تاريخ
هل حقاً لطموا ’خد الزهراء’ (ع)؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

لَقَدْ ثَبَتَتْ مَظْلُومِيَّةُ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) فِي أَغْلَبِ تَفَاصِيلِهَا مِنْ حَيْثُ غَصْبُ فَدَكٍ، وَالهُجُومُ عَلَى دَارِهَا، وَحَرْقُهَا، وَكَسْرُ ضِلْعِهَا، وَإِسْقَاطُ جَنَيْنِهَا، بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَمُعْتَبَرَةٍ فِي كُتُبِ الفَرِيقَيْنِ مَعًا وَبِالنِّسْبَةِ لِمَوْضُوعِ ضَرْبِهَا وَلَطْمِ خَدِّهَا فَقَدْ وَرَدَ بِأَسَانِيدَ بَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ مِنْ طُرُقِنَا، نَذْكُرُ مِنْهَا:

1 -  مَا جَاءَ فِي "الأمَالِي" لِلشَّيْخِ الصَّدُوقِ ص 197: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارِ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِي، عَنْ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ البَطَائِنيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَيْرةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَ) قَالَ:

بَينا أَنَا، وَفَاطِمَةُ، وَالحَسَنُ، وَالحُسَيْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (ص) إِذْ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَبَكَى، فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

قَالَ: (أَبْكِي مِنْ ضَرْبَتِكَ عَلَى القَرْنِ، وَلَطْمِ فَاطِمَةَ خَدَّهَا). انْتَهَى.

وَقَدْ وَصَفَ العَلَّامَةُ المَجْلِسِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) إِسْنَادَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ، فَرَاجِعْ "جَلَاءَ العُيُونِ"، ج 1 ص 189.

2 - مَا رَوَاهُ ابْنُ قَوْلَوَيْهٍ فِي "كَامِل الزِّيَارَاتِ" بِسَنَدِهِ عَنْ حَمَّادَ بْنِ عُثمَانَ عَنْ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ (فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ): لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَى السَّمَاءِ قِيلَ لَهُ: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَخْتَبِرُكَ فِي ثَلَاثٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُكَ... وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَمَا يُلْقِي أَهْلُ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ القَتْلِ، أمَّا أَخُوكَ عَلِيٌّ فَيُلْقِي مِنْ أُمَّتِكَ الشَّتْمَ، وَالتَّعْنِيفَ، وَالتَّوْبِيخَ، وَالحِرْمَانَ، وَالجَحْدَ، وَالظُّلْمَ، وَآخِرُ ذَلِكَ القَتْلُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ قَبِلْتُ وَرَضِيتُ وَمِنْكَ التَّوْفِيقُ وَالصَّبْرُ. وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَتُظْلَمُ وَتُحْرَمُ وَيُؤْخَذُ حَقُّهَا غَصْبًا الَّذِي تَجْعَلُهُ لَهَا، وَتُضْرَبُ وَهِيَ حَامِلٌ، وَيُدْخَلُ عَلَيْهَا وَعَلَى حَرِيمِهَا وَمَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، ثُمَّ يَمَسُّهَا هَوَانٌ وَذِلٌّ ثُمَّ لَا تَجِدُ مَانِعًا، وَتَطْرَحُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الضَّرْبِ وَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ. انْتَهَى.

  3- وَجَاءَ عَنْ السَّيِّدِ ابْنِ طَاوُوسٍ فِي "زَوَائِدِ الفَوَائِدِ"، وَعَنْ كِتَابِ "المُخْتَصَرِ" لِلشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ خَطِّ عَلِيِّ بْنِ مُظَاهِرٍ الوَاسِطيِّ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ العَلَاءِ الهَمَدَانيِّ الوَاسِطِيِّ.

 ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ "المُخْتَصَرِ"، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ طَيٍّ، وَفِيهِ:

إِنَّ ابْنَ أَبِي العَلَاءِ الهَمَدَانيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حويجٍ تَنَازَعَا فِي أَمْرِ ابْنِ الخَطَّابِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ صَاحِبِ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِيِّ، فَرَوَى لَهُمْ عَنْ الإِمَامِ العَسْكَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ (ع): أَنَّ حُذَيْفَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ (ص) حَدِيثًا مُطَوَّلًا يُخْبِرُ النَّبِيُّ (ص) فِيهِ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ عَنْ أُمُورٍ سَتَجْرِي بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ وَهُوَ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى تَصْدِيقَ مَا سَمِعَهُ:

 (.. وَحُرِّفَ القُرْآنُ، وَأُحْرِقَ بَيْتُ الوَحْيِ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَلُطِمَ وَجْهُ الزَّكِيَّةِ). انْتَهَى [بِحَارُ الأَنْوَارِ: ج 95 ص 351 وَ 353 وَ 354 وَ ج 31 ص 126، وَعَنْ المُخْتَصَرِ لِلشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ: ص 44 - 55 (كَمَا فِي هَامِشِ البِحَارِ) وَذَكَرَ فِي الهَامِشِ أَيْضًا: أَنَّ الطَّبَرِيَّ قَدْ رَوَاهُ فِي دَلَائِلِ الإمَامَةِ، فِي الفَصْلِ المُتَعَلِّقِ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (ع)، وَرَوَاهُ الشَّيْخُ هَاشِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (مِنْ عُلَمَاءِ القَرْنِ السَّادِسِ) فِي كِتَابِ "مِصْبَاحِ الأَنْوَارِ". وَالجَزَائِرِيُّ فِي الأَنْوَارِ النَّعْمَانِيَّةِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، فَرَاجِعْ مَأْسَاةَ الزَّهْرَاءِ (ع) ج2 ص 73].

4- وَيَشْهَدُ لِاشْتِهَارِ هَذَا الأَمْرِ مِنْ ضَرْبِ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) مَا أَنْشَدَهُ السَّيِّدُ الحِمَيرِيُّ، وَهُوَ المُعَاصِرُ لِلإِمَامَيْنِ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) حَيْثُ قَالَ فِي شِعْرٍ لَهُ:

  ضُرِبَتْ وَاهْتُضِمَتْ مِنْ حَقِّهَا.. وَأُذِيقَتْ بَعْدَهُ طَعْمَ السّلعِ

  قَطَعَ اللهُ يَدَيْ ضَارِبِهَا.. وَيَدَ الرَّاضِي بِذَاكَ المتبعِ

  لَا عَفَى اللهُ لَهُ وَلَا.. كَفَّ عَنْهُ هَوْلَ يَوْمِ المُطَّلَعِ

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام: https://t.me/The12ImamsWeb


المصدر: مركز الرصد العقائدي

2021/01/17

الهجوم على دار ’فاطمة’.. عسكر ونار لمبايعة ’الحاكم’! (فيديو)

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

ما جرى على فاطمة الزهراء عليها السلام لم يكن حدثاً عابراً.. لم يكن مجرد قصة للسرد، وإنما هناك دلالات كثيرة ورسائل عدة تكمن خلفه.

[اشترك]

للنظر إلى هذه الحادثة من زاوية سياسية صرفة بعيداً عما تحمله من أبعاد عقائدية ونطرح السؤال التالي:

هل من الصحيح مهاجمة دار أي إنسان لم يبايع دون أن يقود تمرداً أو يبدي معارضة بقوة عسكرية وإضرام النار على داره؟!

تفصيل أكثر في الفيديو أدناه لسماحة الشيخ فوزي آل سيف:

 

2021/01/17

لماذا أُخفي قبر الزهراء (ع)؟

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

الأمّة الوفيّة تلبس رداء العزاء .. مقتطف من بيان المرجع شبيري الزنجاني بمناسبة الأيام الفاطمية

سيدة مطهّرة حوّلت ضربةٌ دنيئة ربيع عمرها إلى خريف ومزقت زهرة وجودها تمزيقا، ووُريَت الثرى ليلا بعيدا عن أعين الأشرار ومغتصبي الحق الإلهي لأهل البيت عليهم السلام، وصار حزن فراقها أبديا في قلب المولى، وصارت ليالي ذلك الفتى الشجاع حزينة لا سحر لها.

ولا عجب أن يكون في سُنّة الباري تعالى كلّ تلك المصائب فالبلاء والابتلاء ميراث الأنبياء، والصبر في الامتحان الإلهي نهج الأوصياء “إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ”.

في ساحة الابتلاء تلك كان هناك قومٌ حملوا اسم أمّة الرسول وتفاخروا بهذا الاسم ولكنهم سقطوا في هذا الامتحان أشدّ ما يكون السقوط، حتى أنّ السيد الوصي خاطب السيد النبي راثياً: سَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ..

حقاً كيف يمكن التصديق أنّ ابنة النبي الخاتم بعد فترة وجيزة من ارتحال سيد العالَمَين تقول بحزن مجيبة أم سلمة حين سألتها عن حالها: أصبحت بين كمد وكرب: فقد النبيّ وظلم الوصي، هُتك والله حجابه.

وهنا يختار مسلمو الأمس الجلوس صامتين.

لا ليس في هذا عجب أيضاً فصفة الدنيا وديدنها أنّ الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم؛ فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الدّيانون.

ونحن اليوم ورثة عالم من الحزن والجزع، ونحن من يقع على عاتقنا تكريم وصون كلّ ذلك الشرف وكلّ تلك الكرامات.

لزاماً علينا العمل بالأوامر الإلهية والفرامين النبوية والتعاليم الولائية لنصون بذلك حرمة مقام الرسالة وبيت النبوة، ونمجّد اسم الشيعة المقدس، ونظهر من أنفسنا من الخُلق والعمل ما يليق بهذا الاسم، ونسير في طريق رضا الحق سبحانه راجين شفاعة الأولياء الأطهار.

وإنّ تعظيم الشعائر الإلهية، وإحياء ذكر المعصومين الأطهار هي إحدى تلك الواجبات التي يبدأ بها سجل عمل وسلوك أتباع أئمة الهدى علیهم السلام….

اختفاء قبرها من الآيات البينات[1]

هناك مصلحة كامنة في اختفاء قبر السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وفي عدم تحديد يوم استشهادها، وهو خير دليل على مظلوميتها عليها السلام.

إن المصلحة تحتم أحيانا عدم إيضاح بعض الأمور وتحديدها، ومن هذه الأمور عدم تحديد ليلة معينة لليلة القدر، ولما كان في هذا الأمر مصلحة كبيرة، لم يبادر أئمتنا عليهم السلام إلى تبيين الأمر وتحديد ليلة معينة لتكون ليلة القدر دون سواها. الأمر كذلك في اختفاء قبر السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وعدم تحديد تاريخ استشهادها لما فيه من مصلحة كامنة تمثل مظلوميتها عليها السلام فتكاد تكون آية بينة يجب الحفاظ عليها. ومن الآيات البينات حجر الأسود، طبقا لبعض الروايات. كما إن اختفاء قبر الزهراء سلام الله عليها، يعتبر آية بينة.

المصدر: موقع الاجتهاد

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام: https://t.me/The12ImamsWeb


[1] (مقطع صوتي لدرس خارج الفقه للمرجع الشبيري الزنجاني،درس خارج الفقه/كتاب الخمس، الأحد 13 جمادي الأولى 1416)

2021/01/16

سؤال محيّر: لماذا قتل الخضر الغلام؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

لَقَدْ أَجَابَ الخِضْرُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَفْسُهُ عَلَى هذا السؤال فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) الكَهْفُ: 80 وَ 81.

قَدْ يقال - وَرُبَّمَا هَذَا هُوَ مَحَلُّ الحَيْرَةِ عِنْدَكَ -: إِنَّ هَذَا الغُلَامَ لَمْ يَبْدُرْ مِنْهُ شَيْئًا لِحَدِّ الآنَ، وَإِنَّمَا عُوقِبَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ قَدْ يَصْدُرُ عَنْهُ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟!!

إن المُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِ الآيَاتِ فِي الحَادِثَةِ أَنَّ هَذَا الغُلَامَ كَانَ بَالِغًا وَلَمْ يَكُنْ صَبِيًّا صَغِيرًا كَمَا قَدْ يُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ، وَالدَّلِيلُ هُوَ قَوْلُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِلخِضْرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حِينَ قَتَلَ الغُلَامَ: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) الكَهْفُ:74، فَمِثْلُ هَذَا الخِطَابِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِ البَالِغِ; لِأَنَّ غَيْرَ البَالِغِ لَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ: أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا فَلِمَاذَا قَتَلْتَهُ، بَلْ هَذَا الكَلَامُ يَصِحُّ فِي حَقِّ البَالِغِ فَقَطْ، فَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: لِمَ قَتَلْتَهُ وَهُوَ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا؟!!

وَأَمَّا الصَّبِيُّ غَيْرُ البَالِغِ فَالكَلَامُ المُنَاسِبُ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: لِمَاذَا قَتَلْتَ نَفْسَا بَرِيئَةً لَا تُؤَاخَذُ عَلَى ذَنْبٍ؟!!

قَدْ تَقُولُ: إِنَّ كَلِمَةَ (الغُلَامِ) يُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا، وَهَذَا هُوَ المُتَعَارَفُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ؟

قُلْنَا: المُتَابِعُ لِاسْتِعْمَالَاتِ الكَلِمَةِ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، يَجِدُ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الرِّجَالِ أَيْضًا، فَيُقَالُ: فُلَانٌ مِنْ غِلْمَانِ فُلَانٍ، وَالإِسْتِعْمَالُ أَعَمُّ مِنَ الحَقِيقَةِ وَالمَجَازِ.

وَلَوْ سَلَّمْنَا بِأَنَّ كَلِمَةَ (غُلَامٍ) هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الصَّبِيِّ، إِلَّا أَنَّ القَرِينَةَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا تَصْرِفُهَا عَنْ هَذَا الظُّهُورِ فَيَكُونُ المُرَادُ بِهَا شَابًّا بَالِغًا.

فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا بِأَنَّ هَذَا الغُلَامَ كَانَ شَابًّا، وَالآيَةُ الكَرِيمَةُ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ، فَيَكُونُ الخِضْرُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَدْ قَتَلَهُ لِكُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ، الَّذِي خَشِيَ أَنْ يُرْهِقَ - هَذَا الكُفْرُ وَالطُّغْيَانُ - الأَبَوَيْنِ المُؤْمِنَيْنِ، وَمَعَهُ يَرْتَفِعُ الإِشْكَالُ فِي عِلَّةِ قَتْلِهِ; وَهُوَ الأَمْرُ الَّذِي كَانَ مَخْفِيًّا عَنْ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أَيْ كَانَ مُوسَى لَا يَعْرِفُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الشَّابِّ الكَافِرَةِ وَالطَّاغِيَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ ظَوَاهِرِ الأَشْيَاءِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الخِضْرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّذِي مَنَحَهُ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عِلْمَ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ مَعًا وَكَانَ يَعْمَلُ وِفْقَ العِلْمِ المَذْكُورِ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ.

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام: https://t.me/The12ImamsWeb


المصدر: مركز الرصد العقائدي

2021/01/13

الله خاطبه بـ ’قل لأزواجك وبناتك’: هل كان للنبي (ص) بنات غير فاطمة (ع)؟

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

لقد كثر التساؤل في الآونة الأخيرة حول زينب ورقية وأم كلثوم، هل هن بنات رسول الله صلى الله عليه وآله، أو أنهن كن ربائبه، لأنهن بنات زوجته خديجة من زوجين سابقين، أو أنهن بنات أخت خديجة التي اسمها: (هالة)، إلا أن خديجة عليه السلام تولت تربيتهن بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعد وفاة أختها هالة.

ولبيان هذا الأمر نقول: إن المعروف المشهور شهرة عظيمة بين علماء الشيعة الإمامية والمجمع عليه عند غيرهم هو أن زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله، وبهذا تضافرت كلمات أعلام الطائفة.

قال الشيخ المفيد قدس سره في أجوبة المسائل العكبرية (المسألة الخمسين)، ص 120 في جواب سؤال حول زينب ورقية، هل هما ابنتا رسول الله صلى الله عليه وآله أو ربيبتاه، فأجاب قدس سره بقوله: والجواب أن زينب ورقية كانتا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله، والمخالف لذلك شاذ بخلافه.

وقال الكليني قدس سره: وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة، فولد له منها قبل مبعثه عليه السلام: القاسم، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث: الطيب والطاهر وفاطمة. وروي أيضاً: أنه لم يولد بعد المبعث إلا فاطمة عليها السلام، وأن الطيب والطاهر وُلدا قبل مبعثه. (الكافي 1/439).

وقال الشيخ الطبرسي قدس سره: فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد وهو الطيب الطاهر، وولدت له القاسم، وقيل: إن القاسم أكبر، وهو بكره، وبه كان يُكنَّى، والناس يغلطون فيقولون: وُلد له منها أربع بنين: القاسم، وعبد الله، والطيب، والطاهر، وإنما وُلد له منها ابنان وأربع بنات: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. (إعلام الورى بأعلام الهدى، ص 146).

وقال ابن شهراشوب قدس سره: أولاده: وُلد من خديجة: القاسم، وعبد الله، وهما الطاهر، والطيب، وأربع بنات: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وهي آمنة، وفاطمة، وهي أم أبيها. ولم يكن له ولد من غيرها إلا إبراهيم من مارية، وُلد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم، ويقال: ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة، ومات بها وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، وقبره بالبقيع. (مناقب آل أبي طالب 1/140).

وقال المحقق التستري رحمة الله عليه: ثم لا ريب في أن زينب ورقية كانتا ابنتي النبي صلى الله عليه وآله. (قاموس الرجال 9/450).

وقد ذكر المامقاني قدس سره في كتابه تنقيح المقال كلاماً جيداً في هذه المسألة في ترجمة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، لا بأس بذكره. قال قدس سره: وللسيد أبي القاسم العلوي الكوفي في (الاستغاثة في بدع الثلاثة) كلام طويل، أصرَّ فيه على أن زينب التي كانت تحت أبي العاص بن الربيع، ورقية التي كانت تحت عثمان، ليستا بنتيه صلى الله عليه وآله، بل ربيبتاه، ولم يأت إلا بما زعمه برهاناً، حاصله: عدم تعقل كون رسول الله صلى الله عليه وآله قبل البعثة على دين الجاهلية، بل كان في زمن الجاهلية على دين يرتضيه الله من غير دين الجاهلية، وحينئذ فيكون محالاً أن يزوج ابنته من كافر، من غير ضرورة دعت إلى ذلك، وهو مخالف لهم في دينهم، عارف بمكرهم وإلحادهم، ثم أخذ في نقل ما يقضي بوجود بنتين لأخت خديجة من أمها، اسمهما زينب، ورقية، وأنهما اللتان كانتا تحت أبي العاص وعثمان، وهذا لب كلامه، تركنا نقله لطوله، وهو وإن أتعب نفسه إلا أنه لم يأت بما يغني عن تكلف النظر والثبوت، وأنه كبيت العنكبوت.

أما أولاً: فلأنه يشبه الاجتهاد في قبال النصوص من الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أئمتنا عليهم السلام.

وأما ثانياً: فلأنا وإن كنا نسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن في زمان الجاهلية على دين الجاهلية، بل على دين يرتضيه الله تعالى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن مشرعاً، بل كل حكم كان ينزل عليه كان يلتزم به تمام الالتزام، ولم يكن يخترع من قبل نفسه حكماً، والأحكام كانت تنزل تدريجاً، وعند تزويجه زينب ورقية لم يكن الكفاءة في الإيمان شرطاً، فزوج بنتيه من الرجلين تزويجاً صحيحاً شرعاً في ذلك الزمان، ثم لما أنزل الله تعالى قوله: (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) فرَّق بين أبي العاص وبين زينب، ولو كانت الكفاءة في الإسلام شرطاً قبل ذلك لما أنزل الله سبحانه الآية، فما ذكره لا وجه له.

وأما ثالثاً: فلأنه لا شبهة في كون زينب ورقية اللتين تحت أبي العاص وعثمان مسلمتين، كما لا شبهة في كون تزويجهما من رسول الله صلى الله عليه وآله، وبإذنه وبإجازته، فلا يفرق الحال بين أن تكونا بنتيه أو ربيبتيه، أو بنتي أخت خديجة من أمها، أو غير ذلك؛ لاشتراك الجميع فيما جعله علة للإنكار، فما ذكره ساقط بلا شبهة، وإنما أجملنا الكلام في ذلك لعدم كون وضع الكتاب لتحقيق مثل ذلك، وإنما ألجأتنا إطالة صاحب التكملة بنقل كلمات صاحب الاستغاثة وغيره إلى هذا الإجمال؛ لئلا تغتر بذلك المقال إن عثرت عليه. (تنقيح المقال 3/79).

ويدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان عنده عدة بنات قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59).

مضافاً إلى أن الأنساب إنما تثبت بالشهرة، والشهرة حاصلة في المقام، وقد اطلعت على ما كتبه بعض فضلاء الشيعة في الاستدلال على أن زينب، ورقية، وأم كلثوم، لم يكنَّ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وإثبات أنهن ربائبه، فلم أجد الأدلة التي ذكروها تامة، بل كلها عندي ضعيفة، متكلفة، كتبت بنتائج مسبقة، والله العالم.

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام: https://t.me/The12ImamsWeb

2021/01/12

المرجع الخراساني ينفجر بـ ’البكاء’: ضلع مكسور وعضد متورم وقبر مخفي (فيديو)

ينشر "موقع الأئمة الاثني عشر" تسجيلاً فيديوياً لسماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني، دام ظله، وهو يسرد تفاصيل الفاجعة الأليمة التي انهت حياة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.

ويظهر الفيديو، أن المرجع الوحيد الخراساني لم يتمالك نفسه عندما تطرق إلى حادثة "كسر ضلع الزهراء عليها السلام" وانفجر بالبكاء مع جمع غفير من طلبة العلم.

واعتبر أن تضعيف الشعائر الفاطمية هو تضعيف للمذهب وجفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله.

المزيد من التفاصيل في الفيديو أدناه:

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام:
 https://t.me/The12ImamsWeb

 
2020/12/29

موقع الأئمة الاثني عشر ينشر تسجيلاً صوتياً جديداً لـ ’وكيل السيد السيستاني’ (فيديو)

حصل موقع الأئمة الاثني عشر، الاثنين، (28 كانون الأول، 2020) على تسجيل صوتي "جديد" للسيد أحمد الصافي، وكيل المرجع الأعلى للشيعة سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله).

وتطرق سماحة السيد الصافي في جانب من حديثه إلى هموم المبلغين واستشهد بما تعرّض له الأنبياء عليهم السلام ومنهم نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله الذي أوذي في حياته، وبعد شهادته أيضا في أهل بيته عليهم السلام.

أدناه التسجيل كاملاً:

2020/12/28

فاطمة.. ’الملائكة’ تحدّثها و ’القوم’ يقتلونها!

في زيارة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وردت هذه الفقرة: "السلام عليكِ أيَّتها المحدَّثة العليمة".. فماذا يعني وصف الـ "المحدّثة"؟

كانت السيدة فاطمة (ع) محدَّثة أي كانت تُحدِّثها الملائكة، وقد نصَّت على ذلك رواياتٌ كثيرة من طرقنا تفوق حدَّ الاستفاضة، وذلك ما يُوجب الاطمئنان بصدورها، هذا مضاف إلى أنَّ بعض هذه الروايات معتبر سندًا.

فمن هذه الروايات ما رواه الطبري في دلائل الإمامة بسنده عن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "سُمِّيت فاطمة محدَّثة لأنَّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تُنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنَّ الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربِّك .. وتُحدِّثهم ويُحدِّثونها .."(1).

ومنها: ما ورد في كتاب الكافي للكليني بسندٍ معتبر عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) ورد فيه ".. إنَّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يومًا وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (ع) يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها، ويُطيِّب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليٌّ (ع) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (ع)"(2).

وليس حديث الملائكة لفاطمة (ع) بدعًا في تاريخ الرسالات، فثمة نساء حدَّثتهُنَّ الملائكة رغم عدم كونهنَّ أنبياء، وقد نصَّ القرآن الكريم على ذلك.

فالسيدة مريم (ع) لم تكن من الأنبياء ورغم ذلك ورد في آياتٍ عديدة أن الملائكة كانت تحدثها.

فمن هذه الآيات قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)(3)، وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ ..)(4).

وكذلك زوجة إبراهيم الخليل (ع) أفادت بعض الآيات أنَّ الملائكة حدَّثتها، قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا .. وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ / قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ / قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)(5).

فالآية المباركة صريحة في أنَّ الملائكة حَدَّثت زوجة إبراهيم (ع) وبشروها بإسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب، أي أنَّهم أخبروها بأمرٍ هو في مكنون الغيب، ولمَّا استعظمت ذلك نظرًا لتقَدُّم سنِّها وشيخوخة زوجها إبراهيم (ع) أجابوها بأنَّ ذلك من أمر الله تعالى الذي لا يمنع منه شيء، وأنَّ ذلك من فيضه ورحمته التي خَصَّ بها أهل هذا البيت. فهو الحميد الذي يُفيض محامده على مَن يشاء خصوصًا على مَن أخلص له وكان من الدعاة إليه.

فالآية المباركة تُعبِّر بجلاء أنَّ السيدة سارة زوجة ابراهيم (ع) كانت تُحدِّثهم وكان ملائكة الله يحدِّثونها.

فإذا كان هذا شأن زوجة إبراهيم (ع) فلماذا نستكثرُ على السيِّدة فاطمة (ع) هذا المقام السامي بعد أنْ وصفها رسولُ الله (ص) في موارد عديدة كما نصَّ على ذلك الفريقان بأنَّها سيدةُ نساء العالمين وأنَّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها، وقد جعل مودَّتها أجرًا لرسالة نبيِّه (ص) وكانت فيمن باهَلَ بهم نبيُّه (ص) نصارى نجران وكانت فيمَن مدحهم الله تعالى في سورة الإنسان في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا / وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا / إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا / إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا / فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا / وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا .. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا)(6).

وقد كانت بإجماع المسلمين فيمَن نزلت فيهم آيةُ التطهير وهي قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(7).

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام:
 https://t.me/The12ImamsWeb


الهوامش:

1- دلائل الامامة -محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص 80.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج 1 ص 241.

3- سورة آل عمران / 45.

4- سورة آل عمران / 42.

5- سورة هود / 69-73.

6- سورة الإنسان / 7-22.

7- سورة الأحزاب / 33.

2020/12/28

قبل الإسلام: هل شرعت الأديان الأخرى ’الحجاب’ ؟!
هل الامر بارتداء النساء اللبس المحتشم الساتر وتغطية الجسم والشعر ماعدا الوجه والكفين ورد في الاديان السماوية التي سبقت الاسلام؟ وهل يوجد ادلة نقلية وعقلية تثبت او تنفي ذلك؟ الحجاب في الكتب القديمة:

إن المراجع للكتابين اللذين يقال لهما: العهد القديم، والعهد الجديد، أي ما يسمى ب‍ «التوراة» و «الإنجيل»، يجد فيهما نصوصاً تؤكد على الحجاب، فلاحظ ما يلي:

أولاً: العهد القديم «التوراة»: فمن النصوص الواردة فيما يسمى بالتوراة، أو العهد القديم، ما يلي:

ألف: «قالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي؟! فقال العبد: هو سيدي. فأخذت البرقع وتغطت».

ب: «وقيل لها: هو ذا حموك صاعد إلى تمنة ليجزَّ غنمه. فخلعت عنها ثياب ترمُّلها، وتغطت ببرقع، وتلفَّفت وجلست في مدخل عينايم، التي على طريق تمنة، لأنها رأت أن شيلة قد كبر الخ..».

ج: إن تامار «قامت ومضت، وخلعت عنها برقعها، ولبست ثياب ترمُّلها».

د: تقول المرأة: «أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ أين تربض؟ لماذا أنا أكون مقنعة عند قطعان أصحابك»؟

ه‍: وفيه أيضاً: أن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن، والمباهاة برنين خلاخيلهن، بأن «ينزع السيد في اليوم عنهن زينة الخلاخيل والضفائر، والأهلة، والحلق، والأساور، والبراقع، والعصائب».

و: ويقول ويل ديورانت: لو أن امرأة نقضت القانون في المجتمع اليهودي بأن خرجت إلى الرجال دون أن تغطي رأسها، أو أنها اشتكت إلى رجل، ورفعت صوتها من دارها حتى سمعوا جيرانها، كان لزوجها الحق في أن يطلقها دون أن يدفع مهرها.

ز: وفي مقام تهديد المرأة إذا عصت، قال في العهد القديم: «اكشفي نقابك، شمري الذيل، اكشفي الساق، اعبري الأنهار، تنكشف عورتك، وترى معاريك».

ثانياً: العهد الجديد: «الإنجيل»: ومما ورد في العهد الجديد قول بولس: إن النقاب شرف للمرأة، «فإن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها، لأن الشعر بديل من البرقع». ولعله يقصد: التستر بالشعر، إذا لم تجد سواه. قالوا: «وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلقى الغرباء، وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد».

الحجاب في الجاهلية:

من الألبسة المشهورة في الجاهلية: الخمار، القناع، البرقع، اللثام. وكانت المرأة في الجاهلية تغطي رأسها بخمار وتقاتل.

ونحن نكتفي هنا بإيراد نماذج من الشعر العربي الذي يحمل معه دلالات على موضع الحجاب في الجاهلية، وهي التالية:

1- قال النابغة الذبياني، وكان قد دخل على النعمان بن المنذر، وكانت معه زوجته، فسقط نصيفها، فسترت وجهها بيديها:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ***** فتناولته واتقتنا باليد

بمخضب رخص كأن بنانه ***** عنم يكاد من اللطافة يعقد

2- وقال عنترة بن شداد:

وكشفت برقعها فأشرق وجهها ***** حتى كان الليل صبحاً مسفرا

3- وقال عنترة أيضاً:

وحولك نسوة يدنين حزناً ***** ويهتكن البراقع واللفاعا

4- وقال أيضاً:

جفون العذارى من خلال البراقع ***** أحدُّ من البيض الرقاق القواطع

5- وقال أيضاً:

إن تغدفي دوني القناع فإنني ***** طب بأخذ الفارس المستلئم

6- وقال الفند الزماني المتوفى سنة 95 قبل الهجرة:

يوم لا تستر أنثى وجهها ***** ونفوس القوم تنزو في الحلوق

7- وقال الشنفرى، المتوفى سنة 510 م، يصف زوجته أميمة:

لقد أعجبتني لا سَقوطاً قناعُها ***** إذا ما شَأَت أو لا بذات تلفت

8- وقال الحارث اليشكري، المتوفى سنة 50 قبل الهجرة:

فضعي قناعك إن ريب ***** الدهر قد أفنى معدا

9- ومن الأمثال المعروفة قولهم: «ذكرني فُوكِ حماريْ أهلي». وهو أن رجلاً خرج يطلب حمارين ضلا له، فرأى امرأة متنقبة، فأعجبته حتى نسي الحمارين، فلم يزل يطلب إليها حتى سفرت له، فإذا هي فوهاء (أي واسعة الفم، أو أن أسنانها الطويلة تخرج من بين شفتيها). فحين رأى أسنانها ذكر حماريه، فقال: ذكرني فوك حماريْ أهلي.. وأنشأ يقول:

ليت النقاب على النساء محرم ***** كي لا تغر قبيحة إنسانا

ولنا أن نحتمل: أن يكون العرب قد أخذوا هذا الحجاب من دين الحنفية، ورأوا أن ذلك ثابت في الديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية، ووافق ذلك هوى نفوسهم، وما لديهم من شعور بالغيرة على النساء، فالتزموا به.

