نقاش

لماذا يذكر الشيعة في الأذان عبارة "حي على خير العمل"؟

لماذا يلتزمُ الشيعة في الأذان خلافًا لبقيَّة المذاهب بفقرة: (حيَّ على خيرِ العمل)؟

[اشترك]

الجواب: إنَّ فقرة: (حيَّ على خيْرِ العمل) كانت من فصولِ الأذان على عهدِ رسولِ الله (ص)، وقد التزمَ بها المسلمون أيَّام أبي بكر وشطرًا من أيَّام عمر، ثمَّ إنَّ عمرَ بن الخطاب أمَرَ بحذفِها من الأذان، وعلّل ذلك بأنَّ (حيِّ على خيرِ العمل) تعني الحضَّ والحثّ على الصلاة وتعني وصفَها بأنَّها خيرُ الأعمال، وهذا قد يُنتِج -بنظره- انصرافَ المسلمين عن الجهاد واكتفاءَهم بالصلاة بذريعة أنَّها خيرُ العمل، فحتى لا يتقاعس المسلمون عن الجهاد أمَر بحذفِ هذه الفقرةِ من الأذان.

والعجيب كيف اِلتزَمَ أكثرُ المسلمين بهذا الأمر رغم أنَّه من الاجتهاد في مقابل النصِّ، فالرسولُ (ص) يأمرُ بإثباتِها في الأذان ويأمرُ الخليفةُ بحذفِها! وكأنَّه تفطَّن إلى أمرٍ غفِلَ عنه رسولُ الله (ص) الذي لم يكن ينطقُ عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يُوحى.

وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا﴾(1).

أمّا أنّ فقرة: (حيَّ على خير العمل) كانت من فصول الأذان وأنَّ الرسولَ (ص) هو مَن جعلها كذلك، فطريقُنا إلى إثباته هو ما ورد يقيناً عن أهل البيت (ع) الذين ثبتَ بالقرآن الكريم والسُنَّة القطعيَّة أنَّهم الهداةُ بعد رسول الله (ص) والأدلاَّءُ على دينِ الله وأحكامِه، وأنَّهم في الأُمَّة كسفينة نوح من ركِبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق، وأنَّهم الثقلُ الثاني، والقرآنُ الكريم هو الثقلُ الأول، وقد ضَمِنَ رسولُ الله (ص) للأُمَّة عدم الضلالِ إنْ هم تمسَّكوا بهما، وقال: "إنِّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهلَ بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبدا"، وقد أفاد (ص) أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض(2)، لذلك فنحن نعتمدُ طريقَهم في معرفةِ السُنَّة الشريفة.

وممَّا ورد عنهم (ع) هو ما رواه الشيخُ الطوسي في التهذيب بسندٍ معتبر إلى زرارة والفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "لمَّا أُسْرِيَ برسول الله (ص) فبلغَ البيتَ المعمور حضرت الصلاة فأذَّن جبرائيل وأقام، فتقدَّم رسولُ الله (ص)، قال فقلنا: كيف أذَّن، فقال: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصلاةِ حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاحِ حيَّ على الفلاح، حيَّ على خيرِ العمل حيَّ على خير العمل، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إله إلا الله، والإقامةُ مثلها إلاّ أنَّ فيها قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة بين حيَّ على خير العمل حيَّ على خير العمل وبين الله أكبر، فأمر بها رسولُ الله بلالاً، فلم يزل يؤذٍّن بها حتى قبَض اللهُ رسولَه (ص)(3).

والروايات المُصرِّحة باشتمال الأذان والإقامة على فقرة: (حيَّ على خير العمل) كثيرةٌ ومن أرادها فليرجعْ إليها في مظانٍّها.

وأمَّا ما يُؤيِّدُ -من كُتب علماءِ السنَّة- بأنَّ عمر بن الخطّاب هو مَن أمرَ بحذفِها فنصوصٌ كثيرةٌ نذكر شطرًا منها:

النصّ الأوَّل: قال الشوكاني نقلاً عن كتاب الأحكام: ".. وقد صحَّ لنا أنَّ (حيَّ على خير العمل) كانت على عهد رسولِ الله (ص) يؤذَّن بها ولم تُطرح إلاّ في زمن عمر"(4).

النصّ الثاني: قال القوشجي وهو من أكابر علماء الأشاعرة في كتابه شرح التجريد أنَّ الخليفة عمر قال وهو على المنبر: "ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهنَّ وأُحرٍّمهنَّ وأُعاقب عليهنَّ: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيَّ على خير العمل"(5).

النصّ الثالث: قال سعد الدين التفتزاني في حاشيتِه على شرح العضدي على مختصر الأصول لابن الحاجب: (إنَّ "حيَّ على خير العمل) كان ثابتاً على عهدِ رسول الله (ص) وإنَّ عمر هو الذي أمَر أنْ يكفَّ الناسُ عن ذلك، مخافةَ أن يثبِّط الناس على الجهاد ويتَّكلوا على الصلاة"(6).

النصّ الرَّابع: ما ورد في البحر الزخَّار وجواهر الأخبار والآثار أنَّ الإمام الباقر (ع) كان يقول: "وكانت هذه الكلمة (حيَّ علي خير العمل) في الأذان فأمر عمر بن الخطَّاب أن يكفُّوا عنها مخافة أنْ تُثبِّط الناس عن الجهاد ويتَّكلوا على الصلاة"(7).

النصّ الخامس: في كتاب الرّوض النّضير قال الزّركشيُّ في البحر المحيط: ".. وكان ابنُ عمر، وهو عميد أهل المدينة يرى إفراد الأذان والقول فيه "حيَّ على خير العمل"(8).

وورد في كتاب السّنام: الصّحيح في الأذان شرح بـ (حيَّ على خير العمل) وقال: "وقد قال كثيرٌ من علماء المالكيَّة وغيرهم من الحنفيَّة والشَّافعيَّة أنَّه كان (حيَّ على خير العمل) من ألفاظ الأذان"(9).

وثمَّة نصوصٌ أخرى وردت في كتب علماء السنَّة، أفاد بعضُها أنَّ فقرة (حيَّ على خير العمل) كانت من فصول الأذان في عهد رسول الله، وأفاد بعضها اِلتزام جمعٍ من الصحابة بها في الأذان.

منها: ما ورد في ميزان الاعتدال للذّهبي ج1 / ص139 ولسان الميزان للعسقلاني ج1 / ص268 عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة قال: كنتُ غلامًا فقال لي النّبيُّ (ص): "اجعل في آخر أذانك "حيَّ على خير العمل""، وذكر أنّ هذيل بن بلال المدائنيّ قال: سمعتُ ابن أبي محذورة يقول: "حيّ على الفلاح حيّ على خير العمل".

ومنها: ما ورد في منتخب كنز العمّال ج3 / ص276 أنَّ بلال كان يؤذِّن بالصّبح فيقول: (حيّ على خير العمل).

ومنها: ما رواه محمّد بن منصور في كتابه الجامع باِسناده عن رجال مرضيين عن أبي محذورة أحد مؤذِّني رسول الله (ص)، أنَّه قال: "أمرني رسولُ الله (ص) أنْ أقول في الأذان: "حيَّ على خير العمل""(10).

ومنها: ما رواه البيهقيّ في سُننه قال: إنَّ ذِكر (حيّ على خير العمل) في الأذان قد رُوي عن أبي أمامة سهل بن حنيف"(11).

ومنها: ما نقله ابن الوزير عن المحبّ الطبري الشَّافعي في كتابه إحكام الأحكام: ".. ذكر الحيعلة بـ (حيّ على خير العمل) عن صدَقة بن يسار عن أبي أمامة سهل بن حنيف قال: "إنَّه كان إذا أذّن قال: "حيَّ على خير العمل"، أخرجه سعيد بن منصور"(12).

ومنها: ما قاله علاءُ الدّين الحنفيُّ في كتاب التّلويح في شرح الجامع الصَّحيح قال: "وأمَّا (حيَّ على خير العمل) فذكر ابنُ حزم أنَّه صحّ عن عبد الله بن عمر وأبي أمامة سهل بن حنيف أنَّهما كانا يقولان: "حيَّ على خير العمل"، ثُمَّ قال: وكان عليُّ بن الحسين يفعلُه .."(13).

ومنها: ما ورد في السّيرة الحلبيَّة ".. ونقل عن ابن عمر وعن عليِّ بن الحسين (ع) أنّهما كانا يقولان في أذانيهما بعد حيَّ على الفلاح حيَّ على خير العمل .."(14).

ومنها: ما ورد في سُنن البيهقيِّ عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليَّ بن الحسين (ع) كان يقولُ في أذانه إذا قال حيَّ على الفلاح قال: (حيَّ على خير العمل) ويقول: "هو الأذانُ الأول"(15).

وثَمّة نصوصٌ أُخرى وردت في كتب علماءِ السُّنَّة إلا أنّنا أعرضنا عن ذكرها خشيةَ الإطالة.

الهوامش:

1- سورة الحشر / 7.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- باب تحريم الحكم بغير الكتاب والسنة ج27 / ص34.

3- وسائل الشيعة -الحرُّ العاملي- باب الأذان والإقامة / ح8.

4- نيل الأوطار -الشوكاني- ج2 / ص32.

5- شرح التجريد -القوشجي- ص484.

6- الروض النضير -سعد الدين التفتزاني- ج2 / ص42.

7- البحر الزخَّار وجواهر الأخبار ج2 / ص192.

8- الرَّوض النّضير -سعد الدين التفتزاني- ج1 / ص542.

9- الرَّوض النّضير -سعد الدين التفتزاني- ج1 / ص542.

10- البحر الزخار ج2 / ص192.

11- سنن البيهقي ج1 / ص425.

12- مبادئ الفقه الإسلاميّ للعرفي ص38 / ط 1354هـ.

13- مبادئ الفقه الإسلاميّ -للعرفي- ص38، المحلَّى -ابن حزم- ج3 / ص160.

14- السّيرة الحلبيّة باب الأذان ج2 / ص98.

15- سنن البيهقي ج1 / ص625 / ح1993.

2024/11/05
لماذا لا نرجع إلى مرجعية «عابرة للأديان»؟!
سمعت أحد المحاضرين ممّن يتكلّم ويكتب بشأن الدين بآراء حديثة؛ يقول: ليس من الضروري الإسلام والإيمان للفقيه الذي نأخذ منه أحكامنا الشرعية؛ فالمرجعية يمكن أن تكون عابرة للأديان!

ما هو رأيكم؟

تخيّلوا أن تأخذوا أحكامكم الشرعية من بوذي أو مسيحي أو وهابي، ما هو رأيكم؟! 

من المتفق عليه لدى أعلامنا اشتراط الإسلام والإيمان في المجتهد الذي يراد تقليده، وقد استدلوا على اعتبارهما بأدلّة منها:

الأول: مقبولة عمر بن حنظلة حيث ورد فيها: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ".

قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران [إلى] من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله".

ومعتبرة ابي خديجة: "إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فأجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه"؛ فأمر الإمام (عليه‌السلام) بلزوم كون التحاكم الى القاضي الشيعي، يتعدى إلى المفتي بقياس الأولوية أو المساواة. 

 الثاني: ما ورد في رواية علي بن سويد السايي؛ قال: كتب إلي أبو الحسن (عليه‌السلام) وهو في السجن: وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين، الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله، فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته، ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة.  

وكذا ورد في رواية أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) - أسأله عمن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضا بذلك، فكتب إليهما، فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى.  

وصحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كل من دان الله عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير و الله شانئ لأعماله... و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا‌ محمد إن أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا و أضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرمٰاد اشتدت به الريح في يوم عاصف لٰا يقدرون مما كسبوا على شي‌ء، ذلك هو الضلٰال البعيد .  

وكيف نقلِّد من كان ضالاً متحيرًا بل كافرًا منافقًا معزولاً عن دين الله؟! 

 الثالث: قصور المقتضي للحجية في مثل هذا المدعى؛ وهو بحث تخصصي لا يفيد ذكر تفاصيله هنا.  

الرابع: العلم بمذاق الشارع من عدم رضاه بتصدّي غير المسلم أو غير المؤمن لغير الشيعة فإنّ في ذلك وهنًا عظيمًا عليهم، وهو تام جدّا، ويساعده الارتكاز القطعي المتشرعي على ذلك.

2024/05/08
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا: جنّة آدم (ع).. حقيقية أم رمزية؟!
لقد تحدثت الآيات الشريفة عن أن الله تعالى قد أسكن آدم وزوجه عليهما السلام الجنة، هل هي جنة الخلد؟، أم هي جنة من جنان الدنيا، لها طبيعة خاصة بها، لا تنسجم مع طبيعة الحياة على الأرض؟!. لأن الدنيا واسعة، بحيث تشمل كل ما في هذا الوجود.. وهل هي جنة في السماء؟ أم هي في الأرض؟! إن هذا البحث، لا نرى أننا نستطيع أن نفيض في الحديث فيه هنا، فنكتفي بالقول: إننا قد نجد في الآيات الكريمة، وفي بعض الروايات الشريفة ما يؤيد الاحتمال الذي يقول: إنها من جنان الدنيا.. فلاحظ ما يلي:

أ- قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا﴾.. له درجة من الظهور في أن الجميع كانوا في محل ما، ثم أخرجوا منه.. مما يعني أن إبليس لعنه الله قد كان مع آدم (ع) وحواء في داخل ذلك المكان الذي سماه الله: الجنة.

ب- قوله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾.. وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ / قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾.. يدل على أن الجميع قد أنزلوا إلى الأرض، بعد أن لم يكونوا فيها.

ج- أما القول: بأن قوله: ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾.. فإنما يدل على مجرد تنزل المقام والمرتبة، فهو كقولك لمن تغيرت حاله، وخسر مواقعه الدنيوية: انظر أين كان، وأين أصبح.

فهو لا ينافي ما ورد في الروايات من أنه (ع) كان في جنة من جنات الدنيا، ولا يتناقض مع القول بأنه نزل إلى الأرض، بل هو يتلاءم مع جميع الأقوال..

د- هناك بعض الروايات تقول: إن آدم (ع) حين أهبط من الجنة أهبط على الصفا، وأهبطت حواء (عليها السلام) على المروة. وتلك الرواية نفسها تقول أيضاً: "سئل الصادق عن جنة آدم (ع)، أَمِنْ جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال: كانت من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً" (1).

ولكن كونها من جنان الدنيا لا يلزم منه أن تكون في الأرض، فإن السماء الدنيا واسعة، ويمكن أن يكون في بعض كواكبها جنة لها حياة وحالات، يمكن القول بأنها برزخية، من شأنها الإعداد للحياة على الأرض، وتطلع فيها الشمس والقمر.. ثم لما أكل النبي آدم من الشجرة التي تسانخ طبيعة الحياة الأرضية أهبطه الله تعالى إليها.

آدم (ع) خلق للأرض

ويبقى هنا سؤال: وهو أنه إذا كان الله تعالى إنما خلق النبي آدم (ع) ليكون خليفة في الأرض، فلماذا أسكنه تلك الجنة التي ليست في الأرض، مع ملاحظة: أن كلمة (اسكن) إنما تعني المكث الطويل، لا مجرد المرور العابر، أو الحلول القصير.. وقد أجاب العلامة الطباطبائي رحمه الله بقوله: (قوله تعالى في صدر القصة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (2) يفيد: أن آدم (ع) إنما خلق ليحيا في الأرض، ويموت فيها، وإنما أسكنهما الله الجنة لاختبارهما، ولتبدو لهما سوءاتهما، حتى يهبطا إلى الأرض).. إلى أن قال: (وبالجملة: فهو (ع) كان مخلوقاً ليسكن الأرض، وكان الطريق إلى الاستقرار في الأرض هذا الطريق. وهو تفضيله على الملائكة لإثبات خلافته، ثم أمرهم بالسجدة، ثم إسكان الجنة، والنهي عن قرب الشجرة المنهية حتى يأكلا منها، فتبدو لهما سوءاتهما، فيهبطا إلى الأرض. فآخر العوامل للاستقرار في الأرض، وانتخاب الحياة الدنيوية ظهور السوأة) (3).

ونقول: إن هذا الكلام متين لولا أن سياقه يعطي: أنه كان لا بد لإهباط آدم (ع) إلى الأرض من سلوك هذا الطريق، وإيقاع آدم (ع) بما يشبه الفخ المنصوب له. بحيث لولا ذلك، فإنه سوف يستعصي على الهبوط، وتفشل الخطة.. وقد جاءت الوقائع وفق ما رسم لها، وأعطت النتائج المرجوة منها!

وهو كلام لا يمكن قبوله على هذا النحو، فإن الهبوط إلى الأرض لا ينحصر بهذه الطريقة، إذ قد كان بالإمكان أن يخلق الله تعالى آدم (ع) في الأرض مباشرة من دون حاجة إلى إسكانه الجنة، ثم ظهور السوأة بالأكل من الشجرة.

الأقرب إلى القبول:

إنه يمكن الجواب بما يلي:

أولاً: ولعله الأقرب إلى الاعتبار في مثل هذه المقامات، أن يكون الله سبحانه حين قال للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.. إنما أخبرهم عما أحاط به علمه سبحانه - وهو المحيط العالِم بكل شيء - وعرفهم بما يؤول إليه أمر هذا المخلوق الجديد، وأنه سينتهي به الأمر إلى الاستقرار في الأرض، والعمل على إعمارها وفق ما يرضيه سبحانه.. لكن لا على أن يكون ذلك الذي جرى له هو الطريق المقضي عليه سلوكه بصورة جبرية، بحيث لولاه لم يمكن له أن يصل إلى الأرض، بل على أساس أن ذلك قد جاء على سبيل الإخبار عن الغيب الذي سوف يحصل، من دون أن يمثل ذلك أية حتمية وجبرية يتحتم على النبي آدم أن يخضع لها، ليتحقق المقصود.

ويمكن أن يكون إسكان النبي آدم (ع) في تلك الجنة من جنان الدنيا قد جاء على سبيل التكريم والإعزاز له، أو لأجل التهيؤ للانتقال إلى المسكن الأصلي بعد حين.. لا على الطريقة التي التزم السيد الطباطبائي رحمه الله، والتي تقضي بجعل ما فعله إبليس جزءاً من خطّة لابد من إجرائها.

وقد كانت تلك الجنة التي أسكنه الله فيها، أكثر الأماكن أمناً للنبي آدم (ع) من أعدائه، بحسب ما هو معتاد، لولا ما توسل به إبليس من لطائف الحيل.. والله يعلم: أن إبليس سوف يلاحق النبي آدم في أي مكان حصل فيه، وسيسعى لحرمانه مما هو فيه، بكل ما لديه من خديعة ومكر وحيلة.

وقد يمكن الجواب أيضاً: بأن الجنة التي هبط منها هي من جنان الأرض نفسها، ولكن الله جعل لها مواصفات مميزة لا توجد في أية بقعة أخرى، وقد خلقها الله تعالى، لتكون لائقة بهذا المخلوق العظيم، ولكن بعد أن جرى ما جرى عليه، أهبطه الله إلى الأرض العادية التي لا تداني تلك في مواصفاتها وميزاتها.. أما تلك البقعة المميزة، فلا ندري ماذا صنع الله بها!! هل أبقاها على حالها؟!

أم أنه أزالها وطمسها؟! أم ماذا؟!

إن الله وحده هو العالم بذلك، هذا ولا مانع من التعبير بالهبوط، إذا كان الانتقال من مكان إلى مكان، فقد قال تعالى: ﴿اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾.. (4).

نسيان النهي، أم نسيان الميثاق؟!

إننا دفعاً لأي لبس نبادر إلى التذكير بأنه قد يقال: إن الأقرب هو أن آية: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. لا ترتبط بموضوع الأكل من الشجرة، وإنما هي ناظرة - كما ورد في بعض الروايات - لنسيان الميثاق، الذي أخذه سبحانه على خلقه قبل نشأة آدم (ع) من الطين، بالإقرار بالنبي محمد، والإمام علي، والسيدة فاطمة، والإمام الحسن، والإمام الحسين، والأئمة من ذريتهم، وبالمهدي وسيرته، صلوات الله عليهم أجمعين.. وفيها أن أولي العزم من الأنبياء، قد أقروا بهم، وأجمع عزمهم أن ذلك كذلك، ولذلك صاروا من أولي العزم، وذكرت بعض الروايات: أن ذلك قد كان في عالم الذر.

وأما النبي آدم (ع)، فلم يجحد ولم يقر بالنسبة للإمام المهدي (ع)، والحال التي يكون عليها الأمر في زمانه، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن للنبي آدم عزم على الإقرار به، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. (5).

