هل تعرّض أهل البيت للذلّ في كربلاء؟!
هل تعرَّض أهلُ البيت للذُلِّ في كربلاء؟ وما هو معنى القول المأثور عن الإمام الرضا (ع): ".. وأذلَّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء"؟ الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

الحديثُ المُشار إليه في السؤال هو صحيحةُ إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا (عليه السلام): "إنَّ المحرَّم شهرٌ كان أهلُ الجاهلية يُحرِّمونَ فيه القتال، فاستُحلَّت فيه دماؤنا" إلى قوله (ع): "إنَّ يوم الحسينِ أقرحَ جفوننا، وأسبلَ دموعَنا، وأذلَّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء .."(1).

معنى قوله (ع): "وأذلَّ عزيزنا":

ومعنى قوله (ع): "وأذلَّ عزيزنا" هو أنَّه تمَّ الاستضعاف والاستهانة وإيقاع الإهانة والإذلال بعزيزنا، والمراد من العزيز في الرواية هم كلُّ فردٍ فرد من أبناء الرسول (ص) وبناته وسائر قرابته ممَّن كانوا مع الحسين (ع) في كربلاء، فكلُّ هؤلاء الكِرام قد تمَّ استضعافُهم والاستهانةُ بهم والإهانةُ لهم وذلك بمثل التنكيل والتمثيل بأجساد الشهداء منهم والأسرِ والسبي لمَن بقيَ منهم، ولذلك رُويَ أنَّ الإمام الحسين (ع) خاطبَهم يوم عاشوراء بقوله: "صَبْرًا يا بَني عُمُومَتي! صَبْرًا يا أَهْلَ بَيْتي! لا رَأَيْتُمْ هَوانًا بَعْدَ هذَا الْيَوْمِ أَبَدًا"(2).

لا ضير على المؤمن أنْ يُستهانَ به ويُستَضعَف:

ولا ضيرَ على المؤمن أنْ يُستهانَ به ويُستَضعَف أو يُهانَ ويُستهزَأَ به أو يُسخرَ منه وإنَّما الضيرُ على مَن يجترحُ في حقِّه هذه الجريرة الموبقة، وقد أخبرَ القرآنُ في مواضعَ عديدة أنَّ المستكبرين والطغاة كانوا يستضعفون أتباع الرُسل بل ويسخرون من الرسُل أنفسِهم ويستهزئون بهم بمثل رجمهم أو تهديدهم بالرجم وبمثل طردهم وإضحاك الناس عليهم وبمثل الافتراء عليهم واتِّهامهم في شرفِهم وبمثل التنكيل بهم والتمثيل بأجسادهم كما فَعلوا بنبيِّ الله يحيى (ع).

نماذج من إهانات العصاة للأنبياء (ع):

يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾(3) وقال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾(4) فكلٌّ من الآيتين تُخاطبُ النبيَّ الكريم (ص) وتحكي له ما كان ينالُ الرسُل الَّذين سبقوه مِن امتهانِ أقوامِهم لهم واستخفافِهم بهم والسخريةِ منهم، تُخاطبه بذلك لتُخفِّف عنه بعضَ ما يجدُه من أَلمِ الاستخفاف بدعوته والامتهان لشخصِه الكريم بمثل وضع الأشواك في طريقه، وإلقاء القذارات ومخلَّفات الذبائح على ظهرِه ورأسه أثناء سجوده، وإغراء الصبيان والسفهاء بشتمِه ورجمه بالحجارة والأقذار.

ويقولُ اللهُ تعالى يحكي ما وقع لنوحٍ (ع) مع قومه: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾(5) فكانوا يتعاقبون السخرية به، ففوجٌ يمضي وآخرُ يأتي، يتحلَّقُّون حولَه كما يُفعَلُ بالمعتوه أو المجنون يتهكَّمون بما يفعلُ وبما يقول، يقصدون من ذلك تحقيره وتصغيره وامتهانه وإدخال الوهن والإذلال عليه، لذلك جاء الوعيدُ من الله تعالى في ذيل الآية أنَّ الخزي والذلَّ سوف يلحقُ بهم فيما بعد ويوم يقوم الناس للحساب.

كذلك كان حال سائر الأنبياء في أقوامهم، فإبراهيمُ (ع) شيخُ الأنبياء أخذوه وساقوه كما يُساق الجُناة استصغارًا لشأنه، وتحلَّقوا حوله يُقرِّعونه كما قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾(6) ثم صفَّدوه في الأغلال كما يُفعلُ بالمجرمين، وجمعوا الناس ينظرون إليه وهو على تلك الحال المُزرية ثم قذفوه في النار يبتغون من ذلك إراءة الناس له وهو يتقلبُ فيها، إمعانًا في إذلاله والاستهانة به كما قال تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ / فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾(7) فقد أرادوا من ذلك إذلاله فشاء اللهُ تعالى أن يكونوا هم الأسفلين.

وكذلك فعلَ بنو إسرائيل بالمسيح عيسى بن مريم (ع) فقذفوا أمَّه بالفجور ثم أخذوا رجلًا اعتقدوا أنَّه المسيح فجرَّدوه من ثيابه ووضعوا إكليل الشوك على رأسه إمعانًا في إذلاله ثم كلَّفوه قسْرًا بأنْ يحملَ خشبة الصلب على ظهره، وساقوه بها إلى موضع صلبه وكانوا كلَّما أدركَه الإعياء أو تعثَّرَ ضربوه، ثم جمعوا الناس حولَه وصلبوه على خشبته وهم يتضاحكون ويُسمِعونه أقذع السُباب وكلمات التقريع، يقول الله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا / وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾(8).

وكذلك فعلوا بنبيِّ الله يحيى بن زكريا قتلوه استجابةً لرغبة بغيٍّ، وحملوا رأسه في طستٍ إليها، ولذلك كان الحسين (ع) يُكثرُ من ذكره كما رُوي ذلك عن الإمام عليِّ ن بن الحسين عليهما السلام قال: "خرجنا مع الحسين عليه السلام فمَا نزلَ منزلًا ولا ارتحل منه إلا ذكَرَ يحيى بن زكريا وقتله، وقال يومًا: ومِن هوانِ الدنيا على الله أنَّ رأسَ يحيى بن زكريا (عليه السلام) أُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل"(9).

إذن فالاستضعافُ والامتهان والإذلال أمرٌ تعرَّض له الأنبياء والصالحون على امتداد تاريخ الرسالات، وذلك لا يُضيرُهم ولا يُنقِص من شأنِهم بل هو سرُّ رفعتِهم وعلوِّ قدرهم عند الله تعالى وعند الناس، والإذلال الذي يُنقِص من قدر الانسان هو الذي تعقُبه استجابةٌ لمقتضيات الإذلال، فحينما يُستذلُّ أحدٌ فيخنَع ويضرع ويستجيبُ ويستسلم لدواعي الإذلال فهذا هو الذليل، وأمَّا حينما يصبرُ على الأذى ويتجلَّد، ويرفض الخنوع والخضوع والاستجابة لدواعي الإذلال فهو العزيز بل يتصاغر مضطهدوه أمام عزَّته وشموخه رغم تظاهرِهم بالاستعلاء، ويشعرون بالصَغار في أنفسهم والانبهار من ثباته على موقفِه رغم قساوة ما أوقعوه عليه من وسائل الإخضاع.

شموخُ الحسين في مقابل سعي المعسكر الأموي لإخضاعه:

كذلك كان الحسينُ (ع)، فقد حشدَ له النظامُ الأموي جيشًا يُناهز تعدادُه الثلاثين ألفًا(10) فأحاطوا به وبأُسرته يرجون مِن ذلك إرغامه على الاستسلام والبيعة فصدح فيهم غير عابئ ولا مكترث: "ألا وإنَّ الدعيَّ ابن الدعيِّ قد ركزَ بين اثنتين بين السلَّة والذلَّة وهيهات منَّا الذلة، يأبى اللهُ ذلك لنا ورسولُه والمؤمنون، وحجورٌ طابتْ وطهرتْ وأنوفٌ حميَّة، ونفوسٌ أبيَّة من أنْ تُؤثر طاعةَ اللئام على مصارع الكِرام، ألا وإنِّي زاحفٌ بهذه الأسرة مع قلَّة العدد وخذلة الناصر"(11).

وظلَّ كذلك مستمسكًا بموقفِه وإبائه حتى بعد أنْ وثبوا عليه وعلى أنصاره وأولاده قتلًا وتنكيلًا، حينها ضربَ (عليه السلام) بيدِه إلى لحيته، وجعل يقول: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تعالى عَلَى الْيَهُودِ إِذْ جَعَلُوا لَهُ وَلَدًا، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تَعالى عَلَى النَّصارى إِذْ جَعَلُوهُ ثالِثَ ثَلاثَة .. وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلى قَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلى قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِمْ، أما وَاللهِ! لا أُجيبُهُمْ إِلى شَيءٍ مِمّا يُريدُونَ حَتّى أَلْقىَ اللهَ تَعالى وَأَنَا مُخَضَّبٌ بِدَمي"(12).

وحين وقع سهمٌ في نحرِه، فخرَّ عن فرسِه -كما في رواية الصدوق- أخذَ السهمَ فرمى به، وجعل يتلقَّى الدم بكفِّه، فلمَّا امتلأتْ لطَّخ بها رأسَه ولحيتَه وهو يقول: "ألقى اللهَ عزَّ وجلَّ وأنا مظلومٌ متلطِّخٌ بدمي"(13) وقال كما في رواية السيِّد ابن طاووس: "هكذا ألقى الله مُخضبًا بدمي مغصوبًا على حقِّي"(14) أو قال: "هكذا حتى ألقى ربِّي بدمي مغصوبًا على حقِّي"(15).

وأصابَه جرحٌ بليغٌ في حلقِه -كما في الدرِّ النظيم- فكانَ "يضعُ يدَه عليه فإذا امتلأت بالدم قال: اللهمَّ إنَّك ترى، ثم يعيدُها، فإذا امتلأت قال: اللهمَّ إنَّ هذا فيك قليل"(16) وقال كما في المناقب: "بِسْمِ اللهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ، وَهذا قَتيلٌ في رِضَى اللهِ"(17).

فما أعطى الدنيَّة من نفسِه، وما وجدوا منه استكانة، وما ظهرَ على محيَّاه خوفٌ أو تلكأ، يقول الإمامُ الباقر (عليه السلام) كما في صحيحة بريد العجلي: "أُصيبَ الحسينُ بن عليٍّ (عليهما السلام) ووُجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنةً برمحٍ أو ضربة بسيف أو رميةً بسهم، فرُويَ أنَّها كانت كلُّها في مقدَّمه لأنَّه (عليه السلام) كان لا يولِّي"(18).

استُهين بهم فتوشّحوا بالعزَّة والإباء:

وخلاصةُ القول: إنَّ المعسكر الأموي عمِلَ جاهدًا على استضعاف أهل البيت وامتهانِهم في كربلاء، فتوسَّل بكلِّ وسيلةٍ يرجو منها الوصول إلى إخضاعهم وقَسرِهم على الاستسلام ابتداءً بحصارهِم الخانق الذي لم يتَّفق له مثيل، ثم حرمانهم من الماء، وحين لم يُفلح في إرغامهم على القبول بالهَوان زحفَ عليهم بجمْعِه فلم يرقُب فيهم إلًّا ولا ذمَّة حتى كادَ أنْ يستأصلَهم، وحين أباد الكبيرَ والصغيرَ منهم ولم يجد في ذلك شفاءً لغليلِه المستعِر بين جوانحه -والذي أوقذتْه وزادتْ من أوارهِ مظاهرُ العزَّة والإباء التي تجلَّت في مواقف الشهداء من أهل البيت- راح يبحثُ عمَّا يشفي به غيظه وحنقَه فلم يجد ذلك إلا في الانتقام من جثامين الشهداء الذين مرَّغوا كبرياءَه في الوحل فصنعَ بها ما يعتقدُ أنَّه يحطُّ من أقدارها، فكان يطأُها بسنابك خيلِه، ويُبضِّعُ أوصالَها بخناجره، ويجتزُّ رؤوسَها ويرفعُها على رؤوسِ الرماح ليَظهرَ بها في مظهَرِ القاهرِ المنتَصِر علَّه يسترُ بها ما انطوت عليه نفسه من خَوارٍ وضِعةٍ وصَغار، فكان يحرصُ على التظاهر بالقهر والغلبة، وهذا هو ما دفعه إلى أنْ يُشعِل النار في مخيَّمات الشهداء ويسوقَ بنات الرسول (ص) كما تُساق الأسارى، ليظهروا بحسب وهمه في مظهر المذلّة والهوان ويظهر هو في مظهر العزِّ والاقتدار.

فالمقصود من قول الإمام الرضا (ع): "وأذلَّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء" هو الإشارة إلى الهيئة المزرية التي حرص المعسكر الأموي أنْ يُظهِر عليها أهل البيت في كربلاء.

خطاب السيِّدة زينب (ع) يُلخِّص ما وقع في كربلاء:

وهذا ما أشارت إليه السيِّدة زينب (ع) في خطبتها الشهيرة: "أظننتَ يا يزيد حيثُ أخذتَ علينا أقطارَ الأرض وآفاقَ السماء، فأصبحنا نُساقُ كما تُساقُ الأسارى أنَّ بنا على اللهِ هوانا وبك عليه كرامة؟! وأنَّ ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمختَ بأنفك، ونظرتَ في عَطفِك، جذلانَ مسرورا، حين رأيتَ الدنيا لك مستوسقة والأمورَ متَّسقة، وحين صفا لك ملكَنا وسلطاننا، مهلًا مهلا أنسيتَ قول الله تعالى ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.

أمِنَ العدلِ يابن الطلقاء تخديرُك حرائرك وإماءك وسوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هتكتَ ستورهن .. وكيف يُرتجى مراقبة مَن لَفَظَ فوه أكبادَ الأزكياء، ونبتَ لحمُه بدماء الشهداء؟ وكيف يُستبطأ في بغضنا أهلَ البيت مَن نظر إلينا بالشنَف والشنآن، والإحن والأضغان؟

فو الله ما فريتَ إلا جلدَك، ولا جززتَ إلا لحمَك، ولتردنَّ على رسول الله بما تحمَّلتَ مِن سفكِ دماء ذريتِه، وانتهكتَ من حُرمتِه في عترتِه ولُحمته، حيثُ يجمعُ الله شملَهم ويلمُّ شعثَهم، ويأخذُ بحقِّهم، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، حسبُك باللهِ حاكما، وبمحمَّدٍ خصيما وبجبرئيل ظهيرا، وسيعلمُ من سوَّى لك ومكَّنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا .. ولئن جرَّت عليَّ الدواهي مخاطبتَك إنِّي لأستصغرُ قدرَك، وأستعظمُ تقريعَك وأستكبرُ توبيخَك .. فكدْ كيدَك واسعَ سعيَك، وناصبْ جهدَك، فواللهِ لا تمحو ذكرَنا، ولا تُميتُ وحينا، ولا تُدركُ أمدنا، ولا ترحضُ عنك عارُها، وهل رأيُك إلا فنَد، وأيامُك إلا عدد، وجمعُك إلا بدَد، يوم يناد المنادي ألا لعنةُ الله على الظالمين، فالحمد لله الذي ختم لأوِّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة .."(19).

الهوامش: 1- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص190. 2- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص112، اللهوف -السيد ابن طاووس- ص68. 3- سورة الأنبياء / 41. 4- سورة الرعد / 32. 5- سورة هود / 38. 6- سورة الصافات / 94. 7- سورة الصافات / 97-98. 8- سورة النساء / 156-157. 9- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص132، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص429. 10- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص177. 11- الاحتجاج -الطبرسي- ج2 / ص24، مثير الأحزان -ابن نما الحلِّي- ص40. تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- مع اختلاف يسير ج14 / ص219، بغية الطلب في تاريخ حلب -ابن العديم- ص2588، التذكرة الحمدونيَّة -ابن حمدون- ج5 / ص212. 12- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص101، اللهوف -السيد ابن طاووس- ص126. مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص9. 13- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص226. 14- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص170. 15- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص118. 16- الدر النظيم -ابن حاتم المشغري- ص551. 17- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص258. 18- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص228، شرح الأخبار -القاضي المغربي- ج3 / ص541. روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص189. 19- الاحتجاج -الطبرسي- ج2 / 36، مع اختلاف يسير، مثير الأحزان -ابن نما الحلِّي- ص81، اللهوف -السيد ابن طاووس- ص105.
2023/08/03

ما حقيقة بكاء «يزيد» على الإمام الحسين (ع)؟!
هل ثبت أن يزيد بكى على شيء مما جرى على الإمام الحسين في لحظةٍ ما، وذلك كما نقله القاضي النعمان في شرح الأخبار، والطبراني في المعجم الكبير، ونَقل الطبري أن عمر بن سعد بكى أيضاً؟

الجواب من مركز الرصد العقائدي:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

لم يثبت ذلك، بل الثابت خلافه، وهو أن الطاغية يزيد بن معاوية استبشر بمقتل الإمام الحسين (ع)، وراح يعبِّر عن جريمته النكراء بألوان الفرح والسرور.

وفيما يلي مناقشة هذا التساؤل بوضوح واختصار ..

[أولاً] روايات بكاء يزيد ضعيفة:

• أما رواية القاضي النعمان في شرح الأخبار: ج٣ ص٢٦٧ ح١١٧٢، قال: «وَرُوِيَ عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: قُدِمَ بنا على يزيد بن معاوية (لعنه الله) .. فبكى يزيد .. فاشتدَّ بكاؤه، حتى سمع ذلك نساؤه فبكينَ، حتى سمع بكاؤهنَّ من كان في مجلسه .. إلخ».

فهي مرسَلة، والقاضي النعمان توفي سنة ٣٦٣هـ، ولم يُدرك الإمام الباقر (ع)، ولم يذكر مصدراً لروايته هذي.

بل القاضي النعمان نفسه، كذَّب يزيد في الرواية نفسها، فقال: «كذب عدوُّ الله! بل هو الذي جهَّز إليه الجيوش! وقد ذكرتُ خبره فيما مضى».

وهذا يكفي في كشف تصنُّع يزيد، وفضح تمثيله بالبكاء، فخداعه لا ينطلي على الأذكياء، إنما يراوغ به الأغبياء.

• وأما رواية الطبراني في المعجم الكبير: ج٣ ص١١٦ ح٢٨٤٨، قال: «حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الزبير، حدثني محمد بن الحسن المخزومي، قال: لما أُدْخِل ثِقْلُ الحسين بن علي (رض) على يزيد بن معاوية، ووُضِعَ رأسُه بين يديه، بكى يزيد ..إلخ».

راويها: أبو الحسن محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، توفي سنة ١٩٩هـ، أجمع علماء الرجال قاطبة على تضعيفه جداً، وقالوا: «كذاب، هالك، متروك، منكر الحديث». كما في ميزان الاعتدال: ج٣ ص٥١٤ ت٧٣٨٠، وتهذيب التهذيب: ج٩ ص١٠١ ت١٦٠.

ثم هو لم يُدرك الحادثة، وروايته لها منقطعة، فمن أين له يعرف تفاصيلها؟! وهذا يزيد روايته ضعفاً ووهناً.

• وأما رواية الطبري في تاريخه: ج٥ ص٤٥٢، قال: «قال أبو مخنف: عن الحجَّاج، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي .. وقد دَنا عُمر بن سعد من حسين، فقالت [يعني: زينب]: يا عمر بن سعد، أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه! قال: فكأني أنظر إلى دموع عُمر وهي تسيل على خدَّيه ولحيته، قال: وصَرف بوجهه عنها».

وهذا الإسناد شديد الضعف: فإن الحجَّاج بن أرطاة، كثير الخطأ والإرسال والتدليس، وهو هنا قد عَنْعَنَ ولم يصرِّح بالسَّماع، مضافاً لاتهامه بالرشوة في القضاء، والزيادة في الروايات، وتغيير ألفاظها واضطرابها. كما في تاريخ بغداد: ج٩ ص١٣٣ ت٤٢٩٤، وسير أعلام النبلاء: ج٧ ص٦٨ ت ٢٧، وتهذيب التهذيب: ج٢ ص١٧٢ ت٣٦٥.

ثم إن عبد الله بن عمار ـ الراوي للرواية ـ جندي في جيش عمر بن سعد، بل قيل: إنه قائد الرَّمَّاحَة. وهو نفسه صرَّح في هذه الرواية: أنه قد أعان على قتل الإمام الحسين (ع)، حتى عُوتِبَ في ذلك!

فكيف تُقبل روايته في محاولته تبرئة عمر بن سعد من تورُّطه بجريمته الشنيعة الفظيعة؟! أو بالأقل محاولته إظهار تعاطف عُمر مع قضية الإمام (ع)؟!

بل في نفس الرواية ما يمنع من الأخذ ببعض تفاصيلها، مثل قول عبد الله بن عمار: «خرجتْ زينب ابنة فاطمة ـ أختُه ـ وكأني أنظر إلى قُرْطِها يجول بين أذنيها وعاتقها، وهي تقول: ليت السماء تطابقت على الأرض!».

هذا كلام منكر جداً، فليس من شأن هذا المجرم أن يرى شيئاً من محاسن سيِّدة الحِجاب والحِشمة (ع)!

وواضح أن قوله: «فكأني أنظر إلى دموع عُمر وهي تسيل على خدَّيه ولحيته»، وأيضاً قوله: «وكأني أنظر إلى قُرْطِها يجول بين أذنيها وعاتقها»، من زياداته وإدراجه على أصل الرواية، فإنه من انطباعه هو، لا من نقله للحدث!

[ثانياً] روايات بكاء يزيد معارضة:

ورد في التاريخ ما يثبت أن تظاهر يزيد بالبكاء على الإمام الحسين (ع) ما هو إلا مخادعة ومراوغة منه، والواقع أنه كان فرحاً مسروراً بقتله الإمام (ع)، فمثلاً:

١- روى القاضي النعمان في شرح الأخبار: ج٣ ص١٥٨، قال: «فدخل اللعين يزيد على نسائه، فقال: ما لكنَّ لا تبكينَ مع بنات عمكنَّ؟! وأمرهنَّ أن يعولنَّ معهنَّ! تمرُّداً على الله (عز وجل)، واستهزاءً بأولياء الله (ع) .. وجعل يستفزُّه الطرب والسرور، والنسوة يبكينَ ويندبنَ، ونساؤه يعولنَّ معهنَّ!».

٢- وروى الخوارزمي في مقتل الحسين: ج٢ ص٨٠ ح٣٣، بسنده عن الإمام السجاد (ع) قال: «لما أُتِيَ برأس الحسين (ع) إلى يزيد، كان يتَّخذ مجالس الشرب، فيأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرَب عليه! فحضر ذات يومٍ أحدَ مجالسه رسولُ ملك الروم ـ وكان من أشراف الروم وعظمائها ـ فقال: يا ملك العرب، رأس من هذا؟ فقال له يزيد: ما لَكَ ولهذا الرأس؟ قال: إني إذا رجعتُ إلى ملكنا، يسألني عن كل شيء رأيتُه! فأحببتُ أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه، ليُشاركك في الفرح والسرور .. إلخ».

٣- وروى الخوارزمي في مقتل الحسين: ج٢ ص٧١ ح٣٢، بسنده عن السيدة زينب (ع) قالت بخطبتها في مجلس يزيد: «أظننتَ يا يزيد، حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى، أن بِنَا على الله هَواناً، وبك عليه كرامة؟! وأن ذلك لعِظَم خطرك عنده؟! فشمختَ بأنفك، ونظرتَ في عِطْفِك، جذلان مسروراً .. إلخ».

٤- وروى ابن كثير في البداية والنهاية: ج٨ ص١٩٧، قال: فأرسلهم [يعني: السبايا] إلى يزيد، فجمع يزيد من كان بحضرته من أهل الشام، ثم دخلوا عليه فهنَّوه بالفتح!».

٥- وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء: ص١٥٨، قال: «لمَّا قُتِلَ الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أولاً، ثم نَدِمَ لمَّا مَقَتَه المسملون على ذلك، وأبغضه الناس، وحُقَّ لهم أن يبغضوه!».

[ثالثاً] روايات حزن يزيد مرفوضة، وروايات فرحه مقبولة:

نصَّ بعض كبار علماء أهل السُّنة على: أن يزيد بن معاوية استبشر بقتل الإمام الحسين (ع)، ولذلك حكموا بكفره أو فسقه، وبجواز لعنه أو شتمه، فمنهم مثلاً:

(١) ابن الجوزي، وقد صنَّف كتاباً خاصاً في بيان مخازي يزيد وجواز لعنه، سمَّاه: (الرَّد على المتعصب العنيد المانع من ذمِّ يزيد)، وذكر في أثنائه أقوال جماعة من كبار العلماء.

(٢) وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ج١ ص٢٥٧، وأفرد فصلاً خاصاً لشرح موبقات يزيد، ومما قاله: «والذي يدلُّ على هذا [يعني: رضا وفرح يزيد بقتل الإمام] أنه استدعى ابن زياد إليه، وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرَّب مجلسه ورفع منزلته، وأدخله على نسائه وجعله نديمه».

(٣) والتفتازاني في شرح العقائد النسفية: ع٢ ص٤٩٣، قال: «والحق: أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت النبي (ع)، مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً. فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه».

(٤) والآلوسي في روح المعاني: ج١٣ ص٢٢٧، قال: «وعلى هذا القول: لا توقف في لعن يزيد، لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه. ويكفي ما فعله ـ أيام استيلائه ـ بأهل المدينة ومكة .. والطامة الكبرى: ما فعله بأهل البيت، ورضاه بقتل الحسين (على جده وعليه الصلاة والسلام)، واستبشاره بذلك، وإهانته لأهل بيته، مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً».

اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين (ع)، وشايعتْ وبايعتْ وتابعتْ على قتله، اللهم العنهم جميعاً.

2023/08/02

لم تكن خائفة في كربلاء: هل السيدة زينب (ع) معصومة؟
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ من آل إبراهيم المصطفين الأخيار آل محمد ومن المصطفين من آل محمد  العقيلة الحوراء زينب، فإن زينب كانت من المصطفين، لأن الاصطفاء لا يختص بالأئمة، بل يشمل كل معصوم من أهل البيت.

ولذلك نرى الإمام الحسين عليه السلام طبق آية الاصطفاء على علي الأكبر، لما برز علي الأكبر إلى المعركة وقف الحسين وقال: «اللهم اشهد عليهم أنه برز إليهم غلام أشبه الناس بنبيك، وكلما اشتقنا لرؤية نبيك نظرنا إليه» ثم تلا هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ فاعتبر الإمام الحسين ولده علي الأكبر مصطفى من المصطفين الأخيار مع أنه لم يكن إماما.

إذن الاصطفاء يشمل كل من حبي بالطهارة والعصمة من أهل البيت عليهم السلام  ومن جملة هؤلاء ومن أبرزهم العقيلة الحوراء بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام عندما نتحدث عن هذه الشخصية العملاقة، السيدة زينب التي اقترن اسمها باسم الحسين، وصوتها بصوت الحسين  نتحدث عن ثلاث صفحات:

كما يذكر علماؤنا في كتبهم الكلامية أن العصمة نوعان: عصمة اقتضائية، وعصمة فعلية.

العصمة الاقتضائية: هي نوع من العلم، بمعنى أن المعصوم تنكشف له أسرار الأفعال، وتنكشف له أخطار المعاصي، وتنكشف له الآثار المترتبة على الطاعات، العصمة الاقتضائية نوع من الانكشاف، انكشاف يقتضي امتناع المعصوم عن المعصية وعن الرذيلة، والمواظبة على الطاعة والامتثال والانقياد، نظير الإنسان العادي هو معصوم عن شرب الدم، أو شرب البول، أو شرب الأوساخ، لأنه انكشف له أضرار هذه الأشياء، فهو معصوم عن شربها، بمعنى أنه يمتنع عن شربها بإرادته واختياره، لأنه انكشف له ضررها وخطرها، المعصوم يرى المعاصي كما نرى نحن القاذورات، كالدم، والبول، وأمثال ذلك، كما أننا نرى هذه القذارات ونشمئز منها لأن أضرارها واضحة أمامنا فنمتنع بإرادتنا واختيارنا عن تناولها، فإن المعصوم يرى المعاصي كما نرى القذارات والأوساخ، فيمتنع عنها بإرادته واختياره.

العصمة الفعلية: هي عبارة عن سيطرة العقل على تصرفات الإنسان، فالعصمة الفعلية ترجع إلى عامل اختياري، عامل بشري، كما يحدث إذا دخل الإنسان إلى قاعة الامتحان وجلس هناك لمدة ساعتين يمتحن، ترى أن عقله يسيطر على معلوماته، ترى هذا الإنسان يجلس في قاعة الامتحان لا يخطئ، يجلس لمدة ساعتين يكتب المعلومات بدقة واتقان، لأن عقله مسيطر على تصرفاته، ومعلوماته، نتيجة سيطرة العقل على المعلومات لا يخطئ هذا الإنسان في تسجيل المعلومات وفي تحليلها وفي تطبيقها على مواردها، مثل الطبيب في العملية الجراحية، أحيانا يجري الطبيب عملية جراحية لمدة خمس ساعات، أو ست ساعات بدقة واتقان ونجاح 100% هذا الطبيب يسيطر عقله على حركاته وتصرفاته لمدة خمس ساعات، أو ست ساعات فلا يخطئ في العملية الجراحية أبدا، هنا العصمة هي عصمة بشرية فعلية، بمعنى سيطرة العقل على تصرفات الإنسان.

هؤلاء المعصومون من غير الأئمة الطاهرين مثل العقيلة زينب، العباس ابن علي، على الأكبر، معصومون بالعصمة الفعلية، هؤلاء كان لعقولهم حضور، وهيمنة، وسيطرة، عقولهم تسيطر على تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم نتيجة حضور العقل وسيطرته، هذا الإنسان ليس بإمام لكن نتيجة سيطرة العقل وهيمنته تراه لا يخطئ، لا يعصي، لا يرتكب الرذيلة، فهو بشر لكنه وصل إلى درجة العصمة الفعلية، لأنه وصل إلى درجة سيطرة العقل على التصرفات والتحركات كلها.

إذن العقيلة زينب كما يظهر من الروايات كانت طاهرة معصومة بهذا النوع من العصمة الذي نسميه بالعصمة الفعلية.

صفحة العلم:

زين العابدين يخاطب العقيلة زينب عليها السلام يقول: «عمة، أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفاهمة غير مفهمة» هذا الكلام صادر من إمام يعرف الأشخاص ومستوى درجاتهم العلمية، ما قاله الإمام زين العابدين لأحد غير زينب «أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفاهمة غير مفهمة».

العلم ينقسم إلى قسمين: علم اكتسابي، وعلم لدني

العلم الاكتسابي: هو ما يستقيه الإنسان من شخص آخر.

العلم اللدني: هو المعلومات التي يلهم بها قلب الإنسان من قبل الله تبارك وتعالى، كما ذكر القرآن في شأن أم موسى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أم موسى لم تكن إمام، ولم تكن امرأة معصومة، لكنها رزقت علما إلهاميا، لدنيا.

أيضا الإمام علي عليه السلام يخبر عن هاذين النوعين من العلم: علم اكتسابي، وعلم لدني، يقول: ”علمني رسول الله  ألف باب من العلم، في كل باب يفتح لي ألف باب“

”علمني“ هذا علم اكتسابي ”يفتح لي“ هذا علم لدني، فهو جمع بين العلمين، هناك علم اكتسابي ”علمني ألف باب من العلم“

أنا   مدينة   العلم  وعلي  بابها

إنما    المصطفى   مدينة   علم          فمن أراد المدينة فليأتها من بابها

وهو    الباب   من   أتاه   أتاها

ولكن من هذه العلوم الاكتسابية لدي علم لدني ”يفتح لي من كل باب ألف باب“

السيدة العقيلة زينب بطلة كربلاء كانت موئلا ومعدنا للعلم اللدني، أنت بحمد الله معلمة بالعلم اللدني، عالمة غير معلمة، وفاهمة غير مفهمة، ولذلك كانت هي مطلعة على مسيرة الأحداث، ونتائجها من أولها إلى آخرها، نتيجة لعلمها اللدني .

صفحة العظمة:

أي عظمة تجسدت في شخصية بطلة كربلاء العقيلة الحوراء زينب عليها السلام عظمة لا حد لها، ولا وصف لها، عظمة يعجز اللسان أن يحدد ذرة منها.

هناك خلط من بعض القراء بين زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم، وبين زينب العقيلة الكبرى وهي زوجة عبد الله ابن جعفر، والمشهورة بالعقيلة، والمدفونة بأرض الشام على أشهر الروايات، وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم زوجة مسلم ابن عقيل، وهي على بعض الروايات مدفونة بأرض مصر، فهناك زينب الكبرى، وهناك زينب الصغرى، وأحيانا يحصل خلط بين الزينبين، كثير من روايات المصيبة هي تعني زينب الصغرى، ولا تعني زينب الكبرى، كما ذكر الشيخ جعفر التستري في كتابه الخصائص الحسينية، وهو من الفقهاء المعروفين، قال: هناك خلط بين زينب الكبرى، وزينب الصغرى، في كلمات المؤرخين، أو كلمات القراء.

مثلا: زينب التي بكت ليلة العاشر وولولت ومسح الحسين على صدرها، وقالت: أخي ردنا إلى وطن جدنا، قال: «هيهات لو ترك القطا لغفا ونام» هذه زينب الصغرى، وإلا زينب الكبرى كانت عالمة بالموضوع، عارفة بالمسيرة كلها، أولها وآخرها، وما صدر منها شيء في هذا المجال.

مثلا: في يوم العاشر، زينب التي جلست عند جسد الحسين وقت مصرعه هي زينب الصغرى، وأما زينب الكبرى فما خرجت من الخيام، لأنها كانت هي المسؤول عن الإمام السجاد، عن الأيتام، عن الأطفال، كانت المسؤول الأول عن العائلة كلها، وما خرجت من الخيمة حتى أخبرها الإمام زين العابدين بالمصيبة، فخرجت ونطقت بذلك الكلام العظيم حول جسد الحسين.

كذلك الرواية التي تقول بأن زينب نطحت بجبينها مقدم المحمل - إذا صحت الرواية - المقصود بها زينب الصغرى، إذن هناك أحيانا خلط بين زينب الصغرى، وزينب العقيلة.

