مستوجباً لتصحيح هذا الانحراف الذي يُهدِّد بتقويض كلِّ معالم الإسلام، كيف والحال أنَّهم اقترفوا كلَّ هذه العظائم التي أشرنا إليها متخندقين بأسطورةٍ زعموا أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أكَّد عليها واعتبر الخارج عليها باغياً وشاقّاً لعصا المسلمين ومريداً لإحداث فتنة في الأمَّة، وهي أعظم جناية يمكن أنْ يرتكبها مسلم في حقِّ ربِّه ودينه، لذلك لم يكن ليجرأ أحد على أنْ يُوصَم بكلِّ هذه الخصال.

فلا بدَّ وأنْ ينهض بهذا الأمر رجل يصعب على بني أميَّة وصمه بذلك كما يصعب على الأمَّة أنْ تسِمه بذلك، وحينئذٍ تتبدَّد الأسطورة وينفتح بذلك طريق النضال الذي أوصدَه النظام الأموي بذريعةٍ هي بالغة في الاستحكام.

وبنظري أنَّ أعظم أثرٍ ترتَّب عن ثورة الحسين (عليه السلام) هو هذا الأثر، إذ لولاها لتمكَّن بنو أميَّة مِن تمرير كلِّ مخطَّطاتهم الرامية لطمس معالم الإسلام، ذلك لأنَّ نهضته (عليه السلام) أوهنت القاعدة التي اعتمدها النظام الأموي لغرض استمرار هيمنته على مقدَّرات الأمَّة، وانفتح بذلك الطريق أمام المناضلين والثوَّار، فليس عليهم مِن حرجٍ عندما يُزمعون الخروج على أيِّ نظامٍ فاسد.

وإذا اتَّضح ما ذكرناه يتبيَّن أنَّ ظرف الحسين (عليه السلام) لم يكن مورداً للتقيَّة وأنَّ إيقاع النفس في التهلكة وإنْ كان متحقِّقاً في مثل نهضته إلاَّ أنَّه ليس مِن غضاضة في ذلك بعد أنْ كان بقاء الإسلام حيّاً نابضاً في ضمير الأمَّة هو الأثر المترتِّب على إيقاع النفس في التهلكة.

الهوامش:


1. الهداية - الشيخ الصدوق - ص 52/ كفاية الأحكام - المحقق السبزواري - ج 1 ص 412/ الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 18 ص 135/ كتاب المكاسب - الشيخ الأنصاري - ج 2 ص 87/ الخلل في الصلاة - السيد الخميني - ص 8/ كتاب الطهارة - السيد الخوئي - ج 4 ص 246.

2. فتح الباري - ابن حجر - ج 2 ص 157/ عمدة القاري - العيني - ج 5 ص 228/ صحيح ابن حبان - ابن حبان - ج 10 ص 448/ المعجم الأوسط - الطبراني - ج 6 ص 174/ فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج 4 ص 175/ تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل - الباقلاني - ص 478/ التاريخ الكبير - البخاري - ج 5 ص 267/ تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 9 ص 301/ الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي - ابن النجار البغدادي - ص 51.

3. راجع شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 11 ص 44/ تذكرة الموضوعات - الفتني - ص 101/ أضواء على السنة المحمدية - محمود أبو رية - ص 135/ تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي - ج 13 ص 471/ أبو هريرة - السيد شرف الدين - ص 35 وغيرها كثير.

4. نيل الأوطار - الشوكاني - ج 7 ص 361/ فتح الباري - ابن حجر - ج 13 ص 5/ تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 1 ص 551.

2021/09/04
’نافذ البصيرة’.. لماذا يحب الناس أبا الفضل العباس (ع)؟

​كتب الشيخ مرتضى معاش:

العباس بن علي: بصيرة المنتصرين

روي عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) انه قال: (كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا).

[اشترك]

كان أبو الفضل (عليه السلام) لديه القدرة على رؤية ما لا يراه الناس، مؤمنا بنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، نافذ البصيرة وسداد الرأي، وصلب الإيمان، فالناس الذين لا يملكون رؤية وبصيرة وفهم للأمور، يصبح إيمانهم متزعزعا متصدعا، فالإنسان صاحب الإيمان القوي هو الذي يملك البصيرة ويعرف الإمام جيدا، وقد كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) قمة في معرفة الإمام الحسين عليه السلام بأنه إمام معصوم مفترض الطاعة من قبل الله عز وجل.

وقد جاء في الزيارات الجامعة (عارف بحقكم)، (مُعْتَقِدٌ لِإِمَامَتِكُمْ مُقِرٌّ بِخِلاَفَتِكُمْ عَارِفٌ بِمَنْزِلَتِكُمْ مُوقِنٌ بِعِصْمَتِكُمْ‏ خَاضِعٌ لِوِلاَيَتِكُمْ)، فالبصيرة هي التي تقود الإنسان إلى المعرفة، فالشخص الذي يقف هكذا موقف في يوم عاشوراء يعبر عن بصيرة عالية وكبيرة جدا، ترى وتعرف وتدرك كل الأمور الحقيقية والحقيقية في الحياة، فالبصيرة هي الطريق لليقين في مواجهة الشك.

ما نشاهده اليوم وخصوصا في عصرنا هذا من كثرة الشك والتشكيك، وضعف الإيمان في المجتمع، يعود سببه بان الناس أصبحوا يعيشون في مستنقع المادية كثيرا، وبسبب التطور التكنولوجي والمادي، سيطرت المادية على كل شيء في الحياة، لذلك أصبحت السطحية تسيطر على الحياة، وفقدت الإنسانية مواقفها الصحيحة والسليمة.

العدمية الفانية والوجود المطلق

الإنسان الذي يعيش يومه ويريد أن يأكل، ويشرب، ويلتذ فقط ويعيش بأسلوب النفعية والمادية الاستهلاكية، حينئذ فإن النفعية تسجن الإنسان في عبودية مطلقة، تجعله يعتقد بأنه لا يوجد شيء آخر غير هذه اللذات التي يعيشها.

أما الإنسان الذي هو أبعد من هذا المعنى، ويفكر بأن هناك اهدافا عظيمة ومسؤولية كبيرة في هذه الحياة، وهناك قيمة كبيرة للإنسان بسمو الذات، فهو سيحاول ان يكون مثل أبي الفضل العباس (عليه السلام)، يؤمن بالوجود المطلق للوظيفة والمسؤولية الشرعية، لذلك نحن في عالم اليوم نحتاج إلى أن نسير على سيرة أبي الفضل العباس (عليه السلام)، لا نفكر أن نعيش يومنا ونحمي حياتنا فحسب، من أجل دقائق ولحظات وأيام وأشهر وسنين في ظل العبودية والذل والرق المادي والعدمية الفانية. بل لابد من السير في طريق الوجود المطلق وهو الخلود بمعنى سمو الذات وارتقاء النفس وعلو الشخصية.

عزيمة وثبات

كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) يمتلك العزيمة والثبات في يوم الطف، وكان نموذج من النماذج العلوية الكبيرة، وقد اكتسب هذه السيرة من آبائه، فقد كانت سيرته سيرة الإمام علي (عليه السلام) في كل شيء من الشجاعة، والتقوى، والإيمان، والعزيمة والثبات في وجه الطغاة، فكانت سيرته إسعاد البشرية وإنصافها، وبناء الإنسان بصورة صحيحة، كان هذا النموذج المبدئي في مقابل ذلك النموذج الانتهازي.

النموذج الأموي الذي كان يريد السلطة فقط أن يحكم الناس، وأن يستعبدهم ويسيطر عليهم، فتحولت الحياة في تلك الأيام (أيام الأمويين) إلى عبودية، ومادية ضحلة، وقدرية وجبرية، والقبول بالذل والعبودية، وهذا المنهج هو غير منهج الأنبياء (عليهم السلام)، وغير منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وغير منهج الإمام علي (عليه السلام)، وغير منهج الإمام الحسين (عليه السلام)، لذلك أبو الفضل العباس(عليه السلام) هو تجسيد للمنهج العلوي في الثورة ضد الرضوخ المادي، ورفض الرضوخ لتلك الانتهازية، التي بالنتيجة تستفز وتستخرج كل الشرور والرذائل مثل النفاق والخوف والسرقة والكذب والخيانة، فكانت معركة كبيرة من أجل صعود الإنسان أخلاقيا.

قيمة الوفاء

لماذا يحب الناس أبا الفضل العباس (عليه السلام)؟ لماذا هذا الحب الكبير الهائل في كل العالم؟ يحبونه ويعتقدون به لقيمة موقفه مع الإمام الحسين (عليه السلام)، كانت قيمة عالية تمثل الوفاء باطلاقه، وليس فقط لأنه أخيه، بل لأنه الإمام المفترض الطاعة فلذلك نحن نحتاج أن نسلك الدرب الذي سلكه أبو الفضل العباس (عليه السلام)، أن تكون لنا مواقف في الحياة، وان لا نستسلم لتلك الرذائل والشرور التي تنتشر في بعض المجتمعات، وان لا نستسلم للمصالح المؤدية للأنانية والشغف بالسلطة، واللهاث وراء الشهوات والمنافع الخاصة، وننسى المواقف الكبيرة التي يحتاجها الإنسان حتى يثبت وجوده الإنساني، ما قيمة الإنسان لو ربح كل شيء وخسر نفسه؟! وخسر وجوده ليكون عنده قصورا ولتكن عنده أموال ومليارات، ماذا يفيده لو خسر نفسه خسر جوهره، لكن أبي الفضل العباس (عليه السلام) في معركة المصالح والأخلاق ربح نفسه ربح قيمته، ولذلك يبقى خالدا في التاريخ، ولن ينساه الناس بل يستمرون في تعلم منه الخير والفضيلة والمواقف الصالحة.

الموقف السليم

عندما بادر شمر بن ذي الجوشن إلى ابن مرجانة، فأخذ منه أمانا لأبي الفضل وأخوته، وأراد إن يستميلهم ويخرجهم من معسكر الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال له العباس بن علي عليهما السلام: (لَعَنَكَ اللّهُ ولَعَنَ أمانَكَ وَاللّهِ، إنَّكَ تَطلُبُ لَنَا الأَمانَ أن كُنّا بَني اُختِكَ، ولا يَأمَنُ ابنُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله).

 هكذا كانت قيمة العباس (عليه السلام)، بهذا الموقف الكبير لذا ننصح الشباب أنه لا ينجرف وراء المصالح الآنية، وراء اللذائذ النفعية، فهذه تسقط الإنسان لا تربي الإنسان، الإنسان يتربى بالتقوى، يتربى باتخاذ الموقف السليم، واتباع القيم الأخلاقية الفاضلة، بأن نجعل أبا الفضل العباس (عليه السلام) مدرسة متكاملة لنا في حياتنا.

شجاعة العباس

عندما نتكلم عن شجاعة أبي الفضل العباس، لا نقول كم قاتل، وإنما نقول كم كان موقفه عظيما في عاشوراء؟ هذه الشجاعة أن يتخلى الإنسان عن ذاته، ويقف ذلك الموقف الكبير، هذا هو معنى الشجاعة أن يقاوم الشهوات، ويقاوم الغرائز، ويعطي لموقفه العظيم قيمة كبيرة، فلا بد ان نشجع شبابنا على هذه المواقف العظيمة، وأن يسلكوا سلوك أبي الفضل العباس (عليه السلام) في شجاعته وشجاعة اتخاذ الموقف الصحيح في الحياة، وعدم الانجراف وراء المنافع الدنيوية.

الحرية والعبودية

كان صراع الأنبياء مع الطواغيت صراع بين الحرية والعبودية، وليس صراع من اجل السلطة، وكذلك الصراع الموجود ضد أهل البيت (عليه السلام) كان صراع بين الحرية والعبودية ضد الطواغيت، الذين يريدون استعباد الناس، وكانت رسالة الأئمة عليهم السلام، هو كذلك تحرير الناس من الذل، لذلك كانت معركة الإمام الحسين (عليه السلام) معركة من أجل الحرية والكرامة وعدم القبول بالذل، (هيهات منا الذلة) فأسوأ شيء في حياة الإنسان أن يعيش ذليلا منكسرا، هذا معناه أن الإنسان لا شيء بلا هوية بلا وجود فالإنسان قيمته بحريته وكرامته.

ان السلطة الأموية كانت تنشر ثقافة القدرية والجبرية بين الناس، وبالنتيجة القبول بالأمر الواقع، وهذه مشكلة خطيرة تسيطر على واقعنا اليوم، لذلك باستمرار نحتاج إلى النهضة الحسينية، وإلى نموذج أبي الفضل العباس (عليه السلام) من أجل بناء الحرية وسلوك الكرامة عند الإنسان، وأن لا تبقى الشعوب خانعة ذليلة تقبل بالذل وترضخ للاستبداد من قبل الآخرين، فالإنسان الذي يعيش ذليلا وعبدا لايعيش، يعيش وهو مقهور ومن ثم يموت وهو عبد، فلا بد من الإنسان أن يستثمر هذا الوجود، ويتنعم بهذا الوجود عن طريق الحرية التي ذكرها أهل البيت عليهم السلام في رواياتهم وجسدها أبو الفضل الله عباس (عليه السلام).

قوة الاختيار

قال الإمام الصادق (عليه السلام): كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الإيمان، هذا الوصف يجمع كل الأشياء الخيرة والجيدة، إيمانا بأخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، بأنه إمام معصوم مفترض الطاعة من قبل الله، وإيمانا برسالة الإمام الحسين (عليه السلام)، وإيمانه بأخيه فالأخوة فضيلة عظيمة فهي أساس بناء المجتمعات الصالحة، ولو فرضنا مجتمع بلا إخوة سيكون هذا المجتمع متفكك ومتنازع، فأبو الفضل العباس (عليه السلام) قدم تضحية كبيرة من أجل تحقيق مفهوم الأخوة هذا من جانب.

 من جانب أخر أوضح لنا مفهوم الإيمان بالإمام والقائد الصالح، الإمام الذي يجب ان تذهب ورائه الناس، وليس الحاكم الطاغية الفاسد الذي يسترق الناس ويستعبدهم، فكانت مسؤولية أبي الفضل العباس (عليه السلام) وإيمانه وقراره واختياره أن يذهب بهذا الطريق، وهذه حقيقة البصيرة النافذة بأن يعرف ماذا يختار، فكلنا نحتاج أن نكون أصحاب بصائر حتى نتخذ القرار الصحيح في حياتنا، فالقرار الصحيح يقودنا إلى نهاية سعيدة، وهي أن أكون حميدا عندما أموت، أن أكون صالحا، أن تكون عواقب أموري خيرا، وليس شخصا يلعنه الناس وليس شخصا ضيع كل شيء واهدر حياته عبثا، أبو الفضل العباس (عليه السلام) ربح كل شيء باتخاذ القرار الصحيح.

الرابحون والخاسرون

من الأشخاص الذين أصبحوا نموذجا في التاريخ يقتدى بهم هو أبو الفضل العباس (عليه السلام) كان أشجعهم ربح وانتصر لأن الانتصار كان في قوة المعنى وقوة المسؤولية وقوة الحرية، وأهم من ذلك قوة الاختيار، ماذا تختار في حياتك؟ قوة اختيارك في الحياة هي التي تحدد مستوى قيمتك في الحياة. تلك القيمة الكبيرة لأبي الفضل العباس (عليه السلام) وهو ربح بهذا المعنى وانتصر، وانهزم الآخرون الذين عاشوا مدة من الزمن وحكموا ثلاثين سنة، او أربعين سنة ماذا ربحوا؟ لم يربحوا شيء لم يقدموا شيئا، لم تكن عندهم مواقف مشرفة، عاشوا الانتهازية والنفاق واستعباد الناس وإذلالهم وتعذيبهم، فالشخص الذي يظلم الناس هو منهزم، وأما الإنسان الحقيقي هو الذي ينتصر بانتصاره لحقوق الناس.

التربية المعتدلة

أبو الفضل العباس (عليه السلام) لم يكن مترددا في موقفه كان نافذ البصيرة، صلب الايمان كان موقفه حاسما جدا في حياته، وهذا نتيجة لتراكم كبير وعظيم في التربية، هذه الشخصية تربت على القيم، والأخلاق، والفضائل، والإيمان بالإمامة، والإيمان بالرسالة المحمدية والعلوية، هذا التراكم يجعل من الشخصية صلبة، وهذا من اعظم الدروس التي نتعلمها من أبي الفضل عباس (عليه السلام) أن نربي أبناءنا منذ الصغر على المواقف الصحيحة والسليمة، لا نربي أولادنا على الماديات، على اللذائذ والنفعيات، بعض العوائل يربون أولادهم على الملابس الجيدة، والأكل الطيب وعلى الدلال الزائد، وهذا يصنع منه شخصية ضعيفة، نعم التربية المعتدلة هي التربية السليمة في منهج أهل البيت (عليهم السلام)، تربية باللين والإقناع والاقتناع وبناء حرية الاختيار والعلم والمعرفة، هذه التربية تصنع أشخاصا عظماء مثل أبي الفضل العباس (عليه السلام).

فأبو الفضل العباس (عليه السلام) هو نتاج تربية علوية، حسنية، وحسينية، وتربية ام البنين (عليها السلام)، هذه المرأة العظيمة الكبيرة التي علينا معرفة قيمتها وتاريخها وحياتها، ونتعلم منها كيف نربي أولادنا تربية صالحة على منهج القيم والمواقف المسؤولية.

الاقتداء بالنموذج الصالح

لا يمكن أن نقول إنه يمكن أن نصل إلى نموذج كشخصية ابي الفضل العباس (عليه السلام)، لكن لا بد ان نرتقي نحوه ونطبق ما هو ممكن من هذا النموذج الصالح، ونحن بحاجة الى هذا النموذج ولأننا نحب أبنائنا فلا بد ان نربيهم على نموذج يصح الاقتداء به، نموذج يجعل حياتهم صالحة سعيدة في كلا الدارين، وننبذ النماذج السيئة لأنها مدمرة تصنع شخصا ضعيف الشخصية، غير قادر على تميز الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ والفضيلة من الرذيلة.

شخص مستقل وليس تابعا

هكذا شخصية تتربى في هكذا بيئة من الأم والأب والأخوة، تعلم ما لها وما عليها من واجبات، فبصيرة أبي الفضل العباس (عليه السلام) هي التي جعلت منه يتبع الإمام المعصوم (عليه السلام)، وهذه وظيفة شرعية وظيفة إيمانية واعتقادا منه بإمامة الإمام الحسين (عليه السلام)، أيضا كان مستقلا في مواقفه، فعندما نقول مستقلا يعني أنه كان حرا مختارا صاحب مسؤولية، فلا بد أن نربي أولادنا على هذه الاستقلالية أن يكون شخصا مستقلا قويا، وان لا يكون شخصية تابعة، وإنما شخصية قوية مستقلة قادرا على اتخاذ المواقف الشجاعة في حياته، لذلك هذه الرواية التي قالها الإمام الصادق عليه السلام كان عمنا العباس نافذ البصيرة وصلب الإيمان، يعني موقف نابع من شخصية لديها رؤية في الحياة.

ركن من أركانها

أحد أعمدة عاشوراء وركن من أركانها كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) فلا يمكن أن نتصور عاشوراء من دونه، فالسلوكيات اليومية والأحداث اليومية تبين معدن الإنسان، وقد تبين لنا ما هو معدن أبي الفضل العباس (عليه السلام) من صلابة الإيمان، كان له مواقف قبل يوم الطف إلا أن موقفه الأعظم كان يوم عاشوراء حتى يقول بحقه الامام علي بن الحسين (عليه السلام): (رحم الله عمي العباس، فلقد آثر وأبلى وفدا أخاه بنفسه، حتى قطعت يداه. فأبدله الله عز وجل منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه السلام. وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة)، فخلود أبي الفضل العباس (عليه السلام) هو استمرار للعظمة التاريخية التي تسمى عاشوراء.

كما ان مقام أبي الفضل العباس (عليه السلام) عند الإمام الحسين (عليه السلام) كبير جدا، فعندما أصيب أبا الفضل العباس (عليه السلام) قال الإمام الحسين (عليه السلام) الآن انكسر ظهري.

 شاءت مشيئة الله سبحانه وتعالى تخليد هذه الصفوة على مر العصور وخصوصا ابي الفضل العباس، بأنهم خير نموذج يقتدى بهم، لو أرادت البشرية أن تعيش الصلاح والفلاح في حياتها.

* من حوار بث على قناة العراقية لبرنامج إشراقات عباسية

 

2021/09/01
’نجاة من النار’.. خصائص وآثار في البكاء على الحسين (ع).. تعرّف عليها

زبدة ما للبكاء على سيد الشهداء من خصائص وآثار

ليس في المقال جديدٌ غير مسبوق، ولا فيه إصلاح لخطأ سابق، أو جبر نقص، أو شرح غامض.. وعذري أنّ هذه الأربعة ليست كلّ دواعي الكتابة، وإنّما ثمّة ثلاثة أخرى، واحدة منها على الأقل متحققة في هذه الورقة: اختصار مطوّل، أو جمع متفرق، أو ترتيب مختلط. فقد طال الكلام بشأن البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، واختلط السرد بالروايات، والتحليل بالمعلومة؛ لذا رأيت جمعها بانتظام، واختصارها بترتيب، وإيجازها بقسمين: [الخصائص، والآثار] مكتفياً بما قلّ ودلّ:

[اشترك]

أ‌-أمّا الخصائص فأهّمها:

1ـ [لا تبطل به الصلاة]، فكما لا يخفى على المؤمنين أنّ تعمد البكاء أثناء الصلاة من مبطلاتها، إلا أنّ جملة من الفقهاء العظام استثنوا من هذا الحكم البكاء على مصيبة سيد الشهداء بقصد القربة بل مصائب أهل البيت عموماً على ما جاء في رسائلهم العمليّة (انظر- المنهاج ج1ص236).

2ـ [مستثنى من كراهة الجزع ]، والروايات في هذا المعنى كثيرة، منها ما صحّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال :كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (بحار الأنوار ج : 44 ص : 280)

3ـ [علامة الإيمان] ويحفظ المؤمنون الحديث المعروف عن الإمام الحسين بن علي( ع) أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى. بل في كامل الزيارات باباً كاملاً في هذا، وهو الباب السادس والثلاثون: في أنّ الحسين..لايذكره مؤمن إلا بكى!، وكما حبّ أبيه علامة الإيمان، كذا البكاء عليه.

4-[البكاء عليه كونيٌّ ] والأخبار في هذا مستفيضة عند المسلمين جميعاً، من بكاء السماء والأرض والملائكة والجن والحجر وانكسفت الشمس، وبدتْ الكواكب نصف النهار حتى ظُنّ أنّها القيامة(انظر-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :  ج9ص196)..ولقد بكتْ له جميع الخلائق، وما يرى ومالا يرى (الكافي ج4ص576).

ب‌- وأمّا الآثار المترتّبة على البكاء ذي الخصائص آنفاً فهي بإيجاز شديد كالآتي:

1ـ أنّ العين التي بكته لا تبكي يوم القيامة، ففي حديث طويل عن أمير المؤمنين جاء فيه : " كلّ عين يوم القيامة باكية..ساهرة، إلّا عين من اختّصه الله بكرامته وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّد عليهم السلام "( الصدوق - الخصال ج : 2 ص : 610).

2ـ حضور الأئمة عند احتضار الباكي ، وقد جاء هذا في حديث الإمام الصادق مع مِسْمَع بن عبدالملك  البصريّ: رحِمَ الله دَمعتَك..أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملكَ الموت بك ، وما يلقّونك به مِن البشارة أفضل ، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدُّ رَحمةً لك من الاُمّ الشّفيقة على ولدها..(كامل  الزيارات،ص204).

3ـ أنّه يوجب نظرة علي والحسين، (عليهما السلام)، ومستنده ما وراه ابن قولويه بسنده عن الصادق (عليه السلام) إنّ الحسين " لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الاستغفار له .."( المصدر السابق 103) ، كما أنّ فيه مواساة للزهراء على ما في حديث الإمام الصادق مع أبي بصير: يا أبا بصير ان فاطمة (عليهما السلام(تبكيه وتشهق..أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة(نفس المصدر، ص171).

4- فضلاً عن ذلك كلّه: النجاة من النار، واستحقاق الجنّة، وغفران الذنوب..على ما نطقت به الآثار، و استفاضت به الأخبار، والملفت في هذه الأخبار لغة التوسّع والتعميم الواضحة في هذه الأخبار من جهة الموضوع، ومن جهة الأثر أيضاً، فأمّا الموضوع [البكاء] فمفهومه حسب الأخبار واسع ويشمل حتى التباكي.. ويشمل أيضاً الأفراد الضعيفة مثل: من دمعت عيناه، أو  خرج منها قطرة من الدمع، أو  بمقدار جناح ذبابة..والتعميم والشمول ينطبق أيضاً على الأثر المترتّب على البكاء..

ففي حديث الإمام الرضا مع الريان ابن شبيب: إن بكيت على الحسين ..غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته: صغراً كان، أو كبيراً، قليلاً  كان أو كثيراً..(أمالي الصدوق،ص192).

2021/09/01
اجتماع الشيعة بعد الشَّتَات: إنها عاشوراء!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْحُبَّ الَّذِي تُحِبُّونَّا لَيْسَ بِشَيْ‏ءٍ صَنَعْتُمُوهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ صَنَعَه‏.

[اشترك]

كلمةٌ حول محبة آل البيت عليهم السلام، قالها باقر العلم يوماً (المحاسن ج‏1 ص149).

كشفت أنّ بذرة الحب في قلوب الشيعة قد زرعتها يَدُ الغيب الإلهية، ورَعَتها حتى نَمَت وأثمرت حُباً في قلوب المؤمنين للعترة الطاهرة.

الشيعة المؤمنون.. هذه الثلّة كانت صنيعة عاشوراء.