وقد فسر المجلسي عدم العزم هذا، بأنه عدم التصديق اللساني، لأنه لم يكن واجباً، أو بعدم تذكره من أجل أنه لم يهتم به اهتماماً يوجب هذا التذكير ويحتِّمه.. وليس المراد به عدم التصديق لأنه لا يناسب مقام النبوة.. وفسرت الروايات النسيان بالترك، لأن النسيان الحقيقي لا يجوز على الأنبياء (6).. والظاهر أن سبب هذا الترك هو عدم علم النبي آدم (ع) بالحقيقة، فكان الترك أمراً طبيعياً، إذ إن من لم يعلم شيئاً فإن تركه له يصبح أمراً متوقعاً، بل هو المناسب لواقع الحال، ولا يكون فيه عليه أية غضاضة.. ونحن نرجح هذه الروايات على تلك التي تقول: إن المراد هو نسيان النهي عن الأكل من الشجرة، وذلك لأمرين: أحدهما: وجود الواو الفاصلة بين الآيتين، حيث يظهر أنها واو الإستئناف، فقد قال تعالى: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا / وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى / فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾.. فلو أنه قال: (ولم نجد له عزماً إذ قلنا الخ..) لظهر اتصال الكلام في الآيتين.. ولكن الفصل بالواو يشير إلى أنه قد بدأ بكلام جديد، ليس بالضرورة أن يكون له اتصال بما سبقه.. الثاني: أن هذا النسيان لو كان قد حصل فعلاً، فإن إبليس قد أزاله حين ذكَّر النبي آدم بنهي الله له، فقال: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ..﴾.. وعلى كل حال، هذا التذكير بالنهي يجعلنا نرجح أن الظاهر هو أن المراد بالعهد، هو العهد الذي أخذه الله على النبي آدم في نشأة عالم الذر ومن الواضح: أن هناك نشآت متعددة، مثل عالم الذر ونشأة الأرواح. والنشأة الجنينية، حيث تلتقي الأرواح بالأجساد، ثم النشأة التي تبدأ بالولادة، فيتدرج من الطفولة إلى الشيخوخة، ليصل إلى عالم البرزخ، ثم عالم البعث والآخرة.

وكل نشأة تمثل عالماً جديداً بالنسبة لهذا الكائن، وقد ينسى معها الإنسان حاله، وما جرى له في نشأته السابقة، بسبب العوارض والحجب التي يواجهها.

ولعل هذا الأمر لا يشمل أولي العزم من الأنبياء، وهذا ما يُظهر فضل نبينا، وأوصيائه الأكرمين، والزهراء سيدة نساء العالمين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فإنهم (ع) لا ينسون شيئاً مما جرى لهم أو عليهم في السابق، ولا هم محجوبون عن النشآت اللاحقة.

ولعل ذلك يفسّر لنا قول علي (ع): لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً. ثم هو يوضح لنا كيف أن الزهراء (عليها السلام) كانت تحدث أمها وهي في بطنها قبل أن تولد، وثمة نصوص كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، لا مجال لتتبعها..

إبليس يذكّر آدم (ع) بنهي الله له

ومهما يكن من أمر، فإن مما يدل على أن الأكل من الشجرة لم ينشأ عن النسيان المشار إليه بقوله: ﴿فَنَسِيَ﴾، أن إبليس نفسه قد ذكَّر آدم (ع) بنهي الله له، وحدد له المنهي عنه بالإشارة الحسية، حين قال له: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾.. فهو يقول للنبي آدم (ع): إن ربك نهاك، لكنه يتلاعب في بيانه لسبب النهي، ليتمكن من الوصول إلى ما يريد.. وكل ذلك يشير إلى أن النبي آدم قد أقدم على الأكل من الشجرة، وهو ملتفت لنهي الله له عنها. وهذا يؤيد ويؤكد أن المقصود بالنسيان في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.. هو نسيان الميثاق، المتعلق بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لا بعهد الربوبية كما أسلفنا، ولا نسيان النهي عن الشجرة.

بل إن نفس كيفية وصل هذه الآية بما بعدها يشير إلى ما نقول، حيث قال تعالى بعدها: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى﴾.. فإن الإتيان بالواو قد أوضح أن الكلام عن الملائكة غير متفرع على ما قبله، ولا هو من توابعه التي ترتبط به.. ولو أنه لم يأت بالواو في قوله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾.. لتغير مجرى الكلام، ولكان المراد بالنسيان هو نسيان التحذير الإلهي للنبي آدم (ع) من إبليس، وفق ما تضمنته هذه الآية..

عالم الذر، وخلق الأرواح

وبما أن النسيان للميثاق مرتبط بالكلمات التي أنقذت آدم (ع) من محنته كما سنرى. ولكي لا يخلو مقامنا هذا ولو من إشارة موجزة إلى هذا الأمر، فإننا نضع أمام القارىء الأمور التالية:

أ- إن هناك روايات تحدثت عن عالم الذر، وأخذ الميثاق على الخلق، وهي كثيرة، فلتراجع في مظانها (7).

ب- إن في بعض هذه الروايات عن أبي عبد الله (ع): أن الله أخذ على العباد ميثاقهم، وهم أظلة قبل الميلاد. وثمة روايات أخرى تشير أيضاً إلى عالم الظلال، فراجع (8).

قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: إن المراد به - كما هو ظاهر الرواية - وصف هذا العالم، الذي هو بوجه عين العالم الدنيوي، وله أحكام غير أحكام الدنيا بوجه، وعينها بوجه (9).

ج- إن ثمة روايات تحدثت عن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال لعلي (ع): "أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق، حيث أقامهم أشباحاً، فقال لهم: ألست بربكم؟قالوا: بلى. قال: ومحمد رسولي؟ قالوا: بلى. قال: وعلي أمير المؤمنين؟فأبى الخلق جميعاً إلا استكباراً عن ولايتك إلا نفر قليل، وهم أقل القليل، وهم أصحاب اليمين" (10).

وعن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر: "يا جابر، إن الله أول ما خلق خلق محمداً وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله. قلت: وما الأشباح؟قال: ظل النور. أبدان نورية بلا أرواح إلخ" (11).

د- قد دلت بعض تلك الروايات الصحيحة سنداً أيضاً على أن الناس ينسون ما أخذه الله عليهم.

فقد روى القمي عن ابن ابي عمير، عن ابن مسكان، عن الإمام الصادق في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾.. (12).

قلت: معاينة كان هذا؟!

قال: نعم، فثبتت المعرفة، ونسوا الموقف، وسيذكرونه الخ..) (13).

هـ- إن ثمة روايات كثيرة، قال العلامة المجلسي (قده) إنها معتبرة، وأنها قريبة من التواتر، قد دلت على تقدم خلق الأرواح على الأجساد (14).

وقال رحمه الله: (وما ذكروه من الأدلة على حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة، لا يمكن رد تلك الروايات لأجلها) (15).

وعن أبي جعفر الثاني: (خلق الله محمداً وعلياً، وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها) (16).

و- قوله في هذا الحديث الأخير: (وأشهدهم خلقها) يجعل قول المفيد (قده): (إنه حين رأى آدم (ع) (الأشباح النورية) لم يكونوا في تلك الحال صوراً مجيبة، ولا أرواحاً ناطقة، ولكنها كانت على مثل صورهم في البشرية) (17).

يجعل قوله هذا من قبيل الاجتهاد في مقابل النص، ولعله لم يطلع على هذا الحديث وأمثاله.

فالظاهر: أن خلقهم (ع) أشباحاً نورية بلا أرواح، قد كان في مرحلة ونشأة هي أسبق من النشأة التي أشير إليها في حديث خلقهم، ثم خلق الأشياء التي أشهدهم خلقها.

ز- إن الإشكال الذي سجلوه على صحة خلق الأرواح قبل الأجساد، وهو أنه لو صح ذلك للزم أن يتذكروا الأحوال السابقة، وهذا غير حاصل.. إن هذا الإشكال وغيره قد رفضه العلامة المجلسي (رحمه الله)، حيث قال: (قيام الأرواح بأنفسها، أو تعلقها بالأجساد المثالية، ثم تعلقها بالأجساد العنصرية مما لا دليل على امتناعه. وأما عدم تذكر الأحوال السابقة، فلعله لتقلبها في الأطوار المختلفة).. إلى أن قال: (مع أن الإنسان لا يتذكر كثيراً من أحوال الطفولية والولادة) (18).

وقد ذكرنا في موضع آخر: أن الأجساد العنصرية تمثل حجاباً يمنع من التواصل مع حقائق الأشياء، وتتضاءل درجة الإحساس بالأشياء بعد حلول الروح في الجسد، لأن ذلك إنما يتم عبر وسائط وأدوات، لا تملك قدرات عالية في هذا الإتجاه، ولذلك نجد أنه بعد انفصال الروح عن هذا الجسد، وكذلك بالتصرف الإلهي بتلك الحجب يترقى الإنسان في إحساسه بالأمور وإدراكه لها، قال تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.. (19) وقد ذكرنا ذلك في كتاب (تفسير سورة هل أتى) فراجع.. وعلى كل حال، فإن مما يدل على ذلك أيضاً: الحديث الصحيح المتقدم، حول آية إشهاد الخلق على أنفسهم حيث قال فيه: فثبتت المعرفة، ونسوا الموقف وسيذكرونه.

الهوامش: 1- تفسير الميزان ج1 ص138. 2- الآية 30 من سورة البقرة. 3- تفسير الميزان ج1 ص126و127. 4- الآية 61 من سورة البقرة. 5- راجع: نور الثقلين ج33 ص400 و401 و402 و403 وج2 ص94 و101، والكافي ج2 ص8 وج4 ص186 والمناقب لابن شهرآشوب، وعلل الشرائع، ج2 ص136 و137 ط الأعلمي وج1 ص149 وبصائر الدرجات.. 6- راجع: مرآة العقول ج7 ص24. 7- راجع: تفسير الميزان ج9 ص225 وما بعدها وما قبلها وراجع: البحار ج64 وغيره. 8- البحار ج65 ص206 وراجع: ج58 ص139و140، وراجع: ج64 ص98 و99، عن بصائر الدرجات ص80 وعن علل الشرائع ج2 ص80 وراجع: الكافي ج2 ص10 وتفسير الميزان ج9 ص326. 9- تفسير الميزان ج9 ص326. 10- البحار ج64ص127 وفي هامشه عن بشارة المصطفى ص144. 11- الكافي ج1 ص442 والبحار ج58 ص142.. 12- الآية 172 من سورة الأعراف. 13- تفسير الميزان ج9 ص325 وراجع أيضاً ص330 عن المحاسن.. 14- راجع في هذا الحديث الشريف: بحار الأنوار ج58 ص143 و144 و41 و80 و102 و136 و139 و137 و138 وج47 ص357 وج5 ص266 و261 وج11 ص172 وج8 ص308 وج42 ص196 وج26 ص320 وج4 ص222 وج65 ص205، وفي هوامش الصفحات السابقة عن المصادر التالية: رجال الكشي ص249، والمسائل السروية وعن الكافي ج1 ص437 وعن معاني الأخبار ص108 و37 وعن بصائر الدرجات ص78 و88 و89 و24 و356 و354 بعدة أسانيد وعن الاختصاص ص354 وعن مناقب آل أبي طالب ج2 ص357.. 15- بحار الأنوار ج58 ص141. 16- الكافي ج1 ص441 والبحار ج15 ص19. 17- البحار ج5 ص262 عن المفيد رحمه الله تعالى. 18- البحار ج58 ص144 في مناقشته لما قاله المفيد رحمه الله تعالى في أجوبة المسائل السروية. 19- الآية 22 من سورة ق.
2024/04/13
هل كان النبي (ص) بحاجة إلى «الإسراء والمعراج»؟
بادي ذي بدء يجب الالتفات الى أنّ الآية الأولى من سورة الأسراء ناظرة الى حركة النبي (صلى الله عليه وآله) من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى فحسب و ساكتة عن سيره الى السموات، لكن يمكن استفادة ذلك من آيات أخر نظير:

«علّمَهُ شديدُ القوى * ذو مرّة فاستوى * و هو بالأفق الأعلى» الى قوله: «عندَ سدرةِ المنتهى* عندَها جنّة المأوى * إذْ يَغشى السِدرةَ ما يَغشى * مازاغَ البصرُ و ماطَغى * لقدْ رأى من آياتِ ربّهِ الكبرى» (1).

تحكي هذه الآيات بوضوح سير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الى السموات، لكنّ الآية الأولى من سورة الاسراء تحكي عن بداية هذا السير فقط الذي حدث على الأرض، أما الهدف من هذا السير (كما ذكر في آيات سورة النجم) فهو «مشاهدة الآيات و الآثار الالهية العظيمة لعالم الخليقة».

بديهي أنّ هذه المشاهدة مشاهدة حضورية ولاتحصل المشاهدة الحضورية للموجود ذي الجسم إلاّ بحضوره لدى الموجود الذي يبغي مشاهدته، وما كتبتم من أنّ النبيّ مطلع على أحوال السموات بدون السير اليها فيجاب عليه أنّ هناك تباين كبير بين هذا العلم و الاطلاع و بين المشاهدة عن كثب، نظير ما لو وقع حدث في إحدى المدن و قد تناهى الى أسماعنا ذلك الخبر لكنّنا لم نكن حاضرين في محل وقوعه، و لم نرى ما جرى بأم أعيننا; الحضور في محل الحدث و مشاهدته يترك بصمات عميقةً على روح الانسان، بينما لايمتلك العلم الغيابي ذلك الأثر.

 بناءً على هذا، أراد الله سبحانه و تعالى أن يرى نبيه الكريم آثار عظمته بأم عينه ليصبح قلبه البصير أكثر بصيرةً، ولو تصور أحد أنّ بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) رؤية آثار عظمة الباري جلّ علا في العوالم العلوية من على ظهر الأرض فقد أخطأ، و لا ينطبق تصوره مع الحقيقة، فمن ناحية الجسم يمتلك النبي (صلى الله عليه وآله) خواصاً جسديةً في عالم المادة، و لعين الانسان قدرة محددة في النظر.

===========

الهوامش: 1. سورة النجم، الآية 5 ـ 18. المقال رداً على السؤال: جاء في بداية سورة الأسراء من القرآن الكريم ما نصه: «سُبحانَ الذي أسرى بعبده ليلا من المسجدِ الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حولَهُ لنُريَهُ من آياتِنا إنّهُ هو السميعُ البصيرُ». أجيبونا رجاءً لماذا أسرى بالنبي المنتجب؟ إن قلنا إنّ الله تعالى كان يريد أن يُري مكانه له فهذا ليس بصحيح، لأنّه ليس لله مكان محدد و هو موجود في كل مكان، و اذا كان المراد اطلاعه على الكواكب و المجرات و المناظر المتميزة لعالم الخلقة يرد الاشكال أيضاً، لأنّنا ـ نحن المسلمون ـ نعتقد أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)و الائمة (عليهم السلام) يحيط علمهم بكل شيء.
2024/03/28
ما حقيقة حادثة «ردّ الشمس»؟ ولماذا أخّر الإمام علي (ع) الصلاة؟!
لا معنى لهذا السؤال فإنَّ مثل عليٍّ (ع) إمام المتقين لن يؤخِّر الصلاة عن وقتها إلا لعذرٍ، وطروء الأعذار أمرٌ وارد ويتَّفق لكلِّ أحد، لذلك يجبُ حمل التأخير على العذر المسوِّغ شرعاً للتأخير حتى مع عدم الوقوف على طبيعة ذلك العذر بل لو اتَّفق ذلك لأحد المؤمنين المعروفين بالمداومة على أداء الصلاة في وقتها لوجبَ حملُ تأخيره على العذر الشرعي. سبب التأخير بحسب ما أفادته الروايات:

 وكيف كان فالمذكور في الروايات التي تصدَّت لنقل الواقعة أنَّ سبب عدم أداء الإمام (ع) لصلاة العصر في وقتها هو أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان مع النبيَّ (ص) فاتَّفق أنْ تغشَّاه الوحي فاستند إلى صدر أو حجر عليٍّ (ع) -وكان النبيُّ (ص) إذا تغشَّاه الوحي يثقل- حتى ورد أنَّه إذا نزل عليه الوحي وكان على ناقته فإنَّها تبرُك لثقله، وكان يتصبَّب منه العرق مثل الجمان في اليوم الشاتي، وكانت تنتابه مثلُ الغَشية إلى أن يرتفع عنه الوحي(1)، فكرِه أميرُ المؤمنين(ع) أنْ يُؤذِي رسول الله (ص) بقيامه عنه للصلاة، ثم إنَّه لم ينقضِ الوحي حتى غابت الشمس أو كادت، فهذا هو منشأُ فوات الوقت لصلاة العصر عن الإمام (ع)

وقد نصَّت الروايات -على اختلاف ألسنتها على ذلك- فمِن ذلك ما أورده الكليني بسنده عن الإمام الصادق (ع) عن أمير المؤمنين (ع) يروي ما وقع له مع النبيِّ (ص) فقال فيما قال: ثُمَّ خَفَقَ -النبيٌّ (ص)- حَتَّى غَطَّ وحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَرِّكَ رَأْسَه عَنْ فَخِذِي فَأَكُونَ قَدْ آذَيْتُ رَسُولَ اللَّه (ص) حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ وفَاتَتْ فَانْتَبَه رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ قُلْتُ: لَا قَالَ: ولِمَ ذَلِكَ قُلْتُ: كَرِهْتُ أَنْ أُوذِيَكَ .."(2) وأورد الشيخ الصدوق في علل الشرائع أنَّ النبيَّ (ص) قال حينها: "اللهم إنَّ هذا عبدُك عليٌّ احتبس نفسه على نبيِّك فردَّ عليه شرقها فطلعت الشمس فطلعت الشمس فلم يبق جبل ولا أرض إلا طلعت عليه الشمس ثم قام علي (عليه السلام) وصلَّى .."(3).

وأمَّا لماذا لم يصلِّ الإمام (ع) العصر قبل ذلك مع النبيِّ (ص) فالوارد أنَّ النبيَّ (ص) بعث الإمام (ع) بعد صلاة الظهر لحاجةٍ فما عاد من قضائها إلا وقد صلَّى النبيُّ (ص) العصرَ بعد دخول وقتها، ففي رواية الشيخ الصدوق بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: ".. فصلَّى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) الظهر ثم دعا عليَّاً (ع) فاستعانَ به في بعض حاجتِه ثم جاءت العصر فقام النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فصلَّى العصر فجاء عليٌّ (ع) .."(4).

لماذا لم يصلِّها إيماءً:

وما قد يُقال إنَّه كان في وِسْع الإمام (ع) أنْ يصلِّيَ العصر إيماءً، فلا يُؤذي رسولَ الله (ص) وهو يوحى إليه بالقيام عنه للصلاة وفي ذات الوقت يكون قد أدَّى صلاة العصر في وقتها.

والجواب:

إنَّ الغايةَ من ردِّ الشمس لعليٍّ (ع) هو لكي يُؤدِّي الصلاة الاختياريَّة في وقتها تكريماً لإيثاره وإلا فمِن المقطوع به أنَّ عليَّاً (ع) قد أدَّى الصلاة إيماءً حين كان النبيُّ (ص) مستنداً إليه، فعليٌّ (ع) لا يفتُرُ عن ذكر الله تعالى على أيِّ حال وفي كلِّ آن، فكيفَ يغفلُ عن أداء الصلاة إيماءً في مثل هذا الظرف والحال أنَّه كان يؤدِّي نوافله في حروبه وهو مشتغل بالقتال كما ثبت عنه، وفي شأنه نزلَ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(5)(6).

هذا وقد نصَّ خبرُ الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أورده عن أسماءُ بنت عميس، وأمّ سلمة زوجِ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيدٍ الخدري، في جماعةٍ من الصحابة أنَّ الإمام (ص) صلَّى حينها إيماءً قبل أنْ تغيب الشمس فردَّها الله تعالى إليه ليصلِّي العصر صلاة المختار قال: ".. فلمَّا تغشَّاه الوحي توسَّد فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يرفع رأسه عنه حتى غابت الشمس، فاضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك إلى صلاة العصر جالسا يومئ بركوعه وسجوده إيماء، فلمَّا أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أفاتتك صلاة العصر؟

قال له: "لم أستطع أنْ أصلِّيها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحال التي كنت عليها في استماع الوحي" فقال له: "ادع الله ليرد عليك الشمس حتى تصليها قائما في وقتها كما فاتتك، فإنَّ الله يجيبك لطاعتك لله ورسوله" فسأل أمير المؤمنين الله عزَّ اسمُه في رد الشمس، فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت العصر، فصلَّى أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة العصر في وقتها ثم غربت"(7).