المجتمع الإيراني القديم:

وفي المجتمع الإيراني القديم، كان يحرم على المرأة ذات البعل النظر إلى أبيها وإخوتها، وكذلك يحرم عليهم النظر إليها. وكان نساء الطبقات العليا لا يخرجن من بيوتهن إلا في هوادج مسجفة. وقالوا أيضاً: «إن نساء الفرس كن يتحجبن قبل ظهور الإسلام».

المجتمع الهندي:

وفي المجتمع الهندي كان الحجاب وحدوده عسيراً بالنسبة إلى المرأة، وإن كان التاريخ لم يبين لنا بداية نشوء الحجاب في ذلك المجتمع، هل هو قبل الإسلام أم بعده. والمرأة المحترمة لا تستطيع أن تبدي نفسها لغير زوجها وأبنائها، ولا يمكنها الانتقال خارج دارها إلا مستورة بقناع سميك.

المملكة الرومانية:

وفي دائرة المعارف الكبرى: أن النساء في المملكة الرومانية «كن يغالين في الحجاب لدرجة أن الداية - القابلة - لا تخرج من دارها إلا مخمورة، ووجهها ملثم باعتناء زائد، وعليها رداء طويل يلامس الكعبين، وفوق ذلك كله عباءة لا تسمح برؤية شكل قوامها».

قدماء اليونان:

قال الدكتور محمود سلام زناتي عن المرأة في التقاليد اليونانية القديمة: «إذا خرجت تُلزمها التقاليد بوضع حجاب ثقيل، يخفي معالم وجهها، وأن يرافقها أحد أقاربها الذكور، أو أحد الأرقاء». وقالوا عنها: «إنها كانت تحبس في البيت». وقالوا أيضاً: «ولقد كان في وسعها إذا تحجبت الحجاب اللائق بها، وصحبها من يوثق به أن تزور أقاربها وأخصائها، وأن تشترك في الاحتفالات الدينية، ومنها مشاهدة التمثيل. أما فيما عدا هذا فقد كان ينتظر منها أن تقبع في منزلها، وأن لا تسمح لأحد أن يراها من النافذة. وكانت تقضي معظم وقتها في جناح النساء، القائم في مؤخرة الدار. ولم يكن يسمح لزائر من الرجال أن يدخل فيه، كما لم يكن يسمح لها بالظهور إذا كان مع زوجها زائر». وقالت فتوى صادرة عن مشيخة الأزهر: «إن حجاب النساء كان معروفاً ومعمولاً به قبل مجيء الإسلام بقرون كثيرة في جميع الأمم المعروفة بالمدنية. وقد أخذه عنهم اليونانيون والرومانيون على أقصى ما يعرف عنه من التشديد قبل الإسلام بأكثر من ألف سنة. وكان الإسرائيليون جارين عليه أيضاً على عادة معاصريهم الخ..».


المصدر: مركز الأبحاث العقائدية
2020/11/26

رحيل ’’رفيقة العمر’’ .. كيف دفن الإمام علي زوجته فاطمة؟ (فيديو)

علم الناس بوفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) وقد اجتمعوا إلى بيت علي (عليه السلام) وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة ليصلوا عليها، إلا أن الصحابي الجليل أبا ذر خرج وقال للمجتمعين: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخر أخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا.

فلما أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها علي والحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل وقد سوى أمير المؤمنين (عليه السلام) حواليها قبوراً مزورة بمقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها.

هذا ما رواه العلامة المجلسي في البحار ج43 ص192، عن (روضة الواعظين) للفتال النيسابوري.

وفي أعفاء قبرها، ودفنها سراً، وعدم اخبار الصحابة أو الناس بموضع قبرها، مع معرفة ومعلومية كل قبور الصحابة وأمهات المؤمنين وابناء النبي (صلى الله عليه وآله) غاية عظمى كانت تهدف إليها الزهراء (عليها السلام) وهي بيان مظلوميتها للأجيال على مر التأريخ ليلتفتوا إلى ما جرى على آل الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد رحيله.[1]

أحداث الدفن يرويها المرحوم الشيخ الدكتور أحمد الوائلي [ره] في الفيديو أدناه:


[1] مصدر النص مركز الأبحاث العقائدية

2020/11/24

ما هو السرّ المستودع في ’’فاطمة الزهراء’’؟ (فيديو)

«اللّهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك...».

الذي يظهر لنا هو أنّ نوع السّرّ سرّ كامن في خلقتها وتركيبتها وتكوينها ، فهو سرّ مستودع فيها وليس عندها (...) وقد رويت في عدد من مصادر العامّة أنّ أصل مادّة بدن الصدّيقة الطاهرة الزهراء سلام اللّه عليها ليست من مادّة هذا العالم الدنيوي بل هي من الجنّة ومن أعلى أشجارها وأفضل ثمارها، وأنّ جبرئيل عليه السلام أخذ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في معراجه إلى الجنّة إلى شجرة طوبى وأطعمه من ثمارها، أو أهدي له وهو في الأرض من ثمارها فأكلها فتكوّنت نطفة فاطمة وحملت بها خديجة الكبرى سلام اللّه عليها وعلى ابنتها ، فقد روى السيوطي ذلك في «الدر المنثور» ، والطبراني في «معجمه» ، والثعلبي في تفسيره، وغيرهم من كبار علماء السنّة ومحدّثيهم[1].

المزيد في الفيديو أدناه لسماحة آية الله السيد منير الخباز (دامت بركاته):


[1] هذا النص وجدناه في بحث نشرته شبكة الرافد للتنمية الثقافية

2020/11/24

قبل خلقه: من أين عرفت ’’الملائكة’’ بسفك الإنسان للدم؟!

قالت الملائكة لله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ... )[1] ، فظاهر الآية أنّ الملائكة كانت على علم بما سيقع ، من أين علمت؟ ونلاحظ أنّ الملائكة في ظاهر الآية أبدت اعتراض لمشيئة الله، فكيف نفسّر هذا؟

إنّ الملائكة قد رأوا من قبل ما فعله الجنّ في الأرض من الفساد، والحديث عن الخلافة الإلهية في الأرض، وهذه لا تتلاءم مع السفك والفساد، فبتحليلهم الخاصّ كأنّما قالوا في مقام الاستفهام وليس الاعتراض والاستنكار: أنّه كيف تجعل فيها خليفة لك، وهو بطبيعته سوف يسفك الدم ويفسد في الأرض، كما حدث لأبناء آدم عليه السلام؟

فأجابهم الله تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، كما أنّه يعلم غيب السماوات والأرض.

هذا، وأجاب السيّد الطباطبائي بجواب آخر فقال: قوله تعالى: (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) إلى قوله: (وَنُقَدِّسُ لَكَ) مشعر بأنّهم إنّما فهموا وقوع الإفساد وسفك الدماء من قوله سبحانه: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)[2] ، حيث أنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى الغضبية والشهوية، والدار دار التزاحم ، محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، مركباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان ، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية ، ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون ، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء.

ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلاّ بكثرة من الأفراد ، ونظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد والسفك ، والخلافة وهي قيام شيء مقام آخر لا تتمّ إلاّ بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجودية ، وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف، والله سبحانه في وجوده مسمّى بالأسماء الحسنى ، متّصف بالصفات العليا ، من أوصاف الجمال والجلال ، منزّه في نفسه عن النقص ، ومقدّس في فعله عن الشرّ والفساد جلّت عظمته ، والخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف ، ولا يحكي بوجوده المشوب بكُلّ نقص وشين الوجود الإلهي المقدّس المنزّه عن جميع النقائص وكُلّ الأعدام ، فأين التراب وربّ الأرباب.

وهذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه، واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء، والدليل على ذلك قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم: (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[3] حيث صدّر الجملة بأن التعليلية المشعرة بتسلّم مدخولها ، فافهم.

فملخّص قولهم يعود إلى أنّ جعل الخلافة إنّما هو لأجل أن يحكى الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده، والأرضية لا تدعه يفعل ذلك، بل تجرّه إلى الفساد والشر، والغاية من هذا الجعل وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك، فنحن خلفاؤك أو فاجعلنا خلفاء لك، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فردّ الله سبحانه ذلك عليهم بقوله: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ...)[4].[5]

الهوامش:


[1]  البقرة : 30.

[2] البقرة : 30.

[3] البقرة : 32

[4] الميزان في تفسير القرآن 1 / 115.

[5] مقتطف من كتاب "موسوعة الأسئلة العقائدية".

2020/11/19

لا ترى رجلاً ولا يراها.. هل كانت ’’فاطمة’’ تستر وجهها؟!
هل توجد رواية عن أهل البيت (ع) عن كيفية لبس السيدة فاطمة الزهراء (ع) للحجاب؟ يعني هل الزهراء (ع) كانت تستر كامل وجهها؟

لأن معظم النساء في مجتمعنا في اعتقادهن أن تغطية الوجه بالكامل هو اقتداء بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وفتاوى معظم المراجع تقول الواجب على المرأة ستر كامل البدن ما عدا الوجه والكفين؟

نعم لم يكن أحد من الرجال الأجانب يرى وجه فاطمة (ع) وهذا أمر متسالم عليه عندنا، ويؤكد ذلك ما ورد حتى في كتب العامة عن الحسن البصري بسندٍ وُصف بالحسِن أنَّ رسول الله (ص) سأل عن أيِّ شيء خير للمرأة؟ فقالت فاطمة (ع): "أن لا ترى رجلاً ولا يراها". فقال النبي (ص) تعقيباً على كلام فاطمة (ع): صدقت إنَّها بضعة مني" وفي رواية أنَّه ضمها إليه وقال: ذرية بعضها من بعض (1).

وورد في طريق آخر أنَّ فاطمة (ع) قالت جواباً لسؤال النبي (ص) "لا يرين الرجال ولا يراهن" فقال النبي (ص): "إنَّ فاطمة بضعة مني"(2).

فإذا كان خيرٌ للمرأة ألا يراها رجل فأجدر مَن يلتزم بهذا الخُلق الرفيع هي السيدة فاطمة (ع) فهي أكمل النساء وأُسوتهن.

وقد ورد في نوادر الرواندي وكتاب الجعفريات بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: "إنَّ فاطمة بنت رسول الله (ص) استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي (ص) لم حجبته وهو لا يراك، فقالت (ع): يا رسول الله، إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح، فقال النبي (ص): أشهد أنَّك بضعة مني"(3).

فهذه الرواية تُعبِّر عن كمال احتجاب السيدة فاطمة (ع) بحيث أنها تتحاشى عن أن يجد الأعمى ريح ثيابها.

وحينما خرجت فاطمة (ع) مضطرةً للذود عن الحقِّ المسلوب أفادت الروايات أنَّها لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها .. فنيطت دونها ملاءة .."(4).

فرغم أنها كانت قد لاثت خمارها على رأسها واشتلمت بجلبابها وكانت ذيول ثيابها تتجاوز أسفل قدميها حتى أنها تطأ ذيولها حين كانت تمشي رغم كلِّ ذلك ضُربت دونها ملاءة أي ساتر يحول دون رؤية الرجال لمجلسها.


الهوامش: 1- كنز العمال -المتقي الهندي- ج 16 ص 601، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 43 ص 84. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 20 ص 67. 3-جامع أحاديث الشيعة -السيد البروجردي- ج 20 ص 299. 4- الاحتجاج -الشيخ الطبرسي- ج 1 ص 132.
2020/11/10

من أسس ’’المرجعية الدينية’’ ؟!

يقدم «موقع الأئمة الاثني» لقرائه الكرام إجابات عن جملة من التساؤلات التي تثار على مواقع التواصل الاجتماعي حول المرجعية الدينية وتقليد العلماء في زماننا ومنها:

من أين جاءت فكرة تأسيس المرجعية الدينية؟

هل هي نتاج بشري؟

ماذا يعني التقليد وما الدليل عليه؟

وهل يغيب – التقليد – العقل؟

إلى جانب إثارات وإجابات أخرى يقدمها سماحة العلامة الشيخ علي آل محسن دامت بركاته، وفيما يلي مقتطفات مختارة من تلك الإجابات مع الفيديو:

كان النبي صلى الله عليه هو المرجعية الدينية لعموم المسلمين، حتى حان موعد رحيله انتقلت المرجعية الدينية الحقيقية إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وهكذا صارت المرجعية الدينية تنتقل من بعد إمام إلى الإمام الذي يلحقه إلى زمان الإمام العسكري عليه، فإن الفترة اللاحقة بعده هي فترة الغيبة الصغرى والتي لا يلتقي الناس فيها بإمام زمانهم لتوجيه المسائل له، فوجه الإمام الشيعة بالرجوع إلى الفقهاء المأمونين على الدين والدنيا.

يقول عليه السلام: "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه...".[1]

وفي الواقع هذا تأسيس إلى المرجعية الدينية التي استمرت من زمان الإمام العسكري عليه السلام إلى يومنا هذا.

والأئمة الاطهار ارجعوا شيعتهم في أزمانهم إلى بعض فقهاء أصحابهم لأنه لا يسع كل موالٍ لأهل البيت عليهم السلام أن يأت إلى الإمام ويسأله في كل مسألة يحتاج إليها فأرجعوا الشيعة إلى هؤلاء الفقهاء في زمانهم والروايات في ذلك كثيرة.

ومنها ما رواه أحمد بن إسحاق "قال: عن أبي الحسن الهادي قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون". [2] وهنا الإمام المهدي أرجع شيعته إلى العلماء.

أدلة التقليد

إن الرجوع إلى العلماء في المسائل الشرعية هو ما يعرف بالتقليد، واستدل عليه العلماء بأدلة مبسوطة في الكتب الفقهية من ضمنها الروايات المستفيضة.

واستدل أيضا بالسيرة العقلائية الممضاة من الأئمة الاطهار عليهم السلام، أي ليس عقلاء المسلمين أو المؤمنين وانما العقلاء عامة إذ جرت سيرتهم على الرجوع إلى من يحتاجون إليه كما في رجوعهم إلى الأطباء والمهندس والبنّاء.

كما استدلوا أيضا بـ "الانسداد" على جواز التقليد، وهو يعني اجمالاً أن على الانسان ان يأخذ الحكم الشرعي الصحيح ولا يأخذ بالظن، إذ أنه لا يغني عن الحق شيئاً، فلابد من سؤال النبي أو الإمام للحصول على الحكم القطعي، ولكن الأئمة وقبلهم النبي (ص)، ذكروا في الشريعة المقدسة أموراً كثيرة واوجبوا الأخذ بها مع إنها ظنية مثل شهادة الشهود، فشهادتهما لا تفيد القطع وإنما الظن فاحتمال الكذب موجود من قبلهما او يخطئا. والشارع المقدس امرنا بالتعبد بالبينة وهي ظنية او الحكم بأن هذه الأشياء طاهرة ما لم تعلم بنجاستها مع أن هذا الأمر ظني لا واقعي.

وكثير من الأمور في الشريعة المقدسة امرنا الله ان نعمل بالظنون وهو ما يعرف في علم الأصول بالظن الخاص، وهو غير الظن العام الذي لم يقم دليل على حجيته مثل القياس والاستحسان وغيرها وهذه غير حجة، ولكن بالنسبة إلينا لا نستطيع أن نصل إلى الحكم الشرعي القطعي لعدم وجود النبي والأئمة ونأخذه منهم، وليس عندنا روايات صحيحة كي نأخذ بها، وهنا بما أننا مكلفون ونعلم بوجود احكام الزامية تجب علينا ولا نستطيع ان نصل إلى الحكم القطعي، وفي التقليد لا نستطيع ان نصل إلى الحكم الشرعي القطعي ولا نستطيع الاخذ بالظنون الخاصة عندها نأخذ بالظن العام والرجوع إلى العالم لأننا نظن أن ما يقوله صحيح وبالتالي يكون حجة.

ومن ضمن الأدلة هو الارتكاز الثابت ببناء العقلاء، أي أنهم تبانوا في تعاملاتهم أنهم يرجعون إلى العالم، سواء كان من العلماء أو من غيرهم، ولا شك أن العلماء المتخصصين يعلمون بالأحكام الشرعي وبهذا الارتكاز يرجع الإنسان إليهم.

المزيد من التفاصيل في الفيديو أدناه:

الهوامش:


[1] الوسائل، الحر العاملي، ج 27، ص 131، رقم 33401.

[2] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٣٣٠

2020/11/02

المرحوم «التبريزي» يحسم الجدل: ما حقيقة «فرحة الزهراء»؟!

ينشر «موقع الأئمة الاثني عشر» إجابة سماحة آية الله العظمى المرحوم الشيخ جواد التبريزي [قدس سره] حول عيد "فرحة الزهراء" الذي يثير سنوياً جدلاً واسعاً بين عامة الناس، ويتبنّىالعديد منهم -في هذه المسألة- آراء مختلفة دون الرجوع إلى أهل الاختصاص من العلماء.

وفيما يلي نص السؤال مع إجابته [قدس سره]:

السؤال: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عيد الزهراء (عليها السلام)، أرجو إعلامنا بمدى مصداقية هذا العيد، وما هي حقيقته؟

الجواب:

بسمه تعالى..

هذا الأمر معروف عند الشيعة وله وجوه متعددة منها: ان في هذا اليوم توج الإمام المهدي (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) بالإمامة بعد وفاة والده الإمام الحسن العسكري في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول، وهو المنتقم من أعداء الزهراء (عليها السلام) وأعداء الدين والموكل بإقامة دولة الحق.

ومنها: ان في هذا اليوم قتل عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السلام) كما في بعض المنقولات التاريخية. وعلى كل حال فهو يوم فرح للشيعة عامة ولأهل البيت (عليهم السلام).


المصدر: الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية ـ آية الله الميرزا جواد التبريزي. (نور الله ضريحه)

2020/10/27

من الذي غسّل الإمام العسكري (ع)؟!
لا ريبَ في أنَّ الإمامَ المنتظَر (ع) هو مَن تصدَّى لتغسيل والدِه الإمامِ العسكريِّ (ع)، ويكفي لإثباتِ ذلك الرواياتُ العامَّة التي استفاضَ نقلُها عن أهلِ البيت (ع) والتي أفادت أنَّ الإمامَ أو الصدِّيقَ لا يُغسِّله إلا صدِّيقٌ مثلُه.

فمن ذلك: ما أوردَه الكلينيُّ في الكافي بسندٍ صحيح عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): مَنْ غَسَلَ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وكَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِه فَقَالَ: كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِه؟ قَالَ: فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ: فَقَالَ: لَا تَضِيقَنَّ، فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ ولَمْ يَكُنْ يَغْسِلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ، أمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يَغْسِلْهَا إِلَّا عِيسَى"(1).

وأوردَها الشيخُ الطوسي في التهذيب وفي الاستبصار من طريقِه الصحيح إلى الكليني بذات السند، وأوردها الصدوقُ مرسلةً في كتابِه مَن لا يحضره الفقيه.

ومن ذلك: ما رواه القطبُ الراوندي في الخرائج والجرائح قال: روى أبو بصير، عن أبي جعفر قال: كان فيما أوصى به إليَّ عليُّ بنُ الحسين (عليهما السلام) أنَّه قال: يا بُني إذا أنا متُّ فلا يلي غُسلي غيرُك، فإنَّ الامامَ لا يُغسِّلُه إلا إمامٌ بعده.." (2).

ومن ذلك: ما أورده في مختصر البصائر بسنده عن إبراهيم بن أبي سماك قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنَّا قد رَوينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّ الامامَ لا يُغسِّلُه إلا الامام، وقد بلغنا هذا الحديثُ، فما تقولُ فيه؟ فكتبَ (ع) إليَّ: إنَّ الذي بلغَك هو الحقُّ"(3).

والرواياتُ في ذلك مستفيضة وقد تلقَّاها الفقهاءُ بالقبول والاعتماد، فهي كافيةٌ لإثبات أنَّ الإمام لا يتولَّى تغسيلَه إلا الإمامُ الذي يليه، على أنَّ لدينا روايةً خاصَّة تصلحُ لتأييد أنَّ الإمام المهديَّ (ع) هو مَن تصدَّى لتغسيل والدِه الإمامِ الحسنِ العسكريِّ (ع) أورد هذه الرواية الصفَّار في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد وأحمد بن إسحاق عن القاسم بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لمَّا قُبض رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) هبطَ جبرئيلُ ومعه الملائكةُ والروحُ الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففُتحَ لأميرِ المؤمنين بصرَه فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض، يُغسِّلون النبيَّ معه، ويُصلِّون معه عليه، ويحفرونَ له، واللهِ ما حفَرَ له غيرُهم حتَّى إذا وُضع في قبرِه، نزلوا مع مَن نزل، فوضعوه فتكلَّم وفُتح لأمير المؤمنين سمعه فسمعَه يُوصيهم به فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهدًا، وإنَّما هو صاحبُنا بعدك إلا أنَّه ليس يُعايننا ببصره بعد مرَّتنا هذه، حتى إذا مات أميرُ المؤمنين (عليه السلام) رأى الحسنُ والحسينُ مثل ذلك الذي رأى، ورأيا النبيَّ (ص) أيضًا يُعينُ الملائكةَ مثل الذي صنعوا بالنبيِّ(ص) حتى إذا مات الحسنُ رأى منه الحسينُ مثل ذلك، ورأى النبيَّ(ص) وعليًّا (ع) يُعينان الملائكة، حتى إذا مات الحسينُ رأى عليُّ بن الحسينِ منه مثلَ ذلك، ورأى النبيَّ(ص) وعليًّا والحسنَ يُعينون الملائكة، حتى إذا مات عليُّ بنُ الحسين رأى محمدُ بن عليٍّ مثل ذلك، ورأى النبيَّ(ص) وعليَّا والحسنَ والحسينَ يُعينون الملائكةَ، حتَّى إذا مات محمدُ بنُ عليٍّ رأى جعفرُ مثلَ ذلك، ورأى النبيَّ وعليًّا والحسنَ والحسينَ وعليَّ بن الحسين يُعينون الملائكة، حتى إذا مات جعفر رأى موسى منه مثل ذلك، هكذا يجري إلى آخرنا"(4).

ورواه القطبُ الراوندي في الخرائج والجوارح عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام(5).

فقولُه (ع): "هكذا يجري إلى آخرِنا" صريحٌ في أنَّ ما وقع للإمام الحسنِ العسكري (ع) هو ذاتُه الذي كان قد وقعَ لآبائه (ع) فالإمامُ الذي بعده وهو الإمامُ الحجَّةُ (ع) هو مَن تولَّى تغسيلَه وأعانَه على ذلك النبيُّ (ص) والأئمةُ من آبائه (ع) والملائكةُ (ع).

ولمزيدٍ من البيان راجع ما ذكرناه في مقال: "السجَّاد (ع) هو مَن دفن الحسين (ع)".

 

*المقال رداً على سؤال: أودُّ أنْ استفسر عن تغسيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فأكثر الروايات تتحدث عن حادثة الإمام المنتظر (عجَّل الله فرَجه) مع عمِّه جعفر في الصلاة على الإمام العسكري (عليه السلام)، ولكن لم أجد مصدرًا واحدًا يوضِّح من قام بتغسيله (عليه السلام). فإذا كان الإمام لا يغسله إلا إمام -وهي قاعدة يُؤكِّدها البعض- فهل قام الإمام المنتظر (عجَّل الله فرَجه) بتغسيله؟

الهوامش: 1- الكافي -الشّيخ الكليني- ج1/ ص 459، ج3/ ص 159. 2- الخرائج والجرائح -القطب الرّاوندي- ص 264. 3- مختصر بصائر الدرجات -الحسن بن سليمان الحلي- ص 13. 4- بصائر الدرجات -الشيخ محمد بن فرّوخ الصفّار- ص 245، وبحار الأنوار -الشيخ المجلسي- ج 37 / ص 289. 5- الخرائج والجرائح -القطب الرّاوندي- ج2 ص 778.
2020/10/26

بالفيديو: لماذا اغتالوا الإمام الحسن العسكري (ع)؟
ظنت الدولة العباسية أنها عندما وضعت الإمام الحسن العسكري عليه السلام تحت الإقامة الجبرية انهت -بهذا الفعل- الطائفة الشيعية، فالإمام بقبضتهم ولن يستطيع الشيعة التواصل معه وبالتالي سيتفرقون عنه.

وقد عمدت الدولة العباسية إلى وضع (إمام مضاد) وكان جعفر الكذاب الذي أدعى الإمامة قبل استشهاد الإمام العسكري عليه السلام!

كما ظهرت حركات كثيرة ادعت الإمامة في العراق وبلاد فارس وهذه كانت خطة الدولة العباسية في مواجهة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

تفاصيل أكثر ينشرها «موقع الأئمة الاثني عشر» عبر سماحة الشيخ أحمد سلمان حفظه الله تعالى في الفيديو أدناه:

2020/10/26

هل مات النبي (ص) مسموماً؟!
قال الله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ... ) 1.

[اشترك]

فهذه الآية الكريمة قد بينت إمكانية ارتكاب جريمة قتل في حق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وذلك يزيف أي ادعاء يهدف إلى تضليل الناس عن حقيقة موت الرسول (صلى الله عليه وآله)، بدعوى أن استشهاده غير ممكن.. أياً كانت دوافع أو مبررات ادعاءات كهذه..

وقد جاءت الأحداث لتؤكد هذه الحقيقة، فبينت أنه (صلى الله عليه وآله) قد تعرض للاغتيال أكثر من مرة، ومن أكثر من جهة: من المشركين، ومن اليهود، ومن المتظاهرين بالإسلام أيضاً..

وقد يمكن القول أيضاً: بأن الفئات المختلفة ـ أحياناً ـ قد تعاونت على ذلك، بعد أن رأت أن مصالحها تلتقي على هذا الأمر. فبذلوا المحاولة، وربما فشلت مرة أو أكثر، ولكنهم استطاعوا في نهاية المطاف أن يصلوا إلى مبتغاهم، فمات (صلى الله عليه وآله) شهيداً بالسم، كما سيأتي..

نماذج من محاولات اغتياله

وفي جميع الأحوال نقول: إنه قد بذلت محاولات كثيرة لاغتياله (صلى الله عليه وآله)، نذكر منها ما يلي:

1 ـ ما روي من تهديدات قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في بدء الدعوة، وعرضهم على أبي طالب أن يقتلوه، وأن يعطوه بعض فتيانهم بدلاً عنه.. وقد ذكرنا ذلك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) فراجع..

وذكرنا أيضاً: أن أبا طالب (عليه السلام) حين حصر المشركون المسلمين في شعب أبي طالب، كان ينيم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موضع يراه الناس، ثم إنه حينما تهدأ الرِّجل يقيمه، وينيم ولده الإمام علياً (عليه السلام) مكانه، حذراً من أن تغتاله قريش.

فقال له الإمام علي (عليه السلام)، إني مقتول ؟!..

فقال له أبو طالب (عليه السلام):

اصبرن يـا بني، فالصبر أحجى *** كل حي مصيره لــشعوب

قـدر الله و الـبلاء شـديـد *** لنداء الحبيب و ابـن الحبيب

[الأبيات] 2..

2 ـ محاولة اغتياله (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، حيث بات الإمام علي (عليه السلام) في فراشه (صلى الله عليه وآله).. وكانوا قد انتدبوا عشرة من الرجال من عشر قبائل في قريش ليقتلوا النبي (صلى الله عليه وآله).. فأنجاه الله سبحانه منهم.وتتبعوه إلى الغار، فصرفهم الله عنه.

3 ـ محاولة اغتياله من قبل بني النضير 3..

4 ـ تنفيرهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة 4..

وقال « يعني ابن حزم »: إن حذيفة لم يصل على أبي بكر، وعمر، وعثمان.. « وكان لا يصلي على من أخبره (صلى الله عليه وآله) بأمرهم ».

5 ـ محاولة قتله (صلى الله عليه وآله) في خيبر بالسم، وسنذكر بعض نصوص هذه الحادثة.. فيما يأتي إن شاء الله تعالى..

6 ـ محاولة قتله (صلى الله عليه وآله) في المدينة بالسم أيضاً، وسنذكر النصوص المرتبطة بذلك أيضاً.

وبعدما تقدم نقول: إننا إذا أردنا الاقتراب من الإجابة على السؤال الوارد، فلا بد لنا من إيراد النصوص، والنظر فيها، ولذلك، فنحن نتابع الحديث على النحو التالي:

نصوص مأثورة عامة

1 ـ روي عن ابن مسعود أنه قال: لأن أحلف تسعاً: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة.

وذلك أن الله سبحانه وتعالى، اتخذه نبياً، وجعله شهيداً 5..

2 ـ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه: أن الإمام الحسن (عليه السلام) قال لأهل بيته: إني أموت بالسم، كما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

قالوا: ومن يفعل ذلك ؟!..

قال: امرأتي جعدة بنت الأشعث 6..

3 ـ عن الشعبي قال: لقد سم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسم أبو بكر الخ.. 7.

ومن أقوال العلماء نذكر:

ما قاله الشيخ الطوسي (رحمه الله): قبض (صلى الله عليه وآله) مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من الهجرة سنة عشر الخ 8..

وقال الشيخ المفيد: قبض بالمدينة مسموماً 9..

وراجع ما قاله العلامة الحلي (رحمه الله) حول ذلك أيضاً 10..

الروايات حول سم النبي (صلى الله عليه وآله)

وبعدما تقدم نقول:

لقد وردت روايات محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) بواسطة السم عند السنة والشيعة على حد سواء، وهي تنقسم إلى قسمين:

أحدهما يقول: إن يهودية دست السم إلى النبي (صلى الله عليه وآله)..

والآخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد استشهد بالسم على يد بعض زوجاته..

ونحن نذكر هنا نصوصاً من هذا القسم وذاك.. مع بعض التوضيح أو التصحيح، فنقول:

روايات السنة في سم اليهودية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

إننا نذكر من الروايات التي أوردها أهل السنة في مجاميعهم الحديثية والتاريخية، وتحدثت عن سم اليهودية له (صلى الله عليه وآله) ما يلي:

1 ـ عن عائشة أنه (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي توفي فيه: إني أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم 11..

2 ـ عن أبي هريرة أنه حين فتحت خيبر، أهديت له (صلى الله عليه وآله) شاة فيها سم، فقال (صلى الله عليه وآله): إجمعوا من كان ههنا من اليهود، فجمعوا، فقال لهم: إني سائلكم عن شيء.. إلى أن قال: أجعلتم في هذه الشاة سماً ؟

قالوا: نعم.

قال: فما حملكم على ذلك ؟!..

قالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك 12..

3 ـ عن أنس: أن يهودية أتت النبي (صلى الله عليه وآله)، بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك..

فقال (صلى الله عليه وآله): ما كان الله ليسلطك على ذلك.أو قال: علي..

قالوا: ألا نقتلها ؟

قال (صلى الله عليه وآله): لا.

فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) 13..

4ـ في سيرة ابن هشام: أن التي سمته هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) لاك من الشاة مضغة فلم يسغها، فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم.. وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها وأساغها.. فسأل النبي (صلى الله عليه وآله) تلك اليهودية عن ذلك.. إلى أن قال: فتجاوز عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومات بشر من أكلته التي أكل 14..