كلما هَلَّ هلال المحرم.. ذابت قلوبهم وانفطرت على مُصاب المظلوم.. تجلت في ذلك عليهم نِعَمُ السماء بأن عرّفهم الله سادةَ الخلق وعظيم مصابهم، فجُبِلوا على إحياء عاشورائهم ليلهم ونهارهم..

الحزن يغمر قلوبهم، والأسى يلف وجوههم.. يعيشون الإنكسار والألم في باطنهم وظاهرهم..

يجمعهم في أقاصي الشرق والغرب إحياء ذكرى الحسين.. على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وقومياتهم وجنسياتهم وطبائعهم وعاداتهم..

يثمر ذلك اختلافاً في صور إحياء الذكرى والعزاء..

وللوهلة الأولى..

فإن كل اختلاف مذموم..

إنه يعني الاختلاف بين الحق والباطل.. بين العدل والظلم.. بين الظالم والمظلوم.. وهو ما تشكو منه البشرية ليلها ونهارها، فتأخذ ذكرى الحسين بيدها إلى رمز الفداء الذي يأتي الخلاص يوماً على يد حفيده المهدي المنتظر آخذاً بثاره من ظالميه والراضين بأفعالهم.

يؤيَّدُ هذا القول ببعض آيات الكتاب الكريم التي ذمت الاختلاف..

- وَلا تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ (آل عمران105)

- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَر (البقرة 253).

لكن التأمل في هذه الآيات وغيرها يكشف أن محور الذم هو الكفر والجحود والإنكار، وليس الاختلاف بنفسه..

إذ إن هناك صورة أخرى تكشف عن اختلافٍ ممدوحٍ لا غبار عليه ولا بأس فيه..

بل إن الكون الأصلح قائمٌ على الاختلاف في مخلوقات الله تعالى، اختلافٌ تراعى فيه العدالة الإلهية، وتكون مِنَحُ السماء فيه بحسب الحكمة الربانية.

كما هو التنوع في الخِلقة والعقل والمنظر والهيكل، اختلافٌ جعله الله تعالى سبيلاً إلى تكوين الأمة المتنوعة في خيارها الأكمل والأصلح.. قال تعالى:

وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمينَ (الروم22)

اختلاف اللسان وتعدد اللغات وسواها الكثير من المظاهر الحسنة التي جعلها الله آية للعالمين..

 

* ويكاد يخال لبعض المؤمنين أن تعدُّدَ صور إحياء العزاء هو مصداقٌ لما ذمته الشريعة المقدسة، وأنه يثير الشقاق بين المؤمنين والفرقة..

لكن حقيقة الأمر أنه يمثل أبلغ أنواع الوحدة تحت اسم الحسين عليه السلام، حيث إن أفعال الشيعة في عاشوراء تجمع أمرين اثنين:

1. الأول: اتفاق كلمتهم على لزوم إحياء ذكرى سيد الشهداء عليه السلام. وهو باب وحدة الشيعة واتحادها وجمع كلمتها للبكاء على من بكاه الأنبياء وسيدهم..

2. الثاني: التنوع الصحي في صور الإحياء.. ضمن البيت الواحد.. فيحيي كل منهم ذكرى عاشوراء بحسب ما ينسجم مع طبيعته ورغبته ومكانه ووو..

البكاء مثلاً.. حالةٌ عامة لا يختلف عليها اثنان من الشيعة، لأنها أسلوب الإنسان الأول في التعبير عن الحزن والتألم والتفجع..

وذكرُ مصابهم في الجملة مما لا يتوقف في رجحانه اثنان من الشيعة..

لكن بعض المصاديق التي يختلف فيها الشيعة، فتأتي بها فئة وتأتي بغيرها فئات أخرى، يسوغ لنا أن ندخلها في التنوع المباح..

وكلما قلَّبنا الطرف وجدنا أن هذه السُنَّة جاريةٌ في كثير من مفاصل حياتنا..

من نماذج ذلك..

- تجتمع الأسرة الواحدة على مائدة الطعام، يختار الأب طعاماً يراعي فيه حالته الصحية، وتختار الأم آخر يناسب ذوقها، ولكل من الأولاد رغبته في صنف خاص، فيجتمع الجميع على مائدة واحدة وتتنوع الأطباق التي يتناولها كل واحد، ثم لا يذم أحدهم الآخر لهذا الاختلاف، على أنهم قد تناولوا جميعاً صنفاً واحداً هو الماء إلى جانب أصنافهم الخاصة..

 

- يبني كل منهم بيتاً يراعي فيه حاجته وذوقه وقدرته..

- يركب كل منهم سيارة تناسب وضعه وظرفه..

- لباسهم لم يكن في يوم موحداً، ولا غيره مما ساغ للبشرية فيه الإختيار ضمن دائرة يجتمع عليها العقلاء.. إنها الدائرة التي توحدهم وتضمن لهم مساحة يختلفون فيها ويحافظ كل منهم فيها على رأيه وخصوصيته.

هذه بعض نماذجها في حياتنا..

أما بعض نماذجها في شريعتنا..

- ليالي القدر المباركة.. يتناول المؤمن فيها كتب الدعاء، يتأمل بعد أن يرى أن الوقت لا يسمح للإتيان بكل المستحبات في هذه الليلة المباركة، فيختار أهمها وأفضلها أو أقربها إلى ذوقه.. فلا يذم قارئ القرآن في هذه الليلة قارئ الدعاء، ولا المصلي يقدح طلبَ العلم فيها، ولا المتصدق على الفقراء ينتقص من محيي ذكر العترة الطاهرة في ليلة القدر..

ولا قارئ دعاء الجوشن يطعن بتالي أدعية السحر.. وهكذا يجتمع الجميع تحت خيمة الإحياء مع الاختلاف في صورها..

- وهكذا في سائر المستحبات.. تدخل المساجد والمراقد المقدسة فترى المؤمنين مجتمعين حول خيمة الإمام التي تظللهم، لكنهم بين قائم وقاعد وراكع وساجد وتالٍ للقرآن.. في صورة أخرى عن ملائكة السماء الذين تعددت عباداتهم وكلهم في محل القرب منه تعالى.. كما وصف النبي (ص) حالهم في ليلة النصف من شعبان: وَمَا فِي السَّمَاءِ مَلَكٌ إِلَّا وَقَدْ صَفَّ قَدَمَيْهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: فَهُمْ بَيْنَ رَاكِعٍ وَقَائِمٍ وَسَاجِدٍ وَدَاعٍ وَمُكَبِّرٍ وَمُسْتَغْفِرٍ وَمُسَبِّح‏ (إقبال الأعمال (ط - القديمة) ج‏2 ص699).

 

إن حقيقة إحياء الشيعة لعاشوراء هي من هذا القبيل تماماً..

يكاد يخيل إلى الناظر إليهم من خارج مدرستهم أن قلوبهم شتى، وأن عاشوراء فرقتهم بدلاً من أن توحدهم.. لكن قصر نظره قد أخذ بيده إلى هذا الفهم الخاطئ، وجهله بحقيقة الشيعة وبقوة الرابطة التي في قلوبهم جعلته ممن: يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَ يَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَة.

إن سرّ الله عاشوراء.. هي الباب الأكبر والأعظم لاجتماع الشيعة خلف إحياء ذكرى الحسين بكل صورها وأشكالها.. تجمع العاملَ المؤمن الطيب البسيط.. مع العالم المحقق المدقق الخبير..

تجمع الكبير مع الصغير.. الرجل مع المرأة.. السقيم مع السليم.. كل الشيعة ينضوون تحت خيمتها، فيحيي كل منهم الذكرى بما يشاء.. مراعياً حدود الله تعالى..

إن الشيعة أكثر من تذوّق حرارة الكبت والظلم والقهر، حينما منعوا من زيارة سيد الشهداء عليه السلام ودفعوا لذلك أعظم الأثمان.. رقاباً تقطع وأيدي تبتر.. وما بدّلوا يوماً.. يدركون تماماً صعوبة أن يُمنع إنسانٌ من التأثر على فراق أحب الناس إليه بالموت.. فكيف لو كان التأثر على أحب الكائنات عند الله تعالى وعند المؤمنين جميعاً؟

لذا أدرك الشيعة قبل غيرهم أن هذه الخيمة والراية الحسينية عصية على الجبر والإكراه.. فمهما تدخلت الأيدي الأثيمة لتمنع الشيعة من إبراز حبهم بشتى صوره انكفأت خاسئة تجر أذيال الخيبة في الدنيا والآخرة..

* لكن قائلاً قد يقول..

ما هذه الصورة المثالية التي تعرضها عن أيام العزاء في عاشوراء؟

أليست من وحي الخيال؟ وهروباً من واقع أليم نعاني منه؟ يتمثل باختلاف الشيعة وطعنهم ببعضهم كلما هل هلال عاشور بل قبله؟

فهل تعيش أيها الكاتب في مدينة فاضلة غير مدننا هذه؟ ألست بين ظهرانينا تقرأ التنابز بين الشيعة والتراشق كلما جاءتنا أيام هذه الذكرى الأليمة؟

فأين كل هذه المفاهيم؟ وأين هي الخيمة والراية التي تجمعهم؟

تساؤلات قد تكون محقة.. وجوابها في جهات:

أولاً: إن توصيفنا لحال الشيعة في عاشوراء لم يخطئ الواقع أبداً، فهو يصف حال أغلب الشيعة الذين لا يهمهم سوى العزاء في هذه الأيام، ولا ينخرطون في محاور الطعن والهمز واللمز بين المؤمنين، لأنهم يعرفون أن: حُرْمَةُ النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْتِ (كما يروون عن إمامهم الهادي عليه السلام: الكافي ج‏4 ص568).

فإنهم يعلمون أن هتك حرمته معصية كبيرة عظيمة، فيخشون الله في إخوانهم المؤمنين وينزهون لسانهم عن هتك حرماتهم.. لئلا يكونوا محاربين لله تعالى، كما علّمهم الصادق عليه السلام لما قال: نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى النَّبِيِّ ص وَ قَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ مَنْ أَهَانَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ فَقَدِ اسْتَقْبَلَنِي بِالْمُحَارَبَة (المؤمن ص32).

ولعلّ هذا هو حال أغلب من يحيي ذكرى عاشوراء من الشيعة..

ثانياً: أن هذه الفئة التي تمثل عموم الشيعة قد لا يُسمع لها صوت في عاشوراء لانشغالها بالعزاء..

لكن أصوات النشاز تعلو.. كما يعلو صوت المدفع على أصوات العلم والفهم والتدبر والتعقل على كثرتها.. فرجل واحد يطلق قذيفة يتردد صداها بين آلاف يهمسون همساً.. فيظن ظانٌّ ان القوم كلهم أصحاب مدافع وبنادق، والحال أنهم أصحاب همهمة خرج منهم مِدفَعي واحد جعلهم في خانة المقاتلين كما يظن الخارج عنهم.

 

ثالثاً: إن الشيعة لما لم يكونوا معصومين كسائر الناس، ولما لم يكونوا على مرتبة واحدة في الإيمان والإدراك والعلم والفهم، ولما كانت النفس الأمارة بالسوء قد تتمكن من جملة منهم، ولما كان إبليس أكثر عناء بهم لارتباطهم بالحق المطلق، العترة الطاهرة.. لكل ذلك كانوا عرضة للفتنة..

لقد حرص الأئمة على بيان الحق لئلا يُدخل الجهلُ الحيرةَ على ضعفاء الشيعة، كما قال إمامنا الكاظم عليه السلام عندما أجاب على أسئلة السائل: رَأَيْتُ أَنْ أُفَسِّرَ لَكَ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَيْرَةُ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ قِبَلِ جَهَالَتِهِم‏ (الكافي ج8 ص124)

الجهالة أيها الأحبة تجعل ضعفاء الشيعة في خطر..

وعليهم حينها الاستعانة بالعلماء المرابطين الذين يمنعون إبليس من التسلط على المؤمنين..

فتكليف الشيعة عند الجهالة والحيرة هو الرجوع للعلماء العالمين بالشريعة، الذين قال عنهم الصادق عليه السلام: عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا مُرَابِطُونَ فِي الثَّغْرِ الَّذِي يَلِي إِبْلِيسَ وَعَفَارِيتَهُ يَمْنَعُوهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا وَعَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَشِيعَتُهُ وَالنَّوَاصِبُ (الاحتجاج ج1 ص17)

وقال في وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام: مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا فَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَى نُورِ الْعِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ بِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُور (الاحتجاج ج1 ص16)

فلئن أخطأ شيعي الدربَ يوماً لحيرته أو جهالته، كان له أن يستعين بإخوانه المؤمنين العالمين بالشريعة، ليرفعوا له الحيرة ويحافظ على ولائه للعترة..

 

وتبقى عاشوراء..

باب وحدة الشيعة قديماً وحديثاً.. فقد حفظتهم جميعاً حتى اليوم.. وسيبقى الأمر كذلك إلى آخر الطريق.

ولئن كانت تصرفات بعضنا تسيء إمامنا حتى يتأسف عليها فيقول: وَوَا أَسَفَى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ، كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضا..

فإن وعده عليه السلام بعودة الاجتماع مجدداً مما تقر له العيون.. فيقول عليه السلام بعد ذلك: مَعَ أَنَّ اللَّهَ وَلَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَع‏ قَزَعَ الْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُم‏... وَلَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهَؤُلَاءِ (الكافي ج2 ص64-66).

بعد كل اختلاف للشيعة إذاً لو كان..

ستعود عاشوراء لتجمع الشيعة للانتقام من بني أمية وأذنابهم.. تحت راية الحجة المنتظر.. الآخذ بثار شهيد كربلاء.. بطل عاشوراء.. سيد الشهداء عليه السلام..

ونحن على أبواب أيامه أيام عاشوراء..

لنتذكر كلمة الإمام: وَوَا أَسَفَى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي..

وأن عاقبتنا الاجتماع: أَنَّ اللَّهَ وَلَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ..

فكلنا في خندق واحد.. سيجمعنا الله بعد الفرقة والتشتت..

فليحذر عاملٌ منا أن يكون من أصحاب هذه الفعال التي تسوء إمامنا.. فلا يستذل بعضنا بعضاً..

وليتق الله ربه في إخوانه المؤمنين في هذه الأيام وسواها..

ولنبتهل إلى الله تعالى في أن يفرج عنا بتعجيل فرج ولينا.. وأن نكون معه من الآخذين بالثار.

جمع الله الشيعة على الحق والخير.. وأظهر كلمته وجعلها العليا.

2021/08/31
’مهندس ثورة المختار’.. لماذا تخلّف محمد بن الحنفية عن نصرة الحسين (ع)؟

هل السيد محمد بن الحنفية حبس أولاده فعلا عن نصرة الامام الحسين (عليه السلام) كما جاء في كتاب طبقات ابن سعد؟

أرجو ان تجيبوننا بالتفصيل عن اولاد السيد محمد بن الحنفية وكم عمرهم في سنة حدوث واقعة الطف المؤلمة؟

[اشترك]

روى ابن سعد ـ وهو من أبناء العامة - : «.... وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب هم تسعة عشر رجلا ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.

وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسينا بمكة وأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل.

فحبس محمد بن علي ولده فلم يبعث معه أحدا منهم.

حتى وجَدَ الحسين في نفسه على محمد، قال: ترغب بولدك عن موضع أُصاب فيه؟!

فقال محمد: وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم. (الطبقات الكبرى: 6 / 428)

فنقول:

أولاً: هذه الرواية بالخصوص لا نعرف سندها، فإنّ ابن سعد ذكر أسانيد عديدة إلى مجمل مقتل الإمام الحسين (ع) في بداية سرده للمقتل، ولفّق بين الروايات، ودمج المتون، ونحن نشكّ جداً أن يكون هذا الخبر مما رواه بكل تلك الطرق والأسانيد، وإلا فلماذا تفرّد بها ابن سعد، ولم نجدها في مصدر آخر؟!

ولذا لا يمكن الحكم باعتبار خصوص هذا الخبر.

هذا على طبق مباني القوم.

وأما على طبق مباني الشيعة الإمامية فالخبر غير معتبر، ولم يروَ في كتبنا.

ثانياً: من القريب جداً أن تكون هذه الرواية من وضع الأمويين أو المروانيين أو الزبيريين، أو قتلة الحسين (ع) والمتعاطفين معهم، فإنّ محمد بن الحنفية كان رأس حربةٍ في العداء لهم، فراحوا يشنعون عليه تخلفه عن كربلاء، وعدم نصرةِ الإمام الحسين (ع)! حتى انتهى به الأمر بأن يدافع عن نفسه هو وعبد الله بن عباس فيما رواه ابن شهر آشوب قال: وعُنّفَ ابن عباس على تركه الحسين فقال: ان أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.

وقال محمد بن الحنفي: وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. (المناقب: 3 / 211).

ثالثاً: تنص بعض الروايات أنّ الإمام الحسين (ع) أعفى أخاه محمد بن الحنفية عن الخروج معه، وأوكل إليه مهمات خطيرة، وكان بقاؤه في المدينة بتخطيط الإمام (ع)، وكان وكيلاً له، وجعله الحسين (ع) إحدى البوابات التي تحدث مع المسلمين من خلالها عن الهدف من نهضته، ومشروعه الإصلاحي، وما سيترتب على نهضته وشهادته.

ذكر المؤرخ ابن أعثم ( ت 314 هج) أنّ الإمام الحسين (ع) قال لأخيه محمد بن الحنفية: وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ولا تُخفِ عليّ شيئاً من أمورهم، قال: ثم دعا الحسين بداوة وبياض وكتب فيه وصيته إلى محمد بن الحنفية. (الفتوح لابن أعثم: 5 / 21 ، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 188).

ومما جاء في وصية الإمام الحسين (ع) أنه ذكر فيها الهدف من خروجه: إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمد (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد، وأبي علي بن أبي طالب. (المصدر السابق).

وتسليم الحسين (ع) وصيته إلى أخيه محمد يعني أنه معفيّ عن الخروج معه، ومكلّفٌ بنشرها وبيانها للمسلمين، وهذا دور مهم وخطير أوكل إلى محمد بن الحنفية، وهو الجهاد في الدفاع عن نهضة سيد الشهداء (ع)، وتقديمها بصورة صحيحة للعالم الإسلامي كما أرادها الإمام الحسين (ع) من أنها نهضة إصلاحية الغرض منها إرجاع حكم النبي وعلي بن أبي طالب، والدفاع عنها في مقابل تشويهات الأموية، ودفع شبهات المغرضين.

وكانت الرسائل تصدر من الحسين (ع) الى محمد بن الحنفية، فقد رويَ عن الإمام الباقر (ع): «كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم، أما بعد فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح. والسلام.» (كمال الزيارات ص157)

أخبر الإمام (ع) من خلال هذه الرسالة أنه ماضٍ نحو الشهادة، وسيترتب على شهادته الفتح.

وهذه الرسالة أوصلها الحسين (ع) لنا عبر محمد بن الحنفية، فمحمد وكيل الإمام، وإحدى البوابات التي تحدث الإمام الحسين (ع) من خلالها مع المسلمين عن الهدف من نهضته، وأنه ليس طالب دنيا ولا حكم، بل مشروعه مشروع شهادة في سبيل الله، طلباً للإصلاح في أمة جدّه رسول الله، وأنّه سيترتب على شهادته الفتح. (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً).

وأرسل له من كربلاء: عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كتب الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى محمد بن علي (عليه السلام) من كربلاء: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم، اما بعد فكأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل، والسلام.» (كمال الزيارات ص158)

وهذا رسالة أخرى يؤكد الحسين (ع) فيها بأبلغ العبارات وأفصحها وأخصرها، أنّ نهضته لم تكن للدنيا، ولم ينظر إلى الدنيا أبداً، ولم يكن طالباً للسلطة، (فكأن الدنيا لم تكن) هكذا كان الحسين (ع)، في مسيرته ونهضته، وأنّ نهضته كانت: (وكأنّ الآخرة لم تزل) فهي نهضةٌ الغرض منها تعمير الآخرة، وأنّ الحسين (ع) كان نظره مقصوراً على الآخرة، وأنه لم يزل ينظر الى الآخرة في جميع سيره، ولم ينظر إلى الدنيا لحظة واحدة.

ومَن هم أفضل مَن يعينون محمد بن الحنفية في هذه المهمة؟

الجواب: لا أحد أفضل وأرأف من أبناءه.

ولعلّ إعفاء الإمام (ع) لأخيه محمد بن الحنفية يتناسب مع الحالة الصحية التي كان يعيشها آنذاك، حيث أجاب العلامة الحلي عن سؤال وجّه إليه في خصوص تخلف محمد بن الحنفية، فأجاب بأنه كان مريضاً. (أجوبة المسائل المهنائية للعلامة الحلي ص38) وقال الشهيد الثاني: وأمّا تخلَّفُه عن الحسين عليه السلام فعذرة مشهور في الأخبار وكتبِ السيَر فإنّه كان لِزَمانَةٍ في رِجْلَيْه. (رسائل الشهيد الثاني:1 / 561)

وأفضل مَن يعين المريض في شؤونه هم أبناؤه.

ولا يهمنا كثيراً حادثة مرضه، فهناك مهمة كبيرة أوكلت الى محمد بن الحنفية وهو الدفاع عن نهضة سيد الشهداء (ع)، وإيصالها نقية نظيفة الى العالم.

رابعاً: إنّ محمد بن الحنفية أكبر وأجل وأعظم أن يحبس أبناءه عن نصرة أخيه وإمام زمانه الإمام الحسين سبط النبي وابن الزهراء صلوات الله عليهم، وهو العارف بشأنه ومقامه.

ومحمد بن الحنفية ممدوح في رواياتنا، وعند علمائنا.

فلا بدّ من سبب في تخلف أبناءه، إما لأنهم صغار دون سنّ خوض الحروب، أو لأنّ الإمام الحسين (ع) أمرهم بالبقاء مع أبيهم، ليعينوه في المهمات التي أوكلت إليه، أو ليعينوه في مرضه.

ولعل الإمام الحسين (ع) أمرهم بالبقاء حفاظاً على البيت العلوي من الإندثار.

خامساً: إنّ محمد بن الحنفية مهندس ثورة المختار الثقفي، وكان يحرّضه على التعجيل في تصفية قتلة الحسين (ع)، وببركة وجوده تمّ تصفية الساحة من قتلة الحسين (ع)، وكان هو المشرف على ثورة المختار.

ولهذا أعفاه الإمام الحسين (ع) من الخروج معه، حتى يقوم بهذه الأدوار لاحقاً.

وأفضل مَن يعينه في تحركاته تلك هم أبناؤه.

قال ابن نما: وكان محمد بن الحنفية يعتب على المختار لمجالسة عمر بن سعد وتأخيره قتله، فحمل الرأسين إليه إلى مكة مع مسافر بن سعد الهمداني وظبيان بن عمارة التميمي، فبينا محمد بن الحنفية جالسا في نفر من الشيعة، وهو يعتب على المختار، فما تم كلامه الا والرأسان عنده، فخر ساجدا، وبسط كفيه، وقال: اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار، وأجزه عن أهل بيت نبيك محمد صلى الله عليه وآله خير الجزاء، فوالله ما على المختار بعد هذا من عتب. (مثير الاحزان ص129).

 

فمن الطبيعي أن ينشر قتلة الحسين (ع) أخباراً الغرض منها إدانة هذا المهندس العظيم، والمحرّض للأخذ بالثار.

سادساً: شخص بهذا الثقل والأهمية والخطورة، من الطبيعي أن ترمى إليه سهام الأمويين والزبيريين، لغرض تصفيته سياسياً وتسقيطه دينياً، وإبعاده عن الساحة، ومن ثمّ تكميم أحد أفواه أهم المدافعين عن نهضة سيد الشهداء (ع)، والإنقضاض على ثورة المختار وإدانته في تصفية قتلة الحسين (ع)، وإدانة الحسين سلام الله عليه.

سابعاً: ومما يكذّبُ هذا الحوار الذي ينقله ابن سعد وانه حصل في مكة أثناء خروج الحسين (ع) منها باتجاه العراق، أنّ بعض رواياتنا الصحيحة، وبعض النصوص التاريخية من كتب أبناء العامة تنص أنّ محمد بن الحنفية لم يخرج من المدينة، وكان آخر عهد الحسين (ع) بأخيه محمد في المدينة المنورة، وليس في مكة.

روى ابن قولويه بسند جميع رجاله فقهاء أجلاء عيون ثقات عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم، اما بعد فان من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح. والسلام.» (كمال الزيارات ص157)

كتبَ الحسين من مكة الى ابن الحنفية... وهذا يعني أنّ محمد بن الحنفية لم يكن في مكة، بل بقيَ في المدينة، مطيعاً لإمام زمانه، ومتحملاً عظم المسؤولية التي أوكلت إليه.

وقد نص الدينوري على أنّ محمد بن الحنفية أقام في المدينة، ولم يذكر شيئاً عن خبر خروجه الى مكة، حيث قال: فلما أمسوا، وأظلم الليل، مضى الحسين (رضي الله عنه) أيضاً نحو مكة، ومعه أختاه: أم كلثوم، وزينب، وولد أخيه، وإخوته: أبو بكر، وجعفر، والعباس، وعامة من كان بالمدينة من أهل بيته، إلا أخاه محمد بن الحنفية، فإنه أقام. (الأخبار الطوال: ص٢٢٨) ولم يذكر الدينوري أي لقاء ومحادثة للحسين (ع) مع محمد بن الحنفية، مع ذكره لمحادثة ابن عباس له.

وذكر ابن أعثم والخوارزمي خبر لقاء الإمام الحسين (ع) بمحمد بن الحنفية في المدينة، ولم يذكرا له أيّ لقاء في مكة.

ولم يذكر الشيخ المفيد في الإرشاد إلا لقاءه بالامام في المدينة، ولم يذكر أنه انتقل الى مكة وحاول منعه هناك.