سبب التأخير في الواقعة الأخرى لردِّ الشمس:

هذا ما يرتبط بالمرَّة الأولى التي رُدَّت فيها الشمس لعليٍّ (ع) وكان ذلك في حياة رسول الله (ص) وأمَّا سبب تأخيره (ع) لصلاة العصر في المرَّة الثانية والتي كانت في أيام خلافته فيتَّضح -مثلاً- من ملاحظة ما أورده الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه مَن لا يحضره الفقيه: فقد روى بسنده عن جويرية بن مسهر أنه قال: "أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال عليٌّ (عليه السلام): أيُّها الناس إنَّ هذه أرضٌ ملعونة قد عُذِّبت في الدهر ثلاث مرَّات، وفي خبر آخر مرَّتين وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المُؤتفِكات، وهي أول أرض عُبِد فيها وثن، وإنه لا يحلُّ لنبيٍّ ولا لوصيِّ نبيٍّ أنْ يصلِّي فيها، فمَن أراد منكم أنْ يُصلِّيَ فليصلِّ، فمالَ الناسُ عن جنبي الطريق يُصلُّون وركبَ هو (عليه السلام) بغلةَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ومضى، قال جويرية فقلتُ: واللهِ لأتبعنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلِّدنَّه صلاتي اليوم، فمضيتُ خلفَه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس فشككتُ، فالتفتَ إليَّ وقال: يا جويرية أشككتَ؟ فقلتُ: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل (عليه السلام) عن ناحية فتوضأ ثم قام، فنطق بكلامٍ لا أُحسنه .. ثم نادى الصلاة فنظرتُ واللهِ إلى الشمس قد خرجتْ من بين جبلين لها صريرٌ فصلَّى العصر وصلَّيتُ معه .."(8).

فالواضحُ من الرواية أنَّ منشأ تأخيره (ع) لصلاة العصر هو أنَّه لم يكن يحلُّ له أن يصلِّي في تلك الأرض وأنَّ ذلك كان من خصائص رسول الله (ص) وصيِّه (ع) فقد كانت لرسول الله (ص) ولوصيِّه أحكامٌ خاصَّة لم تكن لسائر المكلَّفين، فلم يكن يسعُه لذلك أنْ يصلِّيَ امتثالاً لنهي الله تعالى وأمره. تماماً كما أنَّه لا يسع المكلَّف أنْ يصوم في يوم العيد، ولا يسع النفساء أنْ تُصلِّي في ظرف النفاس، ولا يسع المسافرُ أنْ يصلِّي أربعاً كذلك هو الشأن في المقام فإنَّه إذا لم يكن يحلُّ للنبيِّ (ص) والوصي (ع) الصلاة في بقعةٍ محدَّدة فإنَّه لا يسعهما إلا الامتثال لذلك، فتركُ الصلاة في ذلك الموضع -بحسب الرواية- كان عزيمة، لذلك تعيَّن عليه لزاماً تأخيرها إلى أنْ يتجاوز ذلك الموضع.

=============

الهوامش: 1- تفسير القمي ج2 / ص369، بحار الأنوار -المجلسي- ج 18 / ص263، المصنف -الصنعاني- ج5 / ص418، المعجم الكبير -الطبراني- ج 23 / ص55، الدر المنثور -السيوطي- ج2 / ص203، 252، جامع البيان -الطبري- ج6 / ص111-112، مسند أحمد ج2 / ص176، ج6 / ص458، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج1 / ص197، تفسير القرآن -الصنعاني- ج1 / ص182. 2- الكافي -الكليني- ج4 / ص562. 3- علل الشرائع -الصدوق- ج2/ ص352، المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / ص145، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص297. 4-علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص352، المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / 145، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص297، عمدة القاري -العيني- ج15 / ص43 وعلق على الخبر بقوله: وذكره الطحاوي في (مشكل الآثار، قال: وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من أجل علامات النبوة. وقال: وهو حديث متصل، ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه. 5- سورة آل عمران / 191. 6- الأمالي -الطوسي- ص471، البرهان في تفسير القرآن -السيد هاشم البحراني- ج1 / ص727، مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج1 / ص159. 7- الإرشاد -المفيد- ج1 / ص246، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص350، كشف الغمة -الأربلي- ج1 / ص285، كشف اليقين -العلامة الحلي- ص112. 8- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص204.
2024/03/27
ما هي أسباب «ضغطة القبر»؟ وكيف تنجو منها؟!
کتب المرحوم الشیخ عباس القمي في کتابه الشریف «منازل الآخرة»:«أحد منازل الآخرة المهولة: القبر، فإنه في کل یوم یقول: أنا بیت الغربة، أنا بیت الوحشة، أنا بیت الدود، ولهذا المنزل عقبات صعبة جداً، ومنازل ضیقة ومهولة، ثم یشیر إلی عدة عقبات، ویقول: العقبة الأولی: وحشة القبر، العقبة الثانیة: ضغطة القبر، والعقبة الثالثة: مسألة منکر ونکیر في القبر».

وقد وردت روایات تصرح بأن منزل القبر صعب جداً، لکنه سهل للمؤمن، وعلی أي حال: في القبر، ظلمة ووحشة، غربة، ضغطة، وأسألة عقائدیة وسلوکیة صعبة وشاقة للغایة، روي عن أمیر المؤمنين علي(عليه السلام) أنه قال: «يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت القبر فاحذروا ضيقه و ضنكه و ظلمته و غربته إن القبر يقول كل يوم أنا بيت الغربة أنا بيت التراب أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود و الهوام و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار... وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنينا فينهشن لحمه و يكسرن عظمه يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا...». [1]

لکن المهم أن نعرف أولاً: ما سبب ضغطة أو عذاب القبر؟ وثانیاً: أي الأسباب تنجي من ضعطة وعذاب القبر؟ وثالثاً: عن ماذا یسأل في القبر؟ وبأي کیفیة؟ روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «أیما مؤمن سأله أخوه المؤمن حاجة وهو یقدر علی قضائها ولم یقضها له سلط الله علیه شجاعاً في قبره ینهش أصابعه».[2]

أسباب ضغطة القبر:

أما أسباب ضغطة القبر فهي کالتالي:

1- إضاعة النعم الإلهیة.

2- عدم الاحتراز من البول، والاستخفاف به، یعني استسهاله، وعدم رعایة الطهارة والنجاسة.

3- النمیمة.

4- الغيبة

5- ابتعاد الرجل عن أهله.

6- سوء الخلق وغلظة القول مع أهله.

أسباب النجاة من عذاب القبر:

1- قراءة سورة النساء في کل جمعة.

2- المداومة علی قراءة سورة الزخرف.

3- قراءة سورة القلم في الفریضة أو النافلة. 

4- من مات بین زوال الشمس من یوم الخمیس إلی زوال الشمس من یوم الجمعه .

5- صلاة اللیل.

6- وضع جریدتین رطبتین مع المیت (تحت أبط المیت الیمنی والیسری).

7- وردت روایات کثیرة في استحباب رش القبر بالماء بعد دفن الميت و إبقاء القبر رطباً،مادامت الجریدتین رطبتین،فإن الله یرفع عنه العذاب ما دام القبر رطباً.

8- الصلاة عشر رکعات في اول یوم من رجب ف کل رکعة فاتحة الکتاب مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات.(منازل الاخرة).

9- الصیام 4 أیام من رجب.

10– الصیام 12 یوماً من شعبان .

11- قراءة سورة «تبارک الملک»فوق قبر الميت .

12- أن یقرأ هذا الدعاء إلی جانبه بعد دفن الميت«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا تُعَذِّبَ هَذَا الْمَيِّتَ إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ إِلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ»[3]، وروي أنه هذا الدعاء یقرأ ثلاث مرات.

13- صلاة رکعتین في لیلة الجمعة؛ روي عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال:«من صلی لیلة الجمعة رکعتین یقرأ فیهما بفاتحة الکتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال یوم القیامة».[4]

السؤال و الجواب في القبر:

من المسلمات الاعتقادية في المذهب الشيعي: الاعتقاد بالسؤال و الجواب في القبر. روي عن الامام الصادق(ع) قال: «من أنکر ثلاثة أشیاء، فلیس من شیعتنا: 1- المعراج 2- المسائلة في القبر 3- الشفاعة».[5]

ویستفاد من روایات کثیرة: أن الله ینزل علی الانسان بعد الموت ملکین اسماهما ناکر ونکیر أو منکر ونکیر فیسألانه عن أصوله وعقائده، التوحید، النبوة، الولایة، وکیف أنفق ماله، واکتسبه، فإن کان مؤمناً أجاب، فتعمه رحمة الحق ورعایته، وإن لم یکن مؤمناً، صمت ولم یجب، وابتلي بالعذاب الشدید البرزخي في قبره. 

وفي روایات أخری: یأتي الملکان منکر ونکیر بهیئة موحشة مرعبة حین یدفن المیت، أصواتهما کالرعد القاصف، وأبصارهما کالبرق الخاطف، فیکون الجواب في تلک الحال صعباً جداً، ولهذا، یستحب تلقین المیت مرتین . روي: « أن الامام علي بن الحسين(ع) کان یعظ الناس ویزهدهم في الدنیا، ویرغبهم في أعمال الآخرة، بهذا الکلام في کل جمعة في مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وحفظ عنه وکتب کان یقول: أیها الناس اتقوا الله وأعلموا أنکم إلیه ترجعون...».[6]

و ورد أیضاً في کلام له علیه السلام إشارة منه إلی مجيء منکر ونکیر إلی المیت في القبر، بشکل مخیف ومرعب، فقال علیه السلام: « «أَلَا وَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلَانِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَ عَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ و عَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَ عَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَ عَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلَّاهُ ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ أَفْنَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَ فِيمَا أَنْتَ أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَ انْظُرْ لِنَفْسِكَ وَ أَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الِامْتِحَانِ وَ الْمُسَائَلَةِ وَ الِاخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ مُؤْمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَقَّاكَ اللَّهُ حُجَّتَكَ وَ أَنْطَقَ لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ وَ أَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَ بُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَ الْجَنَّةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحَانِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَ دُحِضَتْ حُجَّتُكَ وَ عَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَ بُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ مَلَائِكَةُ».[7]

الهوامش: [1] (بحار الانوار، ج6، ص 218، باب 8 - أحوال البرزخ والقبر وعذابه). [2] (بحار، ج 74، ص330). [3] (ثقة الاسلام حاجي نوري، مستدرک الوسائل ج 2 ص 372 باب 49 باب استحباب الدعاء بالمأثور عند...). [4] مصباح المتهجد،ص228. [5] نتائج الأفکار،السید الگلبایگاني،ج1، ص211. [6] الکاف،الکلیني،ج8،ص72،ح29. [7] (الکليني، الكافي ج 8 ص 72 و محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج 6 ص 223 حديث 24).
2024/02/18
2024/02/03
هل يمكن إثبات وجود «الروح» علمياً؟!
لتوضيح هذا السؤال لابدّ من التفريق بين موضوعات العلوم، ومن ثمّ النظر إلى الروح لمعرفة العلم الذي يجب أن يبحث فيه.

[اشترك]

وبشكل عام يمكننا تقسيم موضوعات العلوم إلى موضوعات تنتمي إلى الطبيعة الحسيّة والماديّة، وإلى موضوعات تنتمي إلى ما هو خارج حدود الحسّ والمادّة. وفي القسم الأول تهتمّ العلوم بدراسة الظواهر الطبيعيّة والماديّة، في حين يهتمّ القسم الثاني بدراسة الظاهرة الإنسانيّة، والفرق بين العلمين يعود إلى ثلاث فروقات أساسية:

الفرق الأول: من حيث الموضوع: فالعلوم الطبيعيّة ترصد الأجسام الثابتة والمتغيّرة، سواءً كانت من العناصر الطبيعيّة، أو الكائنات الحيّة، أو النباتات. بينما العلوم الإنسانيّة ترصد الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً ومريداً، فالإنسان لا يمكن رصده وتقييمه ضمن إطار مادّي خارجيّ فحسب، لأنّه موجود له (قصد)، أي أنّ هناك دوافع إنسانيّة داخليّة تحدّد سلوكه، لا يمكن الوصول إليها عن طريق الرصد الماديّ وإدخاله ضمن قانون السببيّة الماديّة وقوانين الطبيعة، فمعرفة الظاهرة الإنسانيّة لا تقوم على الوصف والشرح كما هو الحال في الظاهرة الطبيعيّة، وإنّما تحتاج إلى تعقّلٍ وإدراك وتفهّمٍ يقوم على التعاطف والمعايشة، ومن ثَمّ كشف مخزونه الداخليّ.

الفرق الثاني: من حيث الغاية والهدف: غاية العلوم الطبيعيّة هو تفسير العالم الطبيعيّ وما فيه من ظواهر عن طريق إرجاع كلّ ظاهرة إلى أسبابها الماديّة المباشرة، ومن ثمّ وضع نظريّات تصلح لفهم ما يدور في الطبيعة، ولذا يبتعد هذا العلم عن التفسيرات الغيبيّة والدينيّة. بينما نجد العلوم المهتمّة بمعرفة الإنسان تبحث عن الغايات والأهداف التي تحرّك السلوك الإراديّ للإنسان، وهي في الغالب أهداف وغايات غير ماديّة، وهنا يدخل الدين والوحي الإلهيّ بوصفه الأكثر قدرة على كشف الحقائق الباطنيّة للإنسان، مضافاً إلى كونه الأقدر في رسم الغايات والأهداف التي يجب أن يسير عليها الإنسان.

الفرق الثالث: من حيث المنهج: تعتمد العلوم الطبيعيّة على منهج واحد وهو التجربة الحسّيّة، بينما نجد العلوم الإنسانيّة تعتمد العقل البرهانيّ أو العقل الاستنباطيّ، سواءً عن طريق الأوّليّات العقليّة أو عن طريق الاستقراء وجمع الشواهد، مضافاً إلى ذلك تعتمد أيضاً على الوحي ورسالات الله للإنسان.

وإذا اتضح ذلك، علمنا أنّ الروح لا يمكن أن يكون موضوعاً للعلوم الطبيعيّة والتجريبيّة، بل ليس من حقّ هذا العلم إثبات أو نفي وجود الروح، فهو ليس عنصراً ماديّاً يمكن إخضاعه لشروط التجربة والمختبر.

ينقل عزمي بشارة عن فرح أنطوان قوله: (إنّ العلم نفسه لا ينكر عجزه في بعض الأحيان، مثال ذلك: أنّ العلم يفترض وجود المادّة التي كُوّن العالم منها لتعليل وجود الكون.. وهو يفترض وجود النفس.. فإذا كان العلم نفسه لا يزال إلى اليوم يبني قواعده على افتراض حتّى في المسائل العلميّة، فكيف يجوز له إنكار الأمور القلبّية.. مثال ذلك: شعور كلّ نفس بوجودها الذاتيّ، فهي تقول: (أنا)، وتعرف أنّها مستقلّة قائمة بذاتها، وشعور القلب بلذّة الفضيلة والصلاح ونزوع الإنسان إلى عالمٍ آخر) [العلمانية والدين ص267)

والخطأ الكبير الذي يقع فيه البعض: هو اعتقادهم بوجود تنافر بين العلوم التي تهتمّ بالمادّة والعلوم التي تهتمّ بالمعنى، والسبب في ذلك يعود إلى الفهم المشوّه لحقيقة الإنسان، وبالتالي العامل الأكثر تأثيراً في الجمع بين هذه العلوم هو الانطلاق من التقييم الموضوعيّ والواقعيّ للإنسان. وهذا لا يتحقّق إلّا بالاعتراف بكون الإنسان كائناً مركّباً من مادّة وروح، فالرؤية الكونيّة الماديّة تغطّي جوانب دون أخرى من اهتمامات الإنسان، والرؤية الكونيّة المنطلقة من الجانب الروحيّ قد تغطّي ما أهملته الرؤية المادّيّة، ولكنّها قد تقع في خطأ إهمال ما تغطّيه الرؤية الماديّة. وعليه، من المفترض اعتماد رؤية كونيّة تراعي كلا البعدين – الماديّ والروحيّ - في الإنسان، فإذا أراد العلم التجريبيّ أن يحتكر الحقيقة فعليه أن يستوعب كلّ حاجات الإنسان واهتماماته بما فيها اهتماماته الروحيّة، وهذا ما لم تدّعه العلوم الطبيعيّة لنفسها، وإذا أراد دين من الأديان أن يكون بديلاً حتّى عن العلوم التجريبيّة، فيجب أن يكون لديه إجابات حول كلّ العلوم الطبيعيّة، وهذا ما لم يتبنّاه دين من الأديان.

فالاهتمام بالجانب الماديّ للإنسان ضروريّ، ولكن بشرط ألّا يكون على حساب الجانب الروحيّ لديه، فكما أنّ الإنسان يشعر بحاجة ماديّة كذلك يشعر بحاجة روحيّة، والإفراط والتفريط في أيّ واحد منهما قد يحقّقان مكاسباً في جهة ولكن على حساب خسائر في جهة أخرى. وهكذا يبقى الانسان ضائعاً وفي حاجة أبديّة لمَن يحقّق له توازن الروح والجسد.

وفي محصّلة الاجابة على السؤال، فإنّ الروح من الحقائق التي لا يمكن إدراكها بالعوامل الحسّيّة، ويكفي في إثبات وجوده شعور الإنسان به، وتفاعله مع آثاره الواضحة في جميع شؤون الحياة، فلا يحتاج إثبات وجوده إلى ملامسته باليد، أو رؤيتها بالبصر، أو حصره في المختبر، وكما أنّ الجميع معترف بوجود العقل من غير أن يروه بالبصر أو يشمّوه بالأنف أو يلمسوه باليد، كذلك الحال في وجود الروح فهي ظاهرة بذاتها، ودالّة على نفسها بنفسها.

*المقال رداً على سؤال: هل يمكن إثبات وجود الروح بالتجربة العلمية؟
2023/12/29
هل مصحف فاطمة (ع) هو قرآن الشيعة؟!
لقد كثُر الكلام حول ما يُسمى بمُصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) ، و لقد حاول أعداء أهل البيت ( عليهم السَّلام ) التشنيع على الشيعة من خلال اتهامهم بأن لهم قرآناً آخر يأخذون منه أحكام الدين غير القرآن الكريم يُسمونه مصحف فاطمة.

[اشترك]
هذا ما يقوله أعداء مدرسة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، و هو اتهام رخيص ليس له أي قيمة علمية ، إذ سرعان ما يجد الباحث بطلان هذا الكلام لدى رجوعه إلى الواقع الخارجي ، ولدى مراجعته للنصوص المأثورة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .

ثم أن هذا الاتهام ليس جديداً ، بل يصل تاريخه إلى عهد الأمويين و العباسيين الذين عاصروا الأئمة ( عليهم السَّلام ) ، و يدل على ذلك أسئلة الرّوات و أجوبة الأئمة ( عليهم السلام ) و تصريحاتهم النافية بشكل قاطع كون مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) قرآن آخر.

لكن رغم كل ذلك ورغم الإجابات المتكررة التي أجاب بها العلماء الأفاضل في مختلف العصور عن هذا السؤال فإننا نجد أن هناك من يجد بُغيته في اتهام الشيعة بهذا الاتهام ، و لا يدفعه إلى ذلك طبعاً سوى المرض أو الجهل .
أما الآن لنرى ما هو المقصود من مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) عند أهل البيت ( عليهم السَّلام ) وعند أتباعهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية .
لمعرفة ذلك لابد و إن نعرف أولاً المعنى اللغوي لكلمة المصحف ، ثم نأتي بعد ذلك إلى الروايات والأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) كي نعرف حقيقة مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) .

المعنى اللغوي للمصحف

قال الفرّاء في لفظ المصحف : " و قد استثقلت العرب الضمّة فكسرت ميمها و أصلها الضم ، من ذلك مِصحف ... ، لأنها في المعنى مأخوذة من أصحف جمُعت فيه الصُحف " 1 .
و قال أبو الهلال العسكري في الفروق اللغوية : " الفرق بين الكتاب و المصحف ، أن الكتاب يكون ورقة واحدة و يكون جملة أوراق ، و المصحف لا يكون إلا جماعة أوراق صحفت ، أي جمع بعضها إلى بعض " 2 .
و كلمة مصحف مأخوذة من الصحيفة و هي القرطاس المكتوب ، و المصحف ـ مثلث الميم ـ هو ما جُمع من الصحف بين دفتي الكتاب المشدود ، و لذلك قيل للقرآن مصحف ، و عليه فكل كتاب يسمى مصحفاً 3 .
و قال ابن بابويه : صحيفة فاطمة ، أو مصحف فاطمة ، أو كتاب فاطمة ، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها ( عليها السَّلام ) 4 .

