هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة؟!

 

هل الاحتفال بمولد النبيّ (ص) بدعة كما يذهب إلى ذلك الوهابيّة؟

لا ينبغي الشكَّ ولا التردّد في أنّ الاحتفال بمولد النبي صلّى اللّه عليه وآله يُعدُّ من مظاهر حبِّ النبي الاَكرم (ص)، الذي حبّه وتكريمه وتعزيره أصل في الكتاب والسنّة، إذْ ليس الحب شيئاً يستقر في النفس من دون أن يكون له انعكاس خارجي على أعمال الاِنسان وتصرفاته، بل إنّ من خصائص الحب أن يظهر أثره على جسم الاِنسان وملامحه، وعلى قوله و فعله، بصورة مشهورة و ملموسة.

فحب اللّه تعالى ورسوله الأكرم (ص) لا ينفك عن اتّباع دينه والاستنان بسنّته، والاِتيان بأوامره والانتهاء عن نواهيه، ولا يعقل أبداً أن يكون المرء محباً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وسلّم أشدَّ الحب، ومع ذلك يخالفه فيما يبغضه ولا يرضيه، فمن ادّعى حباً في نفسه وخالفه في عمله فقد جمع بين شيئين متخالفين متضادين.

ولنعم ما روي عن الاِمام جعفر الصادق عليه السّلام في هذا الصدد موجهاً كلامه إلى مدّعي الحب الاِلهي كذباً:

تعصي الاِله وأنتَ تظهر حبَّه * هذا لعمري في الفعال بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته إنّ المحب لمن يحب مطيع. [ينظر: سفينة البحار، مادّة حب].

فإذا تمهّد ذلك، فقد آنَ الأوانُ أنْ نبيّنَ أنّ العلماء من الفرقين قد استدلوا على جواز الاحتفال بمولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ردّاً على الوهّابية، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدعة، ويمكن تقسيم الأدلّة التي استدلّوا بها على ذلك على قسمين، أحدهما: الأدلّة المستفادة من الكتاب العزيز، والآخر: الأدلّة المستفادة من السنّة الشريفة، وفيما يلي بيان ذلك على حسب ما يسع المقام.

فأمّا الأدلّة المستفادة من الكتاب العزيز، فكثيرة، إذْ منها:

1- قوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم : 5]، إذْ أفادت هذه الآية استحباب تذكّر الأيام العظيمة القدر في حياة البشر عموماً ومنهم المسلمون خصوصاً، ولا شك أنّ يوم مولد سيد الخلق (ص) هو من أحق الأيام وأولاها بالتذكّر والاحتفال والاهتمام.

2- قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : 58]. إذْ أفادت هذه الآية أنّ الباري عزّ وجلّ الله طلب منّا أنْ نفرح بالرحمة، ولـمّا كان النبيّ المختار (ص) رحمةً من عند الله تعالى، فإذنْ: يثبت أنّنا مأمورون على سبيل الإرشاد بالفرح بكلّ ما يتعلق بشأن الرسول (ص)، إذْ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107]. وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في الآية (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ)، قال: فضل الله العلم، ورحمته النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107] انتهى. ويمكن لنا أنْ نبيّن المستفاد من هذه الآية على شكل قياس منطقيٍّ من الشكل الأوّل: فنقول: 

الرسول الأكرم (ص) رحمةٌ من عند الله تعالى [مقدّمة صغرى].

وكلّ رحمةٍ من عند الله تعالى أُمرنا بالفرح بها [مقدّمة كبرى].

وبحذف الحدّ الأوسط من الطرفين ينتج: أنّ الرسول الأكرم (ص) أُمرنا بالفرح به، أي أنْ نفرح بكلِّ ما يتعلّق بشأنه من ولادته وما حصل فيها من أمور وأحداث معروفة وكيف كبر وكيف عاش مع ذكر كل مزاياه.

3- قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]. فإنّ الاحتفال بمولده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما هو إلاّ رفع لذكره، وإعلاء لمقامه.

4- قوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود : 120]. إذْ بيّنت هذه الآية أنّ الفائدة من قصص أنباء وأخبار الرسل 0عليهم السلام) فيه تثبيتٌ للفؤاد، ولـمّا كان رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الرسل، فمولده الشريف يشتمل على أنبائه صلى الله عليه وآله وسلم، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين، فهو - إذنْ - حثُّ على تكرار ذكر المولد والعناية به. وغيرها من الآيات التي تفيد ذلك.

وأمّا القسم الثاني من الأدلّة فهي بعض الروايات التي أفادت ذلك، والتي أهمّها: ما أخرجه مسلم في صحيحه (2/819) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال : ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي" .

وهذا الحديث أصل في الاحتفال والاهتمام بالمولد النبوي الشريف، إذ إنّه صلى الله عليه وآله وسلم، نصّ على أنّ يوم ولادته له ميزة على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع في تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإلهي معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبيّ (ص)، ووجوده بين أظهرنا، وهدايتنا لشريعته، مما تقرّه الأصول. ودعوى المخالف بضرورة الاقتصار على الصيام فقط، جاءت من جموده على ظاهر النصِّ، وتخصيص من دون مخصّص، إذْ كما أنّ صيام يوم الاثنين يُعدُّ من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر، فكذلك الاحتفال بمولده الشريف هو من هذا الباب.

2- كان الصحابة يتذاكرون في يوم من الأيّام بمناقب وسير الأنبياء، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86)، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) : عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر : آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجي الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر . وهو حديث قوي، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500).

3- احتج الشيخ ابن الجزري (الإمام في القراءات والمتوفى سنة 833ه) بخبر أبي لهب الذي رواه البخاري وغيره عندما فرح بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأعتق (ثويبة)، جاريته لتبشيرها له، فخفف الله عقابه وهو في جهنم؛ فأشار إلى أنه إذا كان هذا الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي -وهو في النار- بفرحه ليلة المولد؛ فما حال المسلم الموحد من أمته حين يسر بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته".

وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه : "مورد الصادي في مولد الهادي" : قد صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في مثل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنشد : إذا كان هذا كافرا جاء ذمه == وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الإثنين دائما يخفّف عنه بالسرور أحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا فإذا كان هذا الكافر الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فما بال الذي يحتفل بذلك .

وقد استدل الحافظ ابن حجر العسقلاني على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، كما في فتوى له نقلها الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" انظر الحاوي للفتاوي (1/196) . فقال ما نصه : "فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم" انتهى.

فإذا أصرّ الطرف المخالف على أنّ الاحتفال بمولده الشريف بدعةٌ، فنجيبه بأنّ ذلك نشأ من خلل في فهمه لمعنى البدعة، إذْ إنّ إمام المذهب الشافعي يقول: المحدثات من الأمور ضربان:

أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً. فهذه البدعة الضلالة.

والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة. (مناقب الشافعي للإمام البيهقي (1/ 468):

ولذلك استحسن عمل المولد جمهور الأئمة والعلماء وتبعهم سائر الإمة الإسلامية، إذْ ذكر ابن جبير الرحالة في كتابه المعروف رحلة ابن جبير (ص 114 - 115)، الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وإجماع أهل مكة المكرمة، إذْ جاء فيه: (يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي صلى الله عليه وآله ويدخله جميع الرجال للتبرّك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي صلى الله عليه وآله)، فالملاحظ هنا أنّ الاحتفال في شهر ربيع الأول في يوم مولد المصطفى صلى الله عليه وآله هو عمل المسلمين قبل قدوم ابن جبير إلى مكة والمدينة وكان يحتفل به أهل السنة في أرض الله المكرمة وما ذكر عن صاحب إربل الملك المظفر كان أول من اظهر الاحتفال بالمولد وتوسع فيه وقد دخل ابن جبير مكة في عام 16 شوال 579هـ ومكث أكثر من ثمانية أشهر وغادرها الخميس الثاني والعشرون من ذي الحجة 579هـ متوجهاً إلى المدينة المنورة كما هو مذكور في رحلته و مكث ابن جبير خمسة أيام فقط بالمدينة المنورة وغادرها ضحى يوم السبت الثامن من محرم 580هـ .

 2- وممّن احتفل بالولد الشريف المشرق الشيخ عمر المَلّا الموصلي وكذلك السلطان نور الدين زنكي من أهل السنة الذي كان من أخص محبيه، إذْ ذكر الحافظ أبو شامة في حوادث سنة 566 من كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (فصل قال العماد: وكان بالموصل رجل صالح يعرف بعمر الملاَّ، سمى بذلك لأنه كان يملأ تنانير الجص بأجرة يتقوَّت بها، وكل ما عليه من قميص ورداء، وكسوة وكساء، قد ملكه سواه واستعاره، فلا يملك ثوبه ولا إزاره. وكن له شئت فوهبه لأحد مريديه، وهو يتجر لنفسه فيه، فإذا جاءه ضيف قراه ذلك المريد. وكان ذا معرفة بأحكام القرآن والأحاديث النبوية. كان العلماء والفقهاء، والملوك والأمراء، يزورونه في زاويته، ويتبركون بهمته، ويتيمنَّون ببركته. وله كل سنة دعوة يحتفل بها في أيام مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضره فيها صاحب الموصل، ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحفل. وكان نور الدين من أخص محبيه يستشيرونه في حضوره، ويكاتبه في مصالح أموره) انتهى. وذكر ذلك أيضاً ابن كثير في حوادث نفس السنة من تاريخه.

وللحافظ السُّيوطيِّ رسالةٌ سماها حسنُ المقصِد في عملِ المولد بيّن فيها أن عملَ المولدِ منَ البدعِ الحسنةِ التي يُثاب عليها صاحبُها لما فيه منْ تعظيمِ قدرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبَيَّن السُّيوطيُّ أنّ أولَ مَن أحدثَ عملَ المولدِ الملكُ المظفرُ ملكُ إربل وكان منَ الملوكِ الأمجادِ والكبراءِ الأجوادِ وكانَ له آثارٌ حسنةٌ وهو الذي عمّر الجامعَ المظفريَّ بسَفْحِ قاسْيون. أي في حدود سنة (549هـ- 630هـ).

ولكنْ ورد في فتاوى الأزهر ج8 ص 255: عن المفتي الشيخ عطية صقر: أنّه كان يُحتفَل بالمولد بمصر فيما قبل سنة 488.

وقال ابنُ كثيرٍ في تاريخِه عن هذا الملك المظفّر كان يعملُ المولدَ الشريفَ في ربيعٍ الأول ويحتفلُ به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عالمًا عادِلاً رحمه اللهُ وأكرَمَ مثواه.

وقال ابنُ كثير وقد صنفَ له الشيخُ أبو الخطابِ بنُ دحية مجلدًا في المولد سماه التنويرُ في مولدِ البشيرِ النذير وقد طالتْ مدتُه في المُلك إلى أن ماتَ وهو محاصِرٌ للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمودَ السيرة والسريرة، ولم يَعترِضْ عليهِ في هذا الفعلِ في عصرِه ولا فيما بعدَه أحدٌ منَ العلماءِ المعتبرينَ بلْ وافقُوا على ذلكَ ومدَحُوه لما فيه من البركةِ والخيراتِ.

وذكر الشيخ أبو شامة (599 ـ 665 هـ) - وهو شيخ الحافظ النووي - في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث_ص23) ما نصه: (( ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور, فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين))، وكذلك الحافظ ابن الجوزي المتوفّى سنة 597، وكذلك العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي 559هـ-665. إذْ قال في هذا الصدد: (هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده) صدر الدين موهوب وهو العلامة موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري، الشافعي ( صدر الدين): من قضاة مصر. مولده بالجزيرة (بوطان) سنة (559هـ). قدم الشام وتفقه. وكان فقيها بارعا أصولياً أديباً. تفقه وبرع في المذاهب والأصول والنحو، ودرس وأفتى وتخرج به جماعة، وكان من الفضلاء الزمان. قدم الديار المصرية وولى بها القضاء دون القاهرة. وولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها. شذرات الذهب: 5/320-321 الإمام العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي 559هـ-665. قال: (هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده)، ويُعدُّ العلامة موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري، الشافعي من قضاة مصر. مولده بالجزيرة (بوطان) سنة (559هـ). قدم الشام وتفقه. وكان فقيها بارعا أصولياً أديباً. تفقه وبرع في المذاهب والأصول والنحو، ودرس وأفتى وتخرج به جماعة، وكان من فضلاء الزمان. قدم الديار المصرية وولى بها القضاء دون القاهرة. وولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها. (ينظر:شذرات الذهب: 5/320). وكذلك الحافظ العراقي (وهو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني) (725هـ- 808 هـ) له مولد باسم المورد الهني في المولد السني ذكره ضمن مؤلفاته قال الحافظ العراقي: إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة).

ولذا قال الحافظ السخاوي في فتاويه: «إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لازال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهـر عليهم من بركاته كل فضل عميم». نقلها عنه محمد بن يوسف الشامي في كتابه سبل الهدى والرشاد.

ومن هنا يتبيّن لك أنّ الاحتفال بالمولد الشريف قد استحسنه العلماء في مشارق الأرض ومغاربها كالحافظ ابن دحية والحافظ العراقي والحافظ العسقلاني والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي وغيرهم كثير، حتى علماء الأزهر كمفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد بخيت المطيعي وعلماء لبنان كمفتي بيروت الأسبق الشيخ مصطفى نجا. وعليه لا عبرة بكلام من أفتى بخلاف قول أهل العلم لأنه ليس كلام مجتهد، والعبرة إنما هي بما وافق كلام العلماء المعتبرين، والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد التحريم، ودين الله يُسْرٌ وليسَ بعُسْرٍ.

إلى هنا ثبت أنّ حب النبي و تكريمه أصل من أُصول الاِسلام لا يصح لاَحد إنكاره، و من المعلوم أنّ المطلوب ليس الحب الكامن في القلب من دون أن يُرى أثره على الحياة الواقعية، و على هذا يجوز للمسلم القيام بكل ما يعد مظهراً لحب النبي شريطة أن يكون عملاً حلالاً بالذات ولا يكون منكراً في الشريعة، نظير:

1. تنظيم السنّة النبوية، وإعراب أحاديثها وطبعها ونشرها بالصور المختلفة، والاَساليب الحديثة، وفعل مثل هذا بالنسبة إلى أقوال أهل البيت و أحاديثهم .

2. نشر المقالات والكلمات، وتأليف الكتب المختصرة والمطولة حول حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله وسلّم وعترته، و إنشاء القصائد بشتى اللغات و الاَلسن في حقّهم، كما كان يفعله المسلمون الاَوائل. وهذه الأمور لم تكن موجودة في أيّام الرسول ولا في القرون الثلاثة بعده، ومع هذا فهي مستحسنة مادام فعلها كان ضمن الخطوط العامّة التي لا تؤدّي إلى منكرٍ في الشريعة السمحة.

هذا ما لدينا عن الاحتفال بمولد سيّد الكائنات نبيّنا الأكرم (ص). ونرجو أن يكون الجواب شافيا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. 

[اشترك]

2022/10/14

’فرحة الزهرة’: هلاك عدو وتنصيب إمام جديد!
ينشر «موقع الأئمة الاثني عشر» إجابة سماحة آية الله العظمى المرحوم الشيخ جواد التبريزي [قدس سره] حول يوم "فرحة الزهراء" الذي يثير سنوياً جدلاً واسعاً بين عامة الناس، ويتبنّى العديد منهم - في هذه المسألة - آراء مختلفة دون الرجوع إلى أهل الاختصاص من العلماء.

[اشترك]

وفيما يلي نص السؤال مع إجابته [قدس سره]:

السؤال: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عيد الزهراء (عليها السلام)، أرجو إعلامنا بمدى مصداقية هذا العيد، وما هي حقيقته؟

الجواب:

بسمه تعالى..

هذا الأمر معروف عند الشيعة وله وجوه متعددة منها: ان في هذا اليوم توج الإمام المهدي (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) بالإمامة بعد وفاة والده الإمام الحسن العسكري في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول، وهو المنتقم من أعداء الزهراء (عليها السلام) وأعداء الدين والموكل بإقامة دولة الحق.

ومنها: أن في هذا اليوم قتل عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السلام) كما في بعض المنقولات التاريخية. وعلى كل حال فهو يوم فرح للشيعة عامة ولأهل البيت (عليهم السلام).

المصدر: الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية ـ آية الله الميرزا جواد التبريزي.

2022/10/06

ثلاثة شروط لـ ’حلاوة الإيمان’
ما صحّةُ حديثِ ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجدَ حلاوةَ الإيمان؟ هذا الحديثُ مِن أحاديثِ أبناءِ العامّةِ المعروفةِ والمَشهورة، رواهُ البُخاريُّ ومُسلم في صحيحيهما ورواهُ غيرُهما مِن أصحابِ السّننِ والمسانيد.

[اشترك]

وأشهرُه ما وردَ عن أنسٍ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) قالَ: «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وَجَدَ حلاوةَ الإيمان، أن يكونَ اللهُ ورسولُه اَحبَّ إليهِ ممّا سواهُما، واَن يُحبَّ المرءَ لا يُحبّهُ إلاّ لله، واَن يكرهَ أن يعودَ في الكُفرِ كما يكرهُ اَن يُقذفَ في النار».

وعرضَ قسمٌ مِن عُلمائِنا لهذا الحديثِ في بابِه ولم ينكروهُ كالشيخِ السُّبحانيّ في أكثرِ مِن كتابٍ له ككتابِ (بحوثٍ قرآنيّةٍ في التوحيدِ والشرك، ص ١٣٨)، وكتابِه الآخرِ (في ظلِّ أصولِ الإسلام ص75)، وكذلكَ الحاجُّ سعيد أبو معاش في كتابِه (الشيعةُ الفرقةُ الناجية، ج ٢/ص ٤٦٠)، وغيرُهما مِن أهلِ العلم، فهُم يستأنسونَ بهكذا أحاديثَ ما دامَ أنّها لا تصطدمُ بأصولِ الإسلامِ ولا بثوابتِه ولها شواهدُ أخرى مِن نصوصٍ قرآنيّة أو أحاديثَ عن المعصومينَ عليهم السلام تؤيّدُ ذلكَ كما لا يخفى.

 

2022/10/04

من لم يركب السفينة فليس من ’ الصحابة’؟!
قال الله تعالى: (إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِك) [1].

إذا كان الولد الذي هو فلذّة من الكبد لا يعدّ من الأهل، عند المخالفة والعصيان، فبطريق أولى لا يكون من أصحابه، حتّى ولو صاحبه وعاشره ليل ونهار، ومجرّد المصاحبة ولو لدقائق أو ساعات لا يدلّ على الفضل والطهارة وصحّة العمل والعدالة، فهذا ابن نوح خير شاهد ودليل، إنّه لم يركب سفينة والده، سفينة النبوّة والنجاة، فإنّه يهلك لا محالة، كما إنّه ليس من أهل نوح  7 حتّى ولو كان في بيته وصاحبه في ليله ونهاره، فلا تنفعه المصاحبة، بل ولا النسب ولا السبب، وكذا الكلام في زوجة لوط، فإنّها من الهالكات ولم تنفعها صحبة النبيّ ومعاشرته، بل والعلقة الزوجيّة والحياة المشتركة، فالملاك هو الحقّ ومتابعته، واعرف الحقّ تعرف أهله، والحقّ مع عليّ  7 وعليّ مع الحقّ، أينما دار عليّ يدور الحقّ معه:

(وَمَنْ تَبِعَني فَإنَّهُ مِنِّي) [2].

فالملاك معرفة الحقّ ومتابعته، لا مجرّد النسب أو السبب من الزوجيّة أو الصحبة أو ما شابه ذلك، وهذا ما يقرّبه الوجدان ويدلّ عليه البرهان من الأدلّة

العقليّة والنقليّة، ومن هذا المنطلق نقول: ليس كلّ من صاحب الرسول فهو عادل لا يقدح فيه ويؤخذ منه الدين ويهتدى به، فهذا غير معقول، بل من أطاع النبيّ في حياته وبعد رحلته في وصيّه وخليفته بالحقّ، ولم يرتدّ عمّـا أمر به النبيّ  (ص)، فإنّه من الصحابة العدول الذين يُترضّى عليهم ويترحّم، وإلّا فلعنة الله على القوم الظالمين حتّى ولو كان ابن نوح، فإنّه ليس من أهله ولا أصحابه .

والإمام الحسين سيّد الشهداء (ع) بتضحياته المقدّسة ودفاعه عن الإسلام وبدمه الطاهر، وإنّه من بيت الوحي والنبوّة، حامل الرسالة السماويّة السمحاء، وعبء الإمامة العظمى، والعصمة الكبرى، جسّد لنا الحقّ، وتجلّى الربّ بأسمائه وصفاته فيه، فكتب على عرشه المقدّس : «إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة »، فمن دخل هذه السفينة الحسينيّة فإنّه من أصحاب النبيّ  (ص)، فإنّه قال : «حسين منّي وأنا من حسين »، فسفينة الحسين سفينة الرسول، فمن لم يركبها وترك ولايتها، واختار وليجة دونها، وتبع ولاية فلان وفلان، فإنّه ليس من أهل النبيّ ولا من أصحابه الكرام، بل هو من الهالكين في الدرك الأسفل من الجحيم، كما هلك ابن نوح . ولا عداء شخصيّ لنا مع أحد، إنّما الملاك هو الحقّ، فقل الحقّ ولو على نفسك، أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدي إلّا أن يهدى؟! ما لكم كيف تحكمون؟!