النتيجة: ظهر مما تقدم أنّ بقاء محمد بن الحنفية كان بتخطيط الإمام المعصوم (ع) وأمره، ليقوم بأدوار مهمة بعده، وخير مَن يعينه هم أبناؤه، كما بيّنا ذلك.

2021/08/31
لهذه الأسباب لم يعتمد الإمام الحسين (ع) ’الخيار السلمي’ في مواجهة يزيد

لماذا لم يعتمد الحسين الخيار السلمي؟

كيف تُقيِّمون الحديث الدائر عن كون الحسين (عليه السلام) خارجاً على الخليفة بأسلوبٍ عنيف لوعالجنا الموضوع بصورته التاريخيَّة؟ أو بمعنى آخر هل سجَّل التاريخ للحسين خياراً آخر غير سفك الدماء وتخلَّى عنه (عليه السلام)؟

[اشترك]

كان الخيارُ الآخر هو الموادعة والبيعة وهو يُنتج استمرار الظلم، بل يُنتج تجذُّره وتأصًّله، والإيغال في الانحراف عن المسار الديني الذي رسمه رسولُ الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، وذلك يتَّضح حينما نتنبَّه لأمرين:

الأمر الأوَّل: هو أنَّ ولاية معاوية لشؤون الحكم كانت نتيجة ظروفٍ طارئة واستثنائيَّة، فلم تكن ولايتُه واقعة في سياق الخطِّ الإسلامي بل كانت انحرافاً سياسيّاً أفرزته الظروف، فهو كذلك بنظر أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وهو كذلك بنظر مدرسة الخلفاء.

مِن هنا كان أحد أهمِّ بنود الصلح هو أنْ يكون الأمرُ بعد معاوية للحسن (عليه السلام) فإنْ لم يكن فهو للحسين (عليه السلام).1

وكان الصحابة والتابعون - الذين لا يرون لأهل البيت (عليهم السلام) حقّاً خاصّاً بالخلافة -يتبنَّوْن مراجعة أهل الحلِّ والعقد أو مراجعة وجوه الصحابة في تعيين الخليفة بعد هلاك معاوية، ذلك لأنَّهم يرَوْن أنَّ الوسيلة التي اعتمدها معاوية للوصول إلى الحكم لم تكن مشروعة كما أنَّ شخصيَّته لم تكن مؤهَّلة لذلك.

فالأمَّةُ بجميع أطيافها مدركةٌ لخطورة ما آلت إليه الظروف، وضرورة الإصلاح لمسار الخلافة والحكم إلاَّ أنَّ معاوية لم يكن يعبأ بكلِّ ذلك وعمل على تأصيل هذا الظرف الاستثنائي، وعقَد العزم على تعميق حالة الانحراف عن الخطِّ الرسالي، وحشَّد لذلك كلَّ ما أُتيح له مِن وسائل مستثمراً حالة الانهيار النفسي الذي أُصيبت به الأمَّة فجعل مِن الخلافة ملكاً عضوداً وإرثاً يتعاقبُ عليه الأحفاد بعد الأولاد.

الأمر الثاني: شخصيَّة يزيد المعروفة بالتجاهر بالفسق والفجور ومعاقرة الخمور والموسومة عند جميع المسلمين بالطيش والنزَق والمشتهرة باللهو واللعب مع القيان والقردة. 2

فلم تكن واحدة مِن سجاياه تُؤهِّله لأحقر منصب مِن المناصب الدينيَّة فكيف له أنْ يتولَّى شؤون إدارة هذه الأمَّة والذي هو منصب الأولياء؟!

لم يكن الأمر مسبوقاً وكان ينُذر باتِّساع هُوَّة الإنحراف وكان الغضُّ عن ذلك وإغفاله مُنتجاً لاستحالة العودة.

لم يكن ثمَّة خيارٌ آخر غير خيار النضال والثورة، تلك هي اللغة الوحيدة التي يفهمها يزيد، فهو بمجرَّد أنْ هلك والدُه بعث برسالة شديدة اللهجة إلى والي المدينة يأمرُه بأخذ البيعة مِن الحسين (عليه السلام) أخذاً شديداً فإنْ أبى فضرب الرقاب 3، فلم يكن على استعداد لأنْ يُصغي لأحدٍ، فإمَّا البيعة والاستسلام أو السيف، فحتَّى خيار الإغضاء والسكوت وعدم البيعة لم يكن مقبولاً ليزيد.

قد يُقال: لماذا لم يقبل الحسين (عليه السلام) بالبيعة ويشترط في ذلك على يزيد أنْ لا يظلمَ العباد ولا يُمعِن في الانحراف والإفساد؟

نقول إنَّ القبول بالبيعة في حدِّ ذاته تأصيلٌ للظلم والانحراف والذي مِن المقدَّر له أنْ ينتهي بهلاك معاوية فهو يُضفي الشرعيَّة على المشروع الأمويِّ المنافي لمبادئ الإسلام، مِن هنا لم يكن بوسع الحسين (عليه السلام) القبول بالبيعة حتَّى ولو كانت مشروطة لأنَّه بذلك سيُساهم في تثبيت مشروعٍ انحرافيٍّ ما زال متأرجحاً، وحينئذٍ لن يكون الحسين (عليه السلام) أحسنَ حالاً مِن معاوية فهو الذي خطَّط للمشروع والحسين (عليه السلام) هو مَنْ ثبَّته. ذلك لما كان للحسين (عليه السلام) مِن موقعٍ دينيٍّ متميِّزٍ يُدركه جميعُ المسلمين.

مِن هنا كان إباؤه للبيعة معناه تفويت الفرصة على بني أميَّة في تمرير مشروعهم الإنحرافي وبالتالي لن يجدوا مِن وسيلةٍ لإضفاء الشرعيَّة على مشروعهم بعد أنْ كان الحسين (عليه السلام) هو المُتصدِّي للإعلان عن عدم المشروعيَّة مِن خِلال إبائه للبيعة.

كما أنَّ إعلانَه للثورة وهو ألصقُ الناس برسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) وأعرفُهم بسنَّته مساوق لإضفاء الشرعيَّة على مقاومة النظام الفاسد خلافاً لما يُروِّجه بنو أميَّة، فهو بذلك يرسم للأمَّة طريق الوصول لإصلاح ما انحرف مِن مسارها، ويضعُ الجهاز الأموي في خطِّ الموت والإندثار.


الهوامش:

1. الإستيعاب لابن عبد البر قال : " ولا خلاف بين العلماء أنّ الحسن إنما سلَّم الخلافة لمعاوية حياته لا غير، ثم تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك" ج1 ص387 ، فتح الباري لابن حجر ج 13 ص 55 / سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج 3 ص 378 / البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 87 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 209 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج1 ص 140 ، الإصابة لابن حجر ج 2 ص 65 ، ذخائر العقبى لأحمد الطبري 139.

2. البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 239/ مثير الأحزان - ابن نما الحلي - ص 17ا/ النزاع والتخاصم - المقريزي - ص 56/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 368/ شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 20 ص 133/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 103/ الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني - ج 1 ص 174و ص 163/ سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج 3 ص 324/ تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 5 ص 27.

3. كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 10/ الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج 2 ص 777/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 240/ مثير الأحزان - ابن نما الحلي - ص 13/ اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس - ص 16/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 171/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 33/ تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 28 ص 202/ تاريخ الإسلام - الذهبي - ج 4 ص 169.

2021/08/31
’’أرقام واقعية’’.. مناقشة ’’علمية’’ هادئة لعدد أنصار الإمام الحسين في معركة الطف

ما هو العدد الفعلي لأصحاب الامام الحسين عليه السلام؟

لا يمكننا معرفة العدد الدقيق لأصحاب أبي عبد الله (ع) المستشهدين في كربلاء، للاختلاف الشديد بين المؤرخين، بل صدر من المؤرخ الواحد أرقاماً مختلفة تبعاً لما وصله من الروايات، بل الاختلاف وقع بين شهود العيان في كربلاء!

[اشترك]

وسنذكر أهم الأقوال والروايات:

القول الأول: اثنان وسبعون رجلاً: منهم اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وهذا هو القول المشهور بين المؤرخين، وهو رواية أبي مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي، أحد شهود العيان من أصحاب أبي عبد الله الحسين (ع) في كربلاء، حيث قال: وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس ابن علي.

وهذا القول ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد: 2 / 95 ، والطبرسي في تاج المواليد ص31 ، وإعلام الورى: 1 / 457 ، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص184 ، والخصيبي في الهداية الكبرى ص404 ، والطبري في دلائل الإمامة ص178 ، والسيد محمد بن ابي طالب في تسلية المجالس: 2 / 275 ، والبلاذري في أنساب الأشراف: 3 / 187 ، والطبري في تاريخه: 4 / 320 ، وابن أعثم في الفتوح: 5 / 101 ، والخوارزمي في مقتل الحسين: 2 / 4 ، وابن الجوزي في المنتظم: 5 / 338 ، وابن الأثير في الكامل في التاريخ: 4 / 59 ، وأبي الفداء في المختصر: 1 / 191 ، وابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 192 ، والمقريزي في إمتاع الأسماع: 5 / 364 ، والنويري في نهاية الإرب: 20 / 438 ،  والدينوري في الأخبار الطوال ص 256 ، وعنه ابن العديم في بغية الطلب: 6 / 2628.

وقال اليعقوبي: وكان الحسين (ع) في اثنين وستين، أو اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته وأصحابه. (تاريخ اليعقوبي: 2 / 243).

فهذا النص يشير إلى هذا العدد من أصحابه وأهل بيته الذينَ عبأهم الإمام الحسين (ع)، ولكن لم يقتل جميع أصحاب أبي عبد الله (ع) كالحسن وعمر ابنا الإمام الحسن (ع)، والمرقع بن ثمامة الأسدي، وعقبة بن سمعان. فهؤلاء ينقصون من العدد.

وأيضاً يضاف إليهم الذين التحقوا بعد تعبئة الإمام الحسين (ع) جيشه أمثال الحر بن يزيد، ومَن وصل بعد مقتل الحسين (ع) أو في الأثناء.

ويضاف إليهم مَن لم يعبئهم الحسين (ع) للقتال كعبد الله بن الإمام الحسن (ع) وعبد الله الرضيع بن الإمام الحسين (ع) ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، والقاسم بن الإمام الحسن بناء على صغر سنه، وغيرهم.

وهذا العدد يقرب من العدد المذكور في رواية سعيد بن المسيب المنقولة عن الجزء الثاني من كتاب دلائل الإمامة للطبري، في خبر رسالة عمر إلى معاوية، حيث قال سعيد بن المسيب: وقتل ثمانية عشر من أهل بيته ، وثلاث وخمسين رجلا من شيعته ، وقتل علي ابنه بين يديه وهو طفل بنشابة . (بحار الأنوار: 30 / 287.).

ويقترب من العدد المذكور في زيارة الناحية المقدسة، حيث وصل العدد فيها إلى ست وسبعون.

وهذا العدد يوافق أيضاً عدد الرؤوس المقطوعة، حيث اشتهر بين المؤرخين أنها إثنان وسبعون رأساً. (الإرشاد للمفيد: 2 / 113 ، الاخبار الطوال للدينوري ص259 ، أنساب الأشراف: 3 / 206 ، تاريخ الطبري: 4 / 349 ، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 206 ، إعلام الورى للطبرسي: 1 / 470).

القول الثاني: اثنان وثمانون رجلاً: وهو اختيار ابن شهر آشوب في المناقب: 3 / 248، وذكره الخوارزمي في مقتل الحسين: 2 / 4 ، ناسباً إياه الى رواية: حيث قال: ""وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، وفي رواية: اثنان وثمانون راجلاً."" وتبعه السيد محمد بن أبي طالب في تسلية المجالس: 2 / 275.

واختاره السيد المقرم في مقتل الحسين ص225.

ولكن يلاحظ على هذا القول: أنه عدد الخارجين مع الحسين (ع) من مكة، قال ابن أعثم: وخرج الحسين من مكة يوم الثلاثاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة، ومعه اثنان وثمانون رجلا من شيعته وأهل بيته. (الفتوح لابن أعثم: 5 / 69، وعنه الخوارزمي في مقتل الحسين: 1 / 220، مطالب السؤول لابن طلحة ص396، وعنه الإربلي في كشف الغمة: 2 / 253، والفصول المهمة لابن الصباغ: 2 / 803 .)

ومن المعلوم أنّ العدد ازداد ثم تقلص من يوم خروجه من مكة الى يوم عاشوراء.

فهذا العدد ليس هو عدد أصحابه الفعليين في كربلاء والمقتولين بين يديه.

وذكر ابن كثير أنّ عدد الخارجين معه من الحجاز الى العراق ثلاثمائة شخص، قال: وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق، ولم يشعر بما وقع، فتحمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلاثمائة. (البداية والنهاية: 6 / 259).

وذكر ابن عساكر أنّ عددهم من غير أهل بيته ستون شيخاً، قال: وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج متوجها إلى العراق في أهل بيته وستين شيخا من أهل الكوفة وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين. (تاريخ دمشق لابن عساكر: 14 / 212، وتابعه ابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 178).

القول الثالث: واحد وستون رجلاً: ذكره صاحب إثبات الوصية ص166، قال: ورويَ أنّ عدتهم في ذلك اليوم كانت واحداً وستين رجلاً.. الخ.

وهذا القول بعيد من جهات عديدة.

القول الرابع: مائة وخمس وأربعون رجلاً: وهي رواية عمار الدهني عن الإمام الباقر عليه السلام، فيما نقله الطبري في تاريخه، قال: قلت لأبي جعفر حدثني مقتل الحسين حتى كأني حضرته. فقال الإمام الباقر (ع): ... حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد ... فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء فأسند ظهره إلى قصباء وخلا كيلا يقاتل إلا من وجه واحد فنزل وضرب أبنيته وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. (تاريخ الطبري: 4 / 292).

وهذا العدد ذكره ابن نما في مثير الأحزان ص39، والسيد ابن طاووس في اللهوف ص157، ومن المقطوع به أنهما اعتمدا على عمار الدهني التي رواها الطبري.

ولكن رواية عمار الدهني يصعب الاعتماد عليها، لعدم ورودها في مجاميع الشيعة الإمامية أولاً، وفيها تحريف لبعض حقائق معركة كربلاء ثانياً، مضافاً إلى أنّ هذا النص يشير إلى عدد أصحابه في بداية نزوله كربلاء، ولا يوجد في النصّ إشارة إلى أنه العدد الذي قاتل به الأعداء، أو قُتِلوا يوم الطف، فلعلّ العدد نقصَ عن ذلك.

ويمكن أن يكون العدد شاملاً لجميع مَن كان معه من أصحابه وأهل بيته رجالاً ونساءً وأطفالاً، لا خصوص المقاتلين أو المقتولين يوم عاشوراء، وهذا الاحتمال يحتاج إلى تحقيق أيضاً.

القول الخامس: ثمان وسبعون رجلاً: قال المفيد: فروى عبد الله بن ربيعة الحميري فقال : إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق ، إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه ، فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك ؟ قال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ... حتى أتينا على آخرهم ... (الإرشاد للمفيد: 2 / 118 ، والطبري في تاريخه: 4 / 351 ، وفي الأخبار الطوال للدينوري ص 260 أنّ المتحدث هو عمر بن سعد.)

وهذا العدد لو حذف منه الناجون من المعركة، لاقترب من العدد المذكور في القول الأول.

القول السادس: أنّ عددهم حدود المائة شخص: وهي رواية الحصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة – شاهد عيان - قال إن أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ويقولون اللهم أنزل نصرك قال قلت يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه قال فأقبل الحسين يكلم من بعث إليه ابن زياد قال وإني لأنظر إليه وعليه جبة من برود فلما كلمهم انصرف فرماه رجل من بنى تميم يقال له عمر الطهوي بسهم فإني لأنظر إلى السهم بين كتفيه متعلقا في جبته فلما أبوا عليه رجع إلى مصافه وإني لأنظر إليهم وانهم لقريب من مائة رجل فيهم لصلب علي بن أبي طالب عليه السلام خمسة ومن بني هاشم ستة عشر ورجل من بنى سليم حليف لهم ورجل من بنى كنانة حليف لهم وابن عمر بن زياد. (تاريخ الطبري: 4 / 295).

وهذا العدد تقريبي وليس دقيّاً.

وهذه الرواية رواية الفضيل بن الزبير الرسان من أعيان القرن الثاني، إذ أحصى أسماء مَن قتل مع الحسين (ع)، فأوصلهم إلى مائة وسبعة، فإذا استثنينا من القائمة: الإمام الحسين (ع)، وهاني بن عروة، وقيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الله بن يقطر، ومسلم بن عقيل، لكان عدد المستشهدين مئة وإثنان.

وإلى هذا الرأي يميل الشيخ محمد مهدي شمس الدين حيث يقول: وتقديرنا الخاص نتيجةً لما انتهى إليه البحث هو أنّ أصحاب الحسين (ع) الذين نقدّر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مئة رجل أو يبلغونها، وربما زادوا قليلاً على المئة. (أنصار الحسين ص49).

وأوصلهم الشيخ محمد طاهر السماوي إلى قريب المائة في كتابه إبصار العين في أنصار الحسين مع حذف من قُتِل في الكوفة.

القول السابع: ستمائة شخص: منهم خمسمائة فارس، ومائة راجل! وهذا القول اختيار المسعودي حيث قال: فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر ابن يزيد التميمي فقال له : اين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال : اريد هذا المصر ، فعرّفه بقتل مسلم وما كان من خبره ، ثم قال : ارجع فإني لم أدع خلفي خيراً ارجوه لك ، فهَمَّ بالرجوع فقال له إخوة مسلم : والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا او نقتل كلنا ، فقال الحسين : لا خير في الحياة بعدكم ، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد عليها عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فعدل الى كربلاء - وهو في مقدار خمسمائة فارس من اهل بيته واصحابه ونحو مائة راجل. (مروج الذهب: 3 / 61).

وهذا القول يصعب تصديقه، فهي مخالفة لجميع الروايات المتقدمة، نعم يمكن قبولها في حالة واحدة وهي ما قبل خبر شهادة مسلم بن عقيل، قبل تفرق الكثير من أنصاره عنه.

قال الدينوري: وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق، فلما سمعوا خبر مسلم ، وقد كانوا ظنوا أنه يقدم على أنصار وعضد تفرقوا عنه ، ولم يبق معه إلا خاصته . ( الأخبار الطوال 248).

القول الثامن: واحد وتسعون شخصاً: وهو إختيار المسعودي، قال: وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين، منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر... وقتل معه من الأنصار أربعة ، وباقي من قتل معه من أصحابه - على ما قدمنا من العِدَّة - من سائر العرب. (مروج الذهب: 3 / 61 – 62).

 

وهناك أقوال اخرى أعرضنا عنها لضعفها وعدم شهرتها.

الراجح من الأقوال:

والذي نميل إليه هو أنّ أقرب الأقوال قدرةً على الانسجام مع الشواهد والقرائن التاريخية هما القول الأول (الاثنان وسبعون) والقول السادس (حدود المائة).

وأما بقية الأقوال فيصعب البناء عليها، كما بيّنا ذلك ضمن كل قول.

ويمكن التوفيق بين القولين والبناء على أنّ مَن عدّهم إثنان وسبعون لم يعدّ الموالي والأطفال والذين التحقوا بجيش الحسين (ع) كالحر وغيره. أو لم يعدّ شهداء أهل البيت (ع) ضمن الاثنان وسبعون.

ولكنه يصادم عدد الرؤوس المقطوعة، المحددة باثنان وسبعون رأساً، إلا إذا قلنا بأنهم لم يقطعوا رؤوس الموالي والأطفال وبعض مَن لا ثقل اجتماعي له، واقتصروا على قطع رؤوس الرؤوس، وهم اثنان وسبعون نفساً، والله العالم.

 

2021/08/28
لم يكن ’سياسياً’.. الطف حدث كوني!

الطف حدث كوني

لم تكن السقيفة مؤامرة قام بها اشخاص محدودين لابتزاز الامام علي (ع) حقه في الخلافة، والاستحواذ عليها. بل هي تعبير واقعي عن الطبيعة الانسانية في الصراع بين الخير والشر، فالانسان ملتقى الاضداد يجمع في نفسه الخير والشر بدرجات متفاوتة، حيث يظهر منها حسب الظرف الذي يعيشه، وتكون طبيعة الواقع المعاش هو المحك الحقيقي الذي يظهر مافيه.

[اشترك]  

حين جاء الاسلام دخل فيه الناس طواعية وكرها.. إسلاما واستسلاما. وقد كان فيهم النبي ص كما حدد القران الكريم بقوله (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية26). حيث شاءت الحكمة الالهية في الخلق ان يكون الانسان مختارا، لايتعرض لعامل قسري يحدد اختياره، بل هو في محك دائم يمتحن قدرته ومثابرته على اختيار الحق او ترديه في مهاوي الطمع والرغبة في اختيار الشر.   

إن التصور الذي يقدمه الكثيرون لمهمة النبي محمد (ص) على أنه جاء ليصنع الناس على شاكلة خيّرة صالحة.. وبالتالي فأي قدح بالمسلمين الذين كانوا معه هو قدح في نجاح النبي الاكرم (ص) وقدراته كنبي مرسل.. هو تصور خاطئ. حيث ان مهمته هي جعل الناس امام صورة جلية للحق لاشبهة فيها ولا امكانية للاعتذار إذا ما اختار احدهم الباطل

لهذا فحين انتقل النبي (ص) الى الرفيق الاعلى تاركا في الناس شريعة المحجة البيضاء، وعدد لايحصى من الاحاديث الدالة عمّن يحملهم على تلك المحجة ويدلهم على معالم الطريق. كان اولئك المسلمون على المحك والامتحان الصعب. لقد كان المسلمون طوال فترة الدعوة في ضنك وعوز وخوف فكانوا في ذلك على حال من تلاشي دلائل الشر والطمع، ولكنهم قبيل وفاة النبي (ص) وبعد وفاته، قد تغير بهم الحال وصارت لهم دولة يلوح في افاقهم الاتساع وانهمار المال الوفير الى خزائنها وتتوفر فيها المناصب. هنا تحركت نوازع الشر والطمع. وخير من صور ذلك المنقلب هي الزهراء (ع) في خطبتها إذ تقول "فلما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم  فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً".   

وعليه فإن حرب الامام علي (ع) في السقيفة ليست مع عصبة متشخصة بل عموم المجتمع الذي استحكم الطمع والرغبة في ابنائه. فمالوا عنه. وهذا ماحدا بالامام (ع) ان يصبر ويسكت عن حقه لانه كإمام معصوم هو النور الذي تحتاجه الناس ولاحاجة له بإمرتهم ماداموا راغبين في المسلك المنحرف.  

غير أن هذا لايعني ان الامام المعصوم يلقي الحبل على الغارب أو يترك الامة تركا مطلقا، حيث أن الانحراف عن جادة الاسلام لها مجال محدود من وجهة نظر الامام، فإن تجاوزوه كان عليه التدخل. وهذا المجال مرهون بالمساس بمادة الاسلام وجوهرها، أن صار الوضع الى مايحيق به الضياع هب المعصوم (ع) للدفاع عنه والمحافظة عليه.. وبالنسبة الى الامام الحسين (ع) فقد واجه مساسا كاد ان يضيع الاسلام ويجعله أثرا بعد عين. وذلك بأن يعتلي عرش الخلافة رجل كيزيد بن معاوية الرجل الذي يكفي في بيان ماهو عليه من الانحلال والفساد، أن اهل المدينة حين وصلت اليهم انباء ماحدث في الطف من قتل الحسين (ع) واهل بيتهم أرسلوا وفدا لملاقاة يزيد والاطلاع على حقيقته، فلما رجع الوفد قالوا لاهل المدينة جئناكم من عند شخص لا دين له، شرّاب للخمر زانِ قاتل للنفس المحترمة، ويلاعب الكلاب.. وليس الامر محصورا بتولى شخص كذاك الخلافة وإنما الامر الجلل الذي كاد ان يودي بالاسلام هو رضوخ الامة لحكمه واستسلامها لإمرته، حيث قد تبددت كل روح في الناس للوقوف بوجه الباطل وضاعت فيهم القدرة على مواجهة الفساد. وهذا ماجعل للطف ميزة متفردة ألا وهي أنها لم تكن حدثا سياسيا محصورا بصدام مسلح بين حاكم منحرف وثائر ينشد الثورة عليه. بين هي حدث تاريخي يحمل في طياته الدرس البليغ والصورة للمثال للاحرار الذين يرفضون الظلم والطغيان والفساد.. أن الكوفة وجيش الشام والغاضرية ويزيد وغيرها من مفردات يرد ذكرها في ثورة الامام الحسين (ع) لم تكن تمثل حقيقة الحدث بل هي مفردات مادية تجلت فيه حركة الامام الحسين الكونية. وتجسدت من خلالها صورة الموقف الاسطوري لتحدي الحق المطلق بالباطل المطلق.. وإلا فإن الحسين (ع) قد ثار على يزيد وحث الناس بكل ما استطاع للثورة على يزيد وقد اعتزله الناس، نجد الناس قد ثاروا على يزيد نفسه في موقعة الحرة والامام السجاد (ع) اعتزلهم ورفض الثورة.

2021/08/28
بعيداً عن التوظيف ’السياسي أو الدعائي’.. هل العزاء الحسيني فعلٌ أم نشاط؟!

العزاء الحسيني فعلٌ أم نشاط؟!