و يقول الدكتور حسين علي محفوظ 5 رحمه الله: المصحف هو مجموعة الصحف6.

ما هو مصحف فاطمة ؟

مصحف فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) هو كتاب عظيم المنزلة أملاه جبرائيل الأمين على سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) بعد وفاة أبيها رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و ذلك تسكيناً لها على حزنها لفقد أبيها ( صلَّى الله عليه و آله ) .
أما كاتب هذا الكتاب هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، فقد كتبه بخطه المبارك .
و مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) يُعتبر من جملة ودائع الإمامة ، قال الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) ـ و هو يَعُّد علامات الإمام المعصوم ( عليه السَّلام ) ـ : " ... و يكون عنده مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) " 7 .
أما بالنسبة إلى مكان وجود هذا المصحف في الحال الحاضر فهو اليوم موجود عند الإمام المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرَجَه ) .
و يُعتبر هذا المصحف أول مصنف في الإسلام ، حيث أن الزهراء ( عليها السَّلام ) توفيت في الثالث من شهر جمادى الأولى عام 11 هجري 8 ، و لم يكتب قبل هذا التاريخ كتاب في عصر الإسلام .
فمصحف فاطمة هو مجموع حديث جبرائيل الأمين لفاطمة ( عليها السلام ) فهو وحي غير معجز كالحديث القدسي 9 و النبوي .
و لا غرابة في ذلك إذ أن الزهراء ( عليها السَّلام ) كانت محدّثة ، و ليست الزهراء هي الوحيدة التي حدّثتها الملائكة ، فقد كانت مريم بنت عمران محدّثة ، كما كانت أم موسى بن عمران ( عليه السَّلام ) محدّثة ، و سارة زوجة النبي إبراهيم ( عليه السَّلام ) أيضاً كانت محدّثة فقد رأت الملائكة فبشروها بإسحاق و يعقوب .
ذلك أن الحديث مع الملائكة رغم أهميته و عظمته فهو ليس من علامات النبوة و خصائصها ، فمن ذكرناهن لسن من جملة الأنبياء كما هو واضح ، لكن الملائكة تحدثت إليهن ، و إلى هذا يشير محمد بن أبي بكر قائلاً :
إن مريم لم تكن نبية و كانت محدّثة ، و أم موسى بن عمران كانت محدّثة و لم تكن نبية ، و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب و لم تكن نبية ، و فاطمة بنت رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) كانت محدّثة و لم تكن نبية " 10 .

المعصومون و مصحف فاطمة عليها السلام

عندما سئل الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عن مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) قال : " إن فاطمة مكثت بعد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) خمسة و سبعين يوماً ، و كان دخلها حزنٌ شديد على أبيها ، و كان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و يخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، و كان عليّ ( عليه السَّلام ) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة " 11 .
عن حمّاد بن عثمان ، عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) أنه لما سأله : و ما مصحف فاطمة ؟
قال ( عليه السَّلام ) : " ... إن الله تعالى لمّا قبض نبيه ، ( صلَّى الله عليه و آله ) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عَزَّ و جَلَّ ، فأرسل الله إليها ملكا يسلّي غمّها و يحدثها ، فشكت 12 ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فقال : إذا أحسست بذلك و سمعت الصوت قولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً " .
ثم قال : " أما إنه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام ، و لكن فيه علم ما يكون " 13 .

ليس في مصحف فاطمة شيء من القرآن

قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " و إن عندنا لمصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) و ما يدريهما مصحف فاطمة ، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات 14 ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاه الله و أوحى إليها " 15 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن ... " 16 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " و عندنا مصحف فاطمة ( عليها السَّلام ) أما والله ما فيه حرف من القران ... " 17 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، و إنما هو شيء القي عليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليهما ) " 18 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... وفيه مصحف فاطمة ، و ما فيه آية من القران " 19 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و عندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما هو بالقران " 20 .

ما يحتويه مصحف فاطمة عليها السلام

قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و كان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و يخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ... " 21 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... و ليخرجوا مصحف فاطمة فان فيه وصية فاطمة " 22 .
و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... أما إنه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام ، و لكن فيه علم ما يكون " 23 .
و في الإمامة و التبصرة ، لابن بابويه القمي : صحيفة فاطمة أو مصحف فاطمة ، أو كتاب فاطمة ، ورد التعبير بكل ذلك عن كتاب ينسب إليها ( عليها السَّلام ) ، كان عند الأئمة ، وردت فيه أسماء من يملك من الملوك 24 .
مصحف فاطمة : ففيه ما يكون من حادث و أسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة 25 .
و قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها على الأخبار فقط ... 26 

الهوامش: 1. إصلاح المنطق : 354 ، لابن سكّيت ، و الصحاح : 4 / 1384 ، للجوهري .
2. الفروق اللغوية : 447 .
3. دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات : 1 / 19 ، لآية الله المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) .
4. الإمامة و التبصرة : 12 .
5. العلامة الدكتور حسين علي محفوظ مؤرخ ، جغرافي ، لغوي ، فقيه ، أديب ، شاعر ، كتب في الاختصاصات المختلفة ، قدم أكثر من 400 اثر بين كتاب و دراسة و مقالة و بحث .
هو حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد الجواد بن الشيخ موسى بن الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد آل محفوظ ، الوشامي الأسدي ، من بني أسد بن خزيمة ، من مضر .
ينتمي إلى بيت علمي عربي عراقي قديم ( آل محفوظ ) ينتهي نسبهم إلى شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد ـ المتوفى سنة 690 هجرية ـ من بيت أبي العز الأسدي الحلي ، و كان جده محفوظ من أعيان العلماء و أعلام الشريعة في العراق في عصره ، و أم الدكتور حسين من السادة ( آل الورد ) و هم من بني عمر العلويين من ذرية عمر بن يحيي ( 207هـ ) بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ).
ولد الدكتور حسين محفوظ يوم الاثنين 20 شوال 1344هـ المصادف 3/5 /1926م في الكاظمية بالعراق ، و تعلم فيها و تخرج من دار المعلمين العالية سنة 1948م و نال دكتوراه الدولة في الآداب الشرقية ( الأدب المقارن ) سنة 1952م من جامعة طهران .
جمع بين الدراستين القديمة و الحديثة ، و اطلع على أصول التاريخ و الأدب و الثقافة ، و تتلمذ على يد أفاضل أسرته ، و قرأ مقدمات المنطق و الأصول على يد العلماء من أهله ، و روى الحديث ( إجازة ) و سماعا و قراءة عن جماعة من مشايخ المحدثين .
خدم التراث العربي و الإسلامي بتحقيقه و التعريف به و إحيائه و قد أنجز العديد من الدراسات التراثية في مختلف الموضوعات ، و منها العمارة و الفلك و التقويم و الطفل و الزراعة و الصيدلة و علم الوثائق و الخط و الأوزان و المكاييل و المرأة و الحرب ، وقد وضع ( علم المخطوطات ) سنة 1975م و جمع ضوابطه و قواعده و مصطلحاته ، و ألف ( مصطلحات المخطوطات ) و ( مصطلحات المكتبة العربية ).
ألف عدة معاجم منها : ( معجم الآلات و الأدوات ) و معجم ( العلامات و الرموز ) و معجم ( الأضداد ) و معجم ( الألوان ) و قاموس التراث و اهتم بدراسة تاريخ البلدان .
شارك و مثّل العراق في عشرات المؤتمرات العالمية و الإستشراقية و الندوات و المجالس العلمية و الحلقات الدراسية و المهرجانات الأدبية في البلدان العربية و الأجنبية .
لُقب بشيخ بغداد و ذاكرة التاريخ و المكتبة المتنقلة و غيرها من الألقاب المعبرة عن عبقريته و غزارة علمه .
توفي في مساء يوم الاثنين 19/ 1/ 2009م الموافق: 23 محرم 1430هـ ببغداد عن عمر يناهز الثالثة و الثمانين و دُفن في الصحن الكاظمي الشريف .
6. قاله في مقابلة أجرته نجاة عبد الله و نشرت في موقع النور الالكتروني بتاريخ: 2008/11/11
7. الخصال : 528 ، و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 25 / 117 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
8. دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات : 1 / 19 .
9. قال العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) : الحديث القدسي هو كلام الله المنزل ـ لا على وجه الإعجاز ـ الذي حكاه أحد الأنبياء أو أحد الأوصياء ، مثل ما رُوي أن الله تعالى قال: " الصوم لي وأنا اُجزي به " ، يراجع : أصول الحديث و أحكامه في علم الدراية : 20 .
10. بحار الأنوار : 39 / 55 و 39 / 79 .
11. الكافي : 1 / 241 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران . و بحار الأنوار : 22 / 545 ، و بصائر الدرجات : 173 ، لمحمد بن حسن بن فروخ الصَّفار ، المتوفى سنة : 290 هجرية بقم ، الطبعة الثانية ، مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، قم / إيران ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 92 ، حديث ( 5387 ) ، لآية الله السيد كاظم القزويني ( رحمه الله ) .
12. أي أخبرت .
13. الكافي : 1 / 240 ، وبصائر الدرجات : 177 ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 93 ، حديث ( 5388 ) ، و بحار الأنوار : 26 / 44 .
14. إشارة إلى حجم هذا الكتاب بالقياس إلى القرآن الكريم .
15. بصائر الدرجات : 152 ، و بحار الأنوار : 26 / 39 .
16. بصائر الدرجات : 156 .
17. بصائر الدرجات : 158 و 161 .
18. بصائر الدرجات : 159 .
19. بصائر الدرجات : 160 .
20. بحار الأنوار : 26 / 38 .
21. الكافي : 1 / 241 ، و بحار الأنوار : 22 / 545 ، و بصائر الدرجات : 173 ، حديث ( 6 ) ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 92 ، حديث ( 5387 ) .
22. بحار الأنوار : 26 / 43 .
23. الكافي : 1 / 240 ، و بصائر الدرجات : 177 ، حديث ( 18 ) ، و موسوعة الإمام الصادق ( عليه السلام ) : 10 / 93 ، حديث ( 5388 ) ، و بحار الأنوار : 26 / 44 .
24. الإمامة والتبصرة : 12 .
25. الخرائج و الجرائح : 2 / 894 ، أعلام الورى : 285 ، بحار الأنوار : 26 / 18 .
26. بحار الأنوار :26 / 40 .
2023/12/23
كارما وشاكرات وتأمل.. إحذروا سماسرة علم الطاقة!
بعد المراجعة والمتابعة المتأنِّية نسبيًّا لكلمات بعض ذوي الإختصاص العلمي وكلمات بعض الممتهنين والمُسوِّقين لما يُسمَّى بعلوم الطاقة والعلاج بالطاقة خلصتُ إلى عددٍ من النتائج منها:

[اشترك]

الأولى: إنَّ ما يُسمَّى بعلم الطاقة يبتني على أفكارٍ وفلسفاتٍ يناقضُ الكثيرُ منها تعاليم الدين الإسلامي، نعم يُحاولُ المُسوِّقون لهذه الأفكار صياغتها بما يمنع من التنبُّه لانحرافها عن الدين، وحاول بعضُهم أسلَمتَها إلا أنَّ الطابع الوثني والشِركي ظلَّ ماثلًا في الكثير من هذه الأفكار.

الثانية: تابعتُ العديد من كلمات المُسوِّقين العرب لعلم الطاقة فوجدتُهم يحرصون -في المراحل الأولى من التدريب لضحاياهم- على إضفاء الصِبغة العلميَّة الأكاديميَّة وكذلك إضفاء الصبغة الدينيَّة على أفكارهم والمعلومات المزعومة التي يُلقونها جزافًا، ووجدتُهم يحرصون على الاستشهاد ببعض الآيات والروايات على غير هدى، والاستشهاد بكلمات ومصطلحات علم الفيزياء مثلًا، ويحرصون كذلك على سرد القصص التي يزعمون أنَّها وقعت لأفرادٍ انتفعوا من علم الطاقة أو تغيَّرت حياتُهم البائسة إلى سعادةٍ مطلقة، كما يحرصون على استبدال المصطلحات الوثنيَّة إلى مصطلحاتٍ إسلاميَّة ولكن بعد إفراغها من مضمونها الصحيح إلى مضمونٍ وثني أو خرافي، كما وجدتُهم من أكثر الناس قدرةً على التلبيس والخداع والدجل والصياغة للأفكار بما يتناغم والمشاعر المتعطِّشة للخلاص من الضغوط والإحباطات.

الثالثة: أكَّد المختصُّون في مثل علم الفيزياء أنَّ غالبيَّة المعلومات التي يتمُّ تداولُها من قِبل المُسوِّقين لِما يُسمَّى بعلم الطاقة لا تمتُّ للحقائق العلميَّة بصلة وأنَّها لا تعدو الهُراء والاحتيال والعبث بالعقول واستغلال جهل الضحيَّة بالحقائق العلميَّة وحاجتها للإشباع الروحي.

الرابعة: إنَّ الكثير من الأجسام المستعملة لديهم للقياس والكشف المزعوم عن الطاقة السلبيَّة أو الإيجابية في الإنسان أو التي يزعمون أنها تُساعد على جذب الطاقة الإيجابيَّة في الكون وطرد الطاقة السلبيَّة الكثير من هذه الأجسام والرسومات عبارة عن رموز لبعض الأوثان والأصنام والطلاسم التي يُؤمن بها أصحاب الديانات الشرقيَّة الوثنيَّة كالبوذيَّة والهندوسيَّة والطاوية، وبعض هذه الأجسام ليست كذلك ولكنَّها صُمِّمت ثم نُسجتْ حولها أوهامٌ لها انعكاسات إيحائيّة خادعة على نفس المُتلقِّي (الضحيَّة).

الخامسة: الكثير من التدريبات وجلسات التأمُّل التجاوزي الارتقائي والإسترخاء وما يكتنفُها من أفكار واستعمال لبعض الكلمات والترانيم أو الشعارات اللفظيَّة غير العربية ترجعُ في أصولها إلى طقوسٍ وثنيَّة ووسائل العبادة في الديانات الوثنيَّة وبعضها من طرائق الاستدعاء للأرواح.

السادسة: وجدتُ أنَّ لبعض مراتب العلاج بما يسمَّى بالطاقة علاقةً وثيقةَ ببعض أنواع السحر والكهانة والاستفادة من بعض التعويذات السحرية والوثنيَّة والاستعانة بما يسمَّى بالكائنات النوريَّة وبتعبيرٍ أدق هي استعانة بالجنِّ والشياطين.

السابعة: يتمُّ التعلُّم مثلًا لما يُسمَّى بالتخاطر عن بُعد، والخروج من الجسد، والشفاء الخارق، والشفاء بالتقمُّص، والتحكُّم بالأحلام، والعلم بمكنونات النفوس، وقانون الجذب وفكِّ الإرتباط، وهدم الموروث، وتدريبات السيطرة على الطاقة الذاتيَّة، وشحن الطاقة، وضخِّ الطاقة الذاتيَّة للغير، ووسائل تدفُّق الطاقة وغيرها الكثير، وبقطع النظر عن الجدل في إمكانيَّة بعض هذه الأمور فإنَّ الكثير من الوسائل المُعتمدة في ذلك لا أقل في بعض مراحلها شديدة الصلة بما يسمَّى بالسحر الأبيض والاستعانة الطوعية بالأرواح والجن والقوى الغامضة، نعم قد لا يكون المتلقِّي وحتى بعض المدرِّبين عارفًا بحقيقة ما يفعل.

الثامنة: إنَّ من أهم مراحل الاحتراف فيما يُسمَّى بفنِّ علم الطاقة هو التأهُّل لبعض الرياضات والتدريبات الخاصَّة المُفضية بزعمِهم للقدرة على التواصل مع الملائكة ومع ما يُسمَّى بالكائنات النوريَّة ومع الأرواح التي يزعمون أنَّها خيِّرة.

التاسعة: إنَّ حقيقة بعض أساليب العلاج بالطاقة يتمُّ بواسطة الاستدعاء للأرواح وكذلك ما يُسمَّى بالقوى الروحية الخفيَّة والكائنات النورية وبعض الأساليب أشبه شيء بالشعوذة وبعض الأساليب لا تعدو التحفيز للقوَّة الواهمة والمتخَّيلة لدى الإنسان وبعضها تعتمد الإيحاءات الخادعة.

العاشرة: يتحدَّث العديد من الخبراء وكذلك يتحدَّث العديد ممَّن ابتُلِيَ بالانخراط والتعاطي مع ما يُسمَّى بعلوم الطاقة أنَّ لها تأثيرَ المُخدِّرات من حيثُ صعوبة التخلُّص من آثارها وتبعاتها، ولعلَّ منشأ ذلك هو وقوع المُتعاطي لها تحت تأثير الطاقة الوهميَّة وتشكُّل نفسيتِه ومشاعره وأفكاره بما تلقَّاه من أوهامٍ أشعرته بالراحة الكاذبة والاستجمام والتخلُّص من الضغوط النفسيَّة، ولعلَّ منشأ ذلك أيضًا هو وقوعه تحت تأثير السحر التي يتعاطاه سماسرة الطاقة، ولعلَّ من مناشئ ذلك هو الوقوع تحت هيمنة الأرواح والشياطين، ولعلَّ هذه المناشئ مجتمعةً هي سبب الإدمان الذي يبتلي به المنخرطون في هذا السلك.

الحادية عشر: إنَّ بعض ما شاهدناه عبر المواقع الإكترونية من طرائق العلاج بالطاقة في غير بلدنا خادشة للحياء، ويُمكن تصنيف بعضها بالتحرُّش تحت شعار تفريغ الطاقة السلبيَّة أو ضخِّ الطاقة الإيجابيَّة من طريق ما يُعبَّر عنه بالشاكرات ومراكز الطاقة في الجسد والتي منها ما يقع في المناطق المحتشمة أسفل العمود الفقري (منطقة العجان) ويُعبَّر عنها بالقاعدة والجذر وهي الأهم بزعمهم، ومنها ما يقعُ في أسفل السُّرَّة!!

وأخيرًا: إنَّ الراجح عندي أنَّ الكثير من المدرِّبين والذين يعقدون الدورات والذين يُمارسون العلاج بما يُسمَّى بالطاقة عندنا في البلد هم من ضحايا سماسرة الطاقة المنتشرين في العالم، ولا نتَّهم من في بلدنا بتعمُّد خداع الناس وبيع الوهم عليهم إلا أنَّ ذلك لا يُعفيهم من المسئوليَّة، فالمتعيَّن عليهم ترك هذا السلوك وعدم الإصرار على التعاطي مع هذه الخزعبلات والخرافات المستوردة من الديانات الوثنية وأنْ يتقوا الله تعالى وأنْ لا تأخذهم العزَّةُ بالإثم.

أختمُ المقال الذي حرصتُ على إيجازه بمخاطبة الإخوة طلبة العلوم الدينيَّة والخطباء الكرام والمثقفين المحترمين أنْ يأخذوا دورَهم في التوعية والتحذير من سماسرة الطاقة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويعبثون بمعتقدات الناس ربَّما من حيث لا يعلمون، ويعبثون بمشاعرهم ولا سيما النساء مستغلِّين بذلك الضغوط النفسيَّة التي التي يقعُ الكثير من الناس تحت تأثيرها.

2023/12/21
سجن وسمّ وقتل.. هل يؤمن الشيعة بـ «عقيدة الفداء»؟!
عقيدة الفداء عقيدة ذات جذور وثنية كما يؤكد الكثير من الباحثين الغربيين، يقول الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي مؤلف كتاب قصة الحضارة المشهور المؤرخ ول ديورانت: "بأن عوامل عديدة قد أوحت إلى بولس بتلك العقيدة، منها: انقباض نفس بولس وندمه بالصورة التي استحال إليها المسيح في خياله، وتأثره بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية التي تنبذ المادة والجسم واعتبارهما شرّاً وخبثاً.

[اشترك]

وتأثره كذلك بالطقوس الوثنية في التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس، وتلك عقيدة موجودة عند الوثنيين في مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان التي تؤمن بالآلهة التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان"(قصة الحضارة(11/263-265) بتصرف ).

هناك من يسرد الجذور التاريخية لعقيدة الفداء ويلمح لوجود تطابق بينها وبين ما جاء في حديث الإمام الكاظم، الذي جاء فيه: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَى ‏الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ فَوَقَيْتُهُمْ وَاللَّهِ بِنَفْسِي".

ويبدو أن الفهم الذي ارتسم في ذهنه من هذا الحديث هو الذي قاده إلى هذه المقارنة، حيث تصور أن الإمام تحمّل السجن الطويل والألآم حتى مضى شهيداً لكي يفدي الشيعة فلا يؤاخذهم الله بعد ذلك بشيء.