[اشترك]

الهوامش: [1] هود: 45 ـ 46. [2] إبراهيم: 36.
2022/09/24

2022/09/19

شكوى بلا علّة: ما الفرق بين ’ الزنا’ و’ ملك اليمين’؟!
هل بالإمكان تفسير شامل ومختصر لملك اليمين؟ ما موقف الزوجة (نفسياً) من جماع زوجها لملك اليمين؟ ما الفرق بين ملك اليمين والزنا والزواج؟ هل يعتبر ملك اليمين استعباد مخفف؟ هل يتم وطئ ملك اليمين بعقد نكاح؟ كيف لا يحصل اختلاط أنساب إذا كانت ملك اليمين حملت من مالكها ثم من مالك آخر أو من زوجها؟

[اشترك]

لابد من التأكيد على أن الاحكام الشرعية المرتبطة بالرق عامة وملك اليمين خاصة يجب فهمها ضمن ظرفها التاريخي وثقافتها المجتمعية التي أقرّت لأجلها، فقد تكون الظاهرة مقبولة في مجتمع ومذمومة في مجتمع آخر، أو أنها مقبولة في حقبة تاريخية ومرفوضة في حقب لاحقة لأنها لم تعد موجودة موضوعاً، بالتالي التباين الثقافي والتاريخي يتدخل بشكل مباشر في قبول ورفض بعض الظواهر، وقضية الرق قبل الإسلام من الظواهر الضاربة بجذورها في المجتمع، ومن العسير على إنسان اليوم أن يتفهم هذه الظاهرة من خلال ادبيات العقل المعاصر،  وعليه لا يجوز اخضاع ظاهرة تنتمي إلى مجتمعات ما قبل 1400 عام لمعايير مجتمعات تعيش في العصر الحاضر.

وإذا رجعنا للنص القرآني الذي اباح ملك اليمين لوجدنا أنه اقر ما كان موجوداً، أي أنه لم يؤسس لعلاقة جديدة بين الرجل والمرأة وإنما أمضى تقليداً كان متعارفاً عليه، قال تعالى: (إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) حيث جاء هذا الحكم استثناء من حكم كلي وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) فيتأكد من ذلك بأن الأزواج وملك اليمين مستثنى من هذا الحفظ، والاستثناء لا يكون مفهوماً إلا إذا كانت هناك صور متعددة واشكال مختلفة للعلاقات بين الرجال والنساء، ومن ثم يتم استثناء بعض تلك الصور، كما أن المستثنى لا يكون تأسيساً جديداً لما ليس له وجود في الواقع، وإنما يكون مما هو موجود ومعمول به في الواقع، وعليه تكون الآية إقرار لنوعين من العلاقة وتحريم ما دونهما من العلاقات، وليس تأسيساً لأمر ليس له وجود بالفعل، ومن هنا فإن الإسلام اقر الزواج ضمن شروط خاصة أضافها لما هو معمول به، كما أنه اقر ملك اليمين بوصفه عرفاً معمول به مع بعض الشروط الخاصة التي تحفظ حق المملوك، وإذا اردنا تطبيق هذه الآية على واقعنا المعاصر لاستحال علينا استثناء ملك اليمين، إذ كيف نستثني أمراً غير موجود؟ ومن المعلوم بالضرورة أن الحكم الشرعي يدور مدار الموضوع وجوداً وعدماً، فإذا أنعدم الموضوع ينعدم الحكم الخاص به بالضرورة، ومن المؤكد أن ملك اليمين لم ينتفي كموضوع فقط وإنما انتفت معه الظروف التي تسمح له بالوجود من الأساس، والتي عمل الإسلام على تقليصها تمهيداً لتصفيرها من خلال الحث على العتق بل جعله واجباً في عدة موارد منها الكفارات، وعليه لا يعتبر ملك اليمين من الموضوعات التي يبتلى بها المسلم المعاصر، ولا تدخل ضمن الخيارات في علاقة الرجل بالمرأة، ومن هنا فإن كل ما يثار في هذه الأمر يعد شكوى من غير علة، فعندما أباح القرآن نكاح ملك اليمين إنما اباحه بوصفه نكاحًا مشروعًا لدى المجتمعات البشرية آنذاك، فأمضاه الإسلام بحدوده المشروعة عندهم، أي في إطار ما يقبله البناء العقلائي آنذاك، وممّا لا يراه المجتمع الإنساني مورد عيب أو ضرر اجتماعي بنظرهم، وعندما يتخلى العرف الاجتماعي عن هذه النوع من العلاقة وينتفي وجودها كموضوع له تحقق في الخارج ينتفي معه بالضرورة الحكم الشرعي، ولفهم هذا الأمر لابد من التفريق بين أمرين:

الأول: ملك اليمين كموضوع له وجود موضوعي في الخارج، وفيه يتم تصور العلاقة الفعلية بين الرجل والمرأة.

الثاني: هو الحكم الشرعي بإباحة هذه العلاقة بين الرجل والمرأة.

وكما هو واضح أن الأول متقدم على الثاني؛ بل لا يمكن تصور وجود الثاني مالم يسبقه وجود الأول، والواضح أيضاً أن ملك اليمين كموضوع للحكم الشرعي مسؤولية عرفية، وبالتالي العرف هو الذي يقبله أو يرفضه، فإذا افترضنا أن العرف في وقت من الأوقات لا يرى في هذا العلاقة ما يستوجب القدح أو الذم، ثم جاء الشرع وأمضى تلك العلاقة، ففي هذا الحال لا يمكن أن نتصور وجود من يعترض على هذا الامضاء؛ وذلك لأن القبح والحسن يدور في الأساس على الموضوعات الخارجية، ومتى ما ثبت حسنها عند العرف أمضاها المشرع قانوناً، أما إذا تبدل العرف وأصبح يرى تلك العلاقة بعين الريبة ويستهجن وجودها، حينها سوف يكون تشريعها مرفوض لكونه تشريعاً لما هو قبيح، وعليه فإن القبح والحسن له علاقة بالموضوعات الخارجية ومن ثم تأتي الاحكام والتشريعات تبعاً لتلك الموضوعات، وبذلك لا يمكن أن نتفهم الاعتراض على القوانين والتشريعات طالما هي تدور مدار الموضوعات، ولفهم هذا الأمر لابد أن نفرق أيضاً بين أمرين:

الأول: موضوعات الاحكام التي يحددها الشرع.

الثاني: موضوعات الأحكام التي يحددها العرف.

فالأول مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، حيث نجد الشارع حدد حكمها وهو الوجوب كما حدد موضوعاتها حيث نجده قد بين كيفية الصلاة والصوم والزكاة والحج، وفي هذه الحالة لا يجوز للعرف التدخل في تغيير ما حدده الشرع من كيفية، وإذا افترضنا وجود اعتراض على مثل هذه الاحكام يكون بالفعل اعتراض على المشرع؛ لأنه هو الذي حدد الموضوعات وحدد لها الاحكام.

أما الثاني فهي الاحكام التي حدد العرف موضوعاتها، فمثلاً نجد أن الشارع أوجب العدالة وحرم الظلم إلا أنه لم يحدد لنا موضوعات العدالة والظلم، وإنما أوكل ذلك لعرف العقلاء، فمثلاً لو كان عرف العقلاء في هذا الوقت من الزمن يرى أن العدالة تتحقق في ظل حكم ديموقراطي فيحينها يكون الحكم الشرعي هو وجوب تحقيق هذا الحكم، وإذا افترضنا وجود اعتراض على هذا الحكم فهو في الواقع اعتراض يتوجه لعرف العقلاء ولا يمكن توجيهه للشارع؛ وذلك لأن دور الشارع هو إمضاء ما يراه عرف العقلاء حسن، فلو تبدل العرف واصبح يرى أن الظلم في الحكم الديمقراطي فحينها سيكون حكم الشارع هو حرمة اقامة هذا الحكم، يقول السيد محمد المصطفوي: "ينبغي ان نلتفت الى نقطة أساسية في التشريع الإسلامي في مجال المعاملات ـ بالمعنى الأعم ـ وهي ان تلك التشريعات في أغلبها إمضائية وليست تأسيسية. ومعنى ذلك ان الشرع الإسلامي يولي أهمية كبرى للأسس العقلائية التي تختزل التجربة الطويلة للإنسان في مسيرتها الإنسانية نحو بناء المجتمع، وتسيير حياة المجتمع وفقاً لمبدأ الخطأ والصواب في دائرة التجربة الاجتماعية. والأصل الأساس في دائرة الشأن العام وفق التصور الإسلامي هو (حفظ النظام العام)، الذي يرجع في أساسه الى التجربة الإنسانية ومفاعيلها، ويشمل كل ما يؤثر بدرجة الضرورة والحاجة في تسيير حياة المجتمع، كقضايا الأمن والاقتصاد ونظام العدالة القضائية وغيرها؛ بل كل ما يتصل بحياة الناس العامة". الأصول العامة لنظام التشريع، ص 106.

وعليه لا يجوز لأي من يعيش في أحد الزمنين أن يعيب ما شرعه الشرع في زمن الآخر، وإنما يجب تفهم كل حكم بحسب الظرف التاريخي الذي وجد فيه، وفي سؤال لقناة البي بي سي البريطانية وجه لمكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله حول فتوى جواز لعقد على الفتاة غير البالغة، أجاب: "كان زواج الصغار ـــ أي زواج غير البالغة من غير البالغ ـــ أمراً متداولاً في العديد من المجتمعات الشرقية الى وقت قريب، ومن هنا تضمنت الرسالة الفتوائية في طبعاتها السابقة بعض احكامه، ولكن لوحظ انحساره في الزمن الراهن فتمّ حذف جانب منه من الطبعات الأخيرة، وما نريد التأكيد عليه هو: أنه ليس لولي الفتاة تزويجها الا وفقاً لمصلحتها، ولا مصلحة لها غالباً في الزواج الا بعد بلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسة الجنسية، كما لا مصلحة لها في الزواج خلافاً للقانون بحيث يعرّضها لتبعات ومشاكل هي في غنى عنها."        

وملك اليمن من هذا القبيل فهو من الموضوعات العرفية وليست الشرعية، وبالتالي يدور التشريع فيه مدار ما يحدده عرف العقلاء، وإذا نظرنا إلى ما طرحه السائل نجده أقرب لمحاكمة ظاهرة اجتماعية لا تنتمي لعصره بأدوات ومعايير عصره، فعدم تقبله لنكاح ملك اليمين أمر متفهم في حدود ثقافته المجتمعية، ولا يمنع ذلك من أن تكون أمراً متفهماً للإنسان الذي عاش في تلك الحقبة التاريخية.

 فإذا رجعنا لأسئلته واجبنا عنها بشكل مباشر ستكون الإجابة كالتالي:

السؤال الأول: ما موقف الزوجة (نفسيا) من جماع زوجها لملك اليمين؟ من المؤكد ليس هناك إجابة موحدة لهذا السؤال، فالأمر يختلف من امرأة إلى أخرى كما أنه يختلف من بيئة ثقافية إلى بيئة أخرى، فكما أن النساء في بعض المجتمعات تتقبل الزوجة الثانية وتتعايش معه بشكل طبيعي في حين لا تقبله النساء في مجتمعات أخرى، كذلك الحال بالنسبة للزوجة بالنسبة لملك اليمين فقد يكون متقبلاً ضمن الثقافة المجتمعية في العصر الأول للإسلام إلا أنه غير متقبل الآن، فالأمر له علاقة بالبنية الثقافية والنفسية ولا علاقة له بإمضاء الشارع لهذه العلاقة.

السؤال الثاني: ما الفرق بين ملك اليمين والزنا والزواج؟ مع أن الجواب على مستوى الحكم الشرعي واضح وهو أن الزواج وملك اليمن حلال والزنا حرام، إلا أن السائل خلط بينها لأنه نظر إليها جميعها على إنها علاقة جنسية بين الرجل والمرأة، وهو بذلك غفل عن حقيقة مهمة وهي أن موضوعات الاحكام الشرعية تلحظ بعناوينها الشرعية والعرفية، فالممارسة الجنسية تارة تكون بعنوان الزواج وتارة تكون بعنوان ملك اليمين وتارة تكون بدون أي عنوان، ولا يمكن ابعاد هذه العناوين ومن ثم البحث عن الفوارق على مستوى الظاهر، فمثلا إذا نظرنا إلى (القتل) نجد أنه هو ازهاق للنفس ولا فرق بين قتل وقتل من هذه الناحية سواء كان المقتول ظالما ومعتدي أو كان مظلوما بري، فعلى مستوى الظاهر والشكل الخارجي هو أمر واحد، ومع ذلك يختلف الأمر بين قتل وقتل بحسب ما يتصف به من عناوين،  فالقتل بعنوان القصاص امر حسن بينما القتل بعنوان التعدي أو الاستهتار أو بدون أي عنوان يعد أمراً قبيحاً، وكذلك الحال في موضوع العلاقة الجنسية فما كان منها تحت عنوان الزواج وملك اليمين فهو حلال وما كان منها مجرد ممارسة بدون أي عنوان يبررها فهي حرام.

السؤال الثالث: هل يعتبر ملك اليمين استعباد مخفف؟ بل هو استعباد كامل فالجارية تكون ملك لصاحبها ولا تملك حرية في قبال سيدها، وقد أشرنا إلى أن ذلك كان امراً مقبولاً في وقت من الأوقات حتى وإن لم يكن مقبولاً الآن.

السؤال الرابع: هل يتم وطئ ملك اليمين بعقد نكاح؟ تحل الجارية لصاحبها بمجرد ملك اليمين ولا يحتاج الأمر إلى عقد نكاح.

السؤال الخامس: كيف لا يحصل اختلاط أنساب إذا كانت ملك اليمين حملت من مالكها ثم من مالك آخر أو من زوجها؟ لا يجوز للمالك الجديد الاستمتاع بجاريته ومباشرتها إلا بعد الاستبراء من مالكها الأول، وبذلك لا يمكن تصور اختلاط الانساب.

2022/09/14

التوحيد والولاية.. الإمام السجاد (ع) يطير بجناحين!
إن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) عرف في أوساط الموالين بأنه الإمام البكّاء: أي كثير البكاء.. وهناك طبقة في التأريخ من الأنبياء عرفوا بالبكاء الكثير.. كآدم الذي أخرجه الله عزوجل من الجنة، فمن الطبيعي أن التغير الذي حصل في حياة آدم (ع)، يوجب البكاء الكثير، لمفارقة الجنة وما فيها من نعيم.

[اشترك]

ويعقوب (ع) أيضاً بكى كثيراً على ابنه يوسف، كما يعبر القرآن الكريم: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}.. البعض يقول: هل هذا يعد من الجزع؟.. يعقوب (ع) نبي، فلماذا بكى هذا البكاء الكثير، وهو يعلم أن أبناءه جاؤوا بدم كذب، أي أن يوسف كان حياً، ولكن حيل بينه وبين أبيه يعقوب؟..

الجواب -والله العالم-: لعل أذى يعقوب (ع) على ولده يوسف (ع)، لا لكونه ولداً له فحسب!.. وإنما لاعتباره أنه نبي، فيوسف (ع) كان نبياً، وهذا الهتك، وهذا الظلم، من الإلقاء في غيابة الجب وما شابه ذلك، وفي السجن بضع سنين، هذا هتك وقع على نبي من أنبياء الله.. فإذن، هنالك بعد رسالي، وحق ليعقوب (ع) أن يبكي هذا البكاء لفراق ولده يوسف.

إمامنا زين العابدين أيضاً له الحق في هذا البكاء الكثير، لأن الذي جرى في يوم عاشوراء أمر عظيم جداً.. والإمام هو الذي بقي حياً من بين ذرية الإمام (ع)، وشهد قسماً من المعركة، وسمع قسماً من المعركة.. لم يكن على إمامنا زين العابدين هيناً، أن يسمع استغاثة أبيه أبي عبد الله: (هل من ناصر ينصرني)؟.. والإمام لا يمكنه النصرة، لما كان فيه من المرض المانع.. فإن رب العالمين من حكمته ابتلاه بالمرض، الذي يرفع عنه الجهاد.. وبالإضافة إلى ذلك، ما رأى من بعد عاشوراء، من حوادث الهتك، وأسر بنات النبوة، وعلى رأسهن عمته زينب.. حقيقةً، إن ما جرى على إمامنا زين العابدين (ع) لم يكن بالأمر الهين!..

ولا أعتقد أن الهتك والأذى الذي وقع على سيد الشهداء (ع)، له نظير في حياة الأئمة.. إن أمير المؤمنين (ع) ضرب ضربة بالسيف، ولكن لم يهتك خباؤه، ولم تؤسر عائلته.. والإمام الحسن (ع) قتل مسموماً، وكذلك الإمام موسى بن جعفر (ع)، والإمام الرضا (ع).. كل أئمتنا (ع) إما قُتلوا، أو سُموا.. ولكن الذي وقع على سيد الشهداء، لا نظير له.. (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله)!.. (لا) نافية للجنس، أي لا جنس يوم منذ أن خلق الله آدم إلى قيام القيامة.. ليست هنالك واقعة وكارثة بعظمة يوم عاشوراء.. إن الذين ظلموا في التأريخ كثيرون، ولكن امتياز الشهداء في يوم عاشوراء، أنها مجموعة متميزة..

أولاً: أنها متميزة بقائدها: سيد الشهداء، ومصباح الهدى، وسيد شباب أهل الجنة، سبط النبي، وريحانة الرسول؛ كل هذه المقامات محفوظة..

وثانياً: طريقة القتل الفجيعة..

 وثالثاً: امتدادات القتل.. نحن إلى يوم الأربعين ونعيش مأساة سيد الشهداء (ع)..

ورابعاً: الظرف الزماني الذي وقع فيه الحسين (ع) ظرف حرج جداً.. فلولا الحركة الحسينية، لا نعلم كيف كان وجه التأريخ الآن!.. لأن الجهاز الحاكم جهاز في منتهى السوء، والابتعاد عن التعاليم، وعن أمة رسول الله (ص).

فإذن، إن الظرف كان ظرفاً متميزاً، والإمام (ع) خرج لطلب الإصلاح في أمة جده، وقام باستنقاذ الأمة في ظرف عصيب.. وهو متميز -إمام زمانه-، والعائلة هتكت، فكل هذه الظروف جعلت الإمام السجاد (ع) يعيش هذه الحالة التي سمعتموها: أنه ما كان ينظر إلى الماء، إلا ويذكر عطش أبيه.. وعندما ينظر إلى شاة تذبح، يتذكر ما جرى على أهل بيت النبوة الذين ذبحوا أمامه، كما في الرواية عن الرضا (ع): (يا بن شبيب!.. إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش).. وكذلك إذا رأى ما يُذكّر بحوادث كربلاء.. ولعله إذا رأى رضيعاً، أيضاً تَذَكر..

روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (البكّاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد (ص) وعلي بن الحسين (ع) ـ إلى أن يقول (عليه السلام): وأما علي بن الحسين (ع) فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وُضِع بين يديه طعامٌ إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله!.. إني أخاف عليك أن تكون من الجاهلين، قال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة).

وعنه (ع) أيضاً: (إن زين العابدين (ع) بكى على أبيه أربعين سنة: صائما نهاره، قائما ليله.. فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه فيقول: كلْ يا مولاي!.. فيقول: قُتل ابن رسول الله جائعا!.. قتل ابن رسول الله عطشانا!.. فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتى يبلّ طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل).

وعليه، فإن الإمام (ع) كان له الحق أن يكون بكّاءً.. إن هذه الرقة في قلب الإمام رقة ولائية، وأضيف إلى ذلك الرقة التوحيدية.. وهنا نحن نفتخر بإمامنا زين العابدين أنه طار بجناحين!.. وهذا الذي نحب أن نوصله إلى قلوب الموالين.. إن المؤمن يطير بجناحين: جناح التوحيد أولاً، وجناح الولاية ثانياً.. نلاحظ أن الإمام زين العابدين (ص) عندما يصل الأمر إلى الإمام والولاية وهذه المعاني، فإنه يجسد هذه المعاني التي ذكرناها.. ولكن عندما يقف بين يدي الله عزوجل باكياً مناجياً، فإنه يعيش أعلى صور التوحيد.

ولا أستبعد أن لا تكون طريقة البكاء وشدة البكاء وغزارة الدمع، التي كانت لإمامنا زين العابدين (ع) في جوف الليل، عند مناجاة الله عزوجل، أقل من بكائه عندما كان يذكر مصائب أبيه سيد الشهداء (ع).. أعتقد أن دموع الخشوع والبكاء من خوف الله عزوجل، كانت مساوية في القوة والكمية وشدة التأثر، وهذا الذي نراه في مناجياته الخمسة عشرة.

من أبرز صفاته (ع):

نحن عندنا في مناسبات أهل البيت (ع) قاعدة معروفة: أننا نفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم.. ولكن من المناسب لو أننا نعمل بهذا الاقتراح، وهو: أن ننظر إلى كل إمام والصفة التي برزت فيه، ونحاول أن نقتدي بتلك الصفة، ونضيفها في حياتنا.