في عالم الدراما يُميّز بين الفعل والنشاط، فمثلاً: وأنت في المطار تنتظر طائرتك أو في عيادة الطبيب ترقب دورك.. تُخرج كتابك المفضّل وتقرأ فيه، فهل أنت تنتظر أم تقرأ؟!.. الانتظار هنا فعلٌ، فيما القراءة نشاط نافع مقترن بذلك الفعل ومصاحبٌ له. فهل العزاء والبكاء على سيد الشهداء كفعل أم كنشاط؟

[اشترك]

واهمٌ من يظنّ أنني أتساءل على غرار ما تطرحه الحركات الإسلاميّة، والأحزاب الدينية التي عادة ما تسعى إلى التوظيف السياسي للعزاء والبكاء، وتسعى أيضاً إلى تحويلها إلى ما يشبه الممارسة الدعائيّة والنشاطات الانتخابيّة، على نحو تغدو فيه القضيّة والهويّة خادمةً لا مخدومة، وتصبح شعائر العزاء والبكاء محض وسيلة لتحقيق غايات سياسية، فمثل هؤلاء نعرف موقفهم، ونحفظ مصطلحاتهم، إنّهم ضد النزعة "الطقوسية و الخرافيّة و الغيَبوية والخياليّة والشعائرية.." وكل ما ينتهي بالياء والتاء باستثناء "نزعتهم السلطويّة" وما يتصل بها!

وعلى الدرجة نفسها من الوهم من يخال أنّ المقال يميل إلى فصل العزاء عن غاياته، ويقطعه عن أهدافه ويتجه نحو افراغه عن المحتوى، و يجرّده من القصديّة، لينتج عنه أنّه عادة لا عبادة، وتقليد اجتماعي، وشأن ثقافيّ.. أبداً، ليس هذا منشوداً، كما أنّ الرأي الأول غير مقصود، وإنّما الشأن كلّ الشأن هو تحكيم الدين، وتغليب الشرع، وذلك يعني أنّ فرضيّات الاجابة ثلاثة، والناس على طرفين، ووسط، فالطرفان: تفريطي وإفراطي، وقد أشير إليهما آنفاً، والوسط هو موقف الشرع.

إنّ البكاء وإقامة العزاء عموماً على سيد الشهداء-فيما يعتقد الشيعة قولاً واحداً- "فعلٌ" عبادي، و"نشاط" شرعي أيضاً فيما لو تحقّق فيه قصد القربة، فهو كسائر العبادات الأخرى: الصلاة والصيام والحج والزكاة.. وله ما لها، وفيه ما فيها.. ومثلما أنّ العبادات في الشرع مطلوبة لنفسها ولغيرها، وهي فعلٌ ونشاط، وطريق وموضوع، ووسيلة وغاية، بحسب اختلاف زاوية النظر، ودرجة الفاعل/العابد، كذاك الأمر في إقامة العزاء وشؤونه الأخرى.

 فالعزاء عبادة في ذاته، ومراسم إحياء عاشوراء "فعلٌ" مطلوب في نفسه.. لكن السؤال: لو نظر إليه باعتباره "نشاطاً" نوعيّا، وممارسة جماعيّة.. فلأيّ فعلٍ هذا النشاط يُطلب، وأي ثمر منه يرقب؟. له جملة آثار وثمار، ومقاصد وأهداف، وفوائد وغايات، وهي وافرة ومتنوعة، نقتصد على ثلاثة جوانب وأبعاد: الشرعي و الأخلاقي، والعقائدي.

 فالمقصد الشرعي يتمثّل في أنّه مصداق للتأسي، وأمثولة للاقتداء، وامتثال  للأمر الشرعي، وتحقيق لمطلوب ديني، وأداءٌ لأمرٍ ندبي، وتطبيق لحكم استحبابي، وهذا واضح.

 كما أنّ البعد الأخلاقي في اعادة استذكار أحداث الفاجعة هو ترسيخ أعمق القيم الأخلاقيّة، والدعوة إلى إحيائها وتأكيدها وإشاعتها؛ ذلك أنّ حدث الطف ليس من قبيل حكايات ألف ليلة وليلة.. وإنّما هو استعارة كاملة لمنظومة قيم- كان البشر وما يزال وسيبقى أحوج ما يكون لها- قوامها: الإيثار مقابل المنفعة، والثبات على المبدأ، مقابل التلوّن المصلحي، ورفض الظلم، مقابل الخنوع، والتعاطف مع المظلوم ونصرته.. وهكذا

وفي الجانب الديني والاعتقادي، أضف إلى أنّ الشعائر الحسينية تعبير صادق لمودة أهل البيت، وأداءٌ لحق ولايتهم علينا.. فهي أيضاً في التحليل الأخير لا تخلو من تقديم خدمة لمشروع اجتماعي/سياسي عالمي عظيم مرتقب، إنّه المشروع المهدوي العظيم، الذي يستحق أن تخاض له اللجج، وتسفك دونه المهج:" وبذل فيك مهجته ليستنقذ عبادك من الجهالة..".. والخدمة المنظورة التي يقدّمها إحياء عاشوراء في سياق المشروع المهدوي العظيم؛ هي ترويض النفوس، وتطهير القلوب، وخلق الاستعدادات، وتهيئة القابليات في البشر، لقبول الحق فيما لو ظهر.

ويمكنني القول: إنّ هذا البعد هو من أهم الأبعاد المغفول عنها، فقضية البشر أمام دعوات الأنبياء والأوصياء على طول التأريخ؛ ليست في غموض الحقّ، وخفاء طريق الهداية.. إنّما قضيّة الناس العصيّة، ومشكلتهم المستعصيّة هي الإرادة والعزيمة، وحاشا لله تبارك وتعالى أن يبخل على أوليائه بكل ما يوضح حقانية طريقهم، ويبرهن على صدق دعوتهم، لكن الشأن كل الشأن هو في الجحود والمكابرة، وتغليب المنفعة على المبدأ مما يحتاج فيه إلى ترويض النفوس على قبول الحق بعد انكشافه وجلائه، وكانت هذه المشكلة واضحاً جدّاً فيمن واجه الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء، وإنْ من حسنة تُكتب للملعون عمر بن سعد فهي صراحته في هذا السياق، وإقراره بالإثم (أم أصبح مأثوماً بقتل حسين) الكاشف عن إدراكه التام، وعلمه الكامل بحقانية الإمام، لكنّ إرادته حالت دون متابعة علمه.

والخلاصة: العزاء، والبكاء وسائر مراسم إحياء عاشوراء الثابتة هي وسيلة وهدف.. نشاط وفعل.. تماماً كما الصلاة، فمثلما هي خير موضوع وقربان كل تقي.. هي أيضاً تطلب وتؤدّى، وتمتثل وتؤتى؛ لتنهى عن الفحشاء والمنكر!

 

2021/08/26
’عادل العلوي’.. ميّت يوقظ الأحياء من سباتهم!

عادل العلوي.. منبّها!

يميّز الفلاسفة بين التنبيه والبرهان، بأنّ مجرى التنبيه ومورده هو كل ما يذكّر بالقضايا البديهية، وينبّه على المسائل الواضحة، وفي مقابل ذلك: البرهان، فمجره هو إقامة الحجّة على المسائل النظريّة التي يلفّها الغموض، والقضايا الفكريّة التي تفتقر إلى الإثبات؛ لذا قيل: إنّ ابن سينا كان يرمي إلى جامعية كتابه لمّا وضع عنوانه: الإشارات والتنبيهات!

[اشترك]

اكتشفت أنّ حاجة البشر إلى تذكّر الواضحات، والتنبّه للبديهيات-في معظم الأحيان- أكثر من حاجتهم إلى تعلّم ما يجهلونه، واكتساب ما لا يعرفونه.. ولا يقع لنا التنبّه اعتباطاً، ولا يحصل الالتفات جزافاً، وإنّما يأتي من مذكّر ومنبّه وموضّح، وهي ممارسة شاقّة، ومهمّة صعبة حتى قيل: توضيح الواضحات من أشكل المشكلات!

عالم البديهيات عالم مقدّس معرفيّاً، وغالباً ما نتوجس ممن ينكرون شيئاً منه، بينما الواقع أنّ الخشية على البديهيات لا تأتي من طرف المشكك فيها، والمنكر لها فقط.. وإنّما ممن يثبتها ويبرهن عليها أيضاً.. لأنّ ممارسة البرهان ستفترض أنّها في موضع شك.. لذا فالسبيل الوحيد هو توضيحها، و التنبيه عليها، والتذكير بها.

ليس لازماً أن يكون الإنسان حاضر البديهات، ومتوجه الذهن إليها.. فيحدث أن تصيبه الغفلة، ويفقد التركيز فتغيب عنه؛ لذا ذكر علماء المنطق (الانتباه) كواحد أسباب توجه النفس نحو البديهيات. مثلما يصدّر الباحث العلمي رسالته أو أطروحته بالافتراضات (وليس الفرضيات) فينبه  بها دون أن يبرهن عليها، على أنّ بحثه بما انطوى عليه من نتائج مستند إلى هذه المسلّمات.!

ولكل نطاق مسلّماته، كما عند كل فئة وجماعة واضحاتها.. كذا الأمر في الدين وعند المتدينين.. وتقع مهمة التنبيه عليها على الأنبياء والأوصياء ومن بعدهم العلماء (العلماء ورثة الأنبياء). عن أمير البلاغة: فبعث[الله] فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدوهم ميثاق فطرته. ويذكروهم منسي نعمته..ويثيروا لهم دفائن العقول .. وإثارة دفائن العقول لا يخلو من إشارة إلى التنبيه على البديهيات، وأوضح إشارة منه التعبير القرآني بالتذكير: )وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ( [الذاريات : 55].

ومثلما أنّ غياب الواضحات، والذهول عن البديهات له أسبابه، كذا التنبيه عليها والتذكير بها له أساليبه وأشكالها، فمنها: تكرارها، وقد قرأتُ مرّة أنّ أحد الفلاسفة كان ينصح الناس بقراءة عشر بديهيات يومياً.. ومنها: الإلفات إلى نقيضها.. ومنها: اعادة صياغتها بأسلوب مختلف، وطريقة مغايرة، ودونك مثال على ذلك:

فمَن من المؤمنين، والمتدينين لا يعرف أنّ الله تعالى: حرّم أكل التراب والطين، واستثنى منه تربة الحسين فأجازه بمقدار وشروط؟! ومن منّا يجهل وجوب قصر الصلاة، وحرمة إتمامها إلا في مواضع ومنها قبر الحسين؟! وهكذا نعرف جميعاً  كراهة الجزع في المصيبة، ورجحان الصبر عند النائبة (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة : 156] إلا على مصيبة الحسين...وهكذا سائر الاستثناءات الأخرى!

كل هذه قضايا واضحة عند المتدينين، وهي أشبه بالبديهيات الشرعيّة في القضيّة الحسينية.. لكن غاب عنّا أنّ هذه الاستثناءات تعني فيما تعني رفع اليد عن الشريعة، والتنازل عن الأحكام من قبل مشرّعها إكراماً لسيد الشهداء.. لقد غاب عنّا ذلك إلى أن قال المرحوم السيد عادل العلوي منبّهاً: "إنّ الله تنازل عن شريعته لخاطر الإمام الحسين"!، قال ذلك وهو يفسّر هذه الاستثناءات في مقطع فيديو قصير جداً ويترجمها بلغة أخرى، وأسلوب مختلف يعيد إليها دلالتها التكريمية، فرحم الله العلوي عالماً منبّهاً.

2021/08/26
عاشوراء.. مشروع استنقاذ من الموت!

يعرّف الطريحي الجهالة بأنّها موت القوة العاقلة، وفيما يلي ثلاث لقطات وصور من الواقع المعاصر، تحكي  بوضوح هذا الموت:

[اشترك]

(1)

هناك مقطع منشور على اليوتيوب يظهر فيه هولنديان يقومان بتغليف الكتاب المقدس بغلاف القرآن، ويقومان بقراءة بعض الجمل والعبارات منه للناس- وهؤلاء مسيحيون طبعاً- على أنّها من القرآن بينما هي في الواقع من الكتاب المقدّس!

يطلب الشابّان إبداء الرأي في النصوص التي اختاراها، ولقد أحسنا نوعاً ما اختيارها من الكتاب المقدس، فبعضها يتحدث عن العقوبة الشديدة على الشذوذ الجنسي (اللواط) وأنّ فاعله يُقتل، وأخرى تتعلق بوضع المرأة، وهكذا.

كانت جميع الإجابات رافضة بشدّة لمضامين تلكم الجمل. ورغم تنوّع عبارات الرفض والشجب والتي صاحبها دعوة المسلمين إلى ترك هذه الثقافة التي تتصادم مع القيم الغربية السائدة في تلكم المجتمعات..!، لكن الخيط الناظم لتعبيرات الرفض تلك هو أنّها كانت تصدر عن عاطفة مجرّدة عن العقلانيّة.!، ولقد شاهد هذه اللقطة من لقطات الجهالة بعض المسلمين، فاستبشر، وهلّل وكبّر، وحمد الله وأثنى عليه على نعمة العقل. لذا علينا أن نأخذ لقطة أخرى من قوم آخرين.

(2)

 قبل عشر سنين بالضبط -وللقصة شهود أحياء- جرى بيني وبين أحد المسلمين السنّة حوارٌ بشأن الموقف من معاوية بن أبي سفيان، وكان هذا السنّي قد قرّر أن موقفه الشخصي يتبع موقف أمير المؤمنين علي  من معاوية.. فقلتُ له: إذن تأسَ بأمير المؤمنين وقل في قنوت الصلاة: اللهم عليك بمعاوية وأشياعه.. ! فردّ الأخ السني بما يشبه النصّ: يا رجل تقرأ من كتاب نهج البلاغة، وهو كتاب شيعي، وتطلب منّي أن ألعن معاوية؟!!.. لكن سرعان ما صُدم حين عرف أن القنوت صحيحٌ، ومرويٌّ في أقدم المصادر، إنّه المصنّف في الأحاديث والآثار (ج2،ص108) لابن أبي شيبة(ت235هـ).

دعك من حكايتي، وجرّب أن تقول لمن يتيسّر لك التواصل معه من أهل السنة: إنّ قطرة واحدة من الدموع على أهل البيت كفيلة بأنّ يدخل الله صاحبها الجنّة!..

يمكن التنبأ بكل سهولة بردة فعله، ففي أحسن الأحوال سيكتفي بالتشكيك بالمقولة، ويردّها بوصفها من خرافات الشيعة.. وأنّ أهل السنة والجماعة أولى بالحسين(رضي الله عنه) من الشيعة ..! وبعد أن ينتهي من كلامه أخبره أنّك كنت تنقل نقلاً خبراً صحيحاً عن الإمام الحسين(ع) كتاب: فضائل الصحابة( ج2ص675ح1154 ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، الطبعة: الأولى، 1403 – 1983 ، تحقيق : د. وصي الله محمد عباس) ولفظه حرفيّاً هو: "مَنْ دَمَعَتَا عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً، أَوْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً، أَثْوَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ ".!

(3)

ربما ظنّ القراء أنني سأضفي العصمة على الشيعة، أو يحسب الشيعة أنفسهم أنّهم جميعاً حالة استثنائية، وليس الأمر كذلك. وهنا أذكّر بحكاية ليست بعيدة، إنّها حكاية جملة " الناس فقراء في الدنيا لا يهم.."، التي وردت على لسان ممثل المرجعية وخطيب الجمعة في كربلاء..، فلقد تناولتها الألسنة والأقلام باستخفاف، وهاجمتها أعداد ليست قليلة من الشيعة، وتمّ تداولها على نطاق واسع بسخرية واستهزاء..!، لكنّي أكاد أجزم أنّ الهجمة ذاتها كانت ستطال الخطيب ومقولته لو أنّه استبدل ألفاظ جملته آنفاً وقال:" لا يضرّكم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم"..!!، فالمضمون واحد، وما من فرق بين التعبيرين.. فما موقف المهاجمين، وما حيلتهم حين يكتشفون أنّ الهجمة كانت على كلمة من كلمات إمامهم  في نهج البلاغة(ج2،ص87)؟!.

والقاسم المشترك فيما بين هذه اللقطات آنفاً أنّها تعبيرات ومظاهر للموت الإنساني الأعظم..كتب الطريحي ما لفظه: الموت يقع بحسب أنواع الحياة: فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات..ومن أنواع الموت: زوال القوة العاقلة،وهي الجهالة..(انظر-مجمع البحرين،ص223). فالجهالة إذن، موت.. إنّها موت لا يشبه الموت الحيوي وتعطل الأعضاء، بل هي توقف العقل عن الأداء، وهو أعظم جهاز عند الإنسان.. ذلك هو الموت، وتلك هي الجهالة الذي بذل أبو عبد الله الحسين مهجته في سبيل استنقاذنا العباد منه:" وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذَ عبادك من الجهالةِ.."، إنّه مشروع الاستنقاذ من الموت الذي لا يشبهه موت!

 

 

2021/08/26
حان وقت السبيّ.. ما حقيقة ’تحيّر السيدة زينب’ عند ركوب الناقة؟

يتردَّد على الألسنة أنَّ مولاتنا السيدة زينب بنت علي عليها السلام نادت في اليوم الحادي عشر من المحرم من يركبني على ظهر ناقتي ويصور أنَّها قد أركبتها فضة بعد محاولات من الإمام زين العابدين (عليه السلام).

والسؤال: هل في كلِّ مرَّة تنزلُ من ناقتها ثم تريد الركوب وهي كثيرة جدًا يتكرَّر لها نفس المشهد أم ماذا، وهل ذكرت في المصادر الموثوقة؟

[اشترك]

إن المصادر المعتبرة في الجملة لم تتصدى لبيان كيفية ركوب نساء أهل البيت على النياق حين المسير بهنَّ من كربلاء إلى الكوفة، ومقدار ما ورد في ذلك هو مثل ما أفاده الشيخ المفيد في الإرشاد قال: " وأقام -عمر بن سعد- بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس، ثم نادى في الناس بالرحيل وتوجَّه إلى الكوفة ومعه بنات الحسين وأخواته، ومن كان معه من النساء والصبيان، وعليُّ بن الحسين فيهم وهو مريض .."(1).

وأفاد السيِّد ابن طاووس في اللهوف: "وأقام بقيَّة يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم رحل بمن تخلَّف عن عيال الحسين (عليه السلام) وحمل نسائه صلوات الله عليه على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء"(2).

وفي الحدائق الورديَّة قال: "ولما فرغ القوم من قتل الحسين (عليه السّلام) وأصحابه رضي الله عنهم، ساقوا حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما تُساق السبايا حتى بلغوا الكوفة"(3).

هذا وما يقربُ منه -يزيد قليلًا وينقص- هو المقدار الذي بيَّنته الكتب المعتبرة في الجملة لكيفيَّة انتقال نساء أهل البيت من كربلاء إلى الكوفة، فلم أجد في شيءٍ منها تفصيلًا لبيان كيفيَّة الركوب على النياق.

 

ما ورد في بعض الكتب غير المعتبرة:

نعم ورد في بعض كتب المتأخرين(4) أنَّ السيِّدة زينب (ع) والسيِّدة أم كلثوم (ع) توليتا إركاب النساء والأطفال بعد أنْ طلبت السيِّدة زينب من رجال معسكر ابن سعد الابتعاد فابتعدوا، عندها تقدَّمت السيِّدة زينب -ومعها أم كلثوم- وجعلتْ تُنادي كلَّ واحدة من النّساء باسمها، وتُركبها على المحمل، ثم أعانت السيِّدةُ زينب (ع) أختها السيِّدةَ أم كلثوم على الركوب، وبقيت هي لم تجد من يُعينها سوى الإمام زين العابدين (ع) فقام متوكِّئًا على عصا وأتى إلى عمّته، وثنى ركبته، وقال: اركبي، إلا أنَّه لشدَّة ما به من الضعف لم يقوَ على إركابها بل ارتعش وسقط على الأرض، فتحيَّرت السيِّدة زينب (ع) حيثُ لم تجد من يُركبها، فبينما هي كذلك وإذا بجاريةٍ سوداء مسنَّة قد أقبلت إلى زينب، فأركبتها، قال الراوي فسألتُ عنها، فقالوا: هذه فضّة جاريةُ فاطمة الزّهراء (عليها السّلام).

التعليق على ما أورده بعض المتأخرين:

هذا بعض ما أورده بعض المتأخرين دون أن يُحيلَ ما ذكره إلى مصدر معتبر، وتعليقًا على هذا الخبر نقول:

إنَّ ركوب الناقة -للرجال والنساء على حدٍّ سواء- لا يتمُّ عادةً إلا بعد أن تُناخَ الناقة وحينئذٍ يسهلُ ركوبها، وكذلك فإنَّ النزول مِن على الناقة لا يتمُّ إلا بعد أنْ تُناخ الناقة ولذلك لا يشقُّ على المرأة الركوب بنفسها عليها كما لا يشقُّ عليها النزول بنفسِها من عليها دون الحاجة إلى أنْ تستعينَ بغيرها خصوصًا في الظرف الذي لا تجدُ فيه المرأة العربيَّة -المعتادة على التنقُّل بهذه الوسيلة- مَن تَستعينُ به على ذلك، نعم قد تكون المسنَّة والمريض والصغيرة بحاجة للمعونة بمثل الاتكاء، على أنَّ من الممكن بل من المتعارف وضع شيءٍ -حجرٍ أو شبهه- إلى جانب الناقة تصعدُه المرأة ثم تصعدُ منه إلى ظهر الناقة.

فدعوى تحيُّر السيِّدة زينب (ع) حيثُ لم تجد مَن يُعينها على الركوب لا معنى لها سوى غفلة الناقل للخبر عن طبيعة الحياة العربيَّة، ثم إنَّ صاحب الخبر قد ذكر أنَّ السيِّدة زينب (ع) قد أعانت النساء والأطفال على الركوب، فهي إذن ليست من الضعف بحيث لا تقوى على الاستقلال بالركوب خصوصًا وأنَّ السنَّ الذي بلغته لا يحول دون ذلك، فهي لم تصل للعقد السادس من عمرها الشريف، ولو كانت فضَّة خادمةُ السيِّدة فاطمة (ع) معهم لكانت أكبر منها سنًّا بمقدارٍ بيِّنٍ، لعلَّه يصلُ إلى العقدين أو أقلَّ بقليل أو أكثر.

ثم إنَّه لم يتَّضح الوجه في صياغة الخبر بنحوٍ يُوحي أنَّ فضَّة لم تكن معهم وإنَّما ظهرتْ بعد أنْ تحيَّرت السيِّدة زينب (ع)، نعم قد تكون فضَّة معهم وركبت قبل السيِّدة زينب (ع) وحين لم تجدْ السيِّدة زينب (ع) من يُعينُها نزلت وأعانتها على الركوب لكنَّ ذلك خلاف ظاهر الخبر قال ما نصُّه: "وإذا بجاريةٍ مسنّة سوداء قد أقبلت إلى زينب، فأركبتها، فسألتُ عنها. فقالوا: هذه فضَّة جارية فاطمة الزّهراء عليها السّلام".

ولا معنى لذلك إلا افتراض أنَّ فضَّة كانت مشغولة بشأنٍ من الشؤون فحين أقبلت وجدتْ السيِّدة تبحثُ عمَّن يُعينها على الركوب فبادرت إلى ذلك. وأما افتراض أن لا تكون معهم في القافلة ثم أقبلت حين تحيَّرت السيِّدة زينب (ع) فلا وجه له سوى الإعجاز وهو مقبول لو ثبت الخبر.

وأيًّا كان فالصحيح أنَّ النساء قد ركبن بأنفسهنَّ على النياق وأعانت القويَّةُ منهنَّ مَن تضعُفُ عن الاستقلال بالركوب، وكذلك هو الشأن في النزول فإنَّ ذلك لا يشقُّ عليهنَّ في العادة خصوصًا وأنَّه ليس بينهنَّ مَن هي متقدِّمة في السنِّ، ثم إنَّ النياق المعدَّة للركوب والتنقُّل سهلةُ القياد بطبيعتها تستجيب لسائسها فتبرُك للنزول مِن عليها حين يُراد منها ذلك وتظلُّ باركةً إلى أنْ يستويَ راكبُها على ظهرها، فلا تقوم حتى يستحثَّها راكبُها أو سائقها على ذلك.


الهوامش:

1- الإرشاد -المفيد- ج2 / ص114، وقريب منه ما ورد في أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص206، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص348، مثير الأحزان -ابن نما الحلِّي- ص64.

2- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص84.

3- الحدائق الورديَّة- حميد بن أحمد المحلي - ج1 / ص215.

4- معالي السبطين -الحائري- الفصل 12 / المجلس الرابع / ص506.

2021/08/24
هل نُقل ’رأس الحسين’ من الشام إلى كربلاء؟

بعد مقتل سيد الشهداء (عليه السلام) وفصل الأعداء رأسه الشريف عن جسده فهل نُقل إلى الشام فعلاً؟

[اشترك]

إنّ المصادر التأريخية تثبت ذلك:

قـال سـبـط بـن الجـوزي فـي تـذكرة الخواص "...لمـّا أنـفـذ ابـن زيـاد رأس الحـسـيـن عليه السلام إلى يـزيـد بـن مـعـاويـة مـع الأسـارى، مـوثّقين في الحـبـال، مـنـهـم نـسـاء وصـبـيـان وصـبـيـّات مـن بـنـات رسـول اللّه (ص)، عـلى أقـتـاب الجـمـال، مـوثـقـيـن مـكـشـّفات الوجوه والرؤوس! وكلّما نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعـدّوه له، فـوضـعـوه عـلي رمـح وحـرسـوه طـول الليـل إلي وقـت الرحـيـل، ثـمّ يـعـيـدوه إلى الصـنـدوق ويـرحـلوا، فـنـزلوا بـعـض المنازل، وفي ذلك المنزل ديرٌ فيه راهب، فأخرجوا الرأس على عادتهم، ووضعوه على الرمح وحرسه الحرس على عادته، وأسندوا الرمح إلى الدير.