إلا أن هذا الفهم ليس صحيحاً بالمطلق؛ لكونه مخالفاً لنصوص القرآن والسنة ومبايناً تماماً لعقائد الإسلام وتعاليمه، ويكفي في هذا المقام قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)، وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، الأمر الذي يدعونا إلى صرف هذا المعنى عن الرواية والبحث عن معناها الحقيقي انطلاقاً من الظروف التاريخية التي صدرت فيها هذه الرواية.

بشكل مختصر يمكننا القول إن عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) مهد الطريق بشكل كبير لتمكين الشيعة حتى اصحبوا أكثر تماسكاً وقوة، فبسبب الضعف الذي رافق انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية تمكن الإمامين من تثبيت دعائم المذهب وتأسيس أركانه، فاصبح النفوذ الشيعي وحكرتهم السياسية أكثر حضوراً وتأثيراً، فامتدت ثورات العلويين حتى شملت أكثر البلاد الإسلامية.

وقد جاء عهد الإمام الكاظم (عليه السلام) وكانت الظروف أكثر توتراً بين الشيعة وبين السلطة العباسية، وقد كانت السلطة أكثر تخوفاً وتحرزاً من الإمام إلى درجة أنها كانت تعتقد بأنه هو مهدي آل محمد الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولذا حرصت السلطة عند مقتله بأن تنادي على جنازته: هذا إمام الرافضة يزعمون أنه لا يموت فانظروا إليه ميتاً.

ومن هنا نفهم جملة الروايات التي تتحدث بتشدد عن ضرورة التقية وكتم أمر أهل البيت (عليهم السلام) فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ"، وعن الصادق عليه السلام قال: "سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ التَّقِيَّةِ يَا حَبِيبُ إِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ تَقِيَّةٌ رَفَعَهُ اللَّهُ يَا حَبِيبُ مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَقِيَّةٌ وَضَعَهُ اللَّهُ".

وبسبب هذه التقية تمكن الائمة من أهل البيت من اختراق الاجهزة العليا للدولة وكانت لهم عيون داخل أروقة النظام الحاكم، من أمثال علي بن يقطين، وعلي بن سويد وغيرهم الذين اصبحوا من الدائرة الأولى في السلطة العباسية، وزرع مثل هؤلاء في مناصب قريبة من هرم السلطة يؤكد وجود عمل سياسي قوي ومنظم، فلم يصل هؤلاء إلى هذه المرتبة إلا بعمل دؤوب ولفترة طويلة من التقية، وقد كان في زمن هارون الرشيد العشرات من أمثال علي بن يقطين الذين يعملون في مناصب حساسة في الدولة، وقد ساعد هؤلاء على إفشال الكثير من المخططات التي كانت تستهدف الائمة وشيعتهم.

وفي مقابل هذه الطبقة من أصحاب الائمة والذين كانوا يمثلون كوادر الصف الأول كان هناك الكوادر الوسيطة والدنيا وعامة الشيعة، وما حدث من اختراقات للعمل الرسالي الذي يقوده الائمة كان بسبب التسريبات التي تصدر من هذه الطبقة، فلم يكن الالتزام بالتقية وضرورة الكتمان والعمل السري بنفس القدر الذي اراده الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، الأمر الذي تسبب في اضرار كبيرة في العمل الرسالي، حيث اصبحت السلطة أكثر قدرة على تتبع خيوط العمل الشيعي، مما سبب خطراً كبيراً على الوجود الشيعي من الأساس، فإذا تمكنت السلطة من التعرف على جميع رجالات الشيعة وكوادرها ومن ثم القضاء عليهم لما تبقى للتشيع وجود، الأمر الذي جعل الإمام الكاظم بين خيارين، الأول: أن يكشف هو نفسه للسلطة فتلهوا عما هو دونه، والثاني: أن يترك السلطة تتبع الشيعة وتقضي عليهم واحداً بعد الثاني، ويبدو أن الأمر مشابهاً لما حدث مع الإمام الحسن (عليه السلام) عندما وجد نفسه مخيراً بين مصالحة معاوية والحفاظ على الشيعة وبين أن يحارب ويتسبب في القضاء عليهم، فاختار الإمام الصلح مع معاوية.  

فاختيار الإمام للسجن والقتل كان فيه صرف النظر عن بقية الشيعة، ولذا اختار سلام الله عليه السجن والقتل ظلماً ليحافظ على المشروع الشيعي لكي يبقى ويستمر حتى قيام دولتهم الكبرى دولة الإمام المهدي (عليه السلام).

وفي المحصلة يجب فهم الرواية ضمن السياق التاريخي والظرف السياسي الذي كان يحيط بالإمام الكاظم (عليه السلام)، ولا يمكن فهمها على نحو الفهم الكنسي المستمد من جذور وثنية.

المقال رداً على سؤال: يفدي أحدًا قومه بنفسه لتغفر ذنوبهم!! هذه العقيدة اعتقدها الإغريق في مخلصهم (أبولو)، والرومان (هيروكوليس)، والنصارى في المسيح، ونحن نجد ما يشابهها عند الشيعة، جاء في الكافي عن  موسى الكاظم: «إن الله -عز وجل- غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم، فاخترت نفسي”. لأنهم تركوا التقية كما قال في حاشية الكافي.
2023/12/06
قول «آمين» في الصلاة.. من أين جاءت وما حكمها؟
التأمين في الصلاة، هو قول المُصلي (آمين) بعد إتمام قراء سورة الفاتحة في الصلاة.

[اشترك]

وأصل كلمة (آمين) مأخوذة من النصارى كما جاء بيانه في اخبار أهل البيت (ع). 

فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه "من لا يحضره الفقيه:1/390" وإذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة فليقل الذي خلفه (الحمد لله رب العالمين) ولا يجوز أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب (آمين) لأن ذلك كانت تقوله النصارى) انتهى.

وروى الشيخ الطوسي في: "تهذيب الأحكام:2 /75 " عن معاوية بن وهب قال قلت لابي عبد الله -عليه السلام- الإمام الصادق: أقول آمين إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين ؟ قال : هم اليهود والنصارى ! ولم يجب في هذا) انتهى.

ويؤيد تلك الاخبار ما جاء في هامش الإنجيل طبعة دار الكتاب المقدس صفحة 548

(آمين) كلمة من الكلمات الآرامية الأربع التي حفظت في النص اليوناني في صيغ العهد الجديد الطقسية. إنها تؤكد على أمانة الرب وإيمان الإنسان خلافا لما كان يفعل الربانيون، كان يسوع يستهل أقواله بقوله (آمين أقول لكم) في الأناجيل الأزائية أكثر من خمسين مثلا على ذلك.. انتهى.

ويعتقد الشيعة الامامية ان عمر بن الخطاب، هو الذي زادها في الصلاة بعد قراءة الفاتحة [إرشاد القلوب ص379]. والعجب كل العجب من أهل السنة، أنهم تركوا شريعة نبيهم وأخذوا بشريعة عمر... وزادوا آمين فيها [كتاب الأربعين ص 565].

لذا قال علماؤنا: تبطل الصلاة بقول: (آمين)، وقال الشيخ الطوسي: سواء كان ذلك سرا، أو جهرا، في آخر الحمد أو قبلها، للامام والمأموم، وعلى كل حال، وادعى الشيخان والسيد المرتضى إجماع الامامية عليه ". 

واستدل له بجملة من النصوص، كمصحح جميل عن أبي عبد الله (ع): " إذا كنت خلف إمام، فقرأ الحمد، وفرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد الله رب العالمين، ولا تقل: آمين ". ونحوه في النهي كذلك مصحح زرارة، وخبر الحلبي. وقد يشير إليه صحيح معاوية ابن وهب: " قلت لابي عبد الله (ع): أقول: آمين، إذا قال الامام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ [مستمسك العروة ج10ص591].

قال الشهيد الثاني قوله: "لا يجوز قول آمين آخر الحمد". هذا هو المشهور بل كاد يكون إجماعا، ومستنده النص عن أئمة الهدى (عل)، وعلل مع ذلك بأنه ليس بقرآن ولا دعاء وإنما هو اسم للدعاء أعني: اللهم استجب، والاسم غير المسمى، فلو قال بدله اللهم استجب لم يضر. ولا فرق في البطلان بين وقوعه آخر الحمد أو غيره من حالات الصلاة كالقنوت. كل ذلك مع عدم التقية..[مسالك الأفهام ج1ص211].

وقد استدل العامة ببعض الأحاديث على مشروعية (التأمـين) ولا تخلوا من عـلل :

مثل حديـث على بن أبي طالب قال : "سمعـت رسول الله إذا قال : ولا الضالين قال : آمين" رواه ابن ماجة ، وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال شعبة : ( ما رأيت أحداً أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى ) وقال ابن حبان : (كـان فاحش الخطأ رديء الحفظ فكثرت المناكير في روايته ) وقال الدار قطني : (كان رديء الحفظ كثير الوهم ) وقد ضعفه غير هؤلاء.

ومثل حديث ابن عمـر أن رسـول الله كان إذا قال : ولا الضالين قال آمين.. 

ومثله حديث أبي هريـرة رواهما الدار قطني وفيهما بحر السقا قال البخاري : ( ليس هو عندهم بقوى يحدث عن قتادة بحديث لا أصل له من حديثه ولا يتابع عليه ) وقال النسائي : ( ليس بثقة ولا يكتب حديثه ) وقـال ابن حبان : (كان ممن فحـش خطؤه وكثر وهمه حتى استحـق التـرك ) وقال السعدي : ( سـاقـط ) وقال ابن معـين : ( ليس بشيء ) وقال أبو حاتم : (ضعيف ) وقال أبو داود والدار قطني : ( متروك ) .

ومثل حديث بلال قال: "يا رسول الله لا تسبقني بآمين"رواه أبو داود.

وهذا الحديث مرسل والمرسل من قسم الضعيف عند الجمهور وقد قال الحاكم في الأحكام قيل : ( أن أبا عثمان - وهو الراوي لهذا الحديث عن بلال لم يدرك بلالاً ) 

ومثل حديث أم الحصين أنها صلَّت خلف رسول الله فلما قال : ولا الضالين قال : " آمين " فسمعته وهي في صف النساء . رواه الطبراني .

وهذا الحديث ضعيف ففي إسناده "إسماعيل بن مسلم المكي" قال أبو زرعه : ( ضعيف الحديث ) وقال أبو حاتم : ( ضعيف الحديث مخلـط ) وقال البخاري : ( تركه يحيى وابن مهدي وتركه ابن المبارك وربما ذكـره ) وقال ابن حبان : ( كان فصيحا وهو ضعيف يروي المناكير عن المشاهير ويقلب الأسانيد ) .

ومثل رواية الزُّهـري كـان رسول الله يقول: "آمين". 

وهذه الرواية معضلة وهي تدخل في باب الضعيف فلا تقوم بها حجة.

وقد اختلف القائلون بمشروعية التأمين فقيل: هو للمقتدي والإمام كليهما، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما.

وقيل : هو للمقتدي فقط، وإليه ذهب أبو حنيفة في رواية الحسن ومالك في رواية ابن القاسم وهذا كله في الجهرية وروى عن مالك : لا يؤمن الإمام مطلقا. 

واختلفوا هل المشروع فيه الجهر أو الإخفاء ؟ .

فذهب إلى الأول الشافعي في القديم وأحمد وإسحاق ونسبه القاضي حسين إلى الشافعي في الجديد وذهب إلى الثاني أبو حنيفة ومالك وفي رواية عنه.

المقال رداً على سؤال: سؤال: متى زيد كلمة (آمين) بعد الفاتحة في الصلاة؟
2023/11/21
لماذا يذكر الشيعة علي بن أبي طالب في الأذان؟
إنّ الشيعة الإماميّة لم يذكروا أنّ من فصول الأذان الأصلية «أشهد أنّ علياً ولي الله»، وليس من فصول الإقامة الأصلية، ولكن توجد هناك روايات ذكرها المجلسي وقال بعدها: «لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان».

[اشترك]

وذكر في كتاب الإحتجاج للطبرسي، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا قال أحدكم لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، فليقل علي أمير المؤمنين».

وعليه، فقد ذكر آخرون بأنّه لا بأس بذكر «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» لا على سبيل الجزئيّة في الأذان والإقامة، عملاً بالخبر المذكور.

فمن ذكر من علمائنا أنّ «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» مستحبّة في الأذان، فهو كالصلاة على محمّد صلّى الله عليه وآله عند سماع اسمه، بل قال صاحب الجواهر : «ولولا تسالم الأصحاب ـ على فصول الأذان والإقامة ـ ، لأمكن دعوى الجزئية ـ للشهادة الثالثة ـ؛ بناءً على صلاحيّة العموم، ـ يشير إلى خبر الإحتجاج ـ لمشروعيّة الخصوصيّة » [ راجع جواهر الكلام : ج ۹ / ۸۷ ].

فالخلاصة: إنّ شيوخ الطائفة المتقدّمين والمتأخّرين على استحباب ذكرها، لا مع أنّها جزء من الأذان والإقامة. نعم من يقولها على أنّها جزء من أصل الأذان والإقامة فهو باطل وغير صحيح.

وأقول: إذا سمعت «الله اكبر»، فتقول أنت الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، أو يقول المؤذّن ذلك، فهل هذا بدعة وحرام إذا لم يكن جزء من الأذان؟!

وإذا قلت «أشهد أنّ محمّداً رسول الله»، تقول أنت أو المؤذّن شهد بذلك لحمي ودمي وعظمي وشعري. فهل هذا حرام أو مبطل للأذان أو الإقامة؟

طبعاً الجواب منفي، أو نقول صلّى الله عليه وآله، فهل هذا بعد الشهادة بالرسالة حرام أو بدعة ؟!!

طبعاً الجواب منفي، وإذا لم يكن بدعة وحرام ، فالشيعة تقول بعد ذكر الرسالة « أشهد أنّ عليّاً وليّ الله » ، أو « أشهد أنّ عليّاً وأبناءه المعصومين بالحقّ حجج الله » ، فهو أمر مستحب بعد الرسالة وليس من أجزاء الأذان أو الأقامة على فتوى جميع علماء الشيعة الإماميّة حسب تتبّعه. ولم يقل من علماء الشيعة الإماميّة أحد بإستحباب تركها بعد ذكر الرسالة، مع عدم قصد جزئيّتها.

2023/10/10
كرامات وعادات خارقة لغير المؤمن.. حقيقة أم أوهام؟!
قدم علماء الكلام تصنيفات متعدد للظواهر الخارقة للعادة، وقد اعتمدوا في ذلك على السياقات الظرفية والتاريخية المصاحبة لتلك الظواهر، ويبدو أن دافع هذه التصنيفات هو السؤال عن إمكانية ظهور هذه الظواهر الخارقة للعادة على أيدي غير الصالحين؟


فمضافاً للمعجزة التي أجمع المتكلمون على حصرها في الأنبياء تحدثوا أيضاً عن ظواهر خارقة للعادة قد تظهر لأسباب أخرى وهي على النحو التالي:


1. الكرامة: وهي حدوث أمر خارق للعادة على أيدي الأولياء والصالحين، فالله قد يظهر على أيدي أوليائه أموراً خارقة للعادة لحِكمة تستوجب ذلك، يقول السيّد محسن الأمين: "إنّ فضائل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكراماتهم، لا يشكّ فيها أحد، ولكنّ كثيراً من الكرامات التي تنقل على ألسنة النّاس هي مكذوبة، لأنَّ الكرامة لا تأتي عفواً أو متى شاءها الإنسان، وعلى يد كلّ أحد، ومع كلّ مناسبة، وإنما تكون عند موجب قويّ يقتضيها" [رحلات السيّد محسن الأمين، ص 145].
2. الإرهاص: وهو ظهور أمور خارقة للعادة على يد النبي قبل بعثته بهدف تهيئة الناس لقبول دعوته، وقد روي في ذلك الكثير عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) مثل الغمامة التي كانت تظلله في سفرة إلى الشام مع عمه أبي طالب.
3. الإهانة أو المعجزة المقلوبة: وهي أمور خارقة للعادة يجريها الله على ايدي مدعي النبوة كذباً بغية الكشف عن كذبهم، ومثال على ذلك ما حدث مع مسيلمة عندما أخبروه بأن النبي بصق في بئرٍ جافّ فخرج الماء، فذهب مسيلمة إلى بئر فيه ماء قليل فبصق فيه فجفّ، فمع أنه امر خارق للعادة إلا أنّه جاء بالشكل الذي يعاكس دعواه.
4. المغوثة أو المعونة أو الإعانة: وهو أمر خارق للعادة يظهره الله لمصلحة شخص غير صالح بهدف تبرئته من تهمة باطلة منسوبة إليه، وفي ذلك يقول عبد القاهر البغدادي الأشعري: «إن أظهر الله له (يقصد للفاسق) علامةً تدلّ على صدقه وبراءة ساحته مما يُقذف به، جاز ذلك وسمّيناها حينئذ مغوثة (معونة). فالمعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء والمغوثات (المعونات) لسائر العباد»
الاستدراج: وهو أن يجري الله الأمر الخارق للعادة على يد غير الصالح بقصد استدراجه، وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ)، ويفهم من ذلك أن مجرد ظهور الأمر الخارق للعادة ليس كافياً للحكم بصلاح وإيمان صاحبه.
وبناءً على هذا التقسيم نفهم أن الكرامة هي امر خارق للعادة يجريه الله تعالى على ايدي الأولياء الصالحين دون غيرهم، فمجرد ظهور الأمر الخارق للعادة لا يكون دليلاً على أن صاحبه من أولياء الله الصالحين، وإنما يجب توفر مجموعة من الشروط والقرائين الأخرى التي تدل على أنه فعلاً من أولياء الله الصالحين حتى نحكم بأن الامر الخارق الذي صدر منه هو كرامة له.
قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا..) فأولياء الله بحسب هذه الآية يجب أن يتصفوا بالإيمان والتقوى ثم تأتي بعد ذلك البشرى لهم في الحياة الدنيا، والكرامة واحدة من تلك البشريات.
وفي المحصلة إذا صدر خارق العادة من شخص فإن صَدَقَ عليه عنوان الوليّ من خلال العنصرين المشار إليهما في الآية، فهي كرامة، وإلا فليست كرامة، بل ربما تكون استدراجاً؛ لأنّ المفروض أنّ الكرامة قد أُخذ في تعريفها صدورها من الوليّ الصالح. ويُنقل عن الشافعي قوله: «إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغترّوا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة».

هامش: المقال رداً على سؤال: ما هو تفسيركم للكرامات والعادات الخارقة التي تحدث لدى بعض الأشخاص مع عدم انتمائهم إلى الإسلام؟

2023/09/23
ما قصة مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.. مكروه أم مستحب؟!
النظر في النصوص الواردة بهذا الخصوص، وما جاء في كلمات الأعلام في المقام؛ يفضي إلى الفصل والتمييز بين أن يكون ذلك بعد القنوت في المفروضة، وبين غيرها. ودونك تفصيل الحالتين: أ‌-مسح الوجه باليدين بعد قنوت الفرائض:

المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً-لولا ما نقل عن الجعفي من استحباب ذلك- عدم استحبابه؛ لعدم ورود ما يدلّ على مطلوبيته واستحبابه في خصوص القنوت!.

بل ذهب غير واحد منهم إلى الحكم بكراهته في قنوت الفريضة.قال صاحب العروة في مكروهات القنوت: يكره أن يمرّ بهم(اليدين) على وجهه وصدره عند الوضع. ولم يعلّق عليه الأعلام إلا بضرورة تخصيص الكراهة بقنوت الفرائض وحسب. (انظر-المستمسك ج6،ص510).

وحجة القائلين بالكراهة مكاتبة الحميري، فروي أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) أجابه: ”ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه؛ غير جائز في الفرائض…".

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) تعليقاً عليه: قال الأكثر بعدم استحباب مسح الوجه بعده، وقال بعضهم باستحبابه مطلقاً، قال في المنتهى: هل يستحب أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل: نعم، ولم يثبت، وقال في الذكرى: ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره، قاله الجعفي، وهو مذهب بعض العامة انتهى. والأحوط تركه في المكتوبة؛ للرواية من غير معارض.(بحار الأنوار،ج82،ص199).

ب‌-مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

لم يرد في النصوص الشريفة ما يدلّ على رجحان مسح الوجه بعد قنوت الصلوات المندوبة بالخصوص، وإنّما جاء  ذلك بعد الدعاء مطلقاً، وهو باطلاقه شامل للقنوت في غير الفرائض.