زينب العقيلة معدن العظمة، والصفحة المشرقة بالجلال والجمال والكمال، زينب العقيلة عظمتها في أنها شريكة الحسين، في أن الحسين حملها مسؤولية يوم كربلاء، في أن الحسين اعتبرها امتدادا له، كما حصل في زمن الإمام العسكري، والإمام الهادي، اعتبروا حكيمة بنت الإمام الجواد بابا للشيعة، المسلمون ما كان يمكنهم في زمن الإمام الهادي والعسكري الرجوع للأئمة للظروف الأمنية، وظروف التقية، فالأئمة أرجعوا الشيعة والمسلمين إلى امرأة وهي حكيمة بنت الإمام الجواد، لأنها كانت عالمة، فقيهة، مطلعة على التشريع وأسراره، فأرجع الإمامان المسلمين والشيعة في ذلك الزمان إلى حكيمة مع أنها امرأة، لكن المرأة قد تفوق ملايين الرجال في عظمتها إذا اتسمت بالكفاءة والجدارة.

الحسين عليه السلام أرجع المسلمين إلى أخته العقيلة زينب حفاظا على الإمام السجاد عليه السلام فكانت مرجعا وملاذا لهم، يرجع إليها في بيان الأحكام، الإمام الحسين ما جعل لها هذا المنصب وهذا الموقع اعتباطا، بل لأن هناك مظاهر لعظمة العقيلة زينب:

الرصيد السياسي:

كانت واعية للأحداث منذ وفاة جدها رسول الله  وعمرها ثلاث سنوات إلى يوم مقتل أخيها الحسين، واعية لتسلسل الأحداث وأهداف هذه المسيرة، والدليل على وعيها السياسي أنها لما قتل الحسين خرجت من الخيمة، ما أعولت ولا ولولت، ولم يصدر منها أي نوع من أنواع الهوان أو الانكسار أبدا، يقول حميد بن مسلم: خرجت تجر أذيالها خفرا وصونا، ولم نكن نعرفها، فقيل: هذه ابنة علي وفاطمة، وصلت إلى الجسد الشريف، مدت يديها من تحت الجسد ورفعته إلى السماء، وقالت: «اللهم تقبل منا هذا القربان» واعية، تعرف أن أهداف الثورة هي الله عز وجل، واعية لأهداف الثورة، وأهداف الحركة، هدف ثورة الحسين إعلاء كلمة الله، وإبقاء دين الله حيا جديدا فاعلا، وربط الأمة بدينها «اللهم تقبل منا هذا القربان» لأنه سفك دمه في سبيلك، كانت تردد كلمات أخيها الحسين «تركت الخلق طرا في هواك، وأيتمت العيال لكي أراك».

الرصيد الروحي:

لم تكن السيدة زينب قلقة أو خائفة، كانت مطمئنة رابطة الجأش، تمر عليها النوائب والمصائب المفجعة والكوارث، وهي لا تتزلزل، ولا تقلق، ولا تهتز أبدا، رابطة الجأش، قوية الإرادة، تملك صمودا حديديا لا تملكه الجبال، دخلت على ابن زياد، فلما رآها ابن زياد وعرفها أراد أن يثيرها، أراد أن يحرك فيها الأشجان، أراد أن يقول لها أنت أنثى، والأنثى عاطفية، تعول وتولول وتنهار، لكنها أثبتت له أنها وإن كانت أنثى لكنها أعظم من الجبال في قوة إرادتها وصبرها.

قال لها ابن زياد: أرأيت صنع الله بأخيك والعتاة المردة من أهل بيتك، قالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، أما سمعت قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ قال لها: لقد خرج من الدين أبوك، وأخوك، قالت: بدين أبي وجدي اهتديت، أنت وأبوك إن كنت مسلما، قال لها: الحمد لله الذي فضحكم، وكذب أحدوثتكم، ونصر الأمير عليكم، قالت: إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا نحن أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة.

امرأة أمام سلطان جائر، أمام شخص يبطش بكل إنسان، يحوله إلى مشنقة الإعدام، لكنها لم تبال بشيء من سلطانه أو جبروته أو كبريائه، تحدت كل كلامه بصوت هادئ، بقوة إرادة، باطمئنان، بثبات، لتحكي لنا أنها مصداق لقوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ كانت مصداق لقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ارتباطها بربها جعلها مطمئنة، هادئة، لذلك كان الإمام الحسين  يوصيها فيقول: «أخية زينب، ولا تنسيني من نافلة الليل» لأنه يعرف حبها للنافلة، حبها للصلاة، علاقتها بالله، وارتباطها بالله، فأوصاها، قال: «أخية زينب، ولا تنسيني من نافلة الليل».

الرصيد الثوري:

امرأة ثائرة بكل معنى الكلمة، حرارة الثورة تتفجر من جوانبها، ما كانت تعرف الاستكانة، ولا الخذلان، ولا التراجع، ولا الانهيار أبدا، كانت تتكلم بكل ثقة، أدخلوها على يزيد ابن معاوية والحبل في عنقها، وجروها وأوقفوها بين يدي يزيد إهانة وإذلالا لها، تصور امرأة فقد أولادها يوم كربلاء، فقدت إخوتها، فقدت عشيرتها كلهم، حملت المسؤولية، عشرين يوما هي تتحمل مسؤولية الأطفال من بلد إلى بلد، تسبى بأعنف صور السبي والإذلال، تضرب، ترفس، يعتدى عليها، ومع ذلك ما وهنت، ولا ضعفت، ولا استكانت، ولا انهارت، إلى أن أدخلوها على يزيد ابن معاوية، وتعمد إذلالها، وإهانتها، تعمد أن يكسر قلبها، لكنها وقفت أمامه، وبمجرد أن استقر المجلس، وأصبح يزيد يتبختر بأنه انتصر على الحسين  التفتت إليه أمام الجماهير المحتشدة، قالت: أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السما، أن بك على الله كرامة، وبنا عليه هوانة، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك جذلان مسرورا، حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، فمهلا مهلا، لا تطش جهلا، أما سمعت قول الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وإن رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

فجرت قنبلة في مجلس يزيد ابن معاوية، هذه المرأة هي ابنة علي وفاطمة، هذه علي وفاطمة، صورة أخرى عن علي وفاطمة، تحمل بطولة علي، وقوة إرادته، وتحمل روح التضحية والبذل من أمها فاطمة الزهراء عليها السلام جمعت بين النورين، نور علي، ونور فاطمة.

من هنا يتبين لنا لماذا أخذها الحسين معه إلى كربلاء، من هنا يتبين لنا السر في قول الحسين: «شاء الله أن يراني قتيلا، وأن يرى النساء سبايا، من هنا يتبين لنا ما معنى أن زينب شريكة الحسين، الحسين قضى، لكن ثورة الحسين كانت تحتاج إلى وسيلة إعلامية قوية، أكبر وسيلة إعلامية امتلكها الحسين هي العقيلة زينب، لسان زينب، صوت زينب، أكبر وسيلة إعلامية نشرت مظلومية الحسين وثورته وأهدافه، لسان زينب وصوتها، فهي من جهة عندما وقفت تتحدى يزيد ابن معاوية أثبتت للأجيال أن الحسين لم يمت، لأن خطه ما زال باقيا في أخته زينب، الحسين كان إرادة، ثورة، انتفاضة، وهذه العناوين كلها بقيت ولم تمت، تجسدت في أخته العقيلة زينب.

إذن فزينب احتفظت بخط الحسين، وإرادته، فزينب امتداد للحسين، العقيلة زينب كانت وسيلة إعلامية تبرهن للأجيال أن الحسين لم ينكسر، أن الحسين لم يمت ما دامت الحركة الثورية موجودة عند العقيلة زينب، وبرهنت للأجيال ظلم يزيد، فوقفت بكل إجلال وقالت: أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك، وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا على ظهور المطايا، قد أبديت وجوههن، وهتكت ستورهن، تساق كما تساق العبيد من بلد إلى بلد، يستشرفهن القريب والبعيد، والدنيء والشريف، حيث لا من حماتهن حمي، ولا من ولاتهن ولي، كشفت ما كان يكنه يزيد، كشفت زيف الخلافة الأموية، والسلطة الأموية آنذاك.

العقيلة زينب بهذا الكلام تعلم المرأة المسلمة، والفتاة المسلمة مدى أهمية الحجاب، العقيلة زينب لم يهتك شعرها، كشف الحجاب عن وجهها، لكنها اعتبرت ذلك هتكا لسترها، واعتبرت ذلك اعتداء عليها، العقيلة زينب تبرهن للأمة، للمرأة والفتاة المسلمة أن عليها أن تتحفظ على حجابها، أن الحجاب ليس شكلا، الحجاب ليس مجرد عباءة، الحجاب وقار، عفاف، حياء، لا يكفي أن تلبس العباءة وهي لا تتوقف عن أن تتحدث مع الرجال بحديث مفصل يملأه الضحك والقهقهة، والاقتراب من دون مبالاة، لا يكفي الحجاب وهي تذهب إلى كل مكان، وتسافر إلى كل مكان وحدها بدون أن يكون هناك رقيب أو حفيظ عليها، هذا ليس حجابا حقيقيا، الحجاب الحقيقي هو العفة، الحياء، أن تعرف المرأة أنها قطعة من الحياء والعفاف، هناك جسور وفواصل بينها وبين الانخراط مع الرجال، وبين أن تسافر في كل مكان وحدها، هذا أمر بعيد عن حقيقة الحجاب، الحجاب ليس شكلا وصورة، زينب العقيلة تؤكد على أن الحجاب هو الالتزام باللباس الفضفاض الذي يستر البدن كله، وأن الحجاب معنى عملي وهو عبارة عن الحياء والعفة والوقار.

الرصيد الإثاري:

كان للسيدة زينب مواقف مثيرة، وكانت تصنعها بهدف أن تحرك الواقعة، واقعة الحسين ليست مجرد فكر، وليست مجرد ثقافة، ولكن مع هذه الثقافة وهذا الفكر لهيب عاطفي ووجداني، غليان قلبي، كانت العقيلة زينب تضم إلى ذلك كله اللهيب القلبي، العاطفي، كانت تستخدم بعض المواقف المثيرة حتى تربط الخط الفكري بالخط العاطفي، واللهيب الوجداني بالثقافة الفكرية، رصيدها الإثاري كان رصيدا كبيرا.

2023/07/30

بحث مفصّل: هل كان الإمام الحسين (ع) عالماً بشهادته في كربلاء؟!
قبل الدخول في تفاصيل البحث نرى من الضروري أن نشير إلى ثلاثة أمور كمدخل لأصل البحث، وهي: 1 ـ إمكان علم الغيب ووقوعه

إنّ الإدراك والعلم بالأمور الغائبة والخافية ممكنٌ بشهادة القرآن الكريم والسنة المطهّرة، والتاريخ، والتجارب المتعدِّدة، بل هو واقع ومتحقِّق أيضاً.

هناك من الآيات ما يرى اختصاص علم الغيب بالله سبحانه وتعالى([1])، وفي الوقت نفسه هناك آيات أخرى تتوسّع في علم الغيب، وتثبته لبعض الشخصيات الممتازة، من قبيل: الأنبياء، والأولياء الربانيين عليهم السلام. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً﴾ (الجن: 26). و﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (آل عمران: 179).

من خلال التأمل في الآيات النافية لعلم الغيب عن الآخرين، والآيات المثبتة لعلم الآخرين بالغيب، يتضح أنّ المراد من الآيات النافية هو علم الغيب الاستقلالي، بمعنى العلم الذي يحصل عليه الإنسان دون إعلام من الله عز وجل، وأنّ المراد من الآيات المثبتة هو علم الغيب التبعي، بمعنى أن يعلم الإنسان الغيب بتعليم من الله سبحانه وتعالى. وقد وردت في هذا المضمون روايات، منها: ما روي عن الإمام علي عليه السلام أنه أخبر بفتنة المغول والترك، فقال له بعض أصحابه متعجّباً: «لقد أَعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب»! فأجابه الإمام: «لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْب، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ»([2]).

ليس هناك من علماء الشيعة، من المتقدِّمين والمتأخِّرين، مَنْ يشكِّك في علم الأئمة بالغيب، وإخبارهم ببعض المغيّبات، بل هناك من المفكرين من أهل السنة مَنْ يقول بهذا المعنى أيضاً([3]). وأدلّ دليل وخير شاهد على ثبوت علم الغيب للأئمة هو صدق ما أخبروا به من حوادث المستقبل، ومن بينها: نبوءات الإمام علي عليه السلام التي دوّنت في كتب التأريخ([4]).

وأما فيما يتعلق بدلالة التجربة والتاريخ على إمكان ووقوع علم الغيب فيجب القول: إنه ليس هناك مَنْ يشكِّك حالياً في أصل هذا النوع من العلوم، بل يتمّ التحقيق في شأنه من قبل المفكرين والعلماء في العالم الغربي تحت عنوان علم الإدراكات الميتافيزيقية (Ex – sensory perception). وهناك بحثٌ متفرّع عن الإدراكات غير الحسية، والتنبؤ بالمستقبل (البصيرة = laivoyance). وقد عبّر عنه بعض المتخصِّصين، مثل: ألكسيس كاريل، وهانس يورغن آيزنك: «إنّ البصر المغناطيسي، وتراسل الأفكار، معلومات أولية للملاحظة العلمية. وفي استطاعة مَنْ وهبوا هذه القوّة أن يستشفّوا أفكار الأشخاص الآخرين السرّيّة، دون أن يستخدموا أعضاءهم الحسّيّة… كما أنهم يحسّون أيضاً بالأحداث السحيقة، سواء من الناحية الفراغية أم من الناحية الزمنيّة»([5]).

وهنا يمكننا أن نشير إلى المتنبئ الغربي الشهير نوستردامس (1503 ـ 1566م)؛ إذ تنبّأ بما سيحدث بعد عصره بقرون([6]).

وبالتالي فإنّ أصل إمكان علم الغيب ووقوعه مسألة متسالم عليها، وقطعية لا غبار عليها.

2 ـ سابقة البحث وجذوره

إنّ الروايات التي تمّ التصريح فيها بعلم الأئمة عليهم السلام بزمان وفياتهم واستشهادهم، وكذلك بإخبارهم بالغيب والأمور الماضية والآتية، تشكل منشأ البحث. وعلاوة على الروايات فإنّ الآيات التي تثبت علم الغيب لبعض الأولياء، والأسئلة والأجوبة المتبادلة بين الناس والأئمة، تحكي عن سابقة البحث، ورجوعها إلى صدر الإسلام. فمثلاً: قد أخبر الإمام علي عليه السلام أنّ قاتله هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي([7]). الأمر الذي أثار بعض التساؤلات الكلامية لدى البعض، ومن ذلك: ذهاب الإمام علي عليه السلام إلى مسجد الكوفة في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة؛ وتناول الإمام الحسن عليه السلام للطعام الذي دست السمّ فيه زوجه جعدة بنت الأشعث؛ وثورة الإمام الحسين عليه السلام التي انتهت باستشهاده. إنّ هذه المسائل الثلاث المتقدمة طرحت من قبل حمران على الإمام الباقر عليه السلام، وأراد منه جوابها([8]). وقد استمرّت المناقشات والتساؤلات المختلفة بشأن تفاصيل علم الأئمة للغيب بعد عصر الأئمة، وحتى عصرنا الراهن، وهذا ما سنتناوله في الصفحات التالية.

3 ـ كيفية علم الأئمة بالغيب

بعد اتضاح إمكان ووقوع علم الغيب بالنسبة للإنسان، وبالنسبة للأئمة بشكل واضح، نشير فيما يأتي إلى بيان مختصر بكيفية علمهم للغيب، في إطار النظريات الأربع التالية:

أـ فعلية علم الإمام بلوح المحو والإثبات، وكذلك اللوح المحفوظ.

ب ـ فعلية علم الإمام بلوح المحو والإثبات فقط.

ج ـ توقف العلم الفعلي للإمام بسؤال الإمام لله سبحانه وتعالى([9]).

دـ التوقف في الذهاب إلى رأي بعينه، وتفويض الأمر إلى الأئمة أنفسهم([10]).

إنّ تحليل وتبيين هذه النظريات الأربعة بحاجة إلى موضع آخر، إلا أننا نكتفي هنا بالتوضيح التالي، وهو: إنه بناءً على النظرية الأولى يكون علم الإمام بزمان ومكان استشهاده أمراً قطعياً ومسلماً؛ وذلك لأنّ اللوح المحفوظ يحتوي على جميع ما يحدث في الكون، دون تغيير أو تبديل، وإنّ اتصال روح الإمام عليه السلام بهذا اللوح يعني علمه بما سيقع في المستقبل من الحوادث، بما في ذلك مكان وزمان استشهاده. وأما النظريتان الثانية والثالثة فإنهما ساكتتان عن علم الإمام عليه السلام بزمان استشهاده؛ وذلك لتحديد علم الإمام ـ طبقاً للنظرية الثانية ـ بلوح المحو والإثبات، وكما هو واضح من اسم هذا اللوح فإنّ ما هو مثبت فيه قابل للمحو، وعليه يحتمل التغيير في الأحداث الواردة فيه، بما في ذلك وقت ومكان استشهاد الإمام. من هنا فقد كان الأئمة عليهم السلام يخبرون في بعض الروايات بساعة موت بعض الأشخاص، فلا يحدث الموت في الوقت المحدَّد، الأمر الذي يثير اعتراضاً لدى البعض، فكان الأئمة يجيبون عن ذلك بقولهم: إنّ أجلهم الطبيعي قد حان، ولكنهم قد أُمهلوا بسبب عمل خير صدر عنهم، من قبيل: الصدقة، التي تزيد في الأعمار.

أما النظرية الثالثة فإنها ترجع علم الإمام بالغيب إلى سؤال الإمام، فيعود البحث إلى تحقُّق السؤال والطلب، بمعنى: هل سأل الإمام الحسين عليه السلام الله تعالى أن يلهمه هذا العلم؟

المسألة الأخرى أنّ أنصار النظريات الثلاث الأخيرة يتمسّكون ـ في خصوص علم الإمام الحسين عليه السلام بزمان استشهاده ـ بأدلة وقرائن خاصة تثبت علم الإمام باستشهاده. وهذا ما سنشير إليه في الصفحات القادمة.

علم الإمام الحسين بزمان استشهاده

بعد بيان النظريات الثلاث المتقدمة، كمدخل لأصل البحث، ندخل في تبيين وتحليل علم الإمام عليه السلام بالزمان الدقيق لاستشهاده.

الرؤية الأولى: رؤية المخالفين للعلم بالشهادة

كان بعض المتقدّمين من علماء الإمامية، والغالبية من علماء أهل السنة، يرفضون علم الإمام الدقيق بزمان استشهاده، ويقولون: إنّ الإمام يعلم باستشهاده على نحو الإجمال، دون معرفة تفاصيل ذلك، فلا يعلم بالزمان الدقيق لاستشهاده (الذي هو اليوم العاشر من محرم الحرام عام 60هـ)، فلم يكشف الله تعالى له ذلك.

أما في القرون المتأخِّرة فقد أصبح القائلون بهذا الرأي يمثِّلون الأقلّية، خلافاً للقرون المتقدّمة؛ إذ كان القائلون به كثراً، وهم من العلماء البارزين، نذكر منهم:

1ـ الشيخ المفيد (413هـ)

فقد خالف علم الإمام بالغيب على نحو مطلق، بحيث يشمل الأسرار والضمائر، وحصر علم الإمام بالغيب بموارد الإعلام الإلهي في بعض الموارد الخاصة، كما في الإجابة عن علم الإمامين علي والحسين عليهما السلام بالغيب، وعدم تبرير ذهاب الإمام علي إلى مسجد الكوفة، وذهاب الإمام الحسين إلى الكوفة وكربلاء، قائلاً: إنّ إجماع الشيعة قائم على علم الإمام بأحكام الشرع فقط. وإليك نصّ عبارته: «إنّ الإمام يعلم ما يكون بإجماعنا: أنّ الأمر خلاف ما قال. وما أجمعت الشيعة قطّ على هذا القول، وإنما إجماعهم ثابتٌ على أنّ الإمام يعلم الحكم في كلّ ما يكون، دون أن يكون عالماً بأعيان ما يحدث، ويكون على التفصيل والتمييز، وهذا يسقط الأصل الذي بنى عليه الأسئلة بأجمعها»([11]).

وفي معرض إنكاره علم الإمام علي عليه السلام بالوقت الدقيق لاستشهاده تحدّث عن علم الإمام الحسين عليه السلام، فقال: «فأما علم الحسين عليه السلام بأنّ أهل الكوفة خاذلوه فلسنا نقطع على ذلك؛ إذ لا حجّة عليه من عقل ولا سمع»([12]).

2ـ السيد المرتضى (436هـ)

فقد اعتبر أنّ تحرّك الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة ناشئ عن ثقة الإمام بوفاء الناس له؛ إذ قال: «أبو عبد الله عليه السلام لم يسِرْ طالباً للكوفة إلا بعد توثُّق من القوم وعهود وعقود، ولم يكن في حسابه أنّ القوم يغدر بعضهم، ويضعف أهل الحق عن نصرته، ويتفق بما اتفق من الأمور الغريبة»([13]).

3ـ الشيخ الطوسي (460هـ)

فقد تأثَّر في مسألة علم الإمام الحسين عليه السلام بالسيد المرتضى، ونقل نص عباراته في مؤلَّفاته. فمثلاً: قال في معرض جوابه عن الدافع وراء حركة الإمام الحسين وثورته، رغم علمه بكثرة الأعداء، وقلة الناصر، وغدر أهل الكوفة وخيانتهم: «قد علمنا أنّ الإمام متى غلب على ظنه أنه يصل إلى حقه، والقيام بما فوّض إليه بضرب من الفعل، وجب عليه ذلك، وإن كان فيه ضرب من المشقة يحتمل مثلها تحملها. وأبو عبد الله عليه السلام لم يسِرْ إلى الكوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود…، ولم يكن في حسابه أنّ القوم يغدر بعضهم، ويضعف بعضهم عن نصرته، ويتفق من الأمور الطريقة الغريبة»([14]).

وقد قرر الشيخ الطوسي انقسام موقف الإمامية في ما يتعلق بعلم الإمام عليه السلام بزمان استشهاده إلى موافق ومخالف، فقال: «اختلف أصحابنا في ذلك؛ فمنهم مَنْ أجاز ذلك؛ ومنهم مَنْ قال: إن ذلك لا يجوز»([15]).

4ـ الشيخ الطبرسي

فقد توسل في تبريره عدم اعتبار ثورة الإمام الحسين عليه السلام واستشهاده إلقاءً للنفس في التهلكة بأمرين: الأول: إنّ الإمام كان يغلب عليه الظن بأن الأعداء لن يقدموا على قتله؛ والثاني: إنه كان يتصوّر أنه إذا لم يواجه العدو في ساحة المعركة فإن ابن زياد سيدبّر له محاولة اغتيال، ويغدر به، فاختار الاستشهاد والقتل بشجاعة، فقال ما نصّه: «إنّ فعله عليه السلام يحتمل وجهين: أحدهما: إنه ظنّ أنهم لا يقتلونه؛ لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله؛ والآخر: إنه غلب على ظنه أنه لو ترك قتالهم قتله الملعون ابن زياد صبراً، كما فعل بابن عمّه مسلم، فكان القتل مع عزّ النفس مع الجهاد أهون عليه»([16]).

إنّ تعبير الشيخ الطبرسي عن رأي الإمام عليه السلام بالظنّ صريح في أنه لا يرى أنّ الإمام كان على يقين من استشهاده.

ومن بين المعاصرين عمد مؤلف كتاب (شهيد جاويد) إلى شرح هذه النظرية بالتفصيل([17]).

أدلة المخالفين

بعد التعرف إجمالاً إلى الرأي المتقدِّم نشير فيما يلي إلى أدلة القائلين به:

1 ـ إلقاء النفس في التهلكة

إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام وخروجه من المدينة إلى الكوفة إذا كانت مقرونة بعلمه بمآلها، وما ستنتهي إليه من عدم وفاء أهل الكوفة، واستشهاد مبعوثه (مسلم بن عقيل)، واستشهاد الإمام نفسه وأصحابه، وأسر أهل بيت النبوّة، لن يكون له من تفسير سوى إلقاء النفس إلى التهلكة والموت المحتم، وهو ما نهى عنه القرآن الكريم بشدّة؛ إذ قال تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195).

كانت هذه الشبهة مطروحة في عصر الأئمة الأطهار عليهم السلام، وعصر الشيخ المفيد والسيد المرتضى، وكان يروّج لها المتطرّفون من أهل السنة؛ إذ يهدفون من ورائها إلى سلب القداسة عن حركة الإمام الحسين عليه السلام. وهنا يمكن أن نشير إلى ابن العربي المالكي([18])(540 هـ)، ومن المعاصرين: محبّ الدين الخطيب المصري([19])، والشيخ محمد الطنطاوي([20])، وعبد الوهاب النجار([21]). وحيث كان الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهما معاصرين لأهل السنة، الذين كانوا يرددون هذه الشبهة باستمرار، عمدوا إلى إنكار علم الإمام عليه السلام التفصيلي باستشهاده دفعاً لهذه الشبهة، وبذلك لا تكون ثورة الإمام مصداقاً لإلقاء النفس إلى التهلكة.

تحليل ودراسة أـ الآثار المباركة المترتبة على ثورة الإمام الحسين

حيث كان لثورة الإمام الحسين عليه السلام في وجه دولة الجور والفسق والفجور ـ التي كانت تبرر أعمالها بوصفها مظهراً من مظاهر الحكومة الدينية والخلافة النبوية ـ من الآثار أنها كشفت النقاب عن الوجه الحقيقي لحكومة يزيد، وأثبتت أنّ هذا الكمّ الهائل من الظلم والجور لا ينبغي أن يمرَّر على صفحات التأريخ باسم الإسلام، لا تكون ثورة الإمام عليه السلام إلقاءً للنفس في التهلكة.

ب ـ ضرورة الإمام عليه السلام واضطراره

إنّ وجود الإمام عليه السلام وبقاءه نعمةٌ لا تقيّم، وإنّ الإمام نفسه مسؤول عن المحافظة على هذه النعمة، إلا أنه عليه السلام كان قد تنبّه إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الأمويين يخططون لاغتياله خفية([22])، فإنْ تحقَّق لهم ونجحوا في ذلك لن تكون نتيجة ذلك عدم انتفاع الإسلام من استشهاد الإمام فحسب، بل يكون الظلمة والجائرون من حكام بني أمية المستفيد الأكبر؛ إذ نجحوا في إزاحة أكبر سدّ من أمامهم، دون أن يتركوا أثراً يدلّ على ارتكابهم هذه الجريمة الشنعاء. وعليه إذا بادر الإمام وأعلن الثورة، ورفع لواء المعارضة ضد حكم يزيد، فإنه رغم مواجهة الاستشهاد والمصير ذاته يكون قد كسب الكشف عن زيف الأمويين، وأزاح النقاب عن الوجه الكريه لبني أمية. ولذلك بعد أن وجد الإمام الحسين عليه السلام نفسه على مفترق طريقين: عدم الثورة والقتل غيلة؛ والثورة والاستشهاد في ساحة القتال، اختار الطريق الثاني. أو بعبارة أخرى: لم يكن له مندوحة من اختيار هذا الطريق.

ج ـ عدم ضرورة الالتزام بمؤدى علم الغيب

يعتقد القائلون بعلم الأئمة ـ وكذلك الأنبياء ـ بالغيب بأنّ العالمين بالغيب يعتمدون في حياتهم العادية والدنيوية على علمهم العادي والظاهري. ومن باب المثال: إنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله رغم علمه الغيبي بعدم إيمان أبي جهل ملزمٌ بدعوته إلى الإسلام. وهكذا الإمام الحسين عليه السلام رغم علمه بما سيؤول إليه مصيره في نهضته وثورته، وما سيصدر عن أهل الكوفة من الخيانة، كان يعتمد في سلوكه العلم الظاهري، وهو تلبية آلاف الكتب التي جاءته من أهل الكوفة، فأرسل إليهم مبعوثه مسلم بن عقيل، ثم استجاب لطلب مبعوثه بالقدوم؛ ليكون قد راعى بذلك ظاهر الحال والعلم العادي.

قال العلامة الطباطبائي في شأن سلوك النبي والأئمة العادي على أساس من العلم الظاهري: «إنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن الكريم ـ وكذلك الإمام عليه السلام من عترته ـ بشرٌ كسائر أفراد البشرية الآخرين، وإنّ الأعمال التي تصدر عنه في مسيرته في هذه الحياة الدنيا مثل أعمال سائر أفراد الناس، تقع في مسار الاختيار، وطبقاً للعلم العادي والظاهري»([23]).

ثمّ تحدث العلاّمة عن سبب إيفاد الإمام الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وتلبيته لكتب أهل الكوفة، فقال: «إنّ الإمام عليه السلام قد عمل في هذه الموارد ونظائرها طبقاً للعلوم التي يحصل عليها من خلال مجاري العادة والشواهد والقرائن الظاهرية، ولم يقُمْ بأيّ عمل من شأنه دفع الخطر الحقيقي الذي كان يعلم به؛ إذ يعلم أيضاً أن ذلك لن يجديه شيئاً؛ إذ هو من القضاء المحتوم الذي لا يغيّر ولا يُبدّل»([24]).

د ـ إتمام الحجّة

بغية تكميل المسألة المتقدّمة نشير إلى أنّ الإمام إذا لم يستجب لمضمون الكتب التي بعث بها إليه آلاف الكوفيين لسجلوا أنفسهم ـ رغم ما هم عليه من الخيانة وعدم الوفاء ـ أبطالاً على طول التأريخ، ولأمكنهم الاحتجاج على الإمام الحسين عليه السلام عند الله تعالى بأنهم قد دعَوْه لقيادتهم، ولكنه رفض دعوتهم في الثورة على يزيد ونظام حكمه الجائر. وبعبارة أخرى: كي تتمّ الحجّة عليه وعلى الناس كان الإمام ملزماً برعاية ظاهر الحال والعلم العادي، وأما إذا سلكوا الطريق الذي يقتضيه علمهم بالغيب فسوف تترتب على ذلك الكثير من المحاذير والمشاكل.

وهذا ما تؤيِّده رواية مأثورة عن الإمام علي عليه السلام، حيث قال فيها: إنه كان على علم بأنّ أبا موسى الأشعري سوف ينخدع بمسألة التحكيم، ولما سأله أحد أصحابه عن سبب قبوله باختيار الناس له حَكَماً ما دام يعلم بذلك أجابه الإمام عليه السلام قائلاً: «يا بني، لو عمل الله في خلقه بعلمه ما أقبل عليهم بالرسل»([25]).

وحاصل القول: إنّ الدليل الأول الذي أقامه المخالفون لا يمكن أن يُثبت مدَّعاهم. وأما ما ذهب إليه بعض المعاصرين من توجيه رأي الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي بأنّ مرادهم إنكار العلم بحسب الظاهر، بمعنى أنّ الإمام عليه السلام بحسب الظاهر والعلم العادي لم يكن عالماً بزمن استشهاده، وأما بحسب الباطن فكان يعلم بذلك([26])، فهو مخالف لظواهر عباراتهم.

2 ـ القرائن والشواهد التاريخية

وأما ثاني أدلة المخالفين فيتمثل في الشواهد والقرائن التاريخية، بمعنى أننا عندما ننظر في أسلوب حركة الإمام الحسين عليه السلام وتخطيطه ندرك أنه في سفره هذا لم يكن ليعلم بالتوقيت الدقيق لاستشهاده؛ إذ بعد موت معاوية، وتسنّم يزيد وتربُّعه على دست الحكم، وهو شخص شارب للخمر، ملاعب للقرود، معروف لدى الصحابة باستهتاره وتهتكه، وجد الإمام الحسين عليه السلام الفرصة مناسبة لإقامة الحكومة الدينية. كما كان رفض أهل المدينة البيعة ليزيد، ووصول آلاف الكتب من أهل الكوفة تدعوه إلى القدوم إليهم، والتي كانت بمنزلة البيعة له، عاملاً وعنصراً مشجِّعاً للإمام الحسين على المبادرة بثورته المسلحة ضدّ يزيد. من هنا رحّب الإمام الحسين بدعوة أهل الكوفة له، فأرسل ابن عمّه (مسلم بن عقيل) بوصفه سفيراً له؛ بغية التمهيد للثورة، والوقوف على حقيقة الأمر، وإبلاغه بما عليه واقع الناس هناك.

والشاهد الثاني عدم حركة الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة إلا بعد وصول كتاب مسلم يخبره بتوفُّر الأرضية المناسبة للثورة وإقامة الحكومة.

وما إلى ذلك من الشواهد الأخرى التي تثبت قصد الإمام إلى إقامة حكومة إسلامية، وهذا لا ينسجم مع الرؤية القائلة بعلم الإمام التفصيلي بزمان استشهاده([27]).

تحليل ودراسة 1ـ تناغم الشواهد التاريخية مع العلم الظاهري والعادي للإمام

إنّ أقصى ما يُثبته هذا الدليل اهتمام الإمام بالشواهد التاريخية. وهذا لا ينكره الموافقون؛ فإنّ القائلين بعلم الإمام عليه السلام بالغيب ـ كما سبق أن ذكرنا ـ يعتقدون بأنّ الإمام مأمور في تحرّكه وسلوكه بالعلم على طبق علمه العادي والظاهري. وعليه فإنّ ما قام به الإمام الحسين من استجابته لأهل الكوفة، وإرسال سفيره مسلم بن عقيل، يستند إلى علمه العادي والظاهري. وهذا لا ينافي علم الإمام بالغيب.

2ـ تكافؤ الشواهد التاريخية

هذا عدا عن وجود أدلة وشواهد تاريخية أخرى تعارض وتتكافأ مع الشواهد المذكورة في نصّ الدعوى المتقدمة. فطبقاً لهذه الشواهد نجد الإمام قد عزم على التوجّه إلى كربلاء، لا من أجل إقامة الحكومة، بل امتثالاً لما هو مأمور به ضمن خطّة مقرَّرة في علم الله، وهو ما أكّد عليه الإمام نفسه في أكثر من مناسبة. وعليه تكون الشواهد التاريخية متعارضة، ولا يمكن ترجيح بعض الشواهد على الشواهد الأخرى. ولكي نتخذ الموقف المناسب والصحيح يجب الرجوع إلى غير الشواهد التاريخية([28]).

وخلاصة القول: إنّ أدلة الذاهبين إلى إنكار علم الإمام عليه السلام بزمان استشهاده لا تنهض لإثبات ما ذهبوا إليه.

الرؤية الثانية: الموافقون للعلم بالشهادة

إنّ القائلين بعلم الإمام عليه السلام بالغيب ـ رغم الاختلاف في تفسير علم الأئمة بالغيب، وقد تقدم ذكر أربعة منها ـ مجمعون على علم الإمام الحسين عليه السلام بزمان استشهاده، ويسوقون لذلك بعض الشواهد الخاصّة. وفيما يلي سنعمد أولاً إلى ذكر بعض القائلين بهذه الرؤية، وهم:

1ـ الشيخ الصدوق

فقد ذهب هذا العَلَم إلى القول بعلم الإمام المطلق بجميع الأمور المرتبطة بشخصه، سواء في ذلك ما كان وما سوف يكون. ويشمل هذا الرأي علم الإمام الحسين عليه السلام بزمان استشهاده. فقد قال الشيخ الصدوق في ذلك: «اعتقادنا فيهم أنهم معصومون، موصوفون بالكمال والتمام، والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص، ولا عصيان، ولا جهل»([29]).