فـلمـّا كـان فـي نـصـف الليل رأى الراهب نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء! فأشرف على القوم وقال: من أنتم؟

قالوا: نحن أصحاب ابن زياد.

قال: وهذا رأس من!؟

قـالوا: رأس الحـسـيـن بـن عـليّ بـن أبـي طـالب، ابـن فـاطـمـة بـنـت رسول اللّه (ص)!

قال: نبيّكم!؟

قالوا: نعم!

قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولد لاسكنّاه أحداقنا!

ثم قال: هل لكم في شيء؟

قالوا: وما هو؟

قـال: عـنـدي عـشـرة آلاف ديـنـار، تـأخـذونـها وتعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة، وإذا رحلتم تأخذونه!

قالوا: وما يضرّنا!؟

فـنـاولوه الرأس، وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسله وطيّبه، وتركه علي فخذه، وقعد يبكي الليل كلّه! فلمّا أسفر الصبح قال: يا رأس! لا أملك إلاّ نفسي، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ جدّك محمّداً رسول اللّه، وأُشهد اللّه أنني مولاك وعبدك!

ثمّ خرج عن الدير وما فيه، وصار يخدم أهل البيت!

قـال ابـن هـشـام فـي السـيـرة: ثـمّ إنـهـم أخـذوا الرأس وسـاروا، فـلمـّا قـربـوا مـن دمـشـق قال بعضهم لبعض: تعالوا حتّى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منّا!

فـأخـذوا الأكياس وفتحوها، وإذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً! وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب: (ولا تحسبنّ اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون) الآية، وعلى الجانب الآخر: (وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقبلون) فرموها في بردى"(1) .

وروى الخـوارزمـي "وروي: أنّ رأس الحسين (ع) لمّا حـُمـل إلى الشـام، جـنَّ عليهم الليل فنزلوا عند رجلٍ من اليهودِ، فلمّا شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين!

فقال لهم: أروني إيّاه!

فـأروه إيـّاه بـصـنـدوق، يـسـطـع مـنـه النـور إلى السـماء! فعجب اليهودي، واستودعه منهم فـأودعـوه عـنـده، فـقـال اليـهـودي للرأس ـ وقـد رآه بـذلك الحـال ـ: إشـفـع لي عـنـد جـدّك! فـأنـطـق اللّه الرأس وقال: إنّما شفاعتي للمحمّدييّن، ولستَ بمحمّدي!

فـجـمـع اليـهـودي أقـرباءه، ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست، وصبّ عليه ماء الورد، وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثم قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد!

ثـمّ قـال: وا لهـفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأُسلم على يديه! ثمّ والهفاه! لم أجدك حيّاً فأُسلم على يديك وأقاتل دونك! فلو أسلمت الآن أ تشفع لي يوم القيامة؟

فأنطق اللّه الرأس، فقال بلسان فصيح: إن أسلمتَ فأنا لك شفيع!

قالها ثلاث مرّات، وسكت، فأسلم الرجل وأقرباؤه!

وقال الخوارزمي: لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب ((قنسرين)) لأنه أسلم بسبب رأس الحسين (ع)، وجـاء ذكـره فـي الأشـعـار، وأورده الجـوهري والجرجاني في مراثي الحسين كما سيرد عليك في موضعه إن شاء اللّه." (2) .


الهوامش:

 (1) تذکرة الخواص: 236 ـ 237 / وقد روي قطب الدين الراوندي (ره) بسند إلي سليمان بـن مـهـران الاعـمـش هذه القصّة بتفاوت، ولم يذکر مکان وقوعها، وذکر فيها أنّ أمير الرکب کان عـمـر ابـن سـعـد! (راجـع: الخـرائج والجـرائح: 2:577 ـ 580 رقـم 2) وقـد قال الشيخ عباس ‍ القمّي (ره): "أقول: الذي يظهر من التواريخ والسير أنّ عمر بن سعد لم يکن مع القوم في سيرهم الي الشام، فکونه معهم بعيد..". (نفس المهموم: 424).

 (2) مقتل الحسين (ع) للخوارزمي: 2 :115 ـ 116 رقم 49.

2021/08/22
ما حقيقة قتل الشيعة للإمام الحسين (ع)؟!

ما هو ردُّكم على مَنْ يدَّعي أنَّ مَنْ قتل الحسين (ع) هم الشيعة؟

[اشترك]

لم يكن فيمَن ساهم في قتل الحسين (ع) أحدٌ مِن الشيعة، فإنَّ لمفهوم التشيُّع معنىً واضحاً ومحدَّداً ولم يكن هذا المفهوم ينطبق على واحدٍ ممَّن شارك في قتل الحسين (ع) فضلاً عن دعوى أنَّ كلَّ مَنْ شارك في قتلِه كان مِن الشيعة.

فهذه الدعوى تُعدُّ جناية على التاريخ ومجافاة للحقيقة وتضليلاً للرأي العامّ، ولا يخفى على كلِّ مَنْ له أدنى معرفةٍ بوقائع التاريخ أنَّ منشأ هذه الدعوى هو الأضغان الكامنة في القلوب والحيرة في تفسير واقعٍ استعصى على القوم تبريره بما يتناسب والمتبنَّيات التي تمسَّكوا بها وجهدوا مِن أجل الانتصار لها فجنحتْ بهم عن الحقِّ فظهروا في مظهرٍ يأبى كلُّ عاقلٍ أنْ يظهرَ به، فلا لمآربِهم بلغوا ولا بصوابهم احتفظوا، فهُم  النحل: 92. ( ... كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ... ) 1.

فتلك كمائنُ القلوب لا تدعُ لواجدِها سبيلاً لإخفائها، ورغم ذلك فنحن سنجيبُ عن هذه الشبهة وذلك بواسطة إيقاف القارئ الكريم على هويَّة مَنْ شارك في قتل الحسين الشهيد (ع) فنقول إنَّه يمكن تصنيفهم إلى أربع طوائف:

الطائفة الأولى

كانوا مِن الخوارج أو مَن ينحو نحوهم في الاعتقاد بخروج الحسين (ع) عن الإسلام أو أنَّه كان مُخطئاً وعاصياً 2 -والعياذ بالله-، ويتَّضح ذلك مِن ملاحظة كلمات بعض مَنْ شارك في المعسكر الأمويِّ الذي قاتل الحسين (ع) يوم العاشر، ونذكرُ لذلك بعض النماذج:

 

النموذج الأوَّل

ما ذكره ابنُ الأثير في الكامل وذكره آخرون أيضاً أنَّ القوم لمَّا أقبلوا يزحفون نحو الحسين (ع) كان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي، فصاح أفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحابُ الحسين (ع): هذا الحسين فما تُريد منه؟ قال: يا حسين أبشر بالنار، قال الحسين (ع): كذبتَ بل أقدِمُ على ربٍّ غفورٍ كريم مُطاعٍ شفيع فمَن أنت؟ قال: أنا ابن حوزة فرفع الحسينُ (ع) يديه حتَّى بانَ بياض إبطيه وقال: اللهمَّ حزه إلى النار، فغضب ابنُ حوزة وأقحم الفرس إليه..." 3.

هذا نموذج يُعبِّر عن رأي بعض مَن كان في معسكر عمر بن سعد في الحسين (ع) وأنَّه بنظرهم مستحقٌّ للنار. وليس ثمَّة أحدٌ مِن المسلمين يرى هذا الرأي سوى الخوارج ومَن ينحو نحوهم.

النموذج الثاني

ما ذكره ابنُ كثير في البداية والنهاية قال : "وكان عمرو بن الحجَّاج -وهو مِن القوَّاد في المعسكر الأمويِّ الذي قاتل الحسين (ع) - قال لأصحابه يوم العاشر : "قاتلوا مَن مَرق عن الدين وفارق الجماعة، فصاح الحسينُ (ع) : "ويحك يا عمرو أعليَّ تُحرِّض الناس؟ أنحن مَرقنا مِن الدين وأنت تُقيمُ عليه؟ ستعلمون إذا فارقتْ أرواحُنا أجسادَنا مَن أولى بصليِّ النار" 4.

وهذا النموذج أبلغُ مِن الأوَّل حيثُ صرَّح فيه ابنُ الحجَّاج عن رأيه في الحسين (ع) وأصحابه وأنَّهم مَرقوا مِن الدين، ويبدو أنَّ هذا الشعار كان يستهوي القوم وإلاَّ لما استعمله ابنُ الحجَّاج لتحفيز العزائم، وهو ما يُعبِّر عن أنَّ شريحةً كبيرة في المعسكر الأمويِّ كانت ترى هذا الرأي في الحسين (ع).

النموذج الثالث

ما ذكره الطبريُّ في تاريخه : وروى عن الضحَّاك المشرقي قال: لمَّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرمُ في الحطب والقصَب الذي كنَّا ألهبنا فيه النار.. إذ أقبل رجلٌ يركضُ على فرسٍ كامل الأداة.. فنادى بأعلى صوته: "يا حسين استعجلتَ النار في الدنيا قبل نارِ القيامة" فقال الحسين (ع): "مَن هذا كأنَّه شمرُ بن ذي الجوشن فقالوا: نعم أصلحك الله هو هو..." 5.

وهذا النموذج يُعبِّر عمَّا ذكرناه مِن أنَّ رأي بعض مَن شارك في قتل الحسين (ع) هو رأي الخوارج.

النموذج الرابع

وروي عن الضحَّاك بن عبد الله المشرقي قال: "فلمَّا أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كلَّه يُصلُّون ويستغفرون ويدعون ويتضرَّعون قال: فتمرُّ بنا خيلٌ لهم تحرسنا وأنَّ حسيناً ليقرأ : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... ) 6 فسمعها رجلٌ مِن تلك الخيل التي كانت تحرسُنا فقال: نحن - وربِّ الكعبة- الطيِّبون ميَّزنا منكم..." 7 وهذا النموذج يُعبِّر عن أنَّ بعض مَنْ كان في المعسكر الأموي يرون أنَّهم على صوابٍ في موقفِهم وأنَّهم الطيِّبون وأنَّ مَنْ يواجهونهم هم الخبيثون وهو ما يُعبِّر عن رؤيتهم في قتل الحسين (ع) وأنَّه مِن الطاعات والقُربات.

النموذج الخامس

قال حميد بن مسلم: "... فلمَّا رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي قال للحسين (ع): يا أبا عبد الله نفسي لك الفداء... وأحبُّ أنْ ألقى ربِّي وقد صلَّيتُ هذه الصلاة التي دنا وقتُها قال: فرفع الحسينُ رأسَه ثمَّ قال: ذكرتَ الصلاة جعلَك الله مِن الذاكرين نعم هذا أوَّل وقتها ثمَّ قال: سلوهم أنْ يكفُّوا عنَّا حتَّى نُصلِّي فقال لهم الحصين بن تميم : إنَّها لا تُقبل فقال له حبيب بن مظاهر: لا تُقبل! زعمتَ الصلاة مِن آل رسول الله لا تُقبل..." 8.

هذا نموذج آخر يُعبِّر عن رأيهم في الحسين (ع) وموقفِه.

النموذج السادس

ما رواه الطبري أنَّ حميد بن مسلم قال: ثمَّ أنَّ عمر بن سعد نهض إليه عشيَّة الخميس لتسعٍ مضينَ مِن المحرَّم ونادى: يا خيلَ الله اركبي وأبشري..." 9.

وهذا النصُّ مِن أبلغ النصوص على ما ندَّعيه، فعمرُ بن سعد وإنْ لم يكن يعتقدُ بما يقول إلاَّ أنَّه استخدم هذا الشعار لتعبئة جيشِه واستنهاض عزائمِهم لمعرفتِه بما انطوت عليه ضمائرُهم مِن اعتقادٍ بأنَّ حرب الحسين (ع) يقعُ في سياق الطاعات والقُربات، وليس مَنْ يعتقد ذلك إلاَّ الخوارج أو مَنْ ينحو نحوهم.

وثمَّة نماذجُ أخرى يقفُ عليها مَن يطَّلع على المصادر التي تصدَّت لبيان تفاصيل مقتل الحسين (ع).

الطائفة الثانية

كانوا ممَّن غرَّتهم الدنيا وطمعوا في الحظوة مِن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، وهؤلاء وإنْ كان منهم مَن يعرف مقام الحسين (ع) وأنَّه لا يحلُّ لهم استباحةُ دمه إلاَّ أنَّهم لا يكترثون بذلك، ويمكن الاستشهاد لذلك بمجموعة مِن المواقف التي ذكرها المؤرِّخون:

الموقف الأوَّل

ما ذكره الطبريُّ وابنُ الأثير في الكامل و أحمدُ بن أعثم الكوفي في فتوحه، وغيرهم : "إنَّ عمر بن سعد تقدَّم نحو عسكر الحسين (ع) ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنِّي أوَّل مَن رمى، ثمَّ رمى الناس..." 10.

هذا الموقف يُعبِّر أبلغ تعبير عن مدى حرص ابن سعدٍ على أنْ يكون في الموقع القريب مِن ابن زياد، وأيُّ شيءٍ يبتغيه ابن سعد مِن ذلك غير الدنيا التي توهَّم أنَّ أزمَّتها بيد ابن زيادٍ وأميره يزيد بن معاوية، فهو يخشى أنْ يتَّهمه ابنُ زياد بالتلكُّؤ ويطمح بأنْ يبلغ أكمل الرضا بموقفِه هذا.

ولذلك بالغ في أنْ يتمثَّل أوامر ابن زياد على أكمل وجه، حيث أمره فيما أمره : "أمَّا بعد... فإنْ قُتل حسينٌ فأوطئ الخيل صدرَه وظهره ولستُ أرى أنَّه يضرُّ بعد الموت ولكن عليَّ قولٌ قلتُه لو قتلتُه لفعلتُ هذا به فإنْ أنتَ فعلتَ هذا به جزيناك جزاءَ السامع المطيع، وإنْ أبيتَ فاعتزل عملنا..." 11.

وقد امتثل ابنُ سعدٍ ذلك، فقد ذكر المؤرِّخون، منهم الطبري وابنُ الأثير : "ونادى ابنُ سعد ألا مَن ينتدب إلى الحسين فيوطئ الخيل صدرَه وظهرَه فقام عشرة... فداسوا بخيولِهم جسدَ الحسين (ع) ثمَّ أمر بقطع رأسه ورؤوس أصحابه وسرَّح بهم إلى ابن زياد..." 12 .

كلُّ ذلك كان حرصاً مِنه على الدنيا وخشيةً مِن زوال حُطامها مِنه. ولقد ذكر المؤرِّخون الحوار الذي دار بين ابن سعد وابن زياد حيث كان قد أمَّره على أربعة آلاف يسير بهم إلى "دستبي" لأنَّ الديلم قد غلبوا عليها وكتب له عهداً بولاية الري وثغر دستبي والديلم، فلمَّا بلغ الحسين (ع) كربلاء أمرَه بأنْ يخرج بالجيش إلى كربلاء فاستعفاه فاستردَّ ابن زياد العهد مِنه واستمهله ليلته... وعند الصباح أتى ابنَ زياد وقال: إنَّك ولَّيتني هذا العمل وسمع به الناس فأنفذني له وابعث إلى الحسين مَن لستُ أغنى في الحرب مِنه، فقال ابنُ زياد لستُ أستأمرك فيمَن أُريد أنْ أبعث فإنْ سرتَ بجندنا وإلاَّ فابعثْ إلينا عهدنا فلمَّا رآه مُلحَّاً قال إنِّي سائر" 13.

الموقف الثاني

ذكره ابن الأثير في الكامل قال: قال مسروقُ بن وائل الحضرمي: "كنتُ في أوَّل الخيل التي تقدَّمتْ لحرب الحسين لعلِّي أُصيب رأسَ الحسين (ع) فأحظى به عند ابنِ زياد..." 14.

الموقف الثالث

ما ذكره الطبري أنَّ خولِّي جاء برأس الحسين (ع) إلى القصر فوجد باب القصر مُغلقاً فأتى منزله فوضعه تحت أُجَّانه، وكانت له زوجة اسمها النوار بنت مالك فقالت له ما الخبر؟ ما عندك؟! قال خولِّي: "جئتُكِ بغنى الدهر، هذا رأسُ الحسين معكِ في الدار..." 15.

الموقف الرابع

ذكر ابنُ عبد البر في الاستيعاب أنَّ خولِّي بن يزيد الأصبحي 16 جاء بالرأس الشريف إلى ابن زياد وقال له:

املأ ركابي فضَّةً أو ذهبـا إنِّي قتلتُ السيِّد المحجَّبــا وذكر ابنُ الأثير أنَّ الذي قال ذلك هو سنان بن أنس 17، وفي كشف الغمَّة 18 وكتاب الفتوح 19 هو بشر بن مالك، وفي بعض المصادر أنَّ القائل هو الشمر 20.

الموقف الخامس

ذكره الخوارزمي في مقتل الحسين (ع) أنَّ الذين وطأوا جسد الحسين (ع) وهم عشرة أقبلوا إلى ابن زياد يقدمُهم أُسيد بن مالك وهو يرتجز:

نحن رضننا الصدرَ بعد الظهر بكلِّ يَعبوبٍ شديد الأسـر 21 فأمر لهم بجائزة يسيرة.

الموقف السادس

ذكره الطبريُّ وجمعٌ مِن المؤرِّخين قال: " ولمَّا قُتل الحسين بن عليٍّ (ع) جيء برأسه وبرؤوس مَن قُتل معه مِن أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميمُ بسبعة عشر رأساً وجاءت بنو أسد بستَّة أرؤس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس فذلك سبعون رأساً..." 22.

تقسيم الرؤوس بهذه الطريقة يُعبِّر عن حرص القبائل التي شاركتْ في قتل الحسين (ع) على أنْ تحظى بالرضا مِن ابن زياد.

وكيف يكون هؤلاء مِن الشيعة؟! هل لأنَّهم مِن الكوفة أو لأنَّهم كانوا في جيش عليٍّ (ع) عندما كان خليفة؟

سيتَّضح فيما سنذكرُه لاحقاً أنَّ أكثريَّة أهل الكوفة لم يكونوا مِن الشيعة آنذاك وأنَّ مشاركة الكثير مِنهم في جيش عليٍّ (ع) منشؤه أنَّ عليَّاً (ع) كان في موقع الخلافة.

الطائفة الثالثة

كانوا ممَّن يحملون ضغناً وحقداً على الحسين (ع) فكانت مشاركتُهم بدافع التشفِّي والانتصار لأضغانٍ كانوا يكتوون بها.

ويمكن الاستشهاد لذلك بمجموعة مِن المواقف تناقلتها كتبُ التأريخ:

النموذج الأوَّل

ما ذكره الطبري وغيرُه أنَّ عليَّ بن الحسين الأكبر لمَّا كان في المعركة أبصره مُرَّة بن منقذ العبدي فقال: "عليَّ آثام العرب إنْ لم أُثكل أباه به فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلقَ هامتَه" 23.

هذا الموقف كما تلاحظون يُعبِّر عن مستوى الغيظ الذي يحمله هذا الرجل على الحسين (ع)، فكان الدافع مِن اغتياله لعليٍ الأكبر (ع) هو إدخال الحزن والأسى في قلب الحسين (ع) .

النموذج الثاني

ذكره الطبري وآخرون أنَّ شمر بن ذي الجوشن حمل حتَّى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى عليَّ بالنار حتى أحرقَ هذا البيت على أهله، قال فصاح النساء وخرجن مِن الفسطاط، قال: وصاح به الحسين يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! حرَّقك الله بالنار 24.

ولم يكن عمر بن سعد أحسن حالاً مِن الشمر، فقد أمر كما يذكر الطبري 25 وغيره 26 بإحراق خيم الحسين (ع) فأُحرِقت. ولا أظنُّ أنَّنا بحاجة للتعليق على هذا الموقف فَقَدْ فَقَدَ القومُ صوابَهم فأخذوا يُعبِّرون بأقبح تعبير عمَّا اكتوت به ضمائرهم من الغِلِّ .

النموذج الثالث

ذكر الفتال النيسابوري في روضة الواعضين:"أنَّ الحسين جعل يطلبُ الماء وشمر يقولُ له والله لا ترده أو ترد النار، فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنَّه بطون الحيَّات! والله لا تذوقُه أو تموت عطشاً، فقال: الحسين اللهمَّ أمتْه عطشاً" 27.

هذه بعض النماذج المُعبِّرة عمَّا كان يُكنُّه قتلةُ الحسين (ع) مِن حقدٍ بلغ مداه فأفصحتْ عنه قسوةٌ لم يعرفِ التأريخُ لها نظير، فلم تكن بشاعةُ ما ارتكبوه تُكافئ مقدار ما انطوت عليه قلوبُهم، فكلَّما أوغلوا في القسوة وجدوا أنَّ غليلَهم يزداد التهاباً، فعمد بعضُهم إلى أطفالِ الحسين (ع) يذبحونهم ذبحاً 28، وقصد آخرون جسدَه الذي أعياه النزف لينهالوا عليه بسيوفهم وهو صريع 29، فلم يكن لها مِن أثرٍ غير أنَّ وقعها يُبلسم أرواحَهم المهترئة فكان بعضُهم يركله برجله 30، وآخر يقطع إصبعه 31، وثالث يحزُّ معصمَه 31، ورابعٌ يقطع رأسَه 32، وخامسٌ يسلبُ ثيابه 33، وآخرون يوطئون الخيل ظهرَه وصدره 21 ولم يجد بعضُهم غير الحجارة يرضخونَ بها جسدَه 34.

فما وجدوا لكلِّ ذلك رِواءً لغليلهم فقصدوا حرمه وروَّعوا بناته ونساءه بعد أنْ أحرقوا خيامه وسلبوا متاعه، فكانوا يسلبون النساء الملاحفَ من على ظهورهن، ويعدو آخرون بخيولهم خلف أطفال الحسين (ع) ليطأوهم بحوافرها.

فأيُّ منصفٍ يقفُ على كلِّ هذه المشاهد ثمَّ يجرؤ فينسب هؤلاء إلى شيعة الحسين (ع)، هؤلاء لم يكونوا يتديَّنوا بدين كما أفاد الإمام الحسين (ع) حينما قصدوا رحلَه وحالوا بينَه وبين أهلِه: "ويلكم إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا في أمر دنيا كم أحراراً ذوي أحساب..." 35.

الطائفة الرابعة

كانوا ممَّن استبدَّ بهم الخوف مِن بطش يزيد وعُبيد الله بن زياد، ونذكر لذلك بعض الأمثلة:

الأوَّل

ما ذكره الدينوري في الأخبار الطوال قال: إنَّ ابن زياد بعث إلى الحُصين بن نُمير وحجَّار بن أبجر وشمرَ بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وأمرهم بمعاونة ابن سعد فاعتلَّ شبث بالمرض فأرسل إليه أنَّ رسولي يُخبرني بتمارضِك وأخافُ أنْ تكون مِن الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنَّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنَّا معكم إنَّما نحن مستهزئون ، فإنْ كنت في طاعتنا فأقبِل مسرعاً فأتاه بعد العشاء لئلاَّ ينظر إلى وجهه فلا يجدُ عليه أثر العلَّة ووافقه على ما يريد 36.

الثاني

روى ابنُ سعد في طبقاته وقال: لمَّا سرَّح ابنُ زياد عمرَ بن سعد أمر الناس فعسكروا في النُخيلة، وأمر أنْ لا يتخلَّف أحد منهم وصعد المنبر فقرَّض معاوية... ثمَّ قال فأيَّما رجلٍ وجدناه بعد يومنا هذا متخلِّفاً عن العسكر برئت منه الذمَّة... ثمَّ خرج ابنُ زياد فعسكر... ثمَّ إنَّ ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث وأمر القعقاع بن سويد بالتطواف بالكوفة فوجد رجلاً مِن همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة فأتى به ابن زياد فقتلَه فلم يبقَ محتلمٌ إلاَّ خرج إلى العسكر بالنُخيلة 37.

هذا النصُّ ونصوصٌ أخرى كثيرة تُعبِّر عن أنَّ واحداً مِن دوافع المُساهمة في حرب الحسين (ع) هو الهلَع الذي انتاب جمعاً مِن أبناء الكوفة مِن بطش ابن زياد ولم يكن هؤلاء مِن الشيعة بل كانوا ممَّن يطمع في العافية، فلو كانت بجنب الحسين لوقفوا معه، ولأنَّها كانت بجانب عُبيد الله بن زياد آثروا أنْ يقفوا معه طمعاً في العافية رغم يقينَهم بعدم لياقتِه للإمارة ورغم إدراكِهم بجدارة الحسين (ع) للزعامة والرياسة.

فهؤلاء لم يكونوا مِن الشيعة، إذ أنَّ الشيعة هم مَن اعتقدوا إمامة الحسين (ع) وأنَّه مفترض الطاعة مِن الله وأمَّا مجرَّد الميل الذي يكنُّه بعضُهم للحسين (ع) أو اعتقادهم بلياقتِه لإدارة شؤون الحكم فهو لا يُعبِّر عن تشيُّعهم وإلاَّ كان أكثر المسلمين في عصر يزيد بن معاوية مِن الشيعة، وهذا ما لا يلتزمُ به مثيروا هذه الشبهة.

وأمَّا أنَّ كثيراً مِن أبناء الكوفة كانوا قد راسلوا الحسين (ع) ووعدوه بالمؤازرة فهذا وإنْ كان قد وقع إلاَّ أنَّ ذلك لا يُعبِّر عن إيمانهم بإمامة الحسين (ع) بالنحو الذي يؤمنُ به الشيعة، وإنَّما لأنَّهم وجدوا في سياسة معاوية معهم قسوةً وضيقاً ولم يكن بنظرهم أحد قادراً على تخليصهم مِن سطوة بني أميَّة سوى الحسين (ع)، ذلك لأنَّهم قد عرفوا أنَّ الحسين (ع) قد رفض أشدَّ الرفض دعوة معاوية لمبايعة يزيد على ولاية العهد 38 ثمَّ رفض البيعة ليزيد بعد هلاك معاوية وخرج مِن المدينة إلى مكَّة الشريفة مُعلناً رفضَه للبيعة، كما أنَّهم يُدركون التقدير الذي يحظى به الحسين (ع) في قلوب الناس نظراً لقرابتِه مِن رسول الله (ص) ونظراً لسجاياه المتميِّزة، فهذا هو ما برَّر اختياره دون غيره مِن الصحابة، فالحسينُ (ع) بنظرهم أليقُ الناس بمنصب الخلافة مِن بني أميَّة وأنَّه لو استلم الحكم لسار فيهم بالعدل والإحسان.