روى الكليني رحمه الله تعالى بسنده عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: ما أبرز عبدٌ يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله (عزّ وجلّ) أن يردّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدُكم فلا يردّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.(الكافي ج2، باب أن من دعا استجيب له، ح2).

وطبقاً لهذه الرواية؛ أفتى جملة من الأعلام باستحباب مسح الوجه بعد القنوت في غير الفرائض حتى أنّ الحرّ العاملي (رحمه الله) قد عنون في الوسائل باباً باسم: (استحباب مسح الوجه والرأس والصدر باليدين عند الفراغ من الدعاء في غير الفريضة)، كما صرّح (رحمه الله) بذلك في تعليقه على خبر ابن القدّاح فقال: ذلك مخصوص بغير الدعاء في الفرائض. (وسائل الشيعة،ج7باب: 14).

قلتُ: لا يخفى أنّ الاستحباب مبني على قاعدة التسامح في أدلة السنن . أمّا من لم تثبت عنده القاعدة -كما هو الحال عند معظم المتأخرين من الفقهاء- فيؤتى بالمسح برجاء المطلوبيّة.

والخلاصة: إنّ مسح الوجه بعد الدعاء مكروه أو غير مستحب في خصوص قنوت الفريضة لا غير، ومستحبٌّ أو غير مكروه فيما عدا ذلك؛ لما روي من الحثّ عليه والترغيب فيه بعد الدعاء مطلقاً.

2023/07/03
هل التقليد مسألة جديدة؟!
سمعت أحد المحاضرين يُشكل ويعترض على مسألة التقليد في الفقه الشيعي، ويقول إنها مسألة جديدة، وأن أقدم كتاب جاء فيه مسائل عن الاجتهاد والتقليد هو كتاب العروة الوثقى، للسيد الطباطبائي اليزدي، المتوفى سنة 1337 هجرية، كما أن علماء الشيعة لم يكتبوا رسائل عملية سابقاً بهذه الكيفية، فكيف نفهم مسألة التقليد ضمن هذه الإشكاليات؟

الجواب: مع الأسف الشديد إن غالب من يشنّون حملاتهم ضد التقليد واتباع العلماء في مسائل الشرع المقدّس، لا ينطلقون في دعاواهم وإشكالاتهم من منطلقات علمية، وإنما:

أ - إما هي ردود فعل سلبية على تجارب ذاتية مرت على المستشكل، وهذا ليس بحثاً موضوعياً، لأن الواقع قد يُصاب بالخلل الجزئي، فلا ينبغي أن ينعكس على البحث العلمي.

ب - وإما أن تكون تلك الحملات، تابعة لحملات منظّمة، سواء يشعر بها صاحبها أم لم يشعر، وهدفها هو الهدف الاستعماري الكبير بفصل الدين عن واقع الحياة، ويأتي هذا الإشكال في كل حقبة زمنية بلباس جديد، ولهذا لا تجدهم يضعون بديلاً علمياً منضبطاً لتفعيل الدين في حياة الإنسان، فكيف ومن أين يأخذ الناس معالم دينهم وأحكام شرعهم؟

فالنتيجة التي سيخلص لها هذا التوجّه، هي تعطيل الدين وإبعاده عن الإنسان نفسه، لأن القادر على استنباط أحكامه هم الفقهاء، وإما يخلص إلى نتيجة أخرى، وهي اتباع أصحاب هذه الدعاوى في دعاواهم وفي فهمهم للدين، وهذا يعني أنهم يدعون إلى تقليد أنفسهم. فالتنبه إلى هذه الحقائق من شأنها أن تحرجهم، وتبصّر المؤمنين بحقيقة التقليد وارتباطه بروح الدين.

وبخصوص التساؤل المطروح، نود أن نشير إلى إشارات سريعة لعدة جوانب، نأمل أن يُفهم منها الإجابة الواضحة، ويفهم منها خواء المستشكل وعدم اضطلاعه العلمي وتتبعه التاريخي.

1- كان الناس في عصر الأئمة (عليهم السلام) يلجأون إليهم في مسائلهم الشرعية، وبالرغم من وجودهم الشريف، إلا أنهم أشاروا إلى مجموعة من أصحابهم ممن تتوفّر فيهم الفقاهة، وأرجعوا الناس إليهم، ليأخذوا عنهم معالم دينهم عندما لا يتمكنون من الوصول إلى أهل البيت (عليهم السلام)، بسبب بُعد المسافات وصعوبة الأسفار. فقد وجّه الإمام الرضا (عليه السلام) الناس إلى أن يأخذوا معالم دينهم من زكريا ابن آدم على سبيل المثال، وقال (زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا). وغيره الكثير ممن فُسح المجال لهم لكي يفتوا الناس، مثل أبان بن تغلب الذي أمره الإمام الباقر (عليه السلام) أن يجلس في مجلس المدينة ليفتي الناس.

ويُفهم من ذلك أن حقيقة رجوع غير العالم إلى العالم العارف المستنبط لأحكام الدين، هي حقيقة عقلية ثابتة، وحقيقة دينية، وحقيقة عملية قائمة حتى في زمن أهل البيت (عليهم السلام).

2- في عصر الغيبة الكبرى، توجّه علماء الشيعة إلى تدوين المسائل الشرعية التي يحتاجها الناس، لتكون ملجأً لعامة الناس في عصر غيبة الإمام المعصوم، إلا أن ما ينبغي معرفته، هو أن عرض الأحكام الشرعية للناس أخذ عدة أطوار، وكان سبب الاختلاف في العرض، هو إما منهج المؤلّف، وإما متطلبات العصر ومقتضياته.

فلقد كانت في القرون الأولى من الغيبة الصغرى إلى بدايات الغيبة الكبرى وما بعدها من القرون الأولى، الكثير من الكتب الفقهية التي هي بمثابة رسائل عملية، ولكن كل منها له خصائصه ومنهجه، مثل (المستمسك بحبل آل الرسول في الفقه) لابن عقيل، وبعده ابن الجنيد الذي توفي سنة 381 هجرية، له كتاب (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة)، والشيخ الصدوق له كتاب (المقنع والهداية)، والشيخ المفيد له كتاب (المقنعة) والسيد المرتضى والشيخ الطوسي الذي تنوّع في عرض الأحكام الفقهية، فقد كتب (النهاية) في الفتاوى، و(المبسوط) في فروع الفقه وقواعده، وكتب (الخلاف) الذي عرض فيه الفقه الجعفري مع فقه سائر المذاهب الإسلامية، واستمرت الكتب الفقهية في الصدور مع تنوعها، ومن أشهرها كتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي، الذي كان في صورة مسائل فقهية بحسب الأبواب المتعارفة، ثم جاءت الموسوعات الاستدلالية في شرحه كـ (المسالك)، و(المدارك)، و(الجواهر) وغيرها.

فكما نرى أن الكتب الفقهية التي كانت تمثل اجتهادات أصحابها الفقهاء، لم تنقطع عن الصدور، فكان الناس يرجعون إليها مباشرة أو عن طريق العلماء الذين يمتلكونها، وبهذه الطريقة أخذ التقليد ـ الذي هو العمل بالأحكام الشرعية التي يبينها الفقهاء ـ مداه في الواقع الشيعي، ففي بعض الأزمان كان للطائفة عَلَم من أعلامها، له الشهرة وإليه يتوجه الناس بالسؤال من سائر البلدان، وحيناً يتعدد الفقهاء في بلدان مختلفة، بل حتى في المكان الواحد، وكان الناس يرتبطون بأحد الفقهاء بحيث يتوجهون إليه بالأسئلة ويطرحون عليه الاستفتاءات، ولهذا نجد أن هناك الكثير من الكتب الفقهية هي عبارة عن مسائل لأهل بعض البلاد، ثم تُسمّى الرسالة باسمهم أو باسم العالم الذي قدمها أو باسم موضوعها.

3- لابد أن نلتفت أيضاً إلى جنبة مهمة، وهي أن الكتب الفقهية لها سيرورة تطور في عرض الموضوعات، فمبحث التقليد والاجتهاد كان يُبحث في العقائد والكلام، ثم في علم الأصول، ثم جرّده السيد اليزدي ووضع مسائله العملية في كتاب العروة الوثقى، وليس هو أول من أسّس كتاب الاجتهاد والتقليد في الفقه، ولكنه وضع ما ينبغي معرفته والتأكيد عليه فيما يخص المكلّف بالأحكام الشرعية، خصوصاً مع تعدّد الفقهاء والمراجع.

ونحن نلاحظ حتى في هذا الزمان، أن بعض العلماء يبحث كتاب الاجتهاد والتقليد في الدرس الأصولي وليس الفقهي، لأن موضوعاته الأساسية تناسب المقام الأصولي، لارتباطها بالمجتهد، وأساس الرجوع إليه، وشروطه، ومدى ولايته وسلطته الشرعية. بل إن البحث في كتاب الاجتهاد والتقليد هو بحث ذو أبعاد متعددة، مثل (العقيدة، الأصول، الفقه، الواقع).

فكلما تقدّم الزمان تتجدد معه بعض العناوين وتنبثق بعض الحاجات، التي يلح على الفقيه بحثها من جهة شرعية عملية في صيغة فتوى، فتتولد عناوين جديدة في الكتب الفقهية، وقد يكون بعضها مبحوث بعناوين أخرى، مثل البنوك، والتعاقدات الجديدة في التجارة، ومثل عنوان الأسرة والطب والهجرة والزيارة وغيرها. فإن عدم وجود العنوان في الكتب في الفقهية القديمة ليس دليلاً على عدم شرعيته. كما أن وجوده فيما بعد هو دليل على مستجدات الحاجة وإلحاح الواقع، استجابة من الفقه وحيويته لمتطلبات الحياة الجديدة.

2023/05/21
ليت السياط على رؤوسهم.. هل هدد الإمام الصادق (ع) أصحابه؟!
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقَّهوا في الحلال والحرام"([1]).

[اشترك]

كما هو معروف بأنَّ الإنسان إذا أراد من خطابه أن يكون ذا أثرٍ في النفوس والقلوب فإن يستخدم المفردات التي يتأثر منها الطرف المقابل ويبتعد عن أسلوب الغضب والتهديد والقوة.

فما غاية الإمام (ع) من قوله هذا الذي يحمل في ظاهره نوعا من الشدة وبالذات بأن الخطاب موجَّه لأصحابه وليس لعوام الناس ونحن نقرأ في سيرتهم المباركة مدى حرصهم على الرفق والمداراة مع الجميع وبالأخص الأصحاب.

الجواب من سماحة الشيخ محمد الصنقور:

أولًا: ليس المراد من أصحابه في الرواية هم خصوص تلامذته وخواصِّه والملازمين له المعروفين بالحرص على التفقُّه في الدين وتحرِّي العلم بالحلال والحرام بل المراد من عنوان أصحابه هم عامَّة شيعته، فإنَّ هذا العنوان يُستعمل في الروايات ويُراد منه الشيعة الجعفرية المنتسبين لمذهب أهل البيت (ع)، ويتَّضح ذلك من ملاحظة مثل صحيحة زيد الشحَّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: "يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صلُّوا في مساجدهم، وعُودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإنْ استطعتم أنْ تكونوا الأئمة والمؤذِّنين فافعلوا، فإنَّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريَّة، رحم اللهُ جعفرًا ما كان أحسن ما يؤدِّبُ أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريَّة، فعل اللهُ بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدِّب أصحابَه"([2]).

فالخطاب موجَّه لعموم الشيعة الجعفريَّة وقد وصفَهم (ع) بأصحابه.

ثانيًا: ليس المقصودُ من الرواية الشريفة التهديد والوعيد بإيقاع العذاب بالسياط على مَن لم يتفقَّه في الحلال والحرام وإنَّما هو اسلوبٌ يُراد منه التعبير عن شدَّة أهميَّة التفقُّه في الدين، فكأنَّ الإمام (ع) أراد القول إنَّ التفقُّه في الحلال والحرام من الأهميَّة بحيث لو دُفع الشيعة إليه بالضرب بالسياط لكان مبرَّرًا، فهذه الغاية وهي التفقُّه تستحقُّ الدفع إليها ولو من طريق الشدَّة نظرًا لأهميتها القصوى.

فمفادُ الرواية هو مفاد قولنا ليتني أشقى ليسعد أبنائي أو ليتني أخسرُ صحَّتي وشبابي في سبيل أنْ يَنعَمَ أولادي، فمفادُ هذا القول هو أنَّ السعيَ لإسعاد الأولاد يستحقُّ التضحية من الأب بصحَّته وشبابه. فهو يُريد بهذا القول التعبير عن شدَّة اهتمامه بسعادة أولاده. كذلك الإمام (ع) أراد من قوله المذكور التعبيرَ عن شدَّة اهتمامه بتفقه شيعته في الحلال والحرام وأنَّه حريص على الوصول إلى هذه الغاية.

ثالثا: لو سلَّمنا أنَّ الرواية اعتمدت أسلوب الشدَّة في الحثِّ على التفقُّه في الدين فإنَّه يكون من التنويع في أساليب التأديب والتربية، فقد يكون التشديد هو المناسب لبعض الحالات ولبعض الأصناف من الناس، ويكون التحفيز هو المناسب لبعض الحالات ولبعض الأصناف من الناس، ولذلك نجدُ القرآن الكريم قد اعتمد كلا الاسلوبين، فتارةً يُخاطبُ المؤمنين بالتوبيخ والوعيد كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([3]).

وتارةً يُخاطبُ المؤمنين بالتحفيز والوعد بالرحمة والبصيرة والمغفرة كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([4]).

كذلك هو الشأنُ فيما يعتمدُه أهل البيت (ع) في مقام التأديب والتربية لشيعتهم ففي الوقت الذي يُخاطب الإمام (ع) شيعته بقوله: "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقَّهوا في الحلال والحرام"([5]).

يُخاطبهم في موضعٍ آخر بقوله: "سارعوا في طلب العلم فو الذي نفسي بيده، لحديثٌ واحد في حلالٍ وحرام تأخذُه عن صادقٍ خيرٌ من الدنيا وما حملتْ من ذهبٍ وفضة"([6]).

وقوله (عليه السلام): "والله لحديث تعيه من صادقٍ في حلالٍ وحرام خيرٌ لك ممّا طلعتْ عليه شمس إلى أنْ تغرب"([7]).

فالتنويعُ في الأساليب من قِبَل المربِّي والمزاوجة بين الشدَّة واللِّين والتوبيخ والتحفيز والوعد والوعيد -بحسب مقتضيات الأحوال وتفاوت الناس في المزاج والاستعداد الذهنيِّ والنفسي- هي الوسيلة الناجعة والمفضية إلى التكامل المنشود.

الهوامش: [1]- المحاسن -البرقي- ج1 / ص229. [2]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص383. [3]- سورة التوبة / 38-39. [4]- سورة الحديد / 28. [5]- المحاسن -البرقي- ج1 / 229. [6]- مستطرفات السرائر -ابن ادريس الحلِّي- ص284. [7]- مستطرفات السرائر -ابن ادريس الحلِّي- ص284.
2023/05/16
التقيّة المداراتية.. إخفاء للعقيدة أم دعوة للتعايش السلمي؟
التقية المداراتية مصطلح فقهي لدى فقهاء الشيعة، و يراد بهذا المصطلح الالتزام بمبدأ احترام عقائد و فقه سائر الطوائف الإسلامية و المسايرة معهم في ما يمكن حفاظاً على الوحدة الإسلامية و تجنباً عن الخلافات التي تسبب تشتت صفوف المسلمين في المجتمعات التي تتعدد فيه الطوائف و المذاهب ، رغم وجود اختلاف في الفروع و بعض الاحكام ، كل ذلك من أجل المصالح الرئيسية و العامة التي أمر أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم بالالتزام بها و إن لم يكن في تركها خطر عليهم .

[اشترك]

والتقية المداراتية أسلوب عقلي و شرعي و من مقومات التعايش السلمي المتحضِّر مع سائر الطوائف بل و سائر الاديان ، حيث تحتفظ كل طائفة على عقائدها و أحكامها الشرعية دون التنازل عنها في الأصول ، و تكون فرصة التحاور الفكري موجودة بين الاطراف المختلفة من دون حساسيات طائفية تُثير البغضاء و العداوة و تسبب الخلافات التي لا تحمد عقباها .  فقد رَوَى زَيْدٌ الشَّحَّامُ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : " يَا زَيْدُ خَالِقُوا النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ ، صَلُّوا فِي‏ مَسَاجِدِهِمْ‏ ، وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا الْأَئِمَّةَ وَ الْمُؤَذِّنِينَ فَافْعَلُوا ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ رَحِمَ اللَّهُ جَعْفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ ، وَ إِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ فَعَلَ اللَّهُ بِجَعْفَرٍ  مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ " 1.  

فالتقية المداراتية ليست إخفاءً للعقائد و الاحكام الشرعية كما يحاول البعض تصوير ذلك، و إنما هي دعوة إلى التعايش السلمي والمتحضر مع احترام افكار و عقائد الأطراف الأخرى حفاظاً على المصالح العامة للمسلمين، و حفاظاً على الوحدة الإسلامية .

الهوامش:  1. من لا يحضره الفقيه : 1 / 838 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
2023/05/07
ما حقيقة خروج العسل من بطن النحل.. هل أخطأ القرآن؟!
يزعم أحدهم أن خطأ علمياً وقع في القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ)، ثم يتساءل هل يخرج العسل من بطون النحل؟ ثم يجيب عن نفسه: لا، فالعاملات فقط من النحل تجمع "النكتار" ( 20% منه عسل ) داخل بطن النحلة ضمن معدة خاصة تسمى معدة العسل و يمر عبر معي عاملات النحل ليخرج من فمها وبعد أن تضع العاملات نكتار العسل داخل الخلايا الشمعية ثم تقوم بتجفيفه ليصبح عسلاً صافي.

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ معتصم السيد أحمد:

تشير الآية الشريفة إلى عملية تخزين النكتار داخل بطون النحل، ومن ثم استخلاصه وتحويله إلى عسل داخل الخلية، ولا يتعارض هذا الوصف مع المعرفة الحديثة عن عملية إنتاج العسل، فالآية تتحدث عن خروج العسل من جوف النحلة، وإذا رجعنا للعلم الحديث في وصف عملية انتاج النحل للعسل لوجدنا مدى التطابق بينه وبين ما جاء في هذه الآية.

ففي البداية، يجمع النحل النكتار (وهو عصير الزهور الذي يحتوي على نسبة عالية من السكريات) من الأزهار باستخدام لسانها الطويل والمشقوق. ثم تحفظ النحلة النكتار المجموع في معدتها، والتي تتكون من عدة جيوب صغيرة تدعى معدة العسل.

عندما تعود النحلة إلى الخلية، تنقل النكتار المجموع إلى نحلة أخرى بواسطة القيء، وهذا النوع من التواصل الكيميائي يسمى "الرقص الدائري"، والذي يساعد النحل على توجيه بعضها البعض إلى مصادر الغذاء المجاورة.

بمجرد وصول النكتار إلى النحلة المستقبلة، يتم إضافة إنزيمات هامة من معدة النحلة إلى النكتار، وتحول السكريات الموجودة فيه إلى جلوكوز وفركتوز، مما يجعل النكتار أقل لزوجة وأكثر ملاءمة للتخزين.

ثم يتم وضع النكتار في خلايا الشمع، وتبدأ النحل في التحريك باستخدام أجنحتها، مما يساعد على تبخر الرطوبة الزائدة وتجفيف العسل. بعد ذلك، يتم سد خلية الشمع بشمع آخر وترك العسل لينضج، حيث يصبح لديه طعم مميز ورائحة ممتعة.

ومن ذلك يتضح أن العسل في مرحلة النكتار يخرج من بطن النحلة عبر القيء إلى جوف نحلة المستقبلة، والتي هي تقوم بدورها بإخراجه من معدتها إلى الخلية الشمعية بعد اضافة بعض الإنزيمات عليه، وفي المرحلة الأخيرة تقوم النحلة بتحريك اجنحتها لتجفيف العسل من الرطوبة، وعليه فإن العسل في كلا المرحلتين يخرج من بطن النحل.

2023/04/30
سؤال غريب: جهاز السكري ينكر وجود «آدم وحواء».. ما حقيقة ذلك؟!
السؤال: الكفار الذين اخترعوا جهازاً لقياس مستوى السكر والضغط في جسمك، وأنت تعتمد على ذلك الجهاز لتشخيص حالتك؛ هم أنفسهم اخترعوا جهازاً لقراءة بيانات الـ DNA وثبت بالدليل القاطع أنّ الإنسان تطوّر من كائنات سابقة، ولا يوجد آدم وحواء.