2ـ ابن طاووس

قال: «والذي حقَّقناه أنّ الحسين عليه السلام كان عالماً بما انتهت حاله إليه، وكان تكليفه ما اعتمد عليه»([30]).

3ـ المحدّث البحراني

قال: «إنّ رضاهم بما ينزل بهم من القتل والسيف أو السم، وكذا ما يقع من الهوان على الدين من أعدائهم الظالمين، مع كونهم عالمين، قادرين على دفعه، إنما هو لما علموه من كونه مرضيّاً له سبحانه وتعالى، مختاراً بالنسبة إليهم، وموجباً للقرب من حفرة قدسه»([31]).

4ـ المحقق اللاهيجي

قال: «إنهم يعلمون متى يموتون»([32]).

5ـ العلامة المجلسي

قال: «الحسين عليه السلام كان عالماً بغدر أهل العراق، وإنه سيستشهد هناك مع أولاده وأقاربه وأصحابه… الظاهر من الأخبار أنه عليه السلام كان عالماً بشهادته، ووقتها، وكان ينتظرها، ويُخبر بوقوعها»([33]).

إنّ هذا الرأي هو مذهب أكثر العلماء والمفكِّرين من المعاصرين. وفيما يلي نشير إلى بعض هؤلاء العلماء المعاصرين:

6ـ الشيخ جعفر الشوشتري

قال: «قد علم عليه السلام بأنه يقتل؛ فقال لأصحابه: أشهد أنكم تقتلون جميعاً…»([34]).

7ـ المحقق الإصفهاني

قال: «إنّ الإمام قبل حركته من مكة، وحتى عندما خرج من المدينة، كان يعلم بجميع أحداث كربلاء، بل وحتى أحداث ما بعد كربلاء من سبي أهل بيت العصمة، ولذلك فقد حمل معه عياله وحرمه»([35]).

8ـ العلامة الطباطبائي

قال: «إنّ للإمام ـ طبقاً للأخبار الكثيرة ـ مقاماً من القرب الإلهي، ولذلك يستطيع العلم بكلّ ما يريد علمه بإذن من الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك علمه التفصيلي باستشهاده، وجميع ما سيجري عليه وعلى أهل بيته»([36]).

9ـ الشهيد مرتضى مطهري

يذهب الأستاذ الشهيد مطهري إلى عدم التمكّن من إثبات علم الإمام أو عدم علمه عليه السلام بزمان استشهاده من ناحية الأحداث التاريخية. وعليه فقد مال في إثبات علم الإمام عليه السلام بالغيب إلى البعد المعنوي والعلمي لشخصية الإمام عليه السلام، فقال: «إنّ الإمام على المستوى الآخر المتمثّل بمستوى الإمامة كان يعلم بأنه سينتهي إلى كربلاء، وأنه سوف يستشهد هناك»([37]).

10ـ الشيخ محمد تقي الجعفري

قال العلامة الشيخ محمد تقي الجعفري، بعد إشارته إلى المراتب العلمية والمعنوية للأئمة عليهم السلام: «إنّ مجموع ما تقدّم يمكنه بوضوح أن يُثبت إمكان علم الإمام الحسين باستشهاده في واقعة كربلاء ـ كما كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يعلم بقاتله، واللحظة التي سيضرب فيه على رأسه بالسيف، وهي ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك ـ، إلا أنه لا يرقى إلى ذلك العلم المطلق الذي هو مختصّ بذات الله تعالى»([38]).

كما كان كلٌّ من الشيخ محمد صالح المازندراني([43])، والشيخ كاشف الغطاء([44])، والعلامة الأميني([45])، والميرزا حبيب الله الخوئي([46])، والشهيد القاضي الطباطبائي([47])، والشيخ علي پناه الاشتهاردي([48])، ومراجع الدين، مثل: السيد حسين البروجردي، والسيد محمد رضا الگلبايكاني، والشيخ محمد علي الأراكي، والسيد المرعشي النجفي([49])، ممَّن ذهب من المعاصرين إلى القول بعلم الإمام عليه السلام بالغيب.

وقد ألَّف الشيخ صافي الگلبايكاني كتاب (شهيد آكاه)([50]) في نقد كتاب (شهيد جاويد)([51])، وهو أكثر الكتب تفصيلاً في هذا المجال.

أدلة الموافقين

بعد التعرّف على أنصار نظرية علم الإمام عليه السلام بزمان استشهاده ندخل في بيان الأدلة والشواهد التي أقامها هؤلاء على مذهبهم هذا:

1 ـ منزلة الإمامة العلمية والمعنوية

إنّ هذا الدليل بحاجة إلى تفصيل أكبر، ولكننا نكتفي هنا بذكره على نحو مختصر، على الشكل التالي:

إنّ ذات الباري تعالى، المستجمعة لكافة الصفات الكمالية واللامتناهية، هي علّة العلل، والمفيضة لجميع الوجودات الممكنة، وإنّ الصادر الأول ـ طبقاً للروايات وما هو محقَّق في الفلسفة ـ هو الوجود النوراني للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله والخمسة من أصحاب الكساء عليهم السلام. وإنّ وجود وخلق سائر الممكنات تابع لوجودهم النوراني. وقد ورد في ذلك روايات أيضاً. وقد أفرد العلامة المجلسي فصلاً لذلك تحت عنوان: (باب بدء خلقهم وطينتهم وأرواحهم) في كتابه «بحار الأنوار»([52])، من قبيل: «أوّل ما خلق الله نوري»([53]).

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «فنحن أوّل خلق الله»([54]).

وقد ثبت في الفلسفة بالدليل أنّ وجود المعلول نور وشعاع عن وجود العلة. ولذلك تكون العلة على الدوام محيطة بمعلولها، ويكن المعلول حاضراً عندها بالعلم الحضوري. ولما كان الوجود القدسي للإمام الحسين عليه السلام متقدّماً على عالم الطبيعة في سلسلة العلل فهو من هذه الناحية عالم بحوادث عالم الطبيعة، بما في ذلك موته، وانتقال روحه القدسي إلى عالم المجرّدات.

وقد قال العلامة الطباطبائي في تقرير هذا الدليل: «إنّ الإمام بحسب مقامه النوراني أكمل إنسان في عصره، وهو مظهر تامّ لأسماء الله وصفاته، وعالم بكلّ شيء بالفعل، ومطلع على جميع الوقائع الشخصية. وبحسب وجوده العنصري والمادي كلما توجّه إلى ناحية انكشفت له الحقائق، وتجلَّت له بوضوح»([55]).

وقد أشار العلاّمة إلى قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام: 75)، فقال: «فالإمام يجب أن يكون إنساناً ذا يقين، مكشوفاً له علم الملكوت، متحقِّقاً بكلمات من الله سبحانه، وقد مرّ أنّ الملكوت هو الأرض، الذي هو الوجه الباطن من وجهَيْ هذا العالم»([56]).

وقال العلامة محمد تقي الجعفري أيضاً: «إنّ المقام الرفيع لإمامة هؤلاء الأئمة عليهم السلام يفوق الطبيعة، وهذا ما يمكِّنهم من علم الغيب، والاطلاع على المستقبل»([57]).

وقد تمّت الإشارة إلى هذا الأصل المذكور في بعض الروايات. فقد روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: «فإنه لا يبلغ أحدٌ من شيعتنا حدّ الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية، فإذا عرفني بها كان مستبصراً بالغاً، قد خاض بحراً من العلم، وارتقى درجة من الفضل، واطلع على سرّ من سرّ الله ومكنون خزائنه»([58]).

وبتقرير عرفاني يمكن القول: إنّ كلّ اسم من أسماء الجمال والجلال الإلهي يستدعي مظهراً خاصاً في عالم الوجود، فالشيطان مثلاً مظهر لاسم الله المضلّ، وإنّ الأولياء والأفراد الكاملين من الناس هم مظهر صفات الجمال، ومنها: صفة العلم وعلاّم الغيوب، فهم يتمتعون بذات علم الله الغيبي، ولكنهم يمتازون عنه في الذاتي وغير الذاتي (الاستقلال وعدم الاستقلال)، فالله عالم بالذات والاستقلال، وهم عالمون بالتَّبع والعرض([59]). من هنا فإنّ الإمام الحسين عليه السلام؛ بوصفه واحداً من أصحاب الكساء الخمسة، متقدّم في وجوده النوراني على عالم الخلق، فهو مظهر من مظاهر صفات الله الكمالية، بما في ذلك صفة العلم والشهادة، وبذلك يكون عالماً بالأسرار الغيبية، ومنها: زمان استشهاده.

2 ـ الشواهد التاريخية

منذ بداية ثورة الإمام الحسين عليه السلام وخروجه من المدينة كان جميع من حوله من الشخصيات البارزة على يقين من عدم انتصاره الظاهري والعسكري، فقد عمدوا إلى إجراء معادلة حسابية ورياضية بسيطة، قارنوا فيها بين عدّة الحسين وما عليه يزيد والجهاز الحاكم من العدّة والعدد، فتبينوا ما سوف يتمخّض عنه الواقع، فبادروا إلى بذل النصح، وسعوا إلى ثني الإمام عليه السلام عن عزمه. ومن جملة هؤلاء: عبد الله بن عباس، ومحمد بن الحنفية، وأم سلمة زوج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ومسور بن فحرمة، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن جعدة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مطيع، وعمرو بن سعيد، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد([60]). فهنا نتساءل: هل كان الإمام هو الوحيد الذي جهل هذه المعادلة، فيدركها جميع أبناء عصره وجيله دونه؟!

إنّ الحقيقة التي تقودنا إلى الإجابة عن هذا السؤال هي الطريقة التي أجاب بها الإمام الحسين عليه السلام عن جميع التساؤلات التي أبداها له الناصحون، وقالها لجميع مَنْ حاول تشجيعه وثنيه عن التوجُّه إلى الكوفة. فبدلاً من تبرير ما هو مقدم عليه، وطمأنتهم بأنّ الأمر سيكون على خلاف ما توقَّعوه، كان يتحدث عن المصير، والقضاء الإلهي المحتوم، ويبيّن لأنصاره أنهم مقدمون على عملية استشهادية متوّجة بالنصر الخالد عبر الأجيال، ومن ذلك: قوله: «من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح». وقد بيّن أنّ إرادة الله عزّ وجل قد تعلقت بما هو مُقدِم عليه.

والذي يؤكد هذه الحقيقة أنّ الإمام لم ينثنِ عن عزمه وقراره، حتى بعد أن بلغه خبر استشهاد مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وقيس بن مسهر الصيداوي، ونقض أهل الكوفة لعهودهم، وأخبر أصحابه بأن يوطنوا النفس على الشهادة، وأن مَنْ تبعه طلباً للعافية وحطام الدنيا لن يحصل من ذلك على شيء، وهذا ما سنذكره في الصفحات القادمة إن شاء الله تعالى.

3 ـ الروايات الخاصّة

الدليل الثالث على علم الإمام الحسين عليه السلام بالغيب وزمان استشهاده روايات عديدة ومتنوّعة، تدل بأجمعها على هذا المدعى. ونشير إليها على النحو التالي:

3ـ 1ـ علم الإمام بالماضي والمستقبل

وردت أخبارٌ متعدّدة تثبت علم الأئمة عليهم السلام بما مضى وما يأتي، وهذا يستلزم علم الإمام بزمان وفاته واستشهاده. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «لو كنت بين موسى والخضر‘ لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولنبّأتهما بما ليس في أيديهما؛ لأنّ موسى والخضر أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة»([61]).

وإنّ من بين مصادر العلم بالحوادث الماضية والآتية كتب: الجفر، والجامعة، ومصحف فاطمة÷، التي يتوارثها الأئمة فيما بينهم. وقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال في وصف مصحف فاطمة، الذي هو بإملاء جبرئيل وخط الإمام علي  عليه السلام: «أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون»([62]).

3ـ 2ـ العلم بزمان الوفاة

الصورة الثانية روايات أخصّ، وهي التي تتحدّث عن علم الأئمة بزمان وفياتهم. وإنّ بعض تلك الروايات لا تكتفي بمجرّد إثبات علم الأئمة بزمان وفياتهم فحسب، بل ترى ذلك من خصائص الإمامة. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «أيّ إمام لا يعلم ما يصيبه، وإلى ما يصير، فليس ذلك بحجّة لله على خلقه»([63]).

كما عقد الشيخ الكليني في ذلك باباً في كتابه «أصول الكافي»، تحت عنوان: (إنّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون).

3 ـ تنبّؤ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام

نقلت النصوص الروائية الشيعية والسنية على حدّ سواء أخباراً متواترة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يخبر فيها عن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء. فلا يستطيع المخالفون التشكيك في صحة سندها بعد بلوغها حدّ التواتر، ولكنهم قالوا في معرض الإجابة عنها: إنّ هذه الروايات المتواترة قد أخبرت عن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في أرض كربلاء على نحو الإجمال، ولم تذكر زمن وقوع هذه الحادثة بشكل صريح ودقيق.

وللإجابة عن هذا الكلام ينبغي القول: إنّ هذه الروايات المتواترة قد أشارت إلى مكان استشهاد الإمام الحسين بكلمات من قبيل: كربلاء، والطف، وأرض العراق، وشطّ الفرات([64]). وحيث كان الإمام الحسين قد عقد العزم على التوجّه إلى كربلاء، وظهرت المؤشرات على خيانة أهل الكوفة ونكثهم لعهودهم، يتضح أن زمان تحقق نبوءة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قد قرب، وأنّ الإمام الحسين حتى إذا لم يكن يعلم بزمان استشهاده بدقة، ولكنه يعلم علم اليقين أنّ حركته نحو كربلاء ستنتهي باستشهاده.

علاوة على ذلك فإنني، ومن خلال استقراء أجريته على بعض الروايات، توصَّلتُ إلى أنّ البعض منها يحدِّد يوم وسنة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.

فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه حدد سنة استشهاد الإمام الحسين برأس عام (60هـ)، المقارنة لبداية محرم الحرام الشهر الأول من عام (61هـ)، وهو الشهر الذي استشهد فيه الإمام أبو عبد الله عليه السلام؛ إذ قال صلى الله عليه وآله: «يقتل الحسين على رأس ستين من هاجري»([65]). وفي رواية أخرى حدَّد الإمام علي عليه السلام الشهر واليوم الذي يُقتل فيه الحسين؛ وذلك إذ يقول: «والله، لتقتلنّ هذه الأمة ابن نبيها في المحرّم لعشر مضين منه»([66]).

3ـ 4 ـ موقف الأئمة اللاحقين

إنّ الدليل السابق كان يقوم على روايات مروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام تحدد زمان استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. أما الدليل الذي بين أيدينا فيحدِّد موقف بعض الأئمة الآخرين، الذين يفيد نفس المعنى.

لقد أشار الإمام الصادق عليه السلام من خلال الاستناد إلى حركة وأسلوب الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام، واستشهادهم، إلى القضاء والقدر الإلهي، وأنّ ذلك إنما كان مصحوباً بأصل اختيارهم وعلمهم عليهم السلام، الذي حصلوا عليه من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله؛ وذلك حيث قال عليه السلام: «إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم، وقضاه، وأمضاه، وحتّمه على سبيل الاختيار، ثمّ أجراه؛ فبتقدّم علم إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام عليّ والحسن والحسين»([67]).

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام أشارت إلى أنّ الإمام علي عليه السلام كان يعلّم أصحابه علم الغيب في ما يتعلق ببعض المنايا والبلايا. وهنا أشكل أحد الحاضرين على الإمام الصادق، وقال: لماذا لم تحصل أنت على مثل هذا العلم؟ فأجابه الإمام قائلاً: «ذلك بابٌ أغلق، إلا أنّ الحسين بن علي عليه السلام فتح منه شيئاً يسيراً»([68]).

3 ـ 5 ـ مواقف وكلمات الإمام الحسين عليه السلام

انتهينا حتى الآن من بيان زمن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام من زاوية علم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسائر الأئمة عليهم السلام. وهنا سنتعرّض ـ كمسك ختام ـ إلى المسألة من زاوية كلمات ومواقف شخص الإمام الحسين، الأمر الذي يُثبت علمه عليه السلام بزمن استشهاده، وذلك على النحو التالي:

1ـ حاولت زوج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أم سلمة أن تصرف الإمام عن عزمه في التوجّه إلى الكوفة، فقال لها: «يا أمّه، إن لم أذهب اليوم ذهبت غداً، وإن لم أذهب غداً ذهبت بعد غد. إني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، والساعة التي أقتل فيها، والحضرة التي أدفن فيها»([69]).

2ـ كما سعى محمد بن الحنفية إلى ثنيه عن قراره، فأجابه الإمام عليه السلام قائلاً له: «أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك، فقال: يا حسين، اخرج إلى العراق، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً»([70]).

3ـ وفي جوابه عن نصيحة ابن عباس يعلمه بمكان استشهاده، معلناً أنّ أمنيته أن يترك هذه الدنيا: «أنا أعرف بمصرعي منك، وما وكدي من الدنيا إلا فراقها»([71]).

4ـ لقد أكّد الإمام بعد مغادرة المدينة ودخوله إلى مكّة المكرّمة على استشهاده ومَنْ يسير في ركابه، كما جاء في رسالة له بعث بها إلى محمد بن الحنفية، قال فيها: «أما بعد فإنّ من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام»([72]).

5ـ عند التحاق زهير بن القين بركب الإمام الحسين عليه السلام أخبره الإمام باستشهاده، وحمل رأسه المبارك إلى مجلس يزيد: «يا زهير، اعلم أنّ هاهنا مشهدي، ويحمل هذا ـ يعني رأسه ـ من جسدي زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد، يرجو نائلة، فلا يعطيه شيئاً»([73]).

6ـ استيقظ الإمام الحسين عليه السلام في بعض المنازل [منزل ثعلبة] من نومه، فأخبر عن سماعه هاتفاً يُبشره بالجنة: «قد رأيت هاتفاً يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم إلى الجنة»([74]).

7ـ قال الإمام الحسين بعد سماعه خبر استشهاد هاني بن عروة وعبد الله بن يقطر: «أما بعد، فإنه قد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر. وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير ذي حرج، ليس عليه ذمام»، فتفرّق الناس عنه([75]).

8ـ التقى عمرو بن لوزان الإمام الحسين عليه السلام، فأقسم عليه أن ينصرف عن قصده، فأخبره الإمام بعلمه بمصيره وغدر أهل الكوفة به، فقال: «يا عبد الله، ليس بخفي عليّ الرأي، وإنّ الله تعالى لا يغلب على أمره، والله، لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي…»([76]).

9ـ أخبر الإمام الحسين عليه السلام في بعض المنازل [منزل بطن عقبة] عن رؤيا رآها في المنام عن كلاب تنهشه، ففسَّرها بأنه سيقتل، حيث قال: «ما أراني إلاّ مقتولاً، قالوا: وما ذاك يا أبا عبد الله؟ قال: رؤيا رأيتها في المنام، قالوا: وما هي؟ قال: رأيت كلاباً تنهشني، أشدّها عليّ كلب أبقع»([77]).

10ـ كان الإمام الحسين عليه السلام يكثر من ذكر اسم يحيى بن زكريا، الذي استشهد، وحمل رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، الأمر الذي يحكي عن أنه سيلاقي ذات المصير([78]).

11ـ لدى وصول الإمام الحسين إلى كربلاء تكلم بكلمات عديدة، تدل على علمه بزمان ومكان استشهاده، ممّا لا مجال لذكره في هذا المختصر([79]).

المسألة الجديرة بالذكر فيما يتعلق بأسناد الكلمات المنسوبة إلى الإمام، وكذلك الشواهد التاريخية الأخرى، هي أنّ بعض هذه الأسانيد تدعو إلى التأمل، إلا أننا من خلال ملاحظة مجموع هذه الأحاديث والروايات نحصل على نوع من التواتر المعنوي القائم على علم الإمام بزمان استشهاده.

حصيلة البحث

ذكرنا في مستهلّ البحث أن إمكان علم الغيب لبعض الناس ليس فيه أي إشكال، بل هو واقع ومتحقِّق. فإذا ثبت ذلك لبعض الناس العاديين كان ثبوته للأنبياء والأئمة من باب أولى.

فيما يتعلق بعلم الإمام الحسين عليه السلام بزمان استشهاده يذهب غالبية أهل السنة ـ طبقاً لعدم إيمانهم بالإمامة على النحو الذي يؤمن به الإمامية ـ إلى إنكار الفضائل الخاصة بالأئمة عليهم السلام، من قبيل: العصمة، وعلم الغيب. وهذا ما التزموا به في موضوع علم الإمام الحسين باستشهاده أيضاً. وأما عند الإمامية فهناك رؤيتان مختلفتان: الرؤية الأولى: تنسب إلى علماء الإمامية الأوائل، من قبيل: الشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي، من الذين ينكرون علم الإمام الحسين بزمان استشهاده. ويبدو أنّ هذا الإنكار جاء في سياق دفع إشكال من قبل بعض علماء أهل السنة، يقوم على أنّ الالتزام بعلم الإمام بزمان استشهاده، وعدم أخذ الحيطة والحذر، إلقاء للنفس في التهلكة، كما تشهد بذلك عباراتهم. ولكننا أشرنا في تحليلنا للإشكال السابق إلى أنه مع فرض العلم بزمان الاستشهاد لا يكون في مواجهة المصير المحتوم إلقاء للنفس إلى التهلكة. كما استدل المنكرون لعلم الإمام بالغيب بالشواهد التاريخية. وهي شواهد مخدوشة، بالإضافة إلى معارضتها لشواهد تاريخية أخرى. وعليه لا تكون وجهة نظر المخالفين قائمة، ولا ثابتة. وفي المقابل الرؤية الثانية القائمة على علم الإمام بالغيب، بما في ذلك علم الإمام الحسين عليه السلام بزمان استشهاده، وهو اختيار جميع علماء الإمامية البارزين طوال القرون الأخيرة، مستدلين لذلك بالأدلة العقلية (المقام العقلي والمعنوي للإمام)، والأدلة النقلية (الشواهد التاريخية، والروايات بمختلف العناوين)، الأمر الذي يعزِّز من قوّة هذا الرأي.

ترجمة: حسن علي حسن الهوامش: (*)الشيخ محمد حسن قدردان قراملكي - أستاذ في مركز الدراسات الثقافية الإسلامية، ومن أبرز المهتمين بعلم الكلام المدرسيّ في إيران. ([1]) النمل: 65؛ الأنعام: 59. ([2]) نهج البلاغة، الخطبة: 128؛ وكذلك انظر: الشيخ المفيد، الأمالي: 35؛ بحار الأنوار 26: 104؛ مجمع البيان 3: 261؛ الميزان في تفسير القرآن 20: 131. ([3]) انظر: مقدمة ابن خلدون: 216، 344، الفصل 53؛ السيد الشريف، شرح المواقف 6: 22؛ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 5: 3، شرح الخطبة رقم: 92، 149. ([4]) انظر: نهج البلاغة، الخطبة: 93، 128،175، 189؛ ميزان الحكمة 7: 310. ([5]) انظر: الدكتور ألكسيس كاريل، الإنسان ذلك المجهول: 136 ـ 137، مكتبة المعارف، ط1، بيروت، 2003م؛ هانس يورغن آيزنك، الصائب والخاطئ في علم النفس: 92. ([6]) ومن جملة ما تنبأ به: نهاية السلطة الكنسية، وإعلان الجمهورية الفرنسية عام 1792م، واقتلاع عين ملك فرنسا، وموته بتأثير ذلك عام 1559م، وسقوط سجن الباستيل، وظهور نابليون. والمهم في البين أنّ نوستردامس كان يسند مغيّباته إلى النور واللطف الإلهي (انظر: شرف الدين أعرجي، تنبؤات نوستردامس). ([7]) انظر: الشيخ المفيد، الإرشاد: 151؛ كشف الغمّة 1: 581. ([8]) أصول الكافي 1، باب نادر في ذكر الغيب، باب أنّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، باب أنّ الأئمة يعلمون ما كان. ([9]) لمزيد من الاطلاع في شأن هذه النظريات الثلاث المذكورة آنفاً يمكن الرجوع إلى: الشيخ المفيد، المسائل العكبرية، المسألة 20؛ الشيخ الطوسي، تمهيد الأصول في علم الكلام: 814؛ السيد المرتضى، الذخيرة في علم الكلام: 436؛ ابن شهرآشوب، متشابه القرآن ومختلفه: 211؛ الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 1: 182؛ الميرزا القمي، قوانين الأصول: 226؛ والآخوند الخراساني، كفاية الأصول 1: 373؛ الملا صالح المازندراني، شرح أصول الكافي 5: 364، 388؛ العلامة الأميني، الغدير 5: 59؛ العلامة الطباطبائي، تفسير الميزان 1: 273؛ الملا محسن الفيض الكاشاني، كتاب الوافي 3: 593. ([10]) انظر: الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول: 224، الطبعة القديمة. ([11]) المسائل العكبرية، المسألة 20. ([12]) المصدر السابق. ([13]) تنـزيه الأنبياء: 436، منشورات المطبعة الحيدرية، الطبعة الثانية، النجف الأشرف، 1379هـ. ([14]) تلخيص الشافي 4: 182 ـ 183، دار الكتب الإسلامية، قم المقدّسة، 1394هـ. ([15]) المصدر السابق، 189 ـ 190. ([16]) تفسير مجمع البيان 1: 289، تفسير الآية 165 من سورة البقرة. ([17]) انظر: صالحي نجف آبادي، شهيد جاويد (الشهيد الخالد). ([18]) انظر: القاضي ابن العربي المالكي، العاصم من القواصم: 232. ([19]) انظر: المصدر السابق، التعليقات. ([20]) انظر: مجلة رسالة الإسلام، السنة 11، العدد 1: 85، القاهرة. ([21]) انظر: هامش تاريخ الكامل، لابن الأثير 3: 37. ([22]) انظر: الشيخ المفيد، الإرشاد: 234؛ إعلام الورى: 137؛ تفسير مجمع البيان 1: 289؛ المحقق الإصفهاني، حسين كيست؟ (من هو الحسين؟): 325؛ كاشف الغطاء، جنة المأوى: 208. ([23]) العلامة الطباطبائي، بحثي كوتاه درباره علم إمام (بحث مختصر في علم الإمام): 44، مع مقدمة الشهيد القاضي الطباطبائي، تبريز، 1396هـ. ([24]) المصدر السابق: 43. ([25]) بحار الأنوار 41: 310. ([26]) انظر: القاضي الطباطبائي، مقدمة بحثي كوتاه درباره علم إمام (بحث مختصر في علم الإمام). ([27]) لمزيد من الإيضاح انظر: كتاب شهيد جاويد (الشهيد الخالد). ([28]) انظر: الشهيد مرتضى مطهري، حماسه حسيني (الملحمة الحسينية) 3: 188 ـ 189. ([29]) اعتقادات الإمامية: 99. ([30]) الملهوف على قتلى الطفوف: 11، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1369هـ. ([31]) أحكام القرآن 1: 319، نقلاً عن: عبد الرزق المقرم، مقتل الحسين: 44، دار الكتب الإسلامية، النجف الأشرف. ([32]) گوهر مراد: 594. ([33]) مرآة العقول 3: 124؛ بحار الأنوار 45: 98. ([34]) خصائص الحسين: 30، 42، الطبعة القديمة. ([35]) حسين كيست؟: 325، كتاب فروشي فروغي، طهران. ([36]) نقلاً عن: محمد علي الأنصاري، دفاع عن الحسين الشهيد: 93، (المقدمة)؛ وانظر: بحث مختصر في علم الإمام: 34. ([37]) حماسه حسيني (الملحمة الحسينية) 3: 189. ([38]) مقالة: (چشمه خورشيد)، المنشورة في سلسلة مقالات كنكره بين المللي إمام خميني وفرهنگ عاشوراء، الكتاب الأول 2: 27، طهران، 1374هـ ش. ([39]) صحيفة النور 1: 174، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران. ([40]) المصدر السابق 3: 182. ([41]) المصدرالسابق 4: 15. ([42]) المصدر السابق 18: 140. ([43]) شرح أصول الكافي 6: 37، 40، 84، مع تعليقات أبي الحسن الشعراني، المكتبة الإسلامية، طهران، 1385هـ. ش. ([44]) جنة المأوى: 207 ـ 208. ([45]) الغدير 5: 80، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، قم المقدّسة، 1416هـ. ([46]) شرح نهج البلاغة 9: 117، 224. ([47]) مقدمة بحث في علم الكلام. ([48]) كتاب هفده ساله جرا صدا در آورد، انتشارات مؤسسه علامه، 1391هـ. ([49]) نقلاً عن مقدمة المصدرالسابق. ([50]) (الشهيد العالم). ([51]) (الشهيد الخالد). ([52]) انظر: بحار الأنوار، ج25. ([53]) المصدر السابق: 22. ([54]) المصدر السابق: 20، 54: 170؛ أصول الكافي 2: 10. ([55]) العلامة الطباطبائي، بحثي كوتاه درباره علم إمام (بحث مختصر في علم الإمام): 44. ([56]) الميزان 1: 273. ([57]) مقالة: (چشمه خورشيد)، المنشورة في سلسلة مقالات كنكره بين المللي إمام خميني وفرهنگ عاشوراء، الكتاب الأول 2: 15. ([58]) بحار الأنوار 26: 7. ([59]) انظر: الميزان في تفسير القرآن 1: 273؛ بحثي كوتاه درباره علم إمام (بحث مختصر في علم الإمام): 4؛ مقالة (چشمه خورشيد)، المنشورة في سلسلة مقالات كنكره بين المللي إمام خميني وفرهنگ عاشوراء، الكتاب الأول 2: 27. ([60]) انظر: السيد علي أكبر القرشي، خاندان وحي 3: 29 ـ 37، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1368هـ. ش. ([61]) أصول الكافي1: 31، كتاب الحجة، الباب 48، ح1. ([62]) المصدر السابق: 298، الباب 40، ح2. ([63]) المصدر السابق: 317، الباب 47، ح1. ([64]) انظر: ابن عساكر، تاريخ المدينة ودمشق 14: 187، 191، 192، 195، 197، دار الفكر، بيروت، 1415هـ. ([65]) المصدر السابق: 198. ([66]) أصول الكافي، باب أنّ الأئمة يعلمون متى يموتون، ح4؛ بحار الأنوار 45: 202. ([67]) علل الشرائع 1: 268. ([68]) بحار الأنوار 10: 175؛ إثبات الهداة 5: 203. ([69]) الملهوف على قتلى الطفوف: 55. ([70]) بحار الأنوار 16: 216؛ مدينة المعاجز: 239؛ مروج الذهب 2: 68. ([71]) إثبات الهداة 5: 186؛ الملهوف على قتلى الطفوف: 57. ([72]) إثبات الهداة 5: 206؛ مدينة المعاجز 2: 539، باب معاجز الإمام الحسين، المعجزة رقم 14. ([73]) الملهوف على قتلى الطفوف: 61. ([74]) انظر: الشيخ المفيد، الإرشاد: 205؛ إعلام الورى: 229. ([75]) الإرشاد 2: 75؛ إعلام الورى وأعلام الهدى: 228. ([76]) المصدر السابق. ([77]) كامل الزيارات: 75. ([78]) الإرشاد: 236؛ جلاء العيون: 564. ([79]) الملهوف على قتلى الطفوف 71؛ إثبات الهداة 5: 202؛ كشف الغمة 2: 259.
2023/07/29

لماذا أخذ الحسين (ع) النساء والأطفال إلى كربلاء؟!
إن قلت: إنّه لم يكن يعرف ما سيحصل لهم، سأقول لك: لقد نسفت العصمة التي تقول: إنّ الحسين يعلم الغيب. وإن قلت: إنّه يعلم، فسأقول لك: هل خرج الحسين ليقتل أبناؤه؟!

وإن قلت: إنّ الحسين خرج لينقذ الإسلام، فسأقول لك: وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد الحسن؟! وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد علي؟! ولماذا لم يخرجا لإعادة الإسلام؟!

فإمّا أن تشهد بعدالة الخلفاء وصدقهم ورضى علي بهم، أو تشهد بخيانة علي والحسن للإسلام؟!

هذه الأسئلة وردت على ما يبدو من أحد المخالفين المتعصّبين!

الجواب من السيد جعفر مرتضى العاملي (ره):

أوّلاً: إن ما ورد في السؤال، من أنّ العصمة تقتضي علم الغيب، لا يصحّ، بل هي تقتضي العمل بالتكليف الشرعي، وعدم الخطأ في تطبيقه، وعدم إهماله ونسيانه.

ثانياً: إنّ السائل نفسه يقول: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان معصوماً، ويقول عن نفسه: إنّه يعتقد بالقرآن الذي يقول عنه صلّى الله عليه وآله: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (۱).

ولنا أن نقول أيضاً: إنّ هذا السائل يعتقد: بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قد أخبر بكثير من الغيوب التي تحقّقت، ومنها: أنّ عليّاً عليه السلام سيقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وان عائشة ستخرج على علي عليه السلام ظالمة له، وأنّها ستنبحها كلاب الحوأب.

ونضيف هنا أيضاً: أنّكم قد رويتم في كثيرٍ من مصادركم الأساسيّة: أنّه صلّى الله عليه وآله قد أخبر بقتل الإمام الحسين في كربلاء، وبكى عليه، وأودع لدى أمّ سلمة قارورةً فيها من تراب كربلاء، وقال لها: إنّها إن فاضت دماً، فلتعلم أن الحسين قد قتل (۲).

ثالثاً: إذا كان الحسين يعلم بأنّه سيقتل في كربلاء، وهو يمارس وظيفته الشرعيّة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك لا يمنعه من القيام بما أوجبه الله عليه من الذهاب إلى تلك البقعة.

كما أنّ علم إبراهيم خليل الله بأنّه سيواجه القتل إذا حطم الأصنام للنمرود، لم يمنعه من فعل ذلك. وعلم الأنبياء كلّهم بما سيواجهونه من مصائب وبلايا وأخطار لا يجعلهم يتخلّون عن واجبهم، والجلوس في زوايا بيوتهم، أو الهروب من مسؤليّاتهم.

وكان الرسول صلّى الله عليه وآله يعلم أيضاً بما سيواجهه به المشركون، وكان يرى ما يفعلونه بأصحابه من تعذيبٍ إلى حدّ الموت، ولكنّه كان يأمرهم بالصبر، ويقول لعمّار وأبيه وأمّه: « صبراً يا آل ياسر » (۳).