في نص آخر أضاف قوله: فلما مات بشر أمر بها فقتلت، وقيل: صلبت كما في أبي داود وروى أبو داود: أنه (صلى الله عليه وآله) قتلها.

وفي كتاب شرف المصطفى: أنه قتلها وصلبها وقيل: تركها لأنها أسلمت، فلما مات بشر دفعها إلى أوليائه، فقتلوها به.. كما في الإمتاع، وفي صحيح مسلم أنه قتلها.وعند ابن إسحاق: أجمع أهل الحديث على ذلك، وقال مغلطاي: لم يقتلها 15..

وعند الدارمي، عن الزهري: أنه عفا عنها 16..

5 ـ زاد في بعض المصادر قوله: « فلما ازدرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقمته ازدرد بشر ما كان في فيه، وأكل القوم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارفعوا أيديكم، فإن هذه الذراع، أو الكتف يخبرني: أنها مسمومة.

فقال له بشر: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أن أنغص عليك طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدردتها..

فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان [أي أسود].وماطله وجعه سنة، لا يتحول إلا ما حول، حتى مات..

وطرح منها لكلب فمات 17..

6 ـ وفي رواية: أنه بعد أن اعترفت اليهودية بتسميم الشاة، بسط النبي (صلى الله عليه وآله) يده إلى الشاة، وقال: كلوا باسم الله، فأكلوا وقد سموا بالله، فلم يضر ذلك أحداً منهم 18..

7 ـ عن أبي هريرة: ما زالت أكلة خيبر تعتادني في كل عام، حتى كان هذا أوان قطع أبهري 19.

وفي المنتقى: ولاكها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلفظها، فأخذها بشر بن البراء، فمات من ساعته، وقيل: بعد سنة 20..

8 ـ وعند ابن سعد، عن الواقدي: أن اليهودية اعتذرت عن ذلك بأنه (صلى الله عليه وآله) قد قتل أباها، وزوجها، وعمها، وأخاها، ونال من قومها.فأرادت الانتقام لهم 21..

9 ـ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أكل من الشاة المسمومة، هو وأصحابه، فمات منهم بشر بن البراء، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر باليهودية فقتلت 22..

نظرة في النصوص المتقدمة

ولا نريد أن نناقش في أسانيد الروايات المتقدمة، فإن لنا فيها مقالاً.. بل نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية:

أولاً: إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يكن من السذاجة بحيث يقبل هدية هذه اليهودية، ثم يأكل منها، ويأمر أصحابه بالأكل منها.. وهو قد فرغ لتوه من تسديد الضربة القاضية لقومها.. كما أنه كان قد قتل زوجها، سلام بن مشكم، وأخاها كعب بن الأشرف قبل ذلك، وعمها، وغير هؤلاء..

كما أن كل أحد قد رأى غدر اليهود المتكرر بالمسلمين، وتآمرهم على حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من مرة، فلم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) ليغفل عن هذا الأمر، ويتصرف بهذا الطريقة.

ولو فرض جدلاً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سكت عن هذا الأمر، أو تغافل عنه لمصلحة رآها.. فإن من المتوقع جداً أن يبادر أحد المسلمين إلى الجهر بالاعتراض على الأكل من ذلك الطعام، وإبداء مخاوفه من أن يكون مسموماً..

ثانياً: إن من يقرأ الروايات المتقدمة، ويقارن بينها، يلاحظ: أنها غير منسجمة فيما بينها.. فلاحظ ما يلي:

1 ـ إن بعضها يصرح بأن الله تعالى ما كان ليسلط تلك المرأة عليه (صلى الله عليه وآله).

لكن بعضها الآخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) في مرض موته: قد وجد ألم الطعام الذي أكله في خيبر، وأخبر أن مطاياه قد قطعت، أو أن ذلك هو أوان انقطاع أبهره..

2 ـ يقول بعضها: إنه (صلى الله عليه وآله) قد قتل تلك المرأة، وبعضها الآخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد عفا عنها.. وثالث يقول: إنه عفا عنها أولاً.ثم قتلت بعد موت بشر بن البراء..

3 ـ بعضها يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) لم يسغ ما تناوله من لحم الشاة.. لكن البعض يقول: إنه قد أساغ ما أكله منها..

4 ـ وقالوا: إن الذي مات، هو بشر بن البراء ؟!.وقيل: هو مبشر بن البراء ؟! 23..

5 ـ في بعض تلك الروايات: أنه (صلى الله عليه وآله) قد اتهم جماعة من اليهود بالأمر، فجمعهم، وسألهم عنه، فأقروا به..

وفي بعضها الآخر: أن المتهم هو امرأة واحدة منهم..

6 ـ بعضها يقول: إن الذي أكل هو بشر بن البراء فقط، وبعضها الآخر يضيف قوله: وأكل القوم..

7 ـ بعضها يقول: إن الذي حجم النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه المناسبة هو أبو طيبة وقيل: بل حجمه أبو هند..

8 ـ بعضها يقول: أكل القوم.وبعضها الآخر يقول: كانوا ثلاثة، وضعوا أيديهم في الطعام، ولم يصيبوا منه..

9 ـ بعض الروايات يقول: إنه بعد اعتراف اليهودية بما فعلت، أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالتسمية، والأكل من الشاة، فأكلوا فلم يضر ذلك أحداً منهم..

وبعضها الآخر يقول: لم يأكلوا.. وتضرر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتضرر بشر بن البراء..

ثالثاً: كيف يحسُّ بشر بن البراء بالسم، ثم لا يخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بالأمر، ويتركه يمضغ ما تناوله، ثم يبتلعه ؟!.. فهل كان يعتقد أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يموت ؟!.. أو أنه كان يعرف أنه يموت، وأراد له ذلك ؟!.أم أنه لم يرده له.. ولكنه سكت عن إعلامه بالأمر ؟!.فكيف سكت ؟!.ولماذا ؟!.

رابعاً: يقول بشر: إنه خاف أن ينغص على النبي (صلى الله عليه وآله) طعامه.. وهذا غريب حقاً إذ كيف رضي من لا يحب أن ينغص على النبي (صلى الله عليه وآله) طعامه: أن يتناول هذا النبي ذلك السم، ويموت به ؟!..

وهل تنغيص الطعام على الرسول أعظم وأشد عليه من موته (صلى الله عليه وآله) ؟!.

خامساً: إنه كيف أقدم بشر على ازدراد ما يعلم أنه مسموم ؟!.

وما معنى هذه المواساة منه للنبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه ؟!..

وهل يجوز له أن يقتل نفسه لمجرد المواساة ؟!.

وما هي الفائدة التي توخاها من ذلك ؟!..

سادساً: هل الحجامة تنجي من السم حقاً ؟!.. ولو كانت كذلك، فلماذا إذن لا يستفاد منها في معالجة من تلدغه الحية.. أو من يشرب سماً خطأ، أو عمداً ؟!..

ولماذا أمر النبي (صلى الله عليه وآله) الذين وضعوا أيديهم في الطعام ولم يأكلوا منه أن يحتجموا ؟! فإنهم لم يأكلوا من ذلك الطعام شيئاً!!

سابعاً: ما معنى قوله (صلى الله عليه وآله): هذا أوان انقطاع أبهري، فهل إن تناول السم يقطع العرق الأبهر، حتى بعد أن تمضي على تناول ذلك السم سنوات عدة ؟!..

وما هو الربط بين هذا العرق، وبين ذلك السم ؟!..

ثامناً: إن زينب بنت الحارث اليهودية قد اعتذرت للنبي (صلى الله عليه وآله) عن فعلتها الشنعاء تلك، بأنه (صلى الله عليه وآله) قد قتل أباها، وعمها، وزوجها، وأخاها..

وأخوها هو مرحب اليهودي، الذي قتله الإمام علي (عليه السلام) في حصن السلالم، الذي فتح بعد حصن القموص.. بل كان آخر ما افتتح من تلك الحصون 24..

وقصة الشاة المسمومة إنما كانت في حصن القموص حيث قتل مرحب هناك، كما قاله ابن إسحاق 20.

هذا كله مع غض النظر عن الشك في صحة كون مرحب أخاً لتلك المرأة.. فإن هناك من يقول: إنه عمها 25..

تاسعاً: إن بعض الروايات تحدثت عن أن اليهودية قد قُتلت وصُلبت، حين مات بشر، كما في شرف المصطفى.لكن عند أبي داود: أنه صلبها 18..

غير أننا نعلم: أنه ليس في العقوبات الإسلامية الصلب للقاتل.. لاسيما إذا أخذنا بروايات العفو عنها من قِبل الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك.. حيث لا يحتمل أن تكون عقوبة قاتل غير النبي القتل والصلب..

هذا كله.. مع غض النظر عن أن روايات العفو عنها تناقض الروايات القائلة بأن بشراً مات من ساعته، ولم يبق إلى سنة..

عاشراً: أما ما ذكره أنس من أنه ما زال يعرف ذلك ـ أي السم أو أثره ـ في لهوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) !!! فهو غريب، إذ كيف يمكن أن يرى أنس ـ باستمرار ـ لهوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!.فإن اللهاة لا تكون ظاهرة للناس، إذ هي لحمة حمراء معلقة في أصل الحنك..

ولو أنه كان يرى لهواته (صلى الله عليه وآله)، فما الذي كان يراه فيها، هل كان يرى السم نفسه، أو يرى صفرة أو خضرة، أو أي شيء آخر فيها ؟!..

حادي عشر: ظاهر رواية المنتقى: أن بشراً قد التقط اللقمة التي لفظها الرسول (صلى الله عليه وآله)، فأكلها، فمات منها..

فلماذا فعل ذلك يا ترى ؟!.ألم يلتفت إلى أن لفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها قد كان لأمر غير محبب دعاه إلى ذلك ؟!.

ولنفترض: أنه إنما أخذها ليتبرك بأثر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبريقه الشريف، فإن السؤال هو: ألم يكن ينبغي أن ينهاه الرسول (صلى الله عليه وآله) عن أكلها، بعد أن أحس بما فيها من سم قاتل ؟!..

هذا الحديث من طرق الشيعة

أما ما رواه الشيعة في مصادرهم حول محاولة سم اليهودية له (صلى الله عليه وآله)، فنذكر منه ما يلي:

1 ـ لقد جاء في التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) ما ملخصه:

إنه لما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) من خيبر، جاءته امرأة من اليهود ـ قد أظهرت الإيمان ـ بذراع مسمومة، وأخبرته أنها كانت قد نذرت ذلك..

وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) البراء بن معرور، والإمام علي (عليه السلام)، فطلب النبي (صلى الله عليه وآله) الخبز، فجيء به، فأخذ البراء لقمة من الذراع، ووضعها في فيه..

فقال الإمام علي (عليه السلام): لا تتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال له البراء: كأنك تبخِّل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فأخبره الإمام علي (عليه السلام): بأنه ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأكل ولا شرب، ولا قول ولا فعل..

فقال البراء: ما أبخِّل رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

فقال الإمام علي (عليه السلام): ما لذلك قلت.ولكن هذا جاءت به يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلتها بدون إذنه وكلت إلى نفسك..

هذا.. والبراء يلوك اللقمة، إذ أنطق الله الذراع، فقالت: يا رسول الله، إني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ومات.

ثم دعا (صلى الله عليه وآله) بالمرأة فسألها.. فأجابته بما يقرب مما نقلناه من مصادر أهل السنة، فأخبرها النبي (صلى الله عليه وآله) بأن البراء لو أكل بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكفي شره وسمه..

ثم دعا بقوم من خيار أصحابه، فيهم سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وصهيب، وبلال، وعمار، وقوم من سائر الصحابة تمام العشرة، والإمام علي (عليه السلام) حاضر..

فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الله تعالى، ثم أمرهم بالأكل من الذراع المسمومة، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا الماء.

وحبس المرأة، وجاء بها في اليوم التالي.. فأسلمت..

ولم يصلِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على البراء حتى يحضر الإمام علي (عليه السلام) ليُحِلَّ البراء مما كلمه به حين أكل من الشاة.. وليكون موته بذلك السم كفارة له..

فقال بعض من حضر: إنما كان مزحاً مازح به علياً، لم يكن جداً فيؤاخذه الله عز وجل بذلك.

فقال (صلى الله عليه وآله): لو كان ذلك منه جداً لأحبط الله أعماله كلها.ولو كان تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهباً وفضة, ولكنه كان مزحاً وهو في حل من ذلك، إلا أن رسول الله يريد أن لا يعتقد أحد منكم: أن علياً (عليه السلام) واجد عليه، فيجدد بحضرتكم احلالاً، ويستغفر له، ليزيده الله عز وجل بذلك قربة ورفعة في جنانه.. الخ 26..

2 ـ وفي رواية أخرى: أن امرأة عبد الله بن مشكم أتت النبي (صلى الله عليه وآله) بشاة مسمومة، ومع النبي (صلى الله عليه وآله) بشر بن البراء بن عازب.. فتناول النبي (صلى الله عليه وآله) الذراع فلاكها، ولفظها، وقال: إنها لتخبرني أنها مسمومة.

أما بشر فابتلعها فمات.. ثم سأل النبي (صلى الله عليه وآله) اليهودية فأقرت 27..

3 ـ وفي رواية عن الأصبغ، عن الإمام علي (عليه السلام): أنه يقال للمرأة اليهودية: عبدة.وأن اليهود هم الذين طلبوا منها ذلك، وجعلوا لها جعلاً.

فعمدت إلى شاة فشوتها، ثم جمعت الرؤساء في بيتها، وأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا محمد، قد علمت ما توجَّب لي من حق الجوار، وقد حضر في بيتي رؤساء اليهود، فزيني بأصحابك..

فقام (صلى الله عليه وآله) ومعه الإمام علي (عليه السلام)، وأبو دجانة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وجماعة من المهاجرين..

فلما دخلوا، وأخرجت الشاة، سدت اليهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم..

فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله): اقعدوا..

فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به.

وكذبت اليهود لعنهم الله، إنما فعلت ذلك مخافة سَوْرة السم.. ودخانه..

ثم ذكرت الرواية تكلُّم كتف الشاة، وسؤال النبي (صلى الله عليه وآله) لعبدة عن سبب فعلها، وجوابها له.. وأن جبرئيل هبط إليه وعلَّمه دعاء، فقرأه النبي (صلى الله عليه وآله)، وكذلك من معه، ثم أكلوا من الشاة المسمومة، ثم أمرهم أن يحتجموا 28..

4 ـ عن إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن القداح، عن إبراهيم، عن الإمام الصادق (عليه السلام): سمت اليهودية النبي (صلى الله عليه وآله) في ذراع ـ إلى أن قال: فأكل ما شاء الله، ثم قال الذراع: يا رسول الله، إني مسمومة، فتركتها.وما زال ينتقض به سمه حتى مات (صلى الله عليه وآله) 29..

5 ـ أحمد بن محمد، عن الأهوازي، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام): سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر، فتكلم اللحم، فقال: يا رسول الله، إني مسموم.

قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله)، عند موته: اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلت بخيبر، وما من نبي ولا وصي إلا شهيد 30.

نقد الروايات

وكما لم نتعرض لمناقشة أسانيد روايات أهل السنة، رغم ما فيها من هنات، فإننا سوف نغض النظر عن الحديث عن أسانيد روايات الشيعة أيضاً، وإن كنا نجد من بينها ما هو معتبر من حيث السند، ونكتفي بمناقشة متونها، فنقول:

أولاً: قد ذكرت الرواية الأولى: أن البراء بن معرور هو الذي أكل من الشاة المسمومة فمات.

مع أن البراء بن معرور، قد توفي قبل أن يهاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بشهر 31..

ولم يحضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) موت البراء، لكنه (صلى الله عليه وآله) حين هاجر زار قبره.ويقال: إنه قد صلى على قبره 31..

وقضية خيبر إنما كانت في السنة السابعة بعد الهجرة، فكيف يكون البراء بن معرور قد مات من أكلة خيبر، إذا كان قد مات قبلها بسبع سنوات ؟!.

وقد يعتذر عن ذلك بأن ثمة سقطاً من الرواية.وأن الصحيح هو: بشر بن البراء.. لكن تكرر كلمة البراء في الروايات مرات عديدة يأبى قبول هذا الاعتذار، فإن السهو لا يتكرر في جميع الموارد عادة كما هو واضح.

ثانياً: إن هذه الروايات التي رواها الشيعة تختلف مع بعضها البعض:

1 ـ فرواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام)، تقول: إن الضحية هو البراء بن معرور، وروايات أخرى تقول: إنه بشر بن البراء بن معرور، ورواية ثالثة تقول: إنه بشر بن البراء بن عازب..

2 ـ رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) تقول: إن الذي مات، قد مات وهو يلوك اللقمة.

والرواية التي بعدها تقول: إنه قد ابتلع اللقمة.

3 ـ يظهر من بعض تلك الروايات: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأكل من الذراع..

ومن رواية أخرى: أنه (صلى الله عليه وآله) قد لاك اللقمة ولم يسغها..

وبعضها يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد أكل منها ما شاء الله..

4 ـ بعضها يقول: إن إخبار الذراع له (صلى الله عليه وآله) بأنها مسمومة كان قبل أن يسيغ اللقمة، وغيرها يقول: إن الذراع تكلمت قبل أن يبدأ هو وأصحابه بالأكل منها، وبعض آخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد أكل منها ما شاء الله، ثم أخبرته الذراع بأنها مسمومة..

5 ـ الروايات تصرح بأن اليهودية هي زوجة سلام بن مشكم، لكن رواية الخرائج والجرائح تقول: إنها امرأة عبد الله بن مشكم، ولا نعرف أحداً بهذا الاسم فيما بين أيدينا من مصادر..

6 ـ الروايات تقول: إن اسمها زينب، ورواية الأصبغ عن الإمام علي (عليه السلام) تقول: إنها يقال لها عبدة..

7 ـ رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) تقول: إن القضية كانت في المدينة.وسائر الروايات تقول: في خيبر..

8 ـ الروايات تتحدث عن أن اليهودية جاءته بذراع أو شاة مسمومة، لكن رواية الأصبغ تقول: إن اليهودية دعته للاجتماع مع الرؤساء في بيتها، حيث قدمت له الشاة المسمومة.

9 ـ وأخيراً.. هل جاءته بذراع ؟! أم جاءته بشاة ؟! إن الروايات قد اختلفت في ذلك.

إلى غير ذلك من موارد الاختلاف، التي تظهر بالتتبع والمقارنة..

ثالثاً: إنه إذا كان الإمام علي (عليه السلام) قد صرح بأنه يشك في هدية تلك اليهودية، كما ذكرته رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام)، معللاً ذلك بقوله: ولسنا نعرف حالها..

فلماذا لم يشك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها أيضاً، ولم يحذِّر من معه من الأكل منها.بل بادر إليها فأكل منها ما شاء الله، أو أنه لاك ما تناوله منها، ثم أساغه، أو لم يسغه، حسب اختلاف الروايات ؟!..

ولماذا لم يحذر الإمام علي (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله)، من الأكل منها، كما حذر البراء بن معرور ؟!

وإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) حاضراً في المجلس ينتظر إحضار الخبز، وكان يسمع الحوار بين الإمام علي (عليه السلام)، وبين ابن معرور، فلماذا لم يأخذ تحذير الإمام علي (عليه السلام) بعين الاعتبار ؟!..

بل لماذا لم يؤثر هذا التحذير بالبراء نفسه أيضاً ؟!..

رابعاً: قد ذكرت رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام): أنه (صلى الله عليه وآله) دعا قوماً من خيار أصحابه.. ثم عددتهم، وذكرت من بينهم صهيباً.مع أن صهيب الرومي كما ذكرته الروايات والنصوص، كان عبد سوء، وهو ممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان من أعوان المعتدين على الزهراء (عليها السلام)، والغاصبين لحق الإمام علي (عليه السلام)، بل كان من المعادين لأهل البيت (عليهم السلام) 32..

خامساً: إنه كيف يدعو النبي (صلى الله عليه وآله) خيار أصحابه ليأكلوا من الشاة، فيأكلون إلى حد الشبع، ثم لا يصيبهم أي شيء.ويبقون أحياءً بعد موته (صلى الله عليه وآله) عشرين عاماً وأكثر من ذلك.. لكنه هو (صلى الله عليه وآله) وحده الذي يصاب.

حيث تذكر الروايات الأخرى: أنه (صلى الله عليه وآله) بعد ثلاث سنوات قد وجد ألم أكلته بخيبر، وأن عرقه الأبهر قد انقطع.. بل بعض الروايات تقول: فما زال ينتقض به سمه حتى مات (صلى الله عليه وآله) ؟!.

سادساً: إن رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) قد ذكرت أيضاً أمراً خطيراً، نجل عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل الإجلال.. وهو:

أنه (صلى الله عليه وآله) لم يصلِّ على البراء بانتظار حضور الإمام علي (عليه السلام)، لكي يُحِلَّه مما كلمه به.وليكون موته بذلك السم كفارة له..

ولكنه (صلى الله عليه وآله) حين اعترضوا عليه، بأن البراء قد قال ذلك مزاحاً، ولم يكن ليؤاخذه الله بذلك، تراجع (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، وقال: «.. ولكنه كان مزحاً، وهو في حل من ذلك »..

ثم اعتذر لهم عن موقفه الأول بأنه يريد أن لا يعتقد أحد منهم بأن الإمام علياً (عليه السلام) واجد عليه، فأراد أن يجدد بحضرتهم إحلالاً له، ويستغفر له.. ليزيده الله بذلك قربة ورفعة في جنانه..

وهذا معناه: أن هذه الرواية تنسب إلى رسول الله ـ والعياذ بالله ـ التدليس، والإخبار بغير الحق.. ثم التراجع عن الموقف بعد ظهور الأمر.. و.. و الخ.. وحاشاه من ذلك كله..

سابعاً: هل صدَّق رؤساء اليهود بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قالوا له: إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد ؟!

وكيف صدقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون في قولهم هذا ؟!.ألم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) قد زارهم قبل ذلك، واجتمع بهم ؟! فهل كانوا يقومون أيضاً، ويسدَّون آنافهم بالصوف..حتى لا يتأذى بأنفاسهم ؟!.

وحين سدوا آنافهم بالصوف مخافة سَوْرة السم، هل تنفسوا من أفواههم بعد سد الآناف ؟!.. وهل أن التنفس من الفم يمنع من سَوْرة السم حقاً ؟! أم أنهم سدوها بالصوف، والتزموا بأن يتنفسوا منها أيضاً ؟

إن الرواية لم توضح لنا ذلك!!

وإذا كان السم يؤثر إلى هذا الحد، فلا حاجة بهم إلى إطعام الرسول (صلى الله عليه وآله) من الشاة، بل يكفي أن يضعوها أمامه.. ويدخل السم إلى بدنه الشريف عن طريق التنفس.

ثامناً: إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد علم بالسم، وقرأ الدعاء، وأمرهم بأكل ما هو مسموم، ليظهر المعجزة، والكرامة بذلك، فما معنى أمره لمن معه بالاحتجام بعد ذلك ؟!..

فهل أثّر الدعاء في حجب أثر السم أم لم يؤثر ؟ فإن كان قد أثّر، فما الحاجة إلى الحجامة ؟!.وإن كان لم يؤثر، فلماذا كان الدعاء ؟! وكيف أقدم على تناول سم يؤدي إلى الموت من دون تثبُّت من تأثير الدعاء في منع تأثيرالسم ؟!..

تاسعاً: إن بعض تلك الروايات تقول: إنه بعد أن أكل النبي (صلى الله عليه وآله) ما شاء الله، كلمته الذراع، وقالت: إني مسمومة.. فلماذا أخرت الذراع كلامها إلى حين أكل النبي (صلى الله عليه وآله) منها ما شاء الله ؟!.

ولماذا لم يمت النبي (صلى الله عليه وآله) من ذلك السم من ساعته، إذا كان ذلك السم مؤثراً ؟!.. بل تأخر أثره إلى ثلاث سنوات ؟!.. ولماذا إن لم يكن مؤثراً، وجد النبي (صلى الله عليه وآله) ألم أكلة خيبر، ثم انقطعت مطاياه، أو انقطع أبهره ؟!..

هل سم المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!..

وبعدما تقدم نقول: إن أصابع الاتهام لا تتوجه في هذا الأمر إلى اليهود وحسب، فإن هناك روايات تلمِّح، وأخرى تصرح بأنه (صلى الله عليه وآله) قد مات مسموماً بفعل بعض نسائه..

فمن الروايات التي ربما يقال: إنها تلمح إلى ذلك، الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق (عليه السلام): أن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) قال لأهل بيته: إني أموت بالسم، كما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ثم ذكر لهم: أن زوجته هي التي تسممه..

فربما يقال: إنه (عليه السلام) يريد الإشارة إلى هذا الأمر بالذات، وإلا فقد كان يكفيه أن يقول: إن امرأتي تقتلني بالسم.. ولكنه لم يفعل ذلك، بل شبه ما يجري له بما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله).. فكما أن زوجتيه (صلى الله عليه وآله) قد سمتاه، فإن زوجة الإمام الحسن (عليه السلام) سوف تدس له السم أيضاً..

وعهدة هذا الفهم للرواية بهذه الطريقة تبقى على مدّعيه..

أما الروايات التي تصرح بذلك، فهي:

1 ـ ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ... ) 1.

حيث قال (عليه السلام): « أتدرون، مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو قتل ؟! إنهما سقتاه قبل الموت »..

2 ـ وروي أيضاً عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « أتدرون مات النبي (صلى الله عليه وآله) أو قتل ؟!.. إن الله يقول: (... أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ... ) 1. فسم قبل الموت، إنهما سمتاه »، أو سقتاه 33..

3 ـ وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): في حديث الحسين بن علوان الديلمي، أنه حينما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) إحدى نسائه، لمن يكون الأمر من بعده، أفشت ذلك إلى صاحبتها، فأفشت تلك ذلك إلى أبيها، فاجتمعوا على أن يسقياه سماً، فأخبره الله بفعلهما.فهمَّ (صلى الله عليه وآله) بقتلهما، فحلفا له: أنهما لم يفعلا، فنزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ... ﴾ 34 35.

أي ذلك هو الصحيح ؟!

ونحن، رغم أننا قد ذكرنا بعض الإشكالات على الطائفتين المتقدمتين أولاً، من روايات السنة والشيعة حول سم اليهود له (صلى الله عليه وآله).. فإننا لا نريد أن نتسرع في إصدار الحكم النهائي على أي من الطوائف الثلاث من الروايات..

وذلك لأننا نجد في الطائفة الثانية روايات معتبرة، لا ترد عليها الإشكالات في مضمونها، إذا أخذت بمفردها، وهي أيضاً تتوافق مع بعض روايات أهل السنة في أصل المسألة، ولأجل ذلك، نقول: إن النظرة المنصفة لهذه الطوائف الثلاث تدعونا إلى أن نقول:

إنه ربما يظهر من مجموع ما ذكرناه: أن المحاولات التي بذلها اليهود لقتله (صلى الله عليه وآله) قد تعددت، ولعل بعضها قد حصل في خيبر، وبعضها حصل بالمدينة..

ولعل التي سمته في خيبر هي زينب بنت الحارث اليهودية، والتي سمته في المدينة هي تلك اليهودية التي يقال لها: عبدة..

وربما تكون الذراع قد كلمت النبي (صلى الله عليه وآله) مرتين: إحداهما في خيبر، والأخرى في المدينة.

ولعله أهديت له (صلى الله عليه وآله) ذراع تارة، وأهديت له (صلى الله عليه وآله) شاة أخرى..

ثم لعل الذي مات في إحداهما هو مبشر بن البراء، وأما أخوه بشر بن البراء فمات في حادثة أخرى..

وربما يكون بشر قد مات في إحداهما، ولم يمت أحد من المسلمين في المحاولة الأخرى..

ويمكن أن يقال أيضاً: إن المحاولة التي جرت في المدينة ربما تكون قد جرت بالتواطؤ مع بعض نسائه.. وربما تكون محاولة بعض نسائه قد جاءت منفصلة عن قصة اليهودية واليهود..

وربما تكون محاولة بعض نسائه قد فشلت مرة، وذلك في قضية إفشاء سره (صلى الله عليه وآله) في موضوع سورة التحريم، إذ إن الرواية تقول: إن الله قد أخبره بذلك، ثم نجحت في المحاولة الثانية، واستشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفعل السم الذي دسسنه له.. وإنما فضح الله أمرهن في المرة الأولى ليعرف الناس: أنهن قد يقدمن على هذا الأمر الشنيع، حتى إذا فعلن ذلك بعد ذلك، وذلك حين وفاته (صلى الله عليه وآله)، فتصديق الناس بهذا الأمر يصبح أسهل وأيسر.. كما أن تعريف الناس بحقيقة أولئك النسوة يحصِّن الناس من الاغترار بهن، من حيث كونهن زوجات له (صلى الله عليه وآله)..

نعم.. إن ذلك كله.. وسواه محتمل في تلك الروايات..

ونحن وإن لم نستطع الجزم بأي من تلك الوجوه.. ولكن لا شك في أنها لا تكون متعارضة فيما بينها، لأنها إنما تكون متعارضة متنافرة، لو فرض أنها كلها تحكي عن قضية واحدة دون سواها..

ولكن هذا أعني أن تكون القضية واحدة مما لا سبيل إلى إثباته أبداً..

وإن تعدد محاولات اغتياله مما دلت عليه النصوص الكثيرة، وسياق كثير من تلك الروايات التي ذكرناها يؤيد هذا الأمر..

وتبقى حقيقة واحدة لا مجال لإنكارها من أحد أيضاً..

وهي أنه في ظل هذا الذي ذكرناه، لا بد أن تسقط كل الآراء التي تسعى لتبرئة هذا الفريق أو ذاك.. وتبقى الشبهة القوية تحوم حول كل الذين ذُكرت أسماؤهم في الروايات في الطوائف الثلاث المتقدمة.لاسيما مع وجود نصوص صحيحة السند عند الشيعة والسنة.. بل إنه حتى أولئك الذين كانوا من المعروفين.فإن التاريخ قد أثبت لنا كيف شنوا حرباً ضارية ضد علي (عليه السلام) وقد قتل فيها 7 ألوف من المسلمين، ولو استطاعوا قتله لقتلوه، مع أنه وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخوه..

بل إنه حتى بالنسبة إلى النصوص التي لم توفق لسند صحيح، فإنه لا يمكن دفع احتمالات صحتها، بل هي تبقى قائمة في ظل الظروف التي أحاطت برسول الله (صلى الله عليه وآله) من أول بعثته، وإلى حين وفاته.

خصوصاً وأن الجهر بالحقيقة كان يساوق المجازفة بالحياة وبالأخص بالنسبة لبعض الشخصيات التي كانت تحتل مكانة خاصة في قلوب بعض الفئات، التي كانت هي الحاكمة عبر أحقاب التاريخ..

ولتفصيل هذا الأمر، محل ومجال آخر..

والحمد لله رب العالمين 36.