[اشترك]

الجواب: أولاً: لا يمكن تصنيف الأشخاص الذين اخترعوا أجهزة تقنية على أساس الكفر والايمان؛ وذلك لأن العلوم الطبيعية والتقنية لا ربط لها بالاعتقاد الشخصي للمخترع، فالإيمان لا يمنع الإنسان من الاختراع كما أن الكفر لا يجعل الإنسان مخترعاً.

ثانياً: يجب التأكيد على أن نظرية التطور لا تدعي أنها حقيقة مطلقة، وإنما هي نظرية تعتمد على بعض البيانات التي تتبنى مفهوم التغيّر التدريجي في الأنواع مع مرور الزمن.

ثالثاً: لا يمكن اعتبار جهاز قياس مستوى السكر أو الضغط مثالًا يقاس عليه نظرية لا يمكن اختبارها بالتجربة، فاعتمادنا على الأجهزة الطبية التي تأكدنا من صحتها بالتجربة لا يمكن مساواته بنظرية تفترض أن أصل الحياة بدأت من كائن حي أحادي الخلية ثم تطور حتى أصبح إنساناً.

رابعاً: نظرية التطور نفسها خاضعة للتطور والتغيّر كلما استجدت بيانات جديدة، وهذا يعني أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من الأبحاث والدراسات لتطويرها وتحسينها.

وأخيراً، حتى لو افترضنا وصول نظرية التطور إلى مستوى الحقيقة العلمية القطعية فإن ذلك لا يتنافى مع صحة رجوع البشر الحاليين إلى آدم وحواء، ولذا نجد بعض المسلمين يتبنى نظرية التطور وفي نفس الوقت يتبنى ما جاء في القرآن من قصة آدم واحواء، فنظرية التطور لا تتعارض مع فكرة وجود الله أو الخلق، وإنما تشرح فقط كيفية تطور الأنواع عبر الزمن والعوامل المؤثرة في هذا التطور، وبحسب من يتبنى نظرية التطور من المسلمين فإن الله خلق آدم واحواء ضمن التسلسل الطبيعي للكائنات الحية، وبعيداً عن قبول ذلك أو رفضه فإن نظرية التطور وفحوصات DNA تثبت رجوع البشر الحاليين إلى رجل واحد وامرأة واحدة حصل بينهما تزاوج، حيث تشير الدلائل الجينية والأثرية إلى أن البشر الحاليين ينحدرون من نفس السلالة الوراثية، وهي ما يعرف باسم "آدم الوراثي" و"حواء الوراثية"، وهما يمثلان الأحداث الوراثية الأولى التي ورثها البشر الحاليون من أسلافهم المشتركين.

2023/04/27
لماذا نزل القرآن الكريم باللغة العربية لا بلغة أخرى؟!
القرآن كلام الله المنزل على صدر الرسول أمر معجز كما يقول المسلمون؟ كيف أثبت لغير العربي أن القرآن من عند الله؟ عن غير طريق الاعجاز اللغوي؟

[اشترك]

لقد أجبنا على سؤال مشابه من قبل ونختصر الإجابة هنا بالقول إن نزول القرآن بلسان عربي لا يعني أن حجيته مختصة بالعرب، فالحجة تدور حول الحقائق التي يحتويها النص، وليس حول اللغة التي يتم التعبير بها. وبالتالي، يعتبر القرآن خطاباً للإنسان بوصفه عاقلا، ولا يتعلق الأمر بلغة النص.

وإذا افترضنا نزول القرآن بلغة أخرى، لكانت حقائقه حجة على العرب كما هو حجة على غيرهم. ويعود الأمر في ذلك إلى طبيعة الحقائق العلمية والمعارف الإنسانية التي تعتبر عابرة للزمان والمكان واللغة، وعليه فإن نزول القرآن باللغة العربية لا يمنع الآخرين من فهم حقائقه ومعانيه، ويمكن للناس من جميع الثقافات واللغات أن يتعلموا ويستفيدوا من القرآن ويستوعبوا حقائقه ويحصلوا على الحجة العقلية التي تثبت صحته ودلالته على الحق. 

ومع ذلك، فإن هناك سؤال حول سبب نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها، والإجابة على ذلك ترتبط بمميزات اللغة العربية ومبحث البيان، وليس لها علاقة بمبحث الحجية، وقد بين علماء اللغة مميزات اللغة العربية وسر أفضليتها على جميع اللغات، وهو ما يفسر اختيار اللغة العربية لنزول القرآن بها.

ومن بين المميزات التي أوردها علماء اللغة العربية:

1- قدرتها على التعبير عن المعاني بشكل دقيق ومنمّق، حيث تحتوي على عدد كبير من الكلمات والتراكيب اللغوية التي تمكّن من التعبير بشكل دقيق عن الأفكار والمفاهيم المعقدة.

2- تميّزها بالنظام والتنظيم، حيث تعتمد اللغة العربية على نظام دقيق في بناء الجمل والعبارات وترتيب الكلمات، مما يجعلها تمتلك تنظيماً واضحاً وسلساً. 3- قوتها الشاعرية، فهي تمتلك قدرة كبيرة على الإيقاع والترتيل والتجانس الصوتي، مما يجعلها مناسبة للخطاب.   

وفي النهاية، فإن الإجابة على سؤال لماذا نزل القرآن بالعربية دون غيرها من اللغات، يرتبط بمميزات اللغة العربية التي جعلتها مناسبة لنقل الحقائق العلمية والدينية بشكل دقيق وواضح، وليس لها علاقة بمبحث الحجية والدلالة، ونزول القرآن باللغة العربية لا يمنع الآخرين من الوقوف على حقائقه ومعانيه، فكما أن اللغة اليونانية لم تمنع العرب من التعرف على الفلسفات اليونانية كذلك لغة القرآن لا تمنعهم من الوقوف على حقائقه، وخير دليل على ذلك واقع المسلمين اليوم حيث نجد نسبة غير العرب أكثر بكثير من نسبة العرب.

2023/04/27
صفة فريدة: ما سرّ تميّز «الشيعي» عن غيره؟
عن أبي عبد الله (ع): "ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه"(1). كيف نطبِّق هذه الرواية من الناحية العملية؟

[اشترك]

الظاهر أنَّ المراد من الرواية هو أنَّه لو كان أحد من المنتسبين للشيعة في بلدٍ يسكنها غير الشيعة وكان في تلك البلد من هو أشدُّ منه ورعًا عن محارم الله تعالى فذلك الرجل لا يستحقُّ الانتساب إلى أهل البيت (ع) لأنَّ شرف الانتساب إلى أهل البيت (ع) لا يكون إلا مع التحلِّي بالورع الشديد.

فليس معنى الرواية أنَّ الرجل إذا كان قاطنًا في بلدٍ يقطنه الشيعة وكان فيه من الشيعة مَن هو أورع منه فهو غير مستحقٍّ للانتساب إلى أهل البيت (ع) لأنَّه بناءً على هذا الفهم لا يكون في كلِّ بلدٍ شيعي رجل مستحقَّاً للانتساب إلى أهل البيت (ع) إلا رجل واحد أو رجال قليلون متساوون في الأورعية. ويكون غيرهم حتى لو كانوا شديدي الورع ولكن بنسبة أقل من أولئك الرجال غير مستحقِّين لشرف الانتساب لأهل البيت (ع) وهذا المعنى غير مرادٍ قطعًا.

وعليه فمعنى الرواية هو أنَّ الشيعة يجب أن يكونوا متميِّزين عن سائر أبناء المسلمين بشدةِ الورع بحيث يكون أحدُهم إذا قِيس ورعه إلى ورع الآخرين من سائر المسلمين فإنَّ ورعه يتفوَّق على ورع من هو أكثرهم ورعًا.

ولو وُجد في المنتسبين للتشيع مَن لا ورع له أو كان في سائر الناس من غير الشيعة مَن هو أورع منه فهو ممَّن لا يستحق الانتساب إلى أهل البيت (ع) هذا هو مفاد الرواية ظاهرًا.

الهوامش: 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص245.
2023/04/23
ما هي أهداف عيد الفطر؟
العيدُ في اللّغةِ هَو ما عادَ إليكَ مِن شيءٍ في وقتٍ معلومٍ سواءٌ كانَ فرَحاً أو ترَحاً. وقالَ الخليلُ العيدُ كُلُّ يومٍ يَجمعُ النّاسَ لأنّهُم عادُوا إليهِ.. وقَد غلبتِ الحقيقةُ العُرفيّةُ على الحقيقةِ اللّغويّةِ فصارَ العيدُ إسماً ليومِ فرحٍ وسرورٍ وبهجةٍ.

[اشترك]

وكيفمَا كانَ، فقَد سنَّ الإسلامُ عيدَ الفطرِ وحرّمَ الصّومَ فيهِ حتَّى يشكُرَ المسلمونَ نعمةَ اللهِ عليهِم ويَفرحُوا بتوفيقِ اللهِ لهُم لطاعتهِ بصومِ شهرٍ كاملٍ تُغفَرُ فيهِ الذّنوبُ وتُرفعُ فيهِ الدّرجاتُ، فالنِّعَمُ والتّوفيقُ للطّاعاتِ تدومُ بالشّكرِ، ويَستعدُّوا في الوقتِ نفسِهِ لصالحِ الأعمالِ في القادمِ مِن أيّامِهِم .. جاءَ عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السّلامُ)، قالَ: خطبَ أميرُ المُؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ (عليهِ السّلامُ) يومَ الفطرِ فقالَ: أيّها النّاسُ! إنَّ يومَكُم هذا يومٌ يُثابُ فيهِ المُحسنونَ ويَخسرُ فيهِ المُبطلونَ، وهوَ أشبهُ بيومِ قيامِكُم، فاذكرُوا بخروجِكُم مِن منازلِكُم إلى مُصلّاكُم خروجَكُم مِنَ الأجداثِ إلى ربّكُم، واذكرُوا بوقوفِكُم في مُصلّاكُم وقوفَكُم بينَ يدَي ربّكُم، واذكرُوا برجوعِكُم إلى منازلِكُم رجوعَكُم إلى منازلِكُم في الجنّةِ!

عبادَ اللهِ! إنَّ أدنَى ما للصّائمينَ والصّائماتِ أن يُنادِيَهم مَلكٌ في آخرِ يومٍ مِن شهرِ رمضانَ: أبشِرُوا عبادَ اللهِ، فقَد غُفِرَ لكُم ما سلفَ مِن ذنوبِكُم فانظُرُوا كيفَ تكونونَ فيمَا تستأنفونَ! [ ميزانُ الحكمةِ 3: 2197]

2023/04/23
هل زيارة الإمام الحسين (ع) واجبة أم مستحبة؟
كامل الزيارات لابن قولويه: ص٢٣٦، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع)، قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإن إتيانه مفترَض على كل مؤمن يُقِرُّ للحسين (ع) بالإمامة من الله (عز وجل)». هل الافتراض هنا مثل: الصلاة والصوم؟ أم له معنى آخر؟

[اشترك]

أولاً: هذه الرواية أخرجها ابن قولويه في الكامل: ب٤٣ ص٢٣٦ ح٣٥١-١، بسند موثق. ومن طريقه رواها: المفيد في المزار: ب٩ ص٢٦ ح١، والمشهدي في المزار: ق٤ ب٣ ص٣٤٠ ح٢، باللفظ الذي في السؤال.

وأخرجها الصدوق في الفقيه: ج٢ ص٥٨٢ ح٣١٧٧، والأمالي: م٢٩ ص٢٠٦ ح٢٢٦-١٠، بسند موثق، ولفظ آخر، عن الإمام الباقر (ع) قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي (ع)، فإن زيارته تدفع الهَدْمَ والغَرَقَ والحَرْقَ وأكْلَ السَّبُع، وزيارته مفترَضة على من أقرَّ للحسين بالإمامة من الله (عز وجل)».

وأخرجها ابن قولويه في الكامل: ب٦١ ص٢٨٤ ح٤٥٦-١، بسند صحيح، ولفظ آخر، عن الإمام الباقر (ع) قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإن إتيانه يزيد في الرزق، ويمدُّ في العمر، ويدفع مدافع السُّوء، وإتيانه مفترَض على كل مؤمن يُقِرُّ للحسين بالإمامة من الله». وأخرجها الطوسي في التهذيب: ج٦ ب١٦ ص٤٢ ح٨٦-١، بسند موثق.

النتيجة: هذه الرواية معتبرة بكافة صياغاتها.

ثانياً: أجمع علماء الشيعة قاطبة ـ قديماً وحديثاً ـ على أن زيارة الإمام الحسين (ع) مطلوبة شرعاً قطعاً.

بدليل: الروايات المتواترة الحاثة على زيارته (ع)، واستمرار واستقرار سيرة الشيعة على زيارته (ع) من زمن الأئمة (ع).

ولكن وقع النقاش بينهم في تحديد هذه المطلوبية:

• هل هي بمستوى الاستحباب؟

• أو هي بمستوى الوجوب؟

والوجوب: هل هو ..

• عيني: بمعنى أنه يجب على جميع المؤمنين؟

• أو كفائي: أي إذا فعله البعض سقط عن الكل؟

لكل رأي ذهب جماعة من علماء الشيعة ..

١- فممَّن ذهب إلى وجوب زيارته (ع) عيناً:

• ابن قولويه في الكامل: ب٤٣ ص٢٣٦.

• والمفيد في المزار: ب٩ ص٢٦، وب١٠ ص٢٨. وقال: «قد جاءتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضل زيارته (ع) بل في وجوبها»، الإرشاد: ج٢ ص١٣٣.

• والمشهدي في المزار: ق٤ ب٣ ص٣٣٩.

• وابن حاتم الشامي في الدُّر النظيم: ص٥٧٢، وقال بمثل عبارة المفيد المتقدمة.

• والإربلي في كشف الغمة: ج٢ ص٢٥١، ونقل نفس عبارة المفيد المتقدمة.

• والمجلسي ووالده، قال في البحار: ج١٠١ ص١٠ ح٣٧، «اعلم، أن ظاهر أكثر أخبار هذا الباب، وكثير من أخبار الأبواب الآتية: وجوب زيارته (صلوات الله عليه)، بل كونها من أعظم الفرائض وآكدها، ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرَّة مع القدرة. وإليه كان يميل الوالد العلاَّمة (نوَّر الله ضريحه)». والبحار: ج١٠١ ب١ ص١، وتحفة الزائر: ب٥ ف١ ص٢١٤.

• وآل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٤، قال: «تجب زيارة الحسين (ع) على الرجال والنساء، من القادرين على ذلك».

• والطباطبائي في رياض المسائل: ج٧ ص١٦٧، قال: «النصوص الواردة في فضل زيارتهم (ع) أكثر من أن تُحصى. وتتأكد في الحسين (ع)، بل ورد: أن زيارته فرض على كل مؤمن .. إلخ».

• والعفكاوي في أبواب الجنان: ب٤ ف٢ ص٢٥٠.

• والمروِّج الجزائري في منتهى الدراية: ج٦ ص٦٣٧، قال: «أما النصوص الدالة على رجحان الزيارة ـ بل وجوبها ـ فكثيرة، [إلى أن قال:] بل يستفاد من بعض النصوص: وجوب زيارة سائر الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أيضاً .. إلخ».

• والاصطهباناتي في نور العين: ب٢ ص١٧-٢٠.

• والقرشي في زيارات الإمام الحسين (ع) نصرٌ للإسلام: ص٥٩-٦٠، قال: «صرَّحت طائفة من الأحاديث: بأن زيارة سيِّد الشهداء (ع) فرض من الله (تعالى)، ألزم بها عباده، [إلى أن قال:] إن زيارة ريحانة الرسول، وسيِّد شباب أهل الجنة، فرض من الله (تعالى)، وواجب على عباده. وذلك لعظيم ما قدَّمه الإمام (ع) من التضحيات، التي لم يُقدِّمها أحد من أولياء الله (تعالى) في سبيل دينه».

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون وجوب زيارته (ع) وجوباً عينياً.

٢- وممَّن ذهب إلى وجوب زيارته (ع) كفاية:

• الحُر العاملي في الوسائل: ج١٤ ب٣٧ ص٤٠٩، وج١٤ ب٤٤ ص٤٤٣. وقال: «تجب زيارة الحسين (ع) والأئمة (ع) كفاية، لما مَرَّ»، هداية الأمة: ج٥ ب٥ ص٤٨٠ م٧.

• والنوري في المستدرك: ج١٠ ب٢٦ ص٢٢٨.

• والسيستاني في استفتاءات: ص٤٠٨ م١٦١٠، قال: «رسول الله (ص) أفضل الخلق، فزيارته أيضاً أفضل الزيارات. إلا أنه قد يطرأ عنوان خاص على بعض الزيارات، يُكسبها فضيلة أخرى، بل ربما تبلغ حدَّ الوجوب الكفائي. ولعله كان كذلك في العهود السابقة، التي مُنِع فيها الناس عن زيارة سيِّد الشهداء (ع)».

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون وجوب زيارته (ع) وجوباً كفائياً.

٣- وممَّن ذهب إلى استحباب زيارته (ع) عيناً:

وهو الرأي المشهور بين جمهور علماء الشيعة، ويرون: أن الروايات التي تفيد الوجوب العيني أو الكفائي، مناقشة في ثبوتها أو في دلالتها. وأن غاية ما تثبته الأدلة هو استحباب زيارته (ع) استحباباً مؤكداً.

وحيث أن كلماتهم كثيرة جداً، سأقتصر على بعضها فقط:

 

• الحلي في تذكرة الفقهاء: ج٨ ص٤٥٣ م٧٧٠، قال: «تُستحب زيارة الحسين (ع)». ومنتهى المطلب: ج٢ ف٥ ص٨٩١.

• وكاشف الغطاء في الحق المبين: ص٤٧.

• والنجفي في جواهر الكلام: ج٢٠ ص٩٥، قال: «يُستحب زيارة الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) بن أمير المؤمنين (ع) سيِّد شباب أهل الجنة».

ونقل الرأي المشهور جماعة من العلماء:

• قال المجلسي في تحفة الزائر: ب٥ ف١ ص٢٢١، «المشهور بين العلماء أنها سُنَّة مؤكدة».

• وقال آل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٤، «المشهور بين أصحابنا الاستحباب المؤكد».

• وقال العفكاوي في أبواب الجنان: ب٤ ف٢ ص٢٥٤، «المشهور أنها سُنَّة مؤكدة».

• وقال العراقي في الكنز المخفي: ص٤٣، «المشهور عندهم هو الاستحباب، وهو الأقوى». وقال: «وهذا النحو من الجَمْع، هو ما دعا المشهور إلى الافتاء بالاستحباب، كما هو الأقوى في نظرنا»، الكنز المخفي: ص٤٥.

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون استحباب زيارته (ع) استحباباً عينياً.

ثالثاً: يوجد نقاش طويل عريض بين علماء الشيعة في روايات زيارة الإمام الحسين (ع)، على مستوى دلالاتها، بعد اعترافهم بتواترها. ولذلك من الصعب جداً تحديد مفاد رواية واحدة بمعزل عن مفادات بقية الروايات. لأن البحث الفقهي يقتضي الجَمْع بينها ثم الاستنباط منها، وهذا لا يتيسَّر إلا للفقهاء المجتهدين.

نسأل الله أن يرزقنا زيارة الإمام الحسين (ع) في الدنيا، وشفاعته في الآخرة.

2023/04/02
هل أسس الشيخ المفيد مذهب الشيعة الإمامية؟!
هل صحيح ما يقال أنّ الشيخ المفيد هو الذي أسس مذهب الامامية بعقائدها الموجودة؟

[اشترك]

مذهب الأمامية هو اطروحة الإسلام، والذي أسسه هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت ع، فعقائد التشيع مذكورة في روايات أهل البيت ع، فلو أخذنا النص على الائمة وعددهم فهناك عشرات الروايات في هذا الشأن تبلغ حد التواتر، وقد جمعها بعض المصنفين في كتب خاصة، أما العصمة فيوجد حولها أكثر من ثمانين نصا، مما يفيد تواتر هذه العقيدة، وكذا الإمام المهدي ع فالروايات حوله وحول غيبته كثيرة جدا، تجاوزت حد التواتر.

إذا فهمنا هذه المقدمة يتبين لنا جهل أولئك الذين يزعمون تأسيس الشيخ المفيد للنهج الأمامي، نعم لكل مذهب رجاله البارزين، فهل نقول مثلا أن أبا الحسن الأشعري (ت 324هـ) هو مؤسس المذهب الأشعري السني؟ لا شك أن الأشاعرة سيرفضون هذا الزعم.

 لقد أتيحت الفرصة للشيخ المفيد، فقام بصياغة أحاديث أهل البيت ع بلغة كلامية تناسب عصره، وقبله سبقه متكلمو الأمامية أمثال: هشام بن الحكم ومؤمن الطاق وعلي بن اسماعيل التمار ...