فلماذا لم يتخلّوا عن دينهم، أو عن صلاتهم، وصومهم على الأقلّ، ليتخلّصوا من الموت الذي طال حتّى النساء منهم، حيث ماتت والدة عمّار تحت التعذيب؟!

وإذا كان لا بدّ من حمل النساء والأطفال مع الحسين عليه السلام إلى كربلاء، لكي يقع عليهم السبي أو القتل، وليمنع ذلك من إثارة الشبهات والشكوك حول ما جرى له عليه السلام، ويضيع بذلك دمه، ولا ينتفع به الإسلام والمسلمون. حين يدعي بنو أميّة ومحبّوهم :

أنّ الحسين قد قتل بيد اللصوص، أو افترسته الوحوش، أو ما إلى ذلك.

نعم.. إنّه حين يكون المطلوب هو حفظ الإسلام بهذا الدم، وبهذا السبي، فهل سيبخل الحسين بذلك، ويمتنع من حملهم معه إلى كربلاء، ويحفظ بهم الإسلام والدين؟!

ومن يجود بدمه في سبيل دينه، هل سيبخل بما هو دونه؟! إن احتاج الإسلام إليه؟!

وهل سيكون آل ياسر الذين تعرضت نساؤهم للتعذيب والقتل أسخى على الدين من الحسين عليه السلام ..

رابعاً: إنّ الإسلام لم ينحرف، ولا يمكن أن ينحرف في يومٍ من الأيّام، بل كان فريق من الناس ممّن يدعي الإسلام هم الذين ينحرفون عنه، ويعملون على صدّ الناس عن الدخول فيه، أو عن العمل والالتزام بأحكامه.

خامساً: إنّ حال الناس في مدى التزامهم بالإسلام يختلف ويتفاوت من عصر لعصر ومن وقت لآخر ..

كما أن سبل هدايتهم، وصيانة دينهم، وحفظ يقينهم، وما يؤثر في سلامة مسيرتهم تختلف وتتفاوت وتخضع للظروف، وللقدرات وللإمكانات، اختلاف الحالات، فقد يكفي فيه مجرّد التعليم والإرشاد، وقد يحتاج إلى ممارسة بعض الشدّة في الزجر عن المنكر، والتشدّد في فرض المعروف.. وربّما بلغ الانحراف عن خط الاستقامة حدّاً يحتاج فيه تصحيح المسار إلى درجات أشدّ من الكفاح، وإلى الجهاد واستعمال السلاح وخوض اللجج وبذل الأرواح والمهج.

وهذا ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله بالذات، فقد مارس من أساليب الدعوة إلى الله في كلّ حين ما توفّر لديه، وسمحت به الظروف، واقتضته الأحوال، فما احتاج اليه وتوفّر لديه واستفاد منه في مكّة قد اختلف عمّا احتاج إليه وتوفّر لديه واستفاد منه في المدينة، وما مارسه في صلح الحديبيّة اختلف عمّا مارسه في فتح مكّة، واختلف هذا وذاك مع ما كان في بدر وأحد وحنين.

سادساً: هل يستطيع مسلم أن يساوي بين عهد يزيد وبين ممارسات يزيد، وبين عهد أبي يكر وممارسات أبي بكر؟! أو بينه وبين عمر ابن الخطاب؟! أو بين يزيد وبين علي عليه السلام في سيرته وممارساته؟!

بل إنّك لا تستطيع أن تساوي حتّى بين أبي بكر وعثمان، في سيرتهما، وفي طريقتهما، فهل تساوي بين يزيد وعهده وبينهم وبين عهدهم؟!

الهوامش ۱. الآية ۱۸۸ من سورة الأعراف. ۲. راجع: تاريخ اليعقوبي ج ۲ ص ۲٤٥ و ۲٤٦ والمعجم الكبير للطبراني ج ۳ ص ۱۰۸ وتاريخ مدينة دمشق ج ۱٤ ص ۱۹۳ وكفاية الطالب ص ۲۷۹ وتهذيب الكمال ج ٦ ص ٤۰۸ ومقتل الحسين للخوازمي ص ۱۷۰ و ط مطبعة الزهراء ج ۲ ص ۹٦ ونظم درر السمطين ص ۲۱٥ والكامل في التاريخ ج ٤ ص ۹۳ والوافي بالوفيات ج ۱۲ ص ۲٦۳ وإمتاع الأسماع ج ۱۲ ص ۲۳۸ وج ۱٤ ص ۱٤٦ وترجمة الإمام الحسين عليه السلام لابن عساكر ص ۲٥۱ و ۲٥۲ ومعارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرندي الشافعي ص ۹۳ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ۳۲٤ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص ۸۳ وذخائر العقبى ص ۱٤۷ وطرح التثريب ج ۱ ص ٤۲ ومجمع الزوائد ج ۹ ص ۱۸۹ وينابيع المودة ج ۳ ص ۱۱ و ۱۲ والمواهب اللدنية ص ۱۹٥ والخصائص الكبرى للسيوطي ج ۲ ص ۱۲٥ وجوهرة الكلام ص ۱۲۰ ومأتم الحسين أو سيرتنا وسنّتنا للعلامة الأميني ط سنة ۱٤۲۸ هـ ص ۹۰ عن مصادر كثير. ۳. المستدرك للحاكم ج ۳ ص ۳۸۳ والإصابة ج ٦ ص ٥۰۰ وج ۸ ص ۱۹۰ والإستيعاب ج ٤ ص ۱٥۸۹ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ۲۰ ص ۳٦ وكنز العمال ج ۱۱ ص ۷۲۸ والدرجات الرفيعة ص ۲٥٦ و ۲٦۰ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص ۹۸ والمناقب للخوارزمي ص ۲۳٤ والسيرة الحلبية ج ۱ ص ٤۸۳.
2023/07/29

ما هي أعمال ليلة ويوم عاشوراء؟
أعمال ليلة عاشوراء 1 هي كالتالي: 1. صّلاة مائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة سورة الفاتحة (الحمد( مرة واحدة، و سورة التوحيد (الإخلاص) ثلاث مرّات، و يقول سبعين مرّة بعد الفراغ من الجميع : "سُبْحانَ اللهِ وَ الْحَمْدُ للهِ وَ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَ اللهُ اَكْبَرُ وَ لا حَوْلَ وَ لا قُوَّةَ اِلاّ بِاللهِ الْعَلىِّ الْعَظيمِ".

2. الصّلاة أربع ركعات في آخر اللّيل، يقرأ في كلّ ركعة منها بعد سورة الفاتحة (الحمد) كُلاً من آية الكرسي، و سورة التّوحيد (الإخلاص)، و سورة الفلق، و سورة النّاس عشر مرّات، و يقرأ سورة التّوحيد (الإخلاص) بعد السّلام مائة مرّة.

3. الصّلاة أربع ركعات، يقرأ في كلّ ركعة منها سورة الفاتحة (الحمد) و سورة التّوحيد (الإخلاص) خمسين مرّة، و هذه الصّلاة تطابق صلاة أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه ذات الفضل العظيم.

و قال السّيد ابن طاووس (رحمه الله) بعد ذكر هذه الصّلاة: فإذا سلّمت من الرّابعة فأكثر ذكر الله تعالى و الصّلاة على رسوله و اللّعن على أعدائهم ما استطعت.

4. و رُوِيَ في فضل إحياء هذه اللّيلة أن من أحياها فكأنّما عَبَدَ اللهَ عبادة جميع الملائكة، وأجْرُ العامل فيها يعدل سبعين سنة، و من وفّق في هذه اللّيلة لزيارة الحُسين (عليه السَّلام) بكربلاء و المبيت عنده حتى يصبح، حشره الله يوم القيامة ملطّخاً بدم الحسين (عليه السَّلام) في جملة الشّهداء معه (عليه السَّلام).

اعمال يوم عاشوراء

أعمال يوم عاشوراء هي كالتالي:

1. بما أن يوم عاشوراء هو اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام) فهو يوم عزاء و مصيبة و حزن بالنسبة لأهل البيت (عليهم السلام) و الموالين لهم، فينبغي لكل من والاهم أن يمسك فيه عن السّعي في حوائج الدنيا، و على الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) أن لا يدّخروا فيه شيئاً لمنازلهم، فقد رُوِيَ عن الإمام علي بن موسى الرّضا (عليه السَّلام) أنه قال: "مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِي حَوَائِجِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَضَى اللَّهُ لَهُ حَوَائِجَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ مَنْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ فَرَحِهِ وَ سُرُورِهِ وَ قَرَّتْ بِنَا فِي الْجِنَانِ عَيْنُهُ، وَ مَنْ سَمَّى يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ ادَّخَرَ لِمَنْزِلِهِ فِيهِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ، وَ حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ يَزِيدَ وَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ النَّار" 2 .

2. كما و ينبغي للموالين لأهل البيت (عليهم السلام) التَّفرغ فيه للبكاء على الحسين (عليه السَّلام) و ذكر مصائبه و مصائب أهل بيته، و أن يقيمُوا المآتم بهذه المناسبة الأليمة.

3. و يُستحب في يوم عاشوراء زيارة الحسين (عليه السَّلام) بـ زيارة الإمام الحسين في يوم عاشوراء.

4. كما و يُستحب في هذا اليوم الاجتهاد في التبرِّي و لعن قاتلي الإمام الحسين (عليه السَّلام).

5. و يُستحب تعزية المؤمنين بعضهم بعضاً بقول : اَعْظَمَ اللهُ اُجُورَنا بِمُصابِنا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهَ السَّلامُ، وَ جَعَلْنا وَ اِيّاكُمْ مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ مَعَ وَلِيِّهِ الاِمامِ الْمَهْديِّ مِنْ آلِ مُحَمَّد عَلَيْهِمُ السَّلامُ . 3 .

6. وينبغي للموالين لأهل البيت (عليهم السلام) الإمساك عن الطعام و الشّراب في هذا اليوم من دُون نيّة للصّيام، و أن يفطُروا في آخر النّهار بعد العصر بما يقتات به أهل المصائب كاللّبن الخاثر و الحليب و نظائرهما لا بالأغذية اللّذيذة، و قال العلامة المجلسي في زاد المعاد: و الأحسن أن لا يُصام اليوم التّاسع و العاشر فانّ بني أميّة كانت تصومها شماتة بالحسين (عليه السَّلام) و تبرّكاً بقتله، و قد افتروا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) أحاديث كثيرة وضعوها في فضل هذين اليومين و فضل صيامهما، و قد روي من طريق أهل البيت (عليهم السلام) أحاديث كثيرة في ذمّ الصّوم فيهما لا سيّما في يوم عاشوراء.

7. لعن قاتلي الحسين (عليه السَّلام) ألف مرّة قائلاً : اَللّـهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السَّلام).

8. زيارة الحسين (عليه السَّلام) بالزيارة التالية : " اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّد حَبيبِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عَلِيٍّ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَلِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الْحَسَنِ الشَّهيدِ سِبْطِ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ الْبَشيرِ النَّذيرِ وَ ابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسآءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وَ ابْنَ خِيَرَتِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَ ابْنَ ثارِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاِْمامُ الْهادِي الزَّكِيُّ وَ عَلى اَرْواح حَلَّتْ بِفِنآئِكَ وَ اَقامَتْ في جِوارِكَ وَ وَفَدَتْ مَعَ زُوّارِكَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ مِنِّي ما بَقيتُ وَ بَقِيَ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ، فَلَقَدْ عَظُمَتِ بِكَ الرَّزِيَّةُ، وَ جَلَّ الْمُصابُ فِي الْمُؤْمِنينَ وَ الْمُسْلِمينَ وَ في اَهْلِ السَّمواتِ اَجْمَعينَ، وَ فى سُكّـانِ الاَْرَضينَ، فَاِنّا للهِ وَ اِنّا اِلَيْهِ راجِعُونَ، وَ صَلَواتُ اللهِ وَ بَرَكاتُهُ وَ تَحِيّاتُهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آبآئِكَ الطّاهِرينَ الطَّيِّبينَ الْمُنْتَجَبَينَ، وَ عَلى ذَراريهِمُ الْهُداةِ الْمَهْدِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ وَ عَلَيْهِمْ وَ عَلى رُوحِكَ وَ عَلى اَرْواحِهِمْ وَ عَلى تُرْبَتِكَ وَ عَلى تُرْبَتِهِمْ، اَللّـهُمَّ لَقِّهِمْ رَحْمَةً وَ رِضْواناً وَ رَوْحاً وَ رَيْحاناً، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلاىَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ، يَا بْنَ خاتَمِ النَّبِيّينَ، وَ يَا بْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، وَيَا بْنَ سَيِّدَةَ نِسآءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا شَهيدُ يَا بْنَ الشَّهيدِ يا اَخَ الشَّهيدِ يا اَبَا الشُّهَدآءِ، اَللّـهُمَّ بَلِّغْهُ عَنّي في هذِهِ السّاعَةِ وَ في هذَا الْيَوْمِ وَ في هذَا الْوَقْتِ وَ في كُلِّ وَقْت تَحِيَّةً كَثيرَةً وَ سَلاماً، سَلامُ اللهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكاتُهُ، يَا بْنَ سَيِّدِ الْعالَمينَ وَ عَلَى الْمُسْتَشْهَدينَ مَعَكَ سَلاماً مُتَّصِلاً مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىّ الشَّهيدِ، السَّلامُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهيدِ، اَلسَّلامُ عَلَى الْعَبّاسِ بْنِ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ الشَّهيدِ، السَّلامُ عَلَى الشُّهَدآءِ مِنْ وُلْدِ اَمِيرِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَى الشُّهَدآءِ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ، اَلسَّلامُ عَلَى الشُّهَدآءِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، السَّلامُ عَلَى الشُّهَدآءِ مِنْ وُلْدِ جَعْفَر وَ عَقِيل، اَلسَّلامُ عَلى كُلِّ مُسْتَشْهَد مَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنينَ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَ آلِ مُحَمَّد وَ بَلِّغْهُمْ عَنّي تَحِيَّةً كَثيرَةً وَ سَلاماً، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ اَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزآءَ في وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ اَحْسَنَ اللهُ لَكِ الْعَزآءَ في وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ اَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزآءَ فِي وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ اَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزآءِ في اَخيكَ الْحُسَيْنِ، يا مَوْلاىَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ اَنَا َضْيُف اِلله َو ضَيْفُكَ وَ جارُ اللهِ وَ جارُكَ، وَ لِكُلِّ ضَيْف وَ جار قِرىً، وَ قِرايَ في هذَا الْوَقْتِ اَنْ تَسْئَلَ اللهَ سُبْحانَهُ وَ تَعالى اَنْ يَرْزُقَني فَكاكَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ اِنَّهُ سَميعُ الدُّعآءِ قَريبُ مُجيبُ.

الهوامش: 1. يوم عاشوراء بالمد و القصر و هو عاشر المحرم ، و هو اسم إسلامي ، و جاء عشوراء بالمد مع حذف الألف التي بعد العين ، راجع : مجمع البحرين : 3 / 405 . و هو اليوم الذي وقعت فيه واقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها سبط النبي المصطفى (صلى الله عليه و آله) الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام) ، خامس أصحاب الكساء و ثالث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مع جمع من خيرة أبنائه و أصحابه في أرض كربلاء دفاعاً عن الدين الاسلامي و قيمه . و كانت هذه الواقعة الأليمة في يوم الجمعة العاشر من شهر محرم من سنة 61 هجرية ، الموافق لـ 12 / 10 / 680 ميلادية. 2. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) : 14 / 504، للشيخ محمد بن الحسن بن علي، المعروف بالحُر العاملي، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا (عليه السَّلام) و المدفون بها، طبعة : مؤسسة آل البيت، سنة : 1409 هجرية، قم / إيران . 3. أنظر وسائل الشيعة: 14 / 509.
2023/07/28

بعد أن قتلوا رضيعه عطشاناً.. هل طلب الإمام الحسين (ع) الماء من أعدائه؟!
كيف طلب الحسين (عليه السلام) الماء؟ هل كان بالطريقة التي تُنقل بأنَّه طلب من القوم أن يسقوه!! لم نسمع أنَّ أحدًا من انصار الحسين (ع) شيوخًا أو شبانًا طلب الماء بالطريقة التي طلبها الحسين (ع)!!

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لم يثبتْ أنَّ الإمام الحسين (ع) قد طلبَ من المعسكر الأموي أنْ يسقوه شربةً من ماء، فما يتناقلُه البعضُ من أنَّه (ع) قد طلبَ من بعض أفراد الجيش الأُموي قُبيل قتله أنْ يسقوه جرعةً من ماء، وأنَّه قد تفتتْ كبدُه من الظمأ، وأنَّه كان يُقسم بحقِّ جدِّه (ص) أنَّه عطشان كأنَّه يَستعطفُهم، وكذلك ما يتناقلونَه من أنَّه (ع) طلبَ من الشمر أنْ يسقيَه الماء قبل أنْ يقتله ويُذكِّره بحسبِه ونسبِه كأنَّه يَستجديه، هذه النقولات لا أساسَ لها من الصحَّة بل هي لا تَخلو من الإساءة لمقام سيِّد الشهداء (ع) المعلوم من حاله أنَّه في أعلى درجات الإباء والعزَّة، وفي أعلى درجات الصبر والتجلُّد، وهو أجدرُ مَن على وجه الأرض بتمثُّل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾([1]) وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾([2]).

نعم لا محذور في أنْ يطلب الإمامُ الحسين (ع) الماءَ بنحوٍ لا يتنافى مع مقتضيات العزَّة والكرامة، ولهذا لا مانع من القبول بالنصوص التأريخيَّة التي أفادت أنَّ الإمام الحسين (ع) طلب الماء بمعنى أنَّه سعى من أجل الوصول إلى الفرات ليشربَ منه، وكذلك ما ورد من أنَّه (ع) طلبَ من أخيه العباس (ع) أنْ يأتيه بالماء، وكذلك لا مانع من القبول بما يُستظهَر من بعض النصوص أنَّه طلب من بعض فتيانه أنْ يأتيه بالماء، وأمَّا ما قيل من أنَّه طلب مِن المعسكر الأموي أو مِن بعض أفراد المعسكر الأموي أنْ يسقوه شربةً من ماء فلم نجدْ في ذلك نصًّا صريحًا ولو وُجد فإنَّه يتعيَّن طرحُه كما سيتَّضح إنْ شاء الله تعالى.

فالنصوص التي تحدَّثت عن طلب الحسين (ع) للماء يُمكنُ تصنيفُها إلى طوائفَ ثلاث:

طلبُ الماء كان بمعنى السعي للوصول إلى الفرات:

الطائفة الأولى: نصَّت على أنَّه (ع) طلب الماء بمعنى أنَّه سعى من أجل الوصول للفرات ليشربَ منه، ونذكرُ في ذلك عددًا من النصوص:

النص الأول: ما أورده ابنُ أعثم في الفتوح قال: "فَحَمَلَ عَلَيهِ القَومُ بِالحَربِ، فَلَم يَزَل يَحمِلُ عَلَيهِم ويَحمِلونَ عَلَيهِ وهُوَ في ذلِكَ يَطلُبُ الماءَ لِيَشرَبَ مِنهُ شَربَةً، فَكُلَّما حَمَلَ بِنَفسِهِ عَلَى الفُراتِ، حَمَلوا عَلَيهِ حَتّى أحالوهُ عَنِ الماءِ"([3]).

فقوله: "وهُوَ في ذلِكَ يَطلُبُ الماءَ لِيَشرَبَ مِنهُ شَربَةً" واضح في أنَّ طلبه يعني سعيه للوصول للفرات ليشربَ منه الماء بقرينة قوله بعد هذه الفقرة: فَكُلَّما حَمَلَ بِنَفسِهِ عَلَى الفُراتِ، حَمَلوا عَلَيهِ حَتّى أحالوهُ عَنِ الماءِ".

النص الثاني: ما أورده الخوارزمي في مقتل الحسين (ع) قال: "فقصدَه القوم بالحرب من كلِّ جانب فجعل يحملُ عليهم، ويحملون عليه، وهو في ذلك يطلبُ الماء ليشرب منه شربةً، فكلّما حمل بفرسِه على الفرات حملوا عليه حتّى أجلوه عنه"([4]).

فمرادُه من قوله: "وهو في ذلك يطلبُ الماءَ ليشرب" هو أنَّه يحملُ جهة الفرات ليصلَ إليه فكان كلَّما حملَ بفرسه على الفرات حملوا عليه حتّى أجلوه عنه، فطلبُه للماء يعني سعيه المتكرِّر للوصول إلى الفرات، وذلك بالحمل من جهته كما هو صريح النصِّ المذكور. فطلبُ الماء في مثل هذه النصوص يعني السعي بالنفس لتحصيل الماء تماماً كما هو المعنى المراد من طلب الرزق، وطلب العلم، وطلب النصر فإنَّه بمعنى السعي لتحصيل الرزق، والسعي لتحصيل العلم والنصر

وعلى ذلك تُحملُ عبارة السيد ابن طاووس في اللهوف قال: "وقَصَدوهُ بِالحَربِ، فَجَعَلَ يَحمِلُ عَلَيهِم ويَحمِلونَ عَلَيهِ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ يَطلُبُ شَربَةً مِن ماءٍ فَلا يَجِدي" وفي نسخة "فلا يجد"([5]).

والواضح أنَّ عبارة السيد ابن طاووس مقتبسة من مقتل الخوارزمي والتي هي صريحة في أنَّ طلب الحسين (ع) للماء كان بمعنى السعي بالقتال للوصول لماء الفرات ليشربَ منه.

وكذلك ما أورده ابن نما في مثير الأحزان قال: "ثُمَّ قَصَدوهُ (عليه السلام) بِالحَربِ، وجَعَلوهُ شِلوًا مِن كَثرَةِ الطَّعنِ وَالضَّربِ، وهُوَ يَستَقي شَربَةً مِن ماءٍ فَلا يَجِدُ"([6]) فإن هذا النص مقتبسٌ من مقتل الخوارزمي.

النص الثالث: ما أورده أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين قال:" وجعل الحسين يطلب الماء وشمر - لعنه الله - يقول له : والله لا ترده أو ترد النار فقال له رجل : الا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطون الحياة ، والله لا تذوقُه أو تموتُ عطشا فقال الحسين " ع " اللهم أمتْه عطشا" .  ص ٩٤

والمراد من طلب الماء - كما هو واضح- هو السعي للوصول إلى الفرات بقرينة قول الشمر: والله لا ترده" أي لا تصل إليه إي إلى ماء الفرات فالورود بمعنى الوصول لموضع الماء كما هو مفاد قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} القصص : 33

والقرينة الأخرى قوله : "ألا ترى الفرات كأنه بطون حيَّات:  فإنَّ مقتضى ذلك هو أنَّ النص يوثِّقُ لمرحلة ما قبل ضعف الحسين(ع) عن القتال وأنَّه كان قريباً من الفرات يُجاهدُ من أجل الوصول إليه وأما حين مقتله فكان بعيداً عن الفرات ( المسنَّاة).

النص الرابع: ما أورده ابن قتيبة الدينوري في الأخبار الطوال قال: "ولَمّا رَأَى القَومَ قَد أحجَموا عَنهُ، قامَ يَتَمَشّى عَلَى المُسَنّاةِ نَحوَ الفُراتِ، فَحالوا بَينَهُ وبَينَ الماءِ، فَانصَرَفَ إلى مَوضِعِهِ الَّذي كانَ فيهِ"([7]).

والظاهر أنَّ النصَّ يُؤرِّخ لقُبيل مصرعه بوقتٍ يسير بعد أن أصبح الحسين (ع) راجلًا فكان -بحسب هذا النصِّ- قد قصد الفرات ليشرب منه لكنَّهم حالوا بينه وبين الماء فرجع قافلًا إلى مركزه.

النص الخامس: ما أورده ابن الأثير في الكامل في التاريخ قال: "واشتَدَّ عَطَشُ الحُسَينِ (عليه السلام) فَدَنا مِنَ الفُراتِ لِيَشرَبَ، فَرَماهُ حُصَينُ بنُ نُمَيرٍ بِسَهمٍ فَوَقَعَ في فَمِهِ، فَجَعَلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ بِيَدِهِ ورَمى بِهِ إلَى السَّماءِ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وأثنى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إنّي أشكو إلَيكَ ما يُصنَعُ بِابنِ بِنتِ نَبِيِّكَ، اللَّهُمَّ أحصِهِم عَدَدًا، وَاقتُلهُم بَدَدًا، ولا تُبقِ مِنهُم أحَدًا. وقيلَ: الَّذي رَماهُ رَجُلٌ مِن بَني أبانِ بنِ دارِمٍ"([8]).

فطلبه للماء -كما هو صريح النصِّ- هو بمعنى سعيه للوصول إلى الفرات ليشرب منه. كما هو مقتضى التعبير بقوله :" فَدَنا مِنَ الفُراتِ لِيَشرَبَ".

النصُّ السادس: ما أورده الشيخ المفيد في الإرشاد قال: "رَكِبَ الحُسَينُ (عليه السلام) المُسَنّاةَ يُريدُ الفُراتَ وبَينَ يَدَيهِ العَبّاسُ أخوهُ، فَاعتَرَضَتهُ خَيلُ ابنِ سَعدٍ، وفيهِم رَجُلٌ مِن بَني دارِمٍ، فَقالَ لَهُم: وَيلَكُم ! حولوا بَينَهُ وبَينَ الفُراتِ ولا تُمَكِّنوهُ مِنَ الماءِ.

فَقالَ الحُسَينُ (عليه السلام): اللَّهُمَّ أظمِئهُ ! فَغَضِبَ الدّارِمِيُّ ورَماهُ بِسَهمٍ فَأَثبَتَهُ في حَنَكِهِ، فَانتَزَعَ الحُسَينُ (عليه السلام) السَّهمَ، وبَسَطَ يَدَهُ تَحتَ حَنَكِهِ فَامتَلَأَت راحَتاهُ بِالدَّمِ، فَرَمى بِهِ ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إنّي أشكو إلَيكَ ما يُفعَلُ بِابنِ بِنتِ نَبِيِّكَ. ثُمَّ رَجَعَ إلى مَكانِهِ وقَدِ اشتَدَّ بِهِ العَطَشُ([9]).

فهذا النص كالنصوص السابقة الصريحة في أنَّ طلب الحسين (ع) للماء كان من طريق قصده للفرات ليشرب منه، فاجتهد جيشُ عمر بن سعد للحيلولة دون وصوله للفرات، وكان من وسائل الحيلولة دون تمكينه من شرب الماء أنْ صوَّب أحدُهم سهمًا إلى فم الحسين (ع) فأَثبَتَهُ في حَنَكِهِ ثم حرَّض الجيش على الاجتهاد في منعه وعدم تمكينه من الوصول للماء، فما كان من الحسين (ع) إلا أنْ رجع إلى مكانه وقَدِ اشتَدَّ بِهِ العَطَشُ.

طلبُ الماء كان بمعنى الأمر للعباس أنْ يأتيه بالماء:

الطائفة الثانية: نصَّت على أنَّ الإمام الحسين (ع) طلب من أخيه أن يأتيه بالماء من الفرات وقد ورد في ذلك العديد من النصوص نذكر منها:

النص الأول: ما أورده مصعب بن عبد الله الزبيري (ت: 236) في كتابه نسب قريش قال: "والعباس بن علي، ولده يسمَّونه "السقَّاء"، ويُكنونه أبا قِربة؛ شهِدَ مع الحسين كربلاء؛ فعطِش الحسينُ؛ فأخذ قربةً، واتَّبعه إخوتُه لأبيه وأمِّه بنو عليٍّ، وهم: عثمان، وجعفر، وعبد الله، فقُتل إخوتُه قبلَه، وجاء بالقِربةِ يحملُها إلى الحسين مملوءةً .."([10]).

النص الثاني: ما أورده ابن سيده (ت 458ه) في المخصص قال: ".. دَعوا العباس بن عليٍّ أبا قِربة وسَمَّوْهُ السَّقَّاء لأخْذِه القِربة حين عطش الحسين (عليه السّلام) وتوجهه إلى الفرات واتَّبعه أخوتُه لأمِّه بنو علي عثمان وجعفر وعبد الله فقُتل إخوتُه قبله وجاء بالقِربة يحملُها إلى الحسين .."([11]).

النص الثالث: ما أورده ابن حبَّان (ت: 353ه) في الثقات قال: "والعباس يُقال له السقَّاء، لأنَّ الحسينَ طلبَ الماء في عطشِه وهو يُقاتل فخرجَ العباسُ وأخوه واحتال حمل إداوةَ ماءٍ ودفعَها إلى الحسين، فلمَّا أراد الحسينُ أنْ يشربَ من تلك الإداوة جاء سهمٌ فدخل حلقَه فحال بينَه وبين ما أراد من الشُرب"([12]).

فهذا النصُّ -وكذلك الذي قبله- صريحٌ في أنَّ الحسين (ع) طلب الماء ولكنَّه طلبه من أخيه العباس وتمكَّن العباس (ع) من أن يأتيه بالماء ولكنَّه -بحسب هذا النص- حين أراد أن يشرب صوَّب أحدُهم سهمًا إلى حلقَه فحال بينَه وبين ما أراد من الشُرب.

وعلى هذا النص يُحمل ما أورده في أخبار الدول وآثار الأول: اشتَدَّ العَطَشُ بِهِ -أي بِالحُسَينِ (عليه السلام)- فَمَنَعوهُ، فَحَصَلَ لَهُ شَربَةُ ماءٍ، فَلَمّا أهوى لِيَشرَبَ رَماهُ حُصَينُ بنُ تَميمٍ بِسَهمٍ في حَنَكِهِ، فَصارَ الماءُ دَمًا"([13]).

فالشربة التي حصل عليها الحسين (ع) هي التي جاء بها العباس (ع) كما في نصِّ ابن حبَّان بقرينة اتِّحاد النصَّين في أنَّ الحسين (ع) حين أراد أنْ يشرب جاء سهمٌ فوقع في حلقة أو حنكه.

وكذلك يُحمل على نصِّ ابن حبان في الثقات ما أورده الدينوري في الأخبار الطوال قال: "عَطِشَ الحُسَينُ (عليه السلام) فَدَعا بِقَدَحٍ مِن ماءٍ، فَلَمّا وَضَعَهُ في فيهِ رَماهُ الحُصَينُ بنُ نُمَيرٍ بِسَهمٍ، فَدَخَلَ فَمَهُ، وحالَ بَينَهُ وبَينَ شُربِ الماءِ، فَوَضَعَ القَدَحَ مِن يَدِهِ"([14]).

فهذا النصُّ يؤرِّخ لذات الحادثة التي أرَّخ لها ابن حبَّان في الثقات بقرينة اتِّحاد هذا النص والنصِّ الذي ذكره ابن حبَّان في أنَّ الحسين (ع) حين أراد أن يشرب صوَّب أحدُهم سهمًا فدخل في فم الحسين (ع) فحالَ بينه وبين الشرب، فإنَّ من المستبعَد أن يتكرَّر هذا الحدث مرَّتين وفي كلِّ مرَّة يدخلُ السهم في حلقِه.

وعليه فقوله "فدعا بقدحٍ من ماء" معناه أنَّ الحسين(ع) دعا العباس وليس الأعداء، ومع عدم القبول بذلك فالنصُّ لا يدلُّ على أنَّه دعا أحدًا من الأعداء أنْ يعطيه قدحًا من ماء، فلعلَّه دعا أحد أنصاره أو فتيانه، فإنَّ احتمال أن يكون لدى بعض أنصاره شيءٌ من ماء واردٌ كما هي عادة المحاربين أنْ يحمل كلُّ واحدٍ منهم إداوة فيها ماء يضعُها في لامة حربِه، ولعلَّ أحد أنصاره أو فتيانه طلب له ماءً من بعض مَن التحق بأنصاره من جيش عمر بن سعد، فإنَّ ما لا يقلُّ عن عشرين وقيل ثلاثين رجلًا من صفوف عمر بن سعد التحقوا بصفوف الإمام الحسين (ع) بعد نشوب المعركة واشتدادها.

فقول الدينوري في الأخبار الطوال: أنَّ الحسين (ع) "دَعا بِقَدَحٍ مِن ماءٍ، فَلَمّا وَضَعَهُ في فيهِ رَماهُ الحُصَينُ بنُ نُمَيرٍ بِسَهمٍ" ليس فيه دلالة ولا إشعار بأنَّه (ع) طلب ذلك من أعدائه.

والذي يؤكِّد ذلك -مضافًا لما تقدَّم- اشتمال النص على أنَّه جيء إليه بقدحٍ ليشرب ومن الواضح من ملاحظة النصوص التاريخية المتوافرة أنَّ معسكر ابن سعد اجتهد ما وسعه أنْ لا يصل إلى الحسين(ع) شيءٌ من ماء، وأنَّ ثمة قرارًا رسميًا بالحيلولة دون وصول الماء للحسين (ع) فلا يمكَّن أنْ يشرب منه قطرة -كما سنشير لذلك- فكيف يقدِّم المعسكر الأموي أو بعض أفراده للحسين (ع) الماء بنفسه؟!

وممَّا ذكرناه يتبيَّن المراد ممَّا أورده ابنُ سعد في الطبقات الكبرى قال: عَطِشَ الحُسَينُ (عليه السلام) فَاستَقى، ولَيسَ مَعَهُم ماءٌ فَجاءَهُ رَجُلٌ بِماءٍ، فَتَناوَلَهُ لِيَشرَبَ، فَرَماهُ حُصَينُ بنُ تَميمٍ بِسَهمٍ، فَوَقَعَ في فيهِ، فَجَعَلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ بِيَدِهِ ويَحمَدُ اللَّهَ"([15]).

فهذا النص يؤرِّخ لذات الحادثة التي يُؤرِّخ لها ابن حبَّان في الثقات بقرينة اتِّحاد النصين في إفادة أنَّه حين أراد أنْ يشرب صوَّب أحدُهم سهمًا فوقع في فيه أي دخل في حلقِه.

وعليه فقوله: "عَطِشَ الحُسَينُ (عليه السلام) فَاستَقى" معناه أنَّه طلب السقاء من أخيه العبَّاس (ع) والمراد من الرجل الذي جاءه بالماء هو العباس كما صرَّح بذلك ابن حبَّان في الثقات.

ومع عدم القبول بذلك فإنَّ نصَّ الطبقات لا يدلُّ بل وليس فيه إشعار أنَّ الإمام (ع) استقى من الأعداء، فإنَّ ما جاء في النصَّ هو أنَّ الحسين(ع) استقى ولم يبيِّن النصُّ مَن هو الذي كان يُخاطبه الحسين (ع) ثم قال: "فَجاءَهُ رَجُلٌ بِماءٍ" فلعلَّ هذا الرجل -إن لم يكن العباس- من بعض أنصاره الذين التحقوا بصفوفِه أو أنَّ أحد فتيانه طلب من أحدِهم الماء للإمام الحسين (ع)، فليس في النص المذكور ما يصحُّ الاستدلال به على أنَّه (ع) قد استقى من أعدائه.