الهوامش: 1. a. b. c. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 144، الصفحة: 68. 2. راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 وما روته العامة من مناقب أهل البيت ^ للشراوني ص61 و62 والدرجات الرفيعة ص42. 3. راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج8 ص40 ـ 50. 4. راجع: السيرة الحلبية ج3 ص143 ط دار التراث ـ بيروت، وأسد الغابة ج1 ص468 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص260 ـ 262 والمغازي للواقدي ج3 ص1042 ـ 1045 وإمتاع الأسماع ص477 ومجمع البيان ج3 ص46 وإرشاد القلوب للديلمي ص330 ـ 333 والمحلى ج11 ص225. 5. طبقات ابن سعد ج2 ص201 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص303 ودلائل النبوة للبيهقي ج7 ص172 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص58 وصححه على شرط الشيخين، هو والذهبي في تلخيص المستدرك (مطبوع بهامشه)، وراجع فيض القدير للمناوي ج5 ص448 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ. 6. مناقب آل أبي طالب ج3 ص25 والبحار ج44 ص153. 7. المستدرك على الصحيحين ج3 ص59 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه. 8. البحار ج22 ص514 وتهذيب الأحكام ج6 ص1. 9. المقنعة ص456. 10. منتهى المطلب ج2 ص887. 11. المستدرك على الصحيحين ج3 ص58، وتلخيص المستدرك للذهبي، وصححاه على شرط الشيخين، وذكر نحوه عن تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص169 وراجع: تاريخ الخميس 2/53 وكنز العمال ج11 ص466 وراجع ص467 ومجمع البيان ج9 ص121 و122 وفيه: ما أزال أجد ألم الطعام.. وفي نص آخر: ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام.. وراجع البحار ج21 ص6 و7 والمحلى ج11 ص25 و27 والمصنف للصنعاني ج11 ص29 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج1 ص434 والبداية والنهاية ج3 ص400 والكامل لابن عدي ج3 ص402 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص32 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ والسيرة النبوية لابن هشام المجلد الثاني ص338 سلسلة تراث الإسلام. 12. المغازي للذهبي ص362 وسنن الدارمي ج1 ص33. 13. المغازي للذهبي، وعن صحيح البخاري ج5 ص179 والمحلى ج11 ص26 وصحيح مسلم ج7 ص14 و15 كتاب السلام. 14. السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص337 تراث الإسلام، وتاريخ الخميس ج2 ص52. 15. راجع فيما تقدم: السيرة الحلبية ج3 ص55 و56 وراجع تاريخ الخميس ج2 ص52 والمحلى ج11 ص26 و27 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير والمغازي للواقدي ج2 ص678. 16. سنن الدارمي ج1 ص33. 17. السيرة الحلبية ج3 ص45 وراجع: سنن أبي داود ج4 ص174 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير والمغازي للواقدي ج2 ص677 و678 وتاريخ الخميس ج2 ص52 عن الاكتفاء. 18. a. b. السيرة الحلبية ج3 ص56. 19. وهو عرق مستبطن الصلب، [والظاهر: أنه هو ما يعرف بالنخاع الشوكي] والأبهران يخرجان من القلب، ثم يتشعب منهما سائر الشرايين ـ أقرب الموارد ج1 ص64.. الجامع الصغير عن ابن السني، وأبي نعيم في الطب، وفيض القدير للمناوي ج5 ص448 ط دار المعرفة. 20. a. b. تاريخ الخميس ج2 ص52. 21. فتح الباري ج10 ص208. 22. طبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص6 و7 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388هـ. 23. راجع: مغازي الواقدي ج2 ص679. 24. راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص347 والكامل في التاريخ ج2 ص217 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص50. 25. راجع: المغازي للذهبي ص437 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص263 وإمتاع الأسماع ج1 ص316. 26. راجع: البحار ج17 ص318/320 و396 والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص177 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128. 27. البحار ج17 ص408 وراجع ص406 عن الخرائج والجرائح.وراجع: الخرائج والجرائح ج1 ص27 والخصائص الكبرى ج2 ص63 ـ 65. 28. راجع: الأمالي للصدوق ص135 والبحار ج17 ص395 و396 عنه.ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128. 29. البحار ج17 ص406 وج22 ص516 وبصائر الدرجات ص503. 30. بصائر الدرجات ص503 والبحار ج22 ص516 وج17 ص405 وإثبات الهداة ج1 ص604. 31. a. b. راجع: أسد الغابة ج1 ص174 والإصابة ج1 ص144 و145 والاستيعاب بهامشها ج1 ص136. 32. راجع: قاموس الرجال ج5 ص135 ـ 137 وغيره من كتب التراجم. 33. راجع: البحار ج28 ص20 وج22 ص516 وتفسير العياشي ج1 ص200 وتفسير البرهان ج1 ص320 وتفسير الصافي ج1 ص359 و389 ونور الثقلين ج1 ص33. 34. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 7، الصفحة: 560. 35. البحار ج22 ص246 عن الصراط المستقيم. 36. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، « المجموعة الخامسة »، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (270).
2020/10/15

الإمام الباقر وتأسيس علم الأصول

يُعد علم الأصول من العلوم الإسلامية الخالصة، وهو نتاج العقل الإسلامي من دون أن يشاركه فيه أحد، ولم يكن هذا العلم في بدايته علماً مستقلاً؛ بل كان متداخلاً مع علم الفقه، ثم تحول إلى علم مستقل بذاته، له مادته وموضوعه وقواعده ومنهجه.

وقد تطور مع تعاقب القرون استجابة لحاجات الفقيه في معرفة الأحكام الشرعية، نظراً لاتساع المجالات والمواضيع الفقهية المتجددة، وهو الأمر الذي يرتكز أساساً على منهج البحث العلمي الدقيق الذي يرسمه علم الأصول.

ويعتبر الإمام الباقر (عليه السلام) هو المؤسس لعلم الأصول، يقول الشيخ باقر شريف القرشي (رحمه الله): «من العلوم التي فتق أبوابها الإمام الباقر (عليه السلام) علم الأصول، وهو من أجَّل العلوم الإسلامية بعد علم الفقه، لأن الاجتهاد يتوقف عليه، فإنه لا يكون المجتهد قد حصل على ملكة الاجتهاد حتى يجتهد في بحوث هذا العلم.

وقد اتفق البحاث والعلماء على أن الإمام أبا جعفر (عليه السلام) هو أسبق من أسس هذا العلم، وأرسى قواعده»[1].

ويقول السيد حسن الصدر (رحمه الله): أول من فتح بابه وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر، وبعده ابنه أبو عبد الله الصادق، وقد أمليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله، جمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب مباحثه ككتاب أصول آل الرسول وكتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة وكتاب الأصول الأصلية، وكلها بروايات الثقات مسندة متصلة الإسناد إلى أهل البيت (عليهم السلام)[2].

ومع أنه لم ينشر ما أملاه الإمام الباقر (عليه السلام) في علم الأصول في كتاب مستقل، إلا أن علماء الإمامية قاموا بجمعها وترتيبها على مباحث علم الأصول على شكل روايات موثقة، ومسندة ومتصلة الإسناد بأئمة أهل البيت (عليهم السلام).

قواعد في علم الأصول

أسس الإمام الباقر (عليه السلام) مجموعة من القواعد الأصولية، أو نقلها عن آبائه الطاهرين، والتي يرجع إليها الفقهاء عند عدم توافر النص على الحكم الشرعي. وبعض هذه القواعد قواعد فقهية أو مشتركة بين الفقه والأصول؛ إلا أن علماء الأصول أدرجوها في علم الأصول. ومن أهم القواعد التي أرسى بنيانها الإمام الباقر (عليه السلام) ما يلي:

1- قاعدة الاستصحاب:

الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العلمي.

ولأجل توضيحه بالمثال تقريباً إلى الأذهان نقول:

 

إذا كان المكلف على حالة معينة وكان متيقناً منها ثم شك في ارتفاعها، فإن الشارع المقدس -هنا- يحكم عليه بإلغاء الشك وعدم ترتيب أي أثر عليه، والقيام بترتيب آثار اليقين السابق في مجال العمل والامتثال.

كما إذا كان المكلف على وضوء وكان متيقناً من ذلك، ثم شك في انتقاض وضوئه هذا بنوم أو غيره، فإنه -هنا- يبني على وضوئه السابق ويرتب عليه آثار الشرعية من جواز الصلاة به وغيره ويلغي الشك الطارئ عليه، بمعنى أنه لا يرتب عليه أي أثر[3].

وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) العديد من الأخبار التي يفهم منها إرساء قاعدة الاستصحاب والتي تفيد بعدم نقض اليقين بالشك ومنها:

أ- ما رواه زرارة بن أعين في الصحيح أنه قال: قلت له: - أي للإمام الباقر (عليه السلام)- الرجل ينام وهو على وضوء، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟

فقال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن، فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء.

قلت: فإن حرك في (على) جنبه شيء وهو لا (لم) يعلم به؟

قال: لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيء من ذلك أثر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض (تنقض) اليقين أبداً بالشك، ولكن (وإنما) ينقضه (تنقضه) بيقين آخر[4].

ب- ما رواه زرارة أيضاً المتضمنة أحكام شكوك الصلاة، قال: سألت الإمام أبا جعفر الباقر (عليه السلام): من لم يدر في أربع هو أو في اثنتين وقد أحرز الاثنتين؟

قال: يركع ركعتين وأربع سجدات -وهو قائم- بفاتحة الكتاب ويتشهد، ولا شيء عليه، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها ركعة أخرى، ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك باليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك في اليقين، ويتم على اليقين فيبني عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات[5].

وتوجد روايات أخرى كثيرة عن الإمام الباقر (عليه السلام) تشير إلى حجية الاستصحاب، وبذلك يكون الإمام (عليه السلام) قد أرسى هذا الأصل العملي الذي يرجع إليه الشاك في مقام العمل. علماً بأن الاستصحاب لا يجري حتى يتوفر في المستصحب اليقين السابق والشك اللاحق.

2- قاعدة التجاوز:

وتعني هذه القاعدة الحكم بوجود الشيء المشكوك بعد الدخول في غيره مما هو مترتب عليه، كما إذا شك في القراءة وقد ركع، وقد تظافرت الأخبار عن الإمام الباقر (عليه السلام) وولده الإمام الصادق (عليه السلام) في عدم العناية بالشك والمضي في الصلاة[6].

 

وما يفيد في إثبات هذه القاعدة ما ورد في موثقة إسماعيل بن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»[7] فالرواية تدل على عدم اعتبار الشك بعد التجاوز عن محل الجزء المشكوك فيه.

3- قاعدة الفراغ:

وتفيد الحكم بصحة العمل المركب الذي شك في صحته بعد الفراغ منه، كالشك في صحة الصلاة (لاحتمال الخلل)، فيحكم بصحة الصلاة وتماميتها، ولا يترتب الأثر على الشك.

ولا تختص القاعدة بالطهارة والصلاة، بل تعم جميع العبادات بل المعاملات كافة[8].

وقد استفيدت هذه القاعدة مما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كلما شككت فيه بعد الفراغ من صلاتك فامضِ ولا تعد »[9] فالرواية تدل على أن كل صلاة شك في صحتها بعد الفراغ فيها يحكم بصحتها وتماميتها.

وفي موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كلما شككت فيه مما مضى فامضه كما هو »[10] دلت على الحكم بالصحة والتمامية بالنسبة إلى العمل الذي شك فيه بعد الفراغ عنه، أعم من أن يكون المشكوك هو جزء العمل أو تمامه؛ وذلك لعموم الأدلة، ومن الأدلة العامة قوله (عليه السلام): « كلما شككت » في هذه الرواية، فيشمل جميع أقسام المشكوك [11].

ونكتفي بهذه القواعد كنماذج لما ساهم به الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في علم الأصول، حيث استفاد الأصوليون مما ورد في مروياته الكثير من القواعد الفقهية والأصولية.


الهوامش:

[1] موسوعة سيرة أهل البيت: الإمام محمد الباقر، ياقر شريف القرشي، ج17، ص 238.

[2] الشيعة وفنون الإسلام، السيد حسن الصدر، ص 95.

[3] مبادىء أصول الفقه، د. عبد الهادي الفضلي، دار الغدير، بيروت، طبع عام 1427هـ - 2006م، ص 122.

[4] جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج2، ص 350، رقم 2328.

[5] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص 370 - 371، رقم 1417.

[6] موسوعة سيرة أهل البيت، الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، باقر شريف القرشي، ج17، ص 239.

[7] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص 357، رقم 1360.

[8] القواعد الفقهية، د. السيد كاظم المصطفوي، دار المصطفى العالمية، قم، الطبعة الأولى 1430هـ، ص42.

[9] الوسائل، الحر العاملي، ج8، ص246، رقم10551.

[10] الوسائل، الحر العاملي، ج8، ص238، رقم10526.

[11] القواعد الفقهية، د. السيد كاظم المصطفوي، دار المصطفى العالمية، قم، الطبعة الأولى 1430هـ، ص44-45.

2020/07/28

ماذا تعرف عن الإسرائيليات؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36]

الآية المباركة ترشد إلى قضية عقلية، وهي أنه ليس للإنسان أن يحكم على أي أمر بالنفي أو بالإثبات إلا بدليل وحجة، فكما لا يصح لنا أن نعمل بأي حديث إلا إذا قامت حجة على صحة هذا الحديث، كذلك ليس لنا أن نحكم على أن الحديث مكذوب أو موضوع إلا إذا قام دليل واضح على كونه مكذوبًا أو موضوعًا، من هنا نتحدث هذه الليلة عن الإسرائيليات في التراث الإمامي من خلال محاور ثلاثة:

المحور الأول: ما معنى الإسرائيليات؟ وما هي أقسامها؟ وما هو منشأ اقترابها من التراث الإسلامي؟

هناك كتاب «الإسرائيليات في التفسير» للباحث عبد الله الحاج، أجهد هذا الباحث نفسه في تتبع موارد الروايات الإسرائيلية في التراث الإسلامي بصفة عامة وليس خصوص التراث الإمامي، فنحن مع هذا الكتاب في بعض المواطن.

أولاً: تعريف الإسرائيليات، ما معنى الإسرائيليات؟

كلمة إسرائيل كلمة عبرانية معناها الغلبة، إسرائيل الغالب، وهذا لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، والد النبي يوسف، لقب بإسرائيل، وسمي اليهود بني إسرائيل لأنهم ينتسبون إليه إما نسبًا وإما دينًا ونحلةً.

أما الإسرائيليات بحسب المصطلح في علم الحديث فهي المرويات القصصية التي يرجع أصلها إلى رواة يهود، كل قصة أصل روايتها من اليهود تسمى رواية إسرائيلية، وتوسع بعض الباحثين، مثل محمد حسين الذهبي في كتابه «الإسرائيليات في التفسير والحديث»، توسع واعتبر كل حديث موضوع أو مدسوس فهو إسرائيلي، يعني توسع في الحكم، وسمى كل حديث مدسوس إسرائيليًا، وإن لم يكن أصله من اليهود، ونحن بين هذين المصطلحين نمشي في محاور الموضوع.

ما هي أقسام الإسرائيليات؟ هل كل رواية إسرائيلية مرفوضة أم أننا نأخذ ببعض الروايات الإسرائيلية؟ الإسرائيليات على أقسام ثلاثة:

قسم يتوافق مع القرآن الكريم، أو يتوافق مع السنة النبوية القطعية، إذا وجدنا رواية، وإن كان راويها يهوديًا، لكن مضمونها موجود في القرآن، أو مضمونها موجود في روايات النبي ، لا نطرح هذه الرواية لأنها إسرائلية، مادام مضمونها صحيحًا موجودًا في الكتاب أو السنة القطعية.

مثلاً: ما نقله ابن جرير الطبري، راجع تفسير ابن كثير، الجزء الأول، صفحة 253، نقل عن ابن جرير عن عبد الله بن عمرو، عبد الله بن عمرو بن العاص كان من رواة الإسرائيليات، كان دائمًا يروي إسرائيليات، لأنه ذهب إلى الشام في تجارة، ووجد خرجين من كتب اليهود والنصارى، فحملهما إلى المدينة وصار ينقل عنهما، فهو من رواة الروايات الإسرائيليات، قال: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة، قال: أجل، وصفه في التوراة هكذا، يعني النبي محمد وصف بالتوراة بهذا الوصف: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، اسمك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقول لا إله إلا الله، ويفتح الله به قلوبًا غلفًا، وآذانًا صمًا، وأعينًا عميًا.

هذه الرواية صحيح مصدرها اليهود، وهي في التوراة، لكنها تتوافق مع القرآن الكريم، القرآن الكريم قال: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)، وقال: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)، فإذن كونها إسرائيلية لا يعني عدم صحتها.

القسم الثاني: رواية إسرائيلية واضحة مخالفتها للموازين العقلية أو الموازين الدينية، فترفض، مثلاً: هذه الرواية: في التوراة جاء في سفر التكوين، الإصحاح 19، أن لوطًا  وابنتيه - الذين نجوا من الهلاك لوط وابنتاه - قالت كبراهما لصغراهما: إن أبانا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا، هلمَّ نسقي أبانا خمرًا، ونضجع معه، فنحيي من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمرًا، ودخلت البكر واضجعت مع أبيها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: اضجعت البارحة مع أبي، فاسقه خمرًا الليلة وادخلي واضجعي معه، لنحيي من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا، وقامت الصغيرة واضجعت معه، ولم يعلم باضجاعهما ولا بقيامهما، فحبلتا ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنًا وسمته موأب، والصغيرة ابنًا وسمته بنوعمو.

طبعًا هذه الرواية واضح أنها رواية مرفوضة، لأنها تنسب للأنبياء ما لا يمكن نسبته إلى الرجل العادي فضلاً عن نبي معصوم مرسل من قبل الله تبارك وتعالى.

وقسم ثالث من الإسرائيليات، هو محل البحث، مثلاً: عندنا رواية أن حواء خلقت من الضلع الأيسر لآدم، هذه الرواية وإن كانت من الإسرائيليات، ولكنها في رفضها أو قبولها لابد من عرضها على الموازين، إذن مجرد كون الرواية إسرائيلية لا يعني أنها مرفوضة، لا، نبحث عنها، هل وردت أيضًا عن النبي، صحيح هذه الرواية رواها يهودي، لكن هل رويت أيضًا عن النبي أو عن الأئمة أم لا؟ فإن كانت رويت عن النبي أو عن الأئمة نعرضها على الموازين، الخطوة الأولى إثبات الصدور، نبحث هل أن سندها صحيح إلى النبي أو للإمام أم لا، أو قامت القرائن الموجبة للوثوق بصدورها، هذه الخطوة الأولى، ثم نأتي للخطوة الثانية: جهة الصدور، هل أن الرواية صدرت على سبيل التقية أم صدرت على سبيل الجد وبيان الحكم الواقعي، هذه الخطوة الثانية، ثم الخطوة الثالثة: قراءة المضمون، وقد ذكرنا في ليلة من ليالي عاشوراء أن سيدنا الخوئي قدس سره ذكر خمس ركائز لقراءة المضمون، أي رواية تقرأ من خلال الركائز الخمس، هل هي مخالفة للعقل؟ هل هي مخالفة للقرآن؟ هل هي مخالفة لعقيدة مسلمة؟ هل هي مخالفة لحقيقة علمية؟ هل هي مخالفة لحكم شرعي متسالم عليه؟ فإذا خلت الرواية عن هذه المخالفات الخمس وكانت صحيحة وجهتها صحيحة تكون الرواية حينئذ مقبولة ومحلاً للاعتماد.

إذن نحن ليست عندنا مشكلة، إسرائيليات يعني تطرح! لا، الإسرائيليات أقسام، القسم الذي اتضح أنه مخالف للكتاب، مخالف للعقل، مخالف لعقيدة، مخالف لحكم متسالم عليه، نطرحه، كسائر الروايات، يعني الإسرائيليات ليست لها ميزة، كل رواية نعمل هذا الميزان، كل رواية تروى عن النبي أو عن الأئمة سواء كانت إسرائيلية أو غير إسرائيلية، الإسرائيليات ليست لها ميزة، كل رواية تروى عن النبي أو الأئمة لابد من بحثها صدورًا وجهةً ومضمونًا، فإذا بحثت من الجهات الثلاث، وكانت تامة الشرائط، حينئذ يؤخذ بها، ويعمل بها.

السؤال الثالث: من أين تتسرب الإسرائيليات إلى تراث الأحاديث؟

من الواضح أن اليهود كانوا في المدينة المنورة، وكانوا مختلطين بالمسلمين، وبعضهم دخل الإسلام، إما نفاقًا وإما عن قناعة، فنتيجة هذا الاختلاط روى الصحابة عن اليهود بعض الروايات، ودخلت ضمن كتب التراث، دخلت ضمن كتب الحديث، ولكن هل تسربت الإسرائيليات إلى التراث الإمامي نفسه أم لا؟

هنا عدة من الباحثين من أهل السنة قالوا: نعم، التراث الإمامي دخلت فيه إسرائيليات، مثل أحمد أمين، وغيره من الذين نسبوا إلى التراث الإمامي أنه دخلت فيه بعض الإسرائيليات.

ننقل هنا عن محمد حسين الذهبي في كتابه «الإسرائيليات في التفسير والحديث» قال: إن أعداء الإسلام، ومنهم اليهود، هالهم الإسلام، وما لأهله من القوة، فتظاهر نفر منهم بالدخول في الإسلام وقلوبهم منه خاوية، وتشيعوا لآل البيت - يعني يريد أن يقول بأن الشيعة هم الذين أوصلوا الإسرائيليات إلى التراث - وصدورهم على الحقد طاوية، ووضعوا في ذلك كل أحاديث غريبة، ونسجوا قصصًا عجيبة، معظمها منتزع من أصول يهودية، ثم قال: إن عبد الله بن سبأ رأس الفتنة والضلال ومن ورائه سبئيون كثير تظاهروا بالإسلام وتلفعوا بالتشيع لآل البيت إمعانًا في المكر والخداع، وكان لهم نصيب كبير مركوم من الإسرائيليات الدخيلة.

يعني هذا يقول: التراث الإمامي أصلاً الكثير منه من الإسرائيليات، لأن الإمامية استندوا إلى عبد الله بن سبأ، وعبد الله بن سبأ هو رأس الفتنة والضلال، ومنه تسربت هذه الروايات الإسرائيليات إلى التراث الإمامي.،

أولاً: أنتم تعلمون أن قضية عبد الله بن سبأ كثير من الباحثين يقول أصلاً هذه قضية أسطورية، أصلاً لا يوجد هناك شخص اسمه عبد الله بن سبأ، لأن الذي روى هذه الأحداث كلها - أنه كان هناك شخص اسمه عبد الله بن سبأ، ودخل في الإسلام في زمان الإمام علي، والتصق بجماعة الإمام علي، وكان هو رأس الضلال، وهو في الأصل يهودي، وفعل ما فعل - كل هذه القصة يرويها سيف بن عمر، وسيف بن عمر في كتب علماء الرجال عند السنة لا الشيعة قدحوا في دينه وعبروا عنه بالزندقة فضلاً عن الكذب، هذا الذي روى القصة كلها، أن هناك رجلاً اسمه عبد الله بن سبأ، وفعل ما فعل، وهو رأس التشيع... والراوي للقصة رجل مطعون فيه من قبل علماء أهل السنة، هذا أولاً.

 

ثانيًا: افترض أن عبد الله بن سبأ كان إنسانًا موجودًا، ولعل من بعض الروايات في كتب الشيعة يظهر أن هناك شخصًا فعلاً كان اسمه عبد الله بن سبأ، لنفترض ذلك، نقول: هل من الممكن أن يكون تراث الشيعة يرجع إلى هذا اليهودي ولا نرى له رواية واحدة؟! أنت تتبع كل كتب الشيعة، الكتب الأربعة، التهذيب، الاستبصار، الكافي، من لا يحضره الفقيه، تتبع كتب الشيعة، فيها أكثر من 26 ألف حديث، لا يوجد فيها حديث واحد لعبد الله بن سبأ أصلاً، ليس من المعقول، إذا كان هو رأس التشيع وقام بهذه الأعمال كلها، فكيف لم يبقَ من أحاديثه ولا حديث واحد؟! إذن بالنتيجة الوجدان شاهد على اختلاق هذه الأحداث ونسبتها إلى التشيع والتشيع منها براء، ولسنا نحن الوحيدين الذين نقول بهذا.

الدكتور طه حسين في كتابه «الفتنة الكبرى، الجزء الثاني، ص902»، هو الذي يقول: ”إن خصوم الشيعة أيام الأمويين والعباسيين بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ ليشككوا في سبب ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته، وليشنعوا على علي وشيعته من ناحية أخرى، فيردوا بعض أمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيدًا للمسلمين“، ثم يقول: ”إن قضية عبد الله بن سبأ من مخلفات أعداء الشيعة“، وهذا كاتب سني، ليس شيعيًا، أصلاً هذه الأحداث كلها سطرها خصوم الشيعة في زمان الأمويين والعباسيين من أجل تشويه صورة علي  وشيعته، ومن أجل أن يتغافل ويتناسى المسلمون ما حصل من أحداث في زمان الخليفة الثالث من قبل بني أمية آنذاك.

المحور الثاني: ما هو موقف الإمامية من أئمة وعلماء تجاه ظاهرة الإسرائيليات؟ هل أن الأئمة وعلماءنا كانوا ملتفتين وواعين إلى وجود ظاهرة الإسرائيليات، وتحرزوا منها، وحصنوا التراث الإمامي من تسربها، أم كانوا غافلين عن هذه الظاهرة؟

عندما نتتبع الروايات نجد أن الأئمة وعلماء الشيعة كانوا في وعي تام من ظاهرة الإسرائيليات، وفي تحصن تام من تسربها ودخولها إلى كتب التراث الإمامي، أضرب لك شواهد على ذلك:

في زمان الإمام علي :

طبعًا الإسرائيليات كيف بدأت عن المسلمين؟ بدأت بالقصص، يأتي هؤلاء اليهود الذين أسلموا نفاقًا أو عن قناعة، يجلسون في المساجد، ويقصون القصص، والناس تسمع منهم، الناس تجلس وتسمع ”سوالف“ وكذبة بعد كذبة وترتاح قليلاً! فكانوا قصّاصين، ونتيجة هذه الظاهرة - ظاهرة القصص في المساجد - انتقلت الروايات وتسربت إلى التراث الإسلامي، منهم كعب الأحبار، منهم وهب بن منبه، منهم عبد الله بن سلام، هؤلاء كانوا أعمدة معروفين في رواية الإسرائيليات.

الإمام علي ماذا كان موقفه؟

لسنا نحن نقول، كتب أهل السنة تقول أن الخليفة الذي قاوم هؤلاء هو الإمام علي ، لاحظ «كنز العمال، الجزء الأول، ص172»: جاء الإمام علي  إلى قاص تقص، فقال: تقص ونحن حديثو عهد برسول الله؟! يعني أنت إذا كنت تعرف أشياء فنحن أولى منك لأننا حديثو عهد برسول الله ، أما إني أسألك عن مسألتين - يعني أختبرك في مسألتين - فإن أصبت وإلا أوجعتك ضربًا، ووقف ذات مرة الإمام علي على كعب الأحبار الذي هو رأس الروايات الإسرائيليات، وقال: إنه كذاب، رواها ابن أبي حديد المعتزلي في الجزء الرابع من شرح النهج، ورواها محمود أبو رية في «أضواء على السنة المحمدية، ص165».

الإمام الباقر تصدى للروايات الإسرائيليات:

لاحظ الكافي، الشيخ الكليني، الجزء الرابع، ص240، ينقل عن الإمام الباقر  أنه كذب كعب الأحبار، كعب الأحبار كان يقول أن الكعبة المشرفة تسجد كل صباح لبيت المقدس، حتى يريد أن يظهر أن الأصل هو بيت المقدس، الإمام الباقر لما وصلت إليه رواية كعب الأحبار قال: إنه يكذب، وليس كذلك.

إذن الأئمة كانوا يتصدون إلى هذه الروايات الإسرائيليات، من خلال أعمدة الروايات يتصدون لنفيها وتنبيه الناس عليها.

لاحظ الشاهد الآخر:

هذه الرواية في تفسير قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)، ابن جرير الطبري تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور، ينقلان عن ابن عباس أنه سئل: كيف هم بها؟ هي همت بها، هذا واضح، لكن هو يوسف كيف هم بها؟ قال: حل الهميان - يعني الصراويل - وجلس منها مجلس الخائن، فصيح به: يا يوسف، لا تكن كالطير له ريش، فإذا زنى قعد ليس له ريش.

هذا ابن جرير الطبري والسيوطي في الدر المنثور ينقلان عن هذا النبي العظيم أنه فعل ما فعل.

هذه الرواية كتبنا تكذبها، يعني كتبنا ترصد الروايات من الطرف الآخر وتحاول أن تسلط الضوء عليها، ليس من قبل علمائنا، بل من قبل علمائنا، من قبل أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كانوا في حال رصد وتتبع واستقصاء لما يروى من هذه الروايات المخالفة للقرآن أو المخالفة للقواعد المسلمة، لاحظ «عيون أخبار الرضا، الجزء الثاني، ص179»: سأل المأمون الإمام الرضا ، قال: يا أبا الحسن أخبرني عن قول الله عز وجل: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، فقال الرضا: لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها.

يعني هو ما هم بها أصلاً، هم بها لولا أن رأى برهان ربه، يعني مثلاً: أنت تقول: خرجت من المسجد لولا أني رأيتك، يعني أنا لم أخرج بالنتيجة، لأنني رأيتك فلم أخرج، لولا أني رأيتك لخرجت من المجلس، يعني بالنتيجة أنا ما خرجت، لأنني رأيتك، كذلك (هَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، يعني لو لم ير برهان ربه لكان هم بها، لكن لأنه رأى برهان ربه فهو لم يهم بها، فضلاً عن أنه صدرت عنه المعصية، حتى الهم لم يصدر منه، لأنه برهان ربه، فضلاً عن أنه صدرت منه المعصية، ولذلك قال القرآن الكريم: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)، لم يحل الصراويل، القرآن يقول: فاستعصم، (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)، ويقول القرآن عنه: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ)، فيوسف رأى برهان ربه، وبرهان ربه هو العصمة التي وهبها الله إياه كما ذكر الإمام الرضا  في الرواية، ولأنه رأى برهان ربه أصلاً ما هم به، فضلاً عنه أنه خطى بعض الخطوات لهذه الفاحشة.

الشاهد الثالث:

شاهد ثالث من مراقبة علمائنا وأئمتنا للإسرائيليات: لاحظوا هذه الرواية، الرواية يذكرها السيوطي في الدر المنثور، بطريق أنس عن مجاهد والسدي عن ابن عباس، قصة داوود  طويلة، أنا أنقل منها هذا المقطع: فبينما هو في محرابه إذ وقعت حمامة، فأراد أن يأخذها - وهو يصلي رأى حمامة فأراد أن يأخذها - فطارت إلى كوة المحراب، فذهب ليأخذها، فخرجت من الكوة، وهو وراء الحمامة، فإذا امرأة أوريا ابن حيان تغتسل، رأى امرأة تغتسل، فهواها، وهم بتزويجها، كيف يتزوجها وهي متزوجة؟! فبعث بأوريا إلى بعض سراياه، وأمر بتقديمه أمام التابوت الذي فيه السكينة، ففعل ذلك وقتل، تخلص منه بهذه الطريقة، فلما انقضت عدتها تزوجها، وبنى بها، فولد له منها سليمان! النبي يفعل الفاحشة والفاحشة تنتج نبيًا آخر!! فولد له منها سلميان، فبينما هو ذات يوم في محرابه، إذ دخل عليه رجلان.... إلى آخر القصة.

