الخلوة بين الجنسين: ما حدودها وحكمها؟

من القضايا التي يدور النقاش حولها في هذه الأيام خصوصا في بلادنا، العلاقة بين الجنسين وحدودها أو ما يعبر عنه احيانا بالاختلاط والخلوة، والمقصود من الخلوة المحرمة: ألا يكون معهما ثالث من ذكر أو أنثى بحيث يحتشم جانبه، وأن يكونا بحيث يأمنان من دخول أحد عليهما، فإذا خيف وقوع الحرام حرمت.

وقد استدل بعض على حرمة الخلوة مطلقاً (أي عنوان الخلوة بغض النظر عن أدائها إلى الحرام) بما روي عن النبي أنه أخذ على النساء ألا يقعدن مع الرجال في الخلاء، وما ورد من أن: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم، وأنه: لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان.

وقد ضعّف غير واحد من الفقهاء الاستدلال المذكور بضعف أسانيد الروايات وبعدم دلالتها على حرمة نفس الخلوة بما هي موضوع، وإنما لكونها مقدمة لوقوع الحرام (من النظرة المحرمة إلى ما بعدها).

وقد ذكر السيد الخوئي ذلك قائلا: "بأنه يمكن أن يقال: إنه (حتى) لو ورد نص صريح في النهي عن الخلوة مع الأجنبية فلا موضوعية لها أيضاً، وإنما نهى عنها لكونها من المقدمات القريبة للزنا، فإن أهمية حفظ الأعراض في نظر الشارع المقدس تقتضي النهي عن الزنا وعن كل ما يؤدي إليه عرفا.

وأما الروايات المشتملة على أن إبليس لا يغيب عن الإنسان في مواضع منها موضع خلوة الرجل مع امرأة أجنبية، فإن المستفاد منها أن الشيطان يقظان في تلك المواضع يجر الناس إلى الحرام، فلا دلالة فيها على المدعى.

وعلى الجملة فلا دليل على حرمة الخلوة بما هي خلوة، وإنما النهي عنها للمقدمية فقط "[1]. وانتهى إلى حرمة الاختلاء بالأجنبية إذا لم يؤمن الوقوع في الحرام . ومثله فقهاء[2]آخرون[3]، بينما ذهب غيره إلى حرمة الخلوة مطلقا[4] ـ أو هكذا يظهر من فتاواهم[5] ـ .

إن الظروف المحيطة بالخلوة تعين أنها مما يحتمل معه وقوع الحرام، أو يسعى فيها أحد الطرفين إلى الحرام، أو لا.

ولعل قصة النبي يوسف التي فصلها القرآن الكريم، فيها إشارة إلى هذا المعنى حيث أن زليخا قد ( َغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ )[6] ، وكان الغرض من وراء هذه الخلوة معلوما من جهة زليخا، إلا أن النبي الكريم يوسف قد استعصم، ولا فرق في مضمون اللقاء بين غير المتماثلين واختلائهما، فما يقوم به بعض من تدريس خصوصي للمواد الدراسية، أو تدريس ديني للعقائد والمسائل الشرعية إذا تحقق فيه عنوان الخلوة، وكان لا يؤمن معها الوقوع في الحرام، فلا يجوز ذلك، ولا يبرره أننا نقوم بهذا العمل خيريا كان أو تجاريا، وأن مضمونه ديني أو غير ديني.

ومما سبق يعلم أن بعض الحالات لا ينطبق عليها عنوان الخلوة، مثل كون رجل وامرأة في سيارة في وسط المدينة أو في الشوارع المزدحمة، فهذه ليست محرمة لأنها لا تعتبر خلوة.

ومثل ذلك ما إذا كانا في مكتب عمل وقت الدوام الرسمي، وكانا بحيث يمكن أن يدخل عليهما المراجعون، فهذه لا يصدق عليها عنوان الخلوة.

وقد يكونان في صف دراسي أو مكتب عمل، أو في منزل ولا يكون معهما أحد ولكنهما يأمنان على نفسيهما من الوقوع في الحرام، إما لجهة شخصية في نفسيهما، أو لجهة أخرى.