كل أئمتنا يكظمون الغيط، ولكن الإمام موسى بن جعفر، برزت فيه هذه الصفة؛ لأنه رأى ما يغيظه.. وكلهم مظهر الرضا، ولكن الأذى الذي تحمله الإمام الرضا (ص) كان أذى متميزاً.. الإمام الرضا (ع) رضي بقضاء الله وقدره، رضي بأن يجلس بجانب المأمون، وهو إمام زمانه، حامل مواريث الأنبياء وأسرار النبوة، ومع ذلك يسمى في عرف الناس أن هذا ولي عهد فلان، الذي هو دونه في كل شيء!.. إن هذا أذى نفسي!.. وينقل المحدث القمي في منتهى الآمال أنه: (كان إذا رجع يوم الجمعة من الجامع، وقد أصابه العرق والغبار رفع يديه وقال: اللهم!.. إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت، فعجله لي الساعة.. ولم يزل مغموماً مكروباً إلى أن قبض صلوات الله عليه).. إن هذا العنوان كان يؤذي الإمام (ع) بما لا يوصف، بأن اسمه يضرب على سكة المسلمين -على النقد-، بعنوان ولي عهد فلان!..

وفي مناسبة إمامنا موسى بن جعفر (ع)، بالإضافة إلى إقامة احتفاله فرحاً، أو عزائه حزناً، وإطعام الطعام باسمه الشريف، وتقديم الهدايا في يوم ميلاده، وشد الرحال لزيارة مرقده الشريف…؛ لمَ لا نضيف إلى صفحة حياتنا صفة كظم الغيظ؟.. هذا الكظم لو دخل حياة أبنائنا وآبائنا وأزواجنا وزوجاتنا، لخفت المشاكل.. لأن سبب المشاكل الاجتماعية والأسرية، أن الإنسان يظهر غيظه وغضبه من دون حساب، وإذا بالحواجز والحدود تتوتر بين الطرفين.. لو كظم الإنسان غيظه، لدفع عالماً من البلايا من وجوده.

إمامنا زين العابدين (ع) ملقب: بالسجاد، وزين العابدين، وقرة عين الساجدين، وتاج البكائين.. فإذا كانت صفة البكائين صفة قد لا نوفق للتأسي بها.. لأن البكاء الشديد يحتاج إلى معرفة شديدة، وإلى انكشاف بعض الحجب، فأين نحن وهذا البكاء؟!.. لو تباكينا كنا في عافية، فكيف بالبكاء الشديد!..

ولكن من صفات إمامنا (ع)، أنه كان من الذين يأنسون بالسجود بين يدي الله عزوجل.. والحديث في هذا المجال حديث تخصصي، لا يمكن بيانه بكلمات.. ولكن إجمالاً: السجود له ظاهر وله باطن.. والفرق بين ظاهر السجود وباطن السجود، كالفرق بين الثرى والثريا!.. السجود الظاهري:

أن يضع الإنسان مواضع السجود المعروفة على الأرض: الجبهة، واليدان، والركبتان، ورأسا الإبهامين.. ولكن واقع السجود أنه: معراج إلى الله عزوجل.. المؤمن في السجود ينتقل إلى عالم آخر.. ويكفي أن السجود وصف بهذا الوصف: عن الإمام الصادق (ع): (أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجدٌ باكٍ).

إذا كان السجود هو هذا الظاهر، فهذا الظاهر ما قيمته؟!.. أنت عندما تسجد، هل تقترب من الله عزوجل؟.. إذا كان رب العالمين وجوداً -أعوذ بالله- مادياً، وهذه الحركة مادية، نعم تقترب!.. كما تقترب من التربة في السجود، تقترب من الله عزوجل!.. ولكن إذا كان الله سبحانه وتعالى لا يؤين بأين، ولا يكيف بكيف؛ إذن، ما دور السجود في القرب إلى الله عزوجل؟.. هنالك حقيقة ما وراء السجود، تلك الحقيقة تجعلك تقترب من الله سبحانه وتعالى.. السجود الخاشع، السجود المعراجي، له أسراره.. والإنسان إذا أراد أن يصل إلى أسرار السجود، عليه أن يتقن الصلاة اليومية بشرطها وشروطها؛ لأن من أركان الصلاة السجود.. إن أتقنت الصلاة بكل أجزائها، فقد أتقنت السجود في الصلاة.. ومن أنس بالسجود في الصلاة، سيأنس بالسجود في غير الصلاة.

يقول أحد المؤمنين: إنه -في بعض الأوقات- يرى ما يشبه الوجع أو الألم في منطقة الجبهة، وكأنها لا تريد إلا السجود!.. كأن هذه الجبهة تقول: يا فلان ضعني على الأرض، أنا الآن أشتاق إلى السجود بين يدي الله عزوجل!.. ولا يخفى أن هذه الحالة ما حصلت في ليلة أو ليلتين، هنالك مجموعة من التراكمات العبادية والجهادية.. هذا عندما تضيق به الدنيا، فقط يبحث عن مكان ليسجد، وإذا به في السجود يصل إلى ما يصل، ويحل ما يحل من مشاكله!..

وعليه، في كل مناسبة ميلاد أو استشهاد إمام، انظروا إلى الصفة البارزة.. فمثلاً: في ولادة الإمام الجواد أو استشهاده، حاول أن تنظر: هل أنك أنت من مصاديق الإنسان الجواد؟.. وهل أنت تجود بما تزهد به؟.. أم أنك تنفق مما تحب؟.. وإلى آخره من المضامين.

سلوكه (ع) في التكافل الاجتماعي:

إن المصيبة وقعت في المدينة بعد استشهاد الإمام (ص)، حيث أن العوائل فقدت كفيلها فجأة، من دون سابق إنذار.. تنقل الروايات والتأريخ -هذا الذي وصل، وأما ما هو خفي، فالله أعلم- أنه لعل قرابة مئة عائلة في المدينة تفاجأت، أن الذي كان يتكفلها هو الإمام زين العابدين (ع).. ولا شك أن عمل الإمام (ع) هذا، يحتاج إلى مؤسسة!.. تلك الأيام ليست مثل هذه الأيام، الأمور ميسرة.. كيف يعيل إنسان مئة عائلة؟!.. والإمام مشغول بأعمال الإمامة، وبالدعاء في جوف الليل، وبتربية تلامذته.. كيف جمع الإمام (ع) بين الدعاء في جوف الليل، ومن المعلوم أن إعالة الفقراء والأيتام، ظرفه المناسب أيضاً جوف الليل؟!..

ومما ينقل عن الإمام (ع):

رأى الزهري علي بن الحسين (ع) ليلة باردة مطيرة، وعلى ظهره دقيق وهو يمشي، فقال: يا بن رسول الله ما هذا؟.. قال: أريد سفرا أعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز، فقال الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك، فأبى.. قال: أنا أحمله عنك، فإني أرفعك عن حمله .. فقال علي بن الحسين (ع): لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري، ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني .. فانصرف عنه، فلما كان بعد أيام قال له: يا بن رسول الله!.. لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً، قال: بلى يا زهري!.. ليس ما ظننت، ولكنه الموت وله أستعدّ، إنما الاستعداد للموت تجنّب الحرام، وبذل الندى في الخير.

سلوكه (ع) في الاهتمام بالصلاة:

قال الصادق (ع): (كان علي بن الحسين (ع) إذا حضر الصلاة اقشعرّ جلده، واصفرّ لونه، وارتعد كالسعفة).

ورُوي أيضاً: (أنه كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه، وأصابته رعدة، وحال أمره، فربما سأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك، فيقول: إني أريد الوقوف بين يدي ملكٍ عظيم، وكان إذا وقف في الصلاة لم يشتغل بغيرها، ولم يسمع شيئا لشغله بالصلاة).

نلاحظ أن الإمام ما كان يخشع في صلاته فجأة، وإنما كان يتهيأ قبل الصلاة، لأنه يعلم أنه مقبل على لقاء استراتيجي مصيري، مع رب العالمين، فلابد له من التهيؤ.

وعليه، فإن هذا درس عملي لنا: أن الذي يريد الصلاة الخاشعة، لابد أن يتهيأ قبل الوقت.. البعض منا -مع الأسف- يؤخر صلاته بلا عذر، وبلا وجه وجيه إلى آخر الوقت، وهو يتوقع أن يصلي صلاة خاشعة!.. المؤمن قبل أن يؤذن المؤذن، وهو يعيش حالة الوجل والخوف.

وقد كان النبي -على ما ينقل-: يقول: (أبرد يا بلال)!.. البعض يقول: أن (أبرد) من البريد، أي عجل، لا تؤخر الأذان عن وقته.. والبعض يقول: أنها من البرْد، أي أطفئ نار الشوق إلى الله عزوجل.. أنا كرسول قلبي مشتعل نار، أريد أن أصلي!.. أرأيت عندما يغيب ابن عن أمه عشر سنوات، ما هي حالة هذه الأم؟.. إنك ترى في المطار عندما ينزل من الطائرة، الأم لا تحتمل صالة المنتظرين، وتريد أن تقتحم إلى ما وراء الحدود، لتصل إلى باب الطائرة؛ تريد أن تبرد غليل قلبها المشتعل ناراً، ولا تطيق أن تنتظر هذه الدقائق!.. هكذا كان النبي (ص).

فإن كنت تحب أن تستن بسنة النبي (ص)، فهذه سنته.. وإن كنت تحب أن تستن بسنة أمير المؤمنين (ع)، فهو وليد البيت وشهيد البيت.. وإن كنت تحب أن تستن بسنة الحسين (ع)، فانظر في يوم عاشوراء ماذا فعل وقت الزوال.. وإن كنت تحب أن تستن بسنة سيدتنا زينب (ع)، فمن المعلوم أنها في الليلة الحادية عشرة صلت صلاة ليلها وهي جالسة، لفَرْط ما أخذها الإعياء والجهد في يوم عاشوراء.. حتى يقال أن من وصايا الحسين (ع) لأخته زينب (ع)، أن لا تنساه في صلاة ليلها.. وإن كنت تريد الاستنان بإمامنا زين العابدين، فهذه سنته..

ما الفائدة أن أجلس الليلة إلى الصباح، وأسمع وأقرأ عن الإمام السجاد (ع)، وأبكي لمصابه، وثم صلاة الفجر غداً أصليها قضاء؟!.. إذن، أين التأسي بإمامنا السجاد (ع)؛ الذي كان كثير السجود، وكثير العبادة؟!..

من المعلوم أن بعض التجار عندما يعطى ثروة جيدة، أو يكتسب ربحاً مهماً، وهو يسكن في البلاد التي تؤخذ فيها الضرائب بدقة، أنه يفرح من ناحية، ويخاف من ناحية.. يفرح لأنه اكتسب اليوم ألف دينار، ولكنه يفكر في الضرائب، في أنه كم سيؤخذ منه بعد ذلك.. إن معرفة خط أهل البيت (ع) والولاية هي مزية، وضريبة في نفس الوقت.. قال الباقر (ع): (أبلغ شيعتنا أنه لن يُنال ما عند الله إلا بعمل، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم يخالفه إلى غيره).. هو في مقام الكلام يذكر أن له أئمة كهذه الأئمة، ولكن في مقام العمل سلوكه اليومي ليس فقط لا يختلف عن غير الموالي، بل قد لا يختلف عن غير المسلم!.. إن هذا الإنسان ماذا ستكون حالته عندما يأتي في عرصات القيامة، وقد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره؟!..

حكومة أئمتنا (ع) على القلوب:

صحيح، أن حكومتهم كانت منحصرة بسنوات قليلة، من حياة أمير المؤمنين (ع)، وشيء بسيط من حياة الإمام الحسن (ع)، وأما الإمام الرضا (ع) -كما قلنا- لم يكن حاكماً.. ولكن انظروا إلى سلطانهم في قلوب الرعية!.. كلنا يعرف قضية الفرزدق وهشام، عندما جاء في ذلك الموقف، وذكر الفرزدق تلك القصيدة الخالدة.. رحم الله هذا الشاعر، الذي سينال قطعاً شفاعة أوليائه!.. الفرزدق كان بمثابة فضائية تلك الأيام، وليس فضائية عادية، وإنما من أرقى الفضائيات، والدليل على ذلك أنه حتى أطفالنا هذه الأيام يحفظون قصيدته:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

فأي فضائية أعظم من هذه الفضائية؟!.. لقد بث برنامجاً منذ قرون، وهذه القصائد تتلى في مناسبات مختلفة!.. وهكذا، حكومة الحق على القلوب!.. وهذا من بركات دم الحسين (ع).. لولا دم سيد الشهداء، لما انبرى الفرزدق لوصف الإمام (ع) بهذا الوصف البليغ.

من أهم مآثره (ع):

– الصحيفة السجادية:

إن الإمام (ع) معروف بأدعيته، ومن أشهر ما أثر عنه (ع) في هذا المجال: الصحيفة السجادية.. ومن المعيب أن يكون الإنسان موالٍيا لأهل البيت (ع)، ولا يقرأ الصحيفة السجادية!.. ومن باب الجفاء لإمامنا زين العابدين (ع)، أن البعض لا يعرف من أدعية الإمام إلا المناجيات الخمسة عشرة، ودعاء أبي حمزة الثمالي!.. والحال بأنه -مثلاً- دعاء الجمعة من أجمل الأدعية المنسوبة له (ع).. والإنسان عندما يقرأ دعاء يوم الجمعة، ينتعش في ذلك اليوم.. فإن من منعشات يوم الجمعة، هذا الدعاء المفصل في يوم الجمعة!..

فهذا الطنطاوي -العالم الأزهري الكبير، صاحب التفسير المعروف، المتوفى في سنة 1358 هـ-، له عبارة جميلة، يقول: (ومن الشقاء إنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد، في مواريث النبوة وأهل البيت)!.. يتأسف على عمره، أنه لماذا لم يقرأ الصحيفة قبل هذه الفترة.. ثم يقول: (وإني كلما تأملتها، رأيتها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق).. إن هذا الإنسان لا يتكلم من منطلق الحب الشديد للإمام زين العابدين (ع)، ومن منطلق الولاية، وأنه من أتباع هذا المذهب؛ وإنما هو إنسان منصف، قرأ الصحيفة السجادية، وأعطاها هذا الوصف.

إننا بكل قاطعية نقول: ليس تحت هذه السماء -تحت هذه القبة الزرقاء- مجموعة دعائية كالصحيفة السجادية!.. نعم، النبي (ص) أعظم من الإمام زين العابدين (ع).. النبي (ص) نبي الأئمة (ع)، والأئمة فخرهم أنهم أوصياء النبي (ص)، وأنهم خلفاء النبي (ص)، ومن المعلوم الفرق بين المستخلِف والمستخلَف والنسبة بينهما.. ولكن أدعية النبي (ص) متناثرة، لم تجمع بشكل جامع؛ أما أدعية الإمام أدعية متنوعة وجمعت.. ولاشك أنه لو جمع الجامع أدعية النبي (ص)، لكانت هي الأبلغ.. ولهذا نلاحظ أن باقي الأئمة أيضاً لهم صحائف، كالصحيفة المهدوية ولكنها أدعية مختصرة.. لكن أدعية الإمام زين العابدين (ع) متنوعة: للوالدين، والاستعاذة من الشيطان، وفي الفطر، وفي الأضحى، والمناجيات الخمسة عشرة… أي أنها في أبواب شتى، مما يجعلها في الصدارة.

– رسالة الحقوق:

ومن مآثر الإمام (ع) أيضاً: (رسالة الحقوق) التي تضمنت خمسين حقاً، يجب على الإنسان المؤمن رعايتها، والعمل في تأديتها.. والحق، إن هذه الرسالة من المفروض أن تعرض في هيئة الأمم المتحدة.. الإمام (ع) بعد أن ذكر حق إمام المسجد، والمؤذن، والأب، والأم، والإمام…-في آخر وصايا إمامنا زين العابدين (ع)- ذكر حق الذمي.. لو أننا طرحنا الإسلام من زاوية أهل البيت إلى العالم -هذا العالم الذي يخاف اليوم من العنف والإرهاب-، ماذا كان سيصير حال الأمم الأخرى؟.. نعم، هذا الذي في بلاد المسلمين ولم يقبل الإسلام، هذا له حق عليك.. يقول الإمام (ع): (وحقّ أهل الذمّة: أن تقبل منهم ما قبل الله عزّوجلّ، ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجلّ بعهده).. أي أن رب العالمين أعطاهم حصانة، أعطاهم حماية في بلاد المسلمين.. إياك أن تتجاوز هذه الحماية، ما داموا أناسا مسالمين ويؤدون ما عليهم!..

مع الأسف، نحن فقط نعرف من إمامنا: العليل، والأغلال الجامعة، ومظهر الذل في طريقه (ع)!.. صحيح، هنالك مآسٍ وقعت على الإمام (ع)، ولكن ذلك كان في برهة زمنية، وهنالك أيضاً جوانب أخرى من حياة الإمام (ع)، لا بأس نذكر الجانب المأساوي إلى الجانب الجهادي والثقافي لإمامنا (ص).. ومن المعلوم أن رسالة الحقوق مشروحة في كتب؛ فعلماؤنا ما قصروا في إعطاء هذه الرسالة أبعادها.

2022/08/23

ما هو موقف علماء الشيعة من «رزية الخميس»؟!
هل رواية رزية الخميس موجودة في كتبنا الشيعية؟ وما رأي علمائنا؟

[اشترك]

بالنسبة للسؤال الأوّل ـ وهو مصادر رواية رزية يوم الخميس بكتب الشيعة ـ فنقول:

تعدّ حادثة رزية الخميس من الحوادث المؤلمة، المعروفة والمشهورة لدى المحدّثين والمؤرّخين، رواها أقطاب المحدّثين وأكابر المؤرّخين من الفريقين، وما توقّف عندها أحد، وقد ذاعت واشتهرت لدرجة استغنت عن ذكر طرقها وأسانيدها.

وقد صرّح بتواتره بعض الأعلام، كالعلّامة المجلسيّ في [بحار الأنوار ج22 ص474] فإنّه قال ـ ذيل روايةٍ نقلها عن أمالي الشيخ المفيد ـ: « خبرُ طلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدواة والكتف، ومنع عمر عن ذلك، مع اختلاف ألفاظه، متواترٌ بالمعنى »، وقال أيضاً في [بحار الأنوار ج30 ص529]: « ما روته العامّة والخاصّة... وقد قدّمنا في باب وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في ذلك أخباراً كثيرة من طرق الخاصّ والعامّ، ولنذكر هنا زائداً على ما تقدم ما يؤيد تلك الأخبار من الجانبين »، والسيّد عبدالحسين شرف الدين فإنّه قال في [المراجعات ص352]: « وحسبك منها رزيّة يوم الخميس، فإنّها من أشهر القضايا، وأكبر الرزايا، أخرجها أصحاب الصحاح، وسائر أهل السنن، ونقلها أهل السير والأخبار كافّة، ويكفيك منها ما أخرجه البخاريّ »، وابن أبي الحديد المعتزليّ في [شرح نهج البلاغة ج6 ص51] فإنّه قال: « هذا الحديث قد خرّجه الشيخان؛ محمّد بن إسماعيل البخاريّ ومسلم بن الحجّاج القشيريّ في صحيحيهما، واتّفق المحدّثون كافّة على روايته »، وكلامه ظاهر أنّ كافّة المحدّثين ـ سنّة وشيعة ـ متّفقون على روايته.

والحادثة رواها الشيعة الإماميّة في كتبهم الحديثيّة والتاريخيّة، كما احتجّوا بها في كتبهم الكلاميّة ـ كما سيأتي في جواب السؤال الثاني ـ، وسنذكر الآن بعض مصادر الحديث:

1ـ قال سليم بن قيس الهلاليّ في [كتابه ص211]: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: « يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأمّة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إنّ نبي الله يهجر)، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك ». ونقله الشيخ الطبرسيّ في [الاحتجاج ج1 ص210ـ223] عن سليم بن قيس.

2ـ قال الشيخ النعمانيّ في [الغيبة ص84 ب4 ح11]: وبإسناده، عن عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس: « أنّ عليّاً (عليه السلام) قال لطلحة - في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم -: يا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأمّة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنّ رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها؟ قال: بلى قد شهدته ».

وقال النعمانيّ قبلها في [الغيبة ص74 ح8]: « ومن كتاب سليم بن قيس الهلالي: ما رواه أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، ومحمّد بن همّام بن سهيل، وعبد العزيز وعبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس الموصليّ، عن رجالهم، عن عبد الرزاق بن همّام، عن معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس. وأخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد، قال: حدّثني أحمد بن عبيد الله بن جعفر بن المعلى الهمدانيّ، قال: حدّثني أبو الحسن عمرو بن جامع بن عمرو بن حرب الكنديّ، قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك ـ شيخ لنا، كوفيّ، ثقة ـ، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن همّام شيخنا، عن معمر، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي. وذكر أبان أنّه سمعه أيضاً عن عمر بن أبي سلمة. قال معمر: وذكر أبو هارون العبديّ أنّه سمعه أيضاً عن عمر بن أبي سلمة، عن سليم ».

3ـ وفي [كتاب سليم ص324]: « أبان بن أبي عيّاش، عن سليم، قال: إنّي كنتُ عند عبد الله بن عبّاس في بيته وعنده رهط من الشيعة، قال: فذكروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وموته، فبكى ابن عبّاس، وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين - وهو اليوم الذي قبض فيه - وحوله أهل بيته وثلاثون رجلاً من أصحابه: ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا بعدي. فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال: (إنّ رسول الله يهجر)، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: إنّي أراكم تخالفوني وأنا حي، فكيف بعد موتي؟ فترك الكتف .