علماؤنا يقفون أمام هذه الروايات الإسرائيليات، لاحظ الشيخ الطبرسي في كتابه مجمع البيان، كتاب يحكي عن علم ودقة وموضوعية للشيخ الطبرسي، كان دقيقًا في فرز الروايات، عندما نقل هذه الرواية علق عليها، قال صاحب المجمع: إنه مما لا شبهة في فساده، فإن ذلك يقدح في العدالة فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه وسفراؤه بينه وبين خلقه بصفة من لا تقبل شهادته وعلى حالة تنفرهم عن الاستماع إليه والقبول منه؟! الجزء الثامن، ص473.

كما أن علماءنا تصدوا لرفض هذه الروايات أئمتنا من قبل ذلك كانوا بمرصد من هذه الرواية، لاحظ عيون أخبار الإمام الرضا، هذه الرواية عرضت على الإمام الرضا في زمانه، الإمام الرضا كان له فضل كبير على المذهب، هؤلاء الذين كتبوا على الإمام الرضا أنه كيف يقبل ولاية المأمون، وهذا المأمون خليفة غير شرعي، وكيف يقبل الولاية منه... هذه الفترة التي قبل الإمام فيها الولاية خفت التقية عليه، فكثير من الروايات صححها، وكثير من كتب الإمامية راجعها، وكثير من الاحتجاجات العقائدية صدرت عنه في هذه الفترة، الإمام الرضا  لما قرئت عليه هذه الرواية ضرب يده على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيًا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته، ثم خرج في إثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل؟! كل الذنوب جمعتموها في هذا النبي؟! إذن هذه شواهد على حرص الأئمة والعلماء على تجنب الإسرائيليات التي لا تتوافق مع القواعد المسلمة.

المحور الثالث: اختلاف التقويم.

عندنا قسم من الروايات اختلف العلماء في تقويمها، منهم من يراها صحيحة، منهم من يرفضها، منهم من يرفضها إلى حد أن يعتبرها موضوعة، يبقى هذا محل بحث تخصصي علمائي، كل يدلي بدلوه بحسب ما أوتي من قدرة علمية، أضرب لك أمثلة على موارد اختلف تقويم العلماء لها:

المورد الأول: زواج ولدي آدم من أختيهما.

قابيل وهابيل هل تزوجا أختيهما أم تزوجا امرأتين ليستا من نسل آدم؟ بعبارة أخرى: البشرية كيف أتت؟ أبو العلاء المعري له بيتان مشهوران:

 

إذا    ما    نظرنا    آدمًا    وفعالَه

 

علمنا  بأن  الخلق  من نسل فاجر

         وتزويجه    بنتيه    بابنيه   بالخنا

 

وأن جميع الناس من عنصر الزنا

لذلك بعض علمائنا ردّ عليه ببيتين آخرين، قال له:

 

كذبتَ    ويأبى   اللهُ   جعلَ   خليفةٍ

 

ولكن   مرآة   الفتى   عين   ذاته

         على  خلقه  في الناس يأمر بالزنا

لذاك رأيتَ الخلقَ من عنصر الزنا

كيف تناسلت البشرية؟! هذه قضية مازالت محل البحث من القديم إلى الآن، عندنا رواية عن الإمام السجاد أن ولدي آدم تزوجا أختيهما، وأن البشرية جاءت عن هذا الطريق، الأخوان تزوجا الأختين، الإنسان عندما تعرض عليه هذه الرواية ينفر منها طبعًا، كيف تتزوج الأختان الأخوين؟! إذن معناه أن هذه الرواية إسرائيلية، هذه الرواية مدسوسة، لم؟ لأنه لا يعقل زواج الأخوين من الأختين.

دعنا نرى العلماء ماذا يقولون في هذا المجال، راجع صاحب الميزان، هذا العالم العظيم، العلامة الطباطبائي صاحب كتاب تفسير الميزان، وكتاب تفسير الميزان مازال أقوى التفاسير الإسلامية كلها، من بين كل هذه التفاسير الإسلامية إلى الآن أقوى تفسير من حيث العمق والدقة هو تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، العلامة الطباطبائي في الجزء الرابع من الميزان ص174 يقول: وفي الاحتجاج - يعني كتاب الاحتجاج للطبرسي - عن السجاد في حديث له مع قرشي يصف زواج هابيل بلوزا وزواج قابيل بإقليما، فقال له القرشي: فأولداهما؟! يعني تزوج الأخوان من الأختين وأنجبا؟! قال: نعم، قال القرشي: فهذا فعل المجوس، المجوس هم الذين يتزوجون من المحارم! فقال الإمام: إن المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، لا تنكر هذا، إنما هي شرائع الله جرت، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟! فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك.

هذه الرواية تنقل عن الإمام السجاد أن تحريم الزواج من الأخوات لم يكن في شريعة آدم، وإنما هو حدث بعد ذلك في الشرائع اللاحقة، في شريعة آدم كان زواج الأخ من أخته مباحًا، فبالنسبة إلى هابيل وقابيل فعلا مباحًا ولم يفعلا فاحشةً، لأن هذا الزواج كان مباحًا في شريعة آدم، إنما حرّم في شرائع لاحقة.

صاحب الميزان ماذا يقول في الرواية؟ وهو من علمائنا يقول: وهذا الذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب - يعني هذه الرواية موافقة للقرآن - والاعتبار أيضًا، كيف موافق لظاهر القرآن؟ صاحب الميزان يقول: إذا نراجع الآية: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، القرآن قال: وبث منهما، يعني النسل انحدر من آدم وحواء، فإذا النسل انحدر من آدم وحواء معناه أن الأب والأم كلاهما من آدم وحواء، صاحب الميزان يقول أن هذه الرواية ليست إسرائيلية، أصلاً هذه رواية موافقة للكتاب، وموافقة للاعتبار.

هذا عالم في مقابله علماء آخرون، كالسيد السبزواري، كالسيد علي الفالي، قدس سرهما، يقولان: لا، عندنا رواية أخرى أرجح من هذه الرواية سندًا ومتنًا نأخذ بها، وهي: عن الصادق  في علل الشرائع للصدوق، الصادق هناك تنقل عنه رواية أن الأخوين تزوجا امرأتين ليسا من نسل آدم، يعني كأن الله كما خلق حواء من الأرض خلق امرأتين أيضًا من الأرض، وزوج بهما هابيل وقابيل، فتناسلت البشرية منهما، فهما لم يتزوجا أختيهما، إنما تزوجا امرأتين ليستا من نسل آدم.

لا نقول بأنهما تزوجا حورتين أو جنيتين حتى يقال: لا تسانخ بين الإنس والجن، فكيف يحصل بينهما زواج وإنجاب؟! نقول: لا، تزوجا من امرأتين خلقتا من الأرض، كما خلق آدم وحواء من الأرض خلقت فتاتان من الأرض وتزوج قابيل وهابيل منهما، وبذلك تم تناسل البشرية.

إذن هذه القصة وهذه الروايات هي محل خلاف بين الأعلام، لذلك لا نستطيع أن نقول: هذه الرواية مدسوسة أو إسرائيلية، مادامت هي محل بحث علمي، ولكل عالم نظره واعتباره الذي يقدمه في هذا المجال، لاحظوا كلام السيد صاحب الميزان ص145 من الجزء الرابع من الميزان، يدافع عن هذه الرواية، أن الأخوين تزوجا من الأختين، هذا مثال لمورد الاختلاف.

المثال الثاني: ما نقل في كتاب التفسير لعلي بن إبراهيم القمي.

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ما هو معنى ق؟ ذكرت رواية في تفسير علي بن إبراهيم القمي: ق جبل محيط بالدنيا - يعني بالأرض - من وراء يأجوج ومأجوج، وهو قسم، يعني الله أقسم به، قال: ق، يعني يقسم بقاف، ق جبل أقسم به الله، وهو جبل محيط بالدنيا، من وراء يأجوج ومأجوج، هذا الكلام موجود في كتاب تفسير علي بن إبراهيم القمي.

السيد صاحب الميزان - أعلى الله مقامه - في الجزء الثامن عشر من الميزان ص15 يذكر كلام تفسير علي بن إبراهيم ويعلق عليه، يقول: وكيفما كان، لا تعويل على هذه الروايات، وبطلان ما فيها يكاد يلحق اليوم بالبديهيات، يعني بطلانها واضح، هل هذه الرواية من الإسرائيليات لأن بطلانها واضح أم لا؟ هنا أمران:

الأمر الأول: هذه معلومة اجعلها في ذهنك، كتاب علي بن إبراهيم ليس كله لعلي بن إبراهيم، مختلط بثلاثة تفاسير أخرى معه، أحد تلامذة علي بن إبراهيم اسمه أبو الفضل بن العباس، من أحفاد العباس بن علي، من سلالته، هذا خلط بين تفسير علي بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود، وتفسير نقله ابن فضال عن علي بن أبي حمزة البطائني، وأبو الفضل نفسه أضاف روايات في التفسير من عنده، جمع الجميع تحت كتاب تفسير علي بن إبراهيم، فتفسير علي بن إبراهيم لم يصل إلينا كما هو، بل وصل إلينا مختلطًا بتفاسير أخرى وبروايات أخرى لا نعلم عنها ولا نحرز مصدرها، لأجل ذلك إذا وجدنا رواية في هذا التفسير الموجود الآن لا نستطيع أن ننسبها إلى علي بن إبراهيم، علي بن إبراهيم من علمائنا الكبار، لا نستطيع أن نقول: هذه الرواية من تفسير علي بن إبراهيم، أين تفسير علي بن إبراهيم؟! تفسير علي بن إبراهيم مختلط، والجامع الذي جمع هذه الكتب الأربعة لم يفرزها، لم يقل هذا قسم علي بن إبراهيم، وهذا قسم أبي الجارود... أبدًا، إذن مع ورود هذا الكتاب مختلطًا لا يمكن أن ننسب الرواية إلى علي بن إبراهيم بشكل جازم، هذا أولاً.

ثانيًا: لنفترض أن هذه الرواية وردت في تفسير علي بن إبراهيم، وهي رواية لا يمكن تصديقها، العلماء بحثوا وداروا الأرض كاملةً فلم يجدوا جبلاً محيطًا بالأرض، بطلانها واضح، هل هذا يعني أنها من الإسرائيليات؟! لا، ذكرنا في ليلة من ليالي عاشوراء: ليست كل رواية يكون مفادها غير صحيح معناه أنها مكذوبة وموضوعة أو من الإسرائيليات، لأن قسمًا من الروايات التي لا يمكن تصديقها صدرت عن أهل البيت  في حال التقية.

وذكرنا روايات السهو، روايات نسبت السهو إلى النبي، وهي روايات صحيحة، عن الصادق  أن رسول الله سهى ونام عن صلاة الصبح، الإمام الحكيم رحمه الله - السيد محسن الحكيم - يقول: أنا أستحي من امرأتي أن أنام عن صلاة الصبح ورسول الله ينام عن صلاة الصبح؟! أنا أستحي من زوجتي أن تراني نائمًا عن صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ورسول الله ينام عن صلاة الفجر فلم يستيقظ حتى آذانه حر الشمس؟! إذن رواية عن الصادق صحيحة السند أن الرسول نام، ماذا نفعل؟! يقولون صدرت على سبيل التقية، يعني لما كان مذهب أهل السنة في زمان الإمام الصادق يرى سهو النبي ويؤكد عليه، الإمام اضطر في بعض الظروف أن ينقل هذه الرواية ولكنها عن كلمات أهل السنة لا عن نفسه، فصدرت عنه على سبيل التقية، فليست كل رواية لا تصدّق يعني أنها مكذوبة أو مدسوسة أو من الإسرائيليات، ليس الأمر كذلك.

 

الشاهد الثالث: ما ورد في خلق حواء.

هل أن حواء خلقت من ضلع آدم أم لا؟

عندنا هذه الرواية: أن حواء خلقت من الضلع الأيسر من أضلاع آدم، وهذه الرواية موجودة في التوراة، في التوراة، سفر التكوين، الباب الثاني، موجود فيه: إن الله قد أخذ من ضلع آدم، وخلق له زوجة، فلما دنت من آدم، قال آدم: هذا العظام عظامي واللحم من لحمي، يعني أنها خلقت من ضلعه.

هذه الرواية معارضة، يعني كما توجد هذه الرواية في بعض كتبنا يوجد معارض لها في بعض كتبنا، لاحظ مثلاً هذه الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في علل الشرائع، الجزء الأول، قال: عن زرارة: سئل أبو عبد الله - يعني الصادق -  عن خلق حواء، لاحظ الأئمة كيف يتصدون لروايات أهل السنة، يتتبعونها ويعلقون عليها، أو يتصدون للإسرائيليات ويعلقون عليها، الإمام يعلق على رواية في التوراة، ووردت في بعض كتبنا الشيعية، لكن لا نأخذ بها لوجود التعليق عليها في رواية أخرى، سئل أبو عبد الله -  - عن خلق حواء، وقيل له: إن أناسًا عندنا يقولون: إن الله خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، قال: سبحان الله! وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، أيقول من يقول هذا إن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه؟! يعني عاجز لا يستطيع أن يخلق حواء إلا من ضلع آدم ويكسّر أضلاعه؟! يخلقها من مكان آخر! لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه؟! وجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام، يقول: إن آدم ينكح بعض بعضًا، إذا كانت من ضلعه، ما لهؤلاء؟! حكم الله بيننا وبينهم.. فإذن الإمام يعلق على الرواية، يكذّب الرواية.

فإذن نحن كما قال السيد صاحب الميزان في الجزء الرابع ص174، قال: مضمون الرواية أن حواء خلقت من آدم هذا المضمون العقل لا يرفضه، ليس أمرًا محالاً، لكن بعض أن وجدت الروايات المعارضة والتي لا تؤيد صدور هذه الرواية علمنا أن الأئمة يتابعون الروايات المنقولة وهم بمرصد تجاهها ليعلقوا عليها بالقبول أو الرفض.

الشاهد الأخير:

الشاهد الأخير على الروايات التي هل محل خلاف في مجال التقويم: في وصف القوم الجبارين في قوله تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا)، ما معنى جبارين؟ هنا صاحب هذا الكتاب الباحث - جزاه الله خيرًا - عبد الله الحاج في كتابه الإسرائيليات، بعض الموارد اشتبه فيها، وفي بعض الموارد كان دقيقًا في النقل، هذا المورد الذي نقله محل تأمل.

قال: عندنا رواية عن وهب بن منبه، وهب بن منبه من أعمدة من روى الإسرائيليات، ماذا قال؟ كان هناك شخص اسمه عوج بن عنق، طوله ثلاثة آلاف ذراعًا، وكان يمسك الحوت ويشويه في الشمس، يضعه أمام الشمس ويشويه، لا يأكل إلا مشويًا! وأن طوفان نوح لم يصل إلى ركبته، الطوفان الذي بلغ الجبل لم يصل إلى ركبة عوج، وإن موسى كان طوله عشرة أذرع، وعصاه عشرة أذرع، فوثب في الهواء عشرة أذرع، صار المجموع ثلاثين، فأصاب كعب عوج، فقط الكعب أصابه، لم يصل إلا للكعب، ضربه في الكعب، فقتله، فكان جسرًا لأهل النيل سنة! جعلوه جسرًا على النيل سنةً كاملةً يمرون عليه بالحمير والقوافل!

يقول: هذه الرواية رواها الشيخ المجلسي في البحار، الجزء الحادي عشر، ص423، ورواها الشيخ الطوسي في التبيان، الجزء الثالث، ص484، ورواها الشيخ الطبرسي في مجمع البيان، الجزء الثالث، ص31، والعلامة الطباطبائي صاحب الميزان قال بعد أن ذكر هذه الروايات قال: وقد ورد في عدة من الأخبار في صفة هؤلاء الجبارين من العمالقة وعظم أجسامهم وطول قاماتهم أمور عجيبة لا يستطيع ذو عقل سليم أن يصدقها، ولا يوجد في الآثار الأرضية والأبحاث الطبيعية ما يؤيدها، فليست إلا موضوعة مدسوسة «راجع الميزان، الجزء السادس، ص290».

إذا قرأنا هذا الكلام نظن أن المدسوسات تسربت إلى كتب الإمامية، لأن البحار رواها، التبيان للطوسي رواها، مجمع البيان للطبرسي رواها، والسيد صاحب الميزان يقول: هذه روايات مدسوسة موضوعة، إذن تسرب المدسوس والموضوع، بشكل واضح، رواية واضح أن العقل لا يقبلها موجودة.

لكن عندما نراجع نجد أن هذه الكتب الثلاثة روتها عن أهل السنة لا عن الأئمة، الشيخ الطوسي، صاحب البحار.. نقلوها عن مجاهد وقتادة، ولم ينقلوها عن كتبنا كتب الإمامية، قالوا: هذه الرواية التي تراها رواها مجاهد وقتادة، وأنت قرأت في المدرسة، كم مرة مر عليك في مقررات المدرسة في كتب التفسير عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي؟! هؤلاء علماء التفسير عند بعض المذاهب الإسلامية، عندنا لا وزن لهؤلاء، التفسير للأئمة، لأئمتنا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فعلماؤنا لم ينقلوا الرواية عن كتبنا وتراثنا كي تكون الرواية مدسوسة في تراثنا، وإنما نقلوها عن علماء التفسير عند أهل السنة عند المذاهب الأخرى، وبالتالي لابد من تتبع مصدر الرواية حتى يتأكد أنها كانت في تراثنا أو أنها من التراث الآخر، وإنما نقلها بعض علمائنا لبيان أن في تراثهم مثل هذه الروايات ومثل هذه القصص.

إذن وصلنا إلى هذه النتيجة: أننا لم نجد رواية واضحة أنها من الإسرائيليات ووردت في تراثنا، هناك روايات هي محل خلاف بين الأعلام، تبقى بحثًا تخصصيًا لا أكثر، وإلا ترون أن محمد بن أحمد بن يحيى صاحب كتاب نوادر الحكمة، روى في كتابه النوادر بعضًا من الروايات عن وهب بن منبه، وهو ممن روى الإسرائيليات، وهذا الإنسان كان قبل الشيخ الصدوق، بمجرد أن روى ذلك جاء محمد بن الحسن بن الوليد استثنى هذه الروايات، قال: ما رواه صاحب نوادر الحكمة عن وهب بن منبه لا يؤخذ به ولا يروى، تحفظًا على التراث الإمامي أن تعبر عليه بعض هذه الروايات أو بعض هذه الإسرائيليات، وإلا فعلماؤنا في مقام التحقيق دائمًا والتنقيح دائمًا للتراث الوارد.

روايات كربلاء لم يروها الشيعة فقط، رواها حتى أهل السنة، بعض الكتب من أهل السنة أدخلت في روايات كربلاء بعض الروايات، وبالتالي الإنسان لابد أن يكون دقيقًا في مقام نقل أي حدث من أحداث كربلاء، من أين مصدره؟ إذا كان مصدره من تراث الإمامية عن الرواة الإمامية فهذا شيء، أما إذا كان مصدره شيئًا آخر فلابد من التأكد.

مثلاً: الطبري في تاريخه - وهو من أقدم المؤرخين - نقل أغلب قصة كربلاء، نقل منها هذه الرواية: أن الحسين  لما وصل إلى منطقة زرود سمع بخبر مقتل مسلم بن عقيل، فتراجع، أراد أن يترك الثورة، فأصر عليه إخوة عقيل، وقالوا: لا نرجع حتى نأخذ بثار أخينا مسلم بن عقيل، فنزل على رأيهم، يعني هو ما كان يريد أن يذهب، لكن ماذا يفعل؟! هؤلاء أجبروه، قالوا له: مسلم قتل، لابد من أن نأخذ بثأره! يعني قضية الحسين كلها قضية ثار، كان ذاهبًا ليأخذ بثار مسلم!

واضح أن هذه الرواية تشويه لحركة الحسين ، الذي خرج لأجل ثأر مسلم لما عرضت عليه البيعة وقالوا: أنت في حل، لماذا قال: والله لا أعطيكم بيدي؟! قال لك الجماعة أنت في حل، ارجع، وانتهت القضية! لماذا تقول: والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد وهيهات منا الذلة وإني زاحف بهذه الأسرة وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا... كل ذلك لا يلتقي مع هذه الرواية، واضح من خطابات الحسين ومن روايات مسيرة الحسين أنه كان مصرًا على خوض هذه المعركة، مصرًا على خوض هذه المعركة، مهما بلغت النتائج، ولم يكن خروجه لأجل الأخذ بثأر مسلم بن عقيل .

إذن الرواية لابد أن يدرس أين مصدرها، وبأي داع وردت هذه الرواية، لأجل ذلك نعتمد على ما ورد عن أهل البيت في قضية كربلاء، أكبر الرواة لقصة كربلاء هم زين العابدين وسكينة بنت الحسين، لأنهما بقيا بعد الحسين فترة طويلة، لذلك رويا كثيرًا من القصص والأحداث التي حصلت في كربلاء، وما ورد عن زين العابدين وعن سكينة بنت الحسين من أعظم الفواجع، من أعظم الفواجع الروايات التي وردت عن هذين في سرد قصة كربلاء ونقل ما حدث في كربلاء، وترى من الروايات أنه لما أقبلت قبائل بعض أهل الكوفة، نحن لا نقول أهل الكوفة كلهم غدروا وأهل نفاق... لا، كان فيهم أنصار الحسين، كان فيهم أصحاب الأئمة ، وكان فيهم من يركض وراء الدرهم والدينار، جاءت بعض قبائل أهل الكوفة ليحتزوا الرؤوس، كل قبيلة ترفع رأسًا وتجعله أمامها لتتقرب به إلى عبيد الله بن زياد، فاحتزوا الرؤوس إلى أن أقبلت قبيلة تبحث عن رأس فلم تجد، هناك شخص خبيث واقف، قال: أنا رأيت الحسين دفن طفلاً خلف الخيام...

2020/07/23

الإمام الجواد ومحنة الإمامة

من المعلوم أن منصب الإمامة كمنصب النبوة منصب إلهي، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يختار ويعين الأئمة كما الأنبياء (عليهم السلام)، ولذلك لا يبقى للسن والعمر أي مدخلية في الاختيار، وأن صفات الكمال من العلم والمعرفة والعصمة وغيرها هي السمات التي يتحلى بها المصطفون من عباده، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[1].

وكما اصطفى الله تعالى بعض أنبيائه وهم في سن مبكرة كما في نبوة عيسى بن مريم (عليها السلام) كذلك اصطفى بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهم في سن مبكرة. وأول إمام مفترض الطاعة تسلم مقاليد الإمامة وهو في سن مبكرة جداً هو الإمام الجواد (عليه السلام)؛ إذ كان عمره ست سنوات وبضعة شهور، وهو الأمر الذي جعل بعض الشيعة -فضلاً عن غيرهم- في بادئ الأمر في حالة من الحيرة والارتباك والتشكيك في قدرة قيام إمام في سن مبكرة على النهوض بواجبات الإمامة ومسؤولياتها.

وقد أشار لذلك ابن رستم الطبري -وهو من أعاظم علماء القرن الرابع الهجري- إذ كتب يقول: «ولما بلغ عمره -أي الإمام الجواد- ست سنين وشهور قتل المأمون أباه، وبقيت الطائفة في حيرة واختلفت الكلمة بين الناس، واستصغر سن أبي جعفر، وتحير الشيعة في سائر الأمصار»[2].

ولم يقتصر أمر التشكيك والحيرة في إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) على عوام الشيعة بل امتد إلى علمائهم؛ فقد ذكر أبن رستم الطبري أيضاً: اختلف الناس في جميع الأمصار، واجتمع الريان بن الصلت وصفوان بن يحيى ومحمد بن حكيم وعبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلزل يبكون ويتوجعون من المصيبة.

فقال لهم يونس: دعوا البكاء! من لهذا الأمر؟! يفتي المسائل إلى أن يكبر هذا الصبي -يعني أبا جعفر- وكان له ست سنين وشهور ثم قال: أنا ومن مثلي.

فقام إليه الريان بن الصلت فوضع يده في حلقه ولم يزل يلطم وجهه ويضرب رأسه ثم قال له: إن كان أمر من الله جل وعلا كابن يومين مثل ابن مائة سنة، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه وهذا مما ينبغي أن ينظر فيه، وأقبلت العصابة على يونس تعذله[3].

وهذه المشكلة والأزمة التي واجهها الإمام الجواد (عليه السلام) لم يواجهها أحد من أئمة أهل البيت السابقين، فقد كان أول إمام يتسلم منصب الإمامة وهو في سن مبكرة جداً، لكنه استطاع بعلمه وحنكته وسعة معارفه أن يثبت للجميع أنه أهل للإمامة وجدير بها، وقد أذعن له الأعداء فضلاً عن الأتباع بعدما رأوا مؤهلاته الدينية والعلمية والمعرفية بما لا يمكن لغير الإمام المفترض الطاعة أن يمتلك تلك العلوم والمعارف.

وقد مهد الإمام الرضا (عليه السلام) لإمامة ابنه الجواد؛ فقد أشار لأصحابه وشيعته إلى أن الإمام من بعده هو ابنه الجواد (عليه السلام)، وأنه يستلم الإمامة وهو في سن مبكرة، وأن هذا لا يقدح في إمامته ومكانته العلمية.

يقول أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام): كنت واقفاً عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بخراسان، فقال قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟

قال: إلى أبي جعفر ابني. - وكأن القائل استصغر سن أبي جعفر- فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله سبحانه بعث عيسى رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (ع)[4].

فالإمام الرضا (عليه السلام) كان يعلم أن عمر الإمام الجواد (عليه السلام) قد يجعل البعض يشكك في أهليته للإمامة، لذلك استشهد الإمام الرضا (عليه السلام) بعيسى بن مريم (عليه السلام) الذي قد بعث بالنبوة وهو في عمر صغير، ولم يمنعه ذلك من أهليته للنبوة، فكذلك الإمام والإمامة.

وقال الإمام الرضا (عليه السلام) أيضاً لمعمر بن خلاد -وهو أحد أصحابه-: « هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا القذة بالقذة»[5].

وقال الإمام الرضا (عليه السلام) بعدما وُلِد له أبو جعفر (عليه السلام): «إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود»[ 6].

وبهذا التوجيه والإرشاد من الإمام الرضا (عليه السلام) لأصحابه ومؤيديه وشيعته أراد أن يعالج مسألة تولي الإمام الجواد (عليه السلام) من بعده مقاليد الإمامة وهو في عمر صغير، وأن العمر ليس مقياساً لأهلية تولي منصب الإمامة، كما أنه ليس مقياساً لأهلية تولي منصب النبوة.

واستطاع الإمام الجواد (عليه السلام) أيضاً بما يملك من علم وحكمة ومعرفة أن يزيل الشكوك من قلوب بعض الموالين فضلاً عن غيرهم، وقد أعلن بنفسه أنه أعلم أهل زمانه مستعداً للإجابة على كل أسئلة العلماء فضلاً عن غيرهم.

فقد روي أنه جيء بأبي جعفر (عليه السلام) إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موت أبيه، وهو طفل، وجاء إلى المنبر ورقا منه درجة ثم نطق فقال: أنا محمد بن علي الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم، وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين، وبعد فناء السموات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضلال، ووثوب أهل الشك، لقلت قولاً تعجب منه الأولون والآخرون [7].

بهذا الإعلان الواضح يعلن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه الإمام المفترض الطاعة، وأنه يملك أسرار العلوم والمعارف، وأنه أعلم الناس في زمانه بالشريعة المقدسة، وأفقههم في مسائل الحلال والحرام، وأعرفهم بمفاهيم الإسلام وفلسفته وأحكامه.

وقد جاء إليه في المدينة المنورة العلماء والفقهاء من سائر الأمصار والبلدان ليتعرفوا عليه، وليسألوه مختلف المسائل، وبعضهم كان بدافع امتحانه ومعرفة أهليته للإمامة نظراً لصغر سنه، وقد أجاب على جميع أسئلتهم مما دفعهم للاطمئنان أكثر بأنه الإمام المفترض الطاعة بعد أبيه الإمام الرضا (عليهما السلام).

وزبدة القول إن الإمام الجواد (عليه السلام) هو أول إمام ينهض بأعباء ومسؤوليات الإمامة وهو لم يبلغ الحلم، مما أثار جملة من الشكوك، وحالة من الارتباك والقلق، لدى جمع من شيعته والموالين له، فضلاً عن أعدائه وخصومه؛ لكن الإمام الجواد (عليه السلام) استطاع أن يتجاوز كل تلك الشكوك، وأن يثبت للجميع أهليته للإمامة، بما يملك من علم ومعرفة وحكمة، وأنه كما يصح للنبي أن يكون نبياً وهو لم يبلغ الحلم كعيسى بن مريم ويحيى بن زكريا بنص القرآن الكريم، كذلك يصح للإمام أن يكون إماماً وهو لم يبلغ الحلم.

فالعمر ليس مقياساً في أهلية المعصوم للنبوة أو للإمامة، وإنما ذلك منصب إلهي يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده المصطفين.

وقد قام الإمام الجواد (عليه السلام) بنشاط واسع وجهد كبير لإثبات أهليته للإمامة، وتبديد كل الشكوك والتساؤلات التي كانت تثار حول إمامته بعد رحيل أبيه الإمام الرضا (عليهما السلام).

وقد تجاوز الإمام الجواد (عليه السلام) تلك المشكلة والإشكالية والمحنة من خلال تصديه للإجابة على كل الأسئلة، ومناظراته لكبار علماء وفقهاء عصره، وما يملكه من أسرار العلوم والمعارف الدينية، أن يثبت للجميع أنه الإمام المفترض الطاعة، وهذا ما أذعن له جميع الموالين بعد التأكد والاطمئنان بأهليته للإمامة، وأحقيته في ذلك، وأنه إمام أهل زمانه وعصره، والإمام التاسع من أئمة أهل البيت الأطهار.


الهوامش:

[1] سورة آل عمران، الآية: 33.

[ 2] دلائل الإمامة، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ - 1988 م، ص 200.

[ 3] دلائل الإمامة، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ - 1988 م، ص 200- 201.

[ 4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 50، ص 23، رقم15.

[ 5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج50، ص21، رقم9.

[ 6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج50، ص 18، رقم3.

[ 7] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج50، ص 108، رقم 27.

2020/07/21

جمع الأوراق من الطريق ليكتب عليها: «عالم شيعي» يتحدّى الفقر والنسيان (فيديو)

الشيخ محمّد صالح بن أحمد السَرَوي المازندراني الإصفهاني.

من أقوال العلماء فيه:

  • قال السيّد محمّد باقر الخونساري (قدس سره) في روضات الجنّات: «كان من العلماء المحدّثين والعرفاء المقدّسين، ماهراً في المعقول والمنقول، جامعاً للفروع والأُصول».
  • قال الشيخ الحرّ العاملي (قدس سره) في أمل الآمل: «فاضل، عالم، محقّق، له كتب».
  • قال السيّد علي البروجردي (قدس سره) في طرائف المقال: «وهو على ما رأيته في كمال الوثاقة والعلم، خصوصاً في الأُصول، وكان مجتهداً مسلّماً له القضاوة».
  • قال الشيخ النمازي الشاهرودي (قدس سره) في مستدرك سفينة البحار: «العالم العامل الكامل المدقّق المحقّق، الجامع للمعقول والمنقول».

