ما لا تعرفه عن "تربة كربلاء"

 

لقد أولى الدين الحنيف بعض الأراضي جملة من الخصائص والمميزات، حيث إعتبرها مثالاً للقدسية والطهارة، فعلى سبيل المثال جعل مكة المكرمة مكان بيته العتيق وجعلها محل قاصديه ومهوى أفئدتهم، ولها أحكامها الشرعية الخاصة، وكذلك هو حال المدينة المنورة حيث جعلها مدفن رسوله (صلى الله عليه واله) ودار هجرته ومحل نزول الذكر الحكيم والدعوة إليه تعالى، وقس ذلك على بقعة الكوفة ووادي الغري ومالهما من مميزات فضلت بها على سائر البقاع، ولكن يبدو الأمر مختلفاً مع البقعة المباركة لأرض كربلاء، حيث دلت النصوص أن لهذه البقعة جملة من الخصوصيات غير موجودة في غيرها، وسنذكر ذلك تباعاً:

1 ـ دلت النصوص عند الفريقين أن تراب هذه البقعة قد تحول الى دم عبيط بسبب مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) على أرضها، ففي الأمالي للشيخ الطوسي ص314 قال:

"عن عبد الله بن عباس، قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، فخرجت يتوجه بن قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء، فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين ؟ فلم تجبني، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت: يا بنات عبد المطلب اسعدنني وابكين معي، فقد والله قتل سيدكن وسيد شباب أهل الجنة، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين. فقيل: يا أم المؤمنين، ومن أين علمت ذلك ؟ قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام الساعة شعثا مذعورا، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم، قالت: فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء، فقال: إذا صارت هذه التربة دما فقد قتل ابنك، وأعطانيها النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: اجعلني هذه التربة في زجاجة - أو قال: في قارورة - ولتكن عندك، فإذا صارت دما عبيطا فقد قتل الحسين، فرأيت القارورة الان وقد صارت دما عبيطا تفور. قال: وأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتما ومناحة على الحسين (عليه السلام)، فجاءت الركبان بخبره، وأنه قتل في ذلك اليوم".

2ـ مجموعة كبيرة من سكان هذه الأرض المباركة يدخلون الجنة من غير حساب، قال الهيثمي (في مجمع الزوائد 9: 191)

عن أبي هرثمة قال: كنت مع علي رضي الله عنه بنهر كربلاء، فمر بشجرة تحتها بعر غزلان، فأخذ منه قبضة فشمها، ثم قال: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا، يدخلون الجنة بغير حساب. رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

3 ـ إستحباب السجود على أرضها، ورد في مصباح المتهجد 734 للشيخ الطوسي:

روى معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (الصادق)عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه، ثم قال عليه السلام: السجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام يخرق الحجب السبع.

ومعنى أنها تخرق الحجب السبع، هي عبارة أخرى عن قبول صلاة من يصلي عليها ورفع تلك الصلاة الى السماء، كما صرح بذلك العلامة المجلسي في بحار الانوار، حيث قال: (خرق الحجب كناية عن قبول الصلاة ورفعها إلى السماء ) راجع بحار الانوار: ج82 :15

4 ـ أكل شيء من طينها، من المعلوم أن أكل الطين يعتبر من المحرمات في الشريعة، ولكن لطين تربة كربلاء استثناء من هذه القاعدة، حيث دلت جملة من النصوص ـ التي أدعي تواترها ـ جواز أكل مقدار صغير من ذلك الطين بغرض الإستشفاء.

سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الطين ؟ فقال: (أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين الحائر [ قبر الحسين ]، فإن فيه شفاء من كل داء، وأمنا من كل خوف).

ولكن هناك شروط لتناول هذه الطينة المباركة:

أ- لا بد أن يكون حجم الطين المراد أكله حجم الحمصة المتوسطة الحجم

ب- أن يكون التناول بنية الإستشفاء وإلا فالأكل حرام، روى حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: (من أكل من طين قبر الحسين (عليه السلام) غير مستشف به، فكأنما أكل من لحومنا).

 

ج- أن يكون المستشفي عارفاً بقدر سيد الشهداء (عليه السلام) ومنزلته وإلا فلا تؤدي التربة غرضها، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخف به حتى ان بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار أو في وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق فكيف يستشفي به من هذه حاله عنده؟).