ومن ذلك يتَّضح الجواب عن النصوص الأخرى التي ذكرت أنَّ الحسين استقى فجاءه سهمٌ فوقع في فمِه أو حنكه أو شدقه فإنَّ جميع هذه النصوص وشبهها تُؤرخ لحادثةٍ واحدة.

التعليق على ما ورد أنَّه استقى قُبيل مقتله:

الطائفة الثالثة: نصَّت على أنَّ الحسين (ع) استسقى ماءً قُبيل مقتله:

ولم أجد في ذلك سوى نصٍّ واحد أورده السيّد ابن طاووس قال: "وروى هلال بن نافع قال: إنِّي كنتُ واقفًا مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخٌ: أبشرْ أيّها الأمير! فهذا شمرٌ قتل الحسين، قال: فخرجتُ بين الصفّين، فوقفت عليه وإنّه ليجود بنفسِه، فوالله ما رأيتُ قطُّ قتيلًا مضمَّخًا بدمِه أحسن منه، ولا أنور وجهًا، ولقد شغلني نورُ وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتلِه، فاستسقى في تلك الحال ماءً، فسمعتُ رجلًا يقول: لا تذوقُ الماء، حتّى ترد الحامية، فتشرب من حميمها. فسمعتُه يقول: يا وَيْلَكَ، أَنَا لا أَرِدُ الْحامِيَةَ، وَلا أَشْرَبُ مِنْ حَميمِها، بَلْ أَرِدُ عَلى جَدّي رَسُولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله) وَأَسْكُنُ مَعَهُ في دارِهِ في مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَليكٍ مُقْتَدِر، وَأَشْرَبُ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِن، وَأَشْكُو إِلَيْهِ مَا ارْتَكَبْتُمْ مِنّي وَفَعَلْتُمْ بي .."([16]).

وهذا النصُّ ليس صريحًا أيضًا في أنَّه استسقى الماء من أعدائه، فالراوي قال: "فاستسقى في تلك الحال ماءً" ولم يذكر من هو المخاطَب بالاستسقاء، فلعلَّه استسقى أحدَ فتيانه الذي كان يرافقه إلى حين مقتلِه، فبعض فتيان الحسين (ع) لم يُشاركوا في الحرب بل كان بعضهم يُرافقه ويخدمه إلى أنْ قُتل.

ويُؤكِّد ذلك ما أورده الشيخُ المفيد في الإرشاد وغيرُه قال: "ولمَّا رجع الحسين (عليه السلام) من المسنَّاة إلى فسطاطه تقدَّم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه فأحاطوا به، فأسرع منهم رجلٌ يُقال له مالك بن النسر الكندي، فشتم الحسين وضربه على رأسه بالسيف، وكان عليه قلنسوة فقطَعها حتى وصل إلى رأسِه فأدماه، فامتلأت القلنسوة دمًا، فقال له الحسين: "لا أكلت بيمينك ولا شربتَ بها، وحشرك اللهُ مع الظالمين" ثم ألقى القلنسوة ودعا بخرقةٍ فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنسوةً أخرى فلبسها واعتمَّ عليها"([17]).

فمفاد هذا النصَّ أنَّ الحسين (ع) حين رجع من جهة المسنَّاة وحيدًا بعد مقتل العباس -كما نصَّ على ذلك المفيد وغيره-"([18]). قصد الفسطاط فاعترضه الشمر في جماعةٍ من أصحابه وأحاطوا به وتحلَّقوا حوله فتقدَّم رجلٌ منهم فضرب الحسين (ع) على رأسِه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطَها فألقى الحسين (ع) القلنسوة، ودعا بخرقةٍ فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنسوةً أخرى فلبسها واعتمَّ عليها.

فمَن الذي طلب منه الحسين (ع) -وهو في قلب المعركة وقد صار وحيدا- أنْ يناوله خرقةً ليشدَّ بها رأسه وقلنسوةً ليلبسها ويعتمَّ عليها؟ فالمستظهَر هو أنَّ الحسين (ع) طلب ذلك من أحد غلمانه الذي كان يرافقه ويخدمُه.

وأصرحُ من ذلك ما رواه ابن عساكر بسنده عن مسلم بن رباح مولى عليِّ بن أبي طالب قال: كنتُ مع الحسين بن علي يوم قُتل فرُمي في وجهِه بنشابة فقال لي: يا مسلم أدنِ يديك من الدم فأدنيتهما فلمَّا امتلأتا قال اسكبه في يدي فسكبتُه في يدِه فنفخَ بهما إلى السماء وقال: اللهمَّ اطلبْ بدم ابنِ بنتِ نبيِّك قال مسلم: فما وقعَ منه إلى الأرض قطرة" تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج14/ 223 هذا النصُّ أصرح من سابقه في أنَّه كان بعض موالي الحسين(ع) يرافقه ليخدمه.

وعليه فلعلَّه (ع) حين استسقى الماء قُبيل مقتله كان قد استسقاه من أحد مواليه -غلمانه- فلعلَّه حين أنهكه الظمأ قال لغلامه اذهب فأتني بماء فإنَّ الغلام قد يتمكَّن من الوصول إلى الفرات لجهلِهم بهويَّته فيُتاح له بذلك إيصال الماء إلى الحسين (ع).

فمع قيام هذا الاحتمال لا يكون النصُّ المذكور صالحًا للاستدلال به على أنَّ الحسين (ع) قد استسقى الماء من أعدائه، نعم أورد ابنُ نما الحلِّي في كتابه مثير الأحزان عينَ هذا النصِّ المروي عن هلال بن نافع إلا أنَّه ذكر بدلًا من عبارة: "فاستسقى في تلك الحال ماءً" عبارة أخرى وهي: "وطلب منهم ماء"([19]) فبناءً على هذه العبارة يكون الظاهر أنَّه (ع) طلب الماء من أعدائه.

إلا أنَّه مع قطع النظر عمَّا هو محرَزٌ من كون السيد ابن طاووس أدقَّ من ابن نما الحلِّي في النقل فإنَّه لا يُمكن التعويل على أيٍّ من النقلين في المقدار الذي اختلفا فيه لعدم احراز أيِّ العبارتين صدرتْ عن الراوي أعني هلال بن نافع، فاختلافُهما فيما هو المروي عن هلال بن نافع يُوجب سقوط النقلين عن الاعتبار كما هو محرَّرٌ في علم الأصول وكما هي طريقة العقلاء في التعاطي مع النصوص والأخبار.

خبر هلال بن نافع ساقط عن الاعتبار:

وعلى أيِّ تقدير فإنَّ هذا النص ساقطٌ عن الاعتبار من الأساس، وذلك لأنَّ الراوي كان من جيش عمر بن سعد فهو رجلٌ فاسق لا يُعوَّل على أيِّ خبرٍ يتفرَّدُ بنقله، وحيث إنَّ هذا المقدار من الخبر الذي رواه قد تفرَّد هو بنقله، فلم ينقله معه غيرُه ولم تقُم القرائن والشواهد على صدقِه لذلك فهو ساقطٌ عن الاعتبار، فلا يصحُّ الاستدلال به على أنَّ الإمام الحسين (ع) قد طلب الماءَ من أعدائه.

القرينة على فساد دعوى طلبه الماء من الأعداء:

هذا مضافًا إلى منافاة دعوى طلب الحسين (ع) الماءَ من أعدائه مع ما هو المعلوم المقطوع به من حال الإمام الحسين (ع) وأنَّه في أعلى درجات العزَّة والأنفة والإباء والكرامة، فلا يُقدِم مثله على طلب الماء من أمثال هؤلاء القُساة الجُفاة الذين قتلوا قبل قليلٍ إخوته وأبناءه وأبناء أخوته وأطفاله عطاشى دون أنْ يخفقَ لهم قلب أو يَرُفَّ لهم جفن، فكيف يطلبُ من هؤلاء ماءً وهو يعلمُ لؤمَهم ودناءَتهم وخسَّة طباعِهم، ويعلم من حالِهِم أنَّهم لن يستجيبوا لطلبِه وأنَّهم سيُقابلون طلبَه بالسخرية والتهكُّم وألفاظ التشفِّي؟!! فهل يُعرِّض الحسينُ (ع) -بل مَن هو دونه في المروءةِ والشرف- نفسَه لتوهين الأنذال حرصاً على حاجةٍ يعلمُ أنَّه لن يطول الصبرُ عليها، وسوف يردُ على جدِّه المصطفى (ص) فيسقيه من كأسِه الأوفى كما كان يُبشِّر بذلك أبناءه وأنصاره.

دعوى أنَّه (ع) أراد أنْ يُقيمَ الحجَّةَ عليهم لا تصحُّ:

ودعوى أنَّه (ع) أراد أنْ يُقيمَ الحجَّةَ عليهم لا تصحُّ، فإنَّ الحجَّةَ قائمةٌ عليهم أبلغَ قيام، فإنَّهم قد منَعوه من الماء ثلاثة أيام، وقد رأوه (روحي فداه) يُجالدُهم من أجل الوصول إلى الفرات ليشربَ شيئًا من الماء، فكان كلَّما قصدَ الفرات تآزروا للحيلولة بينه وبين الوصول إليه، وقد صوَّب أحدُهم سهمًا إلى فمِه ليمنعَه من تناول الماء، وقد استمات إخوتُه سعيًا منهم للوصول إلى الفرات علَّهم يتمكنون من إيصال شيءٍ من ماء إلى الحسين (ع) وأطفاله فقُتلوا عن آخرهم، فأيُّ حجَّةٍ -بعد كلِّ ذلك- يحتاجُ الحسينُ (ع) أنْ يُقيمَها عليهم؟!! ألم يكونوا يشاهدون -وقد تحلَّقوا حولَه- ما ظهَرَ على محيَّاه من الإعياء والنَصَب حتى أقعدَه عن القتال؟ ألا يُشاهدون الجراحات البليغة وقد أثخنتْ جسدَه الشريف والدماء تنزفُ من جميع جوانبه؟ فهل يحتاجُ مَن في مثل حالِه أنْ يطلبَ الماءَ ليُقيم عليهم الحجَّة؟!

إنَّ الحجَّة قائمةٌ عليهم وإنَّ قتلَه (ع) وهو ظامئ قد صدر به قرارٌ ملزِم لا يسعُ ابنُ سعدٍ الذليل الخانع ولا معسكره أنْ يتجاوزوه، فقد ذكر المؤرِّخون أنَّ ابنَ زيادٍ بعث برسالةٍ إلى عمر بن سعد فقال: "فحُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة"([20]) وفي الأخبار الطوال: "أن أمنع الحسين وأصحابه الماء، فلا يذوقوا منه حُسوة"([21]) فالقرار ليس هو منعُ الحسين (ع) من التزوُّد بالماء بل منعُه من أنْ يذوق منه قطرة وكان الحسين (ع) يعلم بذلك، وقد لاقى هذا القرار هوًى في نفوسِهم المُحتقِنة بالحقد الدفين على البيت النبويِّ فتمثَّلوه على أكمل وجه.

فهل يجسرُ بعد ذلك من أحدٍ يعرفُ الحسين -وشموخَه وأنَفَته وعلوَّ همته وبصيرته وصبره- أنْ يُحدِّثَ نفسه أنَّ الحسين (ع) قد التمسَ من هؤلاء الأجلاف ماءً ليشربه وهو يعلمُ أنَّهم لن يستجيبوا لطلبه بل سيقابلونه بالتهكُّم والمزيد من التشفِّي. ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾([22]).

وخلاصة القول:

هو أنَّه لو كان ثمة من خبرٍ يَظهرُ منه أنَّ الحسين (ع) قد التمس من هذه الطغمة الفاجرة أنْ يسقوه شيئًا من ماء لكان علينا طرحُ هذا الخبر لمنافاته مع ما هو المعلوم والمقطوع به من حال الحسين (ع) وما انطوت عليه نفسُه الأبيَّة من كرامة وأنفة يعزُّ على الدهرِ أن يجد لها شبيهًا، ومنافاته مع سيرته معهم وخطاباته ومشاهد العزَّة التي تجلَّت في مواقفه يوم عاشوراء، ومنافاته مع سيرتهم معه فلو كان ثمة من خبرٍ يظهَرُ منه أنَّه التمس من هؤلاء الأجلاف شيئًا من ماء لكان علينا طرحُه، فكيف وليس في البين شيءٌ من ذلك سوى نقولات لا أصلَ لها ولا أساس تَستندُ إليه، ولا يبعد -إنْ أحسنَّا الظن- أنَّ العواطف الخائرة هي التي نسجَتْ هذه النقولات المُسيئة لمقام أبيِّ الضيم وسيِّد الشهداء (عليه السلام).

ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

أختم بما أورده الصدوق في كتابه كمال الدين وتمام النعمة روى بسندٍ متصلٍ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله أنَّه قال: " .. وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ نَبِيّاً، إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ فِي السَّماءِ أكبَرُ مِنهُ فِي الأَرضِ؛ فَإِنَّهُ مَكتوبٌ عَن يَمينِ العَرشِ: مِصباحٌ هادٍ، وسَفينَةُ نَجاةٍ، وإمامٌ غَيرُ وَهِنٍ، وعِزٌّ وفَخرٌ، وبَحرُ عِلمٍ، وذُخرٌ" .(23)

جواب آخر لسماحة السيد جعفر مرتضى العاملي (ره):

إن فهم استسقاء الحسين على أساس أنه استجداء، غير دقيق.. وذلك لما يلي:

أولاً: لوجود وجوه أخرى تظهر قرائن الأحوال أنها هي المقصودة، ونذكر منها ما يلي:

أ ـ إنه [عليه السلام]، كان يريد أن يقيم الحجة عليهم وعلينا، حتى في مثل هذه اللحظات، لكي لا يحتمل أحد أنهم في زحمة الأحداث قد غفلوا عن هذا الأمر، أو ذهلوا عنه.

فيكون [عليه السلام] بذلك قد نبه الغافل منهم ـ إن كان ـ ويكون قد عرّفنا بأنهم يأتون ما يأتونه عن سابق تصميم، وعلم ودراية، وأنهم غير معذورين أبداً في شيء من ذلك..

ب ـ إنه [عليه السلام]، يريد أن يعرفنا مدى مظلوميته مع أناس يبكي ويتحسر عليهم حتى وهم يقتلونه.

ثانياً: إن طلبه شربة الماء هو الحق الطبيعي له، فهل من يطالب بحقه يكون مستجدياً؟! فكيف إذا كان حقه هذا قد حفظته له الشريعة، وأكدته له الأعراف، وفوق ذلك كله، إنه حق الإمامة، وحقه الإنساني..

ثالثاً: إنه لا بد له من أن يستنفد جميع الوسائل التي ربما تفيد في هداية بعض من بقي في قلبه ذرة من عاطفة، وبقية من إنصاف، وحد أدنى من إنسانية.. لأنه مسؤول عن هداية الناس كلهم، ولا بد أن يفتح لهم أبواب الهداية.

وهذا النداء الإنساني المتوافق مع المشاعر، والمنسجم مع الأعراف والمتناغم مع الفطرة هو أحد هذه الأبواب..

الهوامش: [1]- سورة التوبة / 120. [2]- سورة المنافقون / 8. [3]- الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص117. [4]- مقتل الحسين (ع) -الخوارزمي-. [5]- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص71. [6]- مثير الأحزان -ابن نما الحلِّي- ص55. [7]- الأخبار الطوال -ابن قتيبة الدينوري- ص258. [8]- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص76. [9]- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص109. [10]- نسب قريش -مصعب بن عبد الله الزبيري- ج2 / ص43. [11]- المخصص -ابن سِيده- ج4 / ص174. [12]- الثقات -ابن حبَّان- ج2 / ص310. [13]- أخبار الدول وآثار الأول ج1 / ص322. [14]- الأخبار الطوال -ابن قتيبة الدينوري- ص258. [15]- الطبقات الكبرى -ابن سعد- ترجمة الإمام الحسين (ع) ص74. [16]- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص76. [17]- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص110. [18]- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص109. [19]- مثير الأحزان -ابن نما الحلِّي- ص57 [20]- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص311. [21]- الأخبار الطوال -الدينوري- ص255. [22]- سورة النّور / 16. [23] - كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص265.
2023/07/27

لماذا استجاب الإمام الحسين (ع) لأهل الكوفة؟!
لماذا استجاب الحسين (ع) لأهل الكوفة وأرسل إليهم سفيره مسلمَ بن عقيل مع علمه بحالهم ومع نصح بعض أصحابه له بعدم التوجُّه إلى هناك؟

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لو لم يستجب الإمام الحسين (ع) لدعوات أهل الكوفة لأدانه التاريخ ولقال إنَّ الحسين -والعياذ بالله- قد فرَّط في المسئوليّة الإلهيَّة المُناطة به، وذلك لأنَّ الظروف قد تهيَّأت له بعد أنْ راسله الآلاف مِن أهل الكوفة وجمع كبير مِن الوجهاء ورؤساء العشائر(1)، وأكّدوا له أنّهم على استعدادٍ تامٍّ لمناصرته وأنَّ الكوفة متهيِّئةٌ لاحتضان ثورته، وأنَّه ليس مِن العسير عليهم طردُ الوالي الأموي مِنها، وحينئذٍ وعندما تسقط الكوفة فإنَّ ذلك يُنتج سقوط القرى والمدن المجاورة لها نظرًا لارتباطها سياسيًّا وأمنيًّا بأمارة الكوفة بل وحتّى بلاد فارس والأهواز وبعض المدن الإيرانيَّة وقراها كانت تابعة سياسيًّا لإمارة الكوفة بل إنَّ سقوط الكوفة بِيَد الثوّار يُنتج سهولة الهيمنة على مدينة البصرة والمدن المجاورة لها، وذلك لأنَّ الثقل العسكري والسياسي في العراق آنذاك كان في مدينة الكوفة، وكلُّ مَن له معرفة بالتاريخ يُدرك هذه النتيجة.

ومِن هنا يكون إهمال الإمام الحسين (ع) لدعوات أهل الكوفة يعدُّ تفريطاً وتفويتاً لفرصةٍ استثنائيّة خصوصًا وأنَّ الحسين(ع) يُدرك أنَّ الأمّة ما كانت لتستجيب ليزيد لولا قوَّتُه وسطوته، فإذا ما استطاع أنْ يُوهن هذه القوّة فإنَّ الحواضر الإسلاميّة سوف تتداعى واحدة تلوَ الأخرى، إذ ليس ثمّة حاضرة مِن الحواضر الإسلاميّة تكنُّ الولاء الحقيقي ليزيد وللنظام الأموي إذا ما استثنَيْنا بلاد الشام، هذا بالإضافة إلى عنصرٍ آخر يُؤكّد المسئوليَّة التاريخيَّة على الحسين (ع) وهو احترام وتقدير الأمّة له نظراً لقرابته مِن رسول الله (ص) ونظرًا لإيمانها بنزاهته وكفاءته وليس مِن عائق يحول دون مؤازرته سوى بطش السلطة الأمويّة الذي أصاب الأمّة بالإحباط واليأس، فلو أنَّ الحسين (ع) استطاع إدخال الوهن على النظام الأموي فإنَّ الأمّة ستهبُّ لا محالة لمؤازرته.

مِن هنا كان سقوط الكوفة مع ملاحظة الاعتبارات الأخرى مساوقاً لضعف النظام الأموي وعجزه عن بسط هيمنته على الحواضر الإسلاميّة. ذلك لأنَّ مركز القوّة للنظام الأموي متمثِّلًا في بلادَيِ الشام والكوفة، لهذا تمكّن الثوّار في المدينة المنوّرة وكذلك مكّة الشريفة مِن طرد بني أميّة بكلّ سهولة أيّام يزيد بن معاوية، ولولا أنْ بعث إليهم يزيدُ بن معاوية جيشَ الشام بعد أنْ رفض ابن زياد واليه على الكوفة الذهاب إليهم لما تمكّن مِن استرجاع هاتَيْن المدينتَيْن مِن يد الثوّار.

وهو ما يُعبِّر عن أنَّ الكوفة والشام هما مركز القوّة للنظام الأموي، وأنَّ سرَّ هيمنته وانبساط سلطته هو ما يُدركه الناس مِن أنَّ عاقبة التمرُّد هو أنْ يُسلّط عليهم النظامُ الأموي جيشَ الشام أو الكوفة.

ومِن هنا نُؤكّد أنَّ سقوط الكوفة بِيَد الثوّار معناه أنَّ النظام الأموي يٌصبح أمام قوّةٍ مكافئة لقوّته، وهو ما كنّا نقصده مِن دخول الوهن على النظام الأموي المستوجب لتداعي الحواضر الإسلاميّة بعد أنْ لم يكن خضوعها له ناشئاً عن ولائها وإيمانها بجدارته واستحقاقه، وإنّما كان ناشئاً عن خوفها مِن بطشه وشدَّة بأسه.

وبما ذكرناه اتَّضح المنشأُ لاستجابة الحسين (ع) لدعوات أهل الكوفة فقد تواترت عليه كتبُهم حتّى تجاوزت الاثني عشر ألف كتاب، كلُّ كتاب مختوم مِن اثنين أو ثلاثة أو أكثر(2)، وكتب إليه رؤساءُ العشائر والوجهاء وأوفدوا إليه الرسل، ورغم كلِّ ذلك بعث إليهم مسلم بن عقيل ليقف على واقع حالهم، فجاءه كتابُ مسلم بن عقيل أنْ أقدِم فإنَّ الكوفة مهيّأة(3) لاحتضان نهضتك، فما كان يسعُه التخلُّف ولم يكن يسعه الاعتذار عن المصير إليهم بدعوى أنَّ لهم سوابقَ تُوجبُ عدم الوثوق بجدّيّة دعواتهم بعد أن بايعوا مسلم بن عقيل وعبَّروا له عن استعدادهم وصدق نواياهم.

وأمَّا عدم رجوع الحسين (ع) بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيل فلأنَّ الخيار الذي اتَّخذه الإمامُ الحسين (ع) هو الاستشهاد وذلك حينما ينكشف للأمّة وللتاريخ أنَّ المسلمين لم يكونوا حينذاك مؤهّلين للجهاد ولمقارعة النظام الأموي، فقد عقد العزم على أنْ يقدِّم نفسه قرباناً لله مِن أجل أنْ تستفيق الأمّةُ مِن سُباتها، وتُدرك أنَّ النظام الأموي مريدٌ لتقويض بُنَى الإسلام، وأنّه لا يرعى حرمةً لرسول لله (ص) وأنّه على استعدادٍ لفعل كلِّ عظيم مِن أجل أن يبقى سلطانه وتبقى هيمنتُه، وأنّه لا يهمُّه كثيراً أنْ يُعصى الله في الأرض بل يمارس هو دور التضليل والإفساد.

وإذا ما أدركت الأمّةُ كلَّ ذلك واستفاقت على وقع فاجعةٍ هي بحجم قتل الحسين (ع)، وقتل ذرِّيّته وسبي بنات رسول الله (ص) فإنَّ مِن المفترض أنْ تنبعث فيها روحٌ جديدة قادرة ولو بعد حين على أنْ تُجهز على هذا النظام الفاسد.

أراد الحسين (ع) بنهضته وتضحيته أنْ يكسر حاجز الخوف وأنْ يُبدِّد حالة اليأس والخنوع الذي أصاب الأمَّة نتيجة البطش والتعسُّف اللذَين مارستهما السلطة الأمويّة معها، وأراد أنْ يُؤسِّس لفهم إسلامي أصيل هو شرعيَّة المواجهة للسلطان الجائر، وشرعيَّة السعي لتقويض سلطانه، ذلك لأنَّ النظام الأموي عمِل وفي غضون عقدَيْن مِن الزمن على ترويج دعوى هي حرمة الخروج على النظام الحاكم حتّى ولو كان فاسدًا جائرًا(4)، وسخّر لذلك المأجورين ممَّن يُنسبون لصحابة رسول الله وغيرهم ليضعوا مِن عند أنفسهم رواياتٍ تؤكِّد على عدم شرعيَّة الخروج والثورة على السلطان(5) وإنْ كان فاسقًا مستحلًّا لحرمات الله، وأنَّ وظيفة المسلم هي النصيحة والدعاء له بالهداية(6)، فإن ثابَ إلى رشده وإلاّ فعلى كلِّ مكلّفٍ الصبر، وإنْ جلَدَ السلطانُ ظهره وأخذ مالَه(7).

وهذه الثقافة الخطيرة التي سادتْ وتجذّرت بفعل السياسة الأمويَّة لم يكن مِن الممكن تصحيحها لو لم يتصدَّ لذلك رجلٌ هو بحجم الحسين (ع) ولم يكن التصدّي بمستوى التضحية، فالحسين(ع) قدّم نفسه قرباناً لله مِن أجل أنْ يُعيد الأمّة إلى المسار الصحيح، يقول (ع): "أيُّها الناس إنَّ رسول الله (ص) يقول: مَنْ رأى منكم سلطانًا جائرًا مستحلًّا لِحُرَمِ الله ناكثًا عهده مخالفًا لسنَّة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيِّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقًّا على الله أنْ يُدخله مدخله، ألا وإنَّ هؤلاء قد لزِموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطَّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلُّوا حرام الله وحرَّموا حلاله وأنا أحقُّ مَنْ غيَّر .."(8).

وأمّا نصيحةُ بعض أصحابه له بعدم الخروج على يزيد أو بعدم التوجُّه إلى الكوفة فلأنَّ حساباتهم كانت سياسيَّة، ولأنّهم أنفسهم ممَّن شملهم الداء وأصابهم الوهنُ واستبدَّ بهم اليأس والإحباط، لذلك فهم لا يفهمون لغة الحسين (ع) ولا يُدركون أبعاد خروجه ونهضته.

فهذا ابن عبّاس الذي لا نشكّ في إخلاصه للإمام الحسين (ع) يتمنَّى لو كان يتمكّن مِن حبس الحسين (ع) والحيلولة دون خروجه(9)، ذلك لأنّه لم يكن قادرًا على استيعاب معنى التضحية والاستشهاد، إذ هي لغةٌ لا يفهمها إلاّ أهل البصائر ولا يقف على أبعادها إلاّ مَن تجرَّدت روحه عن كلِّ علائق الدنيا، فكم هو غريبٌ قول الحسين (ع): "إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما"(10) فهو يأنسُ بالموت والآخرون تُؤنسهم الحياة.

وقد تمكّن الإمام الحسين (ع) مِن تحقيق غايته ولم يتمكّن النظام الأموي مِن إرغام الحسين(ع) على خياره رغم ما بذله مِن وسع، وما اعتمده مِن وسائل لا تصمد أمامها أقوى الإرادات، وهذا هو معنى انتصار الدمِ على السيف.

وهكذا تبخَّر النظامُ الأموي وتلاشت أطروحتُه الرامية لتقويض بُنَى الإسلام وخَلُد الحسين وخلُدت مبادؤه.

الهوامش: 1- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص36، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص436، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص16، شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج11 / ص43، كتاب الفتوح -أحمد بن أعثم الكوفي- ج5 / ص27، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص163. 2- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص38، روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص172، اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص24، تاريخ الطبر ج4 / ص294، أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص158 وغيرها. 3- أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص167، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص297، مقتل الحسين (ع) -أبو مخنف الأزدي- ص72، تجارب الأمم -ابن مسكويه الرازي- ج2 ص60، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص181. 4- صحيح البخاري -البخاري- ج8 / ص87، صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج6 / ص22، عمدة القاري -العيني- ج24 / ص178، رياض الصالحين -يحيى بن شرف النووي- ص339، نيل الأوطار -الشوكاني- ج7 / ص356. 5- نفس المصدر. 6- نفس المصدر. 7- نفس المصدر. 8- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص304، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 ص48، مقتل الحسين (ع) -أبو مخنف الأزدي- ص85، الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص81. 9- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص172، الدر النظيم -إبن حاتم العاملي- ص546، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص192، أمالي المحاملي -الحسين بن إسماعيل المحاملي- ص226، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص119، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج14 / ص200، ترجمة الإمام الحسين (ع) -من طبقات ابن سعد- ص61. 10- تحف العقول -ابن شعبة الحراني- ص245، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص150، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص224، ذوب النضار -ابن نما الحلي- ص8، ذخائر العقبى -احمد بن عبد الله الطبري- ص150، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص115، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج14 / ص218، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص305.
2023/07/26

خفايا الطفّ: لماذا لم يهاجم الإمام الحسين وجيشه دفعة واحدة؟!
لماذا لم يُهاجِم الإمام الحسين وأصحابه هجوماً مُوحَّداً، دفعةً واحدةً، بل كانوا رضوان الله عليهم يتقدمون للمعركة واحداً تلو آخر؟ على خلاف ما كانت عليه معارك رسول الله، والإمام علي ، أريد جوابا مقنعاً - إذا تكرمتم -؟

الجواب من سماحة آية الله السيد منير الخباز:

إن الثابت تاريخياً أن هناك فرقا بين الهجوم والمنازلة، ففي حال الهجوم يقوم الجيش الغازي بالهجوم دفعة واحدة، ويقوم القوم بالنفر دفعة واحدة للدفاع عن أنفسهم، وأما في المنازلة؛ فيتقابل الطرفان وتبدأ المنازلة ببروز الأبطال واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، لا دفعةً واحدةً، إلا إذا حصل هياج في طرفٍ، فإنه ينقضُّ على الآخر بكل جيشه، وقد اختار معسكر الحسين المواجهة بفن المنازلة، فلم يبرزوا دفعة واحدة، بل برز الأنصار أولاً، اثنين اثنين، وثلاثةً ثلاثةً، ثم جاء دور بني هاشم ثانياً بنفس الطريقة، ثم جاء دور العباس والحسين  في نزال واحد، ثم صار الحسين  وحده في القتال، والأسباب في ذلك: -

أولًا: لأنَّ الطريقة المتعارفة لفن المنازلة في المعارك عند العرب بهذه الطريقة، فحتى لو أراد طرفٌ أن يُغيِّر الطريقة فإن الطرف الآخر يرغمه على العود لما هو المنهج المتعارف في النزال.

وثانياً: لكي يستفيد المقاتل اللاحق من تجربة السابق، فيتابع قتاله وهذا لا يحصل بالقتال دفعةً واحدةً.

وثالثاً: لأنَّ المقاتلين لو برزوا دفعةً واحدةً سهل القضاء عليهم بأسرع وقتٍ، إذ ينقضُّ عليهم الجيش كلُّه، وهو أكثر عدداً وسلاحا، فيحاصرهم ويُودي بهم جميعاً في مدةٍ قصيرةٍ.

ورابعاً: إذا برز المقاتل وحده، أو معه شخصٌ، أمكن لغيره ممن يراقب القتال أن يُعِينَه عند الضرورة بسلاحٍ، أو بقتالٍ معه، أو دفع خطرٍ عنه، وهذا لا يحصل لو برز الجميع دفعةً واحدةً.

وخامساً: اختار العرب هذه الطريقة في النزال؛ لِيَتبيَّن شجاعة كلِّ شخصٍ، وتميُّزه على غيره في فن القتال، إذ لا يمكن معرفة تميُّز المقاتل ضمن القتال العام وفوضى المعركة، وإنما يتبين ذلك بقتاله وحده، وأيضا لأجل أنَّ المعركة إذا بدأت بمُقاتلٍ عنيفٍ، وبشكلٍ تدريجيٍّ، وترتَّب على قتاله كثرة عدد القتلى في صفوف العدو؛ فإن ذلك يوجب إرهاباً نفسياً للعدو، فيتراجع عن القتال، فلا حاجة بعد ذلك لقتال الباقين، بخلاف ما لو بذل المعسكر كل قوته مرة واحدة، فإن خسارته تكون أكثر ولا يمكنه التاثير على نفسية العدو.

وسادساً: أراد معسكر الحسين  أن يعلِّم المعسكر الآخر درساً إيمانياً في الفداء والإيثار، فبدأ بأصغر الأنصار فداءً للكبار منهم، ثم بكبار الأنصار فداءً للعترة النبوية، ثم بشباب بني هاشمٍ فداءً للكبار منهم، ثم بالكبار منهم فداءً للحسين ، فلو برزوا مرةً واحدةً لم يتحقق التسلسل الذي يعطي درساً في الفداء والإيثار.

وسابعاً: أراد الحسين  أن يكون له موقف مع أغلب الأنصار، بأن يقف عند توديع كل مقاتل، أو على جنازته مؤبناً أو مادحاً له، ليكون ذلك إكراماً لأنصاره، وتثميناً لمواقفهم البطولية، وتخليداً لهم في الأجيال الآتية، وهذا لا يتحقق لو برزوا صفاً واحداً، كما أراد الأنصار أيضا؛ أن يكون لكلِّ واحدٍ منهم تاريخٌ في الفداء العلوي للمبادئ، فيكون للمقاتل رجزٌ شعريٌّ خاصٌّ ينشده عند قتاله، أو خطبةٌ في المعركة يُظهِر من خلالها فداءه للدين، وصموده في هذا الطريق، وكل ذلك لتعليم الأمة الإسلامية أهمية فداء المبادئ والقيم.

2023/07/26

البكاء على الحسين (ع) أداء لحق الإمام المهدي (ع)
ذُكر أن بالبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) مما يُتقرّب به إلى الله تعالى، وأداء لحق الإمام المهدي وباقي الأئمة عليهم السلام، إذ ورد في كتاب مكيال المكارم للميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٣٨١  ما نصه:

البكاء في مصيبة مولانا الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين: لأنه مما يحصل به أداء حق الإمام، ولا ريب أن أداء حقه من أعظم ما يتقرب به إليه وأهمه.

- وبيان ذلك: إنه قد روى الشيخ الثقة الأجل جعفر بن محمد بن قولويه القمي (رضي الله عنه) في كتاب كامل الزيارات (1) بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، في حديث طويل في فضل البكاء على الحسين (عليه السلام)، قال: وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ووصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدى حقنا، وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكين على جدي فإنه يحشر وعيناه قريرة، والبشارة تلقاه والسرور على وجهه، والخلق في الفزع، وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيأبون، ويختارون مجلسه وحديثه، وإن الحور لترسل إليهم: إنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين، فما يرفعون رؤوسهم، إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة، الحديث.

والدليل على ما ذكرناه أن قوله (عليه السلام): وأدى حقنا، يفيد أن البكاء على الحسين (عليه السلام) أداء حق صاحب الأمر وسائر الأئمة سلام الله عليهم أجمعين، ولعل السر في ذلك أن تسلية المؤمنين أخلاف من مضى منهم تكريم وتعظيم لهم، وتودد إليهم، ومساعدة معهم بالشركة في مصيبتهم وهذه الجملة من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض فإن للمؤمن إذا مضى لسبيله آدابا، أمر الشرع بمراعاتها وهي صنفان صنف يؤدى به حق الميت وهو تشييعه، وزيارة قبره، والاستغفار له والتصدق عنه، والصلاة عليه وذكره بالخير، وأمثالها، وصنف يؤدى به حق الأحياء الباقين بعده، وهو زيارتهم، وتعزيتهم والدعاء لهم وموافقتهم في الحزن والمصيبة، وبعث الطعام إليهم، وأمثالها مما هو صلة لهم، وإحسان إليهم. ولا ريب في أن حق الإمام في ذلك أعظم من سائر الأنام. فإذا بكى المؤمن في مصيبة مولانا المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أدى حق الإمام الباقي بعده في تلك الواقعة الفاجعة، لأنه موافقة له.