ومن رجالات القرن الثالث الهجري: بنو نوبخت أمثال الحسن بن موسى وإسماعيل بن أبي سهل والناشئ الصغير تلميذ إسماعيل المذكور، وأبو عيسى الوراق وابن قبة الرازي.

هؤلاء وغيرهم لهم مؤلفات كثيرة في الإمامة وسائر المسائل العقائدية اعتمدوا فيها على القرآن الكريم وعلى روايات أهل بيت العصمة ع، وكمثال يبين اعتماد الشيخ المفيد على من سبقه، قوله رحمه الله في كتاب الإفصاح: (وفي هذه المسألة كلام كثير، قد سبق أصحابنا رحمهم الله إلى استقصائه، وصنف أبو عيسى محمد بن هارون الوراق كتاب مفردا في معناه سماه كتاب (السقيفة) يكون نحو مائتي ورقة، لم يترك لغيره زيادة عليه).

فهذا مثال يبين أخذ الشيخ عمن سبقه من أعلام الامامية، بل كان الشيخ المفيد كثيرا ما يقرأ كتب المتقدمين على تلاميذه كما في نصوص عديدة للشيخ النجاشي في فهرسته.

إن الذي يطالع كتب الشيخ يلحظ اعتماده الأساسي على القرآن الكريم وحديث المعصومين عليهم السلام، بهذا يتبين بعد هذه الشبهة عن الصواب.

2023/03/15
ما معنى ’ميتة الجاهليّة’؟!
ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله فيما رواه المسلمون أجمعون: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة وفي لفظ آخر: من مات بغير إمام.. وفي ثالث: من مات وليس في عنقه بيعة؛ مات ميتة جاهليّة.

[اشترك]

فما معنى ميتة الجاهليّة؟!

روى الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة:

- قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟

- قال: نعم.

- قلتُ: جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه؟

- قال: جاهلية كفر، ونفاق، وضلال.

(رواه الكليني، وإسناده صحيح: باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى..ح3)!

2023/03/12
تؤخّر الزواج والحمل.. ما حقيقة وجود ’التابعة’؟!
هل صحيح أن هناك ما يُسمى بالتابعة؟ وهل يوجد علاقة بين تأخُّر الحمل وما يسمَّى بالتابعة؟

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لم نجد فيما صحَّ عن النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) أنَّ تأخُّر الحمل وشبهه قد ينشأ عما يُسمى بالتابعة، نعم ذلك موجود في المورثات الشعبية وقد تسرَّب لها من تراث العصر الجاهلي، وكذلك من كلمات وإملاءات السحرة والمشعوذين، ونَسب بعضُهم ذلك للنبيِّ (ص) زوراً وافتراء، وادَّعوا أنَّ التابعة نوعٌ من نساء الجنِّ ليس لهنَّ من غاية سوى إيذاء نساء الإنس، وذلك إمَّا بعمل ما يمنعهنَّ من الزواج أو الحمل أو بعملِ ما يُوجب إجهاض الحوامل، وكذلك فهنَّ يعملن على إيذاء الاطفال والذي قد ينتهي بهم إلى الموت أو الإصابة بالفزع أو الخبل أو الصرع أو الإصابة ببعض الامراض العضوية.

وكلُّ هذه الدعاوى ليس لها أساس شرعيٌّ ولا منطقي بل هي من تسويلات السحرة والمشعوذين ليأكلوا أموال الناس بالباطل تحت ذريعة المعالجة أو الوقاية من أثر ما يُسمَّى بالتابعة والتي لا تعدو كونها من الاساطير المختلقَة.

قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (1) فكلُّ مَن تأخَّر زواجُها أو حملُها أو اُصيب ولدها بسوء فتلجأ إلى الله تعالى فانَّه قريبٌ يُجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ولْتعتمِدْ الطريق الذي أمر الرسولُ (ص) وأهلُ بيته (ع) به وهو-مضافاً إلى الدعاء-الرجوع إلى أهل الاختصاص من الاطباء.

ثم إنْ عُوفيت وعوفيَ ولدها فذلك من فضل الله تعالى وإلا فلْتصبر فإنَّ لله في خلقه شؤونا، وهو يُجزي على الصبر والاحتساب أحسن الجزاء.

قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ / أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (2).

الهوامش: 1- سورة يونس / 107. 2- سورة الشورى / 49-50.
2023/02/11
لماذا نعبد الله؟!
دواعي العبادة لله سبحانه.. العبادة فعل اختياري للإنسان لا بدّ لصدوره من الإنسان من داعٍ وباعثٍ فما هو الداعي الصحيح لها؟

[اشترك]

الجواب: العبادة فعل اختياري للإنسان لا بدّ من وجود داع إليه ويمكن أن يكون الباعث أحد الأُمور الثلاثة التالية :

١ و ٢ ـ الطمع في إنعامه والخوف من عقابه

وهذا هو الداعي العام في غالب الناس وقد أُشير إليهما في مجموعة من الآيات :

قال سبحانه : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (السجدة / ١٦) وقال عزّ من قائل :

(وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف / ٥٦).

وقال عزّ من قائل : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (الإسراء / ٥٧).

ومع هذه النصوص الرائعة الصريحة في تجويز عبادة الله بهذين الداعيين ، نرى أنّ بعض المتكلّمين يرفضون هذا النوع من الداعي ، ويُصرّون على لزوم خلوص العبادة من أيّ داع نفساني من غير فرق بين الطمع في رحمته ، أو الخوف من ناره ويبطلون العبادة إذا كانت ناشئة عن هذين المبدأين.

لا شكّ أنّ العبادة لأجل كمال المعبود وجماله من أفضل العبادات ، ولكنّها غاية لا يصل إليها إلّا من ارتاض في ميدان العبادة حتى ينسى نفسه ولا يرى إلّا معبوده ، وأين تلك الأُمنية من متناول أغلبية الناس الذين تهمهم أنفسهم لا غير ، وإن أطاعوه فلأجل الخوف.

وإليك حديثين رائعين عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار. (١)

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : العبادة ثلاثة ، قوم عبدوا الله عزوجل خوفاً فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأُجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبّاً له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة. (٢)

٣ ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة

أن يعبد الله بما أنّه أهل لأن يُعبد ، لكونه جامعاً لصفات الكمال والجمال ، وهذا النوع من الداعي يختص بالمخلصين من عباده الّذين لا يرون لأنفسهم إنّية ، ولا لذواتهم أمام خالقهم شخصية ، اندكت أنفسهم في ذات الله فلا ينظرون إلى شيء إلّا ويرون الله قبله ومعه وبعده ، فهم المخلَصون الّذين لا يطمع الشيطان في إغوائهم قال سبحانه حاكياً عن إبليس : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (الحجر / ١٩ ـ ٤٠) قال سيد الموحدين علي عليه‌السلام : «ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتُك. (٣)

الهوامش: (١) نهج البلاغة ، قسم الحكم برقم ٢٣٧. (٢) الحر العاملي : وسائل الشيعة ج ١ / ٤٤ ، ب ٨ من أبواب المقدمة ، الحديث ٨. (٣) المجلسي : مرآة العقول ، ج ٨ ، ص ٨٩ : باب النيّة.
2023/01/02
هل للحيوانات أرواح كما في الإنسان؟
يمكن استفادة أنّ للحيوان روحاً من عدّة أدلةٍ شرعيةٍ:

[اشترك]

منها: ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)المائدة : 110 .

فالطير تُنفَخ فيه الروحُ فيكون طيراً بإذن الله كما نفخت الروح في آدم عليه السلام فكان بشراً سويّاً، والفرق بين النفختين أن نفخة الروح في آدم (عليه السلام) كانت في المرتبة العالية والشريفة من معنى الروح؛ لمحل النسبة في قوله تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) الحجر :29؛ إذ نسب هذه الروح إليه سبحانه مما يدلّ على شرافة هذه الروح وصفاتها العالية، خلاف الروحِ التي عند الحيوان فهي في مرتبةٍ أدنى من ذلك.

ومنها: ما ورد في "جامع أحاديث الشيعة" في باب تحريم تصوير تماثيل ذوات الأرواح، من الحديث الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (ثلاثة يعذَّبون يوم القيامة، من صوَّر صورةً من الحيوان يُعذَّبُ حتى ينْفَخَ فيها وليس بنافخٍ فيها) . انتهى [ جامع أحاديث الشيعة 17 : 222]

وأيضا ما ورد في " تفسير العياشي ": عن أبي بصير عن أحد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) قال: سألته عن قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ما الروح؟ قال: التي في الدوابِّ والناس. [ تفسير العياشي 2: 317]

ومنها: ما جاء في صحيح مسلم: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروحُ غرضا) [ صحيح مسلم 6: 73]

 وهو ما طبَّقه ابن عمر على جماعةٍ حين رآهُم اتخذوا طيراً رميَّةً لنبالهم فقال لهم : ( إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لعنَ من اتخذَ شيئاً فيه الروحُ غرضا ) [ صحيح مسلم 6: 73 ] ، فهنا نجد  ابن عمر قد طبَّق مفهوم الحديث السابق : ( شيئاً فيه الروح )  ، على  ( الطير ) ، وهو من تطبيق المفهوم العرفي على المصداق في الأحاديث ، مما يستفاد منه التسالم العرفي على المعنى المذكور .

وأيضا قد طبق العلماء مفهوم الروح على ما يجوز تصويره وما لا يجوز فتجدهم يفصلون في كتبهم الفقهية بين ماله روحٌ وما ليس له روحٌ، وأنّه يحرم تصوير ذوات الأرواح - ويقصدون بها الإنسان والحيوان - وعمل المجسَّمات لها دون ما ليس له روحٌ كالشجر.

هذا من حيث وجود الروح في الحيوان، أمّا من حيث جواز قتل الحيوانات المضرّة كالحشرات ونحوها فقد أجاز العلماء ذلك ولا أثم على الفاعل.

2022/12/29
هل تشمل آية التطهير علي الأكبر والعباس (ع)؟
نقد محاولة توسيع دائرة آية التطهير!.. ظهرت مؤخّراً محاولة في فهم آية التطهير تهدف إلى توسيع دائرتها لتشمل بعض المصاديق من خارج المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، من قبيل: الحوراء زينب، أو علي الأكبر، أو العباس عليهم السلام، إلا أنّ هذه المحاولة لا تبدو موفقة اطلاقاً؛ نظراً للنصوص القطيعّة التي حدّدتْ الآية تحديداً لا يقبل اللبس والتأويل.

[اشترك]

إنّ مجمل ما جاء من أحاديث متعلقة بآية التطهير على قسمين:

الأوّل- ما ورد في بيان سبب نزولها، وبيان مصاديق الآية المتحققة آنذاك، وهم الخمسة من أهل الكساء باعتبارهم الموجودين فعلاً في ظرف نزول الآية، فهذه الأحاديث قد جاءت على سبيل  القضية الخارجيّة، وتحت هذا القسم يدخل حديث الكساء المروي في كتب الفريقين، بل معظم ما جاء مروياً مما اجمعت عليه كتب الفريقين، وهو واضح لا يحتاج إلى شواهد!

الثانية- ما جاء بغرض بيان حقيقة الآية وتفسيرها الجامع، وعلى نحو القضيّة الحقيقية وذكر جميع مصاديقها، وللاستشهاد على هذا النحو دون الحصر: حديث المناشدة الصحيح لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، بل هو مشتمل على النحوين كما سيتبيّن أدناه، ومن نافلة القول: فإنّ حديث المناشدة قد ورد أصله في كتب العامة، كما رواه مسنداً جملة من المحدّثين الخاصّة كالشيخ الصدوق في كمال الدين، والنعماني في الغيبة وغيرهما.

1-فما جاء في صدر حديث المناشدة وقع على سبيل القضيّة الخارجيّة، وهو قوله:

يا أيّها الناس: أتعلمون أنّ الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرّكم تطيراً، فجمعني رسول الله وفاطمة والحسن والحسين في كساء ثم قال..!

 

2-وما جاء في تتمّته كان على سبيل القضيّة الحقيقيّة:

ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: اللهمّ هؤلاء أحبّتي، وعترتي، وثقلي وخاصّتي، وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت أمّ سلمة: وأنا؟ فقال صلى الله عليه وآله: وأنتِ إلى خير، وإنّما أُنزلتْ فيّ، وفي أخي عليّ، وفي ابنتي فاطمة، وفي ابني الحسن والحسين، وفي تسعة من ولد الحسين خاصّة، ليس فيها معنا أحدٌ غيرنا.

فقوله صلى الله عليه وآله أنّها في الأربعة عشر- فضلاً عن أداة الحصر (إنّما)-: " خَاصَّةً لَيْسَ فِيهَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرُنَا" نصٌّ صريح في الحصر، لا يقبل التأويل..!

2022/12/02
هل بإمكان الإنسان رؤية الملائكة؟!
من حيث المبدأ والاساس لا يوجد مانع من أن يرى الإنسان الملائكة، غيرأن رؤيه الملائكة لا تتسنى لكل أحد، بل تحتاج الى طهارة قلبية وصفاء نفس تمكنه من ذلك وهذا ما لا يحصل إلا لبعض الأولياء والخاصة من الخلق.

[اشترك]

قال العلامة المجلسي: (وكذا أودع الله سبحانه حسا ضعيفا في البصر فإذا صرفه في مشتهيات نفسه ذهب الله بنوره و أعمى عين قلبه فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا، و إذا بذله في طاعة ربه نور الله عين قلبه و أعطى بصره نورا أعلى و أقوى فيه ينظر إلى الملكوت الأعلى و يتوسم في وجوه الخلق ما لا يعرف غيره، و يرى الملائكة الروحانيين كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، و قال تعالى:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (10/ 134).

وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن عمران بن حصين كان من الذين تكلمهم الملائكة حيث قال ما هذا لفظه: (وكان عمران بن حصين من فضلاء الصحابة وفقهائهم، يقول عنه أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى. قال محمد بن سيرين: أفضل من نزل البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين، وأبو بكرة. سكن عمران بن حصين البصرة، ومات بها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية. روى عنه جماعة من تابعي أهل البصرة والكوفة).  (الإستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 374).

قال الشيخ المفيد رحمه الله: (القول في رؤية المحتضر الملائكة والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأمير المؤمنين (ع)، وجائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله تعالى في شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) لاختلاف بين أجسامهما وأجسام الملائكة في التركيبات، وهذا مذهب جماعة من متكلمي الامامية ومن المعتزلة البلخي وجماعة من أهل بغداد. (أوائل المقالات- الشيخ المفيد (ص: 16) واما دفاع الملائكة عن الانسان في بعض المواقف، فهذا ثابت لخصوص انبياء الله تعالى دون غيرهم. قال تعالى: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ). (ال عمران/126).

2022/11/22
المرض الهدّام: هل نتأثر مادياً بـ «الحسد»؟
الجواب عن هذا السؤال سيتّضح بعد أنْ نعرف حقيقة الحسد، فنقول: إنّ معنى الحسد هو تمني زوال النعمة عن شخص ما مع تمني تحولها إليه أو مجرد سلبها منه، أو تمني أن تكون النعمة له دون غيره.[ينظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهانيّ، ولسان العرب لابن منظور، مادة حسد، وغيرهما].

[اشترك]

والحسد حالة نفسية وصفة سيئة ورذيلة خطيرة جداً وداء دوي، وصفة من صفات المنافقين، وليست من صفات المؤمنين، ولا بُدَّ لمن ابتلي بهذا المرض الهدام أن يعالج نفسه سريعاً قبل أن يخسر دنياه وآخرته.

وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: "... وَلَا تَتَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ‏ الْإِيمَانَ‏ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ الْيَابِسَ"[ قرب الإسناد للحميري: 29].

ثم إن الحسد لا يتوقف في الغالب عند حد معين بل يتنامى فيكون سبب لكثير من الرذائل و المعاصي كالحقد و الكذب والغيبة والمكر وغيرها وقد يوصل الحاسد إلى ارتكاب القتل كما حصل لقابيل نتيجة لحسده أخيه هابيل.

رُوِيَ عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام أنهُ قَالَ: "هَلَاكُ النَّاسِ فِي ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَ الْحِرْصِ وَ الْحَسَدِ، فَالْكِبْرُ هَلَاكُ الدِّينِ وَ بِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ، وَ الْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَ بِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ الْحَسَدُ رَائِدُ السُّوءِ وَ مِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ"[بحار الأنوار للمجلسيّ ج75/ص111].

ولخطورة الحسد و أثاره السيئة أمر الله عَزَّ و جَلَّ رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله أن يتعوذ من شر الحاسد لأن مقاصد الحاسد خطيرة، إذْ قال في سورة الفلق: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ).

أما الحسد بمعنى إصابة العين ونظرات الحاسد وتأثيراتها على المحسود فممّا لا شكّ فيه، إذْ يؤثر الحاسد في المحسود تأثيرًا نفسيًا أو معنويًا أو ماديًا.. مثل المرض، أو الموت، أو التلف… وما إلى ذلك من ضروب التأثير المادي. أعاذنا الله جميعاً منها. وبعض التأثيرات الماديّة كالمرض مثلاً يمكن تشخيصه خصوصاً إذا كان المحسود  مثلاً: في يوم من الأيام ليس فيه شيء، ولديه كل النشاط والهمّة، ولكنْ بعد ساعات قليلة أو يمرُّ عليه يوم آخر تنقلب حياته رأساً على عقب، فيشعر من تلقاء نفسه أنّه غير مرتاح ولديه تعب وإرهاق، فيذهب إلى الطبيب ويفحص نفسه فحصاً دقيقاً فيقول له الطبيب ليس فيك شيء، هذه مجرد وساوس وقلق نفسي، ولكنّ هذه الحالة تستمر معه، ولكنّه بعد ذلك بمجرد أنْ يتذكّر أنّه دخل إلى مكان معيّن فرأى شخصاً أو أشخاصاً ينظرون إليه بنظرة غريبة يشعر بها في وقتها أنّها نظرة حسد، وتشخيص هذه الحالة هو من يقدّرها من خلال ذلك اللقاء. بعد أنْ يتذكّرها بتفاصيلها وحيثياتها.

أما طرق الوقاية من الحسد، فلقد أرشدتنا إلى ذلك الروايات الوارد عن النبيّ (ص) وآله الأطهار، نذكر منها:

إنّ جبرئيل (عليه السلام) رقى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلمه هذه الرقية للعين: " بسم الله أرقيك، من كل عين حاسد، الله يشفيك" .[بحار الأنوار ج60/ص9].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا تهيأ أحدكم بهيئة تعجبه فليقرأ حين يخرج من بيته المعوذتين، فإنه لا يضره شيء بإذن الله تعالى.[طب الأئمة للسيد عبدالله شبر، ص226].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) من رأى شيئا يعجبه فقال: " الله الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" . لم يضره شيء. [بحار الأنوار ج92/ص135].

وعن الإمام الحسن (عليه السلام): أن دواء الإصابة بالعين أن يقرأ (( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا )). [بحار الأنوار ج110/ص305].

وأمّا طرق معالجة الحسد، فأيضاً أرشدتنا الأحاديث والروايات المأثورة عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام الى كيفية علاج الحسد، وها نحن نذكرها باختصار.

1- قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "إذا حسدت فاستغفر اللَّه". [ نهج الفصاحة: 416.].

2. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ:‏ "أَلَا إِنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ هُوَ الْحَسَدُ، لَيْسَ بِحَالِقِ الشَّعْرِ لَكِنَّهُ حَالِقُ الدِّينِ، وَ يُنْجِي‏ مِنْهُ‏ أَنْ يَكُفَّ الْإِنْسَانُ يَدَهُ، وَ يَخْزُنَ لِسَانَهُ، وَ لَا يَكُونَ ذَا غَمْزٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ". [ الأمالي للشيخ المفيد: 344].

3. ترك التطلع الى أحوال من حوله من الاقرباء والاصدقاء ومراقبتهم لتجنب إثارة الدوافع الكامنة في النفس نحو الحسد، فمن راقب الناس مات هماً.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: ابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما اتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك..."‏[ الكافي : 2 / 307].

4. القناعة بما رزقه الله تعالى والرضى بما قسمه له.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: "... إنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، و من يك كذلك فلست منه و ليس منّي"‏[ الكافي : 2 / 307].

5. العمل ضد ما تملي عليه النفس الامارة بالسوء من القيام بأعمال ضد المحسود، فبدلاً من ذلك فعلى من يريد اصلاح النفس و معالجة الحسد أن يتمنى للمحسود دوام النعمة و الخير و يقابله بالاحترام و الاحسان حتى تخمد نيران الحسد و يموت.

2022/11/02