سجن وسمّ وقتل.. هل يؤمن الشيعة بـ «عقيدة الفداء»؟!

عقيدة الفداء عقيدة ذات جذور وثنية كما يؤكد الكثير من الباحثين الغربيين، يقول الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي مؤلف كتاب قصة الحضارة المشهور المؤرخ ول ديورانت: "بأن عوامل عديدة قد أوحت إلى بولس بتلك العقيدة، منها: انقباض نفس بولس وندمه بالصورة التي استحال إليها المسيح في خياله، وتأثره بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية التي تنبذ المادة والجسم واعتبارهما شرّاً وخبثاً.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وتأثره كذلك بالطقوس الوثنية في التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس، وتلك عقيدة موجودة عند الوثنيين في مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان التي تؤمن بالآلهة التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان"(قصة الحضارة(11/263-265) بتصرف ).

هناك من يسرد الجذور التاريخية لعقيدة الفداء ويلمح لوجود تطابق بينها وبين ما جاء في حديث الإمام الكاظم، الذي جاء فيه: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَى ‏الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ فَوَقَيْتُهُمْ وَاللَّهِ بِنَفْسِي".

ويبدو أن الفهم الذي ارتسم في ذهنه من هذا الحديث هو الذي قاده إلى هذه المقارنة، حيث تصور أن الإمام تحمّل السجن الطويل والألآم حتى مضى شهيداً لكي يفدي الشيعة فلا يؤاخذهم الله بعد ذلك بشيء.

إلا أن هذا الفهم ليس صحيحاً بالمطلق؛ لكونه مخالفاً لنصوص القرآن والسنة ومبايناً تماماً لعقائد الإسلام وتعاليمه، ويكفي في هذا المقام قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)، وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، الأمر الذي يدعونا إلى صرف هذا المعنى عن الرواية والبحث عن معناها الحقيقي انطلاقاً من الظروف التاريخية التي صدرت فيها هذه الرواية.

بشكل مختصر يمكننا القول إن عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) مهد الطريق بشكل كبير لتمكين الشيعة حتى اصحبوا أكثر تماسكاً وقوة، فبسبب الضعف الذي رافق انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية تمكن الإمامين من تثبيت دعائم المذهب وتأسيس أركانه، فاصبح النفوذ الشيعي وحكرتهم السياسية أكثر حضوراً وتأثيراً، فامتدت ثورات العلويين حتى شملت أكثر البلاد الإسلامية.

وقد جاء عهد الإمام الكاظم (عليه السلام) وكانت الظروف أكثر توتراً بين الشيعة وبين السلطة العباسية، وقد كانت السلطة أكثر تخوفاً وتحرزاً من الإمام إلى درجة أنها كانت تعتقد بأنه هو مهدي آل محمد الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولذا حرصت السلطة عند مقتله بأن تنادي على جنازته: هذا إمام الرافضة يزعمون أنه لا يموت فانظروا إليه ميتاً.

ومن هنا نفهم جملة الروايات التي تتحدث بتشدد عن ضرورة التقية وكتم أمر أهل البيت (عليهم السلام) فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ"، وعن الصادق عليه السلام قال: "سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ التَّقِيَّةِ يَا حَبِيبُ إِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ تَقِيَّةٌ رَفَعَهُ اللَّهُ يَا حَبِيبُ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَقِيَّةٌ وَضَعَهُ اللَّهُ".

وبسبب هذه التقية تمكن الائمة من أهل البيت من اختراق الاجهزة العليا للدولة وكانت لهم عيون داخل أروقة النظام الحاكم، من أمثال علي بن يقطين، وعلي بن سويد وغيرهم الذين اصبحوا من الدائرة الأولى في السلطة العباسية، وزرع مثل هؤلاء في مناصب قريبة من هرم السلطة يؤكد وجود عمل سياسي قوي ومنظم، فلم يصل هؤلاء إلى هذه المرتبة إلا بعمل دؤوب ولفترة طويلة من التقية، وقد كان في زمن هارون الرشيد العشرات من أمثال علي بن يقطين الذين يعملون في مناصب حساسة في الدولة، وقد ساعد هؤلاء على إفشال الكثير من المخططات التي كانت تستهدف الائمة وشيعتهم.

وفي مقابل هذه الطبقة من أصحاب الائمة والذين كانوا يمثلون كوادر الصف الأول كان هناك الكوادر الوسيطة والدنيا وعامة الشيعة، وما حدث من اختراقات للعمل الرسالي الذي يقوده الائمة كان بسبب التسريبات التي تصدر من هذه الطبقة، فلم يكن الالتزام بالتقية وضرورة الكتمان والعمل السري بنفس القدر الذي اراده الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، الأمر الذي تسبب في اضرار كبيرة في العمل الرسالي، حيث اصبحت السلطة أكثر قدرة على تتبع خيوط العمل الشيعي، مما سبب خطراً كبيراً على الوجود الشيعي من الأساس، فإذا تمكنت السلطة من التعرف على جميع رجالات الشيعة وكوادرها ومن ثم القضاء عليهم لما تبقى للتشيع وجود، الأمر الذي جعل الإمام الكاظم بين خيارين، الأول: أن يكشف هو نفسه للسلطة فتلهوا عما هو دونه، والثاني: أن يترك السلطة تتبع الشيعة وتقضي عليهم واحداً بعد الثاني، ويبدو أن الأمر مشابهاً لما حدث مع الإمام الحسن (عليه السلام) عندما وجد نفسه مخيراً بين مصالحة معاوية والحفاظ على الشيعة وبين أن يحارب ويتسبب في القضاء عليهم، فاختار الإمام الصلح مع معاوية.  

فاختيار الإمام للسجن والقتل كان فيه صرف النظر عن بقية الشيعة، ولذا اختار سلام الله عليه السجن والقتل ظلماً ليحافظ على المشروع الشيعي لكي يبقى ويستمر حتى قيام دولتهم الكبرى دولة الإمام المهدي (عليه السلام).

وفي المحصلة يجب فهم الرواية ضمن السياق التاريخي والظرف السياسي الذي كان يحيط بالإمام الكاظم (عليه السلام)، ولا يمكن فهمها على نحو الفهم الكنسي المستمد من جذور وثنية.

المقال رداً على سؤال: يفدي أحدًا قومه بنفسه لتغفر ذنوبهم!! هذه العقيدة اعتقدها الإغريق في مخلصهم (أبولو)، والرومان (هيروكوليس)، والنصارى في المسيح، ونحن نجد ما يشابهها عند الشيعة، جاء في الكافي عن  موسى الكاظم: «إن الله -عز وجل- غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم، فاخترت نفسي”. لأنهم تركوا التقية كما قال في حاشية الكافي.