قال سليم: ثمّ أقبل عليّ ابن عباس فقال: يا سليم، لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتاباً لا يضلّ أحد ولا يختلف. فقال رجل من القوم: ومَن ذلك الرجل؟ فقال: ليس إلى ذلك سبيل. فخلوتُ بابن عبّاس بعد ما قام القوم، فقال: هو عمر. فقلت: صدقت، قد سمعتُ عليّاً (عليه السلام) وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: إنّه عمر. فقال: يا سليم، اكتم إلّا ممّن تثق بهم من إخوانك، فإنّ قلوب هذه الأمة أشربت حبّ هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حبّ العجل والسامري ».

4ـ قال الشيخ المفيد في [الأمالي ص37 م5 ح3]: أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفيّ قال: حدّثنا أبو الحسين العباس بن المغيرة الجوهريّ، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرماديّ قال: حدّثنا أحمد بن صالح، قال: حدّثنا عنبسة، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن العباس، قال: « لمّا حضرت النبيّ (صلى الله عليه وآله) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هلموا أكتب لكم كتاباً، لن تضلّوا بعده أبداً، فقال عمر: لا تأتوه بشيء، فإنّه قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم مَن يقول: قوموا يكتب لكم رسول الله، ومنهم مَن يقول ما قال عمر. فلمّا كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا عني، قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: وكان ابن عباس (رحمه الله) يقول: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ».

5ـ قال الشيخ المفيد في [الإرشاد ج1 ص184]: « فأفاق (عليه وآله السلام) فنظر إليهم، ثمّ قال: أتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً، ثمّ أغمي عليه، فقام بعض مَن حضر يلتمس دواة وكتفاً، فقال له عمر: ارجع، فإنّه يهجر، فرجع، وندم مَن حضره على ما كان منهم من التضجيع في إحضار الدواة والكتف، فتلاوموا بينهم فقالوا: إنّا لله وإنا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول الله ».

وبالنسبة للسؤال الثاني ـ وهو موقف علماء الإماميّة من الحادثة ـ فنقول:

قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ الحادثة من الحوادث المعروفة والمشهورة لدى قاطبة المحدّثين والعلماء سنّة وشيعة، وقد اهتمّ علماء الإماميّة (أنار الله برهانهم) بمدلول الحادثة وأبعادها ونتائجها، إذ إنّ القضيّة بمنتهى الخطورة والفظاعة، كيف يُنسَب خير الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله) إلى الهذيان وهو على فراش المرض! ويُمنَع من كتابة الوصية العاصمة من الضلال، ويُدّعى كفاية الكتاب الكريم للأمان من الانحراف ويُعرَض عن السنّة النبويّة؟!

فكان لهذه الحادثة نصيب عند علماء الإماميّة في استدلالاتهم الكلاميّة على المخالفين، وعمدوا إلى نقلها من عمد كتبهم الحديثيّة والتاريخيّة، ليكون الاستدلال أمتن وأقوى؛ باعتبار حجيّة هذه الكتب لديهم، وسنذكر في المقام بعض كلمات علمائنا في كتبهم الكلاميّة:

1ـ الشيخ المتكلّم الفضل بن شاذان في [الإيضاح ص359] ذكر الرواية من طريق الحميديّ عن سفيان عن الأحول عن ابن جبير عن ابن عباس.

2ـ المحدّث المتكلّم محمّد بن جرير الطبريّ الإماميّ في [المسترشد ص553] قال: « وهذا هو الذي يروى عنه، أنه قام بظلم فاطمة (عليها السلام) ، وامتنع أن يحمل الصحيفة والدواة إلى رسول الله، وهو الذي نسبه إلى أنه هجر، ثم قال: حسبنا كتاب الله؛ ردّاً منه على النبيّ ممّا علم من مراده، ولو علم أنّ هذا الامر فيه أو في صاحبه، لبادر بالصحيفة والدواة، وفي قوله: (حسبنا كتاب الله) الكفر بالله؛ لأنّ (جلّ ذكره) يقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وفي فعله وردّه ما أمر الرسول به ما هو دليل على ما ذكرناه، والله المستعان ». وقال نحوه في [المسترشد ص680] وساق الرواية من طريق عبد الرزاق الصنعانيّ.

3ـ المتكلّم أبو الفتح الكراجكيّ فإنّه قال في [التعجّب من أغلاط العامّة في مسألة الإمامة ص90]: « وهم الذين قال لهم : "" ائتوني بدواة وكتف ، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي "" ( 6 ) ، فلم يفعلوا ، وقال أحدهم : دعوه فإنه يهجر ، ولم ينكر الباقون عليه ، هذا مع إظهارهم الإسلام ، واختصاصهم بصحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ورؤيتهم الآيات ، وقطع أعذارهم بالمعجزات ».

4ـ وقال الشيخ الكفعميّ في [معارج الأفهام إلى علم الكلام ص134] عند إبطال خلافة غير أهل البيت (عليهم السلام): « وقال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّه ليهجر، أي يهذي، وذلك لمّا قال (صلى الله عليه وآله): آتوني بدواة وكتف أكتب ما لا تضلّون بعدي، فقال عر: حسبنا كتاب الله، إنّه ليهجر ».

5ـ وقال العلّامة النباطيّ البياضيّ في [الصراط المستقيم ج3 ص3] في مطاعن عمر: « منها: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) طلب دواة وكتفاً ليكتب لهم كتاباً لا يختلفون بعده، وأراد النصّ على عليّ (عليه السلام)، وتوكيد ما قال في حقّه يوم الغدير وغيره، فلمّا أحسّ عمر بذلك منعه، وقال: إنّه يهجر، هذه روايتهم فيه ».

6ـ وقال الحسين بن عبد الصمد العامليّ في [وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص72]: « ومنهم من خالف النبي صلى الله عليه وآله بل خالف الله لأنه لا ينطق عن الهوى ، في احضار الدواة والقرطاس ليكتب للمسلمين كتابا "" لن يضلوا بعده أبدا "" ، وشتم النبي ( ص ) حينئذ فقال : دعوه فإنه يهجر . وهذا لا يجوز أن يواجه به المثل لمثله فكيف هذا النبي الكريم ذوا الخلق العظيم . فقد روى ذلك مسلم في صحيحه ، ورواه غيره من أهل النقل ، وكان ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب نبينا ».

7ـ وقال الشهيد القاضي التستريّ في [الصوارم المهرقة ص192]: « قد ثبت مخالفة بعض القوم لرسول الله ص في حال حياته كما نقلوه في صحاحهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه و "" قوله إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب الكتاب ».

8ـ وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في [كشف الغطاء ج1 ص130] عند ذكر مخالفات الثاني: « ومنه: مخالفته للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى في إحضار الدواة والقرطاس ليكتب للمسلمين كتاباً لن يضلَّوا بعده أبداً، فقال: دعوه، فإنّه يهجر، ورواه الأكثر بلفظ: (إنّ الرجل)، وهذا لا يجوز أن يواجه به مثل النبيّ الكريم ذي الخلق العظيم. وقد روى ذلك مسلم في صحيحه، ورواه غيره من أهل النقل. وكان ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ».

9ـ وقال الشيخ الوحيد الخراسانيّ في [منهاج الصالحين ج1 ص228]: « نقتصر على بعض ما روته الصحاح والمسانيد »، وساق الحادثة من جملة من كتب المخالفين، ثمّ قال: « في هذه القضيّة أمور لا بدّ من التأمّل فيها.. »، وذكر عشر أمور، سلّط فيها الضوء على زوايا مختلفة تتعلّق بالحادثة، ويتبيّن مدى شناعتها وفظاعتها، يستحسن للباحثين مراجعتها والتأمّل فيها. 

2022/08/17

2022/08/16

هل يلعن الله شارب الماء قبل طالبه؟!
هذا الخبر المتداول على ألسنة كثيرٍ من الناس لا وجود له، ولا أثرٍ في المصنّفات الحديثيّة والمسانيد، وعليه لا يصحُّ نسبته إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا إلى أحد المعصومين (عليهم السلام).

[اشترك]

ثُمَّ إنّه يُقصد بهذا الكلام أنّ على الإنسان أنْ لا يشرب الماء قبل طالبه، وإلّا استحق اللعنة، واعلم أنّ اللعن المترتّب على مجرّد شرب الماء قبل طالبه مـمّا يستغرب منه ويستنكره كلُّ لبيبٍ له مسكة من عقلٍ فضلاً عن أهل العلم العارفين بأحكام الشريعة الغرّاء الذين بيّنوا أنّ اللعن الصادر من الشارع المقدّس على أمرٍ ما، لا بُدَّ أنْ يكون لخطورة ذلك الأمر خصوصاً من جهة الآثار والمفاسد المترتّبة عليه، ولا يمكن أنْ يصدر اللعن على الأمور اليسيرة والهيّنة كشرب الماء المباح لمجرّد أنّه سبق مَنْ طلبه كما لا يخفى.

*السيد رعد المرسومي

2022/07/11

عرفات.. كربلاء قبل الكعبة: هل الزيارة أفضل من الحج؟!
كثيراً ما نسمع من متحدثين، في أكثر من مناسبة مضمون حديث، يقول: إنّ الله تعالى ينظر إلى زوار الحسين (عليه السلام) يوم عرفة قبل أنْ ينظر إلى حجاج بيته الحرام في عرفات؟

[اشترك]

والسؤال.. هل يوجد حديث بهذا المعنى؟ وبالتالي إن كان موجوداً فما مدى اعتباره وصحته؟

وعلى فرض صحته.. كيف يمكن قبوله، بلحاظ أن الحج هو أمر عبادي أوجبه الله على المسلمين، فكيف يمكن أن يقدم عليه عنوان زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)؟ إذ أن أقصى ما يمكن أن يقال عن الزيارة بأنها أمر مستحب وليس بواجب، فهل يمكن أن يقدم المستحب على الواجب؟!

وعلى فرض تمامية الأجوبة السابقة.. فما هي مدلولات هذا التقديم؟ وما الدليل على ذلك؟

والجواب.. لا بد لنا من أن نبحث في تسلسل هذه الأسئلة، وفي أكثر من محور، لكي نستطيع في النهاية أن نصل الى الجواب الكامل، حول هذا الموضوع بحيث تتضح لنا الحقيقة..

المحور الأول: ما يرتبط بالسؤال الأول عن وجود حديث بهذا المعنى؟

والجواب.. نعم لدينا أكثر من حديث يدل على هذا المعنى، وتدل هذه الأحاديث على خصوصية المقارنة بين زوار الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وحجاج بيت الله الحرام، وسنكتفي بذكر أربع روايات مما ورد في كتاب كامل الزيارات، مع العلم أنها مع غيرها من الروايات وردت في عدد كبير من المصادر بتفاوت يسير في بعض العبارات بما لا يغير في أصل المعنى شيئا.

الحديث الأول: ورد في كامل الزيارات، ص170: وعَنْهُمْ عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يَبْدَأُ بِالنَّظَرِ إِلَى زُوَّارِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، قَالَ قُلْتُ قَبْلَ نَظَرِهِ لِأَهْلِ الْمَوْقِف، قَالَ نعم. الخ.

الحديث الثاني: ورد في كامل الزيارات، ص170 حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ قَالَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع‏ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِزُوَّارِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع قَبْلَ أَهْلِ عَرَفَاتٍ وَ يَقْضِي حَوَائِجَهُمْ وَ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ وَ يُشَفِّعُهُمْ فِي مَسَائِلِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَ عَرَفَةَ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ.

الحديث الثالث: ورد في كامل الزيارات، ص170حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَ جَمَاعَةُ مَشَايِخِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيِّ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَانِيُّ عَنْ مَنِيعِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ بِعَرَفَاتٍ فَأَدْرَكَهَا بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ ع لَمْ يَفُتْهُ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَيَبْدَأُ بِأَهْلِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع قَبْلَ أَهْلِ عَرَفَاتٍ ... الخ .

الحديث الرابع: ورد في كامل الزيارات، ص171حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ اطَّلَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى زُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُمُ اسْتَأْنِفُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ثُمَّ يَجْعَلُ إِقَامَتَهُ عَلَى أَهْلِ عَرَفَاتٍ.

المحور الثاني: ما يتعلق بمدى اعتبار وصحة هذه الأحاديث؟

والجواب.. إن ورود مثل هذه الاحاديث في كتاب كامل الزيارات هو بحد ذاته دليل على ثبوتها واعتبارها، خاصة مع بيان خصوصية هذا الكتاب ومكانة مؤلفه عند علماء الطائفة .

فمؤلف هذا الكتاب هو ابو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي البغدادي المعروف بـابن قولويه والمتوفى سنة 386هـ، وهو من كبار رواة الشيعة في القرن الرابع الهجري.

وهو من أفضل تلامذة محمد بن يعقوب الكليني ومن أبرز مشايخ الشيخ المفيد، و قد نال ابن قولويه احتراماً خاصاً لدى علماء الشيعة واتفق الأصحاب على وثاقته وجلالته، وتوارد عليه النصّ بالوثاقة، ووصفه النجاشي بقوله بأنّه "من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الفقه والحديث.

اما الكتاب " كامل الزيارات" فهو من الكتب الهامة والمشهورة عند الشيعة الإمامية، فقد حصل إتفاق المحدثين والرجاليين بما لا يدع مجالا للشك على نسبته إلى المؤلف المذكور.

ويعدّ من أكثر كتب الشيعة الروائية اعتباراً، فهو أحد أهم المصادر لكتب الادعية والزيارات التي ألفها المتأخرون، والذي بقي على مدى عشرة قرون منذ زمن كتابته مورداً لاهتمام علماء الشيعة وفقهائهم لميّزات عديدةٍ فيه، وقد اعتمد عليه الكثير من علمائنا المتقدمين وأخذوا منه كالشيخ الطوسي في كتابه "تهذيب الأحكام"، و الحر العاملي في "وسائل الشيعة" وغيرهما.

ومن خصائص الكتاب المهمة هو التوثيق العام لرواته، حيث قام ابن قولويه بما يتمتع به من ضبط وصدق وأمانة، بتوثيق جميع رواته في بداية الكتاب، ثم جمع فيه أصح وأوثق الروايات والأحاديث، مما لا يدع مجالا للشك في صحة هذه الروايات.

ولذا فإن السيد الخوئي قدس سره مثلا، كان يرى وثاقة كل الرواة الذين وردت أسماءهم في روايات كتاب كامل الزيارات، رغم أنه في أيامه الأخيرة ضيق الدائرة قليلا، ليحكم بوثاقة كل الرواة المباشرين الذين نقل عنهم ابن قولويه، وهذا يدلل على المكانة المعتبرة لهذا الكتاب عند علماء الطائفة.

المحور الثالث: بعد ثبوت الروايات وصحتها يرد سؤال يرتبط بمعناها، إذ كيف يمكن قبول مثل هذه الاحاديث التي تقدم أمرا مستحبا على أمر واجب، وذلك أن الحج هو أمر عبادي أوجبه الله على المسلمين، وأقصى ما يمكن أن يقال عن زيارة الحسين عليه السلام بأنها أمر مستحب ؟ فكيف يمكن أن يقدم المستحب، وهو الزيارة على الحج، وهو واجب؟

والجواب: على هذا السؤال يتضح من خلال بيان أمرين:

الأمر الأول: إن هذه المقارنة بين أمر واجب وأمر مستحب في غير محلها، لأن المقارنة تكون بين امرين مشتركين مندرجين تحت عنوان واحد، فحقيقة الواجب تختلف عن حقيقة المستحب، إذ أن الواجب فيه أمر بالفعل ونهي شرعي عن الترك، بينما حقيقة المستحب انه أمر بالفعل مع جواز الترك، وبالتالي فالمقارنة بين الأمرين في غير محلها، ولكي تصح المقارنة فلا بد وان تكون بين أمرين مشتركين كأن تكون بين واجبين أو مستحبين مثلا، ولا تصح بين واجب ومستحب.

الأمر الثاني: إن ما يدل على ما ذكرناه من أن الأحاديث التي مر ذكرها لا تلحظ المقارنة بين الحج الواجب والزيارة، بل تلحظ إرشاد من تعذر عليه الحج لسبب من الأسباب، فإن الروايات تحثه على زيارة الحسين عليه السلام.

وفي ذلك أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى نذكر منها:

 الحديث الأول:  الوارد في كامل الزيارات، ص 173ونصه ما يلي:  حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ عَنْ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ كَانَ مُعْسِراً فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ فَلْيَأْتِ قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع وَ لْيُعَرِّفْ عِنْدَهُ- فَذَلِكَ يُجْزِيهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا لِلْمُعْسِرِ، فَأَمَّا الْمُوسِرُ إِذَا كَانَ قَدْ حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ- وَ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ شُغُلُ دُنْيَا أَوْ عَائِقٌ فَأَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ وَ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً- .

قَالَ قُلْتُ كَمْ تَعْدِلُ حِجَّةً وَ كَمْ تَعْدِلُ عُمْرَةً قَالَ لَا يُحْصَى ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ مِائَةً قَالَ وَ مَنْ يُحْصِي ذَلِكَ قُلْتُ أَلْفاً قَالَ وَ أَكْثَرَ ثُمَّ قَالَ‏ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها- إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ‏.

الحديث الثاني: في كامل الزيارات ، ص159 وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع فَقَدْ حَجَّ وَ اعْتَمَرَ قَالَ قُلْتُ يَطْرَحُ عَنْهُ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ قَالَ لَا هِيَ حِجَّةُ الضَّعِيفِ حَتَّى يَقْوَى- وَ يَحُجَّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَيْتَ يَطُوفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ صَعِدُوا وَ نَزَلُوا غَيْرُهُمْ فَطَافُوا بِالْبَيْتِ حَتَّى الصَّبَاحِ وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ ع لَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِنَّهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شُعْثٌ غُبْرٌ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمُ النَّوْبَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

الحديث الثالث: في كامل الزيارات ص 157 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ‏ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ الْحَجَّ ولَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَأَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع فَعَرَّفَ عِنْدَهُ يُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنِ الْحَجِّ.

فمن يتأمل في هذه الأحاديث الثلاثة فإنه يجد فيها تصريحا بعدم إغناء الزيارة عن حجة الاسلام، وأنها لا تسقط حجة الاسلام عمن يتمكن منها، ولكن تبين أن فيها ثوابا عظيما يمنحه الله تعالى لمن يزور الحسين عليه السلام يوم عرفة اذا لم يكن متمكنا من أداء حجة الاسلام، لأن التكليف بحجة الاسلام يكون ساقطا عنه لعدم التمكن، وبالتالي فإن باستطاعة الزائر ان يحصّل الثواب العظيم المضاعف من خلال زيارته للحسين عليه السلام أكثر مما يحصل عليه في حجه.

المحور الرابع: ويتناول السؤال عن مدلول هذا التقديم، والدليل عليه؟

والجواب: مما لا شك فيه أن وراء كل تشريع إلهي، أو تكليف شرعي بأي من الأحكام التكليفية الخمسة من وجوب وحرمة واستحباب وكراهة إضافة إلى الإباحة حكمة ما، فتارة تكون الحكمة ظاهرة وتارة تكون خفية، وتارة نستطيع ان نتعرف او ندرك بعض جوانبها من خلال بعض الأدلة والقرائن، وتارة تبقى خصائصها خفية علينا بالمطلق.

والبحث هنا يتعلق بالمقارنة حول ما يرتبط بتشريعين مستحبين ورد الحث عليهما:

احدهما: الحث على الحج المستحب لبيت الله الحرام، لمن سقط عنه التكليف الشرعي الواجب مرة في العمر، فقد بينت النصوص ثوابا عظيما يمنحه الله تعالى لمن يكرر الحج استحبابا في أي عام إن كان متمكنا من ذلك.

ثانيهما: الحث على زيارة الامام الحسين عليه السلام بشكل عام، وخصوص زيارته يوم عرفة والتي تترافق زمانا مع أداء الحجاج لنسك الوقوف في جبل عرفات، وهذا الحث على الزيارة في هذا التوقيت يشمل صنفين من الناس.

الصنف الأول: من كانت لديه رغبة بأداء الحج الواجب ولم يتمكن لسبب ما فكان الحث له بأن يستعيض عن ذلك بزيارة الحسين عليه السلام فيكسب ثوابا أعظم من الثواب الذي يحصل عليه فيما لو تمكن من أداء الحج.

الصنف الثاني: من سقط عنه الحج الواجب، ولكنه يرغب بتحصيل الثواب من خلال تكرار الحج المستحب.

فهنا نجد أن الحث قد جاء لكلا الصنفين بالتوجه لزيارة الحسين عليه السلام في هذا التوقيت مع وعد الهي بالحصول على ثواب اعظم من الثواب الذي يحصل عليه في حال اداءه الحج المستحب.

وهنا صار بإمكاننا أن نطرح السؤال بصيغة مختلفة فنقول: هل يمكننا ان نعرف او ندرك شيئا من الحكمة في هذين التشريعين (الحج المستحب، وزيارة الحسين) بحيث أن التكريم الإلهي منح الثواب الأعظم لزوار الحسين عليه السلام يوم عرفة قبل حجاج بيته الحرام؟ (الذين يؤدون الحج الاستحبابي، بعد أن اتضح لنا أن من يؤدي الحج الواجب هو خارج دائرة المقارنة).