2020/06/27

بين قادح ومادح.. ماذا تعرف عن الشيخية؟

الشيخية هم طائفة من الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ولقّبوا بهذا الاسم نسبة إلى شيخهم ومعلمهم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وهم لا يختلفون في أُصول الدين وأُمهات المسائل الشرعية عن سائر الشيعة الإمامية، وليسوا أخباريّين كما ربما يتوهّم، نعم لهم بعض الآراء والمعتقدات الخاصّة كما نشير إليها.

وهم اليوم موجودون في إيران والعراق والكويت والأحساء، وينقسمون إلى فرقتين: «الركنية» و «الكشفية»، ولكلّ فرقة آراؤها الخاصّة.

ومبدأ نشوء هذه الطائفة هو بعد بروز الشيخ أحمد الأحسائي في مطلع القرن الثالث عشر الهجري كعالم أوحد متميز له بعض النظريات والأفكار الجديدة في علم الفلسفة والعقائد الإسلامية، وحيث كان الشيخ ذا عبقرية فذة وعرف منه الزهد والإغراق في العبادة ـ هذا بالإضافة إلى مقامه العلمي الشامخ ـ لذا كان ذا جاذبية قوية ومؤثرة أدّت إلى وجود تيار جارف من الموالين والأنصار له، ومعظم أنصاره كان من إيران، وبعضهم من العراق ودول الخليج، وهؤلاء هم كانوا النواة والقاعدة الّتي تحوّلت فيما بعد إلى طائفة مستقلة تسمّى بـ «الشيخية».

لذا وقبل كل شيء لابد أن نعرج على سيرة وحياة الشيخ أحمد الأحسائي.

سيرة الشيخ أحمد الأحسائي : ( [1])

أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن صقر بن إبراهيم الأحسائي المطيرفي.

كان فقيهاً، إمامياً، حكيماً، مشاركاً في فنون شتى، له شهرة وأتباع أسّسوا ما يُعرف بفرقة الكشفية، ويقال لها أيضاً الشيخية.

ولد في المُطيرف (من قرى الأحساء) سنة ست وستين ومائة وألف .

وتلقّى مبادئ العلوم عن محمد بن محسن الأحسائي، وغيره .

وارتحل إلى العراق في سنة (1186 هـ)، فحضر في كربلاء على: محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني، والسيد محمد مهدي بن أبو القاسم الشهرستاني، والسيد علي بن محمد علي الطباطبائي، وفي النجف على جعفر كاشف الغطاء.

وأجاز له أساتذته الشهرستاني والطباطبائي وكاشف الغطاء، وآخرون مثل: السيد محمد مهدي بحر العلوم، وأحمد بن حسن الدمستاني، وحسين بن محمد العصفوري البحراني.

وقد أقام في البحرين مدّة أربع سنين، ثمّ سكن البصرة بعد أن زار العتبات المقدسة سنة (1212 هـ). وسافر إلى إيران، فلبث في يزد مدة ثمّ انتقل إلى كرمانشاه بطلب من محمد علي ميرزا بن السلطان فتح علي شاه القاجاري، وزار عدة مدن في إيران.

ثمّ ارتحل إلى العراق، فاستقرّ في كربلاء.

وكان مواظباً على المطالعة والبحث والتدريس، وعلى بثّ أفكاره ونشر طريقته بالخطابة والكتابة والتأليف والرحلات .

تتلمذ عليه وروى عنه جمع، منهم: ابناه محمد تقي، وعلي نقي، والسيد كاظم بن قاسم الرشتي وهو أشهر تلامذته وعميد طريقته، ومحمد باقر بن حسن النجفي صاحب الجواهر، وأسد الله بن إسماعيل التستري صاحب المقابس، ومحمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي، والميرزا علي محمد الشيرازي الملقب بالباب، وحسين بن مؤمن اليزدي الكرماني، وغيرهم.

وصنف كتباً ورسائل جمّة، منها: الرسالة الحيدرية في الفروع الفقهية، الرسالة الصومية، شرح «تبصرة المتعلمين في أحكام الدين» للعلاّمة الحلّي لم يتم، أحكام الكفّار بأقسامهم قبل الإسلام وبعده وأحكام فرق الإسلام، شرح مبحث حكم ذي الرأسين من «كشف الغطاء»، ذكر فيه أحكامه من أوّل الطهارة إلى الديات، المسائل القطيفية، تحقيق القول بالاجتهاد والتقليد وبعض مسائل الفقه، جواز تقليد غير الأعلم وبعض مسائل الفقه، مباحث الألفاظ في الأُصول، أسرار الصلاة، تفسير سورة التوحيد وآية النور، شرح الزيارة الجامعة (مطبوع)، جوامع الكلم (مطبوع)، شرح «الحكمة العرشية» لصدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بملا صدرا، كيفية السير والسلوك الموصلين إلى درجات القرب والزلفى، معرفة النفس، معنى الكفر والإيمان، بيان أحوال أهل العرفان والصوفية وطرائقهم وطرق الرياضات، رسالة في التجويد، رسالة في علم النجوم، شرح علم الصناعة، والفلسفة وأحوالها، وديوان شعر، وغير ذلك كثير.

توفّي حاجّاً بقرب المدينة في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، وحمل إليها، فدفن في البقيع.

اختلاف العلماء فيه :

وقد اختلف علماؤنا في صاحب الترجمة اختلافاً عظيماً، فمنهم من بالغ في مدحه والثناء عليه وتبيان علمه، ومنهم من أفرط في قدحه والتشنيع عليه وطعن في علمه ودينه وعقيدته، ونكتفي هنا بنقل نماذج من كلمات المادحين له والقادحين فيه :

قال المحدث النيسابوري: أحمد بن زين الدين الأحسائي القاري، فقيه محدّث عارف، وحيد في معرفة الأُصول الدينية، له رسائل وثيقة، اجتمعنا معه في مشهد الحسين (عليه السلام) ، لا شك في ثقته وجلالته.

أوّل من قدح في علمه ورد عليه معاصره الشيخ محمد إسماعيل بن السميع الاصفهاني المعروف بواحد العين، حيث قال في مقدّمة «شرح العرشية»: وقد تصدى لشرحها المولى الجليل... الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي... فشرحها شرحاً كان كلّه جرحاً، لعدم فهمه ما هو المراد من الألفاظ والعبارات، لعدم اطّلاعه على الاصطلاحات، وإلاّ فهو عظيم الشأن .

وقال السيد أبو تراب الخوانساري: إن الشيخ أحمد الأحسائي كان فقيهاً فدخل في علم الحكمة وأخذ يطالع كتبها حتّى مهر فيها وألّف فيها كتباً، وحيث لم يحضر فيها على أُستاذ ماهر زلّت أقدامه فضلّ وأضل.

ولعلّ أهم ما نسب إلى الشيخ من مؤاخذات هو الأُمور التالية:

1-إنكاره المعاد الجسماني ودعوى انّ هذا الجسم المادي لا يمكن أن يعود بكلّ ما فيه من كثافة وكدورة.

2-إنكاره المعراج الجسماني، أي انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعرج إلى السماء بجسمه المادّي بكل ما فيه .

3-إنكاره شق القمر المرئي الحقيقي معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتّفق عليها بين المسلمين، ودعوى انّ الّذي انشق انّما هو صورة القمر المنتزعة منه .

4-الغلو في شأن أهل البيت (عليهم السلام) وإعطاؤهم بعض المقامات الّتي لا تصحّ إلاّ لله تعالى، مثل القول بأنّ الله تعالى فوض كلّ ما في الكون إليهم من الخلق والرزق والحياة والممات وما إلى ذلك، والقول بأنّ علمهم حضوري وليس حصولي يعني انّهم يعلمون بكلّ ما كان وجميع ما يأتي على نحو يكون ذلك كلّه حاضراً في ذهنهم وذاكرتهم في كلّ حين كما يرون العين .

حقيقة الشيخية:

ولم يكن في بادئ الأمر شيء باسم الشيخية، ولا كان في نيّة الشيخ تأسيس فرقة جديدة أو الدعوة إلى مذهب جديد، ولكن المواجهة الحادة والجدال الّذي بلغ أوجه بين الشيخ ومعارضيه، واستمر بعد وفاته بين أنصاره ومخالفيهم أدى إلى تحيّز جمع من العلماء وطائفة من الناس إلى جانب الشيخ وتحمسّهم في الدفاع عنه والدعوة إليه، ثم تحول هؤلاء بشكل تدريجي إلى جماعة مستقلة منسوبة إلى الشيخ تتبنّى أفكاره وتنشر كتبه وتدعو إلى خطه، وعرفوا حينها باسم الشيخية.

وقد اتّسعت رقعة الشيخية بعد وفاة الشيخ وازداد أتباعها ومؤيّدوها، وكان الزعيم الأكبر لهم بعد الشيخ خليفته السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي الّذي كان يتخذ من كربلاء مقراً لزعامته حتّى توفّي فيها

سنة 1259 هـ .

وكانت الشيخية في حياة السيد متفقة على زعامته ومرجعيته ولكن بعد وفاته انقسمت إلى فرقتين، فرقة تبعت الحاج محمد كريم خان الكرماني المتوفّى سنة 1288 هـ وعرفوا فيما بعد بالركنية، وفرقة تبعت الميرزا حسن گوهر الحائري ثم آل الاسكوئي من بعده فعرفوا بالكشفية.

الطائفة الركنية:

أمّا الركنية فتتلخص عقيدتهم في التالي: يعتقدون انّ الدين قائم على أربعة أركان: 1-معرفة الله 2-معرفة الرسول 3-معرفة الإمام 4-معرفة الفقيه الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الإمام في زمن الغيبة .

وتجسد الركن الرابع في الشيخ أحمد الأحسائي، ثم في السيد كاظم الرشتي، ثم في الحاج كريم خان نفسه ولهذا سميت هذه الطائفة بالركنية.

قال صاحب الذريعة: ولمّا شدّد عليهم الأصحاب النكير بعدم ما يسمّى الركن الرابع في الإسلام، ألّف محمد كريم خان الكرماني رسالة عام 1279 هـ، أثبت فيها انّ الركن الرابع هم رواة الأئمة والعلماء جميعاً ولا تختص الركنية بشخص معين .

ومن الناحية العملية أصبح الركن الرابع منصب تتوارثه سلالة الكرماني حتّى اليوم، باعتبارهم المصداق الحقيقي لهذا الركن.

وكان مقر زعامتهم مدينة كرمان بإيران، حيث يتواجد أحفاد الكرماني والأكثرية من أتباعه، ولما قتل مرشدهم عام 1400 هـ ، انتقل مقر الزعامة إلى مدينة البصرة بالعراق أهم معقل لهم بعد كرمان، ولا زال زعيمهم الحالي في مدينة البصرة حتّى اليوم، والركنية أكثر أتباعاً من منافسيهم الكشفية، ويتمركز وجودهم في مدينة كرمان بإيران، ثم مدينة البصرة، ويوجد قليل منهم في الكويت وبعض مناطق إيران الأُخرى .

ويمكن التعرف على أفكارهم من خلال كتبهم، مثل «رجوم الشياطين» و «كشف المراد في علم المعاد» و «هداية الأطفال» و «هداية الصبيان» و «إرشاد العوام» و «الفطرة السليمة» و «الفلسفية» للشيخ أبو القاسم الكرماني.

الطائفة الكشفية :

أمّا الطائفة الكشفية فيعتقدون انّ الشيعة ينقسمون إلى قسمين: كاملي العقيدة، وناقصي العقيدة. والمعني بكاملي العقيدة هم الكشفية أنفسهم ومن يعتقد بعقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام) ; وأمّا ناقصي العقيدة فهم معظم الشيعة الإمامية. وتتلخص عقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام) بأمرين :

الأوّل: الاعتقاد انّ علم الإمام حضوري وليس حصولي، يعني أن يعلم بما كان وما سيكون إلى يوم القيامة بإرادة الله تعالى، بحيث تكون جميع هذه المعلومات حاضرة في ذهنه دائماً كمن يشاهد بالعيان .

الثاني: الاعتقاد بأنّ دم الإمام وجميع فضلاته طاهرة.

وعلى أساس هذا التقسيم للشيعة أصدر علماء الكشفية أحكاماً فقهية خاصّة منها:

انّه لا يجوز لمن كان كامل العقيدة أنّ يقلّد مرجعاً ناقص العقيدة أو يصلّي خلف إمام ناقص العقيدة، أي من كان يعتقد بطهارة دم الإمام وانّ علمه حضوري لا يجوز له أن يقلّد أو يصلّي خلف من لا يرى ذلك، فكمال العقيدة بهذا المعنى شرط في مرجع التقليد وإمام الجماعة.

ويعتقد أنّ تسميتهم بالكشفية لادّعاء علمائهم أنّ خفايا بعض الأُمور تُكشف إليهم ببركات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .

ويتواجد الكشفية اليوم بشكل رئيسي في الكويت وهناك مقر زعامتهم، كما يتواجد بعضهم في مدينة الهُفوف وبعض القرى بالأحساء ولهم أيضاً بعض الأتباع في تبريز بإيران وبعض المدن الجنوبية بالعراق .

بقي أن نشير إلى أنّ كلاًّ من الركنية والكشفية يعتقد بانحراف الطائفة الأُخرى وضلالتها. ونكتفي بهذا التعريف الموجز للطائفة الشيخية. ( [2])

وقد ألّف حول الشيخية والطائفتين المنشقتين منها رسائل ومقالات، غير انّ ما كتبه الأُستاذ هاشم محمد الشخص من أوجز وأوثق ما كتب، في الموضوع وقد اقتبسنا في بيان ما يرجع إلى هذه الطائفة وفروعها من كتابه «أعلام هجر من الماضين والمعاصرين ».


الهوامش:

[1] . روضات الجنات: 1 / 88 برقم 22; مستدرك الوسائل (الخاتمة): 2 / 121; قصص العلماء: 47 ; هدية العارفين: 1 / 185 ; إيضاح المكنون: 1 / 205 ; أنوار البدرين: 406 برقم 8 ; أعيان الشيعة: 2 / 589 ; ريحانة الأدب: 1 / 78 ; الذريعة: 7 / 124 برقم 667 ; الكرام البررة: 1 / 88 برقم 180 ; الأعلام: 1 / 129 ; معجم رجال الفكر والأدب في النجف: 1 / 89 ; معجم المفسرين: 1 / 38 ; معجم المؤلفين: 1 / 228 ; فرهنگ بزرگان: 36 .

[2] . نقل من كتاب « أعلام هجر » بتلخيص وتصرّف، تأليف هاشم محمد الشخص .

2020/06/20

فجر الإمام الصادق (ع) مزّق ظلام الزعامات الزائفة

الأبعاد العلمية لدى الإمام الصادق “عليه السلام”.. الفقه وأصوله نموذجاً

كانت الحياة السياسية قد امتدت بخطوطها العامة لحرمان أهل البيت “عليهم السلام” من الحقوق الأساسية، فكان العزل المرجعي، والاضطهاد الاقتصادي، ومراقبة التحرك، بعض مظاهر إقصاء أهل البيت “عليهم السلام” عن قيادة الأمة، وإحلال البديل المتهافت سياسياً وفتوائياً بغية القضاء على الآثار التي تشير إلى أهل البيت “عليه السلام” قيادياً، وكان هذا الإقصاء قد أفضى بالضرورة إلى إقصاء فقه أهل البيت “عليهم السلام” عن الميدان، فكانت خسارة التشريع الإسلامي قد ارتفعت إلى مستوى الكوارث الإنسانية والنكسات المدمّرة.

حتى إذا نهد الإمام محمد الباقر “عليه السلام” بوضع الحجر الأساس لصرح جامعة أهل البيت، بدأت الملامح العامة للفقه الإمامي تتراءى بكثير من الحذر في الأفق الدامي، بعد أن حيل بينه وبين المسلمين قرناً من الزمان.

وما أن أطلّ الإمام الصادق “عليه السلام” بطلعته المباركة في الحياة الفكرية، حتى غطّى تلك الأضواء الخافتة البديلة في سماء التشريع التي تحاول حجب الرؤية المتألقة لتراث أهل البيت “عليهم السلام” فكان الفتح المبين، ویابی الله إلا أن يتم نوره.

ويأتي هذا الإشعاع في الإضاءة الجديدة على يد الإمام الصادق “عليه السلام” في ظروف صعبة المراس، وأجواء داكنة المناخ، واستطاع أن ينهض بكشف الحجب عن ذلك اللهيب المتوهج لتراث أهل البيت “عليهم السلام” ويمزق الستائر المهلهلة لتلك الزعامات الزائفة التي ادعت قيادة الأمة تشريعياً، ولا نصيب لها من ورع، ولا إثارة من علم.

قلنا في عمل سابق: «لقد تسلم منصة الإفتاء غير المؤهلين، ففسروا الكتاب بما لم ينزل به الله سلطاناً، وقالوا في السنة بالأهواء، وأنزلوا الشريعة منزل الرأي، وذهبوا إلى الاستحسان دون الاستنباط، وإلى القياس دون الاجتهاد، وكان الفقهاء الرسميون قد انتشروا في الممالك والأقاليم، ينفذون رغبة السلطان، ويفتون بما تملي عليهم ظروف الحاكمين، يفتعلون الأحاديث ويضعون الروايات، وينحلون السنن، إلا صبابة ضئيلة قد يمنعهم الوازع الديني عن العبث والإسراف».

وقد حسب الحاكمون أن الفراغ التشريعي يمكن له أن يملأ بهؤلاء المتنطعين، ولكنهم أخفقوا إخفاقاً فاضحاً، إذ استمدت المسائل الكثيرة في الفيء والخراج، والعتق والولاء، والغنائم والحقوق، وأفرزت الفتوح موجاً عارماً من الإشكاليات الفقهية، وقد ازدادت تعقيداً حينما لم تجد الحلول الشرعية الواقعية، لغياب القيّمين على الكتاب والسنة، وصدارة المتخلفين في الأداء والإفتاء الشرعيين..

وتعثرت الخطى، وتلكأت المسيرة، فجدّ الخلفاء الشعوبيون في طلب البديل بشكل جديد، إذ عمدوا إلى طائفة من فقهاء الموالي، فقلدوهم أمر العرب والمسلمين في القضاء والإفتاء، فنبغ على أيديهم سليمان بن یسار فأدار شؤون المدينة المنورة، وسليمان بن موسی الأشدق (ت ۱۱۹ھ) فتولى الإفتاء في الحجاز، ومكحول بني هذيل (ت ۱۳۰هـ) وإلى جنب هؤلاء من الموالي: عكرمة مولى ابن عباس، وسليمان بن طرخان واسماعيل بن خالد، ونافع مولى ابن عمر، وأبو حازم سلمة بن دینار الأعرج مولى بني مخزوم، حتى وصل الدور إلى أبي حنيفة النعمان بن ثابت (ت 150ھ) ففتح باب القياس.

وهكذا أصبحت دائرة الفقه الإسلامي منحصرة بعلماء الموالي، وفقهاء البلاط، فنشأ جيل من الناس لا يعرف لأهل البيت رأياً، ولا لأئمتهم فقهاً.

وهنا يبرز الدور الريادي للإمام الصادق “عليه السلام” وهو يبدد السحب الكثيفة التي أحاطت بهذا المناخ القائم، فيستقطب الحركة الفكرية والعلمية في الإسلام، ويلقي بظلالها على الأفق البعيد، فينشأ جيل جديد من الفقهاء السائرين بركاب النبي وأئمة أهل البيت “عليهم السلام”، ويبزغ فجر متلألأ بكوكبة صالحة من تلامذة الإمام تحمل العلم لواءً، وبذلك تتوطد مدرسة أهل البيت جذوراً، وتتجمل طلائعها نضالاً، وتتسع على يد الإمام الصادق ”عليه السلام” مفرداتها ومناهجها ومعارفها، حتى سميت باسمه الشريف، وعاد المذهب الإمامي منتسباً إليه، ومستنداً عليه، فقيل: (المذهب الجعفري).

وأظهر الإمام من العلم المكنون ما ذاع صيته في الآفاق، وانتشر ذكره في الأقاليم، فأعاد نضارة الإسلام غضاً مشرقاً حيوياً كما بدأ.

وكانت هذه المدرسة ذات طابع استقلالي، اتسمت بالواقعية في التبليغ، فلم تنطبع بطابع رسمي، بل حرصت على تقديم الشريعة في معارفها وعلومها نقية حرّة، خالصة من الشوائب، لم تتأثر باتجاه سلبي في القول والعمل، ولم تألف التردد والتخاذل في الإفتاء، وكان سبيلها الإيجابية بلغة قاطعة.

ومن البديهي الذي لا يحتاج إلى برهان، أن الإمام الصادق “عليه السلام” قد استوعب أبواب الفقه كافة، ففي كل مسألة له رأي، وفي كل معضلة له إفتاء، وفي كل شاردة له قول، وهذا ما جعل جمهرة المتعلمين على يديه غير منقطعين عنه في رواية أو دراية، وهم كالحلقة المفرغة في الإسناد والحديث والطريق إليه، حتى قال الحسن بن علي الوشا:

إني أدركت في هذا المسجد – يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ، كل يقول: حدّثني جعفر بن محمد “عليهما السلام” (1).

وهذا يعني أن تسعمائة أستاذ يشرف على تسعمائة حلقة دراسية، تستلهم لباب النقول عن الإمام الصادق “عليه السلام” في مختلف التخصصات.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي (دام علاه): «واحتفى العلماء والفقهاء ورواة الحديث بالإمام الصادق “عليه السلام”، وهم يدونون ما يفتي به، ويرويه عن آبائه العظام.

وكان الإمام “عليه السلام” يشجعهم على تدوين الحديث والفقه، وسائر العلوم الإسلامية، وأكبر الظن أن جملة من الأصول الأربعمائة التي أخذت عن الإمام الصادق” عليه السلام”، قد دوّنت حينما كان مقيماً في الكوفة، وقد أغنى الإمام “عليه السلام” الفقه الإسلامي بفتاواه وآرائه التي تحمل الإبداع والأصالة، والتي هي المرجع الأعلى لفقهاء الإمامية فيما يفتون به” (2).

وكان هؤلاء العلماء أماثل تلامذة الإمام الذين حملوا علم أهل البيت، ودونوا مآثرهم الفقهية، التي عدّ منها الحرّ العاملي ستة آلاف وستمائة كتاب (۳).

وقد علل الأستاذ الجليل مصطفى عبد الرازق هذه الظاهرة بمبدأ عصمة الأئمة، فقال: «ومن المعقول أن يكون النزوع إلى تدوین الفقه كان أسرع إلى الشيعة، لأن اعتقادهم العصمة في أئمتهم، أو ما يشبه العصمة، كان حرياً إلى تدوين أقضيتهم وفتاواهم» (4).

وقد استوعبنا الحديث عن مصادیق هذه الظاهرة الفذة في كتب الفقه بخاصة، وتكلمنا عن أهم الموسوعات الفقهية حتى العصر الحاضر (5) ولا حاجة بنا إلى إعادته، فما يقال هناك يقال هنا بالضبط، إلا أننا نشير هنا إلى أبرز السمات والخصائص التي يمتاز بها الفقه الإمامي وأهمها:

۱- استناده في الاستدلال إلى الكتاب والسنة والإجماع والعقل.

۲- اتصاله المباشر بالرسول الأعظم وبأئمة أهل البيت “عليهم السلام”

3. استيعابه لمشكلات الحياة الفعلية والمستقبلية بفتحه باب الاجتهاد.

4. تمرسه بمختلف شؤون الفقه حتى الجزئيات، لكل واقعة حكم، ولكل حادثة قضاء.

5. سيرورته الريادية في مواكبة التطور الحضاري في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصناعية.

6- دقته في اختيار الفتاوی طبق ضوابط علمية لا مكان معها للهوى والاستحسان.

۷- وضعه للأصول العامة في القواعد الفقهية ككليات يستند إليها في الجزئیات والفروع طياً للمسافات الواسعة في عملية الاستنباط.

۸- أصالته ومرونته في إطار موحّد لدى تخريج الفقهاء، وتجديد الأنظار في تراث موضوعي ضخم يستقبله الخلف عن السلف.

9- اتساعه لاستقبال مستحدثات المسائل في ضوء التقدم الطبي والتقني والفضائي، وتيسير الحكم الشرعي في مختلف المشاهد الجديدة.

۱۰- اعتماده الاستقلالية التامة في الإفتاء وطرح الآراء، فما اتفق ولا مرة واحدة أن أفتى بحكم شرعي في ضوء ضغط سياسي أو عنف سلطوي.

أصول الفقه

أما أصول الفقه، فهو العلم الذي يبحث فيه عن حجية الدليل الفقهي بالاستناد إلى حجية أدلته في استنباط الأحكام الفرعية.

وبهذا يتضح أن علم الأصول من قبيل المقدمة اللازمة لعلم الفقه.

ولمّا كان علم الفقه معنياً بإيراد الحكم الشرعي كان علم الأصول معنياً بإثبات دليل الحكم الشرعي، سواء أكان الحكم واقعياً أم ظاهرياً، وسواء أكان الدليل اجتهادياً أم فقهياً، وسواء أكان الدليل مستمداً من اللفظ أم مستخرجاً من التكليف الذاتي، فالأول ما تكشف عنه مباحث الألفاظ في أصل الخطاب في مدالیل ظواهرها المتعددة، والثاني ما تحققه الأصول العملية المناطة بالمكلّف کالاستصحاب، والاحتياط، والبراءة، والتخيير، وذلك عند فقدان الدليل الاجتهادي.

وعلى هذا فعلم الأصول بالإضافة إلى علم الفقه يكون من قبيل نسبة الحكم إلى موضوعه، أو المعلول إلى علته، وذلك أن علم الأصول یعنی بتشخیص جزئيات الأدلة التفصيلية، وتطبيق كبرياتها اللفظية أو العملية للوصول إلى الأحكام الشرعية النوعية.

وقد سبق لنا القول أن مصدر علم الأصول هو أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد ورد عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، القول: «إنما علينا أن نلقي الأصول، وعليكم أن تفرعوا (6).

وهي بادرة إلى قيام المصطلح بتسميته (الأصول) وهي دعوة أيضاً إلى أعمال الفكر وتجديد النظر، وهي رفض للجمود ومخلفاته.

يقول الإمام علي بن موسی الرضا (عليهما السلام): «علينا الأصول وعليكم الفروع» (7).

وما يدرينا، فلعلّ هذه الدعوة هي بداية البداية في الإذن بفتح باب الاجتهاد عندنا.

يقول الأستاذ محمد حسن آل یاسین (دام علاه): واستكمالا لمباحث الفقه وأحكامه أولى الإمام إهتماماً كبيراً بعلم أصول الفقه، تعليماً وشرحاً وتبياناً لقواعده الرئيسة واسسه الكبری، ودلالة للمتعلمين على ما يصح وما لا يصح الاعتماد عليه من ذلك.

وقد روى لنا الباحثون القدامى، وفي طليعتهم الحافظ ابو نعيم والشيخ الطبرسي مناقشات الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي حنيفة النعمان بن ثابت فيما ذهب إليه من العمل بالقياس وعدّه من أصول الفقه وار كان استنباط الأحكام الشرعية، وتنبيه الإمام تلميذه على فساد ذلك وبطلانه (8).

وقد رأينا في عمل مستقل أن مصدر هذا العلم في التأسيس هو الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وأن الإمام الصادق (عليه السلام) حذا حذو أبيه (عليه السلام) في إرساء دعائم هذا العلم، وتشييد صرحه الشامخ. (9)

وقد أوردنا في البحث أهم مصادره التأليفية، وكوكبة من جهابذة العلماء المشتغلين به، وتطور مباحثه وتوسع دلائله، وما يقال هناك يقال هنا، فهما يصدران عن رافد واحد، يستقي من شجرة مباركة زيتونة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.


الهوامش:

(1) المؤلف : الإمام محمد الباقر ، مجدد الحضارة الإسلامية ۲۳۲

(2) النجاشي : الرجال ۳۱.

(3) باقر شريف القرشي: حياة الإمام الصادق ۷/ ۹۸.

(4) ظ: الحرّ العاملي : وسائل الشيعة 3/ ۵۲۳.

(5) مصطفى عبد الرازق: تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ۲۰۲.

(6) ظ : المؤلف: الإمام محمد الباقر مجدد الحضارة الإسلامية ۲۳۷-۲4۷.

(7) الحر العاملي : وسائل الشيعة 18/ 41.

(8) المصدر السابق.

(9) محمد حسن آل ياسين: الإمام جعفر الصادق ۱۲۱.

(10) ظ ، المؤلف: الإمام محمد الباقر مجدد الحضارة الإسلامية ۲6۳-۲۷۰.

المصدر: كتاب” الإمام جعفر الصادق (عج) زعيم مدرسة أهل البيت (ع) المؤلف: الدكتور محمد حسين علي الصغير /عدد الصفحات:537.

2020/06/18

بصبر اسطوري: هكذا تعامل النبي (ص) مع معارضيه

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لـ «موقع الأئمة الاثني عشر».

قد يحلو لأي قائد ان يحظى بالولاء المطلق ممن حوله، وان تكون استجابتهم كاملة لآرائه واوامره، فلا ينشغل باله برأي مخالف، ولا يعرقل شيئا من خططه وبرامجه موقف معارض.

لكن ذلك مما يستحيل حصوله عادة في المجتمعات البشرية، فمن يتصدى للقيادة والزعامة - دينية او سياسية -، لا يعدم مناوئا او مخالفا او منافسا، والامتحان الحقيقي لأي قيادة هو في التعامل مع مثل هذه الحالات.

ان النهج السائد المتبع عند الزعامات السياسية والدينية في المجتمعات غير الديمقراطية، هو رفض هذه الحالات وقمعها، بمختلف العناوين والمبررات، كالحكم عليها بالكفر والمروق، او ادانتها بالخيانة والانشقاق، او اتهامها بالإفساد والتخريب.

وينبثق هذه النهج من عقلية الاستبداد، وتضخيم الذات، وحب الهيمنة والاستحواذ، ويؤدي الى تهميش المجتمع، ووأد طاقاته وكفاءاته، كما يؤسس لحالات الانقسام والمواجهة والصراع.

والنبي كقيادة دينية وسياسية، واجه هذه الحالات داخل مجتمعه، الذي اسسه وكان يقوده، ليس على الصعيد الخارجي المتمثل في اليهود والكفار، فمعاناته منهم، ومواجهته لهم، وحروبه معهم، معروفة واضحة، وانما على الصعيد الداخلي المتمثل في التيارات المناوئة، والعناصر المخالفة، داخل المجتمع الاسلامي في المدينة المنورة.

حيث تشير آيات القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وروايات السيرة النبوية، الى وجود مثل تلك التيارات والعناصر.

فكيف كان منهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله معها؟

يصعب استقصاء كل الادوار والممارسات التي قام بها المنافقون في مناوأة حركة الاسلام، ومواجهة قيادة رسول الله، وكان يكفي اي واحد من تلك الادوار والمواقف، لتوجيه الضربات القاضية لرموزهم واتباعهم من قبل رسول الله، وقد اشار كبار الصحابة على النبي »صلى الله عليه وآله وسلم« باستخدام القوة لردع المنافقين في مواقف كثيرة.

كما ان آيات القرآن الكريم في فضح خطط المنافقين والتنديد بمؤامراتهم والتحذير منهم والامر بمجاهدتهم، كانت توفر للنبي فرصة مواجهتهم وقمعهم لو اراد ذلك، كقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) 1، وتكررت الآية بنفس النص في سورة التحريم آية ٩.