وذلك لا يُعبِّر عن إيمانهم بإمامته بالمعنى الذي يُؤمن به الشيعة، فالتشيُّع لا يعني الحبَّ للحسين ولأهل البيت (ع) كما لا يعني الإدراك أو الاعتقاد بأنَّ الحسين أليق بالخلافة مِن يزيد ومِن بني أميَّة وإلاَّ لكان أكثر المسلمين شيعة.

نعم التشيُّع يعني الاعتقاد بأنَّ الحسين (ع) هو الإمامُ المفترض الطاعة مِن قبل الله وأنَّه الأليقُ بمنصب الخلافة على الإطلاق بعد أخيه الحسن (ع) وبعد أبيه عليِّ بن أبي طالب (ع)، وأنَّ رسولَ الله (ص) هو الذي أخبر عن الله بأهليَّته وباستحقاقِه لذلك كما أخبر عن أهليَّة واستحقاق أبيه عليِّ بن أبي طالب (ع) وأخيه الإمام الحسن (ع) .

هذا هو معنى التشيُّع وهذا ما يؤمن به الشيعة، ولا يوجد أيُّ نصٍّ تاريخي يُشير إلى أنَّ الذين شاركوا في قتل الحسين (ع) هم ممَّن يؤمنُ بذلك بل إنَّ النصوص التاريخيَّة صريحةٌ في غير ذلك كما اتَّضح بعض ذلك ممَّا بيَّنَّاه.


الهوامش:

1. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 92، الصفحة: 277.

2. فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج 1 ص 265/ درر السمط في خبر السبط - ابن الأبار - ص 42.

3. الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 66 / إكمال الكمال - ابن ماكولا - ج 2 ص 571/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 328/ البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 196/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 127.

4. البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 197/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 67/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 19/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 263.

5. كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 97/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 322/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 116.

6. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 178 و 179، الصفحة: 73.

7. كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 99/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 319/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 112/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 95.

8. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 334/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 70/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 142/ أبصار العين في أنصار الحسين (ع) - الشيخ محمد السماوي - ص 120.

9. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 315/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 89/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 183/ الكامل - عبد الله بن عدي - ج 6 ص 210/ الإصابة - ابن حجر - ج 1 ص 362/ البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 190/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 104.

10. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 326/ مثير الأحزان - ابن نما الحلي - ص 41/ كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 100/ اللهوف في قتلى الطفوف ? السيد ابن طاووس - ص 60/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 101/ الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - ص 554.

11. روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 183/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 88/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 247/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 314/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 56/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 102.

12. الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 80/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 189/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 113/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 347/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 202/ الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - ص 558.

13. الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 53/ تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 45 ص 50/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 310/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 95.

14. الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 66/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 328/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 126.

15. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 348/ مقاتل الطالبيين - أبو الفرج الأصفهانى - ص 79/ شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي - ج 3 ص 155/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 112/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 217.

16. ذكره صريحا ابن عبد البر في الاستيعاب ج 1 ص 393 وممن صرحوا بذلك كتاب نظم درر السمطين - الزرندي الحنفي - ص 216 و الإكمال في أسماء الرجال - الخطيب التبريزي - ص 44 و تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 14 ص 252 و ابن الاثير في أسد الغابة ج 2 ص 21 و تهذيب الكمال - المزي - ج 6 ص 428 و الطبراني في معجمه الكبير راجع المعجم الكبير - الطبراني - ج 3 ص 117 وكذلك الوافي بالوفيات للصفدي - ج 13 ص 273.و ترجمة الإمام الحسين (ع) - من طبقات ابن سعد - ص 75.

17. مآل ابن الاثير إلى انه خولي بن يزيد وذكر قولاً آخر أنَّه سنان بن انس راجع أسد الغابة - ابن الأثير - ج 2 ص 21 الا انه في الكامل صرّح بأنه سنان بن انس راجع الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 79، واما المناقب لابن شهر آشوب في ج 3 ص 260 صرح بأنه سنان بن انس نقلاً عن الطبري واما الطبري فقد عبّر انه رجل من مدحج راجع تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 293وفي موطن آخر قال انه سنان بن انس تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 347 وهذا عين ما ذكره ابن كثير راجع البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 205.

18. كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي - ج 2 ص.262.

19. كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 120.

20. نُسب هذا البيت إلى شمر بن ذي الجوشن في كتاب شرح المقامات للشريشي ج1 ص193، ولم ينسب له في أكثر المصادر التاريخية، واحتمل بعض المحققين أن منشأ النسبة هو الاشتباه لخطأٍ وقع من بعض النسّاخ حيث ورد في بعض النصوص التاريخية أن الحسين (ع) قتله شمر بن ذي الجوشن وأجهز عليه خولِّي بن يزيد الاصبحي من حمير حزَّ رأسه وأتى به عُبيد الله بن زياد وقال شمرا: (أوقر ركابي فضة أو ذهبا...) وهو خطأٌ، والصحيح انه قال شعرا أي أن خولِّي قال شعرا، إذ لو كان القائل هو الشمر لكان في موقع الفاعل وهو يقتضي الرفع وليس النصب.

21. a. b. مثير الأحزان - ابن نما الحلي - ص 60/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 59/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 304/ اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس - ص 80/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 80/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 189/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 113/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 59/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 347.

22. مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 259/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 62/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 307/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 358/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 92/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 233.

23. مقاتل الطالبيين - أبو الفرج الأصفهانى - ص 76/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 106/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 340/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 163/ الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - ص 555.

24. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 334/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 141.

25. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 334.

26. مثير الأحزان - ابن نما الحلي - ص 58/ لواعج الأشجان - السيد محسن الأمين - ص 194/.

27. الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 221/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 185/ الثاقب في المناقب - ابن حمزة الطوسي - ص 341.

28. الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي - ص 402/ مختصر بصائر الدرجات - الحسن بن سليمان الحلي - ص 187/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 53 ص 14/ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 135/ تاريخ اليعقوبي - اليعقوبي - ج 2 ص 244/ بيع المودة لذوي القربى - القندوزي - ج 3 ص 78/ مقاتل الطالبيين - أبو الفرج الأصفهانى - ص 60/ البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 196.

29. البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 196/ / الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 135.

30. كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 119/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 299.

31. a. b. كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 6 ص 244/ مثير الأحزان - ابن نما الحلي - ص 58/ مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 4 ص 78/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 301.

32. تاريخ اليعقوبي - اليعقوبي - ج 2 ص 244/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 346/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 ص 258/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 78/ كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 120.

33. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 346/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 78/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 200/.

34. العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 273/ تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 339/ البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 200/ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي - ص 155.

35. تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 ص 344/ البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 ص 203/ اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس - ص 71.

36. الأخبار الطوال - الدينوري - ص 254/ كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج 5 ص 89/ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 ص 386/ العوالم، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - ص 237/.

37. الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج 6 ص 23.

38. فتح الباري - ابن حجر - ج 8 ص 442/ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 3 ص 508- 509/ الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني - ج 1 ص 160.

 

2021/08/21
2021/08/21
ما هو مصير رأس الإمام الحسين.. أين دُفن؟

إن لعلمائنا الأعلام قولين مشهورين في دفن رأس الإمام الحسين عليه السلام.

[اشترك]

فأما القول الأول، فهو رجوع الرأس إلى كربلاء المقدسة، وهو الرأي القائل بإلحاق الرأس بالجسد الشريف الذي يذهب إليه كل من: الشيخ الصدوق، والسيد المرتضى، والسيد إبن طاووس ـ قدس الله أسرارهم ـ وغيرهم، عن غير المعصوم، ويفهم من كلام إبن نما الحلي ـ كما سيأتي ذكره ـ اشتهاره لدى الشيعة الإمامية، ونستعرض فيما يلي ما ورد في هذا الموضع.

1-أورد الصدوق (قدس) في الأمالي: ص231: بإسناده عن فاطمة بنت علي، قالت: ثم إن يزيد ـ لعنه الله ـ أمر بنساء الحسين عليه السلام ، فحبسن مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبسٍ لا يكنهم من حر ولا قر؛ حتى تقشرت وجوههم، ولم يرفع في بيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء، كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين إلى كربلاء.

 2-سئل السيد المرتضى قدس سره: هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله عليه السلام إلى الشام صحيح؟ و ما الوجه في ذلك؟ فأجاب قدس سره: ((هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف، وأطبقوا عليه، وقد رووا أيضاً أن الرأس أعيد بعد حمله إلى هناك، ودفن مع الجسد بالطف)) [رسائل المرتضى: ج3، ص130].

3-ذكر إبن نما الحلي قدس سره: ((والذي عليه المعول من الأقوال أنه [أي الرأس الشريف] أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد، ودفن معه)) [ينظر: مثير الأحزان،ص85].

4-ذكر السيد إبن طاووس أن عمل الطائفة على هذا المعنى ـ وهو رد الرأس الشريف إلى الجسد الطاهر في كربلاء، أضف إلى ذلك أنه عد التساؤل عن كيفية ضم الرأس الشريف إلى الجسد فيه نوع من الجهل وسوء الأدب، كالسؤال عن كيفية إحيائه بعد شهادته. [ينظر:اللهوف على قتلى الطفوف، ص114].

وأما القول الثاني، فهو أن الرأس الشريف دفن في النجف الأشرف عند مشهد أمير المؤمنين عليه السلام، ويستدل على ذلك بمجموعةٍ من الروايات الواردة في الكتب المعتبرة، وهي كالتالي:

1-في كتاب الكافي للكليني (ره) (ج4/ص1157)، رقم الحديث (8119) بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام رواية تصرح بأن الرأس الشريف دفن عند مشهد أمير المؤمنين عليه السلام. ورواها إبن قولويه في كامل الزيارات.

2-في كتاب كامل الزيارات (ص86-87): وقد ذكرت فيه جملة من الروايات الدالة بصريحها على أن الرأس قد دفن عند أمير المؤمنين عليه السلام.

3ـ في كتاب تهذيب الأحكام (ج6/ص777)، رقم الحديث (7076): وقد ذكرت فيه روايتان، إحداهما تصرح بدفن الرأس عند أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً.

ولذا ترى آراء العلماء في موضع أو مدفن الرأس الشريف متعددةً تبعاً لتعدد المنقول، وهي تؤكد ـ على الأقل ـ أن هذا الموضع هو موضع تقديسٍ واهتمام من قبل الأئمة عليهم السلام والعلماء، وأنه مكان يزار منه الإمام الحسين عليه السلام.

2021/08/20
متى دُفن الإمام الحسين (ع)؟

هل في تاريخ دفن الإمام الحسين (عليه السلام) اختلاف أم أنه دفن في يوم معلوم؟

[اشترك]

هناك آراء ثلاثة في تاريخ دفن الإمام الحسين (عليه السلام)، ذهب بعضهم إلى أنه  (عليه السلام) دفن في اليوم (11) من محرم، وآخرون في اليوم  (12)، وآخرون في اليوم  (13)، والأخير هو المشهور.

اختلف المؤرخون في يوم مدفنه على ثلاثة أقوال:

ا - اليوم الحادي عشر:

وهو مختار جملة من المؤرخين منهم ابن شهر آشوب، والمسعودي والبلاذري وابن كثير والطبري وابن الأثير. وهو الظاهر من الشيخ المفيد في إرشاده ومن تبنى رأيه كما سيأتي في النقطة الثانية، حيث قال: «وأقام - يعني ابن سعد - بقية يومه - يعني اليوم العاشر - واليوم الثاني - يعني اليوم الحادي عشر - إلى زوال الشمس، ثم نادى في الناس بالرحيل وتوجه إلى الكوفة ومعه بنات الحسين وأخواته، ومن كان معه من النساء والصبيان، وعلي بن الحسين فيهم وهو مريض بالذرب وقد أشفى». وكذلك العلامة الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى.

والمعروف... أن بني أسد إنما دفنوا الشهداء يوم رحيل ابن سعد بأهل البيت إلى ابن زياد، أي في اليوم الحادي عشر.

2 - اليوم الثاني عشر، وهو مختار ابن طاووس.

3 - اليوم الثالث عشر، وهو مختار السيد المقرم «ت 1391هـ» في كتاب مقتل الحسين، ولم يذكر مصدر ذلك ومن يتبناه.

قال: «وفي اليوم الثالث عشر من المحرم أقبل زين العابدين لدفن أبيه الشهيد، لأن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله».

قال الشيخ عباس القمي في ذلك: «ومن المعروف «!» أن الأجساد الطاهرة بقيت ثلاثة أيام مرمية على الأرض دون دفن، ونقل عن بعض الكتب أنها دفنت بعد عاشوراء بيوم واحد، وهذا مستبعد؛ ذلك أن عمر بن سعد كان لا يزال في اليوم الحادي عشر لدفن القتلى من عسكره؛ وكان أهل الغاضرية قد ارتحلوا من نواحي الفرات خوفاً من ابن سعد، وبهذا الاعتبار فهم لا يجرؤون على العودة بهذه السرعة».

ونفى الشيخ الطبسي في كتاب مع الركب الحسيني أن يكون الدفن في اليوم الحادي عشر لأن المسألة بالنسبة إليه إعجازية في حركة الإمام زين العابدين من الكوفة إلى كربلاء انطلاقاً من محاججة الواقفة مع الإمام الرضا... وجاء في كلامه: «إذن خروجه إلى كربلاء بالأمر المعجز لم يكن في اليوم الحادي عشر حتماً، ذلك لأنه لم يدخل المجلس إلا في اليوم الثاني عشر، إذ لم يكن عمر بن سعد قد دخل بعسكره وبالسبايا مدينة الكوفة إلا في نهار اليوم الثاني عشر كما قدمنا قبل ذلك في سياق الأحداث».

ولعل الملاحظ والمشهور هذه الأيام هو الرأي الثالث وهو أنه دفن في اليوم الثالث عشر... ومن هنا قال الطبسي في كتابه مع الركب الحسيني «لكن ظاهر بعض الآثار يدل على أن عملية دفن الأجساد المقدسة حصلت في اليوم الثالث عشر من المحرم...».

الخلاصة:

إنّ المشهور بين الأعلام -بعد فقد النصوص الدالة على تاريخ يوم دفن الإمام الحسين  (عليه السلام) – إنّ يوم الدفن كان في اليوم الثالث عشر من شهر محرم، أي بعد ثلاثة ايام من استشهاده (ع).


الهوامش:

1- من مقالة  (دفن الإمام الحسين... بين شهرة المتقدمين وعقيدة المتأخرين)، للشيخ عباس الموسى، بتصرف.

2- انظر مناقب آل أبي طالب ج4 - ص 112، أنساب الأشراف للبلاذري ج3 - ص 411، مروج الذهب ج3 - ص 63، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان - ص 97، البداية والنهاية ج8 - ص 191، وتاريخ الطبري ج 3 - ص 335، الكامل في التاريخ - ابن الاثير ج 3 - 433

 - الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - ص 114 3

4- إعلام الورى بأعلام الهدى - ص 290.

5- اللهوف في قتلى الطفوف - 85، بحار الأنوار ج45 - ص 107.

6 - مقتل الحسين - المقرم - ص 319 طبعة الخامسة طبع بيروت ونشر دار الكتاب الإسلامي 1399 هـ وقد ذكر هامش «إثبات الوصية للمسعودي» ولم أعرف مقصده هل يريد التاريخ أم ما جاء بعد التاريخ لأن المسعودي يتبنى الرأي الأول.

7- منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل - ج1 - ص 565.

8 - مع الركب الحسيني «وقائع الطريق من كربلاء إلى الشام» محمد جعفر الطبسي ج5 - ص 143

9 - مع الركب الحسيني «وقائع الطريق من كربلاء إلى الشام» محمد جعفر الطبسي ج5 - ص 144

2021/08/20
دروس من عاشوراء: مواجهة الشبهات السياسية.. لـ ’السيد محمد باقر السيستاني’

إنّ واقعة عاشوراء واقعة ملهمة تعطي عند استحضارها والإمعان فيها دروساً مختلفة عملية لكل مؤمن، بل ولكل إنسان في جميع المعاني الراقية الراشدة والحكيمة والأخلاقية والإيمانية، ومن هذه الدروس:

[اشترك]

١- تبصّر سبيل الحق والرشد في الفتن والشبهات الاجتماعية والسياسية، فقد كان المجتمع آنذاك مبتلى بالشبهة في أمر التعامل مع السلطة القائمة رغم ما كان يمثلها من استبداد واستهتار بالمبادئ الإيمانية والعادلة. فهل تجب المداراة معها حفاظاً على النفس والدم وتجنباً عن محاذير القتال بين المسلمين. أم يجب الوقوف بوجهها والصدام معها. ولقد قدم جمع من قرابة الإمام وغيرهم من الوجوه المشورة للإمام (ع) بالبيعة مع السلطة، إلا أنّ الامام (ع) رأى أنّه لا يصح ذلك منه وهو سيد أهل البيت (عم) وسبط رسول الله (ص) والشخصية الأولى في المجتمع الإسلامي بعد ما بلغ الاستبداد والاستهتار بالدين والعدالة إلى هذا المستوى الفظيع الذي تمثل في تولي يزيد الخلافة مع سلوكياته المستهترة والشائنة المعروفة في التاريخ.

٢- الإيمان بالله سبحانه والدار الآخرة إيماناً مؤكداً يستتبع التسليم والصبر والرضا بقضاء الله سبحانه وقدره وتهون معه كل تضحية وفداء حتى لو اقتضى بذل النفس والولد والقرابة والأزواج وكل ما يملكه المرء، عندما تستوجب الوظيفة الإيمانية اتخاذ موقف يقتضي ذلك، ويمثل هذا الإيمان كلمات الإمام (ع) في ذكر الله تعالى والدار الآخرة دائماً وتهوين كل ما نزل به ما دام أنّه بعين الله سبحانه وفي محضره. وجعلها الغاية من وراء هذه التضحية في سبيل الدين وكذلك تمثل هذا المبدأ في سيرة أقاربه وأصحابه وأهل بيته.

٣- الأخلاق العالية بمختلف أصنافها من الحلم والمروءة والوفاء والصبر والمواساة فمشاهد واقعة كربلاء مليئة بهذه المعاني، ومن مظاهر الحلم الفريدة للغاية تعامل الإمام (ع) مع الحر بن يزيد مع ما صدر منه من قبل من الصدود المؤذي للإمام وأهل بيته وأصحابه، ومن مظاهر الوفاء وفاء المأموم للإمام بالحق في أحلك الظروف وأصعبها كما عبرت عنه كلمات أصحابه (ع) جميعاً. وكذلك وفاء الأخ لأخيه بالحق ولأخته، ووفاء الأخت لأخيها، ووفاء الزوجة لزوجها إلى غير ذلك مما تجلّى في كل مشهد من مشاهد هذه الواقعة.

٤- الكمالات النفسية بأنواعها من قبيل الشجاعة البالغة والعزيمة الأكيدة وعزة النفس والارتقاء عن الأمور الوضيعة والعابرة ورباطة الجأش في الشدائد، وعدم الخضوع للظالمين، وذلك أيضاً ملأ هذه الواقعة وسيرة الإمام وأصحابه وأهل بيته فيها.

٥- وجوه العظة والاعتبار التي تقوي روح الحكمة في داخل الإنسان، وهي كثيرة جداً، منها عموم الابتلاء في هذه الحياة وشموله للأصفياء من عباد الله سبحانه حيث نجد أنّ الله سبحانه ابتلى الإمام (ع) ومن معه وهم صفوة الخلق بأنواع من الابتلاء، مما يجعلهم أسوة للمؤمنين وسائر الناس في الالتفات إلى سنن هذه الحياة وما طبعت عليه من الابتلاء وما ينبغي للمرء من الصبر والتسليم لله سبحانه والقناعة والاستحضار لمواقع النعمة في جميع الأحوال ومختلف صروف الحياة وظروفها، ومن جملتها: غرور هذه الحياة وسرعة زوالها، مما ينبه المرء على أن لا يجعلها غاية ولا ينصب العلو فيها هدفاً، بل يستثمرها على النحو الأمثل للحياة الباقية لينال كرامة الله سبحانه في هذه الحياة وما بعدها. ولقد تعلق أناس ممن قاتل الحسين (ع) طمعاً في دنيا زائلة لم ينالوها فخسروا بذلك الآخرة والدين، وفي ذلك عبرة للمرء في أن لا يهون على نفسه المظالم والمعاصي طمعاً في التوفيق للتوبة أو الحصول على مغنم، وابتلاءات الحياة متماثلة في الأزمان كلها ولكن تختلف صورها.

٦- تكريم الله سبحانه لأوليائه في حياتهم ومماتهم حيث نجد أنّ للإمام (ع) كرامات عديدة في ضمن هذه الواقعة منها استجابة دعائه على بعض من تعرض له (ع) تعرضاً قبيحاً، كما أكرمه بموقفه لله سبحانه بعد مماته بأن جعله إماماً ونبراساً خالداً ومعيناً لا ينضب في طريق الدين والحق والإنسانية وكذلك الحال في أهل بيته (ع) واصحابه.

٧- أهمية الدين والعدل ومراعاة القيم الدينية والإنسانية مثل العدل والصلاح الاجتماعي ورعاية العفاف والحجاب والإيثار وتحمل المرء للمسؤولية والتسليم بالحق وغيرها.

وإنّ الإنسان المؤمن، بل كل إنسان ليجد حقاً في تفاصيل هذه الملحمة مصدراً ملهماً للرشد والحكمة والإيمان والعزيمة والصبر والثقة بالله سبحانه والارتقاء عن المادة وسائر المعاني النبيلة في كل موقف يتعرض له في هذه الحياة ولاسيما المواقف الصعبة .

وقد لاحظنا بالأمس القريب كيف أنّ الشعب العراقي بجميع أصنافهم رجالاً ونساءً من أولاد وآباء وأمهات وأخوات استلهم من هذه الثورة معاني العز والكرامة والثبات والصبر وتأتى له دحر الجماعات المسلحة الضالة التي أرادت قهرهم وتحقيرهم وغصب أموالهم فاستلهموا من ثورة الحسين (ع) ما أحرزوا به صلاحهم وصلاح أهاليهم في هذه الحياة كما نالوا به الدرجات العلى عند الله سبحانه.

2021/08/17
على الدنيا بعدك العفا: قتلوا علي الأكبر.. قطّعوه بالسيوف!

ينقل الخطباء أنَّه عندما سقط عليٌّ الاكبر جاء اليه الامام الحسين (ع) وقال: على الدنيا بعدك العفا ياولدي. ماصحَّة هذه العبارة؟ وما المراد منها لو ثبت صدورها عنه؟

[اشترك]

نعم ذكر أكثرُ المؤرِّخين من الفريقين ممَّن أرَّخ لمقتل الحسين (ع) أنَّ تلك هي الكلمات التي أبَّنَ بها الإمامُ الحسين (ع) ولدَه حين وقفَ على مصرعِه فرآه مضرَّجاً بدمِه.

فمن ذلك ما ورد في زيارة الناحية الخاصَّة بالشهداء المرويَّة عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قال: "وأومِ وأشِرْ إلى عليِّ بن الحسين (ع) وقل: السلامُ عليك يا أولَ قتيلٍ من نسل خيرِ سليل، من سُلالة إبراهيم الخليل، صلَّى الله عليك وعلى أبيك، إذ قال فيك: قتل اللهُ قوماً قتلوك، يا بُني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا"(1).

ومنه: ما أورده الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد قال: "فبصُرَ به مُرَّة بن مُنقذ العبدي فقال: علَيَّ آثام العرب إنْ مرَّ بي يفعل مثل ذلك إنْ لم أثكله أباه، فمرَّ يشتدُّ على الناس كما مرَّ في الأول، فاعترضَه مرَّةُ بن مُنقذ فطعنه فصُرع، واحتواه القوم فقطَّعوه بأسيافهم، فجاء الحسينُ (ع) حتى وقف عليه فقال: "قتل اللهُ قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حُرمة الرسول!" وانهملتْ عيناه بالدموع ثم قال: "على الدنيا بعدك العفاء"(2).

ومنه: ما أورده القاضي النعمان في كتابه شرح الأخبار قال: "فلم يزل كذلك يحملُ فيهم، ويقتلُ منهم حتى أصاب حلقَه سهمٌ رُمي به. ويُقال: بل حمل عليه مُرَّةُ بن منقذ بن النعمان بن عبد القيس، فطعَنه، فأنفذه. فأخذه الحسين (ع) فضمَّه إليه، فجعل يقول له: يا أبَه هذا رسول الله (ص) يقول لي: عجِّلِ القدوم علينا ولم يزلْ كذلك على صدرِه حتى مات. فلمَّا نظر إليه عليه السلام ميتاً قال: ولدي على الدنيا بعدك العفا"(3).

ومنه: ما أورده الطبرسيُّ في كتابه إعلام الورى قال: "فبصُرَ به مرَّةُ بن مُنقِذ العبدي لعنه الله، فطعَنه فصرعه، واحتواه القومُ فقطَّعوه بأسيافهم، فجاء الحسين (ع) حتى وقف عليه فقال: "قتل اللهُ قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حُرمة الرسول (ص) وانهمَلتْ عيناه بالدموع، ثم قال: على الدنيا بعدك العفاء"(4).