فهذه وإن صدق عليها عنوان الخلوة، إلا أنهما لما كانا مأمونين من الوقوع في الحرام (ولو بمقدار النظرة المحرمة) فإنها غير محرمة[7] لهذه الجهة.

ولعل الفتاوى المجوزة في الهامش تشير إلى إحدى الجهتين هاتين. وربما يكون المانعون عن الخلوة مطلقاً ناظرين إلى الحالات الاجتماعية الكثيرة التي تسببت فيها الخلوات بمشاكل ومآس.

الهوامش:

[1] مصباح الفقاهة - السيد الخوئي - ج 1 - ص 345 - 350

[2] كالسيد صادق الروحاني في فقه الصادق ج 14

[3] كالسيد السيستاني الذي أجيب في موقعه sistani.org على الأسئلة التالية بأجوبة تناسب ما في المتن : 1 السؤال: هل الخلوة في البيت مع أجنبية مثل الخادمة أو زوجة الأخ، الخال و... حرام؟ الجواب: يجوز مع اليقين بعدم الوقوع في الحرام 2 السؤال: ما الحكم إذا كانت الخلوة مع الاطمئنان بعدم الوقوع في الحرام؟ الجواب: يجوز 3 السؤال: أنا رجل متزوج و أملك سيارة ولدي سائق خاص فهل تستطيع زوجتي الذهاب لوحدها مع السائق؟ الجواب: لا بأس مع الأمن من الوقوع في الحرام والأولی ان ی?ون معهما ثالث . 4 السؤال: هل یجوز للمرأة ان تتعلم قیادة السیارة عند الرجل الأجنبي بحیث یذهبان معاً منفردین بالسیارة في الأماكن الصالحة لتدریب والتعلیم؟ الجواب: لا یجوز ذلك مع عدم الأمن من الفساد. 5 السؤال: أنا موظف في شركة وتوجد معي موظفة في نفس المكتب وفي كثير من الأحيان لا يوجد احد فهل يجوز ذلك ؟ الجواب: لا يجوز إذا لم تأمن الوقوع في الحرام . 6 السؤال: هل یجوز جلوس المرأة في المقعد الأمامي بجانب اخ الزوج لغرض توصیلها لمكان ما ؟ الجواب: لا یجوز مع عدم الأمن من الحرام .

[4] كما يظهر من استدلال الشيخ المنتظري في كتابه : دراسات في المكاسب المحرمة ج 2 .

[5] كالسيد صادق الشيرازي ـ كما يظهر من إجابات أسئلة في موقعه ـ : ـ هل يجوز دخول المرأة الأجنبية على طبيب الأطفال في غرفته مع طفلها، وهل يعتبر من الخلوة المحرمة؟ * إذا كان الطفل مميّزاً، أو أمكن دخول شخص ثالث في الغرفة بدون علم الاثنين جاز، وليس من الخلوة المحرّمة، وإلاّ كانت محرّمة. ـ هل يجوز السكن مع الأجنبية في منزلها مع وجود ابنها من أجل تعلّم اللغة معهم؟ * يجوز إذا لم تحدث خلوة ولو للحظة بنوم الابن، أو خروجه ونحوهما. ـ هل يجوز لأخت زوجتي بأن تجلس بالمقعد الأمامي في السيارة أي بجانبي بدون وجود شخص آخر؟ * إذا صدق الخلوة بالأجنبية فلا يجوز، نعم في مثل المدن مما لا تصدق الخلوة يجوز إذا لم يحصل تماس وملامسة بينكم، ولا تهيّج ولا إثارة عندكم. ـ هل يجوز للفتاة أن تدخل وحدها أي منفردة على أستاذها في مكتبه للسؤال عن الدراسة وما شابه. أيجب أن تكون معها رفيقة؟ * إن كان يوجد مع الأستاذ غيره، أو كان الباب مفتوحاً بحيث يستطيع أحد الدخول بلا إذن عليه، جاز. وإلاّ وجب أن يكون معها غيرها من الطالبات أيضاً.

[6] يوسف: من الآية 23

[7] على الرأي القائل بعدم حرمة الخلوة مع الأمن من الوقوع في الحرام.