لكن ما يثير الدهشة هو سعة صدر رسول الله، وعظيم احتماله لكل اساءاتهم الخطيرة، وممارساتهم العدائية.

لقد تعامل معهم بنفس طويل، وصبر عميق، ومارس معهم سياسة الاحتواء والاستيعاب، والتي يمكن قراءتها ضمن البنود التالية:

اولا: عدم اللجوء الى القوة والقمع، رغم استفزازاتهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل منهم احدا، ولم يسجن احدا، ولم يجلد احدا، ولم يطرد احدا. ويؤكد الباحث محمد عزة دروزة على »عدم ورود روايات موثقة تتضمن ان النبي قد اعتبر المنافقين اعداء محاربين او عاملهم كذلك، او امر بقتلهم، او قتل بارزيهم، بسبب صفة النفاق، او بسبب موقف منبعث عنه من تلك المواقف الكثيرة التي حكتها الآيات التي نزلت في مختلف ادوار التنزيل عنهم، والتي احتوت صورا كثيرة من الاذى والكيد والسخرية بالله ورسوله وآياته، والتناجي بالاثم والعدوان ومعصية الرسول، والتثبيط عن الجهاد والختل فيه، ودس الدسائس واثارة الفتن والاحقاد، واشاعة الفاحشة والإرجاف بين المسلمين بما يثير قلقهم وفزعهم، والتعرض لنساء المسلمين، بل لنساء النبي بالاذى والكيد، والتضامن مع اعداء الاسلام وموالاتهم.

ان النبي قد اعتبر ما جاء في الآيات القرآنية بمثابة توجيهات متروك اليه امر تقدير ظروف تنفيذها، والسير فيها بما يوافق مصلحة الاسلام والمسلمين، لا سيما ان بعض الآيات الواردة في هذا الصدد قد تخللتها جمل تلهم معنى التعليق على شرط مثل جمل ( ... فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ... ) 2 و ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ ... ) 3. و ( ... فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ ... ) 4 و ( ... إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً ... ) 5. الخ - محمد عزة دروزه، سيرة الرسول ، ج٢ ص ٨٧.

ثانيا: لم يصادر اي حق من حقوقهم المدنية، فكانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كسائر المسلمين، يحضرون المسجد، ويدلون بآرائهم في قضايا المجتمع، ويأخذون نصيبهم من الغنائم وعطاء بيت المال.

ثالثا: وأكثر من ذلك كان رسول الله يبذل لهم الاحسان، ويحوطهم بمداراته، ويشملهم بكريم اخلاقه.

فها هو يشفع للخائنين من يهود بني قينقاع الذين تقع منازلهم داخل المدينة، وقد عقد معهم النبي معاهدة سلام، على ان لا يمسوا المسلمين بسوء، ولا يمدوا يد عون لاعدائهم، لكنهم لم يلتزموا بالعهد، وصاروا يستفزون المسلمين ويؤذونهم، ونصحهم رسول الله وحذرهم، فلم يرتدعوا، وظهرت معالم استعدادهم لمواجهة المسلمين، فبادر النبي لحصارهم منتصف شهر شوال من السنة الثانية للهجرة، فاعتصموا بحصونهم خمس عشرة ليلة، ثم فاوضوا على الاستسلام دون قيد او شرط.

وكان عبد الله بن ابي يراهن على صمود بني قينقاع ومواجهتهم، فلما رأى استسلامهم خابت آماله، لكنه طلب من النبي العفو العام عنهم، باعتبارهم حلفاء الخزرج قبل الاسلام، قائلا: يا محمد احسن في مواليّ. فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله، فقال له رسول الله: أرسلني - اي اتركني - وغضب رسول الله حتى رأوا لوجهه ظُللا. ثم قال: ويحك! أرسلني! قال ابن ابي: لا والله لا ارسلك - لا ادعك - حتى تحسن في موالي، اربع مئة حاسر - اي لا درع له - وثلاث مئة دارع، قد منعوني من الاحمر والاسود، تحصدهم في غداة واحدة، واني والله امرؤ اخشى الدوائر! فقال رسول الله: هم لك. فاستجاب لطلبه الملح وعفا عنهم ليخرجوا جميعهم من يثرب سالمين. 6

الهوامش:


1. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 73، الصفحة: 199.

2. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 74، الصفحة: 199.

3. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 60، الصفحة: 426.

4. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 89، الصفحة: 92.

5. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 66، الصفحة: 197.

6. مكتب الشيخ حسن الصفار 16 / 4 / 2005م.

2020/06/17

بدأ بالتجديد وانتهى بادعائه النبوة.. ماذا تعرف عن «القاديانية» ومؤسسها؟

ظهرت القاديانية على يد الميرزا غلام أحمد القادياني (1252-1316 هـ) في إقليم البنجاب وعاصمتها لاهور وفي مديرية غوردا سفور من هذا الإقليم وفي قرية صغيرة فيها تسمّى قاديان، ولد فيها مؤسس المسلك ميرزا غلام أحمد القادياني، وإليها كانت نسبته وفيها نبتت نحلته.

سيرته الذاتية:

ولد الميرزا غلام أحمد القادياني عام 1839 م الموافق 1252 هـ في قرية قاديان، وكان والده يحترف الطب القديم في عهده ويجيده، ولمّا بلغ الميرزا سن التعليم شرع في تلقي مبادئ العلوم وقراءة القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية والفارسية إلى جانب معرفته بالأُردية، وتلقّى دروساً في المنطق والحكمة والعلوم الدينية والأدبية في مسقط رأسه «قاديان» والطب القديم على والده، وعرف بالعكوف على المطالعة والانقطاع إليها، وكان مهتماً بدراسة كتب التفسير والحديث والتدبّر في القرآن، وأُولع بمطالعة الأسفار القديمة من كتب الشيعة وأهل السنّة وكتب الأديان الأُخرى.

الظروف الّتي أحاطت بدعوته:

1-إنّ الهند بلاد مترامية الأطراف، نشأت بها منذ القدم أديان ومذاهب مختلفة، وشكّل هذا التنوّع الهائل في العقيدة قوام حياتها، وأساس نظمها وأكبر مؤثر في تاريخها قديماً وحديثاً، فإلى جانب الديانة الهندوسية، هناك الإسلام والبوذية والمسيحية وبجوار أُولئك مذاهب أُخرى لها من الأتباع القليل.

وفي بيئة كهذه حيث طغى عليها التنوّع والتسامح ظهرت القاديانية.

2-لقد تعرضت الهند إلى غزو الانجليز الذين لم يكتفوا بذلك، بل حرصوا على غزوها ثقافياً من خلال إرسال بعثات تبشيرية إليها.

وأثبت القساوسة والمبشرون في القرى والمدن ونشطوا في دعوتهم إلى المسيحية، مشنّعين على العقيدة الإسلامية، معلنين شامتين زوال دولة الإسلام وانقضاء عهده.

ولقد عمّقوا عن عمد الصراع الديني بين المسلمين وغيرهم من الطوائف كالهندوس، ممّا أدّى إلى إبطاء الزحف الإسلامي.

ولقد أثاروا شبهات وفتحوا جيوب مريبة، كلّ ذلك من أجل إضعاف المسلمين وتشتيت الفكر الإسلامي في عدة تيارات ينمّ كلّ منها عن هدف لهم مقصود.

ففي خضم هذه الأحداث، ظهرت دعوة الميرزا وكان النصر حليفها في نفس الإقليم، وذلك لأنّ طبيعة البيئة ساعدت إلى حد كبير إلى ظهور دعوته وانسياق الناس وراءها لاسيّما في ظروف كانت الشبهات الملحدة والدعوات التبشيرية تستهدف الإسلام والمسلمين.

نعم وراء ذينك العاملين، ثمة عامل ثالث وهو انّ دعوته تمت باسم الإسلام، وانّها دعوة إصلاحية يبغي وراءها نفض كثبان الجهل والخرافة عن وجه الدين، ففي ظل هذه العوامل الثلاثة ظهرت الدعوة القاديانية الّتي يعبر عنها أحياناً بالأحمدية، في القارة الهندية، ومنها انتشرت إلى سائر الأصقاع.

ومن الدلائل الواضحة على أنّه أخذ الإسلام غطاء وواجهة لنشر أفكاره ودعوته، هو انّه قام بترجمة القرآن الكريم في مرحلة من مراحل دعوته، وصار ذلك سبباً لانجذاب السذج من المسلمين إلى دعوته.

حقيقة دعوته:

إنّ دعوة الميرزا غلام أحمد القادياني مرت بمراحل ثلاثة يختلف بعضها عن بعض في المضمون والمحتوى، وربّما كانت المرحلة الأُولى من دعوته دعوة إصلاحية توافق الرأي العام الإسلامي، وقد أطلق على هذه المرحلة دعوى الإصلاح والتجديد، وقد بدأ دعوته في هذه المرحلة بتأليف كتاب «براهين أحمدية» عام 1879 م، ودار نشاطه فيها حول محور أبرزه وركز عليه هو انّ دعوته قائمة على إصلاح العالم والدعوة إلى الإسلام وتجديده.

وتناول في هذه المرحلة التعريف بالإسلام وإثبات فضله وبيان إعجاز القرآن وإثبات نبوة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسهب في الرد على الديانات والنحل السائدة في الهند آنذاك. وكانت تلك المرحلة بمثابة إعلان أخرجه من الخمول والعزلة الّتي كان يعيش فيها إلى إلفات الأنظار وتجمّع بعض القلوب عليه وذيوع خبره في بلاد الهند.

ومع أنّ هذه المرحلة لم تكن تخلو عن الشطحات والإلهامات والمنامات الاّ أنّها بصورة عامّة كانت دعوة مطلوبة لأكثر الناس.

وأمّا المرحلة الثانية فتتميز عن سابقتها بأنّها تتضمن الدعوة إلى أُمور، هي كالتالي:

1-المسيح (عليه السلام) توفي في كشمير ودفن هناك، وان القبر المشهور بقبر بوذاسف في «حارة خان يار» هو قبر المسيح.

2-بما ان المسيح (عليه السلام) توفّي، فالمسيح الّذي وعد المسلمون برجوعه عند قيام المهدي هو الميرزا، وقد طرح تلك الفكرة عندما كانت فكرة المهدي والمسيح الموعود قد تغلغلت في المجتمع الإسلامي وتنتظر من يقوم بها ليجد أرضاً خصبة ونفوساً مستجيبة.

وقد أوّل نزول المسيح عند قيام المهدي بأن ليس المراد من النزول هو نزول المسيح، بل هو إعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وانّ الميرزا مصداق هذا الخبر حسب الإلهام.

3-انّه قد أرسل لإصلاح الخلق ليقيم هذا الدين في القلوب من جديد وليدك عقيدة الصليب ويكسرها ويقتل الخنازير. وأمّا المرحلة الثالثة فقد أفصح عن نواياه عبر تكلّمه عن الإلهام والعلم الباطني والدعوة إلى النبوة في تلك المرحلة.

هذه عصارة المراحل الّتي طواها الميرزا في دعوته.

ولمّا كانت دعوته عبر هذه المراحل مختلفة في الاعتدال والتطرّف حيث تبتدئ من كونه رجل الإصلاح وتجديد الدين الإسلامي وتنتهي بالدعوة إلى النبوّة. اختلفت آراء العلماء في حقيقة الدعوة القاديانية، فمنهم من أنكر انّه ادّعى النبوة، ومنهم من أثبته وشنع عليه، وها نحن نذكر نماذج من أقوالهم:

فالأُستاذ العقاد يقول: لم يثبت انّه ادّعى النبوة، وانّما دعواه انّه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، وقد نقل عنه انّه قال: لا ادّعي النبوة وما أنا إلاّ محدّث. ( [1])

وعلى هذا الرأي محمد إسماعيل الندوي: من الواضح البيّن عندنا على ضوء قراءتنا لكتب القادياني انّه لم يدّع يوماً من الأيّام النبوة الحقيقية، ولم ينسب نفسه نبيّاً حقيقياً بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ينسخ رسالته ويبطل كونه خاتم الأنبياء، بل كل ما قاله انّه هو المهدي الموعود أو المسيح الموعود أو النبي وفق عقيدة التجسد. ( [2])

وهناك شخصيات يدّعون ان ميرزا غلام أحمد القادياني ادّعى النبوة بالمعنى الحقيقى التام، وقد صرح ميرزا غلام في كتبه بدعواه الرسالة والنبوة، فكتب: دعوانا: أنا رسول ونبي. كما كتب: أنا نبي، وفقاً لأمر الله وأكون آثماً إن أنكرت ذلك، وإذا كان الله هو الّذي يسمّيني بالنبي فكيف لي أن أنكر ذلك؟ إنّني سأقوم بهذا الأمر حتّى أمضي عن هذه الدنيا. ( [3])

ويرى الأُستاذ أبو الحسن الندوي انّ الميرزا قد بذر بذور ادّعائه النبوة في كتبه، ورسم الخطة لها من أوّل يوم، وكانت النتيجة الطبيعية لمنطقه ومقدّماته فيما كتب هي ادّعاؤه النبوة والتصريح بها في يوم من الأيّام، وقد كانت دعواه العريضة بذلك، إذ يقول: إنّني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن وشهد لي الرسول، وقد عيّن الأنبياء زمان بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا.( [4])

ويعتبر الأُستاذ إقبال اللاهوري انّ القاديانية ثورة على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤامرة ضد الإسلام، وديانة مستقلة، وانّها محاولة منظمة لتأسيس طائفة جديدة على أساس نبوة منافسة لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّها تريد أن تنحت من أُمّة النبي العربي (صلى الله عليه وآله وسلم) أُمّة جديدة للنبي الهندي.( [5])

عقائد القاديانية:

إنّ القاديانية كغيرها من المذاهب الإسلامية تحترم كثيراً من العقائد الإسلامية، وها نحن نذكر موجزاً عن عقيدة مؤسسها:

1-عقيدته في الإلوهية:

يقول: وممّا يجب على جماعتي اتبّاعه أن يعرفوا عن يقين انّ لهم إلهاً قادراً وقيوماً وخالقاً للكون كلّه، أزلي الصفات وأبديّها، لا يخضع للتطور، ولا يلد ولم يولد.

2-عقيدته في الرسول وشريعته:

إنّه ادّعى النبوة والرسالة على النحو الّذي بينّاه، ومع ذلك ادّعى انّ رسالته مؤيدة للإسلام لا ناسخة لشريعته، يقول: أمّا ما يطلب الله منكم من ناحية العقائد، هو ان تعتقدوا ان الله واحد لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم أجمعين فلا نبي بعده إلاّ من خلع عليه رداء المحمدية على وجه التبعية لأنّ الخادم لا يغاير مخدومه، ولا الفرع بمنفصل عن أصله.

3-عقيدته في القرآن الكريم:

قال: ألاّ تضعوا القرآن كالمهجور، لأنّ لكم فيه حياة، إنّ الذين يعظّمون القرآن سيلقون العزة والكرامة في السماء، وانّ الذين يفضّلون القرآن على كل حديث ورأي سيفضّلون في السماء.

4-عقيدته في العبادات:

فأقيموا صلواتكم الخمس في تضرع وانتباه كأنّكم في حضرته وأتمّوا صيامكم لله في صدق، ومن استحقت عليه الزكاة فليؤدّ زكاته، ومن وجب عليه الحج فليحج إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، قوموا بالعمل الصالح حذرين وانبذوا المنكر متبرّئين.

5-عقيدته في الجهاد:

لمّا ادّعى هو المسيح المنتظر فقد وضع الجهاد عن أتباعه، وقال: إنّ هذا الفتح المعذر للإسلام في آخر الزمان لا يتاح بالأسلحة المصنوعة بيد البشر، بل بالحرية السماوية الّتي تستعملها الملائكة.

أصدر عبد العزيز الدهلوي فتواه عام 1803 م ونادى فيها بوجوب الجهاد ضد الانجليز، وسانده العلماء في فتواهم، ثم كانت ثورة 1857 م وما انتهت إليه، وظل المستعمر في الهند آنذاك يخشى فكرة الجهاد والمجاهدين، لذا لجأ إلى بعض العلماء يصطنعهم لاستصدار فتاوى بشأن الجهاد في الهند، وهل يجوز أو لا؟

وفي هذا الظرف الّذي قام فيه المسلمون ضد الانجليز أصدر فيه الميرزا فتواه بوضع الجهاد عن أتباعه وانّ الجهاد قد انتهى واستنفد أغراضه.

وهذا هو السبب لاتّهام الرجل بالتعاون مع المستعمرين وتعاطفه معهم ويشهد له بعض كلماته في حق المستعمر.

***

وبما انّ الدعوة القاديانية كانت بمقربة من الدعوة البابية والبهائية، وكلتا الدعوتين تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة والنبوة وتأويل قوله سبحانه: ( وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) بزينة النبيّين، يبعث الاطمئنان على أنّ الديانتين أو المسلكين كانا مؤيدين من قبل الاستعمار، فالبابية وليدة الاستعمار الروسي والقاديانية وليدة حماية الاستعمار الانجليزي.

هذا بحث موجز عن القاديانية، اقتبسناها ممّا أُلّف حولها من الكتب.( [6])

الهوامش:


[1]. انظر الإسلام في القرن العشرين: 144.

[2]. القاديانية: 110.

[3]. المسألة القاديانية: 28 و 29.

[4]. القادياني والقاديانية: 67 و 68.

[5]. القادياني والقاديانية: 9- 11.

[6]. راجع: القاديانية نشأتها وتطورها للدكتور عيسى عبد الظاهر ; القاديانية بقلم أبي الحسن علي الحسني الندوي وأبو الأعلى المودودي ومحمد الخضر حسين ; القاديانية والاستعمار الانجليزي للدكتور عبد الله سلوم السامرائي.

2020/06/10

جولة كونية في حدث تأريخي: ما الهدف من الإسراء والمعراج؟

لقد أسرى النبيّ محمّد صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله بروحه وجسده من مكّة المكرّمة إلى بيت المقدس، كما في سورة الإسراء، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة .

ثمّ عرج صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله بروحه وجسده من بيت المقدس إلى السماء، كما جاء في سورة الإسراء، ووردت بذلك الأخبار الكثيرة، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة.

في هذا المقال القصير سنتعرف على أهم تفاصيل هذا الحدث التأريخي المهم.

ما هي أهداف الإسراء والمعراج؟

أوّلاً: إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها، وإدراك أسرارها، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن العشرين، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب .

ثانياً: إنّ هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل، وقد بيّن الله سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية، فقال: ( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا )[1] .

وإذا كان الرسول الأكرم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء، وإذا كانت مهمّته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره، فإنّ من الطبيعي أن يعدّه الله سبحانه إعداداً جيّداً لذلك، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله بعض آثار عظمة الله تعالى في عمليةٍ تربوية رائعة، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذى التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده .

ثالثاً: لقد كان الإنسان ولاسيّما العربي آنذاك يعيش في نطاق ضيّق، وذهنية محدودة، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية، أو القريبة من الحسّ، التي كانت تحيط به، أو يلمس آثارها عن قرب .

فكان ـ والحالة هذه ـ لابدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب، الذي استخلفه الله فيه، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه، واستكشاف أسراره، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه، ومن ذلك الواقع المزري الذي يعاني منه، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة، وكلّ جيل وإلى الأبد .

رابعاً: والأهمّ من ذلك: أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، من أجل أن يثق بنفسه ودينه، ويطمئن إلى أنّه بإيمانه بالله إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق، لا يختار له إلّا الأصلح، ولا يريد له إلّا الخير، قادر على كلّ شيء، ومحيط بكلّ الموجودات .

خامساً: إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية، ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية، وغزو الفضاء، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالدٍ، هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً، وليطمئن المؤمنون، وليربط الله على قلوبهم، ويزيدهم إيماناً.[2]

الهوامش:

[1] الإسراء: 1.

[2] الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 3 / 34 .

2020/05/11

الصلح مع معاوية... هل يخلّ بعصمة الإمام الحسن (ع)​

لا يخفى على أحدٍ أن عصمة الأئمة والأنبياء (ع) من أهم عقائد الشيعة، وقد أثبتوها بالأدلة النقلية والعقلية في أمهات كتبهم وبحوث ومصنّفات علمائهم العظام، إلا أن هناك بعض الأسئلة التي تطرح تصطدم –ظاهراً- مع هذه العقيدة، مثالها، ونحن في يوم ولادة الإمام الحسن (ع):

  • فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ -حاشاه-؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي؟ ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل، فأيّهما كان مصيباً، وأيّهما كان مخطئاً؟

وفي هذا المقال المقتضب، نرد سريعاً لدفع هذه التوهمات:

إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا العصمة، فإنّها مورد اتفاق الشيعة، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع، وبعبارة أُخرى:  إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي: 

1 ـ إنّ صلح الإمام الحسن عليه ‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي، فهو شبه مهادنة، أو مصالحة مؤقّتة، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومين عليهم‌ السلام، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّ صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّ صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصوم عليه‌ السلام، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

2 ـ إنّ موقف الحسين عليه ‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسن عليه ‌السلام في الظروف التي واجهها، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه، لتغطية أفعاله الشرّيرة، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة، إلى أن عرّفه الإمام الحسن عليه السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً، حتّى يراه المسلمون كما هو، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسين عليه السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفى صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخر عليهما‌ السلام.

2020/05/09

روايات تذمّ المختار الثقفي: ما موقف الأئمة (ع) منه؟​

ما حقيقة ما يتردّد حول المختار بن يوسف الثقفي رضي ‌الله‌ عنه - التي مرت ذكرى استشهاده أمس- من مزاعم؟ وما موقف الأئمّة عليهم ‌السلام منه؟

ذكر السيّد الخوئي قدس سره ترجمة المختار في كتابه « معجم رجال الحديث »، فقال: (والأخبار الواردة في حقّه على قسمين: مادحة وذامّة، أمّا المادحة فهي متضافرة، منها ... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين »، وهذه الرواية صحيحة .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: « لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة » .

وعن عمر بن علي بن الحسين: أنّ علي بن الحسين عليهما السلام لمّا أتي برأس عبيد الله بن زياد، ورأس عمر بن سعد قال: فخرّ ساجداً وقال: « الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً »)[1] .

ثمّ ذكر السيّد الخوئي ثلاث روايات أُخرى في هذا المجال، ثمّ ذكر بعض الروايات الذامّة وقال: « وهذه الروايات ضعيفة الإسناد جدّاً » .

ثمّ نقل قدس‌سره قول المجلسي في « بحار الأنوار » فقال: « وقال المجلسي قدس سره: قال جعفر بن نما: أعلم أنّ كثيراً من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الأخبار، ولا رؤية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ، ولو تدبّروا أقوال الأئمّة في مدح المختار لعلموا أنّه من السابقين المجاهدين، الذين مدحهم الله تعالى جلّ جلاله في كتابه المبين، ودعاء زين العابدين عليه السلام للمختار دليل واضح، وبرهان لائح، على أنّه عنده من المصطفين الأخيار، ولو كان على غير الطريقة المشكورة، ويعلم أنّه مخالف له في اعتقاده، لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب، ويقول فيه قولاً لا يستطاب، وكان دعاؤه عليه السلام له عبثاً، والإمام منزّه عن ذلك، وقد أسلفنا من أقوال الأئمّة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له، ونهيهم عن ذمّه ما فيه غنية لذوي الأبصار، وبغية لذوي الاعتبار، وإنّما أعداؤه عملوا له مثالب، ليباعدوه عن قلوب الشيعة، كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السلام له مساوي، وهلك بها كثير ممّن حاد عن محبّته، وحال عن طاعته، فالولي له عليه السلام لم تغيّره الأوهام، ولأباحته تلك الأحلام، بل كشفت له عن فضله المكنون، وعلمه المصون، فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمّة الأطهار … »[2].

والخلاصة: لم يكن المختار إلّا رجلاً أبلى في سبيل قضية أهل البيت عليهم السلام أحسن البلاء، فعمل أعداؤه على محاربته، من خلال وضع التهم والأكاذيب عليه، ولما كان خصومه هم الغالبون، وقد امتد نفوذهم بعده، فمن الطبيعي أن تصاغ هذه الأكاذيب في روايات مسندة، لتدخل التاريخ بوجه مشروع، حين يكون منهج المؤرّخ هو جمع الأخبار، دون التحقيق والتمحيص فيها، أو بوجه غير مشروع، حين تلتقي مع هوى المؤرّخ، أو تعينه على نصرة الاتجاه الذي يميل إليه، أو التنكيل بالاتجاه الذي يميل عنه.

الهوامش:


[1] معجم رجال الحديث 19 / 102 .

[2] بحار الأنوار 45 / 386 .

2020/05/09

قضية المؤاخاة: النبي (ص) يؤسس لمجتمع جديد

إن من الواضح: أن المهاجرين الذين أسلموا قد انفصلوا عن قومهم، وعن إخوانهم، وعن عشائرهم بصورة حقيقية وعميقة، وقد واجههم حتى أحب الناس إليهم بأنواع التحدي والأذى؛ فأصبحوا وقد انقطعت علائقهم بذوي رحمهم وصاروا كأنهم لا عصبة لهم، وقد يشعر بعضهم أنه قد أصبح وحيداً فريداً، وبلا نصير ولا عشيرة، فجاءت الأخوة الإسلامية لتسد هذا الفراغ بالنسبة إليهم، ولتبعد عنهم الشعور بالوحدة، وتبعث في نفوسهم الأمل والثقة بالمستقبل، وقد بلغ عمق تأثير هذه المؤاخاة فيهم أن توهموا: عموم المنزلة حتى في الارث.
لقد أريد للمسلمين المؤمنين أن يكونوا إخوة، وذلك بهدف السمو بعلاقات هذا الإنسان عن المستوى المصلحي وجعلها علاقة إلهية خالصة تصل إلى درجة الأخوة، وليكون أثرها في التعامل بين المسلمين أكثر طبيعية وانسجاماً، وبعيداً عن النوازع النفسية، التي ربما توحي للأخوين المتعاونين بأمور من شأنها أن تعقد العلاقات بينهما ولو نفسياً على أقل تقدير.
ورغم أن الإسلام قد قرر ذلك، وأكد على أن المؤمن أخو المؤمن أحب أم كره، وحمله مسؤولية العمل بمقتضيات هذه الأخوة، إلا أنه قد كان ثمة حاجة إلى إظهار ذلك عملياً، بهدف توثيق عرى المحبة وترسيخ أواصر الصداقة والمودة كما هو معلوم، وليكون الهدف السامي قد انطلق من العمل السامي أيضاً.
لقد كان الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» بصدد بناء مجتمع جديد، يكون المثل الأعلى للصلاح والفلاح، قادراً على القيام بأعباء الدعوة إلى الله، ونصرة دينه، في أي من الظروف والأحوال.
سيما مع وجود الفوارق الكبيرة بين المهاجرين أنفسهم، والأنصار أنفسهم، والمهاجرين والأنصار معاً ـ الفوارق ـ الاجتماعية، والقبلية، والثقافية، والنفسية، والعاطفية، وحتى العمق العقيدي ومستوى الالتزام، فضلاً عما سوى ذلك، هذا بالإضافة إلى الظروف النفسية والمعيشية التي كان يعاني منها المهاجرون بالخصوص.
ومع ملاحظة حجم التحدي، الذي كان يواجه هذا المجتمع الناشئ الجديد، سواء في الداخل: من الخلافات بين الأوس والخزرج، الذين كان الكثيرون منهم لا يزالون على شركهم، ثم من المنافقين، ومن يهود المدينة.
ومن الخارج: من اليهود، والمشركين في جزيرة العرب، بل والعالم بأسره.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار عظم المسؤولية التي يتحملها هذا المجتمع في صراعه من أجل إقامة هذا الدين الجديد والدفاع عنه.
مع ملاحظة كل ذلك، وحيث أصبح من المفترض بهذا المجتمع أن يكون بمثابة كتلة واحدة متعاضدة، ومترابطة، بعد أن كانوا أحزاباً وجماعات وأفراداً فكان لا بد من إيجاد روابط وثيقة تشد هذا المجتمع بعضه إلى بعض، وبناء عواطف راسخة، قائمة على أساس عقيدي، تمنع من الإهمال ومن الحيف على أي فرد من أفراد هذا المجتمع الجديد بحيث يكون الكل مشمولين بالرعاية التامة، التي تجعلهم يعيشون الحب والحنان بأسمى وأجل معانيه، كما أنها تمنع من ظهور تلك الرواسب النفسية، والعقد التاريخية ـ بل وتقضي عليها تدريجاً ـ بين أفراد هذا المجتمع، الذي أصبح أفراده مأخوذين بالتعامل مع بعضهم البعض، الأمر الذي يجعل خطر ظهورها ـ لأتفه الأسباب ـ أشد، وتدميرها أعظم وأوسع.
وكانت تلك الرابطة الوثيقة هي: «المؤاخاة» التي روعيت فيها الدقة، إلى الحد الذي يضمن معه أن يحفظ في هذا المجتمع الجديد معها التماسك والتعاضد إلى أبعد مدى ممكن وأقصى غاية تستطاع ؛ لا سيما وأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره، كما أشرنا إليه.
وسر ذلك يرجع إلى أن هذه المؤاخاة قد أقيمت على أساسين اثنين:
الأول: الحق
فالحق هو القاسم المشترك بين الجميع، عليه يبنون علاقاتهم، وهو الذي يحكم تعاملهم مع بعضهم البعض في مختلف مجالات الحياة.
نعم، الحق هو الأساس، وليس الشعور الشخصي النفسي، ولا المصلحة الشخصية أو القبلية، أو الحزبية!!
وبديهي: أن الحق إذا جاء عن طريق الأخوة والحنان والعطف، فإن ذلك يكون ضمانة لبقائه واستمراره، والتعلق به، والدفاع عنه.
أما إذا فرض هذا الحق فرضاً عن طريق القوة والسلطة، فبمجرد أن تغيب السلطة، والقوة، فلنا أن نتوقع غياب الحق، لأن ضمانة بقائه ذهبت، فأي مبرر يبقى لوجوده، وبقائه ؟!.
بل ربما يكون وجوده وبقاؤه مثاراً للأحقاد والإحن التي ربما يتولد عنها الظلم والطغيان في أبشع صوره وأخزاها، وأسوأ حالاته وأقصاها.
الثاني: المؤاساة
فهذه الأخوة إذاً، ليست مجرد توهج عاطفة، أو شعور نفسي، وإنما هي أخوة مسؤولة ومنتجة، تترتب عليها آثار عملية بالفعل، يحس الإنسان فعلاً بجدواها وبفعاليتها، تماماً كالأخوة التي في قوله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ... ).
حيث جعل مسؤولية الصلح بين المؤمنين متفرعة وناشئة عن الأخوة الإيمانية.
وإذا كانت أخوة خيرة ومنتجة، فمن الطبيعي أن تبقى، وأن تستمر، ومن الطبيعي أيضاً أن يستمر الاحتفاظ بها، والحفاظ عليها إلى أبعد مدى ممكن. وقد كانت لهذه المؤاخاة نتائج هامة في تاريخ النضال والجهاد.
وقد امتن الله على نبيه في بدر بقوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

2020/05/06

بعد وفاة خديجة: ما الحكمة في تعدد زوجات النبي (ص)؟

بيانُ حكمة تعدد زوجات نبينا محمد (صلَّى الله عليه و آله) و الدوافع التي دعته إلى تكثير زوجاته (صلَّى الله عليه و آله) بحاجة إلى دراسة موضوعية تحليلية عميقة و دقيقة حتى يتمكن الباحث من خلالها التعرف على الأسباب الحقيقية لتعدد زوجاته (صلَّى الله عليه و آله)، الأمر الذي حاول من خلاله بعض المغرضين و الحاقدين على الإسلام أن يسجل على النبي (صلَّى الله عليه و آله) ملاحظة غير واقعية محاولاً إثبات وجود رغبة جنسية جامحة لدى رسول الله كانت وراء تعدد زوجاته (صلَّى الله عليه و آله) .