وجوابا نقول: علينا أن نقارن بين ما يرتبط بالتشريعين لنصل إلى النتيجة من خلال ما يلي:

أولاً: لو نظرنا الى فريضة الحج وفلسفة تشريعها لوجدنا أن الحج هو أمر عبادي، أوجبه الله تعالى على الانسان مرة في العمر مقرونا بتوفر شرط الاستطاعة، وحث على تكراره استحبابا لمن يتمكن من ذلك لرغبة لديه في أن تبقى هذه الشعيرة حية بين الناس، فتتجسد من خلالها بعض المعاني التي ترمز اليها مناسكها والتي ترتبط بزمان ومكان وكيفية معينة، وهو ما نفهمه من عدد من الآيات والاحاديث نذكر على سبيل المثال ما قاله النبي إبراهيم عليه السلام عندما امره الله تعالى بأن يترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل عند البيت الحرام من قبل ان يقوما ببنائه لاحقا، حيث قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ( إبراهيم 37).

ثم بعد ان يبني إبراهيم البيت مع ابنه إسماعيل نراه يقول: ‏ وَ إِذْ يَرْفَعُ‏ إِبْراهيمُ‏ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ الْعَليمُ * رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيم‏(البقرة 128،127). فهو يدعوا الله تعالى بأن يبين له المناسك، ويستجيب الله تعالى له فكان تشريع المناسك من الله تعالى لكيفية الحج مرتبطا برحلة ابراهيم وما حصل مع ابنه اسماعيل، فالسعي بين الصفا والمروة فيه محاكاة لما حصل مع هاجر كما ورد في النصوص عن الامام الصادق عليه السلام كما في تفسير القمي(ج1 ص61): ثُمَّ مَضَى (إبراهيم) وَ بَقِيَتْ هَاجَرُ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ عَطِشَ إِسْمَاعِيلُ وَ طَلَبَ الْمَاءَ فَقَامَتْ هَاجَرُ فِي الْوَادِي فِي مَوْضِعِ الْمَسْعَى فَنَادَتْ هَلْ فِي الْوَادِي مِنْ أَنِيسٍ فَغَابَ إِسْمَاعِيلُ عَنْهَا فَصَعِدَتْ عَلَى الصَّفَا وَ لَمَعَ لَهَا السَّرَابُ فِي الْوَادِي وَ ظَنَّتْ أَنَّهُ مَاءٌ فَنَزَلَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَ سَعَتْ فَلَمَّا بَلَغَتِ الْمَسْعَى غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ ثُمَّ لَمَعَ لَهُ السَّرَابُ فِي نَاحِيَةِ الصَّفَا فَهَبَطَتْ إِلَى الْوَادِي تَطْلُبُ الْمَاءَ فَلَمَّا غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ عَادَتْ حَتَّى بَلَغَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّوْطِ السَّابِعِ وَ هِيَ عَلَى الْمَرْوَةِ فَنَظَرَتْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَ قَدْ ظَهَرَ الْمَاءُ مِنْ تَحْتِ رِجْلَيْهِ قَعَدَتْ حَتَّى جَمَعَتْ حَوْلَهُ رَمْلًا فَإِنَّهُ كَانَ سَائِلًا فَزَمَّتْهُ بِمَا جَعَلَتْهُ حَوْلَهُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ زمزما.

وكذلك ما يرتبط ببقية المناسك ففي نفس الحديث السابق انه بعد ان قام إبراهيم وإسماعيل ببناء البيت.. فَلَمَّا بَنَاهُ وَ فَرَغَ مِنْهُ حَجَّ إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ وَ نَزَلَ عَلَيْهِمَا جَبْرَئِيلُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِثَمَانٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ قُمْ فَارْتَوِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى وَ عَرَفَاتٍ مَاءٌ فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةَ لِذَلِكَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا فَفَعَلَ بِهِ مَا فَعَلَ بِآدَمَ ع فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ‏ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ.

وتحكي لنا النصوص جميع ما يرتبط بمناسك الحج وفيها محاكاة لتلك المناسك التي اداها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(تفسير القمي ج2 ص224) وَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ بَاتَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ .. فَرَأَى فِي النَّوْمِ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ‏.. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مِنًى رَمَى الْجَمْرَةَ هُوَ وَ أَهْلُهُ وَ أَمَرَ سَارَةَ أَنْ زُورِي الْبَيْتَ وَ احْتَبَسَ الْغُلَامَ‏ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَاسْتَشَارَ ابْنَهُ وَ قَالَ كَمَا حَكَى اللَّهُ‏ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى‏ فَقَالَ الْغُلَامُ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ امْضِ لِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ‏ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ‏ .. وعندما اراد ابراهيم ان ينفذ امر الله تعالى بذبح ابنه جاء الوحي الالهي َّ وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيم‏  فنزل جبرائيل ومعه الكبش فداء عن اسماعيل قائلا.. ِ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِين‏.

فكان تشريع الذبح في مناسك الحج يوم العيد كغيره من المناسك التي تحكي ما يرتبط بحج إبراهيم عليه السلام.

فالخلاصة في ذلك إن تشريع الحج فيه محاكاة لأبينا إبراهيم فيما حصل معه ويجسد استجابة لدعوته بتحويل تلك المنطقة المقفرة الى مقصد الناس ومهوى للأفئدة..

وبالتالي فقد شرع الله تعالى امرا عباديا وهو الحج الى تلك البقعة مرة في العمر على كل مستطيع، وحث على تكراره لمن تتكرر عنده الاستطاعة.

ثانيا: لو نظرنا الى زيارة الامام الحسين عليه السلام لوجدنا انها وإن كانت لها جنبة عبادية إلا أنها ترتبط بعنوان له بعده العقائدي الذي يرتبط بالموقع الإلهي للإمام الحسين عليه السلام.

ففي الاحاديث الواردة بخصوص زيارة الحسين عليه السلام نجد عشرات النصوص والتي ورد فيها مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ ع عَارِفاً بِحَقِّهِ‏.. للتدليل على البعد العقائدي لهذه الزيارة.

ومن ذلك ما ورد في كامل الزيارات وسنكتفي بذكر نصين منه:

كامل الزيارات ص138 حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّهُمْ يَرَوْنَ- أَنَّهُ مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ ع كَانَتْ لَهُ حِجَّةٌ وَ عُمْرَةٌ قَالَ لِي مَنْ زَارَهُ وَ اللَّهِ عَارِفاً بِحَقِّهِ‏ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ.

كامل الزيارات ص140 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ صَالِحٍ النِّيلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ مَعَ رَسُولِ اللَّه.‏

اذن فالبعد العقائدي واضح في الحث على زيارة الحسين، خاصة اذا قارناه بكلام النبي صلى الله عليه وآله بحق الحسين والدال على موقعيته .. حسين مني وانا من حسين (مجمع عليه).

وبما ورد من نصوص الزيارات المروية عن الائمة عليهم السلام والتي تبين موقعية الحسين من كونه وارث الأنبياء، وبعبارة أدق هو وارث المشروع الإلهي على الأرض، وهو ما نفهمه من الزيارة:

ففي كامل الزيارات ص 205.. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِ‏ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لِلْمُفَضَّلِ كَمْ بَيْنَكَ وبَيْنَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع ثم يبين له عليه السلام مقدار الثواب العظيم للزيارة الى ان يعلمه عباراتها بالقول:

 يَا مُفَضَّلُ إِذَا أَتَيْتَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَقِفْ بِالْبَابِ وَ قُلْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ كِفْلًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَقُلْتُ مَا هِيَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ‏ آدَمَ‏ صَفْوَةِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ‏ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ [نَبِيِ‏] اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عَلِيٍّ وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ الْحَسَنِ الرَّضِيِّ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ الشَّهِيدُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبَارُّ التَّقِيُّ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَ ابْنَ حُجَّتِه‏ ... الخ

ثالثا: من الثابت من الناحية الفقهية عند جميع الفقهاء ومن جميع المذاهب أن وجوب الحج يسقط حال الخوف على النفس أو المال، وهو يعني سقوط التكليف الشرعي عن أداء الحج الواجب في حالة الخوف، ومن باب أولى أن يسقط الحث على الحج المستحب في مثل تلك الموارد..

اما فيما يتعلق بزيارة الحسين عليه السلام فإنها وبالخصوص، قد ورد الحث على عدم تركها حتى في مورد الخوف والخطر، وهو ما درج عليه اتباع اهل البيت عليهم السلام في شتى العصور من عصر المتوكل العباسي الى عصرنا الحاضر الذي يتعرضون فيه للتفجير والقتل والاغتيال..

وهذا يدلل على مدى أهميتها والرغبة الالهية بعدم تركها في كل الظروف لما لها من خصوصية ورمزية، ومن الأدلة على الحث على زيارة الحسين حتى مع الخوف بعض النصوص التالية:

كامل الزيارات ص125 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ عَنْ حَمَّادٍ ذِي النَّابِ عَنْ رُومِيٍّ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع مَا تَقُولُ فِيمَنْ زَارَ أَبَاكَ عَلَى خَوْفٍ قَالَ يُؤْمِنُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَ تَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ وَ يُقَالُ لَهُ لَا تَخَفْ وَ لَا تَحْزَنْ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي فِيهِ فَوْزُكَ.

كامل الزيارات ص125 وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنِّي أَنْزِلُ الْأَرَّجَانَ وَ قَلْبِي يُنَازِعُنِي إِلَى قَبْرِ أَبِيكَ فَإِذَا خَرَجْتُ فَقَلْبِي وَجِلٌ مُشْفِقٌ حَتَّى أَرْجِعَ خَوْفاً مِنَ السُّلْطَانِ وَ السُّعَاةِ وَ أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ فَقَالَ يَا ابْنَ بُكَيْرٍ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ فِينَا خَائِفاً أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ خَافَ لِخَوْفِنَا أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ وَ كَانَ مُحَدِّثُهُ الْحُسَيْنَ ع تَحْتَ الْعَرْشِ وَ آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَفْزَعُ النَّاسُ وَ لَا يَفْزَعُ فَإِنْ فَزِعَ قَوَّتْهُ‏ الْمَلَائِكَةُ وَ سَكَّنَتْ قَلْبَهُ بِالْبِشَارَةِ.

كامل الزيارات ؛ ص126 حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ حَكِيمٍ السَّرَّاجُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ حَسّانَ الْبَصْرِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ لَا تَدَعْ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع لِخَوْفٍ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ يَرَى اللَّهُ شَخْصَكَ وَ سَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْأَئِمَّةُ ع أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَى وَ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُ سَبْعِينَ سَنَةً أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ يُتْبَعُ بِهِ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُولُ اللَّهِ.

كامل الزيارات ؛ النص ؛ ص126حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ قَالَ حَدَّثَنَا مُدْلِجٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ع هَلْ تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع قُلْتُ نَعَمْ عَلَى خَوْفٍ وَ وَجَلٍ فَقَالَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ وَ مَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ وَ انْصَرَفَ بِالْمَغْفِرَةِ وَ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ زَارَهُ النَّبِيُّ ص وَ دَعَا لَهُ- وَ انْقَلَبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ وَ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.

 النتيجة التي يمكن ان نصل اليها من خلال هذه المقارنة هي:

أولا: عندما يمتثل المكلف امرا واجبا فهو قد امتثل امر الله تعالى له، وله ثواب امتثال الامر الواجب الذي يمنحه الله تعالى إياه، سواء كان الدافع الرغبة في الثواب، او الخوف من العقاب، ولذا يحصل التفاوت في الدرجات.

أما عندما يبادر المكلف الى امتثال امر مستحب لا بدافع الخوف من العقاب بل بدافع الرغبة المطلقة بطاعة الله وتحقيق رضاه، فإنه حينئذ يستحق التكريم من اكرم الاكرمين ، ومهما عظم هذا التكريم فهو يدل على كرم العظيم. فهو أعظم مما يمنحه الله تعالى للمطيع عن خوف العقاب.

ثانيا: عندما تكون المقارنة بين امر عبادي، وبين أمر له بعده العقائدي، فلا شك ولا ريب بأن أهمية الامر العقائدي أعظم بكثير من الامر العبادي، اذ لا قيمة للأمور العبادية في حال وجود خلل في البنية العقائدية، وهو ما يفهم من كثير من النصوص ومنها تفضيل العالم على العابد.

ثالثا: ان زيارة الحسين عليه السلام هي ذات بعد عقائدي كما اتضح معنا مما مر بيانه، وأما الحج المستحب فهو امر عبادي، وشتان بين أمر يتعلق بترسيخ الأسس العقائدية وتمتينها وتقويتها واظهارها وابقاءها بما يؤدي الى استقامة المجتمع، وبين امر عبادي يحصل المكلف على ثواب شخصي على امتثاله..  وبالتالي فإن أهمية ما يمتن ويقوي البناء العقائدي هي أعظم بكثير من الامر العبادي لان الأساس العقائدي السليم هو المرتكز لقبول الاعمال العبادية.

وهكذا تكون زيارة الحسين أكثر أهمية واعظم أثرا وأكثر ثوابا من الحج المستحب، لذا فالله ينظر الى زوار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة قبل ان ينظر الى حجاج بيته الحرام في عرفات.

2022/07/09

هل يمكن أن نرى ’الجن’؟!
هل الشخص الذي يرى أشياءً أو شخصا ما حوله يلاحقه يكون قد رأى الجن؟

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ حبيب الكاظمي:

الجن وجود في قبال الإنس، وهم أمة من الأمم خلقت من نار، منهم الصالحون، ومنهم القاسطون، منهم الذكور والإناث، وهم يتناسلون، كانوا طرائق قددا.

ولسنا مكلفين بالبحث عنهم، ولا التحرش بهم، ولا تسخيرهم.. ولم يسلطهم الله عز وجل على بني آدم بشكلٍ جزافي.. وعلينا أن نعلم أن ما يتراءى للبعض أنه الجن كثيرا ما يكون ضربا من الخيال والوهم، يلازم عادة الوحدة وبعض الظروف الحرجة.

وفي بعض الحالات من مناشىء هذا الوهم، بعض الأمراض النفسية، فيرى الإنسان ما لا واقع له.

ومن موجباته التلقين النفسي وخاصة عند من يكثرون الاستماع للقصص في هذا المجال، ويعيشون هذا الهاجس من أثر التلقين المستمر.. وكثيرا ما يعزي البعض إحباطهم في الحياة لمثل هذه الأمور، متنصلين عن تحمل المسؤولية والتفكير الواقعي.. وعلى فرض الخشية من هذا الأمر، عليكم الالتزام بقراءة القرآن الكريم كآية الكرسي، والمعوذتين والتوحيد والكافرون والإكثار من الحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، فإنها دافعة لكل شر مادي ومعنوي.

2022/07/05

من عرف نفسه عرف ربه.. ما هي ’معرفة النفس’؟
هناك الكثير من التفسيرات الفلسفية والعرفانية لهذا الحديث، وهي تفسيرات لا تقف عند حدود الدلالة العرفية للكلمات، وإنما تتعداها إلى معاني ودلالات اصطلاحية خاصة بأهل الاختصاص.

[اشترك]

ومن المستبعد أن يكون منظور الإمام علي (عليه السلام) هو هذه المعاني التي لا يدركها إلا الخواص من الناس، فالحديث خطاب لجميع البشر وليس خاصاً بالنخبة من الفلاسفة والعرفاء، حاله في ذلك حال القرآن الذي قال تعالى عنه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، وعليه يجب أن نبحث عن معرفة بالنفس يكون في وسع الجميع معرفتها، وليست المعرفة التي تكون من مختصات أهل السير والرياضات الروحية، ويتأكد ذلك بالرجوع إلى بقية الأحاديث التي جاءت في هذا السياق، حيث نجدها تنبه الإنسان إلى حقائق في نفسه يعرفها بمجرد تذكيره وتنبيهه بها، فمثلاً جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه).

وجاء في صحف إدريس: (من عرف الخلق عرف الخالق، ومن عرف الرزق عرف الرازق، ومن عرف نفسه عرف ربه). وفي الرواية أن رجلاً اسمه مجاشع دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله! كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال (صلى الله عليه وآله): معرفة النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى موافقة الحق؟ قال: مخالفة النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى رضا الحق؟ قال: سخط النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى وصل الحق؟ قال: هجر النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى طاعة الحق؟ قال: عصيان النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى ذكر الحق؟ قال: نسيان النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى قرب الحق؟ قال: التباعد من النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى انس الحق؟ قال: الوحشة من النفس، فقال: يا رسول الله! فكيف الطريق إلى ذلك؟ قال: الاستعانة بالحق على النفس).

فأكثر الحقائق التي يجدها الإنسان في نفسه ومن نفسه هي حقيقة كونه مخلوق مضطر في وجوده إلى غيره، ولكن الإنسان بجهله وغروره يغفل عن هذه الحقيقة الواضحة، ومن هنا فإن العارف بهذه الحقيقة من نفسه عارفاً بربه، فالإنسان في حقيقة نفسه كائن مخلوق مربوب لله تعالى، لا يملك من وجوده ومن شؤونه حولاً ولا قوة: (هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)، ولكن غرور الإنسان وجهله يحجبه عن رؤية هذه الحقيقة الواضحة (يا أَيُّهَا الإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ، فالإنسان في منطق القرآن، كائن مغرور بنفسه من غير أن يملك مبرراً لغروره، إذ لا يملك شيئاً من دون الله، فالإنسان مخلوق طارئ على هذا الوجود، مضطر في وجوده وبقائه لله تعالى، فهو ليس إلا عبداً مملوكاً لسيده، وبذلك لا يخرج الإنسان من نظام الخلقة القائم بالله، وما خُصَّ به الإنسان دون سائر المخلوقات من حرية وإرادة، لا تُخرجه من ملكوت الله وحاكميته المطلقة، كما لا تحرر الإنسان من واقع فقره وحاجته لله سبحانه وتعالى، (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فمن غفل عن فقره وحاجته غفل بالتأكيد عن الله تعالى، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه؟ فمن يجهل بأنه موجود طاري ومخلوق محتاج كيف يهتدي لموجده وخالقه؟

يقول السيد الطباطبائي في شرح هذا الحديث: (فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه، وشاهد فقرها إلى ربها، وحاجتها في جميع أطوار وجودها، وجد أمرا عجيبا، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء، متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها بما لا يتناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجود والحياة والعلم والقدرة، وغيرها من كل كمال).

وهذا ما فهمه هشام بن الحكم عندما قال: إن سأل سائل فقال: بم عرفت ربك؟ قلت: عرفت الله جل جلاله بنفسي؛ لأنها أقرب الأشياء إلي، وذلك أني أجدها أبعاضا مجتمعة وأجزاء مؤتلفة، ظاهرة التركيب، متبينة الصنعة، مبينة على ضروب من التخطيط والتصوير، زائدة من بعد نقصان، وناقصة من بعد زيادة، قد أنشأ لها حواس مختلفة، وجوارح متباينة - من بصر وسمع وشام وذائق ولا مس - مجبولة على الضعف والنقص والمهانة، لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها ولا تقوى على ذلك، عاجزة عند اجتلاب المنافع إليها، ودفع المضار عنها، و استحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة لا مصور لها، فعلمت أن لها خالقا خلقها، ومصورا صورها، مخالفا لها على جميع جهاتها، قال الله عز وجل ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في رده على سؤال الديصاني ما الدليل على أن لك صانعا؟ قال: وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري، فإن كنت صنعتها أنا فلا أخلو من أحد معنيين: إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة، أو صنعتها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئا فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب العالمين فقام وما أحار جوابا.

فأول معاني معرفة النفس هي معرفة كونها مخلوقة ومحتاجة في وجودها وفي كمالاتها الوجودية لله تعالى، فمن عرف في نفسه الفقر والحاجة عرف بالضرورة من أوجدها ومن هو مالك لحولها وقوتها، والمعنى الآخر من معاني معرفة النفس هو معرفة ما فهيا من عوامل القوة والضعف، فالعقل والإرادة والفطرة تمثل جانب القوة فيها، والشهوات والأهواء تمثل جانب ضعفها، قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، فمن عرف نفسه كما جاء في هذه الآية عرف الله تعالى، فقوله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)، تشير إلى حقيقة كونها مخلوقة، وقوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) تشير إلى كونها مركبة من عوامل الخير والشر، فمن عرف كمال النفس ونواقصها عرف أن النقص من ذاته والكمال من غيره، وقد أكدت الآيات على ذلك بقولها: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، وعليه فإن ابتلاء الإنسان في هذه الحياة هو في تطهير النفس من عوامل الفجور وتعزيز عوامل التقوى، ومن هنا كانت معرفة النفس طريق إلى معرفة الله تعالى.

*الشيخ معتصم السيد أحمد – باحث وأستاذ في الحوزة العلمية

2022/07/05

الهبوط من الجنة: ما هي المعصية التي ارتكبها آدم؟!
المكانة التي ذكرها القرآن لآدم سامية ورفيعة، فهو خليفة الله في الأرض ومعلم الملائكة، وعلى درجة كبيرة من التقوى والمعرفة، وهو الذي سجدت له ملائكة الله المقربين. ومن المؤكد أن آدم هذا لا يصدر عنه ذنب، إضافة إلى أنه كان نبيّا، والنّبي معصوم.

[اشترك]

من هنا يطرح سؤال عن نوع العمل الذي صدر عن آدم. وتوجد لذلك ثلاثة تفسيرات يكمل بعضها الآخر.

١ ـ ما ارتكبه آدم كان «تركا للأولى» أو بعبارة اخرى كان «ذنبا نسبيا»، ولم يكن «ذنبا مطلقا».