ومنه: ما أورده ابنُ شهراشوب في المناقب: "فطعنَه مُرَّةُ بن مُنقذ العبدي على ظهره غدراً فضربوه بالسيف، فقال الحسين: على الدنيا بعدك العفا، وضمَّه إلى صدرِه وأتى به إلى باب الفسطاط"(5)

ومنه: ما أورده ابنُ طاووس في كتابه اللهوف قال: "وقاتل أعظم القتال فرماه مُنقِذ بن مُرَّة العبدي (لع) بسهمٍ فصرعه فنادى يا أبتاه عليك منِّى السلام هذا جدِّي يُقرئُك السلام ويقولُ لك: عجِّلِ القدوم علينا ثم شهَق شهقةً فمات، فجاء الحسينُ (ع) حتى وقفَ عليه ووضع خدَّه على خدِّه وقال: قتل اللهُ قوماً قتلوك ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا"(6).

ومنه: ما أورده ابن نما الحلِّي في كتابه مثير الأحزان قال: "فرماهُ مُنقذ بن مرَّة العبدي فصرعه واحتواه القوم فقطَّعوه فوقف (ع) وقال: قتلَ اللهُ قوماً قتلوك، فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول واستهلَّت عيناهُ بالدموع ثم قال: على الدنيا بعدك العفاء"(7).

هذا بعض ماورد في مصادر الشيعة، وأمَّا ماورد في مصادر العامَّة:

فمنه: ما أورده ابنُ سعد في الطبقات في ترجمة الإمام الحسين (ع) قال: "وأقبل عليه رجلٌ من عبد القيس يُقال له: مُرَّة بن منقذ بن النعمان فطعنَه، فحُمل فوضع قريباً من أبيه، فقال له: قتلوك يا بُني على الدنيا بعدك العفاء، وضمَّه أبوه إليه حتى مات، فجعل الحسينُ يقول: اللهمَّ دعونا لينصُرونا فخذلونا وقتلونا، اللهمَّ فاحبسْ عنهم قطرَ السماء وامنعهم بركاتِ الأرض، فإنْ متَّعتهم إلى حين ففرّقهم شِيَعاً واجعلْهم طرائقَ قِددا، ولا تُرضي الولاة عنهم أبدا "(8).

ومنه: ما أورده ابن الجوزي في المنتظم قال: "فطعنَه مرَّةُ بن مُنقذ فصرعه، واحتوشوه فقطَّعوه بالسيوف، فقال الحسينُ: قتل اللهُ قوماً قتلوك يا بُني، على الدنيا بعدك العفاء"

وأورد هذه الفقرة مثل الخوارزمي في مقتل الحسين، والطبري في تاريخه، وابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق إلا أنَّه قال: الدبار بدل العفا، وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين وغيرهم (9).

وأمَّا ماهو المراد من قوله (ع): "على الدنيا بعدك العفا" فهو التعبير عن أنَّ عليَّاً الأكبر(ع) كان أعزَّ على نفسِه من نفسِه وأنَّ رؤيتَه لمصرعِه وأشلائه وهي موزَّعة ودمِه الزاكي مسفوحاً أشقُّ على قلبِه من كلِّ ما كان قد انتابَه من عظائم المِحن، بل صار القتلُ الذي ينتظرُه أيسرَ شيءٍ على قلبِه بعد رحيلِ الأكبر، وهذا هو معنى "على الدنيا بعدك العفا" فكلُّ خطيرٍ بعد رحيلِه حقير، وكلُّ عسيرٍ بعد رحيلِه يسير، فجراحاتُ الأكبر والدماءُ النازفةُ منها، ووقْعُ أنَّاته على قلبِ الحسين قد سكَّن كلَّ ألمٍ كان قد اِنتاب قلبَ الحسين وكلَّ ألمٍ سينتابُه، ذلك لأنَّ الجرح يُسكنُه الذي هو آلمُ.

وأمَّا الغايةُ من هذا الذي أفاده في تأبين ولدِه الأكبر فلعلَّه أرادَ منه الإيحاء بأنَّ هذا الذي يحظى من قلبِه بهذا المستوى من التعلُّق والحبِّ قد سخى به في سبيل إعلاء دين الله جل وعلا، فكلُّ نفيسٍ يرخُص في هذا الطريق، فلم يكن رحيلُ الأكبر شهيداً وقعَ قسراً ودون إختيارٍ من الحسين (ع) فقد كان يملِكُ أنْ يصرفَ عنه هذا المصير الدامي لكنَّه لم يفعلْ بل عمِد إلى أنْ يكون هو السابق غيرَه إلى هذا الطريق.


الهوامش: 1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 45 ص 65. 2- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج 2 ص 106. 3- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج 3 ص 153. 4- إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج 1 ص 464. 5- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج 3 ص 257. 6- اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص 67. 7- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص 51. 8- ترجمة الإمام الحسين (ع) -من طبقات ابن سعد- ص 73. 9- تاريخ الطبري -الطبري- ج 4 ص 340, الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج 4 ص 75, تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج 69 ص 169, الخوارزمي ج2 ص27. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك - ابن الجوزي- ج5/ 340
2021/08/17
’قتله حتمي’.. لماذا خرج الإمام الحسين بنسائه وأطفاله إلى كربلاء؟

لماذا خرج الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء بنسائه وهو يعلم أنه سيقتل فيها وهو رمي للنفس في التهلكة، وهذا محرم شرعاً؟!

[اشترك]

لقد روى أهل السنة بأسانيد صحيحة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر عن مقتل ولده الحسين (عليه السلام) في كربلاء ولم يرد منه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهي لولده من الذهاب إلى كربلاء مع علمه بمقتله فيها [راجع: إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري ، ح 6755. ومجمع الزوائد للهيثمي 9: 187 و219 وغيرهما].

ورووا أيضاً بشكل متواتر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بأن ابنه الحسين (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة [راجع: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 2: 796] .

فهنا نقول: إما أن يكون خروجه (عليه السلام) لكربلاء مشروعاً واستحق معه منصب السيادة لشباب أهل الجنة بحسب حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المتواتر، أو يكون ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مخالفاً للشريعة.. ولا شق ثالث في البين!!!

وليختار الطرف الآخر ما يشاء من الشقين!!

أما الإشكال: لماذا خرج الحسين (عليه السلام) لينقذ الأمة من الانحراف مع أن الحسن (عليه السلام) لم يخرج، بل نجده قد صالح ولم يحارب؟!!

الجواب: نفس هذا الإشكال يرد على سلوك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنا وجدنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد صالح المشركين في فترة ما، وحاربهم في فترة أخرى.. فهل ترى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين صالح المشركين في فترة ما مع بقائهم على شركهم وضلالهم أنه كان مخطئاً؟!!

إن قلت: نعم. كفرت، وإن قلت: لا. انتفى إشكالك في خروج الحسين وصلح الحسن (عليهما السلام)؛ لأن السلم والحرب يدوران مدار المصالح والمفاسد، وتشخيص المفاسد والمصالح يرجع للظروف التي يعيشها الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، فهم أعرف بالمفاسد والمصالح في زمانهم.

وبلحاظ ما تقدم، لا نجد إشكالاً ناهضاً يمكن للطرف الآخر الاعتراض به على مشروعية الثورة الحسينية ومحاولة تصحيح الخلافة لمغتصبي حقوقهم، بل الأدلة كلها في غير صالحهم، ويمكنكم مراجعة مقال: "الشعائر الحسينية"، على موقعنا حتى تطلعوا على أدلة أكثر مما ذكرناه هنا.

2021/08/17
زرّ الحسين ’عارفاً بحقه’.. كيف فسّرت الروايات ووصايا المرجعية هذه العبارة؟

’عارفاً بحقّه’ في ضوء الرواية.. ووصايا المرجعيّة

تضمّنت الكثير من الأحاديث الواردة بشأن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تقييد الجزاء للزائر، وترتّب الأثر على الزيارة من غفران الذنوب، ودخول الجنّة.. بقيد تمثّل بعبارة "عارفاً بحقه".
[اشترك]

وقد أخرج هذه الروايات الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال، تحت عنوان: ثواب من زار قبر الحسين(ع). ومن قبله الكليني في الكافي في باب: فضل زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وحسناً صنع ابن قولويه لمّا وضعها جزءاً من عنوان الباب في كتابه الجليل: كامل الزيارات، فكان العنوان: ثواب من زار الحسين(ع) عارفاً بحقّه. وخرّج فيه سبعة عشر حديثاً !

بالرغم من أنّ هذا التقييد ليس خاصاً بزيارة سيد الشهداء، بل ورد أيضاً في زيارة غيره من الأئمة، فوردتْ في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذا  في زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) أنّ من زاره عارفاً بحقه وجبت له الجنّة.

تتبعتُ معظم إن لم أقل كلّ- ما قيل في تفسير هذا القيد، وبيان المقصود منه، فوجدتُ معظمها: إمّا تحليلات لا تستند إلى روايات، وإنّما إلى كلمات أهل اللغة، أو بيانات لا تخلو من مناقشة عدم الانسجام مع أصول وقواعد الطائفة الحقّة، وعقائد الفرقة المحقّة - وإن كان بعضها حسناً في نفسه- لكنّه وكما قلتُ: لا يستند إلى بيان روائي خالٍ من المناقشة، بالرغم من أهميّة الموضوع، وكثرة ما ورد فيه مما يستبعد معه عادة عدم تعرّض الأصحاب له، ومراجعة الأئمة بشأنه؛ لذا قمتُ بمراجعة مرة أخرى للأخبار، ودققتُ فيها أكثر فظفرتُ بجملة في حديث فسّرتْ لي العبارة، وشرحت المقصود، وما خلا ذلك فهو هامش عليها.

قبل البيان، ينبغي التنبيه على أمرٍ مهم، وهو أن هذا القيد ليس قيداً توضيحياً، بل هو احترازي، يشهد على ذلك، علاوة على أنّه مقتضى قاعدة احترازيّة القيود، فأنّه قد جاء مكرّراً وبكثرة كاثرة مع تعدد في الصياغة والأسلوب، ومنها مجيئه بأسلوب الشرط: .. ما يثاب به زائر الحسين، إذا عرف بحقه و حرمته و ولايته أن يغفر له..(الكافي،ج4،ص582).

نعود لصلب الموضوع: ما المقصود بقيد" عارفاً بحقه" حسبما يستفاد من الروايات؟

أقول: روى ابن قولويه بإسناد متصل قوي عن الإمام الصادق قال: من زار الحسين (عليه السلام) عارفاً بحقه يأتمّ به، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

محور القضيّة، وجوهرها- فيما أرى- يتمركز في كلمة " يأتم به" عقيب العبارة محل البحث مباشرة" عارفاً بحقه" ما يعني:

أولاً- أنّها شرح لها، وبيان للمقصود منها، فقد جاءت بغير حرف عطف، فلو قال: عارفاً بحقه، و يأتم به لاحتملت الاختلاف والمغايرة بين المعنيين، لكنّها جاءت ملتصقة بها وعقيبها مباشرة، وبهذا يلغى احتمال المغايرة، وإذن، فجملة: يأتم به هي جملة شارحة لقيد: عارفاً بحقّه.

ثانياً- والإئتمام بالإمام يقتضي بالضرورة الاعتقاد بإمامته، والعلم بحجيته، وأنّه إمام مفترض الطاعة، لكن هذا الاعتقاد وإن كان ركناً ركيناً في معرفة حقه، وجزءاً أصيلاً منها، بل هي أقوم ركن، وأهم جزء من أجزاء معرفة حقه؛ ولذا اكتفت بها بعض الأخبار فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) مفسراً العبارة في حق الإمام الرضا، قائلاً: يعلم أنه مفترض الطاعة غريب شهيد. (أمالي الصدوق ص 121)، وفي خبر آخر جاءت على لسان أحد أصحاب الأئمة (محمد بن سليمان) مخاطباً الإمام الجواد: ..عارفا بحقك يعلم أنك حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه..(الكافي،ج4،ص584) بيد أنّها ليست هي المعنى المنشود، ولا تمام المقصود بـ"عارفاً بحقه"

ثالثاً- فإنّ ظاهر هذه اللفظة "يأتمُّ به" هو الاتّباع والاقتداء العملي، علاوة على الاعتقاد القلبي، ما يعني أنّ عبارة "عارفاً بحقّه" تتقوم بركنين: (1-الاعتقاد. 2-والاتباع)، ومن ثمّ فلا يكفي محض الاعتقاد، ومجرّد الزيارة في ترتّب الأثر، من غفران الذنوب جميعاً، ودخول الجنّة...هذا هو الذي يقتضيه المسلك الحقّ في أنّ العمل جزءٌ من الإيمان، وأنّ الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول، أو كما في الحديث المعروف أنّ الإيمان: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.

رابعاً-أضف لما مرّ، فإنّ من الشواهد المؤيدة للمعنى المختار آنفاً هو ما رواه ابن قولويه عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال: من زار الحسين بن علي(عليه السلام) عارفا بحقه كان من محدّثي الله فوق عرشه، ثمّ استشهد الإمام الرضا بقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.(كامل الزيارات،ص141). وإنّما يتقبّل الله من المتقين.

أخيراً: يصبّ جميع ما تقدّم في نفس الاتجاه الذي يوصي به المرجع الأعلى الخطباء والمبلغين، فمما جاء عنه في هذا السياق قوله في الحكمة الرابعة: تؤكد وصايا أئمة أهل البيت(عليهم السلام) إلى أتباعهم على الالتزام العمليّ بتعاليم دينهم.. [وأضاف السيد المرجع مستشهداً بحديث] جابر الجعفيّ عن أبي جعفر (عليه السلام): "يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلّا بالتواضع، والتخشّع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء في عشائرهم في الأشياء". الكافي ج:2 ص:74. (انظر-وصايا المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين بمناسبة قرب حلول شهر المحرّم الحرام عام 1441)ـ

2021/08/16
في 6 أمتار فقط.. ما حقيقة دفن ’شهداء كربلاء’ في قبر واحد؟

المساحة الحالية لقبور الشهداء لا تتجاوز 6 أمتار، فكيف استوعبت هذه المساحة أجسادهم الطاهرة؟ وما هو الدليل على ذلك؟

[اشترك]

إن ما يظهر من مجموع كلمات المؤرّخين وأرباب السير والمقاتل أن شهداء كربلاء رضوان الله تعالى عليهم ـ ما عدا الذين لهم قبور خاصّة معلومة، كأبي الفضل العبّاس عليه السلام ـ دفنوا مجتمعين، لا أنّ كل واحد منهم دُفن في قبر خاص.

 ولكن اختُلف في كيفيّة دفنهم مجتمعين، فقيل: حُفرت لهم حفيرة واحدة كبيرة ممّا يلي رجليّ الإمام الحسين عليه السلام وأُلقوا فيها جميعاً وسُوِّي عليهم التراب.

وقيل: حُفرت أكثر من حفيرة، اختصّ الهاشميّون بواحدة منها ممّا يلي رجلي الإمام عليه السلام. [ينظر: الإرشاد ج2 ص114، المنتخب ج1 ص37، بطل العلقمي ج3 ص258، وغيرها].

والقدر المتيقن أنّ دفن الشهداء قد تم بشكل مجموعيّ، وأنّهم دُفنوا ممّا يلي رجليّ الإمام عليه السلام، وأنّ الحائر الحسينيّ محيط بهم، وأنّه لا توجد لهم أجداث على الحقيقة، ولهذا جاء في زياراتهم أن الزائر يزورهم من عند رجليّ الإمام عليه السلام مشيراً إلى الأرض.

هذا هو المقدار المتيقن في كيفية دفن الشهداء مما يُستفاد من النصوص التاريخية.

وأما مساحة مدفنهم رضوان الله عليهم فلا يمكن تحديده بمقدار معيّن، فإنّه كما يحتمل أن تكون الحفيرة عميقة بحيث تسع أجسادهم الطاهرة فلا ضرورة لأن تكون مساحتها كبيرة فيكون الضريح الخاصّ بهم محيطاً بأجسادهم، كذلك يمكن أن يكون هذا الضريح الخاص قد جُعل علامة لموضع دفنهم ليُزاروا فيها مع احتمال أن يكون بعض الشهداء مدفونين خارج الضريح، ولهذا يتحاشى العلماء العارفون العبور من البقعة الكائنة بين ضريح سيد الشهداء عليه السلام وضريح الشهداء رضوان الله عليهم؛ لأنّ هذه البقعة مظنة لأن تكون موضع دفن بعض الشهداء، فيحتاطون في المشي بهذه البقعة احتراماً لأولئك الشهداء الكرام.

قال السيّد محسن الأمين في [المجالس السنية ج1 ص128]: «وحفروا للشهداء من أهل بيته ولأصحابه الذين صرعوا حوله ممّا يلي رجليّ الحسين عليه السلام، فجمعوهم ودفنوهم في حفيرة واحدة، وسووا عليهم التراب، ولذلك يمتنع أهل المعرفة من المرور من جهة رجلي الحسين عليه السلام، خوفاً من المشي فوق قبورهم الشريفة».

2021/08/16
هل نفعت شهادة الإمام الحسين ’التشيع’؟ .. الجواب من السيد محمد باقر السيستاني
لقد أدت شهادة الإمام الحسين (ع) بما مثّله من نبل بالغ ومظلومية عظيمة جداً لأهل البيت (ع) - فضلاً عن تقوية أصل الاسلام واحياء العديد من قيمه ومبادئه -إلى تقوية التشيع في الكوفة وسائر البلاد عدا بلاد الحجاز التي كانت عموماً ثابتة على مدرسة الخلافة لأنها مركز نفوذ المعرضين عن أهل البيت (ع) من أهل الحل والعقد والمتحالفين معهم والمتأثرين بهم.

كان تأثير هذه المظلومية في ذلك على وجوه مختلفة:

الأوّل: إزالة الحواجز الشعورية تجاه الإيمان بأهل البيت (ع)، فقد شهد أهل الكوفة واعية الإمام أمير المؤمنين (ع) في ذكر اصطفاء أهل البيت (ع)، إلا أن الذي كان يعيق القبول بذلك ما ورثوه من الاعتقاد بأهل الحل والعقد من الصحابة الذين أبرموا بيعة أبي بكر في السقيفة ثم بالخلفاء مع حسن ظن عامة الناس بهم.

قد أثرت في تخفيف هذه الحواجز بعض الشيء مظلومية الإمام أمير المؤمنين (ع) بشهادته ثم بسبه على رؤوس الأشهاد حتى في الكوفة التي شهدت سيرته (ع) وكذلك مظلومية الإمام الحسن (ع) حيث تُرك وحيداً لعدم الإيمان بقضية القتال مع معاوية وحصول الشبهة فيه بكونه قتالاً غير ضروري بين طائفتين من المسلمين حتى تبيّن لهم الخطأ الفظيع في هذا الموقف بعد استيلاء معاوية لكن كانت شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) عاملاً انفجارياً كبيراً لإزالة هذه الحواجز ومناشئها من حالة التقليد، وأدت إلى إعادة النظر في تحديد الحق بالرجال، فأوجب امتلاك هذه الواعية لقلوب الناس وخرق قداسة الخلافة وأهل الحل والعقد من الصحابة والعصبية للأسلاف المانعة من الإذعان لهذا الحق.

الثاني: إسماع واعية أهل البيت (عليهم السلام) لكثير من الناس في البلاد الإسلامية المترامية التي لم يكن قد سمع بها أو لم يتلقّها تلقياً جادّاً مثل بلاد خراسان والتي انطلقت منها على أساس التشيع ثورة العباسيين التي أنهت حكم بني أمية بعد عدة عقود من مقتل الحسين (ع).

فقد كان قتل سبط رسول الله (ص) من قبل السلطة على أساس إلزامه بالبيعة وإبائه عنها في قتالٍ غير متكافئ على هذا النحو الفجيع وأسر نسائه وأولاده حدثاً عظيماً بلغ صداه عامة بلاد المسلمين، وطرح ثنائية أهل البيت والسلطة في المجتمع الإسلامي كله، وأثار البحث عند المسلمين عن خلفية هذا الحدث ومضمون خطاب أهل البيت (ع) ـــ والذي كان يتردد فيه مضافاً إلى مبادئ العدل ـــ اصطفاء أهل البيت (ع) وتميزهم في هذه الأمة.

وقد ساعد هذا الحدث على تحري خطابات الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل والأحاديث النبوية في شأن أهل البيت (عليهم السلام) مما ساعد على انتشار التشيع أو إيجاد أرضية قريبة في كثير من الأوساط.

الثالث: أثر سياسي، وهو تضعضع بنيان حكم بني أمية الذين تبنوا عداء الإمام (ع) وأهل البيت (عليهم السلام) على وجه سافر حيث أوجب هذا الحدث سقوط هيبة الدولة الأموية، وإزالة القناع الديني عن هذه السلطة في نفوس كثير من المسلمين، وزيادة الكره تجاههم والمحبة لأهل البيت (عليهم السلام) في المجتمع الإسلامي.

لقد ظن بنو أمية أن التعامل القاسي مع الإمام الحسين (عليه السلام) بأقسى وجه ممكن سوف يؤدي إلى توطيد أساس ملكهم ويكون عبرةً لمن اعتبر من بعد، ويؤدي إلى إزاحة بني هاشم (الذين يعتبرونهم البديل الخطر لهم) عن منافستهم للأبد باستئصال رأسهم وأصلهم، وكان الناس في العراق من قبل يتحدثون حتى في زمان الإمام أمير المؤمنين (ع) كما يدل عليه العديد من خطبه (ع) عن أن الحكم سوف يكون ويستقر لبني أمية إلى الأبد لأنهم خُلقوا للحكم حيث أوتوا سر الحفاظ عليه وديمومته بما يتصفون به من الدهاء والمكر والحيلة مع عدم التورع عن الفجور والغدر والرشا ونحوها من الأدوات.

ولكن أصبح الأمر على خلاف ذلك، فقد كان صوت الإمام الحسين (عليه السلام) المضمخ بدمه ودم قرابته وأنصاره وأسر نسائه ـــ هذا الصوت الذي أبى الإقرار بمشروعية هذه السلطة الأموية على المسلمين ـــ صوتاً مدوياً خرق هيبة حكم الأمويين في المجتمع، ورجا في أثره كثير من الناس أن تكون إزاحة هذا الحكم أمراً ممكناً بالتضحية، ولذلك تتالت الثورات عليها في أوساط الشيعة وغيرهم مثل ثورة أهل المدينة ضد يزيد وثورة أبناء الزبير في مكة والعراق ضد السلطة، حتى انتهى حكمهم على يد ثورة بني العباس بعد سبعين سنة فقط من قتل الحسين (عليه السلام).

2021/08/16
لماذا لُقب العباس (ع) بـ ’سبع القنطرة’؟

السَّبعُ: هوَ الأسدُ، ويُطلقُ على الرَّجلِ الشُّجاعِ، والقنطرةُ: هيَ الجسرُ. فيكونُ معنى (سبعِ القنطرةِ): الرَّجلَ الشُّجاعَ الذي أبدى شجاعةً لا نظيرَ لَها وسجَّلَ موقفاً بطوليّاً عندَ الجسرِ.

[اشترك]

ولكنَّ السُّؤالَ هُنا: ما هوَ الموقفُ الذي ظهرتْ شجاعةُ أبي الفضلِ العبّاسِ فيهِ عندَ ذلكَ الجسرِ بحيثُ لقِّبَ بسبعِ القنطرةِ؟

قالَ المحقِّقُ آيةُ اللهِ الشَّيخُ محمَّد إبراهيم الكلباسيُّ النَّجفيُّ: (وإنَّما عُرِفَ أبو الفضلِ العبّاسُ (ع) بسبعِ القنطرةِ؛ لأنَّهُ - على ما رُوِيَ - قدْ أبدى منْ نفسِهِ في حربِ النَّهروانِ جدارةً عاليةً في حراسةِ القنطرةِ والجسرِ، الِّذي كانَ قدْ أوكلَهُ أبوهُ أميرُ المؤمنينِ (ع) معَ مجموعةٍ منَ الفرسانِ بحفظِهِ يومَ النَّهروانِ منَ الخوارجِ، وسجَّلَ عليْهِ مواقفَ شجاعةً، وبطولاتٍ هاشميَّةً مشرِّفةً، فإنَّهُ لمْ يدَعْ بشجاعتِهِ وبسالتِهِ جيشَ الخوارجِ أنْ يعبروا مِنْ عليْهِ، ولا أنْ يجتازوهُ إلى حيثُ يُريدونَ، بلْ صمدَ أمامَهُمْ بسيفِهِ وصارِمِهِ، وصدَّهمْ عمّا كانوا ينوونَهُ بعزمِهِ وبأسِهِ، ولذلكَ لمّا دخلَ وقتُ الصَّلاةِ، وطلبَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (ع) ماءً يتوضَّأُ بِهِ، أقبلَ فارسٌ والإمامُ (ع) يتوضَّأُ وقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، لقدْ عبرَ القومُ - ويقصدُ بهمُ الخوارجَ -، وإنَّهمْ عبروا القنطرةَ التي أوكلَ بِها الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (ع) ابنَهُ العبّاسَ (ع) معَ مجموعةٍ منَ الفرسانُ. فلمْ يرفعِ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (ع) إليْهِ رأسَهُ، ولمْ يلتفتْ إليْهِ، وذلك وثوقاً منْهُ بشجاعةِ ولدِهِ المقدامِ أبي الفضلِ العبّاسِ (ع) الذي أوكلَهُ بحفظِ القنطرةِ منْ سيطرةِ الأعداءِ، وأمرَهُ بحراستِها منْ عبورِهِمْ عليْها وتجاوُزِهمْ عنْها.