الهوامش: ١ - كامل الزيارات: ١٨ باب 26. المصدر: مكيال المكارم
2023/07/25

هل دُفن أصحاب الإمام الحسين (ع) في حفرة واحدة؟
عند زيارة قبور الشهداء في ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، كيف يمكن لمكان صغير مثل ذلك أنْ يسع أكثر من سبعين قبراً؟ وهناك روايات تقول إنْ النساء اللواتي عُدْنَ من السبي، جلست كل واحدة منهن على قبر فقيدها وكذلك نساء الأصحاب؟

الجواب من اللجنة العلمية في شعبة البحوث والدراسات:

مما لا شك فيه أنّ أصحاب الحسين (عليه السلام) قد استشهدوا ودفنوا في كربلاء.

وأنّ الذي دفنهم هو الإمام السجاد (عليه السلام) بمعونة بنو أسد.

أ-قال الشيخ المفيد في حديثه عن كيفية دفن الشهداء: ((... وحفروا - بنو أسد - للشهداء من أهل بيته وأصحابه - الذين صُرعوا حوله - مما يلي رجلي الحسين (عليه السلام) وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً))1 .

وقال أيضاً: ((ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولاً بالغاضرية2، إلى الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فصلوا عليهم ودفنوا الحسين (عليهم السلام) حيث قبره الآن، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله.

وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه - الذين صُرعوا حوله - مما يلي رجلي الحسين (عليه السلام) وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً. ودفنوا العباس بن علي (عليهما السلام) في موضعه الذي قُتل فيه على طريق الغاضرّية حيث قبره الآن ))3 .

وقال الشيخ المفيد في موضع آخر: (.. وهم (شهداء بني هاشم) كلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين (عليه السلام) في مشهده، حُفِرَ لهم حفيرة وأُلقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب، إلا العباس بن علي (عليهما السلام) فإنّه دُفن في موضع مقتله على المسناة4، بطريق الغاضرّية، وقبره ظاهر، وليس لقبور أخوته وأهله الذين سمّيناهم أثر، وإنمّا يزورهم الزائر من عند قبر الحسين (عليه السلام)، ويومئ إلى الأرض التي نحو رجليه بالسلام عليهم، وعلى علي بن الحسين (عليهما السلام) في جملتهم، ويُقال إنّه أقربهم دفناً إلى الحسين (عليه السلام). (فأما أصحاب الحسين (عليه السلام) رحمة الله عليهم، الذين قُتلوا معه، فإنهم دُفنوا حوله، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل، إلا أنا لانشك أنّ الحائر محيط بهم. رضي الله عنهم وأرضاهم، وأسكنهم جنات النعيم ))5  .

ب-قال المسعودي: ((. . . ودفن أهل الغاضرية - وهم قوم من بني عامر، من بني أسد - الحسين وأصحابه بعد قتلهم بيوم ))6  .

واضح من النصوص المتقدّمة كبر مساحة دفنهم (رضوان الله عليهم).

ويبقى الإشكال: أنّ الحفرة الصغيرة لا تتناسب مع العدد الكبير، إذ أنّ عددهم أكثر من سبعين شهيداً، فهل يتناسب مع تلك الحفرة الصغيرة؟

وجوابه: إنّ أصحاب الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، وأنصاره الذين استشهدوا معه في كربلاء في يوم عاشوراء دفاعاً عن الدين الإسلامي وقيمه، دُفنوا بمقربة من قبر الإمام الحسين (عليه السلام) حيث ضريحهم الآن، لكن مدفن الشهداء جميعاً ليس داخل الضريح المُخصص بالشهداء، بل أنّ أجسادهم الطاهرة مدفونة في تلك البقعة وما حولها مما يلي ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، فلذلك فإن العلماء العارفين والمطلعين يتحاشون العبور من تلك البقعة المباركة احتراما لأولئك الشهداء الكرام.

فالحفرة الصغيرة التي نذهب إليها لا يمكن أنْ تحوي جميع الشهداء، وإنما هي عبارة عن معلمٍ واضحٍ، ويمكن من خلاله زيارة جميع الشهداء، ولو أُفرِد جميع الشهداء بقبور معلومة، لصعبت علينا زيارة مولانا الإمام الحسين (عليه السلام).

قد يُقال: ولكن هناك روايات تقول إنّ النساء اللواتي عُدْنَ من السبي، جلست كل واحدة منهن على قبر فقيدها وكذلك نساء الأصحاب.

جوابه: نعم إنّ ذلك حصل في حينه، قبل أنْ تُبنى قبورهم بهذا الشكل المنظّم، فلذا لا منافاة في ذلك.

الخلاصة:

لا منافاة بين صغر الحفر وعدد الشهداء، إذ أنّ الشبّاك الموجود الآن لا يحصر وجودهم، بل هو فقط بعضهم أكيداً.

الهوامش:   1- الارشاد: 243.   2- الغاضرية: قرية على الفرات منسوبة إلى غاضرة قبيلة من بني أسد.   3- المصدر نفسه.   4- المسناة: حائط يبنى على طرف الماء، ويبدو أن المراد هنا المنبسط الرملي المحاذي لضفة النهر.   5- المصدر السابق.   6- مروج الذهب: 3 / 72.
2023/07/24

حكم يخفي لوعة.. هل يفتي الفقهاء بجواز صيام يوم عاشوراء؟
يفتي فقهاؤنا القدماء باستحباب صيام يوم عاشوراء، ومقصودهم(رضوان الله عليهم) من الصيام هو الإمساك على ما فسّره بعض الأعلام - كالشهيد الثاني رحمه الله -، حتى صار الفقهاء المعاصرون اليوم يفرّقون صراحة بين الصيام وبين الإمساك، وأنّ المستحب ليس الصيام بل الإمساك الذي ينتهي وقته العصر قبل الغروب.

قال السيد الخوئي(رحمه الله): إن أنهاه [الصيام في عاشوراء] إلى الغروب فهو مكروه، ولكنّه مندوب أن يفطر ساعة العصر قبل الغروب.(صراط النجاة سؤال،409)، كذا السيد السيستاني(دام ظلّه) ينصّ على أنّ ثواب الصيام في عاشوراء يتمثّل بالامساك حزناً الى ما بعد صلاة العصر ثمّ الافطار آنذاك بشربة من الماء.

مثل هذا الصوم لا يصدق عليه حدّ الصوم شرعاً، بل هو مندرج فيما يصطلح عليه بصوم التأديب، وهو الإمساك عن المفطرات في بعض النهار تشبّها بالصائمين، وصوم التأديب ثابت في سبعة مواطن: في المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر، والمريض إذا بريء، والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، و الكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه.

وعليه، فالأظهر أنّ صوم يوم عاشوراء من هذا القبيل، لقول الصادق (عليه السلام): صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولاتجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء..(انظر-مفاتيح الشرائع،ج1ص284)، فإنّ من تأمّل قوله (عليه السلام)، وبضميمة قول جدّه (صلّى الله عليه وآله): لا صيام لمن لم يبيّت الصيام، وأيضاً بضميمة إجماع المسلمين على أنّ الصوم المشروع إفطاره غروب الشمس، علم أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أراد بقوله أعلاه بيان فساد هذا الصوم بأحلى عبارة، وبأحسن مسالك الفصاحة، فهو من قبيل قول الشعبي لمن سأله عن الصلاة خلف الحائك: يجوز من غير وضوء.(ينظر- وقاية الأذهان للإصفهاني، ص382).

الأمر واضح إذن، وزبدته هو وجود رجحان شرعي للإمساك يوم عاشوراء إلى ما قبل المغرب، حزناً على سيد الشهداء، إلا أنّ المحزن في هذا الحكم  أنّه يخفي علينا لوعة، ويقبع ورائه حزناً دائماً لا ينقضي، وسيظهر ذلك جليّاً حين نعرف سبب الحكم، وإن شئتَ قل: حين نعرف وجه الاستحباب والحِكمة منه، وهو ما صرّحت به الرواية ذاتها التي اعتمدها الفقهاء وعمل بها وأفتوا على طبقها، ودونك الرواية، وهي رواية عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله(عليه السلام) قال: 

دخلتُ عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا ابن رسول الله(صلى اللّٰه عليه وآله) ممّ بكاؤك لا أبكى الله عينيك؟

فقال لي: أوَ في غفلة أنت؟! أما علمتَ أنّ الحسين ابن علي(عليهما السلام)أُصيب في مثل هذا اليوم؟!

فقلت: يا سيدي، فما قولك في صومه؟

فقال لي: صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله (صلى اللّٰه عليه وآله) وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم، يعزّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصرعهم، ولو كان في الدنيا يومئذ حياً لكان (صلوات الله عليه) هو المعزّي بهم، قال: وبكى أبو عبد الله (عليه السلام) حتى اخضلّتْ لحيتُه بدموعه..(مصباح المتهجّد،782).

أقول: بعد أيام سيأتينا يوم عاشوراء، وسيعمل المؤمنون بهذا المندوب إن شاء الله تعالى، ولكن عليهم أن يعرفوا خلفياته وما يحكيه من لوعة وحزن وأسى لا ينتهي، عليهم أن يستحضروا ذلك وقت العصر: وقت انجلاء الهيجاء عن سبايا الحسين، وانكشاف الملحمة عن آل محمد!، وإنّا لله وإنّنا إليه راجعون.

2023/07/24

واقعة كربلاء وإشكاليّة إلقاء النفس في التهلكة!
قال الفقيه العظيم، والمحدّث الجليل: الشيخ يوسف البحراني(ت1186هـ)، صاحب الحدائق الناضرة (رحمة الله تعالى عليه) ما نصّه:

قد كثُر السؤال من جملة من الأخلّاء الأعلام، والأجلّاء الكرام، عن الوجه في رضا الأئمَّة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وإعطائهم بأيديهم لما أوقعه بهم مخالفوهم من القتل بالسيف أو السم ، حيث إنّهم عالمون بذلك؛ لما استفاضت به الأخبار من أنّ الإمام (عليه ‌السلام)  يعلم انقضاء أجله ، وأنّه هل يموت حتف أنفه أو بالقتل أو بالسم؟ وحينئذ ، فقبوله ذلك وعدم تحرزه من الامتناع ، يستلزم الإلقاء باليد إلى التهلكة ، مع أنّ الإلقاء باليد إلى التهلكة محرّم نصاً؛ قرآنا وسنّة!!

وقد أكثر المسؤولون من الأجوبة في هذا الباب ، بل ربما أطنبوا فيه أي إطناب ، بوجوه لا يخلو أكثرها من الإيراد، ولا تنطبق على المقصود والمراد.

وحيث إنّ بعض الإخوان العظام، والخلان الكرام، سألني عن ذلك في هذه الأيّام، رأيتُ أن أكتب في المقام ما استفدته من أخبارهم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فأقول وبه سبحانه الثقة لإدراك المأمول، وبلوغ كلّ مسؤول:

يجب أن يعلم :

أولا : أن التحليل والتحريم أحكام توقيفية من الشارع عزّ شأنه ، فما وافق أمره ورضاه فهو حلال، وما خالفهما فهو حرام، وليس للعقل ـ فضلا عن الوهم ـ مسرح في ذلك المقام.

وثانيا : أن مجرد الإلقاء باليد إلى التهلكة على إطلاقه غير محرم وإن أشعر ظاهر الآية بذلك ، إلّا إنه يجب تقييده وتخصيصه بما قام الدليل على جوازه ، وذلك فإن الجهاد متضمّن للإلقاء باليد إلى التهلكة مع أنه واجب نصاً وإجماعاً، وكذلك الدفاع عن النفس والأهل والمال. ومثله أيضا وجوب الإعطاء باليد إلى القصاص وإقامة الحد عليه متى استوجبه.

وثالثا : أنّهم ـ صلوات الله عليهم ـ في جميع أحوالهم وما يتعلق بمبدئهم وحالهم يجرون على ما اختارته لهم الأقدار السبحانية ورضيته لهم الاقضية الربانية ، فكل ما علموا أنه مختار لهم تعالى بالنسبة إليهم وإن اشتمل على غاية الضرر والبؤس ترشفوه ولو ببذل المهج والنفوس.

إذا تقرّرت هذه المقدمات الثلاث، فنقول : إنّ رضاهم (صلوات الله عليهم) بما ينزل بهم من القتل بالسيف والسم، وكذا ما يقع بهم من الهوان على أيدي أعدائهم والظلم مع كونهم عالمين به وقادرين على دفعه ، إنما هو لما علموه من كونه مرضيا له سبحانه وتعالى ، ومختارا له بالنسبة إليهم ، وموجبا للقرب من حضرة قدسه والجلوس على بساط انسه.

وحينئذ ، فلا يكون من قبيل الإلقاء باليد الّذي حرمته الآية ؛ إذ هو ما اقترن بالنهي من الشارع نهي تحريم ، وهذا مما علم رضاه به واختياره له فهو على النقيض من ذلك ، ألا ترى أنه ربما نزل بهم شي‌ء من تلك المحذورات قبل الوقت المعدود والأجل المحدود ، فلا يصل إليهم منه شي‌ء من الضرر ، ولا يتعقبه المحذور والخطر؟ فربما امتنعوا منه ظاهرا ، وربما احتجبوا منه باطنا ، وربما دعوا الله سبحانه في رفعه فيرفعه عنهم؛ وذلك لما علموا أنه غير مراد له سبحانه في حقهم ولا مقدر لهم.

وبالجملة، فإنهم (صلوات الله عليهم) يدورون مدار ما علموه من الأقضية والأقدار ، وما اختاره لهم القادر المختار.(الدّرر النجفيّة من الملتقطات اليُوسفيّة،ج1،ص409،ت: دار المصطفى لإحياء التراث).

2023/07/23

الغاية مما وقع على سيد الشهداء!
في الخبر الصحيح بل المتفق على صحّته: سنداً ودلالةً: قال حمران للإمام الباقر(عليه السلام): جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (عليه‌ السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟

فقال أبو جعفر (عليه ‌السلام) يا حمران إن الله تبارك وتعالى:

 قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه  على سبيل الاختيار، ثمّ أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله قام علي والحسن والحسين وبعلم صمت من صمت منا.

ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عزّ وجلّ أن يدفع عنهم ذلك وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم؛ إذاً لأجابهم، ودفع ذلك عنهم، ثمّ كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم، انقطع فتبدد.

وما كان ذلك الذي أصابهم -يا حمران- لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.(الكافي-1/262).

قلتُ: وفي صحيحة أخرى قد ذكرتُها بطولها أعلاه، عن الإمام الصادق عليه السلام :إنّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب؛ ليأجرهم عليها من غير ذنب.(الكافي2/450).

ومن ثمّ فهذه من القواعد المقرّرة في محلّها، وهي أنّ المصائب: عقوبة للعصاة، ورفع درجة وكرامة للأولياء والصالحين؛ لذا حين أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) أمّ سلمة بمقتل سيد الشهداء وقالت له: سل الله أن يدفع ذلك عنه!، فردّ عليها(صلى الله عليه وآله) : 

قد فعلتُ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ: أنّ له درجة، لا ينالها أحد من المخلوقين...وفي آخر خاطب الإمام الحسين(عليه السلام): إنّ لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة.

2023/07/23

أعظم خصيصة في سيد الشهداء!
كتب العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) يقول: كلّما ارتفعت درجة أحد في هذه الدنيا ومرتبته عند الله تعالى، كان بلاؤه أعظم، وابتلاؤه أشدّ وأكثر، وإنّ أولياء الله يتمنّون هذه البلايا والشدائد، ويتضرّعون إلى الله تعالى ويدعونه دائماً يطلبون درجة الشهادة وعظم المصيبة، وإنّ الذين عرفوا معبدوهم، وأحبوه يرون في القتل في سبيله أعظم السعادات ويرون الأتعاب راحة ويرون في رضا محبوبهم في أي شيء كان غاية لذتهم، وقد سلخوا فروة رؤوس الكثير من الأنبياء وقتلوهم شرّ القتلات.

وقد ورد في الأحاديث المعتبرة أنّ أكثر الأنبياء ابتلوا بشتى أنواع الأذى والإذلال من أقوامهم، وأنّ الحق تعالى كتب ذلك على نبي آخر الزمان، وجعلها في ذريّته إكراماً له، ليرفع درجاتهم، ودرجاته، ولو دعا أكثر هؤلاء لما ردّ الله دعاءهم حتماً. ولو دعوا الله أن يطبق السماء على الأرض أو يسيخ الأرض لفعل، بيد أنّهم راضون بقضاء الله يبتغون السعادة بالشهادة.

     وقد جاءت أفواج الملائكة والجنّ لنصرته[الحسين] عليه السلام، فلم يقبل، لأنه كان يعلم أن الحقّ تعالى شاء أن ينال الدرجة الرفيعة بالشهادة، ويتمم الحجة على الخلق، ويعلم أن لو شاء الله لنصره دون الحاجة إلى نصرة الملائكة والجنّ، ولذا لم يقبل منهم، وهو يعلم أن إرسال تلك الأفواج كان لبيان عزّته وكرامته على الله تعالى، وقد روي عن لقمان أنّه سئل: لِمَ لم تقبل النبوّة؟ قال: لو شاء الله أن أكون نبياً حتماً لما خيّرني فيها!

     إنّ جميع الأنبياء والأوصياء يتمنّون منزلته(عليه السلام)، وأنّه كان يقدم على الشهادة بقلب مطمئن مسرور للقتل في المحبوب، وما كان كلامه الذي صدر منه(عليه السلام) إلا لإتمام الحجّة على أولئك الكفّار كما هو ظاهر الأخبار..(رسالة في بيان حكمة شهادة سيد الشهداء،ص29ط الأولى،1437هـ، ترجمة وتحقيق: علي السيد جمال أشرف الحسيني).

      ومن الأخبار التي تشهد على ذلك هي ما رواه الشيخ الصدوق(رحمه الله تعالى) بسند معتبر عن الإمام السجاد(صلوات الله عليه) قال:

لما اشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما ‌السلام) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم!، لأنّهم كلّما اشتد الأمر تغيّرت ألوانُهم وارتعدتْ فرائصُهم ووجبتْ قلوبُهم، وكان الحسين (عليه ‌السلام) وبعض من معه من خصائصه: تشرق ألوانهم، وتهدئ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض : انظروا، لا يبالي بالموت!

فقال لهم الحسين (عليه‌ السلام): صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة..(معاني الأخبار،ص288).

     من أجل ذلك كلّه، فإنّ أهم خصيصة، وأعظم صفة في سيد الشهداء(صلوات الله عليه) التي تتفرّع عنها سائر شمائله وصفاته؛ ما أفصح عنها بقوله الشريف(صلوات الله عليه): رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك ..هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله..!

2023/07/23

العزاء على مواقع التواصل الاجتماعي
مع اقتراب شهر محرم الحرام ونشر السواد والاعلان عن بدء العزاء في كل مكان وزمان حتى إن هذا العزاء وصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي فهناك طقوس سنوية منها تغير صورة الحساب الشخصي مع بعض النصوص الجاهزة ومشاركة أبيات العزاء والقصائد الحسينية في استقبال شهر محرم الحرام.

وهناك تطبيقات مخصصة أيضا في تصميم الرمزيات ومقاطع الفديو وهناك من يتصل مع اصدقاء الخارج ويشاركهم الحدث من كربلاء، يتهافتون في ايصال صوت الشعائر كما يقال الغيث يبدأ بخطوة والعزاء يبدأ أيضا من اعلان الحداد والمواساة إلى المشاركة في شهر محرم الحرام بعيدا عن تلك المسميات التي يطلقها البعض من محاربي الشعائر لعلها تكون مسيرة اصلاح للنفس في عالم المغريات والفساد الفكري والجسدي كما قال أحد الخطباء لا تحاربوا الشباب ويتذمرون من تغير صفاتهم في شهر محرم يلتزمون ويسارعون في الخدمة بينما يرفضهم البعض ويكون الرد أن باب الحسين (عليه السلام) مفتوح لكل مذنب وهي فرصة لإعلان التوبة والعودة كما فعلها من قبل الحر الرياحي..

كلّهم أبواب الجنان، لكنّ باب الحسين [عليه السلام] أوسع.

يقول آية الله المعظم الشيخ جعفر الشوشتري: أنّي أمعنت النظر في الوسائل المتعلّقة بالأئمّة (عليهم ‌السلام) فرأيت أجلّها فائدة، وأعظمها مثوبة، وأعمّها نفعاً، وأرفعها درجة، وأسهلها حصولاً، وأكثرها طرقاً، وأيسرها شروطاً، وأخفها مؤونة وأعمّها معونة ما يتعلّق بسيد شباب أهل الجنّة، ووالد الأئمّة السيد المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه‌ السلام ).

فرأيت له خصوصية في التوسّل إلى الله قد تفرّد بها، وامتاز في ذلك حتّى عمّن هو أفضل منه، فإنّ للتفاوت في الفضيلة مقاماً، ولوحدتهم مقاماً، نورهم وطينتهم مقام، والخصوصيات مقام آخر، فرأيت في الحسين (عليه ‌السلام) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتّصف بسببها بأنّه بالخصوص باب من أبواب الجنّة، وسفينة للنّجاة ومصباح للهدى.

فالنبي (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) والأئمّة (عليهم ‌السلام) كلّهم أبواب الجنان، لكنّ باب الحسين أوسع، وكلّهم سفن النّجاة، ولكنّ سفينة الحسين (عليه ‌السلام) مجراها في اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السّواحل المنجية أيسر، وكلّهم مصابيح الهدى، لكنّ الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع، وكلّهم كهوف حصينة، لكنّ منهاج كهف الحسين أسمح وأسهل.

فعند ذلك خاطبت النّفس وشركاءها، فقلت: هلمّوا إلى هذه الأبواب الحسينيّة، فــ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آَمِنِينَ)، وإلى مرساة هذه السّفينة الحسينيّة فــ(ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، ولتكتحل أعينكم بنور الحسين (عليه ‌السلام) الناظر إليكم، ثمّ ازدادوا شوقاً وصمّموا العزم على ذلك؛ لأنّي استشعرت من نفسي علائم الإيمان التي يئست منها، وعثرت بهذه الخصائص على الأعمال الصّالحة.

خدمة حسينية من طراز آخر

كما جاء في الحديث عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الإمام الرِّضَا (عليه السَّلام) ـ فِي حَدِيثٍ ـ أَنَّهُ قَالَ :

دخلت على الإمام الرضا (عليه السَّلام) في أول يوم من محرم فقال لي :

يا بن شبيب!.. إن بكيت على الحسين (عليه السَّلام) حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

اللهمّ اجعلنا من البكّائين على سيّد الشهداء (سلام الله عليه) .

المصدر: بشرى

 

2023/07/22

ما هي مصادر أحداث عاشوراء وكيف وصلت إلينا؟
بعض الحوادث حدودها من الزمان مدّتها فقط، فلا تشغل أكثر من خمس دقائق، مثل طعامك قبل شهر استغرق عشر دقائق، ثمّ إنّك نسيته فضلاً عن سائر الناس، ثمّ ينتهي.

نعم، لو كان فيه جهة محرّمة، كأن يكون غصباً أو حراماً، فإنّ تبعته تبقى، وأثره الوضعي يستمر، وهكذا لو كان فيه جهة خيّرة.

وهناك بعض الحوادث طبيعتها أن تبقى وتؤرّخ ؛ لما فيها من الجهة العامّة التي ترتبط بالآخرين، كما هو الحال في المعارك العقائدية والمناظرات الفكرية، بل الأحداث السّياسية.

وقضية الإمام الحسين (عليه السّلام) تحتوي على كلّ عناصر البقاء والاستمرار في التاريخ، بل في وعي الأُمّة الإسلاميّة، لذلك انتقلت بتفاصيلها الكثيرة، بمواقف أبطالها، وكلمات شجعانها، ورجز مُقاتليها من جهة، وانتقلت بعمق مأساتها، بجروح الضرب والتنكيل، والسّلب والتشهير، وبغربة النساء، وبلوعة الأطفال واليتامى. انتقلت من الأفئدة المكلومة والعيون الباكية إلى صدور الناقلين، ثمّ إلى كتب التاريخ.

ولقد حاول الكثيرون تزييف الحادثة، أو إسدال ستار النسيان على أحداثها، لكنهم خابوا ؛ فما زالت أحداث الواقعة حيّة ساخنة، وكأنّها قد حدثت ليوم خلا.

ويتعجّب الناظر إلى تلك التفاصيل الدقيقة التي ترصد كلّ حركة وكلمة، فمَنْ يا ترى الذي نقل كلّ هذه التفاصيل؟ وما هي مصادرها؟ ويمكن أن نوجز مصادر الواقعة فيما يلي:

  المصدر الأول: التأريخ العام

مثل: تاريخ الطبري، وابن الأثير، والمسعودي وغيرهم , فقد اعتمد هؤلاء المتأخرون على المؤرّخ المعروف لوط أبو مخنف الأزدي، بل قد يمكن القول: إنّ ما جاء في الطبري هو خلاصة لما كتبه أبو مخنف المذكور، وكان في ذلك أكثر من جهة فائدة، فقد فُقد كتاب مقتل الحسين للأزدي وتمّ استخراج ما نقله عنه الطبري بوصفه المقتل، بينما لم يكن كلّ المقتل وما جرى فيه، وهو يروي عن مَنْ شهد الواقعة كحميد بن مسلم بواسطة , والضحّاك المشرقي.

  المصدر الثاني: شهود عيان كانوا في المعسكر الأموي

فإنّ بعضهم كان بمثابة المؤرّخ والناقل للأخبار، مثل:

  ألف: حميد بن مسلم

الذي نقل كثير من أحداث الواقعة.

 باء: كعب بن جابر

الذي لمّا قتل برير بن خضير، عتبت عليه زوجته وقالت أنّها لن تكلّمه، فقال أبياتاً منها:

ولم ترَ عيني مثلـهم في زمــانهم

ولا قبلـهم في الناسِ إذ أنا يافعُ

أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ مَنْ يحمي الذمارَ مقارعُ

 جيم: شخص شهد الواقعة

والذي قال: (ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة، أو الاستيلاء على الملك. فلو كففنا عنها رويداً لأتت على العسكر بكامله، فما كنّا فاعلين لا أُمَّ لك) (راجع ذوب النضار في الأخذ بالثار ـ لابن نما الحلي / 9).

 دال: مثل هلال بن نافع

القائل: (كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه، وقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستسقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه) (راجع مقتل الحسين ـ للمقرّم / 282).

 هاء: هانيء بن ثبيت الحضرمي

القائل: (إنّي لواقف عاشر عشرة لمّا صُرع الحسين، إذ نظرت إلى غلام فأقبل عليه رجل يركض بفرسه حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه وعلاه بالسيف فقتله).

ومثل مسروق بن وائل الحضرمي القائل: (كنت أوّل الخيل ؛ لعلّي أُصيب رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد، فلمّا رأيت ما صُنع بابن حوزة علمت أنّ لأهل هذا البيت حرمة ؛ فتركت القتال) (المصدر السابق / 231).

المصدر الثالث: شهود عيان كانوا ضمن معسكر الحسين عليه السّلام

وهم ما بين ناجٍ من وقعة كربلاء أو أسير قد عفي عنه أو تملص من الواقعة بنحو معين، وهؤلاء قد نقلوا الكثير من أحداث الواقعة، لأنهم أو بعضهم قد رافق الإمام الحسين عليه السلام منذ خروجه من مكة إلى ساعة انتهاء المعركة، مثل كل من:

 ألف: الضحّاك بن عبد الله المشرقي

القائل: (لمّا رأيت أصحاب الحسين عليه السّلام قد أُصيبوا، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبقَ معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا بن رسول الله، قد علمت ما كان بيني وبينك، قلت لك: أُقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً، فإذا لم أرَ فأنا في حلّ من الانصراف، فقلت لي: نعم. قال: فقال: صدقت، وكيف لك بالنجاة ؟! فان قدرت على ذلك فأنت في حلّ.

قال: فأقبلت إلى فرسي، وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تُعقر، أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أُقاتل معهم راجلاً، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين ــ عليه السّلام ــ رجلين، وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين ــ عليه السّلام ــ يومئذ مراراً: لا تشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك ــ صلّى الله عليه وآله ــ.

فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثمّ استويت على متنها، ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفرجوا لي، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتّى انتهيت إلى شفية، قرية قريبة من شاطئ الفرات، فلمّا لحقوني عطفت عليهم، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي، وأيوب بن مشرح الخيواني، وقيس بن عبد الله الصائدي، فقالوا: هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمّنا، ننشدكم الله لما كففتم عنه.

فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله، لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم. قال: فلمّا تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال: فنجّاني الله).

ومع أن الضحاك لم يحظ بشرف الشهادة بين يدي الحسين عليه السلام ، وفاته هذا التوفيق العظيم إلا أن بقاءه نفع في نقل تفاصيل الواقعة وتفاصيل أحداث ما جرى في المخيم.

باء: عقبة بن سمعان مولى الرباب

الذي صحب الحسين عليه السّلام من المدينة إلى مكة، ومنها إلى العراق، والذي وقع في الأسر فعفا عنه عمر بن سعد ولم يقتله لأنه تحجج بكونه عبد للرباب زوجة الإمام الحسين ولم يكن مختارا في الحضور إلى المعركة، وهو الذي قال: (صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس). (راجع تاريخ الطبري ج4 ص313).

جيم: المرقع بن ثمامة الأسدي

الذي أُسر فاستأمنه قومه فنفاه ابن زياد إلى الزارة، والحسن بن الحسن المثنّى الذي قاتل إلى جانب عمّه الحسين عليه السّلام حتّى قتل سبعة عشر من الأعداء ثمّ قُطعت يده، وأخذه أسماء بن خارجة الفزاري لأنّ أُمّه فزارية.

المصدر الرابع: أئمّة أهل البيت عليهم السّلام

فالإمام السجّاد استفاد من جميع الفرص بما هو غير خافٍ , والإمام الصادق في تشجيعه للراثين والرثاء، وعن طريق نقل الأخبار فقد صلّى ركعتين في الحنّانة، وقال: (هاهنا وضِع رأس الحسين عندما أُخذ للكوفة).

وعندما شبّت النار في الأخبية نقل موضوع حرق الخيام، وتأتيه جارية بطفل في أثناء الرثاء فيذكّر بمصاب الطفل الرضيع.

المصدر الخامس: الزيارات التي صدرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ألف: مثل الزيارة المنسوبة للناحية المقدّسة

والتي تعرضت في تفصيل جميل لمقدمات الثورة، ووضع المجتمع الإسلامي في تلك الفترة، والدوافع التي حرّكت الإمام الحسين عليه السّلام للثورة، وكيف كان مسير المعركة، وأخيراً فيها تفصيل للمقتل ممّا صار على ألسنة الخطباء نصّاً ثابتاً: (... فلمّا رأوك ثابت الجأش، غير خائف ولا خاشٍ، نصبوا لك غوائل مكرهم، وقاتلوك بكيدهم وشرّهم، وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء ووروده، وناجزوك القتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسّهام والنبال، وبسطوا إليك أكفّ الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقبوا فيك آثاماً في قتلهم أولياءك، ونهبهم رحالك، وأنت مقدم في الهبوات، ومحتمل للأذيات، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات.

وأحدقوا بك من كلّ الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبقَ لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذبّ عن نسوتك وأولادك حتّى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً تطؤوك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطّغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينُك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفيّاً إلى رحلك وبيتك، وقد شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك، وأسرع فرسك شارداً، وإلى خيامك قاصداً، محمحماً باكياً.

فلما رأينَ النساء جوادك مخزيّاً، ونظرنَ سرجك عليه ملويّاً، برزنَ من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، وإلى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك، مولغ سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورُفع على القنا رأسك، وسُبي أهلك كالعبيد، وصُفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات، يُساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يُطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق ؛ لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السّنن والأحكام، وهدموا قواعد الإيمان، وحرّفوا آيات القرآن، وهملجوا في البغي والعدوان...). (راجع كتاب المزار للمشهدي ص503).

باء: وزيارة الإمام الحجّة للحسين عليهما السّلام، والتي فيها أسماء الشهداء مع الحسين عليه السّلام مع أسماء قاتليهم. وتوجد زيارات كثيرة في المضمون نفسه تعلم بالتتبع.

والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سادة الأنام محمد وأهل بيته الأطهار.

2023/07/22

هل تؤثّر المجالس الحسينية على الأطفال؟!
الطفل في الصغر يكون في مرحلة امتصاص المعلومات حيث يتقبل كل شيء وينمو عليه وسوف تُكوّن هذه المعلومات حياته المستقبلية.

ربما يظن البعض إن الطفل لا يعرف ولا يعي أي شيء ولكن تعمل حواسه بشكل كبير ودقيق جداً لذلك على الوالدين الاهتمام بالطفل وبما يرى ويسمع منذ البداية وفي جميع مراحل نموّه، هناك روايات كثيرة تحثّ على تعليم الطفل والاهتمام به منذ الصغر حيث يعدّ كأرضٍ خالية جاهزة للزرع فماذا تزرع فيها أيها الأب وأيتها الأم؟

كثير من الآباء يهتمون بالجانب المادي ويقومون بتلبية احتياجات الطفل وهناك من يهتم ويخطط للجانب التعليمي ويحرص أن يدخل الطفل إلى المدارس الجيدة كي ينمو الطفل في أجواء تعليمية هادفة ويكون ذا مستقبل ساطع، وهناك من يهتم بالجانب الروحي والديني أيضاً ويأخذ بيد طفله إلى المساجد والمجالس الدينية كي ينمو الطفل في أجواء روحانية ويتعلم علوم الدين.

لاشك إن الفيوضات الإلهية في المجالس الدينية ذات فائدة كبيرة وذات تأثير عظيم على النفوس فشتان بين من ينمو في مجالس الترف واللهو ويترسخ في دماغه حب الماديات واللهو والغناء وبين من ينهل من مجالس دينية ويتعلم علوم اهل البيت منذ الصغر.

فهذه المجالس ستحدد مصير الطفل في المستقبل إن كانت مجالس الخير فسوف يتعلم الخير والتقوى وروح الإنسانية وإن كانت مجالس الترف سوف يتعلم اللهو واللعب والرقص ولا يهمه سوى نفسه واشباع رغباته.