الذنب المطلق، وهو الذنب الذي يستحق مرتكبه العقاب أيا كان، مثل الشرك والكفر والظلم والعدوان. والذنب النسبي هو الذي لا يليق بمرتكبه أن يفعله لعلوّ منزلة ذلك الشخص، وإن كان ارتكابه مباحا، بل مستحبا أحيانا من قبل الأفراد العاديين. على سبيل المثال، نحن نؤدي الصلاة بحضور القلب تارة، وبعدم حضور القلب تارة اخرى. وهذه الصلاة تتناسب وشأننا، لكن مثل هذه الصلاة لا تليق بأفراد عظام مثل رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم. صلاة الرّسول ينبغي أن تكون بأجمعها اتصالا عميقا بالله تعالى، وإن فعل الرّسول غير ذلك فلا يعني أنه ارتكب محرّما، بل يعني أنه ترك الاولى.

وآدم كان يليق به أن لا يأكل من تلك الشجرة، وإن كان الأكل منها غير محرّم بل «مكروها».

٢ ـ نهي الله لآدم إرشادي، مثل قول الطبيب: لا تأكل الطعام الفلاني فتمرض. والله سبحانه قال لآدم : لا تقرب هذه الشجرة فتخرج من الجنّة. وآدم في أكله من الشجرة خالف نهيا إرشاديا.

٣ ـ الجنّة التي مكث فيها آدم لم تكن محلا للتكليف، بل كانت دورة اختبارية وتمهيدية لآدم كي يهبط بعدها إلى الأرض. وكان النهي ذا طابع اختياري (١).

إن أكبر مفاخر آدم وأعظم نقاط قوته التي جعلته زبدة الكون ومسجود الملائكة هي ـ كما يظهر من الآيات ـ تعليمه الأسماء واطلاعه على حقائق الكون وأسراره.

واضح أن آدم خلق لهذه العلوم، وأبناء آدم ـ إن أرادوا التكامل ـ عليهم أن يستزيدوا من هذه العلوم، وتكاملهم يتناسب مرادفا مع معلوماتهم عن أسرار الخليفة.

نعم، القرآن يصرّح بأن عظمة آدم تكمن في هذه النقطة. ولكن التوراة تذهب إلى أن سبب خروج آدم من الجنّة وخطيئته الكبرى هو اتجاهه نحو العلم ومعرفة الصالح والطالح! جاء في الفصل الثاني من «سفر التكوين» من التوراة: «وأخذ الرّبّ الإله آدم ووضعه في جنّة عدن ليعلمها ويحفظها. وأوصى الرّب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنّة تأكل آكلا. وأمّا شجرة معرفة الخير والشّرّ فلا تأكل منها. لأنّك يوم تأكل منها موتا تموت».

وجاء في الفصل الثالث من التوراة: «وسمعا صوت الرّبّ الإله ماشيا في الجنّة عند هبوب ريح النّهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرّبّ الإله في وسط شجر الجنّة. فنادى الرّبّ الإله آدم وقال له أين أنت. فقال سمعت صوتك في الجنّة فخشيت لأنّي عريان فاختبأت. فقال من أعلمك أنّك عريان. هل أكلت من الشّجرة الّتي أوصيتك أن لا تأكل منها. فقال آدم : المرأة الّتي جعلتها معي هي أعطتني من الشّجرة فأكلت ....

وقال الرّبّ الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفا الخير والشّر، والآن لعلّه يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحيوة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرّبّ الإله من جنّة عدن ليعمل الأرض الّتي أخذ منها. فطرد الإنسان وأقام شرقيّ جنّة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحيوة»!!

من هذه «الأسطورة التافهة»، التي تعرضها التوراة الحالية باعتبارها واقعا تاريخيا يتبين لنا رأي التوراة الحالية في سبب خروج آدم من الجنّة، فهو على رأي هذه الأسطورة معرفة آدم بالخير والشر، وذنبه الأكبر هو الاتجاه نحو العلم والمعرفة!!

 وإن لم يمدّ آدم يده إلى «شجرة الخير والشّر» لبقي جاهلا حتى بقبح التعرّي، ولما أخرج من الجنّة، بل كان فيها خالدا.

فيا عجبا، لم إذا حزن آدم على خروجه من الجنّة إذا كان خروجه قد اقترن باكتسابه العلم والمعرفة وبتمييزه بين الخير والشر، إنها صفقة رابحة تلك التي حصل عليها آدم، فلما ذا ندم عليها؟! ويتضح من ذلك أنّ أسطورة التوراة تقع في النقطة المقابلة للاتجاه القرآني الذي يرى أن مكانة الإنسان ومقامه وسرّ خلقته تكمن في «تعليمه الأسماء».

أضف إلى ما سبق أن هذه الأسطورة تتضمّن مفاهيم مشينة مخجلة بشأن الله سبحانه وبشأن المخلوقات، كل واحدة منها تثير الدهشة أكثر من غيرها، وهي عبارة عن:

١ ـ نسبة الكذب إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (كما جاء في الجملة ١٧ من الاصحاح الثاني : أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت)!

 ٢ ـ نسبة البخل إلى الله سبحانه (كما جاء في الجملة ٢٢ من الاصحاح الثالث:وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر. والآن لعله يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد)!

٣ ـ إمكان وجود الشريك لله تعالى (كما في العبارة السابقة : قد صار كواحد منا).

٤ ـ نسبة الحسد إلى الله (ويستفاد ذلك من العبارة السابقة أيضا).

٥ ـ تجسيم الله سبحانه (... وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنّة عند هبوب ريح النهار)!

 ٦ ـ نسبة الجهل إلى الله بالحوادث التي تقع قريبا منه (كما تقول هذه التوراة : فاختبأ آدم وامرأته من وجه الربّ الإله في وسط شجر الجنّة. فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت؟!)

 (ولا بدّ من التأكيد هنا أن هذه الخرافة لم تكن في التوراة المنزلة، بل أضيفت فيما أضيف إلى التوراة).

*آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – مرجع ديني

الهوامش: (١) لمزيد من التوضيح في هذا المجال، راجع المجلد الرابع من هذا التّفسير، ذيل الآيات (١٩ ـ ٢٢) من سورة الأعراف، والمجلد العاشر ذيل الآية (١٢١) من سورة طه.
2022/07/02

برزنّ من الخدور.. لماذا نلطم على مصائب أهل البيت (ع)
لماذا نلطم نحن الشيعة على أهل البيت (عليهم السلام)؟

[اشترك]

الجواب من سماحة السيد عبد الهادي العلوي:

اللطم عرفاً هو ضرب الصدر أو الوجه أو الرأس أو صفحة الجسد براحة اليد حزناً على المصيبة، ويعدّ من الأفعال الفطريّة التي قد يبديها كلّ إنسان يُصاب بفاجعة، وهو في الغالب أسلوب جماعيّ، ويتضمّن أكثر من وسيلة لتعظيم الشعائر، كإنشاد الشعر، والبكاء والإبكاء والتباكي، والصراخ وشقّ الجيب. [ينظر: فقه الشعائر الحسينيّة ج3 ص98].

واللطم على أهل البيت (عليهم السلام)، سيّما سيّد الشهداء (عليه السلام)، يعدّ مظهراً من مظاهر الحزن والجزع عليهم (عليهم السلام)، ومن مصاديق الشعائر المقدّسة، التي هي من تقوى القلوب، كما في الآية المباركة: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [سورة الحج: 32]. وحال اللطم كحال غيره من الأفعال التي تعدّ من تجليّات الحزن والمصاب والشعيرة؛ كالبكاء والندبة والصراخ والعويل وغيرها.

وقد جاءت الأدلّة الشرعيّة على جواز هذه الممارسات والأفعال على سادات الوجود، أهل البيت (عليهم السلام)؛ إذ إنّ الكلام فيها إنّما هو من الجهة الشرعيّة، الجواز وعدمه، الرجحان وعدمه، وهي ممّا يُستفاد من الشرع المقدّس، فينبغي أن تكون الأدلّة شرعيّة، مستقاة من الشارع، لا من الأوهام والتخيّلات والاستحسانات والعقد النفسيّة وأشباهها.

فمن الأدلّة:

ما رواه الشيخ الطوسيّ في [تهذيب الأحكام ج8 ص325] بالإسناد عن خالد بن سدير، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: « وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود ـ الفاطميّات ـ على الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، وعلى مثله تُلطَم الخدود وتُشقُّ الجيوب ».

قال الفقيه المحقّق السيّد جواد العامليّ في [مفتاح الكرامة ج4 ص301] بعد الإشارة للرواية: « قلت: فعل الفاطميّات على الحسين (عليه السلام) متواتر، فيمكن الاستدلال به على المسألة مع تقرير زين العابدين (عليه السلام) ».

وورد في زيارة الناحية المقدّسة: « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، ونظرن سرجك عليه ملويّاً، برزن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات.. »، وفيها: « ولطمت عليك الحور العين ».

وورد: أنّ العقيلة (عليها السلام) لمّا سمعت أخاها الإمام الحسين (عليه السلام) ينعى نفسه أهوت إلى جيبها فشقّته، ولطمت وجهها، وبكى النسوة ولطمن الخدود. [الإرشاد ج2 ص94].

وورد: أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) حينما خطب بالقوم خطبته الأخيرة سمعته بناته وأخته زينب بكين وندبن ولطمن. [اللهوف ص53].

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في خصوص لطم الفاطميّات على سيّد الشهداء (عليه السلام).

ويمكن الاستدلال بهذه الروايات لوجوه:

الأوّل: أنّ فعل الفاطميّات (عليهن السلام) كان بمرأى ومسمع المعصومين (عليه السلام)، وهم سيّد الشهداء وزين العابدين ومحمّد الباقر (عليهم السلام)، ففعلهنّ يحظى بالسنّة التقريريّة لثلاثة من المعصومين (عليهم السلام)، ويكفي في مثل هذا التقرير وقوع العمل في محضرهم ولم يردعوا عنه، فهو من قبيل الإمضاء السكوتيّ. والمرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام): « وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود ـ الفاطميّات ـ على الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، وعلى مثله تُلطَم الخدود وتُشقُّ الجيوب » يفيد تقريره وإمضاءه؛ إذ ليس الإمام (عليه السلام) في مقام الردع والذمّ لأسرته الشريفة، وإنّما في مقام الحضّ والترغيب، بل كلام الإمام (عليه السلام) يشهد لحجيّة عملهنّ حيث يستدلّ بها الإمام على جواز شق الجيب ولطم الخدّ ثمّ يعقّب ذلك بقوله: « وعلى مثله تُلطَم الخدود وتُشقُّ الجيوب ».

الثاني: أنّ بعض الفاطميّات (عليهن السلام) يحظين بمقام الطهارة، كالصدّيقة الصغرى السيّدة زينب (عليها السلام)، وبعضهنّ في أعلى درجات التقوى والالتزام بالشريعة، وقد تربّين في بيوت الأئمّة (عليهم السلام)، فعملهنّ يكشف عن رأي المعصومين (عليهم السلام) بلا ريب، بل عملهنّ ليس بأقل من سيرة المتشرّعة وسيرة العقلاء ونحوهما، والتي تعدّ من الحجج الأماريّة التي يُستند إليها في استنباط الأحكام. وقد تقدّم استدلال الإمام بعملهنّ. [ينظر: فقه الشعائر ج3 ص101].

ولهذا يقول مثل الفقيه الألمعيّ الشيخ خضر بن شلّال في [أبواب الجنان ص292]: « وكفاك لطمُ بنات الحسين (عليه السلام) وأخواته، وخمشُ وجوههنّ، وشقّ جيوبهنّ، وإظهار الجزع، مع احتمال عصمة بعضهنّ، وعدم النكير ممّن شاهد ذلك من ذوي العصمة ».

ومن الأدلّة: ما ورد في القصيدة التائيّة لدعبل الخزاعيّ التي أنشدها في محضر الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، وأبكاه وأفجعه بها، وقد أثنى عليه الإمام ووصله بجبّة وصرّة [ينظر: عيون أخبار الرضا ج2 ص294]، ومن ضمن الأبيات التي قرأها دعبل بمحضر الرضا (عليه السلام): « أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً * وقد مات عطشاناً بشطّ فرات »، « إذاً للطمتِ الخدَ فاطمُ عنده * وأجريتِ دمعَ العين في الوجنات » [كشف الغمة ج3 ص114].

ومن الأدلّة: الأحاديث الواردة أنّ كلّ جزع مكروه إلّا على سيّد الشهداء (عليه السلام) فإنّه محبوب ومطلوب، ومن المعلوم أنّ اللطم من مصاديق الجزع.

وقد ذكر الفقيه الشيخ خضر العفكاويّ في [أبواب الجنان ص291] بعدما أورد جملة من الروايات: « إلى غير ذلك ممّا ورد ـ فيمن قد اقشعرّت لدمائهم أظلّة العرش مع أظلّة الخلائق، وبكتهم السماء والأرض، وسكّان الجنان والبرّ والبحر ـ من السير والآثار، والأخبار التي قد أوردنا من كلّ فرقة منها طائفةً تغني اللبيب، الذي قد لا يشكّ في دلالة الأخبار المتواترة والآثار المتظافرة على مزيد استحباب اللطم على الرؤوس والصدور، ولبس السواد، وإظهار الجزع، ونحوه».

وفتاوى فقهاء الطائفة وأعمدة المذهب واضحة في جواز بل رجحان اللطم على أهل البيت (عليهم السلام)، خصوصاً سيّد الشهداء (عليه السلام)، وقامت سيرة المؤمنين منذ عصور المعصومين (عليهم السلام) على اللطم والنياحة والبكاء على أهل البيت (عليهم السلام)، والشواهد على ذلك وفيرة، ويكفيك في اتّصالها كونها قد صدرت عن الفاطميّات، ثمّ المواكب أوّل ما بزغت كانت مشتملة على اللطم، وهي بمرأىً ومسمع من فقهاء الطائفة وكبرائها، فما كان منهم سوى التأييد والترغيب.

2022/06/28

صلاحيات وحدود: هل يحق للنبي والإمام (ع) ’تشريع الأحكام’؟
تنقسم الولاية إلى أقسام:

[اشترك]

القسم الأول:

الولاية التكوينية: وهي عبارة عن تسخير جميع الممكنات لإرادتهم ومشيئتهم. فيستطيعون التصرف في الأشياء الكونية، إيجاداً وإعداماً، إحياء وإماتةً، تحويلاً وتبديلاً، تقريباً وتبعيداً، شفاءً وإغناءً، كل ذلك بإذن الله تعالى.

وهذه الولاية ذكرها الله في القرآن وأثبتها لأنبيائه وبعض خلفائهم، كإبراهيم وعيسى، وآصف بن برخيا، حيث استطاع الأخير بقدرته التكوينية أن يحضر عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين، بأقل من طرفة عين.

قال تعالى: {قالَ الَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ أَنا آتيكَ بِهِ قَبلَ أَن يَرتَدَّ إِلَيكَ طَرفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُستَقِرًّا عِندَهُ قالَ هذا مِن فَضلِ رَبّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ كَريمٌ} [النمل: ٤٠]

وآصف وصفه الله بأنه يمتلك علم من الكتاب، يعني بعض الكتاب، فما بالك بمن يملكون علم كل الكتاب، وبمن اختصهم الله بمسّ الكتاب المكنون، والإحاطة به، وبمن اختصهم الله بوراثة علم الكتاب؟! ومَن يمتلكون اثنان وسبعون حرفاً من الاسم الأعظم.

والروايات متواترة في ثبوت الولاية التكوينية للنبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).

القسم الثاني:

الولاية التشريعية: وهي ولاية الطاعة، فيجب على الناس إتباعهم وطاعاتهم في كل شيء، وأنهم أولى بالناس من أنفسهم وأموالهم.

وهذه المرتبة من الولاية ثابتة للنبي (ص) والأئمة المعصومين (ع).

القسم الثالث:

الولاية على التشريع، ويسمى بحق التشريع، أو تفويض الأحكام، أو الولاية على الأحكام: وهي إعطاء الله تعالى لنبيه الكريم (ص) مساحة من الحق ليشرّع بعض الأحكام، وبما أنّ النبي (ص) معصوم مسدّدٌ مؤيّدٌ، يسدده الله تعالى في كلّ صغيرة وكبيرة، فيكون ما شرّعه النبي (ص) مطابقاً للواقع، فيمضيه الله تعالى كحكم شرعي يجب على الجميع طاعته.

وهل انتقل هذا الحق إلى الأئمة المعصومين من أهل بيته (ع)؟

وبعبارة أخرى: هل للنبي والإمام حقّ التصرف في الأحكام الشرعية، بمعنى: هل أعطى اللهُ تعالى للمعصوم حق تشريع حكم، أو تحديده بحدّ، فيما إذا لم يكن عليه نصّ من الله تعالى؟؟؟

وسنبحث الموضوع في مرحلتين:

المرحلة الأولى:

ثبوت حق التشريع لرسول الله (ص)، وممارسته لها:

أجمع علماؤنا – بل جميع المسلمين - على ثبوت هذا الحق للنبي الأعظم (ص) ووقوعه في الجملة، بمعنى: أنّ النبي (ص) قد مارس هذا الحق، وقام بتشريع بعض الأحكام الشرعية، للروايات المتواترة، وإليك بعضها:

1ـ روى الكليني بسند صحيح عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال : { إنك لعلى خلق عظيم }، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل: { ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس، لا يزل ولا يخطئ في شئ مما يسوس به الخلق، فتأدب بآداب الله، ثم إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله عز وجل له ذلك، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله صلى الله عليه وآله النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر، وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله صوم شعبان وثلاث أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك وحرم الله عز وجل الخمر بعينها، وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله وعاف رسول الله صلى الله عليه وآله أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة ، ثم رخص فيها فصار الاخذ برخصه واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لاحد ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله لاحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عز وجل، بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا، لم يرخص لاحد في شئ من ذلك إلا للمسافر وليس لاحد أن يرخص [ شيئا ] ما لم يرخصه رسول الله صلى الله عليه وآله، فوافق أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الله عز وجل ونهيه نهي الله عز وجل، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى. (الكافي للكليني: 1 / 267 رقم 4).

2-  وروى الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وضع رسول الله صلى الله عليه آله دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكل مسكر، فقال له رجل: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله من غير أن يكون جاء فيه شئ؟ قال: نعم ليعلم من يطع الرسول ممن يعصيه. (الكافي للكليني: 1 / 267 رقم 7).

ورواه الصفار في بصائر الدرجات: 2 / 690، بسند صحيح.

3- وروى الكليني بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: سألت علي بن الحسين (عليهما السلام) ابن كم كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم ؟ فقال : أو كان كافرا قط ، إنما كان لعلي (عليه السلام) حيث بعث الله عز وجل رسوله (صلى الله عليه وآله) عشر سنين ولم يكن يومئذ كافرا ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وسبق الناس كلهم إلى الايمان بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وإلى الصلاة بثلاث سنين وكانت أول صلاة صلاها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر ركعتين وكذلك فرضها الله تبارك وتعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصليها بمكة ركعتين ويصليها علي (عليه السلام) معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وخلف عليا (عليه السلام) في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره ....

فقلت له : فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم ؟ فقال : بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الاسلام وكتب الله عز وجل على المسلمين الجهاد [ و ] زاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصلاة سبع ركعات في الظهر ركعتين وفي العصر ركعتين وفي المغرب ركعة وفي العشاء الآخرة ركعتين وأقر الفجر على ما فرضت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ولتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء وكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر فلذلك قال الله عز وجل : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } يشهده المسلمون ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل. (الكافي للكليني: 8 / 339 - 341 رقم 536 ، ولاحظ: من لا يحضره الفقيه: 1 / 455، وعلل الشرائع: 2 / 324).

4- وروى الكليني بسند صحيح عن حريز، عن زرارة، ومحمد بن مسلم وأبي بصير، وبريد بن معاوية العجلي، وفضيل بن يسار، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تسعة أشياء - وعفا رسول الله عما سواهن - في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة و الشعير والتمر والزبيب وعفا عما سوى ذلك. (الكافي للكليني: 3 / 509 رقم 1).

5- وروى الصفاربسنده عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله: إن الله فوض الامر إلى محمد صلى الله عليه وآله فقال: { ما اتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا }؟

قال (ع): إن الله خلق محمدا صلى الله عليه وآله طاهرا ثم أدبه حتى قومه على ما أراد ثم فوض إليه الامر فقال { ما اتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا } فحرم الله الخمر بعينها وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب وفرض الله فرايض الصلب وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله الجد فأجاز الله له ذلك وأشياء ذكرها من هذا الباب. (بصائر الدرجات: 2 / 692).

وغيرها من الروايات الكثيرة الدالة على ثبوت هذا الحق لرسول الله (ص)، وأنّ النبي (ص) قد مارسَ هذا الحق، وذلك بتشريع بعض الأحكام التي أمضاها الله تعالى.

قال شيخ الشريعة: ثم ان ما تضمنته هذه الروايات من تحريم النبي (ص) من مصاديق أخبار التفويض، وهي في الجملة متواترة دالة على ان اللَّه تعالى بعد ما هذب نبيه وأدبه فوض إليه الأحكام، والحلال والحرام ... وفي روايات خلل الصلاة ... ما هي متواترة أو يقرب منها. (إفاضة القدير في أحكام العصير، ص76).

المرحلة الثانية:

ثبوت حق التشريع لأئمة أهل البيت (ع)، وممارستهم لها:

اختلفَ علماؤنا في ثبوت حقّ التشريع لأئمة أهل البيت (ع)، على قولين:

القول الاول:

 ذهبَ إلى عدم ثبوت حق تشريع الأحكام لأئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك لإكتمال الدين، وعدم خلوّ واقعة من حكم مخزون عندهم، حتى أرش الخدش، فهم يظهرون الأحكام المودَعة عندهم، لا أنهم يشرّعون.