هَذا مضافاً إلى ما أخبرَ بِهِ رسولُ اللهِ (ص) عنِ اللهِ في شأنِ الخوارجِ، وما يؤولُ إليْهِ أمرُهُمْ وفتنتُهُمْ، وما أطلعَهُ (ص) على جزئيّاتِ قضيَّتِهمْ، وكيفيَّةِ مقاتلتِهِمْ لهُ، ومواقعِ نزولِهِمْ وركوبِهِمْ، وسوءِ عواقبِهِمْ، ومَصارِعِهِمْ. على أثرِ ذلكَ كلِّهِ أجابَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (ع) ذلكَ الفارسَ بقولِهِ: إنَّهمْ ما عَبَروا، ولا يعبرونَهُ، ولا يفلتْ منْهمْ إلّا دونَ العَشَرةِ، ولا يُقتلْ منكمْ إلّا دونَ العَشَرةِ، ثمَّ قالَ (ع) يؤكِّدُ ذلكَ: واللهِ ما كَذِبْتُ ولا كُذِبْتُ.

فتعجَّبَ النّاسُ منْ كلامِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (ع) لذلكَ الفارسِ، وكانَ هنالكَ معَ الإمامِ رجلٌ وهوَ في شكٍّ منْ أمرِهِ، فقالَ: إنْ صحَّ ما قالَ فلا أحتاجُ بعدَهُ إلى دليلٍ غيرِهِ، فبينَما همْ كذلكَ إذْ أقبلَ فارسٌ فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، القومُ على ما ذكرْتَ، لمْ يعبروا القنطرةَ.

ثمَّ إنَّ الإمامَ أميرَ المؤمنينَ (ع) صلّى بالنّاسِ صلاةَ الظُّهرِ، وأمرَهُمْ بالمسيرِ إليْهمْ وهمْ دونَ القنطرةِ، ثمَّ حملَ (ع) عليْهمْ بأصحابِهِ حَمْلةَ رجلٍ واحدِ، وذلكَ بعدَ أنْ أتمَّ الحجَّة عليْهمْ، واستتابَهمْ ممّا جَنَوْهُ منْ قتلِ عبدِ اللهِ بنِ خبّابٍ، وبقرِ بطنِ زوجتِهِ، وإخراجِ طفلِها وقتلِهِ، فرجعَ منهمْ ثمانيةُ آلافٍ، وبقيَ أربعةُ آلافٍ لمْ يتوبوا، وقالوا لهُ: لنقتلنَّكَ كما قتلناهُ، فحملَ (ع) عليْهمْ، واختلطوا، فلمْ يكنْ إلّا ساعةٌ حتّى قُتِلوا بأجمعِهمْ، ولمْ يفلتْ منْهمْ إلّا تسعةُ أنفسٍ ... كما أنَّهُ لمْ يُقتلْ منْ أصحابِ

الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (ع) إلّا تسعةٌ. فكانَ كما أخبرَ بِهِ أميرُ المؤمنينَ (ع) تماماً منْ دونِ زيادةٍ ولا نقصانٍ). [الخصائصُ العبّاسيَّةُ ص156 وما بعدها].

2021/08/16
لماذا خرج الإمام الحسين إلى ’الكوفة’ مع علمه بـ ’الخذلان’ وعدم النصرة؟!

لو كانَ الحسينُ يعلمُ بخذلانِ أهلِ الكوفةِ ويعلمُ المستقبلَ كما تزعمونَ لما سارَ إليهم؟!

[اشترك]

الإجابةُ على هذا السّؤالِ تكونُ منْ خلالِ شقّين:

الأوّل: هل يعلمُ الإمامُ الحسينُ (عليهِ السّلامُ) أمورَ المستقبلِ وأنّ هذا يشكّلُ عقيدةً لنا نحنُ كشيعةٍ إمامية؟!

الثّاني: على فرضِ علمهِ بالمستقبلِ لماذا ذهبَ إلى كربلاءَ وهو يعلمُ خذلانَ أنصارهِ وأنّهُ سيقتلُ هناك؟!

أمّا جوابُ الشّقّ الأوّل، فنقولُ: نعتقدُ نحنُ كشيعةٍ إماميّةٍ أنَّ أئمّتنا (عليهمُ السّلامُ) لا يعلمونَ الغيبَ ولكنّهم متى شاؤوا أنْ يعلموا شيئاً أعلمهم إيّاهُ اللهُ عزّ وجلّ، دلّتْ على ذلكَ رواياتٌ كثيرةٌ متظافرةٌ في مجاميعِنا الحديثيّةِ [انظر : الوافي - للفيضِ الكاشاني - ج 3 ص 590 ، باب: أنّهم لا يعلمونَ الغيبَ إلا أنّهم متى شاؤوا أنْ يَعلموا أعلِموا]

جاءَ في " الكافي " بسندهِ عن عمّارٍ السّاباطي: قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللَّهِ عليهِ السّلامُ عن الإمامِ يعلمُ الغيبَ فقال لا - ولكن إذا أرادَ أنْ يعلمَ الشّيءَ أعلمهُ اللَّهُ ذلك» .[ الكافي 1: 257]

فهذا العلمُ بالغيبِ عندَ الأئمّةِ (عليهمُ السّلامُ) علمٌ يمنحهُ اللهُ عزّ وجلّ للإمام فيما يتعلّقُ بوظائفِ إمامتهِ ، ولا يقتصرُ الإماميّةُ على هذه الدّعوى من علمِ أئمّتهم ببعضِ المغيّباتِ ، بل هذهِ الدّعوى موجودةٌ عندَ أهلِ السنّةِ أيضاً ، فقد ثبتَ منْ مرويّاتِ أهل السنّةِ أنّ عمرَ بنَ الخطّابِ قد علمَ الغيبَ ونادى ساريةَ بنَ زنيمٍ الذي بعثهُ قائداً على إحدى الجيوشِ لبلادِ فارسَ، فناداهُ وهو في المدينةِ : يا ساريةُ الجبل ، يا ساريةُ الجبل ، فاستندَ ساريةُ إلى الجبلِ وتحقّقَ لهمُ النّصرُ على جيشِ الفرسِ [ انظر : البدايةُ والنّهايةُ لابنِ كثير 7: 147 ، قالَ : هذا إسنادٌ جيّدٌ حسنٌ ... ويقوّي بعضهُ بعضاً ، سلسلةُ الأحاديثِ الصّحيحةِ للألباني 3: 101].

وكذلكَ أخرجَ الألبانيّ في "أرواءِ الغليل" ج6 ص 61 حديثَ إخبارِ أبي بكرٍ بما في بطنِ زوجتهِ وأنّها أنثى، وصحّحهُ.

قالَ ابنُ تيميّةَ في "مجموعِ الفتاوى":  "وأمّا المعجزاتُ التي لغيرِ الأنبياءِ منْ " بابِ الكشفِ والعلمِ " فمثلُ قولِ عمرَ في قصّةِ ساريةَ ، وإخبارِ أبي بكرٍ بأنَّ ببطنِ زوجتهِ أنثى". [ مجموعُ الفتاوى 11: 318 ].

نقولُ: فإذا ثبَتَ هذا العلمُ بالغيبِ لغيرِ الأنبياءِ، حسبَ ابنِ تيميّةَ وابنِ كثيرٍ والألبانيّ فهوَ يثبتُ لغيرهم، فحكمُ الأمثالِ فيما يجوزُ ولا يجوزُ واحدٌ منْ هذهِ الناحيةِ.

أمّا جوابُ الشقِّ الثاني، فنقولُ : العلمُ ببعضِ الأمورِ الغيبيّةِ لا يعني مخالفةَ المحتومِ، فإنّ هناكَ أموراً محتومةً لابدَّ منْ وقوعِها إذا حضرتْ أسبابهُا، وهذا لا يعني تقديرَ وقوعِها على نحوِ الجَبرِ، بلْ هيَ ممّا جرى في علمِ اللهِ سبحانهُ بأنّها ستقعُ حتماً لحضورِ أسبابِها ومسبّباتِها، والتّكليفُ في دارِ الدّنيا - كما هوَ معلومٌ - إنّما يجري وفقَ قانونِ الأسبابِ والمسبّباتِ ، فلو فرضْنا أنّ هناكَ شخصاً سيقتلُ غداً بالرّصاصِ في حادثةٍ معينةٍ، واللهُ سبحانهُ قد أعطى هذا العلمَ بالموتِ للشّخصِ نفسهِ، فهل تراهُ يقدرُ أن يدفعَ الموتَ عنْ نفسهِ إذا حضرتْ كلُّ الأسبابِ لحضورهِ في تلكَ الحادثةِ ومقتلهِ فيها؟!!

إنّ دفعَ الأسبابِ بعدَ حضورِها ليسَ مقدوراً لأحدٍ منَ البشرِ.. وقد أخبرَنا رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) بأنّ ولدهُ الحسينَ (عليهِ السّلامُ) سيقتلُ في أرضٍ يقالُ لها (كربلاء)، وهذا أمرٌ تظافرَ نقلهُ عنِ الجميعِ، وهو ممّا كانَ يَعلمهُ الحسينُ (عليهِ السّلامُ) أيضاً.. فلماذا لم ينهَ النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) ولدَهُ الحسينَ (عليهِ السّلامُ) منَ الذّهابِ إلى كربلاءَ حتّى لا يقتلَ فيها؟!!

إنّ التكليفَ الشّرعيَّ للإمامِ الحسينِ (عليهِ السّلامُ) في وقتِها كانَ هوَ الخروجُ لنصرةِ المظلومينَ بعدَ أنِ اجتمّعتْ عندَهُ آلافُ الكتبِ منْ أهلِ الكوفةِ وعشراتُ الألوفِ منَ التّواقيعِ عليها تستنجدُ بهِ للخلاصِ منَ الحكمِ الأمويِّ وطاغيتِهِ يزيدَ.

والإمامُ ( عليهِ السّلامُ ) مأمورٌ بالأخذِ بظواهرِ الأمورِ، وليسَ لهُ أنْ يتعاملَ معَ الأحداثِ بما عندهُ من علمٍ غيبيّ بخذلانِ النّاسِ وتقاعسِهم عن نصرتِهِ فيما بعدُ ، فالحجّةُ قد اكتملتْ - ظاهراً- بحضورِ النّاصرِ الأمرُ الذي يحتّمُ عليهِ الاستجابةَ لهم، وفي هذا الجانبِ يقولُ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ ( عليهِ السّلامُ ) : "أما والذي فلقَ الحبّةَ وبرأَ النّسمةَ، لولا حضورُ الحاضرِ، وقيامُ الحجّةِ بوجودِ النّاصرِ، وما أخذَ اللهُ على العلماءِ أنْ لا يُقارّوا على كظّةِ ظالمٍ ولا سغَبِ مظلومٍ لألقيتُ حبَلها على غاربِها ولسقيتُ آخرَها بكأسِ أوّلِها". [نهجُ البلاغةِ 1: 36]

 وبلحاظِ ما تقدّمَ نقولُ: إنَّ علمَ أهلِ البيتِ (عليهمُ السّلامُ) بمصرعِهم في مكانٍ ما لا يَعني أنْ يُخالفوا المحتومَ بعدَ حضورِ أسبابهِ، وهذا مطلبٌ يرتبطُ بمسألةِ القضاءِ والقدرِ، ولا بأسَ أنْ نشيرَ إليهِ هنا بشكلٍ موجزٍ فنقول: إنّ القضاءَ على نحوينِ:

 (1) قضاءٌ محتومٌ، وهوَ ما أخبرَنا بهِ الرّسلُ والأنبياءُ، فهذا يحصلُ لا محالةَ؛ لأنَّ اللهَ لا يكذّبُ أنبياءهُ ورسلهُ.

 (2) قضاءٌ موقوفٌ، أي غيرُ محتومٍ، وهوَ خاضعٌ لقانونِ المحوِ والإثباتِ الذي أخبرَنا بهِ سبحانهُ في قولهِ : {يَمحو اللهُ ما يشاءُ ويثبتُ وعندهُ أمُّ الكتابِ } الرّعد :39 ، فهُنا في هذا القضاءِ يَجري التّغييرُ بحسبِ مقتضياتِ عملِ الإنسانِ وأفعالهِ التي تبدّلُ الأقدارَ، كما نصّتْ على ذلكَ الأحاديثُ الشّريفةُ : بأنَّ الدُّعاءَ يردُّ القضاءَ ، والصّدقةَ تدفعُ البلاءَ ، وصلةَ الأرحامِ تزيدُ الأعمارَ ، ونحو ذلكَ [ انظر : سننُ التّرمذيّ 3: 304 ، المستدركُ للحاكم 1: 493، شُعَبُ الايمانِ للبيهقيّ 3: 214].

2021/08/16
وعد إلهي.. ما أهمية الإخبار بمقتل الإمام الحسين (ع) قبل وقوعه؟

الوعد والإنباء بمقتل سيد الشهداء-أهميّته، ومشكلته.

"الْمَوْعُودِ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اْستِهْلالِهِ وَ وِلادَتِهِ"

كلّما مررتُ بهذا المقطع –وهو جزء من دعاء يوم ولادة سيد الشهداء (3 شعبان) - وقرأتُه كأنّي أقرأه أول مرّة، فأجول الخاطر متأملاً في معناه، وأُعمل العقل متدبراً في فحواه.

[اشترك]

والأمر  يستحق، فالمقام يقول: ثمّة وعد من الله للحسين قبل أن يوجد على الأرض بأنّه مقتول مستشهد لا محالة!!، وهذا مع الاغماض عن الجانب الأدبي و البلاغي في الجملة أعني الاستعارة في قوله: قبل استهلاله !

والمضمون آنفاً إخبار غيبيٌّ، وإنباءٌ عن حدثٍ مستقبليٌّ، على نحو تفصيليٌّ لا إجمالي، ولا أتحدث هنا عن المقطع أعلاه فقط، وإنّما عن مجموع ما أخبر به الوحي عن الواقعة قبل وقوعها، وتفاصيل حكتها النصوص عن تراجيديا كربلاء قبل حدوثها، وهي متواترة تواتراً معنوياً أو اجمالياً جزماً.  وخبر نعي النبي للحسين وبكاؤه عليه عند ولادته وبعدها أمرٌ معروف.

ليس هذا فقط، فلقد حدّثتْ تلك النصوص –وهي تعرب عن العلم الإلهي الأزلي – عن معظم ما يرتبط بالواقعة الأليمة و كيفيّتها، كما أخبرتْ عن مكان الفاجعة، وزمانها، وحدّدتْ هويّة القاتل وصفاً وانتماءً واسماً إلى غير ذلك من التفاصيل، ونؤكد مرّة أخرى على التواتر الإجمالي –كحدّ أدنى- لهذه الإخبارات التي تناقلها المسلمون قاطبة.

فيما يخصّ تحديد مكان القتل، جاء الإنباء صريحاً بأنّها كربلاء، وفي بعضها: أرض الطف، وفي آخر: أرض بابل، وفي رابع: أرض العراق.. وفيما يتعلق بزمان الواقعة روي عن النبي: يقتل حسين على رأس ستين من مُهاجَري. أما أنّ أمتي ستقتله، وفي حديث آخر: طائفة من أمتي، وفي ثالث بقية الفئة الباغية من بني أميّة..و في رابع يحدد القاتل وصفاً بالإسم: يزيد.(للتفصيل ينظر:الصحيح من مقتل سيد الشهداء،ص205، وما بعدها)

ويثار هنا سؤالٌ وإشكال:

فالسؤال: يتعلق بمغزى وأهميّة هذا نحو من الإخبار عن الحوادث الجسام قبل وقوعها،  وأمره هينٌ، وجوابه سهلٌ، إذ تبرز أهمية هذا النوع من الإخبار في أمرين:

فأولاً- أنّه أحد براهين صدق الوحي حتى اعتبره العلماء دليلاً مستقلاً على وحيانيّة القرآن وصدقيّة النبوّة الخاتمة. يقول السيد الخوئي: أخبر القرآن الكريم في عدة من آياته عن أمور مهمة ، تتعلق بما يأتي من الانباء والحوادث ، وقد كان في جميع ما أخبر به صادقا ، لم يخالف الواقع في شيءٍ منها . ولا شك في أن هذا من الاخبار بالغيب ، ولا سبيل اليه غير طريق الوحي والنبوة ..وراح الخوئي يسرد جملة من الشواهد القرآنية على ذلك(انظر-البيان،ص68)

وثانياً- إنّه ويبصّر الأمة ويكشف لها عن وظيفتها في التعامل مع الأحداث، فإنّ خبر الغيب، والإنباء عن المستقبل يمكن تقسيمه إلى قسمين: فقسم هو محض خبر، لا يستدعي موقفاً ولا يتعلق به تكليف ولا ينطوي على حثّ ازاء الحدث المخبر عنه، ومن هذا القبيل: إخبار القرآن الكريم في سورة النبأ عن أنّ أبا لهبٍ وزوجته لن يؤمنا وسيدخلان النار.والقسم الآخر، هو ليس إنباءً مجرّداً، ولا خبراً محضاً، وإنّما هو إخبار  يتطلب موقفاً، ويحدّد تكليفاً، وعلى هذا النحو وقع الإخبار عن قضيّة سيد الشهداء، فقد أخرج أبو نعيم في(دلائل النبوّة) تحت عنوان: إِخْبَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ...حديث أَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَنْصُرْهُ قَالَ: فَقُتِلَ أَنَسٌ مَعَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ(دلائل النبوّة،ص554).

وإمّا الإشكال الذي يمكن أن ينثار نتيجة هذا الإخبار، فهو أنّه ناءً على هذا الإنباء التفصيلي عن هذه الظلامة بمكانها وزمانها، وطرفيها: يزيد الظالم، والحسين المظلوم، فهل يمكن للطرفين تغيير مسار الأحداث، ويقلبا المعادلة بحيث لا يقع ما وقع في كربلاء؟! لا شك أنّ الجواب بالإيجاب يعني عدم مطابقة الإخبار الإلهي ومن ثمّ عدم مطابقة العلم الإلهي للواقع، وهذا كما ترى،! كما أنّ الجواب بالنفي لا يقل محذوراً عن سابقه، فهو ينفي الإختيار ويرفع التكليف عن الإنسان!

وما يزيد الطين بلّة، والمريض علّة: أنّ ما نحن فيه، أعني عبارة (الموعود بالشهادة قبل الولادة) ليس إنباءً وحسب، بل إنباءٌ ووعدٌ..و الأصل في وعد الله تعالى أنّه حتمٌ لازم، وقضاء من الله واقع؛ من حيث أنّه أنّه تبارك و تعالى لا يخلف الميعاد، وعلاوة على تصريح بعض النصوص في كونه قضاءً، مثل قوله: "وقد مضى القضاء مني فيه[الحسين] بالشهادة.." (كامل الزيارات،ص348).

وحل الإشكاليّة يتلخص بما روي من حديث قدسي عن الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم بمشيئتي كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاءُ.(الكافي،ج1ص152) ويتبين مرماه في أمرين:

أولاً- إنّ أحد الفوارق الجوهريّة - وعادة ما يُغفل عنها- بين الموجودات المتزمنة المحكومة بالوقت والأين، والواقعة بالضرورة في أفق الزمان، ومن أوضح أمثلة الزمانيّات هي الحوادث والوقائع، ومنها واقعة كربلاء( سنة: 61هـ)، وجميع موجودات عالمنا -بما في ذلك نحن- هي موجودات متزمنة؛ لذا يتم من جهتها و بلحاظها تقسيم الزمن وتجزئته إلى ماض، وحاضر، ومستقبل، وتبعاً لذلك طبعاً: تقسيم الأحداث إلى أحداث وقعت في الماضي، وأحداث معاصرة تقع في الحاضر، وأحداث مستقبلية، وأما الله تبارك وتعالى، فكما هو منزه عن المكان، منزّه عن الزمان أيضاً، ومن ثمّ فنسبة الزمان والزمانيات (الحوادث) إليه متساوية، لا ماض فيها ولا حاضر ولا مستقبل، وإخباره إنما يكون عمّا هو واقع وكائن، ولا يجري ما يجري، ولايقع ما يقع، إلا بسبب وعلّة، والعلم الإلهي الذي يكشف عنه الإنباء عن الحوادث قبل وقوعه إنّما يتعلق بأسباب  الحوادث، وعلل الوقائع، كما يخبر المتنبأ الجوي عن حالة الطقس ودرجات الحرارة، وهطول الإمطار قبل حدوثها نظراً لأجتماع أسبابها، وتظافر عللها.

ثانياً- وإنّ أحد أجزاء تلك العلّة التامة لصدور الأفعال والحوادث هي اختيار الإنسان لها، ووقوع إرادته عليها، فالخيار الإنساني، وإرادة الفعل من بني البشر هي أحد أجزاء العلّة التامّة التي يستحيل وقوع الحدث من دونها، وهي أيضاً أحد متعلقات العلم والمشيئة والقضاء الإلهيّة، فقد قضى الله تعالى قضاءً حتماً، وأراد إرادة تكوينية لا تختلف ولا تتخلف أن تتعلق مشيئته وعلمه وقضاؤه بالفعل الصادر من الإنسان  بصدور الفعل الاختياري من الإنسان بقيد الاختيار والحرية، ومثل هذا العلم يوَكّد الاختيار، قال العلاّمة الطباطبائي:إنّ العلم الاَزلي متعلّق بكلّ شيء على ما هو عليه، فهو متعلّق بالاَفعال الاختيارية بما هي اختيارية، فيستحيل أن تنقلب غير اختيارية".(انظر-إلهيات السبحاني،ص216)، غاية الأمر هنا أنّه تعالى كشف للناس عن هذا العلم المتعلق بالحدث قبل وقوعه(واقعة الطف هنا مثالاً) الصادر عن الذوات لا من حيث هي ذوات وفقط، كما الشمس والاشراق، إنّما الصادر عن الذوات المختارة.

2021/08/16
سمعت نشيج النبي.. أربع حقائق: في البكاء والعزاء الحسيني!

من دون تطويل، وبلا مقدمات: دونك أربع مرويّات، بل حقائق ومسلّمات، ثبتت عند أهل السنة بطرق صحيحة، وألفاظ صريحة، في البكاء والعزاء، على الحسين سيد الشهداء:

[اشترك]

 الحقيقة الأولى: [من قطرتْ عيناه في أهل البيت فله الجنة]!

  • روى هذه الحقيقة أحمد ابن حنبل(المتوفى: 241هـ) في فضائل الصحابة بإسناد صحيح، قال: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْرَائِيلَ قَالَ: رَأَيْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخَطِّ يَدِهِ: نا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُنْذِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ يَقُولُ:

مَنْ دَمَعَتَا عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً، أَوْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً، أَثْوَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ "

  • توثيق الحقيقة الأولى: فضائل الصحابة ج2ص675ح1154، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 – 1983، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس .
  •  الحقيقة الثانية: [النبي يضع التراب على رأسه ولحيته حزناً على الحسين].
  • روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين عن " سلمى قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ يَبْكِي وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفًا»
  • توثيق الحقيقة الثانية: ثبّتَ هذه الحقيقة: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري (المتوفى: 405هـ) في المستدرك على الصحيحين ج 4ص20 حديث: 6764 الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 هـ – 1990 م، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
  • الحقيقة الثالثة: [ نشيج رسول الله على سيد الشهداء ]
  • عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَيْتِي قَالَ: " لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدٌ ". فَانْتَظَرْتُ فَدَخَلَ الْحُسَيْنُ، فَسَمِعْتُ نَشِيجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْكِي، فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا حُسَيْنٌ فِي حِجْرِهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ حِينَ دَخَلَ، فَقَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَتُحِبُّهُ؟ قُلْتُ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَنَعَمْ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلَ هَذَا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: كَرْبَلَاءُ، فَتَنَاوَلَ جِبْرِيلُ مِنْ تُرْبَتِهَا ". فَأَرَاهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أُحِيطُ بِحُسَيْنٍ حِينَ قُتِلَ قَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلَاءُ، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; كَرْبٌ وَبَلَاءٌ»
  • توثيق الحقيقة الثالثة: أخرج هذه الحقيقة، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (المتوفى: 807هـ) في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج 9 ص189: حديث رقم: (15116)، مكتبة القدسي- القاهرة، سنة النشر: 1414 هـ، 1994 م، تحقيق: حسام الدين القدسي، وأعقبه الهيثمي بالقول: وَفِي رِوَايَةٍ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; أَرْضُ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ، وَرِجَالُ أَحَدِهَا ثِقَاتٌ .
  • الحقيقة الرابعة: [ آيات كونية وبكاء الأرض والسماء والجن]
  • وفيما يلي خمسة آثار صحيحة نقلها الهيثمي في مجمع الزوائد :

1ـ عن الزهري قال: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط .

2ـ وعنه أيضاً قال: ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم ‏.‏

3ـ عن أم حكيم قالت ‏:‏ قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياماً مثل العلقة‏.‏

4ـ وعن أبي قبيل قال‏:‏ لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي .

5ـ عن أم سلمة وميمونة أيضاً قالتا ‏:‏ سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي.

توثيق الحقيقة الأخيرة: المصدر السابق: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج9ص196، حديث رقم: 15159 وما بعده .

 

 

2021/08/13
مجلس حسيني.. الليلة الثانية: ’حركة الجندر’.. هل تولد الأنثى امرأةً أم تكتسب ذلك من المجتمع؟!

هل تولد الانثى امرأةً؟ أم أن اتصاف الانسان بصفات الرجل أو المرأة هو مكتسب من الثقافة الاجتماعية فحسب؟

[اشترك]

وما هي أوجه الالتقاء الافتراق بين الرؤيتين النسوية والإسلامية؟

وهل الأفكار النسوية تسهم في رسم مجتمع مستقر؟ أم أنّ لها آثار سلبية على بناء الأسرة والمجتمع؟

المزيد من التفاصيل في الفيديو أدناه:

2021/08/11
2021/08/11