الطفل الذي يحضر المجالس الحسينية سوف يتأدب بأدب أهل البيت عليهم السلام ويتعلم علومهم منذ نعومة أظفاره، الطفل الذي يحضر المجالس الحسينية سوف يتعلم الحب والوفاء لأن لديه أسوة حسنة وهم أطفال عظماء حضروا واقعة الطف وكان لهم دور كبير في بناء التاريخ في تلك الواقعة.

الطفل الذي ينمو في هذه المجالس سوف يكون بارعاً في أداء مهامه يكون ذا أخلاق حسنة وقيم راسخة بناءً على ما سمع من المواقف البطولية من واقعة الطف وما رأى من تصرفات كخدمة الحسين السامية سيتعلم أن يكون إنساناً رساليا ذو أهداف سامية لا يعيش هباءً ولا يتحرك يميناً وشمالاً دون هدف.

سيعيش حراً لا يقبل بظلم الظلمة ويرفع رأسه شامخاً ويهتف لبيك ياحسين، إذن جردّوا الأطفال عن القفص الإلكتروني وخذوا بأيديهم إلى بحر الجمال ليغترفوا الوفاء والحب من تلك الأقمار المنيرة والشموس الطالعة لأن في كل سطر من سطور عاشوراء ألف ألف نصيحة إرشادية عملت بها وفي كل كلمة حكاية جميلة عن الإنسانية وكيفية التعامل مع الآخرين.

إنها مجالس الذكر، مجالس احياء القلوب، في الرواية المأثورة عن الإمام الرضا عليه السلام: "من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب". (ميزان الحكمة، ح 2394).

المصدر: بشرى
2023/07/21

جواب كل سؤال في قضية «عاشوراء»!
إنّ الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام بثورته الخالدة ونهضته النابعة من صميم الإسلام المحمّدي الأصيل فضح المنافقين على مرّ العصور والأحقاب ، وعلى اختلاف مشاربهم وأصناف حيلهم وخدعهم بمن فيهم خلفاء الجور وطغاة بني اُميّة الذين بالغوا واجتهدوا لإعادة العرب إلى أيّام الجاهليّة الاُولى.

كما أبان بتضحياته وسبي عياله مواقف علماء السوء الذين خدموا السلطات الجائرة ، كما أوضح زيف أشباه الزهّاد والذين تستّروا ببعض الطقوس الظاهريّة وتركوا أهمّ الفرائض الدينيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما فضح خطّ النفاق على طول التاريخ للذين يتّخذون الثورة وسيلةً لبلوغ

مآربهم الدنيويّة من الفساد والإفساد والأطماع والملاذّ واتّباع الأهواء.

إنّ الإمام الحسين عليه السلام بثورته الخالدة ، أوغل في عمق الزمان حتّى هيمن عليه ، فكان كلّ يوم عاشوراء، وتوغّل في آفاق المكان حتّى أحاط بالكائنات ، فكان كلّ أرض كربلاء، وما ذلك إلّا لأنّ الحسين أبو عبد الله نهض لله سبحانه ، وقام بإحياء دينه بدمه ومهجته وبسبي عياله ، فرعاه الله وأمدّه في اُفقي الزمان والمكان ، وجعله مصباح هدىً لمن استنار بنوره ، واستضاء بضوئه ، واهتدى بهداه ، وسفينة نجاة من الضلال والذنوب والذمائم لمن ركب فيها، ولا تزال سفينته السريعة والوسيعة تخبّ بحار التاريخ لينجو بها كلّ غريق ، ويجيب نداؤه المدوّي في ضمير الإنسانيّة «هل من ناصرٍ ينصرنا» كلّ من يريد أن يعيش بحرّيّة وسلام ، فإنّ فرصة الالتحاق به متاحة لكلّ من أراد النجاة والحياة الطيّبة والعيش السعيد.

ففي كلّ يوم وفي كلّ عام في أيّام محرّم الحرام يلتحق بالحسين عليه السلام أعداد هائلة من البشريّة ولسان حالهم يقول : لبّيك يا داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك واستنصارك ، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري وكلّ وجودي وما أملك في الحياة .

فالحسين رمز وعنوان وميزان في العقيدة والسلوك والعمل ، قام لله لا أشرآ ولا بطرآ ولا مفسدآ ولا ظالمآ، ودعى إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة على سيرة جدّه وأبيه ، ونصر دينه بدمه وأهل بيته وأصحابه ، مصلحآ مجاهدآ آمرآ بالمعروف وناهيآ عن المنكر، ليقيم الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ليست قضيّة الحسين أنّه قتل وقتل أصحابه وأهل بيته ، وسبي عياله وأطفاله

وحسب ، بل إنّما القضيّة أعمق من ذلك ، فإنّ الحسين عليه السلام إنّما قام لله من أجل العدالة والحرّيّة وإعلاء كلمة الإسلام ، وإحياء كتابه وسنّة نبيّه ، في ظروف حلكة وقاسية ، أحاطها الركود الاجتماعي ، واللامبالاة الجماعيّة ، والفساد الأخلاقي والمالي والثقافي والديني من ظهور البدع والأباطيل والضلال وإماتة حدود الكتاب والسنّة .

فالثورة الحسينيّة التراث الإلهي والنوري الذي يرجع إليه الثائرون والأحرار على طول التاريخ بما تحمل من عقيدة وإيديولوجيّة صحيحة وواضحة ، وسلوك عملي يمارس في النضال والجهاد يترجم تلك العقيدة السليمة ، والخطّة الدقيقة المرسومة بحكمة وحِنكة ، والاعتماد على النضال المقدّس والعنف المشروع .

فالصراع في عاشوراء الحسين صراع بين الحقّ والباطل ، بين القيم الإنسانيّة العليا وبين قيم الجاهليّة الاُولى .

فالحقّ آنذاك قد طمس نوره ، وتغيّرت معالمه ، فلا بدّ من ثورة مباركة قدسيّة تزهق الباطل وعوالمه ، وتبعث الروح الإسلاميّة والإنسانيّة من جديد، ولتبقى شعلة وهّاجة وشمس مضيئة للأجيال والثوّار على امتداد التاريخ .

وكلّ واحد في كلّ زمان ومكان تخطر على باله أسئلة مصيريّة وخطيرة ، فمن أنا؟ ومن الذي أوجدني ووهبني ما أنا فيه من النّعم ؟ من الذي مهّد لنا الأرض ، وسخّر لنا ما في السماوات والأرض ؟ وماذا بعد هذه الدنيا؟ وإلى أين تسير بنا الأقدار؟ فإلى أين نذهب ؟ وماذا يراد منّا؟ ومثل هذه الأسئلة تثير في الوجدان الإنساني أن يبحث عن حقيقته وعن مسيره في الحياة ، وأن يعيش في

متنها، لا في الهوامش .

وتجد جواب الأسئلة كلّها في قضيّة عاشوراء، فإنّها مدرسة حيّة خالدة ، ينبع منها عيون العلوم والمعارف ، ويتلألأ منها الحضارات والمدنيّات التي تسودها العدالة ونور الحقّ وضياء الحقائق والمعرفة.

2023/07/21

شعار يا لثارات الحسين.. هل المقصود به «الثأر الدمويّ»؟!
إن الروايات في المقام على صنفين: الصنف الأول: ما ورد من أهمية هذا الشعار وعظمته عند خروج القائم «عجل الله فرجه»، ومن هذه الروايات:

١- ما ورد في «أمالي الصدوق، ص129»: ”حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا  فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ - فَقَالَ لِي يَا ابْنَ شَبِيبٍ أَصَائِمٌ أَنْتَ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي دَعَا فِيهِ زَكَرِيَّا  رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ فَقَالَ‏ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَنَادَتْ زَكَرِيَّا وهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى‏ فَمَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ كَمَا اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا  ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا مَضَى يُحَرِّمُونَ فِيهِ الظُّلْمَ والْقِتَالَ لِحُرْمَتِهِ فَمَا عَرَفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ حُرْمَةَ شَهْرِهَا ولَا حُرْمَةَ نَبِيِّهَا  لَقَدْ قَتَلُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ ذُرِّيَّتَهُ وسَبَوْا نِسَاءَهُ وانْتَهَبُوا ثَقَلَهُ فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ أَبَداً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ وقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ ولَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ ولَقَدْ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِنَصْرِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ إِلَى أَنْ يَقُومَ الْقَائِمُ فَيَكُونُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ وشِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ شَبِيبٍ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ  أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ جَدِّي ص مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وتُرَاباً أَحْمَرَ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَيْنِ  حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ولَا ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ الْحُسَيْنَ  يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ الْغُرَفَ الْمَبْنِيَّةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ وآلِهِ  فَالْعَنْ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ لَكَ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلَ مَا لِمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ الْحُسَيْنِ  فَقُلْ مَتَى مَا ذَكَرْتَهُ‏ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وافْرَحْ لِفَرَحِنَا وعَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَوَلَّى حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ“.

وهي صحيحة السند؛ لترضي الصدوق على ماجيلويه مرارًا.

٢- ما ورد في «بحار الأنوار، ط - بيروت، ج‏52، ص307»: وبِالْإِسْنَادِ يَرْفَعُهُ إِلَى الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ‏ لَهُ كَنْزٌ بِالطَّالَقَانِ مَا هُوَ بِذَهَبٍ ولَا فِضَّةٍ ورَايَةٌ لَمْ تُنْشَرْ مُنْذُ طُوِيَتْ ورِجَالٌ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ لَا يَشُوبُهَا شَكٌّ فِي ذَاتِ اللَّهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ لَوْ حَمَلُوا عَلَى الْجِبَالِ لَأَزَالُوهَا لَا يَقْصِدُونَ بِرَايَاتِهِمْ بَلْدَةً إِلَّا خَرَّبُوهَا كَأَنَّ عَلَى خُيُولِهِمُ الْعِقْبَانَ يَتَمَسَّحُونَ بِسَرْجِ الْإِمَامِ  يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ويَحُفُّونَ بِهِ يَقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي الْحُرُوبِ ويَكْفُونَهُ مَا يُرِيدُ فِيهِمْ رِجَالٌ لَا يَنَامُونَ اللَّيْلَ لَهُمْ دَوِيٌّ فِي صَلَاتِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ يَبِيتُونَ قِيَاماً عَلَى أَطْرَافِهِمْ ويُصْبِحُونَ عَلَى خُيُولِهِمْ رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ لُيُوثٌ بِالنَّهَارِ هُمْ أَطْوَعُ لَهُ مِنَ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا كَالْمَصَابِيحِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمُ الْقَنَادِيلُ وهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ مُشْفِقُونَ يَدْعُونَ بِالشَّهَادَةِ ويَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ شِعَارُهُمْ يَا لَثَارَاتِ‏ الْحُسَيْنِ‏ إِذَا سَارُوا يَسِيرُ الرُّعْبُ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يَمْشُونَ إِلَى الْمَوْلَى إِرْسَالًا بِهِمْ يَنْصُرُ اللَّهُ إِمَامَ الْحَقِّ.

٣- ما ورد في «مصباح الزائر، للسيد ابن طاووس، ص254»: والْغَائِبِ عَنِ الْعُيُونِ والْحَاضِرِ فِي الْأَفْكَارِ بَقِيَّةِ الْأَخْيَارِ الْوَارِثِ ذَا الْفَقَارِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ذِي الْأَسْتَارِ ويُنَادِي بِشِعَارِ يَا ثَارَاتِ‏ الْحُسَيْنِ‏ أَنَا الطَّالِبُ بِالْأَوْتَارِ أَنَا قَاصِمُ كُلِّ جَبَّارٍ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ ابْنُ الْحَسَنِ عَلَيْهِ وآلِهِ أَفْضَلُ السَّلَامِ اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ واجْعَلْنَا مِنْ أَنْصَارِهِ وأَعْوَانِهِ الذَّابِّينَ عَنْهُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ والْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وتَقَبَّلْ مِنَّا الْأَعْمَالَ وبَلِّغْنَا بِرَحْمَتِكَ جَمِيعَ الْآمَالِ وأَفْسَحَ الْآجَالِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الرِّضَا والْعَفْوَ عَمَّا مَضَى والتَّوْفِيقَ لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى ثُمَّ تُقَبِّلُ التُّرْبَةَ وتَنْصَرِفُ مَغْبُوطاً إِنْ شَاءَ اللَّه‏.

وقد جاء هذا المقطع في ضمن زيارة جامعة ذكرها العلامة المجلسي في البحار من غير إسنادها للمعصوم قائلًا: ”الزِّيَارَةُ التَّاسِعَةُ ذَكَرَهَا السَّيِّدُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ قَالَ: تَقِفُ عَلَى ضَرِيحِ الْإِمَامِ الْمَزُورِ صَلَوَاتُ عَلَيْهِ“... إلخ.

الصنف الثاني: ما ورد التصريح فيه بقتل الإمام «عج» لقتلة الحسين (ع) وذريتهم الراضين بأفعالهم، ومن هذه الروايات:

١- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا  يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ  أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ قَتَلَ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ  بِفِعَالِ آبَائِهَا فَقَالَ هُوَ كَذَلِكَ فَقُلْتُ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ مَا مَعْنَاهُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ لَكِنَّ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ يَرْضَوْنَ أَفْعَالَ آبَائِهِمْ ويَفْتَخِرُونَ بِهَا ومَنْ رَضِيَ شَيْئاً كَانَ كَمَنْ أَتَاهُ ولَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي الْمَشْرِقِ فَرَضِيَ بِقَتْلِهِ رَجُلٌ فِي الْمَغْرِبِ لَكَانَ الرَّاضِي عِنْدَ اللَّهِ شَرِيكَ الْقَاتِلِ وإِنَّمَا يَقْتُلُهُمُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لِرِضَاهُمْ بِفِعْلِ آبَائِهِمْ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ يَبْدَأُ الْقَائِمُ فِيهِمْ إِذَا قَامَ قَالَ يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ ويَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ لِأَنَّهُمْ سُرَّاقُ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.

وهي صحيحة السند.

٢- ثواب الأعمال ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ الْقَائِمُ واللَّهِ يَقْتُلُ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ بِفِعَالِ آبَائِهَا.

٣- عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ أَوْلَادُ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ .

 

٤- وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  فِي قَوْلِهِ تَعَالَى - ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً قَالَ ذَلِكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ يَخْرُجُ فَيَقْتُلُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ  فَلَوْ قَتَلَ أَهْلَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مُسْرِفاً وقَوْلُهُ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ لِيَصْنَعَ شَيْئاً يَكُونُ سَرَفاً ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ  يَقْتُلُ واللَّهِ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ  بِفَعَالِ آبَائِهَا.

٥- ثواب الأعمال ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ الْقَائِمُ واللَّهِ يَقْتُلُ ذَرَارِيَّ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ بِفِعَالِ آبَائِهَا.

٦- تفسير العياشي عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا قَالَ: قُلْتُ فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ لَا يَعْتَدِي اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى نَسْلِ وُلْدِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ .

وبعد ملاحظة هذه الروايات الشريفة، يتبين أنَّ ثأر سيد الشهداء الحسين ليس ثأرًا دمويًا؛ إذ ليس الهدف منه هو القتل في نفسه، وليس ثأرًا انتقاميًا كما يفعل المجتمع العشائري، وإنما هو ثأر إلهي، حيث يقوم المهدي «عج» بقتل القتلة ومن كان راضيًا بأفعالهم منتهجًا سننهم كما ذكرت بعض الروايات السابقة، وتصفية السراق كما في بعضها الآخر؛ والهدف من كل ذلك تطهير الأرض من أهل الجور تمهيدًا لإقامة الحق ودحض الباطل وتحقيق أهداف نهضة الحسين ، ولذلك عبرت الزيارة الشريفة عن ثأر الحسين  بأنه «ثأر الله»، فقالت: ”السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره والوتر الموتور“.

2023/07/19

كيف نستثمر موسم عاشوراء في تربية أطفالنا؟
عندما يطل شهر محرم الحرام وشهر صفر بأحزانه و دموعه، ويبعث في القلوب تلك الشرارة العاطفية التي توقد شعلة العقل والفكر بأهداف نهضة الامام الحسين عليه السلام، والتي هي نهضة الاسلام و امتداد النبوة المحمدية.

فـ(الحسين مني و أنا من حسين) ليست مقولة عاطفية تعبر عن محبة الجد لسبطه بل هي إشراقة الحسين في ضمير الأجيال، فالحسين يحيي الصلاة والحجاب والصدق وبر الوالدين، بأسلوب يفوق أسلوب الأهل لسنوات من التربية والتنشئة الدينية، وفي موسم الأربعين الحسيني تستطيع الأسر المؤمنة أن تحصد من القيم والفضائل والأخلاق والالتزام الديني لدى أبنائها بأضعاف ما تحصده في غيره من أيام السنة، فيغدو هذا الفصل محطة عبادية إيمانية تربوية لا نظير لها، وليس فقط محطة ثورية مخضبة بالدماء الزكية.

تتميز أيام شهر محرم وشهر صفر أنها تبث العِبرة من خلال العَبرة، لتنشئ جيلا حسينيا من أبنائنا وبناتنا، الذين سرعان ما يتحمسون للمشاركة في مراسم العزاء، سواء من خلال لبس السواد وحضورهم المجالس أو المشاركة في المسيرات أو اللطميات وأداء الزيارة أو إعداد الطعام، وكل ما ذكرناه من مراسم يتفاعل معها الكبير والصغير باندفاع وحماس كبيرين، في مشهد رائع من الاندفاع الذاتي الذي يشكل بحد ذاته عاملا أساسيا في التأثير التربوي، فكم نصرف من الجهد في إيجاد الدافع والحافز لدى أبنائنا في الممارسات العبادية أو الالتزامات الاخلاقية؟ ولكن في هذا الموسم المبارك سترى ولدك يستيقظ باكرا ليؤدي المراسم وليتواجد مع زملائه في مجموعات تؤدي الصلاة وتقرأ الأدعية والزيارات وتقيم المجالس وتقوم بترتيب وتنظيف الأماكن لتهيئتها لإقامة الشعائر الحسينية وتنتظم في صفوف مرتبة ما كنت لتراها لولا هذا العشق الحسيني الذي يفعل فعله في النفوس والعقول !!!

نستثمر هذا الموسم الكربلائي الحافل بالعطاء، بما يعود بالمنفعة التربوية والاخلاقية والسلوكية على أبنائنا، فربط الصلاة بالأمام الحسين من أكثر الوسائل نفعا في تحفيز الأبناء على الالتزام بالصلاة و إقامتها بكمالها في وقتها والمشاركة في صلاة الجماعة، فالثورة الحسينية قامت للحفاظ على هذه الصلاة والإمام (ع) صلى صلاة الظهر بأصحابه قبل شهادته المباركة رغم الرماح و السهام التي كانت تتساقط على مخيم الإمام الحسين (ع).

وكذلك يحاول بعض الأطفال إبراز مواهبهم فتراهم تارة يقلدون قارئ عزاء وتارة يرفعون أصواتهم بالندبيات وأحيانا يرتقون ما يشبه (المنبر) لقراءة السيرة الحسينية، من المناسب جدا تحفيزهم و مواكبتهم في هذه الممارسات وأخذها على محمل الجد، فلعل الله تعالى قدّر له أن يكون خادما حسينيا فهل تبخلون على الإمام (ع) بخدمته عبر أبنائكم؟ طبعا القارئ الحسيني يحتاج إلى إعداد و تأهيل من هذه المرحلة.

وأيضا أن موسم عاشوراء الحسين عليه السلام هو موسم مفعم بالروحيات الإيجابية العالية فالجدير بعاشق الحسين (ع) أن يعيد حساباته بعلاقاته بأهله وذويه وأرحامه وجيرانه، ومن الرائع أن يشاهد أبناءنا هذا الاقبال الروحي و العاطفي ذو الطابع الاجتماعي، وأن نحيي بهم هذا الحس الاجتماعي في صلة الارحام والاحسان للجيران

المصدر: واحة المرأة
2023/07/19

متى يستحب رفع راية شهر المحرم الحرام؟
الوجوبُ والحُرمة، والاستحبابُ والكراهة، منَ العناوينِ الخاصّةِ بالأحكام الشرعيّة، والطريقُ لمعرفتِها هوَ النصوصُ الشرعيّةُ منَ القرآنِ والسنّة، أمّا تحديدُ موضوعاتِ الأحكامِ فهيَ مِن مُختصّاتِ المُكلّفِ إلّا ما خرجَ مِنها بدليلٍ خاصٍّ.

وعليهِ فإنَّ العباداتِ تارةً تكونُ مُقيّدةً وتارةً تكونُ موسّعةً، فالصّلاةُ والحجُّ والصيامُ منَ العباداتِ المُقيّدة، حيثُ بيّنَ الشارعُ موضوعاتِها مُضافاً لبيانِ أحكامِها، أمّا الذكرُ والتسبيحُ وتلاوةُ القرآنِ والإحسانُ إلى الناسِ وبرُّ الوالدين وغيرُ ذلكَ منَ المُستحبّاتِ والواجباتِ لم يتدخَّل الشارعُ في بيانِ كيفيّةٍ خاصّةٍ بها وإنّما أوكلَ ذلكَ للمُكلّف، فيجوزُ للإنسانِ التسبيحُ وتلاوةُ القرآنِ في أيّ زمانٍ ومكان، وكذلكَ لم يرسِم الشارعُ تقاليدَ مُحدّدة ًلعنوانِ الإحسانِ أو برِّ الوالدين وإنّما جعلَ ذلكَ خاضعاً لعُرفِ العُقلاءِ والمُتشرّعةِ فكلُّ ما يرونَهُ إحساناً أو برّاً للوالدين لا يجوزُ للمُكلِّف مُخالفتُه، والشعائرُ الحُسينيّةُ مِن هذا القبيلِ حيثُ لم يُبيّن الشارعُ كيفيّةً مُعيّنةً لإحياءِ ذكرى الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) وإنّما أوكلَ ذلكَ للمُكلّفينَ، وعليهِ فإنَّ كلَ أمرٍ يتوافقُ عليهِ العقلاءُ وعُرفُ المُتشرّعةِ على أنّه مِن مصاديقِ المواساةِ يكونُ مِنها، وذلكَ لأنَّ النصوصَ لم تحصُر إقامةَ الشعائرِ في كيفيّةٍ مُحدّدةٍ وإنّما أكّدَت على استحبابِ هذهِ الشعيرةِ في عنوانِها العامّ، وبالتالي كلُّ فعلٍ يتوافقُ عليهِ العقلاءُ وعُرفُ المُتشرّعةِ على أنّه منَ المواساةِ يكونُ مُستحبّاً بوصفِه مِصداقاً لها وليسَ مُستحبّاً بوصفِه منصوصاً عليهِ منَ الشارعِ بشكلٍ خاصٍّ ومباشرٍ، فمثلاً مواكبُ العزاءِ تكونُ مُستحبّةً طالما اعتبرَها عرفُ المُتشرعةِ عنواناً للمواساةِ، وإذا تخلّى عَنها العُرفُ واستبدلَها بشيءٍ آخرَ يسقطُ عَنها الاستحبابُ ويتحوّلُ الاستحبابُ إلى ذلكَ الشيءِ الآخر، وعلى هذا النحوِ يكونُ رفعُ الرايةِ ليلةَ العاشرِ منَ المُحرّمِ منَ الشعائرِ المُستحبّةِ طالما توافقَ عليها عرفُ المُتشرّعةِ واعتبرَها بدايةَ الانطلاقِ للشعائرِ الحُسينيّة.

وفي الخُلاصةِ أيُّ شعيرةٍ مِن شعائرِ الإمامِ الحُسين تكونُ مُستحبّةً إذا اعتبرَها العُرفُ مِصداقاً للنصوصِ التي أكّدَت وندبَت على إحياءِ ذكرى الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، ولا يتوقّفُ الأمرُ على وجودِ رواياتٍ ونصوصٍ خاصّةٍ بالموردِ طالما كانَت الشعائرُ منَ العباداتِ الموسَّعةِ التي لم يُحدِّد الشارعُ موضوعاتِها.

2023/07/19

موسم حزن جديد: لماذا نقيم المجالس الحسينية؟
رغم أننا ندعو إلى تحسين و تطوير المجالس الحسينية و مراسم العزاء الحسيني و الشعائر الحسينية بكل أنواعها وفقاً لمتطلبات العصر و حاجاته و تطوراته، إلا أننا نُذكِّر بأن لإحياء و إقامة الشعائر الحسينية أهدافاً عديدة، منها:

1.التثقيف و التوعية: حيث اننا نقوم من خلال إقامة مجالس العزاء و الحزن بتجديد البيعة مع الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و تأييد ثورته، و الدعوة إلى نهجه، و بيان أهدافه و حقانيته و سيرته المباركة و تضحياته العظيمة من أجل الإسلام و المسلمين، و نتعَلُّم معالم الدين و المذهب في مدرسة الحسين ( عليه السَّلام ).

2.تخليد الثورة الحسينية: نقوم بإحياء الشعائر الحسينية حتى لا تنسى الأمة الإسلامية تلك الثورة العظيمة، و حتى لا ينسى أو يتناسى التاريخ تلك الملحمة الكبرى و النهضة المباركة و تبقى حية نابضة ما بقيت الدنيا.

3.التفاعل الفردي و الإجتماعي: و نقوم بإحياء هذه الشعائر من أجل التفاعل الفردي و الاجتماعي مع هذه النهضة المباركة و حصول حالة التأثر و الحزن، من خلال استذكار حوداثها الأليمة و الظلم الذي جرى على أبطال هذه الملحمة الكبرى، و هذا التفاعل قد يحصل للإنسان من خلال مطالعة تاريخ هذه النهضة أو سماع بعض الأشرطة، فيكون مأجوراً و مثاباً.

4.الإعلام الرسالي الهادف: حيث نقوم من خلال إقامة العزاء الحسيني و تسيير المسيرات و المواكب و غيرها من صنوف الشعائر الحسينية بعمل إعلامي فريد، إذ نقوم بتحريك الرأي العام و توحيد الصفوف و رصِّها أمام الأعداء، و من الواضح ان العمل الإعلامي يحتاج إلى التظاهر و الخروج إلى الشارع و الإستنكار و رفع الصوت بل حتى الصراخ و العويل في وجه الطغاة، حيث لا يكفي الحزن القلبي وذرف الدموع في زاوية البيت.

إذن فلا بد لنا أن نأخذ بعين الإعتبار جميع الأهداف و المقاصد، و أن نُعطي كلا منها ما تستحقه من العناية و الاهتمام، و أن نعرف بأن الهدف من إقامة الشعائر الحسينية لا ينحصر في المشاركة في المجالس و البكاء و الحزن القلبي، كما هو واضح.

2023/07/16

كيف وصلت قافلة السبايا من الشام إلى كربلاء في الـ 20 من صفر؟
المشهور والمتعارف عليه عند الشيعة إن الإمام السجاد وزينب ومن معهم من السبايا وصلوا إلى كربلاء في يوم العشرين من صفر أي بعد مرور اربعين يوماً من استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).

وقد صرح بذلك الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد حيث قال: (وفي اليوم العشرين منه -أي من صفر- كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنه من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فكان أول من زاره من الناس ويستحب زيارته عليه السلام فيه وهي زيارة الأربعين)، وقد شكك البعض في إمكانية ذلك لصعوبة الجمع بين طول المسافة وبين تحديد الوصول في العشرين من صفر، إلا أن ذلك ليس مستحيلاً فبحسب ما سجلته المصادر من تواريخ لحركة السبايا من كربلاء إلى الكوفة ومن ثم منها إلى الشام وبعدها إلى كربلاء تؤكد إمكانية ذلك، فمن الناحية التاريخية كان دخول السبايا إلى الشام في أول يوم من صفر كما رواه الكفعمي والبهائي والمحدث الكاشاني، وكان بقاؤهم في الشام خمسة أو سبعة أيام، وبالتالي فإن خمسة عشر يوما أو ثلاثة عشر يوما كافية للمسافة بين الشام وكربلاء، فبحسب المصادر التاريخية أن مدة إقامة السبايا في الكوفة كانت ثلاثة أيام، وخروج السبايا نحو الشام كان في (15) محرم، ووصولهم إليها كان في الأول من صفر، قال الشيخ عباس القمي: (قالَ الشيخ الكفعمي وشيخنا البهائيّ والمحدث الكاشاني: في أول صفر أُدخل رأس الحسين عليه السلام إلى دمشق، وهو عيد عند بني أُمية، وهو يوم تتجدد فيه الأحزان)، وحُكيَ أيضاً عن أبي ريحان في الآثار الباقية أنه قال: في اليومِ الأول من صفر أُدخل رأس الحسين عليه السلام مدينة دمشق فوضعه يزيد بين يديه ونقر ثناياه بقضيب في يديه.. الخ) وعليه يكون قد قطعوا المسافة بين الكوفة والشام في (15) يوماً، ولبثوا في الشام من (5ـ 8) أيام، وعليه يمكن العودة إلى كربلاء بحوالي (12ـ15) يوماً؛ ويكون مجموع المدة الزمنية (40) يوماً.

كما أن اللقاء الذي حصل بين جابر الانصاري والإمام زين العابدين (عليه السلام) يُثبت أن وصولهم كان يوم العشرين من صفر، وقد أكد الشيخ الجليل نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي المتوفى سنة 645 هـ في كتابه (مثير الأحزان) اللقاء بين جابر الانصاري وركب الإمام زين العابدين (عليه السلام) حيث قال: (ولما مر عيال الحسين بكربلاء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله عليه وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد فتلاقوا بالحزن والاكتياب والنوح على هذا المصاب المقرح لاكباد الاحباب) وقد كانت زيارة  جابر الانصاري للإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر، وهذا ما ذكره أيضاً السيد علي بن طاووس الحلي المتوفى سنة 664 هـ في كتابه اللهوف، حيث قال: (ولما رجع نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء ووصلوا إلى المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم)، والمتيقن أن جابراً جاء إلى كربلاء في يوم الأربعين، كما فصّل ذلك في كتاب مصباح الزائر، وبشارة المصطفى.

2022/09/28

من تجمّع الأربعين المليوني: هنا يكمن الفرق بين التشيع الأصيل وغيره!
زيارة الاربعين دروس وعبر خلقت الجموع المليونية من الزائرين ومن هيأ لهم الخدمات اللازمة التي يحتاجها الزائر .. تجمعا عظيما لا نظير له.

[اشترك]

وقد اثبتت هذه التجمعات الشعبية القائمة على فطرة الايمان أن التشيع واحد وهو الأصيل، وهو التشيع الذي اسسته النصوص الدينية التي تضمنتها نصوص الكتاب العزيز والذي ميّز اهل البيت عليهم السلام عن سائر المسلمين بنزول الآيات القرآنية الكثيرة في فضلهم وعظيم شأنهم

حتى روي عن ابن عباس أن ثلث القرآن فيهم.

وأضاف اليها النبي صلى الله عليه وآله نصوصا أخرى كحديث الثقلين وحديث الأئمة اثنا عشر  وأمثالهما من نصوص نبوية شريفة أرادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان تبقى دليلا على ولاية اهل البيت عليهم السلام في الائمة الاثني عشر الذين خلفوا تراثا عظيما جمعه العلماء والرواة في الكتب المعروفة.

وقد مرت خلال هذه القرون منذ بدء الدعوة الإسلامية والى يومنا هذا أحداث وظروف طُرحت بسببها رؤى تختلف عن الصراط المستقيم الذي اوضحه النبي صلى الله عليه وآله فطُرح مشروع الزيدية والإسماعيلية وطُرح مشروع مودة اهل البيت عليهم السلام وحبهم من دون إمامة وولاية.

وفي عصورنا المتأخرة حاول البعض تقسيم التشيع الى علوي وصفوي وحاول البعض تقسيم الشيعة الى عارفين بحق أهل البيت ومقصرين في معرفتهم، كما حاول اعداء الشيعة تقسيم التشيع الى عربي وفارسي.

وكل هذه الرؤى يبدو أنها لاتلامس الواقع ولم يصح في النهاية الا الصحيح وهو أن التشيع الأصيل واحد يتجسد في الائمة الاثنا عشر وشيعتهم الذين توارثوه جيلا بعد جيل حتى وصل الينا بهذه الخصائص التي نراها اليوم في التمسك بأهل البيت عليهم السلام والعمل بما وصل الينا من توجيهاتهم وارشاداتهم.

فإن هذا التشيع وحده الذي يمتلك مقومات البقاء والديمومة والصمود وهو الذي يخلق مثل التجمعات المليونية بدون أن تتصدى جهة لإدارتها وخلقها.

 وهذا الإعجاز العظيم لا يمكن تفسيره الا بوجود رعاية إلهية تظلله فتدفع عنه الكوارث والمحن والفتن ... ولعل إلى ذلك يشير التوقيع الشريف المروي عن الامام المنتظر (واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا جللها السحاب).

الحمد لله الذي وفقنا لدينه ونسأله العصمة والسداد انه ارحم الراحمين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

2022/09/19

ما هي مسؤوليتنا تجاه الإمام الحسين (ع) في هذا العصر؟
ترك الإمام الحسين بثورته الخالدة تاريخاً مشرقاً في مسيرة الأمة الإسلامية، وتراثاً عظيماً في التضحية والإيثار والفداء من أجل الدين، وتقديم أهل بيته وأولاده وأصحابه قرابين في سبيل الله تعالى.

[اشترك]

 فلم يشهد التاريخ ثورة كثورة الإمام الحسين في أهدافها وتضحياتها ومنطلقاتها ورموزها، فهي بحق ثورة استثنائية في كل مشاهدها وصورها الدامية، ورسالتها المعبرة بكل قوة وشجاعة عن الحق والحرية والإصلاح.

والإمام الحسين قام بكل واجباته ومسؤولياته، وضحى بنفسه في سبيل الله، من أجل بقاء الدين، ومحاربة الفساد والظلم والانحراف؛ إذ نقرأ في زيارة الإمام الحسين (أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وأطعت الله حتى أتاك اليقين)

لكن السؤال المهم هو: ما هي مسؤولياتنا نحن تجاه الإمام الحسين في هذا العصر وفي كل عصر؟

للإجابة على هذا التساؤل يمكنني أن أشير إلى أبرز المسؤوليات والواجبات المهمة التي يجب علينا القيام بها تجاه الإمام الحسين وهي:

1ـ التمسك بالقيم والمبادئ:

ثار الإمام الحسين من أجل أن يبقى الدين سليماً من التحريف والتضليل الذي مارسه بنو أمية، حيث انتشر في عهد يزيد الفساد علناً، وحُرِف الدين عن أصوله وفروعه، فأراد الإمام أن يسجل بنهضته درساً عملياً للحفاظ على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، وهذا هو واجبنا أيضاً أن نتمسك بالمبادئ والقيم والمثل والأخلاق التي باتت في خطر في ظل انتشار القنوات الفضائية المنحلة، وما يقدمه الإنترنت من مواقع مخلة بالآداب والأخلاق، وانتشار الوسائل الجديدة والمتنوعة في نقل الصور الإباحية، والأفلام المروجة لثقافة العري والتحلل.