القول الثاني:

ذهبَ إلى ثبوت حق التشريع لأئمة أهل البيت (ع)، واستند إلى العديد من الروايات الدالة على الثبوت، والوقوع أيضاً، حيث إنّ أدلّ دليل على الإمكان هو الوقوع.

بعض الروايات الدالة على ثبوت هذا الحقّ لهم:

1ـ روى الكليني بسنده عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى الأئمة، قال عز وجل : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } وهي جارية في الأوصياء عليهم السلام. (الكافي للكليني: 1 / 268 رقم 8).

ورواه الصفار في بصائر الدرجات: 2 / 699 رقم 12.

2ـ وروى الكليني بسنده عن محمد بن الحسن الميثمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله عز و جل أدب رسوله حتى قومه على ما أراد، ثم فوض إليه فقال عز ذكره: { ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فما فوض الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا. (الكافي للكليني: 1 / 268 رقم 9).

ورواه الصفار في البصائر: 2 / 696 رقم 6، بسند آخر معتبر عن الحسن بن زياد العطار عن الصادق (ع).

3- وروى الكليني باسناده عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثم قال: يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد. (الكافي للكليني: 1 / 441 رقم 5).

4- وروى الصدوق بسنده عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله واحد، أحد، متوحد بالوحدانية، متفرد بأمره، خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه، فنحن هم يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله في عباده، وشهداؤه على خلقه، وأمناؤه على وحيه، و خزانه على علمه، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته، ولسانه الناطق، و قلبه الواعي، وبابه الذي يدل عليه، ونحن العاملون بأمره، والداعون إلى سبيله، بنا عرف الله، وبنا عبد الله، نحن الأدلاء على الله، ولولانا ما عبد الله. (التوحيد، ص152).

5- وروى الصفار بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: مَن أحللنا له شيئا اصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال لان الأئمة منا مفوض إليهم فما أحلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام. (بصائر الدرجات: 2 / 694).

ولعلّ هناك روايات أخرى تدل على المطلوب.

وهذه الروايات وإن كانَت أكثرها ضعيفة الإسناد، إلا أنها بمجموعها تورث الإطمئنان بالصدور، ومن ثمّ ثبوت هذا الحق لأئمة أهل البيت عليهم السلام.

ـ ما دلّ على ممارسة أئمة اهل البيت (عليهم السلام) لهذا الحق:

حيث نُقِلَ في التاريخ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد شرّع حدّ شارب الخمر، ثمانون جلدة، حيث لم يكن له تقدير معين في زمن رسول الله (ص)، فاستقرّ على الثمانين في زمن الغاصب الثاني، وذلك بتشريع أمير المؤمنين (عليه السلام) له في حادثة شرب قدامة بن مظعون.

قال الشيخ المفيد: فمن ذلك ما جاءت به العامة والخاصة في قصة قدامة بن مظعون وقد شرب الخمر فأراد عمر أن يحده ، فقال له قدامة : إنه لا يجب علي الحد ، لأن الله تعالى يقول : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ) فدرأ عمر عنه الحد ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فمشى إلى عمر فقال له : ( لم تركت إقامة الحد على قدامة في شربه الخمر ؟ فقال له : إنه تلا علي الآية ، وتلاها عمر على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ليس قدامة من أهل هذه الآية ، ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله عز وجل ، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراما ، فاردد قدامة واستتبه مما قال ، فإن تاب فأقم عليه الحد ، وإن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملة. فاستيقظ عمر لذلك ، وعرف قدامة الخبر ، فأظهر التوبة والإقلاع ، فدرأ عمر عنه القتل ، ولم يدر كيف يحده . فقال لأمير المؤمنين : أشر علي في حده ، فقال : حده ثمانين ، إن شارب الخمر إذا شربها سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى. فجلده عمر ثمانين وصار إلى قوله في ذلك. (الإرشاد للمفيد: 2 / 202).

وروى الكليني بسند صحيح عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الحد في الخمر إن شرب منها قليلا أو كثيرا ، قال : ثم قال : اتي عمر بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر وقامت عليه البينة فسأل عليا عليه السلام فأمره أن يجلده ثمانين فقال قدامة : يا أمير المؤمنين ليس علي حد، أنا من أهل هذه الآية : "" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا "" قال : فقال علي عليه السلام : لست من أهلها إن طعام أهلها لهم حلال ليس يأكلون ولا يشربون إلا ما أحله الله لهم ، ثم قال علي عليه السلام : إن الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة . (الكافي: 7 / 215 رقم 10).

وروى الكليني بسند صحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: كيف كان يجلد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : فقال : كان يضرب بالنعال و يزيد كلما أتي بالشارب ثم لم يزل الناس يزيدون حتى وقف على ثمانين ، أشار بذلك علي عليه السلام على عمر فرضي بها . (الكافي: 7 / 214 رقم 2).

ورواه بإسناد آخر صحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع). (الكافي للكليني: 7 / 214 رقم 5).

قال صاحب الجواهر: وكان التقدير المزبور عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من التفويض الجائز لهم. (جواهر الكلام: 41 / 457).

والكلام في هذا الموضوع طويل الذيل، ونكتفي بهذا العرض البسيط للموضوع.

2022/06/11

ما فائدة العصمة لـ ’الأنبياء و الأئمة’ إذا كنّا نأخذ ديننها من ’الفقهاء’؟!
ثبت بالعقل والشرع ضرورة العصمة لحفظ الدين واستمرار الرسالة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأدلة ذلك كثيرة يمكن الرجوع إليها في مظانها، وعليه فإن وجود أئمة يتصفون بالعصمة والطهارة يعد ضرورة لا يمكن إنكارها.

[اشترك]

ولا يمكن نقض العصمة من باب أن الناقل عن المعصوم ليس بمعصوم؛ لأن ذلك أولاً: لا يقتصر على الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وإنما يمتد إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضاً، فالرسول معصوم بإجماع الأمة ومع ذلك فإن من ينقل عنه غير معصوم، وعلى ذلك يمكن أن يقال ما فائدة عصمة الرسول ومن ينقل عنه غير معصوم؟ فما يجاب به هنا يجاب به هناك.

 ثانياً: التشكيك في الناقل مطلقاً تشكيك في مطلق الدين، فحتى القرآن الكريم لم يوصله الرسول لكل مكلف بشكل شخصي وإنما تم نقله أيضاً على أيدي غير المعصومين، والقول إن القرآن نقل بالتواتر قول يعتمد على طريقة العقلاء في توثيق الخبر، وللعقلاء طرق أخرى يستوثقون بها عن صحة الأخبار المنقولة، فلماذا نقبل حكم العقلاء في التواتر ولا نقبله في الطرق الأخرى؟

ثالثاً: أساس الفائدة من المعصوم هو أن يكون مرجعاً لغير المعصوم، فالمعصوم وجد حتى ينقل عنه غير المعصوم، أما إذا افترضنا أن الجميع معصومين فحينها لا يحتاجون إلى معصوم لينقلوا عنه، وفي حال افترضنا عدم وجود معصوم حينها لا يجد الناس من يرجعون إليه في أمور دينهم، وعليه فإن فائدة العصمة متحققة في حاجة الناس للمعصوم، أما كيف يرجع إليه الناس وبأي وسيلة ينقلون عنه؟ فلا علاقة لكل ذلك بفائدة العصمة وأهميتها، وإنما له علاقة بالجانب الإجرائي والعملي، وتلك وظيفة المكلف حيث يتعين عليه إيجاد الوسيلة التي تحقق له الاطمئنان بما ينقله عن المعصوم، فمثلاً فائدة الطب هي علاج المرضى، ووظيفة الطبيب هي تحديد الدواء المناسب لكل مريض، ولكن كيف نثق بأن الدواء الذي وصفه الطبيب هو ذاته الموجود في الصيدليات؟ فلو افترضنا أن ثقتنا انعدمت في شركات الأدوية أو أننا لم نتمكن من تمييز الدواء من بين الأدوية، فهل يحق لنا أن نسأل ماهي الفائدة من الطب؟ كذلك الحال لو سلمنا جدلاً أن ثقتنا انعدمت في كل ما هو موجود في كتب الحديث، أو أننا لم نتمكن من تمييز الحديث الصحيح من غير الصحيح، فهل يحق لنا أن نقول ما هي الفائدة من العصمة؟ فكما أن العقلاء وضعوا شروطاً لتحصيل الثقة والاطمئنان في الأدوية المعروضة في الصيدليات، كذلك وضعوا شروطاً لتحصيل الثقة والاطمئنان مما هو معروض في كتب الحديث.

رابعاً: النقل عن المعصوم لا يحتاج إلى معصوم لينقل عنه، وإنما يكفي وجود الصادق حتى يتم نقل كلام المعصوم كما هو، ولا وجود لمن يشكك في وجود من اتصف بالصدق والأمانة ممن نقلوا عن المعصومين، فهناك فرق بين حاجة الأمة للمعصوم لحفظ دينها وبين حاجة الأمة للرجل الصادق الذي ينقل ما قاله المعصوم، والصادق موجود في كل زمان ومكان فلا مشكلة من هذه الجهة.

خامساً: الفائدة من العصمة قد تحققت لنوعين من الناس، الأول: من حضر زمن المعصوم واخذ عنه بشكل مباشر، والثاني: من اخذ عمن سمع من المعصوم طالما توافرت فيه شروط الثقة والنقل، ومن يحرم نفسه عن الاستفادة من المعصوم ليس من حقه إن يشكك في فائدة العصمة طالما الفائدة تحققت لغيره.

سادساً: استمر وجود المعصومين ثلاث قرون في هذه الأمة، وقد أشرفوا بأنفسهم على عملية نقل الأحاديث وبينوا كيفية حفظها وطرق توثيقها، وقد استفاض العلماء في شرح وذلك وبيان الشواهد عليه في كتب الحديث والرجال، وعليه لا توجد مشكلة في تحصيل الثقة والاطمئنان عما ينقل عن المعصوم، ولا ينكر ذلك إلا الجاهل بهذا العلم.

 

2022/06/11

«وصفة».. كيف تحافظ على عقيدتك من الانحراف؟
كيف يمكن للمؤمن ان يحافظ على عقيدته من الانحراف؟

[اشترك]

الجواب من السيد عادل العلوي (قدس سره):

بالفكر الصحيح والمعاشرة مع الطيبين والصالحين وكثرة تلاوة القرآن الكريم وصلاة الليل و(اجعل لساني بذكرك لهجاً وقلبي بحبك متيماً) وبالتوسّل بالصالحين والصالحات وعدم الإختلاط مع المنحرفين في العقيدة.

وكذلك عدم مشاهدة أو سماع ما يلقى من الشبهات والشكوك في العقائد الحقة والصحيحة.

وأخيراً مجالسة العلماء دائماً لا معاشرة الجهلاء والفاسقين والمنحرفين فإنّ التفاحة مهما كانت جيدة وجميلة وطيبة إذا جعلت مع التفاح الفاسد فسرعان ما تفسد وكذلك طبائع الإنسان والله المستعان.

2022/05/31

ما حقيقة أن: علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل؟
ما مدى صحة الحديث المروي: علماء امتي كانبياء بني اسرائيل، وفي آخر أفضل من أنبياء بني إسرائيل؟

[اشترك] 

إن خير من فصّل في هذا الخبر وبيّن حقيقته المحدّث الكبير الحر العاملي، في كتابه الفوائد الطوسية، (ص ٣٧٦)، في الفائدة (85)

إذْ يقول (ره): لا يحضرني أنّ أحدا من محدّثينا رواه في شيء من الكتب المعتمدة نعم نقله بعض المتأخرين من علمائنا في غير كتب الحديث، وكأنّه من روايات العامة أو موضوعاتهم ليجعلوه وسيلة إلى الاستغناء بالعلماء عن الأئمة عليهم السّلام ولأنه يناسب طريقتهم، فقد أفرطوا في تعظيم علمائهم مع علمهم بفسق أكثرهم ، واعتقادهم فيهم لا تقصر عن اعتقاد الإمامية في أئمتهم بل ربما زاد عليه كما يظهر لمن خالطهم أو تأمّل كتبهمّ وكما دلَّ عليه الحديث الذي رواه الطبرسي في الاحتجاج عن العسكري عليه السّلام في التقليد ، وهو طويل ولأنهم يعتقدون ان العلماء يغنون عن الإمام كما أشار إليه القاضي عبد الجبار في المغني وهم يطلقون على علمائهم لفظ الأئمة وعلى كثير منهم لفظ الإمام كما في كتب رجالهم وغيره من كتبهم ويحتمل كونه من روايات الصوفية أو موضوعاتهم لإرادة إثبات ما يدّعونه من الكشف وما يترتب عليه من المفاسد التي ليس هذا محل ذكرها . 

وقد نقل الشيخ زين الدين في شرح دراية الحديث عن جماعة من مشايخ الصوفية أنه يجوز عندهم وضع الحديث فكيف يجوز حسن الظن بهم في نقل الحديث وعلى تقدير ثبوته في كتب حديثنا المعتمدة من غير طريق العامة والصوفية حيث إنهم متّهمون في نقله كما عرفت، فقد تقرّر أنّ وجه الشبه لا عموم له، بل يكفي صفة واحدة من الصفات المشتركة بين المشبه والمشبه به فهو يحتمل وجوها اثنى عشر :

أحدها: أن يكون المراد بعلماء الأمة الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام ويكون وجه الشبه العصمة ولا ريب في ثبوتها في الطرفين بأدلة مذكورة في محلها .

وثانيها : أن يكون المراد بهم الأئمة عليهم السّلام ووجه الشبه كونهم حجة اللَّه على الخلق وكون طاعتهم مفترضة .

وثالثها : أن يكون المراد بهم الأئمة عليهم السّلام ووجه الشبه الفضل والشرف وعلو المنزلة عند اللَّه لكن اعتقاد الإمامية ان كل واحد منهم أشرف من كل واحد من أنبياء بني إسرائيل وحينئذ يكون من عكس التشبيه لان المشبه أقوى وله نظائر .

ويمكن تصحيحه بحمله على الإنكار وبأن المشبه به أقوى من حيث إن المخاطبين لا ينكرونه انما ينكرون المشبه لوجه آخر وهو ان الأئمة لما كانوا اثنا عشر وأنبياء بني إسرائيل ألوفا كثيرة لا تكاد تحصى كان المشبه به أقوى إذ لا يبعد كون ثوابهم كلهم أكثر من ثواب اثنى عشر إماما وقد صرح السيد المرتضى في رسالة تفضيل الأنبياء على الملائكة بان الأفضيلة المراعاة في هذا الباب هي زيادة ما يستحقه الأفضل من الثواب وصرح أيضا بان ذلك أمر لا يهتدى العقل بمجرده إلى معرفته وانما يعرف من النقل وأجاب بمثل ما أجبنا به هنا عن قوله تعالى : « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » وأجاب بغير ذلك أيضا .

ورابعها : ان المراد بهم الأئمة عليهم السّلام ووجه الشبه فرض الطاعة أو كون كل واحد منهم أعلم أهل زمانه أو كونه علمه من اللَّه ولو بالإلهام ونحو ذلك .

وخامسها : أن يكون المراد بهم الأئمة عليهم السّلام ويكون وجه الشبه انه لا يخلو زمان منهم بل في كل زمان واحد منهم أو اثنان فصاعدا لما تقرر من وجوب النبوة والإمامة . وسادسها : أن يكونوا هم المراد من العلماء ويكون وجه الشبه كونهم مظلومين مقتولين خائفين وتارة غائبين فإن ذلك موجود في الطرفين .

وسابعها : أن يكون المراد جميع علماء الأمة ويكون وجه الشبه وجوب العمل بما يروونه عنه وعن أهل بيته عليهم السّلام كما في طرف المشبه به إذا نقلوا عن اللَّه أو عن صاحب الشريعة في ذلك الزمان أو أوصيائه .

وثامنها : أن يكون المراد جميع العلماء ويكون وجه الشبه كثرتهم فان هذا المعنى موجود في الطرفين ويكون حينئذ إخبارا بالغيب واعجازا له عليه السلام .

وتاسعها : ان يراد العلماء ويكون وجه الشبه وجودهم في كل عصر مع قطع النظر عن الكثرة وهو حينئذ اعجاز له عليه السّلام لمطابقة الخبر الواقع إلى الآن .

وعاشرها : أن يكون المراد العلماء ويكون وجه الشبه تحمل المشاق الكثيرة والمتاعب العظيمة من الظلم والخوف فان هذا الوصف موجود في المشبه والمشبه به وفيه اعجاز أيضا ، وان نوقش في عدم كونه كليا أجبنا بما مرّ في حديث الدنيا سجن المؤمن .

وحادي عشرها : أن بكون المراد العلماء ويكون وجه الشبه عدم إطاعة الرعية لهم فان هذا الوصف غالب في المشبه والمشبه به وفيه حينئذ أيضا اعجاز .

وثاني عشرها : أن يكون المراد العلماء ويكون وجه الشبه كثرة العلم فان علماء الأمة إذا تعلموا العلوم المنقولة عنه وعن أهل بيته عليهم السّلام فقد علموا علما كثيرا وحسن التشبيه بأنبياء بني إسرائيل في العلم بالمشبه به ينبغي أن يكون أقوى ولو باعتبار كثرة الأنبياء أو كثرة علومهم وزيادتها على علوم علماء الأمة لا على علوم الأئمة عليهم السّلام فإنهم أعلم قطعا ويحتمل وجوها أخر بل يحتمل كون وجه الشبه مجموع الصفات وأمثالها أو ما يمكن اجتماعه منها واللَّه تعالى أعلم .

 

2022/05/25

ما حقيقة عودة الإمام الحسين (ع) إلى الحياة من جديد؟!

ما هي الرجعة؟

 

الجواب من آية الله السيد منير الخباز:

الرجعة على أقسام:

[اشترك]

القسم الأول: رجعة بعض الأموات أحياء وبعض هؤلاء الأموات كفار وبعضهم مؤمنون، والرجعة بهذا المعنى من ضروريات الدين؛ لأن القران الكريم نطق بها حيث قال عز وجل ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾، فإنها ظاهرة في أن هناك حشراً جزئياً قبل الحشر الكلي الذي هو يوم القيامة، وهذا الحشر الجزئي هو عبارة عن الرجعة.

القسم الثاني: رجعة بعض الأوتاد الذين يقومون بنصرة الإمام المهدي (عج) وهذا ما يشير إليه دعاء العهد المستحب قراءته في كل صباح «فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي» فإن هذه الفقرة ترشد إلى أن الرجعة ممكنة لبعض الأولياء لأجل نصرة الإمام المهدي (عج)، وهذا القسم من الرجعة من الأمور المشهورة بين علمائنا.

القسم الثالث: رجعة الإمام الحسين، وهذه الرجعة وردت فيها أكثر من ثلاثمائة رواية، ولأجل ذلك ذهب جملة من علمائنا منهم السيد عبدالله شبّر إلى أن الروايات متواترة في رجعة الإمام الحسين بن علي. وإنما الخلاف في رجعة بقية الأئمة حيث إن هناك روايات أيضاً دالة على رجوع جميع الأئمة إلى الحياة الدنيا، وهذه الروايات هي محل خلاف ونظر بين علمائنا، وبعض علمائنا يستدل على هذه الرجعة بما ورد في الزيارة الجامعة «مقر برجعتكم مرتقب لدولتكم» بل ورد في بعض زيارات الإمام الحسين «مؤمن بإيابكم».

فهذه هي أقسام الرجعة والمسلم به هو رجعة بعض الأموات أعم من المؤمنين والكفار، ورجعة بعض الأولياء الذين ينصرون الإمام المهدي (عج)، وعند كثير من علمائنا أن الروايات الدالة على رجعة الإمام الحسين  روايات متواترة.

كل هذا يحصل مزامناً لظهور الإمام (عج).

2022/05/09

هل وجود ’إبليس’ شر مطلق أم في شيء من الخير؟!

تتضح الإجابة على هذا السؤال إذا تمكنا من بيان مفهومي الخير والشر، فمن خلال ضبط مفهوميهما يمكن الوقوف على المعايير الدقيقة لوصف الشيء بالخيرية أو الشرية.

[اشترك]

فالشر في أصله اللغوي يدل على الانتشار والتطاير ومنه الشرر وهو تطاير النار، فمصدر الشر كما في لسان العرب هو الشرارة، يقول ابن منظور: (الشَّرُّ: السُّوءُ والفعل للرجل الشِّرِّيرِ، والمصدر الشَّرَارَةُ، والفعل شَرَّ يَشِرُّ... ثم يقل: والشَّرَرُ: ما تطاير من النار. وفي التنزيل العزيز: إِنها ترمي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ؛ واحدته شَرَرَةٌ وهو الشَّرَارُ واحدته شَرَارَةٌ... ويقول في موضع آخر: وشَرَّ شيئاً يَشُرُّه إِذا بسطه ليجف) ويبدو أن المصائب والمفاسد والرذائل سميت شراً لأنها تنتشر لتصيب الاخرين، وعليه فإن الشر هو السوء والفساد سواء كان في نفسه أو لغيره، وهو بذلك عكس الخير؛ لأن الخير ما كان حسن في ذاته ونافع لغيره، ومن هنا فإن أصحاب العقول السليمة والفطرة المستقيمة يرغبون في الخير وينفرون من الشر.