لكن الباحث الذي يدرس هذا الأمر بعمق و وعي سرعان ما يتضح له زيف هذا الادعاء وبطلان هذا التصور الخاطئ .

و مع أن دراسة هذا الموضوع بحاجة ـ كما قلنا ـ إلى بحث عميق و مفصل، لكننا نحاول تسليط الضوء على النقاط الهامة و الرئيسية التي تمكن الباحث من الوصول إلى النتائج الصحيحة و الحقيقية، أما النقاط فهي:

الاتهام الباطل

قد يحلو لبعض المغرضين و الحاقدين:  بأن يتهم الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه و آله) بأنه إنما تزوج عدة نساءٍ استجابة لرغبة جنسية جامحة، كان يعاني منها .

و لكننا، إذا درسنا هذا الجانب من حياته المباركة (صلى الله عليه وآله) بعمقٍ و وعي، فإننا نخرج بنتيجة حاسمة تُثبت أن هذا الكلام محض خيال زائف ليس له منطق يساعده و لا دليل يتعمد عليه، و ذلك بملاحظة ما يلي:

1.إن حب الرجل للمرأة أمر طبيعي غير مستغرب و لا يتنافى مع مكانة الرجل و مقامه و مرتبته مهما علت و شمُخت، و لقد كان النبي (صلَّى الله عليه و آله) رجلاً إنساناً فطبيعي أن يميل إلى المرأة و يشعر بالمتعة معها، فرسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى و لو كان زواجه بهذا العدد من النساء بدافع المتعة و الالتذاذ فهو أمر غير مستغرب، لكن دراسة الحياة الزوجية للنبي (صلَّى الله عليه و آله) تكشف لنا أن دافعه لم يكن المتعة و ذلك لأن أكثر زوجاته (صلَّى الله عليه و آله) كنّ ثيِّبات، إما مطلقات، أو ترمّلن من أزواجهن قبله (صلَّى الله عليه و آله) .

فلو كان (صلَّى الله عليه و آله) يهتم بأمور الجنس و المتعة لكان باستطاعته أن يتزوج خيرة الفتيات الأبكار، و لوجد أولياءهن يفتخرون بمصاهرته لهم، و هو الذي حثّ و حبَّذ و أثنى على الزواج بالأبكار، و رغّب فيه بشكل واضح و ملموس .

2.إنه (صلَّى الله عليه و آله) و هو في مكة بقي 25 سنة مع زوجته خديجة، المرأة الوفية، التي كانت تكبره سناً، كما يقولون، و لم يتزوج عليها في حياتها أحداً، مع أن تعدد الزوجات كان مألوفاً لدى الناس آنئذٍ .

3.إننا نجده يرفض عرض قريش عليه التزويج بأي النساء شاء، في مقابل أن يلين في موقفه، و يخفف من مواجهته لآلهتهم و عقائدهم .

4.إن زوجاته (صلَّى الله عليه و آله) كنّ على كثرتهنّ من قبائل شتى، لا تكاد تجد منهم اثنتين من قبيلة واحدة، إلا من اللواتي لم يدخل بهن .

5.إن جميع زوجاته باستثناء خديجة، إنما دخلن بيت الزوجية عنده حينما كان في المدينة المنورة، أي بعد تجاوزه سنّ الخمسين، و بعضهن تزوجهن (صلَّى الله عليه و آله) قبل وفاته بمدة قليلة .

6.إن هذا التعدد لم يشغل النبي (صلَّى الله عليه و آله) عن واجباته، و لا أخرجه عن اتزانه، و لا طغى على وقته و نشاطه، و تاريخ حياته (صلَّى الله عليه و آله) يشهد بأنه (صلَّى الله عليه و آله) لم يكن يهتم بهذه الأمور، بل كان مثال العفاف و الطُهر الرفيع، و لم يلوث نفسه بأيٍ عمل قبيح مما كانت الجاهلية تبيحه و تشيع في مجتمعه ممارسته، و لم يستطع أحد من أعدائه أن يعيره بشيء من ذلك .

7.أنه (صلَّى الله عليه و آله) قد خير زوجاته بين الرضا بحياة التقشف معه، و بين الطلاق و الفراق، فلو كان زواجه بهن بسبب طغيان الغريزة الجنسية لديه، لكان يجب أن يحتفظ بهن في جميع الأحوال، و لا يفرط بهن لمجرد حبّه لحياة التقشف و الزهد .

فهل استيقظ فيه (صلَّى الله عليه و آله) الشعور الجنسي في المدينة بالذات و بعد شيخوخته و في أواخر عمره ؟!

و هل استيقظ هذا الشعور على خصوص النساء اللواتي ترملن ؟ أو طلقهن أزواجهن ؟!

أو هل أراد حقاً أن يتذوق نساء القبائل المختلفة في الجزيرة العربية ؟!

و لماذا اختص ذلك بالعربية دون غيرها ؟!

الدوافع الحقيقية

و بعد ما تقدم، فإننا إذ نجيب على التساؤل حول السبب في كل ذلك و دوافعه و آثاره، نقول:

إن زواجه (صلَّى الله عليه و آله) المتعدد هذا، قد كان لدوافع سياسية، و أحكامية، و إنسانية، و انطلاقا من مصلحة الإسلام العليا .

و توضيح ذلك ـ قدر الإمكان ـ يكون من خلال النقاط التالية:

النقطة الأولى: دوافع إنسانية

إن بعض موارد زواجه (صلى الله عليه و آله) كانت دوافعه إنسانية بحتة، لكون تلك المرأة قد أسلمت و هاجرت، ثم توفي أو قتل عنها زوجها، و لم يكن لها سبيل للرجوع إلى أهلها المشركين، لأنها لم تكن قادرة على مقاومة الضغوط النفسية و المادية القاسية و الوحشية التي كانت تفرزها تلك المجتمعات الجاهلية و لم تكن بمأمن من أن تتعرض لأنواع التعذيب الجسدي الوحشي فيما لو أرادت أن تحتفظ بدينها و عقيدتها و هي تعيش بينهم و في بيئتهم .

كما و أن بعضا من هذه النساء حتى لدى انتقالها الى المجتمع الاسلامي لم تكن قادرة على أن تمارس حياتها بصورة طبيعية من دون أي ما معيل و لا كفيل لها في هذا المجتمع الجديد، كما كان الحال بالنسبة لسودة بنت زمعة التي كانت مسنّة، و يزيد عمرها على الخمسين عاماً، و كذا الحال بالنسبة لزينب بنت خزيمة .

هذا بالإضافة إلى أن كونها أيِّماً سيطلق الألسنة و الأهواء في حقها و في اتهامها، و يجعلها تتعرض لضغوط و إغراءات ربما لا تناسبها أو لا يتناسب و موقعها و مصيرها في هذا المجتمع الغريب، هذا إن لم يؤدّ ذلك إلى أزمات نفسية أو قَبَلية لا مبرر لها .

فخير كافل و خير معين و حافظ و ولي لها، هو النبي الأكرم (صلَّى الله عليه و آله)، إلا إذا رزقها الله زوجاً من بعض خيار أصحابه (صلَّى الله عليه و آله) إذا كان فيهم من يقدم على ذلك .

النقطة الثانية: مصلحة دينية

إن زواجه (صلَّى الله عليه و آله) بـ " جويرية " كان لمصلحة دينية، حيث قد نشأ عنه:  ـ كما يقولون ـ أن يُطْلِقَ المسلمون مئة من أهل بيتها، و عند دحلان مئتين من الأسرى من قبيلتها، فأسلم من قومها خلق كثير، على حد تعبير المؤلفين في السيرة النبوية 1، و لهذا وصفت بأنها كانت أكثر نسائه بركة ـ ما عدا خديجة ـ .

فهذا نوع من التأليف للناس على الإسلام، و الترغيب فيه، كما كان (صلَّى الله عليه و آله) يتألفهم بطرق أخرى كبذل المال لهم، و تزويجهم، و توليتهم بعض الأمور، و غير ذلك .

بل نجد عمرو بن العاص يذكر لنا نوعاً من التأليف للقلوب لم يكن يخطر على البال، يقول عمرو:  " كان رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) يقبل بوجهه و حديثه عليّ، حتى ظننت أني خير القوم ..." .

ثم ذكر أنه سأل النبي (صلَّى الله عليه و آله) عن نفسه، و فلان، و فلان، فأخبره:  أنهم أفضل منه، فيقول عمرو:  " فلوددت أني لم أكن سألته " 2 .

النقطة الثالثة: تشريع

إن زواجه (صلَّى الله عليه و آله) بـ " زينب بنت جحش " كان لضرورة اقتضاها التشريع الاسلامي، حيث إنه (صلَّى الله عليه و آله) كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة، و كان العرب يعتقدون أن آثار التبني هي نفس آثار البنوّة الحقيقية، فيحلّ للمتبني ما يحلّ من ولده الحقيقي و يحرم عليه ما يحرم عليه منه، و يرث، و يعامل ـ تماماً ـ كالابن الحقيقي بلا فرق .

و لم يكن مجال لاقتلاع هذا المفهوم الخاطئ إلا بالإقدام على عمل أساسي لا مجال للريب و لا للتأويل فيه .

فكان زواج النبي (صلَّى الله عليه و آله) من زوجة ابنه بالتبني بعد أن طلقها زيد هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم، و هكذا كان .

النقطة الرابعة

لقد جاء الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه و آله) لهداية الناس و إرشادهم، و لا بُدَّ لهم من الإيمان به و التسليم لأمره و نهيه، بل لا بُدَّ أن تكون له مكانة و محبة في نفوسهم تزيد على محبتهم لكل شيء آخر، حتى المال، و الولد، و النفس، بنص القرآن الكريم:  (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) 3 .

و لكن، و بعد أن اضطر (صلَّى الله عليه و آله) إلى مواجهتهم بالحرب و قهرهم، و تمكّن من السيطرة عليهم، حدث بين كثير من القبائل ـ التي كان عدد من زوجاته (صلَّى الله عليه و آله) ينتمي إليها ـ و بين المسلمين، و النبي (صلَّى الله عليه و آله) على رأسهم، حروب و قتلى، و كانت لقضية الثأر و الدم عند العربي أهمية خاصة .

نعم بعد ذلك كله، مسّت الحاجة إلى إتباع أساليب كثيرة من أجل تأليفهم، و إيجاد علاقات من نوع معين، تفرض عليهم، أو على الأقل على الكثيرين منهم ـ و النبي (صلَّى الله عليه و آله) يهمه حتى الفرد الواحد ـ أن يرتبطوا به و يتعاملوا معه تعاملاً واضحاً، و من موقع الثقة المتبادلة، و يقطع الطريق عليهم في أتخاذهم لأي موقف سلبي منه و من دعوته .

و بعد أن يتمكن من شحنهم روحياً و عقائدياً، يكون قد مهد الطريق للقضاء على الأحقاد و الإحن، ليتسنى للمسلمين ـ من خلال ذلك ـ العمل يداً واحدة من أجل هدف واحد و في سبيل واحد .

و لهذا نجده (صلَّى الله عليه و آله) يتحمل من بعض تلك النسوة أذى كثيراً، و يواجه صعوبات جمة معها، و لكنه لا يبادر إلى قطع العلاقة معها نهائياً، لأنه يتعامل مع زوجاته من موقعه السياسي الحرج، لا من جوّ بيت الزوجية 4 .

النقطة الخامسة

و كشاهد على ما تقدم نذكر:  أن زواجه (صلَّى الله عليه و آله) بـ "حفصة " مثلاً كان ـ على ما يظهر ـ زواجاً سياسياً، و يمكن أن يتضح ذلك من كلام أبيها عمر لها، حين طلقها النبي (صلَّى الله عليه و آله)، و أراد طلاقها مرة ثانية، حينما تظاهرت هي و عائشة عليه (صلَّى الله عليه و آله)، و اعتزلهما، فقد قال عمر لابنته:  " و الله، لقد علمتُ أن رسول الله لا يحبك، و لولا أنا لطلقك رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) " 5 .

كما و يرى البعض:  أنه (صلَّى الله عليه و آله) أراد أن يساوي بين أبي بكر و عمر من جهة المصاهرة لكل منهما 6 .

و معنى كلامه هذا هو أن الدافع للزواج بحفصة كان سياسياً، و ليس هو الرغبة الجنسية الجامحة، كما يدَّعون .

و كذا الحال بالنسبة لزواجه بعائشة، حيث تزوجها من أجل الاحتفاظ بولاء أبيها و أبنائه إلى جانبه .

و حينما طلّق رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) حفصة في المرة الأولى، حثى عمر على رأسه التراب، و قال ما يعبأ الله بعمر، و ابنته بعدها، فراجعها النبي، رحمة لعمر 7 .

فهذا الموقف الشديد لعمر من طلاق ابنته، جعل النبي (صلَّى الله عليه و آله) يضطّر إلى مراجعتها من جديد!!

و قد ذكَّرها عمر بهذا الأمر حينما أراد (صلَّى الله عليه و آله) طلاقها في المرة الثانية فقال:  إنه قد كان طلّقك مرة، ثم راجعك من أجلي، أو قال:  إن النبي طلقك و راجعك من أجلي، أو نحو ذلك 8 .

و بعد ما تقدم يتضح:  أنه لا يصح قولهم:  إنه (صلَّى الله عليه و آله) إنما راجعها لأن جبرئيل أمره بمراجعتها، لأنها صوامة قوامة 9، خصوصاً و أن الصوامة القوامة لا تجعل النبي (صلَّى الله عليه و آله) يضطر إلى طلاقها مرتين، ثم يراجعها من أجل أبيها .

كذبة مفضوحة

و من الكذب الواضح هنا:  ما روي أنه لما طلقها النبي (صلَّى الله عليه و آله) اغتم الناس، و دخل عليها خالها عثمان بن مظعون، و أخوه قدامة، فبينما هو عندها و هم مغتمون، إذ دخل النبي (صلَّى الله عليه و آله) على حفصة، و قال:  يا حفصة، أتاني جبريل (عليه السَّلام) آنفاً، فقال:  إن الله يقرؤك السلام، و يقول لك:  راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، و هي زوجتك في الجنة .

و ثمة نص قريب من هذا، و رجاله رجال الصحيح 10 كما يدّعون .

و هذا من الكذب الواضح، فإن عثمان بن مظعون قد توفي قبل زواج النبي (صلَّى الله عليه و آله) بها بمدّة، و قضية الطلاق إنما حصلت في قضية لها مع مارية التي قدُمت إلى المدينة سنة سبع، أو ثمان .

و قد قلنا إن الصوامة القوامة لا يعهد منها أن تؤذي النبي إلى حد يضطر معه إلى طلاقها مرتين .

و التي تؤذي النبي لا يعقل أن تكون معه في الجنة، و الله تعالى يقول:  (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) 11 .

و قال عزَّ و جلَّ:  (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) 12 .

و بعد هذا، فلا يمكن أن نصدق:  أن يأتي جبرئيل فيأمره بمراجعة من هذه حالها، ثم يحكم ـ علاوة على ذلك ـ لها بالجنة 13 .

هل الزواج السياسي احتقار للمرأة ؟

ربما يقال:  إن الزواج السياسي من قبل النبي (صلَّى الله عليه و آله)، أو من قبل الإمام الحسن (عليه السَّلام) من جعدة بنت الأشعث، إهانة للمرأة، و تحقير لها، و امتهان لكرامتها كإنسان .

و الجواب:

أولاً:  إن النساء يختلفن من حيث الكرامة و القيمة باختلاف حالاتهن، و بمقدار التزامهن بخط الإسلام و الأحكام، ففاطمة و مريم، (عليهما السَّلام) و امرأة فرعون و خديجة، و أم سلمة (رحمهن الله)، لسن مثل امرأة نوح و امرأة لوط، فالمرأة التي ترضى لنفسها أن تكون في موقع الإهانة لا تكون إهانتها إهانة للجنس .

و ثانياً:  إنه إذا كان الزواج بامرأة ما سبباً لهداية جماعة من الناس، أو دفع ضرر عن الإسلام أو عن المسلمين، فإنه يكون تكريماً للمرأة، و تشريفاً لها، لا سيما إذا كان ذلك من نبي أو وصي .

فاعتبار ذلك إهانة للمرأة ليس له ما يبرره 14 .

الهوامش:


1.سيرة المصطفى / 467 .

2.مجمع الزوائد:  9 / 15، عن الطبري بأسناد حسن، و في الصحيح بعضه بغير سياقه، و حياة الصحابة:  2 / 706 عن الترمذي في الشمائل:  25 .

3.القران الكريم:  سورة التوبة (9)، الآية:  24، الصفحة:  190 .

4.يراجع:  حديث الإفك:  165، للعلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي .

5.صحيح مسلم:  4 / 165، و الجامع لأحكام القرآن:  18 / 190 .

6.مع المفسرين و المستشرقين في زواج النبي (صلى الله عليه وآله) بزينب بنت جحش:  104 .

7.أسد الغابة:  5 / 426، و الإصابة:  4 / 273، و الإستيعاب بهامش الإصابة:  4 / 269، و مجمع الزوائد:  9 / 244 عن الطبراني .

8.تراجع هذه النصوص في:  أسد الغابة:  5 / 426، و مجمع الزوائد:  9 / 244 عن الطبراني و رجاله رجال الصحيح، و الإصابة:  4 / 273 عن أبي يعلى .و راجع:  سيرة مغلطاي:  48 .

9.طبقات ابن سعد:  8 / 58 و 59، و مجمع الزوائد:  9 / 244 عن البزار و الطبراني، و أسد الغابة:  5 / 425، و الإستيعاب بهامش الإصابة:  4 / 269، و تهذيب الأسماء و اللغات:  2 .

10.يراجع:  مجمع الزوائد:  9 / 244 عن الطبراني في الأوسط، و في السند من لم يعرفهم، و في:  245 ما يقرب من هذا النص، و قال:  إن رجاله رجال الصحيح، و يراجع أيضاً:  تاريخ الخميس:  1 / 416 / 417، و طبقات ابن سعد:  8 / 58 .

11.القران الكريم:  سورة التوبة (9)، الآية:  61، الصفحة:  196 .

12.القران الكريم:  سورة الأحزاب (33)، الآية:  57، الصفحة:  426 .

13.يراجع بعض قضاياها في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) في ترجمتها في كتاب قاموس الرجال، و كتاب عائشة للعلامة المحقق السيد مرتضى العسكري و غيرهما .

14.الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله):  5 / 253- 261، للعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي:  طبعة دار السيرة، بيروت / لبنان .

2020/05/04

هل يتّهم علماء الشيعة زوجات النبي (ص) بالزنا والفجور؟

من الأمور التي أثارت جدلاً واسعاً بين الشيعة وخصومهم اتهام الشيعة بأنهم يطعنون في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله، ويتَّهمون خصوص عائشة بالزنا والفجور.

وهذا الطعن جعله خصوم الشيعة من أعظم الطعون في الشيعة وفي مذهبهم، ويظهر أنه اتهام قديم، لم يكن وليد هذا العصر. ولأجل ذلك فإن من المهم جدّا إيضاح هذه المسألة، وبيان عقيدة الشيعة في زوجات نبينا صلى الله عليه وآله من هذه الجهة، فأقول:

إن كلمات علماء الشيعة قديماً وحديثاً صرَّحت بأن جميع نساء الأنبياء عليهم السلام منزَّهات عن ارتكاب الزنا والفجور؛ ولم يدل دليل واحد على أن زوجة واحدة من زوجات الأنبياء عليهم السلام زنت، أو أقدمت على فاحشة، ونساء الأنبياء عليهم السلام وإن لم يكنَّ معصومات عن الزنا والفواحش، إلا أن الله تعالى صان كل نبي من أنبيائه عليهم السلام عن أن يقترن بعاهرة أو بزانية، كما أنه تعالى صان كل امرأة اقترنت بنبي عن أن تزني أو تفعل فاحشة؛ والسبب في ذلك أن زنا الزوجة يشين زوجها، ويعيبه، ويحط من قدره، والله تعالى نزَّه أنبياءه عن كل ما يعيبهم، وصانهم عن كل ما يقلل من مكانتهم عند الناس، ومنه زنا زوجاتهم وفعلهن الفواحش.

وهذا بخلاف ارتكاب الذنوب الموجبة للفسق، فإن الله تعالى لم يعصم نساء أنبيائه عن ذلك، وإلا لوجب القول بعصمتهن عن الذنوب والمعاصي، وهذا لم يقل به أحد؛ لأنه قد ثبت متواتراً أن بعض زوجات الأنبياء صدرت منهن بعض الذنوب والمعاصي.

وحال الكفر بالنسبة إليهن كحال الفسق، فإنه جائز أيضاً على نساء الأنبياء عليهم السلام؛ لأن الله تعالى ذكر في كتابه العزيز مثالين لمن كفر من زوجات الأنبياء السابقين عليهم السلام، وهما زوجتا نوح ولوط عليهما السلام، فقال سبحانه: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) 1.

ومن الواضح أن فسق الزوجات أو كفرهن لا يعيب أزواجهن ولا ينقصهم، بخلاف زناهن وفحشهن، ولهذا صانهن الله تعالى عن الزنا، ولم يصنهن عن الفسق والكفر.

وهذا الذي قلناه من براءة نساء الأنبياء عن الزنا والفجور صرَّح به أعلام الشيعة قديماً وحديثاً في كتبهم وفتاواهم، وإليك بعضا منها:

(1) قال السيد علي بن الحسين العلوي المعروف بالشريف المرتضى قدس سره (ت 436هـ) في أماليه 1/503، في ردِّه على من زعم أن ابن نوح لم يكن ابناً له في الحقيقة، وإنما وُلد على فراشه: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم.

(2) قال شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ) في تفسير التبيان 10/52 في تفسير قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... )1:

قال ابن عباس: (كانت امرأة نوح كافرة، تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما لهما، وما زنت امرأة نبي قط)؛ لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس ذلك قولاً لمحصِّل.

(3) وقال الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548هـ): (... فَخَانَتَاهُمَا ...) 1 بالنفاق والتظاهر على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط دلت على ضيفانه، وعن الضحاك: خانتاهما بالنميمة، إذا أوحى الله إليهما أفشتاه إلى المشركين، ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور؛ لأنه نقيصة عند كل أحد، سمج في كل طبيعة، بخلاف الكفر؛ لأن الكفار لا يستسمجونه، وعن ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط؛ لما في ذلك من التنفير عن الرسول، وإلحاق الوصمة به2.

(4) وقال محمد علي بن يونس العاملي البياضي (ت 877هـ): وأما تولد كافر من النبي فلا محال فيه، وقد قيل: إن كنعان كان لنوح ربيباً، ولم يكن ابنا. وروي عن الحسن ومجاهد أنه وُلد على فراشه، وهذا بالإعراض عنه حقيق، قال ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط3.

(5) وقال المقدس أحمد الأردبيلي (ت 993هـ): ثم أشار إلى التمثيل بامرأة نوح وامرأة لوط، بأنه لا ينفع أحداً صلاح أحد حتى حفصة وعائشة وغيرهما صلاح النبي صلى الله عليه وآله كما في امرأتي هذين النبيين العظيمين، فإن امرأتيهما خانتاهما. قال في الكشاف والقاضي: بالنفاق، وقيل: بأن كانت امرأة نوح كافرة، تقول للناس: إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة من قوم نوح، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما، فما بغت امرأة نبي، فكذا نبينا بالطريق الأولى، ولهذا قالوا: قطع الله بهذه الآية طمع من ركب المعصية رجاء أن ينفعه صلاح غيره4.

(6) وقال المولى محمد صالح المازندراني (ت 1081هـ): فامرأة نوح قالت لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط دلت قومه على ضيفانه، وليس المراد بالخيانة البغي والزنا، إذ ما زنت امرأة نبي قط5.

(7) وقال فخر الدين الطريحي (ت 1085): قوله: (... فَخَانَتَاهُمَا ...) 1 أي بالنفاق، والتظاهر على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنه لمجنون، وامرأة لوط دلت على ضيفانه. وقيل: خانتاهما بالنميمة، إذا أوحي إليهما أفشتاه إلى المشركين. ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، قال ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط، لما في ذلك من التنفير عن الرسول صلى الله عليه، وإلحاق الوصمة به6.

(8) وقال محمد إسماعيل بن الحسين المازندراني الخاجوئي (ت 1173هـ): فإن قلت: هل تجب عصمة نساء الأنبياء من الزنا، فلا يجوز ذلك عليهن، أم يجوز، ولكنه لم يقع منهن؟ قلت: لو لم يجز لكان على رسول الله صلى الله عليه وآله حين قذفت زوجته أن يخبر بأنه لا يجوز عليها، ولكنه بقي أياماً والناس يخوضون فيه إلى أن نزل الوحي ببراءتها، وكيف لا يجوز وقد قال الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ...) 7 إلى قوله: (... فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ...) 8 الآيات؟ ولذلك لم يشترط أحد من العلماء عصمتهن عنه، ولكن اللائق بمنصب النبوة نزاهتهن عنه وسلامتهن منه، ولم يقع من واحدة منهن، فعن ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط9.

(9) وقال السيد محسن الأمين (ت 1371هـ): الشيعة تعلن لجميع الملأ أنها تعتقد أنه لا يجوز أن تكون زوجة النبي زانية، وأنه يجب تنزيه جميع أزواج الأنبياء عن ذلك، فلا يقبل منهم، وتلصق هذه التهمة بهم؟ إن هذا لعجيب.

وقال أيضاً: فيمكنني في هذه العجالة أن أبين لكم خلاصة عقيدة الشيعة المتفق عليها في نساء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عامة، وفي أمهات المؤمنين نساء النبي صلى الله عليه وآله خاصة.

إلى أن قال: فتحصل من ذلك أن زوجة النبي يجوز أن تكون كافرة، كما في امرأتي نوح ولوط عليهما السلام، ولا يجوز أن تكون زانية؛ لأن ذلك من النقائص التي تلحق النبي، فتوجب سقوط محله من القلوب، وعدم الانقياد لأقواله وأفعاله، وذلك ينافي الغرض المقصود من إرساله، وحينئذ فقوله تعالى في حق امرأتي نوح ولوط: (... فَخَانَتَاهُمَا ...) 1 يراد منه الخيانة بغير ذلك، ولا عموم في لفظ الخيانة10.

(10) قال العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402هـ) في الرد أيضاً:

وفيه: أنه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء عليهم السلام، والذوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم، وينزِّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل، أنه ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة، ولا ظهور، فليس في القصة إلا قوله: )... إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ...( 11، وليس بظاهر فيما تجرَّؤوا عليه، وقوله في امرأة نوح: )... امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... ( 1، التحريم: 10، وليس إلا ظاهراً في أنهما كانتا كافرتين، تواليان أعداء زوجيهما، وتسران إليهم بأسرارهما، وتستنجدانهم عليهما12.

وقال أيضاً: إن تسرب الفحشاء إلى أهل النبي ينفر القلوب عنه، فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء، وإلا لغت الدعوة، وتثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعاً لا ظاهراً فحسب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعرف بهذه الحجة منا، فكيف جاز له أن يرتاب في أمر أهله برمي من رام أو شيوع من إفك؟13.

(11) وقال المرجع الديني السيد محمد صادق الروحاني في رده على سؤال نصّه: هل زوجات النبي صلى الله عليه وآله معصومات عن الزنا؟ قال ما يلي: لم يكنَّ في أنفسهن معصومات عن ذلك، ولكن كرامة النبي صلى الله عليه وآله تقتضيه، فإنه أجل عند الله تعالى من أن تقترن به امرأة لا تتورع عن ارتكاب الفواحش14.

وأود أن أنبه القارئ العزيز إلى أن بعض علماء الشيعة السابقين، ألف كتاباً في تنزيه عائشة، وهو «الشيخ الواعظ نصير الدين عبد الجليل بن أبي الحسين بن أبي الفضل القزويني: [وهو] عالم، فصيح، ديِّن، له... كتاب البراهين في إمامة أمير المؤمنين، كتاب السؤالات والجوابات سبع مجلدات، كتاب مفتاح التذكير، كتاب تنزيه عائشة»15.

قال البحاثة آغا بزرگ الطهراني: (2039: تنزيه عايشة) للشيخ الواعظ نصير الدين عبد الجليل بن أبي الحسين بن أبي الفضل القزويني صاحب بعض المثالب المذكور في ج 3- ص 130)، نزَّه فيه عايشة عما اتهمت به، ذكره الشيخ منتجب الدين16.

وقد أعجبني إنصاف الألوسي في تفسير قوله تعالى (... فَخَانَتَاهُمَا ...) 1، حيث قال: نقل ابن عطية عن بعضٍ تفسيرَها بالكفر، والزنا، وغيره، ولعمري لا يكاد يقول بذلك إلا ابن زنا، فالحق عندي أن عهر الزوجات كعهر الأمهات من المنفرات التي قال السعد: (إن الحق منعها في حق الأنبياء عليهم السلام)، وما ينسب للشيعة مما يخالف ذلك في حق سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم كذب عليهم، فلا تعول عليه وإن كان شائعاً، وفي هذا على ما قيل تصوير لحال المرأتين المحاكية لحال الكفرة في خيانتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر والعصيان، مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة17.

فإذا تبين رأي الشيعة الإمامية في تنزيه زوجات نبينا صلى الله عليه وآله عن الفواحش والفجور، فإن كل من ينسب إلى الشيعة الإمامية خلاف ما قلناه فهو إما جاهل بمذهبهم، أو كاذب مفتر عليهم.

كما أن كل من قال خلاف ما أوضحناه من الشيعة الإمامية فهو مخطئ جزماً، وهو يعبِّر بقوله عن رأيه هو، لا عن رأي عموم الطائفة، وقوله مردود عليه، لا يصح نسبته إلى مذهب الشيعة الإمامية، ولم أجد فاضلاً من الشيعة قال: إن زوجة من زوجات نبينا صلى الله عليه وآله زنت أو ارتكبت فاحشة كما نقلناه عن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي أنه قال: وليس ذلك قولاً لمحصِّل.

الهوامش:


1. a. b. c. d. e. f. g. القران الكريم: سورة التحريم (66)، الآية: 10، الصفحة: 561.

2. جوامع الجامع 3/597.

3. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 1/354.

4. زبدة البيان: 574.

5. شرح أصول الكافي 10/107.

6. مجمع البحرين 1/715.

7. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 30، الصفحة: 421.

8. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 32 و 33، الصفحة: 422.

9. جامع الشتات: 38.

10. أعيان الشيعة 1/120.

11. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 46، الصفحة: 227.

12. الميزان في تفسير القرآن 10/235.

13. الميزان في تفسير القرآن 15/102.

14. أجوبة المسائل: 92.

15. فهرس منتجب الدين: 87.

16. الذريعة 4/457.

17. روح المعاني 28/162.

18. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ علي ال محسن حفظه الله.

2020/05/04