إن على كل واحد منا أن يسعى وبمقدار ما يستطيع من أجل تكريس المبادئ والقيم والأخلاق في البنية الاجتماعية، ويتم ذلك عبر التمسك بها، ونشرها في كل مكان، ومحاربة الرذيلة والفساد والميوعة التي يبثها الإعلام الفاسد إلى بيوتنا ومجتمعاتنا، فلنستذكر في ذكرى ثورة الإمام الحسين المبادئ والقيم التي من أجلها ضحى بنفسه، ولنعمل نحن أيضاً من أجل الدفاع عنها بمختلف الوسائل التي تناسب كل واحد منا.

2 ـ الاقتداء بسيرة الإمام الحسين:

سيرة الإمام الحسين سيرة مشرقة وعظيمة، فالإمام الحسين قمة في الأخلاق، ومَثَل أعلى في العبادة والارتباط بالله، ومضرب المثل في الشجاعة والتضحية من أجل الدين، وعلينا الاقتداء بسيرته العظيمة، أن نقتدي بأخلاقه، وأن نقتدي بعبادته، وأن نقتدي بتضحياته، وأن نقتدي بصبره وقوته وشجاعته.

والذي يحب الإمام الحسين حقاً عليه أن يسير على نهجه، وأن يستمر على منهجه فلا يكفي لمن يحبه أن يبكي عليه، أو يلطم صدره وخده حزناً عليه، أو يحضر مأتمه... وإن كان كل ذلك مطلوباً وفيه ثواب وأجر عظيم، ولكنه إذا تحول إلى مجرد طقوس ميكانيكية، وعادات اعتدنا عليها بلا هدف أو غاية فإنها تفقد أي تأثير على من يمارسها بهذه الصورة السلبية، تماماً كمن يصلي ولكن صلاته لاتنهاه عن الفحشاء والمنكر، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ أما إذا كانت صلاتك لاتنهاك عن ارتكاب المحرمات، فعليك أن تشك في قبول صلاتك !

وكذلك إذا كنت تعزي على الإمام الحسين، وتبكي عليه أيام عاشوراء، وتلطم صدرك وخدك بكل قوة، ولكن أفعالك أبعد ما تكون عن منهج الإمام الحسين أو سيرته، فعليك أن تشك في قبول أعمالك!

فإذا كنت من محبي الإمام الحسين حقاً، فاقتدِ بأفعاله وأقواله، وتخلق بأخلاقه، وسر على نهجه، وحافظ على أركان الدين ومعالمه، ولا تترك واجباً، ولا تعمل محرماً، في كل أيام السنة وليس فقط في أيام عاشوراء كما يفعل بعض الناس!

3 ـ التعريف بالثورة الحسينية:

إن من أهم مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين هو التعريف بثورته ونهضته المباركة، ويشمل التعريف منطلقات الثورة الحسينية وأهدافها ووسائلها وغاياتها، وما حدث فيها من معركة بين الحق والباطل يفوق حد التصور، والتعريف بشخوص هذه الثورة الحسينية لكل الناس.

ومن المهم للغاية أن يحتوي التعريف بالثورة الحسينية على قراءة تحليلية وليس مجرد قراءة سردية، لأن المنهج الأول هو الكفيل بإيصال أهداف ثورة الإمام الحسين بكل وضوح، ويساعد الأجيال المعاصرة على استيعاب الدروس والعبر لهذه الثورة المباركة.

ويجب علينا الاستفادة من الوسائل الحديثة كالقنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية والمجلات والصحف والأقراص المدمجة وغيرها للتعريف بثورة الإمام لكل شعوب الأرض وأممها.

ومن المفيد جداً أن يبادر التجار وأصحاب الأموال إلى وقف أوقاف خاصة للقيام بمثل هذه الأعمال الصالحة، كأن نوقف وقفاً لتأسيس قناة فضائية للحديث عن الإمام الحسين وثورته وسيرته، أو نوقف وقفاً لترجمة ما كتب عن الإمام الحسين بكل لغات العالم، وإذا كان في الماضي توقف الأوقاف لإقامة المآتم الحسينية، أو لإطعام المستمعين أو الزوار الطعام على حب الإمام الحسين، فإن الأوقاف في هذا الجانب كثيرة جداً، أما في هذا العصر فعلينا أن نساير التطور والتقدم العلمي والتقني للتعريف بالإمام الحسين وثورته وأهل بيته عبر الاستفادة من الوسائل الحديثة في التعريف بالنهضة الحسينية.

4ـ الارتباط بمنهج الإمام الحسين:

الإمام الحسين كباقي الأئمة الأطهار رسموا لنا منهجاً للتعرف على الإسلام المحمدي الأصيل، وعلينا أن نسير على ذلك، ونرتبط بمنهجهم الذي من سار عليه نجا، ومن تخلف عنه غرق وهوى.

وكي يرتبط أبناؤنا بالإمام الحسين علينا أن نعلمهم محبة الإمام، وأن نصطحبهم إلى مجالس العزاء والتعزية، ونشجعهم على قراءة زيارة وارث، ونشرح لهم معاني هذه الزيارة الراقية، كما أن من الضروري أن نوضح لهم تفاصيل ثورة الإمام الحسين وأهدافها النبيلة.

والارتباط بمنهج الإمام الحسين يعني اتباع خط الإمام وفكره ومنهجه العلمي والعملي، أما ادعاء محبة الإمام ومودته بدون السير على نهجه فلا يعدو كونه حباً أجوفاً بلا معنى أو قيمة حقيقية.

5 ـ قراءة سيرة الإمام الحسين:

وهذه المسؤولية من أضعف الإيمان، إذ يجب على كل واحد منا أن يقرأ ما يستطيع قراءته من كتب تتحدث عن السيرة العطرة لسبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي.

ومن المخجل حقاً أن نرى بعض شبابنا وشباتنا يعرف الكثير عن المشاهير في عالم الرياضة والفن والتمثيل، أو أسماء المشاركين في ستار أكاديمي أو سوبر ستار، لكنه لا يعرف عن ثورة الإمام الحسين إلا العنوان فقط ومع ذلك يدعي مثل هؤلاء لأنفسهم أنهم من محبي الإمام الحسين!!

إن من أولى مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين أن نعرف سيرته، ونقرأ ما نستطيع مما كتب عنه، فليسأل كل واحد منا نفسه: كم كتاب قرأت عن الإمام الحسين؟ وما هي المعلومات التي أعرفها عن سيرته العطرة؟ وماذا أعرف عن أخلاقه أو عبادته أو زهده أو جهاده أو شجاعته أو صبره؟!

وأترك لك أن تجيب بنفسك عن نفسك!

6- المشاركة في العمل الحسيني:

كل مؤمن يتحمل مسؤولية في المشاركة في العمل الحسيني، وذلك بمقدار ما يمكنه في سبيل ذلك الهدف النبيل في تعريف الأجيال الحاضرة والقادمة بسيرة الإمام المباركة، ونهضته العظيمة، فليعمل كل واحد منا بما يستطيع من أجل ذلك، ويمكن الإشارة إلى بعض ما يمكن القيام به:

1 ـ تأليف الكتب عن الإمام الحسين، أو ترجمة ما كتب عنه بمختلف اللغات العالمية.

2ـ تأسيس مواقع على الإنترنت للتعريف بالإمام الحسين، وبمختلف اللغات الحية.

3 ـ المساهمة عبر المحاضرات أو العزاء أو التمثيل، ونشرها من خلال القنوات الفضائية الملتزمة، ومواقع الإنترنت المتاحة، ومختلف وسائل الإعلام الحديثة.

4ـ التبرع المالي لطباعة الكتب التي تتحدث عن الإمام الحسين، أو أي شيء آخر يخدم التعريف بالإمام وسيرته ويحتاج إلى دعم مالي.

5 ـ الاستفادة من التقنيات الالكترونية الجديدة للتعريف بالإمام الحسين ونهضته الخالدة.

2022/09/17

انتهى موسم الحزن.. هل قدّمت المواكب العزائية شيئاً للمجتمع؟!
ألا تعتقدون أن كثيرا من المواكب العزائية لا تنتج شيئا، فما أن ينتهي موسم المحرم حتى يعود كل شيء إلى مكانه وتنسى الشعارات التي رفعت أيام المحرم بل إن بعض من يعزون لا يطبقون أهداف الحسين ولا ينسجمون معها؟

 [اشترك]

مجرد أن الشعارات التي رفعت أيام محرم تنسى، أو أن بعض المعزين لا يطبقون أهداف الحسين عليه السلام، لا يضر بموقع المواكب العزائية، ولا يدفع للاستغناء عنها، فإننا نجد أن القرآن الكريم وهو كتاب الله المنزل الذي لو أنزل ﴿... هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ...﴾ ومع ذلك فإنه لا يؤثر في حياة كل المسلمين بمعنى أنك تجد العديد من المسلمين وهم غير متأثرين بثقافة القرآن وأخلاقه وتعاليمه، فهل يعني ذلك عدم فائدة القرآن؟ أو الاستغناء عنه؟

وأنت ترى أن الرسول الأعظم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو من هو في الفصاحة والبلاغة، وقوة التأثير لكن بعض من عاصره واستمع إليه مباشرة لم يتأثر بأقواله!! فهل يعني ذلك عدم الفائدة من حديث النبي؟

إن من المهم أن يكون لدى المجتمع مؤسسات دينية، ومظاهر إسلامية، وشعائرية حتى تحافظ على الصورة الإسلامية العامة، وتكون مقصدا لمن يريد الاهتداء إلى التعاليم الالهية، هذا ما يحتاجه كل جيل.

كما أنه ليس من الصحيح أن نطلب من الموكب العزائي أكثر من طاقته، فالموكب العزائي يقوم بدور الشحن العاطفي وتهيئة النفوس لتقبل التوجيه الفكري، ويصنع انتماء على مستوى العاطفة بين المعزي والمعزي به، أما أن نفترض أنه محلول كيماوي يدخله المعزي وهو مذنب أو غير واع، فيخرج من الطرف الآخر بعد ساعة وقد تغير كليا!! هذا مما لا يتوقع أصلا، والبحث عنه بحث عن السراب.

إن علينا أن نشجع المواكب العزائية بكافة أشكالها، ونحاول أن نقوي فيها المضمون العاطفي والولائي لأهل البيت عليهم السلام، وأيضا أن يتم توجيهها توجيها سليما من خلال إشراف الهادفين والواعين على تسييرها، واختيار الكلمات المناسبة فيها.

لقد رأينا أن بعض ما يقال من قصائد، و(رداديات) تصنع من الانتماء وتشجع الفرد على الالتزام بالقيم الدينية، أكثر مما تصنعه محاضرات متعددة، لا سيما في فئة الشباب.

وبناء عليه نحن نعتقد أن المواكب العزائية تصنع الكثير، الكثير، ووجود بعض المشاركين ممن لا يتأثرون بعد الموكب، أو ممن لم يكونوا على خط الانسجام مع الهدف الحسيني قبل الموكب لا يمنع من حصول الفوائد الكثيرة للمجتمع، ولا بد من تقوية هذه المواكب كماًّ ونوعاًّ.

2022/09/17

لماذا لم تعاقب أمة النبي بـ ’ الاستئصال’ بعد قتل الإمام الحسين (ع)؟
لا شك في أن لله تعالى حرمات متى ما انتهكت فإنه تعالى يغضب لانتهاكها، وشواهد ذلك كثيرة، دونك حادثة نحر فصيل ناقة صالح حيث قال تعالى (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها).

ومن أكثر الحوادث وضوحاً في هذا الجانب حادثة أصحاب الفيل، حيث قادهم أبرهة القادم من الحبشة مع جيش جرار مدجج بالفيلة، غرض هذا الجيش هو تهديم البيت العتيق بمكة الذي شيده إبراهيم الخليل وولده إسماعيل (عليهما الصلاة والسلام).

وما هي إلا لحظات وقد حجبت ضوء الشمس أسراب طير الأبابيل تحمل تلك الحجارة التي وصفها القرآن الكريم بأنها (من سجيل) فما كان من القوم إلا أن يهلكوا مستأصلين بهذا العذاب، بعد أن جعلهم (كعصفٍ مأكول).

وآيات العذاب من هذا القبيل مذكورة في القرآن الكريم بما لا يدع مجالاً للشك في أن عاقبة الاجتراء على حرمات الله وشعائره جزائها الهلاك والعذاب.

وهذا ما حصل عند اجتراء هذه الأمة العاصية على قتل سبط رسول الله (صلى الله عليه واله) وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

فآيات غضب الله عند إجتراح هذه الجريمة أكثر من أن تحصى، يكفيك منها ظهور الحمرة في السماء ونبع الدم عند رفع أي حجر من بيت المقدس عشية مصرع الإمام الحسين (روحي له الفداء).

كما أن سبب تأخير فرج آل محمد (صلوات الله عليهم) على يد قائمهم (عليه السلام) لمقتل الحسين (عليه الصلاة والسلام) له علاقة به.

فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: " يا ثابت إن الله تعالى قد كان وقت هذا الامر في سنة السبعين فلما قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم بذلك فأذعتم وكشفتم قناع الستر فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك وقتا عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

قال أبوحمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال: قد كان ذلك ".

وهنا يحتمل أن يكون المبدء يوم غيبته (عليه السلام) كما احتمله بعض الأكابر، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى قرره أولاً بشرط أن لا يقتل الحسين (عليه السلام) بعد السبعين من غيبة المهدي (عليه السلام) فبعد أن قتل الحسين (عليه السلام) أخره إلى المائة والاربعين بشرط عدم الاذاعة لسرهم، فقال (عليه السلام) بعد أن أذعتم السر وكشفتم قناع الستر، وستر عنا علمه، أو لم يأذن لنا في الاخبار به.

تبقى ملاحظة أخيرة لا بد من بيانها وهي:

لماذا أهلك الله تعالى أصحاب الناقة وأصحاب الفيل بالاستئصال ولم يهلك مجرمي كربلاء بمثل هذا العذاب مع العلم بأن الحسين (عليه الصلاة والسلام) أكثر قداسة من البيت الحرام وأعظم شرافة وطهراً من الناقة؟

الجواب: للأسباب التالية:

1 ـ لم يكن جميع من حضر في كربلاء في جيش الكوفة القادم لقتال الحسين (عليه الصلاة والسلام) على قلب واحد بل كان بعضهم غير راضٍ بقتله بل كان بعض الضعاف المهزوزين يدعو له، وهذا ما لم يحصل عند قوم نوح أو لوط أو صالح (صلوات الله عليهم) أو جماعة أبرهة، حيث كانوا على قلب رجل واحد متفقين على اجتراء المعاصي عداوة لله تعالى ورسله وأنبيائه (صلوات الله عليهم)، فما كان من الله إلا أن يُنزل عليهم عذاب الاستئصال بأن يبيدهم عن بكرة أبيهم.

2 ـ أعقبت حادثة مصرع الحسين (عليه السلام) إقامة العزاء والنياحة من قبل الموالين للحسين وأهل بيت (عليهم السلام) سيما يوم مواراة جسده القدسي والكوكبة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه (صلوات الله عليهم) وهذا له أثر كبير في دفع غضب الله عن الحلول في ساحة خلقه.

2022/09/15

لقاء البكاء والحزن.. فضل أربعينية الإمام الحسين (ع)
يَمرُّ على استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) أربعون يوماً، وقَدْ قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال، أحياءً وأمواتاً، وتجديد الذكرى لوفاتهم وشهادتهم، وإظهار الحُزن عليهم، لا سِيَّما من بذل نفسه وجاهَد، حتى قُتِل لمقصدٍ سَامٍ، وغَايَةٍ نَبيلة، وقد جرت على ذلك الأمم في كلِّ عصرٍ وزمان.

[اشترك]

فحقيق على المسلمين - بل جميع الأمم - أن يقيموا الذكرى في كل عام للإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه (عليه السلام) قد جَمَع أكرمَ الصفات، وأحسنَ الأخلاق، وأعظمَ الأفعال، وأجلَّ الفضائل والمناقب، عِلماً وفَضلاً، وزهادةً وعبادةً، وشجاعةً، وسخاءً وسماحةً، وإباءً للضَّيم، ومقاوَمة للظُّلم، وقد جمع إلى كَرمِ الحَسَب شَرَفَ النسَب، وقد جاهد الإمام الحسين (عليه السلام) لنيل أسمَى المقاصد، وأنْبل الغايات، وقام بما لم يَقُم بمثله أحد، فبذلَ (عليه السلام) نفسَه، ومالَه وآلَه، في سبيل إحياء الدين، وإظهار فضائح المنافقين، واختار المنيَّة على الدنيَّة، وميتة العِزِّ على حياة الذُل، ومصارع الكرام على اللِّئام.

وأظهر (عليه السلام) من عِزَّة النفس والشجاعة، والصبر والثبات، ما بَهَر به العقول، وحيَّر الألباب، واقتدى به (عليه السلام) في ذلك كل مَن جاء بعده، ومن يمتلك مثل هذه الصفات.

فالحقُّ أنْ تقام له (عليه السلام) الذكرى في كلِّ عام، وتبكي له العيون بَدَلَ الدُموعِ دَماً.

فقد بكى الإمام زين العابدين (عليه السلام) على مصيبة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثين سنة.

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يبكي لتذكُّر المصيبة، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي.

وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه.

وقال الإمام الرضا (عليه السلام) :( إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا، وأسال دموعنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء).

وقد حَثُّوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلِّ عام، وهُم (عليهم السلام) نِعْم القدوة، وخير مَنْ اتُّبِع، وأفضَلُ من اقتُفِيَ أثرُه، وأُخِذَت منه سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فضل يوم الأربعين

رُويَ عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه قال :( عَلامَاتُ المؤمن خمسٌ: صلاةُ إِحدى وخمسين، وزيارةُ الأربعين، والتخَتُّم في اليمين، وتعفير الجَبين، والجهر بـ(بِسْم اللهِ الرحمن الرحيم)) بحار الأنوار 101 / 329.

وقال عَطا: كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثم قال لي: أمَعَكَ من الطيب يا عَطا؟

قلت: معي سُعد.

فجعل منه على رأسه وسائر جسده، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين (عليه السلام)، وكَبَّر ثلاثاً، ثم خرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق سَمِعتُه يقول: السلام عليكم يا آلَ الله (بحار الأنوار 101 / 329).

وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين (عليه السلام) إلى المدينة، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة.

فلمَّا بلغوا العراق، قالوا للدليل: مُر بنا على طريق كربلاء، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام).

فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام.

فقال جابر لعبده: اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين (عليه السلام) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى.

فمضى العبد، فما أسرع أن رجع وهو يقول: يا جابر، قمْ واستقبل حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته وأخواته.

فقام جابر يَمشي حافي الأقدام، مكشوف الرأس، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) :( أنْتَ جَابِر؟).

فقال: نعم يا بن رسول الله.

فقال الإمام (عليه السلام) :( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا، وذُبحِت أطفالُنا، وسُبيَتْ نساؤنا، وحُرقَت خِيامُنا).

وفي كتاب الملهوف: إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن، وأقاموا المأتم، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً (أعيان الشيعة 1 / 617).

* تبيان

 

2022/09/14

على الرمح.. طافوا برأس الحسين (ع) في هذه الأماكن!
بعد رفع رأس الإمام الحسين (ع) على الرمح هل ظلَّ مرفوعًا إلى أنْ دُفن مع الإمام الحسين (ع) يوم الأربعين، أرجو توضيح المسألة؟

[اشترك]

لقد طافوا بالرأس الشريف الكثيرَ من الحواضر الإسلامية، فقد طافوا به في أزقَّة الكوفة وأحيائها وأسواقِها، يقولُ الشيخ المفيد في الإرشاد: "ولمَّا أصبح عبيدُ الله بن زياد بعث برأس الحسين (عليه السلام) فدِيرَ به في سُكك الكوفة كلِّها وقبائلها"(1) ثم تمَّ صلبُه على باب قصر الإمارة (2) وطافوا به كذلك في أحياء دمشق، وكانوا يتعمَّدون العبور به في الطرق المكتظَّةِ بالنّاس، ثُمّ تمَّ صلبُه في دمشق ثلاثة أيام وهذا المقدار ثابتٌ لاستفاضة نقلِه عن الفريقين(3).

وكذلك طِيف بالرأس الشريف في عموم مدائن الشام وغيرها كما أفاد ذلك القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار، قال: "ثم أمر يزيد .. برأس الحسين (عليه السلام) فطِيف به في مدائن الشام وغيرها"(4).

ومن الحواضر الإسلامية التي مرَّوا عليها بالرأس الشريف -كما قيل- مدينة نصيبين(5) ذكر ذلك أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي (ت 511ه) في كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات قال: "في مدينة نصيبين مشهد النقطة يُقال إنَّه من دم الحسين (ع) وفي سوق النشابين مشهد الرأس فإنّه عُلّق هناك لما عبروا بالسبي إلى الشام"(6).

ومن تلك الحواضر أو المنازل التي قيل إنَّهم مرَّوا عليها بالرأس الشريف منزلًا يقال له قنسرين(7)، ذكر ذلك ابن شهراشوب في المناقب نقلًا عن النطنزي في الخصائص قال: لمَّا جاؤوا برأس الحسين ونزلوا منزلاً يُقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته .."(8) وأشار لذلك أيضًا الخوارزمي في مقتل الحسين(ع)(9).

 

وثمة حواضرُ أخرى مرَّت عليها سبايا الحسين (ع) ومعها الرأسُ الشريف مثل مدينة الموصل، ونصيبين، وعسقلان(10)، وحماة(11)، وحِمْص ومدينة حلب كما أشار لذلك ابنُ شهراشوب في المناقب قال: "ومن مناقبه (ع) ما ظهر من المشاهد التي يُقال لها مشهد الرأس من كربلاء إلى عسقلان وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك" وأشار إلى حلب ابن العديم (ت: 660) في بغية الطلب(12).

هذا وكان الرأس الشريف في كلِّ حاضرة يدخلونها أو يمرُّون بها معلَّقًا على الرمح، وذلك لغرض إرهاب النّاس وتعريفهم بهيبة الدولة وسطوتها وأنَّها لن ترعى لأحدٍ حرمةً مهما كان موقعه الديني أو الاجتماعي إذا ترتَّب على وجوده وهنٌ لسلطانها وهيمنتها.

حمل رأس الحسين (ع) إلى مدينة الرسول (ص):

ومن المدن التي حُمل إليها رأس الحسين (ع) هي مدينة الرسول (ص) كما نصَّ على ذلك العديد من المؤرَّخين(13) يقول القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار: ولما أمر -يزيد- بأنْ يُطاف برأس الحسين (عليه السلام) في البلدان أُتي به إلى المدينة، وعاملُه عليها يومئذٍ عمرو بن سعيد الأشدق .."(14).

وفي أنساب الأشراف للبلاذري: إنَّ رأس الحسين (ع) نُصب في مدينة الرسول (ص) كما نُصب في دمشق ثلاثًا وكما نُصب في الكوفة قال: وحدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو بكر عيسى بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: رعِف عمرو بن سعيد على منبر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال بيار الأسلمي -وكان زاجرا-: إنَّه ليوم دم. قال: فجِيءَ برأس الحسين (ع) فنُصب فصرخ نساء آل أبي طالب فقال مروان:

عجّت نساء بني زبيد عجّة ** كعجيج نسوتنا غداة الأرنب .."(15).

وأما أنَّ الرأس الشريف هل ظلَّ مرفوعاً إلى حين دفنه؟

فجوابه إنَّ الرأس الشريف قد يُرفع عن الرمح فيُوضع في طستٍ كما وقع ذلك في مجلس يزيد، وكذلك في مجلس ابن زياد قبل ذاك، وقد يُوضع في طومار أو صندوقٍ وعلى صخرةٍ عندما ينزل به جنود النظام الأموي في واحدٍ من منازل الطريق.

 وهل تمَّ إرجاع الرأس الشريف إلى كربلاء يوم الأربعين فمختلفٌ فيه بين العلماء، والأرجح عندي أنّ إرجاعه قد تمّ بعد هذا التاريخ ولعلنا نُوضح منشأ هذا الترجيح في فرصةٍ أخرى. فإرجاع الرأس الشريف إلى كربلاء متسالَمٌ عليه بين علمائنا والاختلاف إنَّما هو في تاريخ الإرجاع.

الهوامش: 1- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص117، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص473، الدر النظيم -ابن حاتم المشغري العاملي- ص561. 2- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص351، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج18 / ص445، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص341، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ترجمة الإمام الحسين ص80، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص208. 3- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج69 / ص160، المحبر -محمد حبيب البغدادي (ت 245)- ص490، المنخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين -الطبري- ص25، بستان الواعظين ورياض السامعين -أبو الفرج ابن الجوزي- ج1 / ص264، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص319، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص66، 81. 4- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص159. 5- نصيبين: بالفتح ثم الكسر .. وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادَّة القوافل من الموصل إلى الشام، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان، بينها وبين سنجار تسعة فراسخ، وبينها وبين الموصل ستة أيام" معجم البلدان -ياقوت الحموي- ج5 / ص288. وفي الموسوعة العربيَّة نصيبين: مدينة سورية قديمة، تقع إلى الشمال من مدينة القامشلي، ولا يفصل بينهما سوى الخط الحديدي، وهي اليوم نقطة عبور بين الحدود السورية والتركية، يمر منها نهر جغجغ أحد روافد الخابور. 6- الإشارات إلى معرفة الزيارت -أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي- ج1 / ص60. الأعلاق الخصيرة في أمراء الشام والجزيرة -ابن شداد الحلبي (ت 684)- ج1 / ص133. 7- قِنِّسرين: بكسر أوله، وفتح ثانيه وتشديده مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص معجم البلدان -الحموي- وفي الموسوعة العربيَّة قِنِّسْرين إحدى أهم المدن الآرامية في سورية الطبيعية، تقع جنوبي مدينة حلب بـنحو 25 كيلومتراً. 8- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص217. 9- مقتل الحسين -الخوارزمي- ج2 / ص116. 10- عسقلان: عسقلان: بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم قاف، وآخره نون .. وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ويقال لها عروس الشام "معجم البلدان -الحموي-". 11- حماة: بالفتح مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات بينها وبين دمشق خمسة أيام للقوافل، وبينها وبين حلب أربعة أيام. معجم البلدان الحموي 12- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص235. بغية الطلب في تاريخ حلب -ابن العديم الحلبي- ج1 / ص470. 13- الطبقات الكبرى ترجمة الإمام الحسين -ابن سعد- ص 84-85، الأمالي الخميسيَّة للشجري -يحيى بن الحسن الجرجاني- ص248، مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص57، مرآة الجنان -اليافعي- ج1 / ص109-110، مقتل الحسين -الخوارزمي- ج1 / ص75، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص344، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص20، تذكرة الخواص -سبط ابن الجوزية- ص301. 14-شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص159. 15- أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص218.  
2022/09/13

الزيارة الأربعينية تشعل النار في قلوب الأعداء
زيارة الأربعين تغيظ الكافرين قال أحد المؤمنين إنه كان ينوي زيارة الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر المُعبر عنها بزيارة الأربعين، مشياً على الأقدام زمن النظام البعثي المقبور.

[اشترك]

 وكان خائفا قلقا، لأن إلقاء القبض عليه من قبل أزلام النظام ، كان يعني حلول الموت بساحته، فتردد أياماً قبل الزيارة يخيِّر نفسه بين الحياة والموت، ثم انقدحت في ذهنه أن يستفتح بالقرآن لعل الله يهديه سبيلا سواء، ففتح كتاب الله فإذا هو بين يدي هذه الآية الكريمة: ( مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة:120)، فأطبق الكتاب مسرورا مستبشرا بهذه البشارة الإلهية، ومضى مسرعاً يجدُّ السَّير إلى كربلاء، فماذا يريد الإنسان المؤمن أكثر من ألاَّ يرفع قدما ويضع أخرى، إلا ويكتب الله له بذلك عملا صالحا، وهو مستلزم بطبيعة الحال للأجر والثواب، وثم يعدُّه الله من المحسنين؟، لكن أكثر ما لفت نظره في الآية الشريفة قوله تعالى: (وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً).

الإغاظة ودلالاتها

الإغاظة: مبدأ من مبادئ الحرب النفسية، مارسه الإنسان مع أعداءه وخصومه فطريا منذ أقدم العصور، وهو من الأساليب الناجحة في إشعار العدو بالخيبة والهزيمة والفشل.

والغيظ في اللغة : يعني الغضب الشديد، وهو كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه، وهي تعني عند ابن منظور: الغضب الكامن للعاجز، وهي مبدأ قرآني مارسه الله تعالى مع أعدائه، وأمر المؤمنين أن يمارسوها معهم، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (الفتح:29)، وقال: (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119).

والموطئ: هو الأرض التي توطئ بالأقدام، والآية الشريفة مطلقة لا تختص بنوع معين من الوطء، فكل خطوة يخطوها مؤمن سواء أكانت في طريق الجهاد في سبيل الله، أو في سبيل إحياء شعائر الله، أو لإقامة فريضة معينة، تعدُّ قرآنيا عملاً صالحاً يثاب عليه العبد، طالما كان ذلك العمل مما يغيظ الكفار والمنافقين، لوجود هذا الملاك - الإغاظة - في الجميع.

ومن المؤكد أن الجموع المليونية الزاحفة إلى كربلاء مشياً على الأقدام من داخل العراق وخارجه، تشعل النار في قلوب أعداء آل البيت (عليهم السلام) من كفار ومنافقين وتغيظهم وتشعرهم بالعجز، وأن أساليبهم الخبيثة التي مارسوها في سبيل إيقاف هذا المد الزاحف من القتل والتفجير والدعايات المغرضة، قد ذهبت أدراج الرياح (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) (الأحزاب:25). وهذه الممارسة (الإغاظة) بذاتها تعد عملاً صالحاً فضلا عما يناله الزائرون من الأجر والثواب على نفس الزيارة، خصوصاً إذا كان فيها تعب ومشقة، كما هو الشأن في الزيارة مشياً على الأقدام ومن أماكن بعيدة، فإن أفضل الأعمال أحمزها - أي أشدها مشقة -.

ومن هنا على الزائر أن يستحضر ما يمكن استحضاره من معان ونيات في هذه الممارسة العبادية، وسيثاب إن شاء الله بعدد تلك النيات، وإن كان العمل واحداً من باب تداخل المستحبات، فيمكن أن يقصد في مشيه الزيارة قربة الى الله، وأن يقصد فيه إغاظة الكافرين والمنافقين، وأن يقصد به حبس نفسه على الله بالعبادة طيلة الأيام التي يمشي فيها، بترك المعصية، والمداومة على الذكر من التحميد والتهليل والصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله).

النيل من العدو

نال من الشيء أو الشخص يعني أوقع به إصابة أو ضربة، وهي لا تختص بالأشياء المادية بل تتجاوزها الى الأمور المعنوية، فعندما يشتم شخص شخصا مثلا يقال نال منه، والآية الشريفة أعم من أن يكون النيل من العدو مادياً كأخذ أمواله، أو إيقاع ضربة عسكرية به، أو إيقاع ضربة نفسية به، بل لعل الضربة النفسية - أي تلك التي تؤلم النفس - أشد تأثيراً في العدو من سابقتيها.

ولا ضربة أشد ولا أقوى من حركة الجماهير إلى كربلاء، حيث تشعر أعداء الله ورسوله بالذل والهوان والهزيمة.

والخلاصة: لا تخلو شعيرة المشي إلى كربلاء في زيارة الأربعين، خصوصاً بهذه الأعداد المليونية، من إغاظة للكافرين تشحن صدورهم هما وألما، وهي ضربة شديدة توجهها الجماهير المؤمنة إلى صدور الكفار والمنافقين.

* عبد الهادي الطهمازي

2022/09/13

المشي إلى الحسين (ع) حافياً.. رسالة حزن عميقة
المشي حافياً في يوم عاشوراء أو غيره من الأيام في عزاء الإمام الحسين (عليه السَّلام) وسيلة معبّرة عن الحزن العميق على سيد الشهداء وأبي الأحرار (عليه السَّلام).

[اشترك]

ومن المؤكد أن الإنسان يُثاب على إظهاره الحزن في مثل يوم عاشوراء مواساة لأهل البيت (عليهم السلام)، لكن رغم ذلك ينبغي بصورة عامة وبالنسبة للشعائر الحسينية بصورة خاصة اختيار الوسيلة الأحسن والأفضل والأكثر تعبيراً وتأثيراً ومصلحة بحسب المكان والزمان دائماً، كما وينبغي أخذ ما تتطلبه الظروف الخاصة والمصالح والأهداف العامة بعين الاعتبار.

أما من حيث رجحان هذا الأمر فلقد ورد الحَثِّ عليه في الأحاديث التي رُويت عن الأئمة (عليهم السَّلام) بخصوص زيارة الامام الحسين (عليه السَّلام) ماشياً و حافياً مما يدل على رجحان المشي حافياً لدى الذهاب إلى حرم الامام الحسين (عليه السَّلام) سوى في حالة الزيارة أو العزاء و يدل عليه ما رُوِيَ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنَّهُ قَالَ: "مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) [مُحْتَسِباً] لَا أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا رِيَاءً وَ لَا سُمْعَةً مُحِّصَتْ ذُنُوبُهُ كَمَا يُمَحَّصُ الثَّوْبُ فِي الْمَاءِ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَنَسٌ، وَيُكْتَبُ لَهُ‏ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حِجَّةٌ، وَ كُلَّمَا رَفَعَ قَدَمَهُ عُمْرَةٌ"

وَعَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أيضاً أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الزَّائِرِ لِقَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السَّلام) فَقَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ فِي الْفُرَاتِ ثُمَّ مَشَى‏ إِلَى‏ قَبْرِ الْحُسَيْنِ‏ (عليه السَّلام) كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَ َضَعُهَا حَجَّةٌ مُتَقَبَّلَةٌ بِمَنَاسِكِهَا"

وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَيُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَلَمَةَ السَّرَّاجُ جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع ـ إلى أن قال ـ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَزُورَهُ ـ أي الحسين (عليه السَّلام) ـ فَكَيْفَ أَقُولُ، وَكَيْفَ أَصْنَعُ؟

قَالَ: "إِذَا أَتَيْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) فَاغْتَسِلْ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، ثُمَّ الْبَسْ ثِيَابَكَ الطَّاهِرَةَ، ثُمَّ امْشِ‏ حَافِياً، فَإِنَّكَ فِي حَرَمٍ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ وَحَرَمِ رَسُولِه‏"

2022/09/13