وللوصل لتعريف صحيح للخير والشر لابد من التمييز بين المفهوم المطلق والمفهوم النسبي لكليهما، فعلى المستوى الأول فإن الخير المطلق لا يكون إلا للوجود المطلق، وهو حق خاص بالله تعالى ولا يشاركه غيره، فهو سبحانه وتعالى المنفرد بالوجود المطلق، وكل من ينسب الخير المطلق لسواه فهو مشرك بلا شك ولا شبه، فالله وحده من له حق الألوهية وهو وحده من له حق الربوبية، وعليه فإن الخير حقيقة يتصف بها الوجود، فإن كان وجوداً مطلقاً فهو خير مطلق لا يتعدد ولا يقبل التجزئة؛ لأن الوجود المطلق واحد لا يقبل التعدد، ومن هنا إذا كان الخير لازم وتابع للوجود فحينها لا يمكن أن نتصور وجود شر مطلق، فالعدم المطلق ليس شيئاً غير العدم، والموصوف لابد أن يكون موجوداً حتى يقع عليه الوصف، ومن هنا لا وجود للشر المطلق بخلاف ما تحاول تتصوره الفلسفات العدمية التشاؤمية.

أما الخير والشر في مستوى المفاهيم المحدودة والنسبية.. فبناءً على مبدأ أن الخير لازم للوجود، فإن الخير حينها يكون وصفاً للمخلوق بمقدار أتساقه مع الوجود المطلق، فيكون بذلك خيراً طالما لم يتناقض مع الوجود المطلق، وفي مقابل ذلك يكون الشر هو تناقض المخلوق مع وجود خالقه، وعليه يكون الشر حالة طارئة محدودة.

وإذا اتضح ذلك يمكن تقسيم الشر بحسب مصدر وجوده، فإما أن يكون مصدر الشر موجود غيبي وأما أن يكون مصدره موجود طبيعي، فالأول مثل الشيطان الذي يزين فعل الشر من خلال الوسوسة، قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا)، والشيطان بذلك ليس شراً مطلقاً كما هو مذهب الثنوية كالمجوسية وعباد الشيطان؛ لأن ذلك يترتب عليه اعتبار الشيطان ذو وجود مطلق، وهذا شرك بالله تعالى، وقد أكد النص القرآني على محدودية شر الشيطان عندما جعل له بداية في قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) كما جعل له نهاية وهي قوله تعالى: (قَالَ رَبّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ)، وقال تعالى: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)، وكذلك لا يتعدى تأثير الشيطان الوسوسة القلبية، قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم)، وهو تأثير ليس حتمي ويمكن التخلص منه، قال تعالى: (انَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ).

أما المصدر الطبيعي للشر فهو المجودات الطبيعية وهو شر محدود أيضاً وسببه التأثير السلبي على الوجود الإنساني، فالشر لا ينسب للموجودات الطبيعية من حيث ذواتها؛ لأنها من حيث ذاتها وجود والوجود خير كما أكدنا، فهي بذاتها تؤدي وظائفها التي خلقت من أجلها، فالزلازل والبراكين مثلاً ليست شراً في ذاتها، وإنما تكون شراً بالنسبة للأضرار التي تسببها للإنسان.

وكذلك الحال في الشر الذي يكون سببه الإنسان، فهو ليس شراً من حيث كونه كائن مخلوق وموجود، وإنما هو شر من حيث تناقضه مع وجود الخالق، فالإنسان يمتاز وجوده بالعقل والإرادة، وبالتالي هو حر في أن يسير في اتجاه الخالق أو أن يسير في الاتجاه المعاكس، فالغاية من وجود الإنسان هو الخير طبقاً لشرطي العقل والإرادة، والشر عرض زائد بسبب تمرده على إرادة الخالق، فصلاح الإنسان في اتساقه مع وجود الخالق، قال تعالى: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

وعليه فإن ابليس ليس شراً من حيث كونه مخلوق له وجود، وإنما أصبح شراً عندما أراد أن يجعل وجوده متعارضاً مع وجود الخالق. 

2022/05/07

لماذا يوصف الشيعة بـ «الروافض»؟!
أصبح مصطلح الرافضة مصطلحاً خاصاً بالشيعة الاثني عشرية، يستخدمه خصومهم على نحو التعريض والذم ويتبناه الشيعة على نحو العزة والفخر، فهو دليل على رفض الشيعة لكل الطواغيت الذين تحكموا في مصير الأمة الإسلامية على امتداد تاريخها.

[اشترك]

وقد شاع بين أهل السنة أن هذا المصطلح بدأ بالظهور والتشكل عندما رفض جماعة من الشيعة القيام مع زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) بعدما رفض الاستجابة لهم بضرورة البراء من الخليفة الأول والثاني، وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية وأتباعه حيث قال: من زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما، رفضه قوم فقال لهم رفضتموني، فسُمّوا رافضة لرفضهم إياه، وسُمّي من لم يرفضه من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه) (منهاج السنة، ج 1 ص 35)

وهذا مخالف للكثير من النصوص التاريخية التي تثبت استخدام هذا المصطلح قبل قيام زيد بن علي، ففي الرواية عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وقبل قيام زيد بن علي، قال: أصم الله أذنيه كما أعمى عينيه إن لم يكن سمع أبا جعفر (عليه السلام) ورجل يقول إن فلاناً سمانا باسم، قال «وما ذاك الاسم؟»، قال سمانا الرافضة، فقال أبو جعفر (عليه السلام) بيده إلى صدره «وأنا من الرافضة وهو مني» قالها ثلاثها) (البرقي، المحاسن ج 1 ص 157)

وروي أن الفرزدق لما أنشد أبياته المشهورة في مدح الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال له عبد الملك بن مروان: أرافضي أنت يا فرزدق؟ فقال الفرزدق: إن كان حبّ آل محمّد رفضاً فأنا هذاك (البيهقي، المحاسن والمساوي ص 212)

وغير ذلك من الروايات التاريخية التي تثبت وجود هذا المصطلح قبل قيام زيد بن علي (عليه السلام). 

وبعيداً عن سبب التسمية فإنها تمثل للشيعة عنوان مدح وثناء لأنها تعبر عن رفضهم للباطل، كما يقول أبو جعفر الطبري الشيعي: (إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا الباطل وتمسكوا بالحق) (دلائل الإمامة ص 255)، وهذا ما تؤكده روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جُعلت فداك، اسمٌ سُمّينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال و«ما هو؟»، قال الرافضة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى (عليه السلام) فلم يكن في قوم موسى أحد أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم، فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن اثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله» (بحار الأنوار ج ٦٥ ص ٩٧)

وعن علي بن أسباط، عن عتيبة بياع القصب، أنه أخبر أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلاً قال له: إياك أن تكون رافضياً. فقال أبو عبد الله «والله، لنعم الاسم الذي منحكم الله ما دمتم تأخذون بقولنا، ولا تكذبون علينا» (بحار الأنوار ج ٦٥ ص ٩٧).

2022/05/04

ممارسة الخداع.. هل للأبراج أصل في الإسلام؟
هل للأبراج أصل في العقيدة الاسلامية وما مدى تأثيرها على الانسان وهل طالع الأبراج صحيح؟

[اشترك]

لا يتعارض التنجيم فقط مع الإسلام وإنما يتعارض أيضاً مع جميع المناهج العلمية التي توافق عليها العقلاء، فما يروجون له من توقعات مستقبلية على شاشات التلفاز ليس إلا تخميناً وتخيلاً لا يرتكز على أي مبررات منطقية، ومع ذلك يخدعون الناس تحت مسميات علمية لا أساس لها، فيتم تقديمهم على أنهم علماء الفلك والابراج أو مختصين بعلم النجوم، وإذا سألنا عن مصدر هذا العلم والقوانين التي تحكمه لما وجدنا أي إجابة لذلك، ومن هنا يعد التنجيم جهلاً بحسب مقاييس العلم، وحرام بمقاييس الشرع، وما هو مرتبط بالنجوم في الإسلام هو فقط الاهتداء بها في المسير ومعرفة الاتجاهات، قال تعالى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ…)

وقد جاء في الخبر إن أمير المؤمنين عندما سار لقتال الخوارج قال له بعض أصحابه: إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.

فقال له عليه السلام: أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟!

فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه.

وينبغي في قولك، العامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن فيها الضر.

ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر. والساحر كالكافر. والكافر في النار. سيروا على اسم الله.

زاد في نص آخر: فخرج في الساعة التي نهاه عنها، فظفر وظهر. (وسائل الشيعة:11/ 373)

وفيه: أنه عليه السلام قال لذلك المنجم: (أما والله إن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان.

إلى أن قال: أما إنه ما كان لمحمد منجم، ولا لنا بعده، حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر.

أيها الناس، توكلوا على الله، وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه). (شرح نهج البلاغة للمعتزلي:2/ 270)

وفي المحصلة ليس هناك أصل للتنجيم والابراج في العقيدة الإسلامية، وليس لها علاقة بالطالع ولا تؤثر على خيارات الإنسان في الحياة.

لعقودٍ من الزّمن تم أخذ التنجيم على محمل الجدّ وأثرت خرافاته على سلوك وشخصيّات البشر من مختلف الحضارات والديانات حول الأرض، يقطّع المنجمون ألفاظهم ويصلونها لتناسب حاجات معظم الناس وتلامس عقولهم من هنا أو هناك، وتمتلئ الأسواق بكتبهم الّتي تحمل تلك الخرافات بلباس علميّ أنيق مخادع ومراوغ.

إن فنُّ الخداع هذا يقوم على فرضيّة وجود 12 برجاً سماويّاً تؤثر مواقعها على شخصية وحياة البشر؛ ولكن أثبت العلم سقوط تلك الادعاءات لأسباب فلكية، علمية ومنطقية.. ثم جاء العالم فوريير ليظهر بدراسة علميّة منهجيّة بطلان ما يزعمه المنجمون من ارتباط بين توقعاتهم وبين سلوك وشخصيّات الأفراد.

ما هو الخطأ الذي وقع فيه المنجمون؟

(الحركة البدارية (precession)) لم تكن معروفة حينها لدى قدماء المنجمين، وهي حركة تنتج عن عدم تسطح الأرض وتأثير جاذبية القمر والشمس عليها، فتتمايل الأرض باستمرار وفق شكلٍ مخروطيٍ حول محورها لتُتم دورةً كاملةً كل 25800 عام، تدعى تلك الحركة بالحركة البدارية أو المداورة، وخلال ال2500 عامٍ الماضية قد سببت هذه الحركة بانزياح نقطة التقاطع ما بين خط الاستواء السماوي وما بين مدار الشمس، لتتحرك غرباً بحوالي 36 درجة، أي ما يقارب انزياح الأبراج من مواقعها لمدة شهرٍ كامل.

نتيجة لذلك، فإن من وُلدوا بين 21 آذار/مارس وما بين 19 نيسان/ابريل من الخطأ أن يعتبروا أنفسهم من مواليد برج الحمل، لأننا اليوم نعلم تماماً أن الشمس لم تعد ضمن كوكبة الحمل في معظم هذه الفترة (نتيجةً للحركة البدارية) بل ستكون ما بين 11 آذار/مارس و18 نيسان/ابريل في برج الحوت! والمدهش أكثر أن من ولد ما بين 29 تشرين الثاني/نوفمبر و17 كانون الأول/ديسمبر سيكون من مواليد برجٍ فلكيٍ لم يُكتب عنه يوماً في أي مجلة أو يسمع به على لسان أي منجم في أي زمن مضى! برجه سيكون «الحواء» وهو الذي تمر فيه الشمس مباشرةً بعد برج العقرب.

وبسبب الحركة البدارية فإن المستوى المُحدد بمدار الشمس متغير، أي أن موقع كلٍ من تلك الأبراج ومدة مكوث الشمس فيها متغيرٌ بشكل دائم، وعددها أيضا قد يتغير كما هو الحال اليوم، حيث أصبحت الشمس تغطي 13 برجاً عوضاً عن 12، وتختلف مدة المكوث فيها تماماً عما هو متداول في حسابات المنجمين.

ويجب أن نعلم بأن بُعد تلك المجموعات النجمية عن الأرض قد يبلغ مئات أو آلاف السنوات الضوئية، ونجوم الكوكبة أو البرج الواحد تقع في تشكيل ظاهري لنا ولكنها في اغلب الأبراج متباعدةٌ وغير مترابطةٍ نهائياً، ولا تملك أي تأثير مشترك فيما بينها سوى في المشاهدة الظاهرية لنا بالنسبة لموقعها.

ومع أن علم الفلك الحديث استند على بعض التقسيمات والتسميات من تسميات التنجيم القديمة، ولكنه علمٌ حقيقيٌ يهتم بدراسة حركات الكواكب والنجوم ويسهل وينظّم الأرصاد الفلكية من خلال تقسيم السماء الظاهرة لمجموعات نجمية أو أبراج فلكية، ويحب علينا عدم الخلط بين التنجيم وعلم الفلك بغض النظر عن الحقائق الفلكية السابقة، لماذا قد ينجح المنجمون في توقعاتهم؟!

بعد أن قُمنا بالنقض العلمي الفلكي لفكرة وجود الأبراج الـ12 التي يقوم عليها التنجيم، لنفترض أن الأبراج ثابتةٌ لا تتغير، وأن عددها فعلاً 12، هل سيكون حينها التنجيم بالأبراج صحيحا؟! بالتأكيد لا! وإن صدق المنجمون بتوقعاتهم فإن هذا يعود لما يُسمى بتأثير فوريير، نسبةً لعالم النفس بيرترام فورير (Bertram R. Forer) الذي تحدث عنه، حيث وجد أن الناس يميلون لقبول أي وصفٍ غامضٍ وعام قد ينطبق على أي شخص في هذا العالم على أنه وصفٌ موجهٌ إليهم شخصياً، مثلا.

 

(أنت شخصٌ مُحتاجٌ لتقدير الناس وإعجابهم، لكنك رغم ذلك تميل لانتقاد نفسك كثيراً، وفي حين أن لديكَ شيئاً من ضعف الشخصية، فإنك قادرٌ على تعويض ذلك الضعف بشكلٍ عام، ولديك من القدرات الكامنة الكثير التي لم تستخدمها في صالحك بعد).

قد يظن أيُّ شخصٍ أن هذا الكلام هو المعني به تماماً (وهو كلامٌ عشوائيٌ نقلتُه من إحدى صفحات الانترنت)، لكن حين تفكر بالأمر؛ أليس الكثيرون منا يحبون أي يحوزوا تقدير الناس وإعجابهم؟ ومن منّا لا ينتقد نفسه حين يُخطئ؟ ومن أيضاً ذو شخصيّةٍ كاملةٍ بتمام جوانبها ولا تعاني من أي ضعف؟ وهل من أحدٍ يستغل كل وقته وقدراته على مدار الـ24 ساعة في اليوم؟!

وإضافةً إلى ذلك فإن الناس يميلون لتصديق هكذا معلومات تصفهم بغموض، وهذا ما فعله فورير في الدراسة التي أجراها على تلاميذه، حيث أعطاهم استبياناتٍ فيها أسئلة عن شخصياتهم، وبعد أن أجابوا على الاستبيانات أخذها ولم يقرأها، ثم عاد وأعطى كل واحدٍ منهم نصاً شبيهاً بالذي كتبناه كمثال (جميعهم حصلوا على نفس النص) وطلب منهم أن يُقيّموا مدى دقة تحديده لصفاتهم بعلامةً من 0 إلى 5، مُدّعياً أنه حدده صفاتهم بناءً على الاستبيانات، وقد أعطاه معظم الطلاب علامة 4.2 من 5 في صحة انتقائه لصفاتهم (أي أن فورير كان على حقٍ في 84% من صفاتهم التي كتبها في النص)، مع أنهم أخذوا جميعاً نفس النص وأن فورير لم يقرأ الاستبيانات!

علم النجوم والأبراج

إذن: لا يمكن لمجموعة من النجوم التي تبعد عنا مئات وآلاف السنوات الضوئية أن تتحكم وتسيطر بنفس الطريقة على العمل والدراسة والصحة والحياة الاجتماعية والأسرية لمئات الملايين من البشر الذين يعيشون في مناطق مختلفة من العالم ويخضعون لظروف موضوعية مختلفة من حيث الثقافة والتعليم ومستوى المعيشة! وبالتالي فإن فرص صناعة المستقبل ستكون متفاوتةً بين شخصٍ وآخر حتى ولو ولدا في نفس اليوم واللحظة، أما بالنسبة للصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية والتي تزخر بالكثير من برامج الأبراج والتوقعات الفلكية فما هي إلا وسائل جذبٍ رخيصة تهدف بالدرجة الأولى إلى بيع الوهم واكتساب المال من وراء ذلك، ولها انعكاساتٌ خطيرة تتعدى التسلية، فبعض الناس يُحددون مسار مشاريعهم المستقبلية وحتى علاقاتهم الأسرية وفقا لما تقول لهم الأبراج!

الآن، هل تعتقد الآن بأن من يطلق على نفسه «عالماً فلكياً» وهو غير قادر على تحديد برجك الحقيقي أن يهديك لنصيحة ما أو يعرف مزاجك اليوم؟!

النقض الديني لعلم النجوم

إرشادات القران الكريم حول علم النجوم:

1- لقد أرشد القرآن الكريم إلى دور النجوم في هداية الناس إلى الجهات المختلفة، ليتمكنوا من التحرك نحو مقاصدهم، بأمان واطمئنان، وعلى أساس الوضوح والثقة والثبات قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.(النحل/ 16)

وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ…}.(الأنعام/97)

 

2- أرشد القرآن أيضاً إلى أهمية مواقع النجوم في المنظومة الكونية العامة. حتى إنه لشدة حساسيتها أقسم بها بلسان إظهار أهميتها، فقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}. (الواقعة/ 75)

3- إنه تعالى ذكر أيضاً: أن النجوم مسخرات بأمره، كسائر الكواكب، فقال: ((وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ)). (الأعراف/ 54)

4- أنها تخضع وتسجد لله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ)). (الحج/ 18) وقد وصف أيضاً بعض النجوم بـ(الثاقب)، فقال: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ)). ( الطارق/ 3-4)

وفي الحديث أيضاً: إشارات كثيرة إلى النجوم، وبعض ما يرتبط بها، ولسنا بصدد تتبع ذلك.

5- إن علم النجوم الذي يريد أن يربط حركة الإنسان في الحياة ربطاً حدسياً وتكوينياً بمعارف عن النجوم، حصل على أكثرها أيضاً عن طريق الحدس والتخمين. إن هذا العلم ليس بعلم، بل هو جهل وتجهيل، وتخييل وتأهيل، من دون حجة ودليل، لأنه لا يملك أية مبررات لهذا الربط الذي يقترحه ويدعيه، لأن الربط الصحيح يحتاج إلى وقوف على أسرار الخلق والتكوين، ولا يستطيع أحد أن يدعي لنفسه ذلك.. بعد النبي والأئمة الأطهار «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» إلا كاذب.

يضاف إلى هذا وذاك: أن التسويق لهذه النظرية الاعتباطية أو تلك يؤثر على حياة الناس وعلى حركتهم، وتطلعاتهم، وخططهم، ويجعلهم عرضةً لألاعيب شياطين الأنس فيهم.. بالإضافة إلى شياطين الجن.

كما أنه يحدث لديهم خللاً رئيساً، وحساساً وأساسياً في المضمون الإعتقادي لهم بالله، ويؤثر على علاقتهم به تعالى. إلى حد الشعور بالاستغناء عنه، والاستئسار للجبرية التكوينية التي أراد لها أولئك الشياطين أن تهيمن على العقول والمشاعر، وعلى حركة الناس في الحياة.

ثم هو يعطي أولئك المتحذلقين الفرصة لادعاء التحكم بالأقدار، والإشراف على الغيب، وامتلاك مفاتيح السعادة والشقاء، والسلامة والبلاء، والمرض والشفاء، والموت والحياة.

ويفسح لهم المجال للتدخل في كل كبيرة وصغيرة، والتحكم بقرار الناس، حتى يصبحوا دمى في أيديهم، وهذا ما لا يرضاه الله تعالى لعباده، ولا يريد أن يرى له أي أثر في بلاده..

وقد كذب القرآن هؤلاء حين قال: ((يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ))، (الرعد/ 39)، وكذبهم أيضاً بأوامره وزواجره، التي لم تقيد بزمان، ولا أرشدت إلى وقت بعينه، ولا أشارت إلى مراعاة حالات النجوم في منازلها أو في حركتها، أو في غير ذلك.

وقد أرشد القرآن الناس إلى أن الله تعالى هو الذي يقرر ويقدر، وينفع ويضر، ويعطي ويمنع، ولم يقيد شيئاً من ذلك، ولا أياً مما يقدره، ويقضيه، ويفعله ويمضيه بشيء مما يدعيه المنجمون للنجوم أو لغيرها.

 

فالمنجم كالكاهن، يبني أحكامه على الحدس والتخمين، وقد يروق للكاهن أن يقلب الحقائق، ويخدع الناس بأباطيله وألاعيبه، ويفسد حياة الناس، حتى يكون كالساحر، في تمويهه، وخداعه، وفي التدخل في حياة الناس لإفسادها.

كما أن الساحر والكاهن والمنجم ينتهيان إلى انتهاك الحرمات الإلهية، ويفسدون اعتقاد الناس بربهم، ويقطعون علاقتهم به تعالى.. ويقدمون أنفسهم لهم على أنهم هم الذين ينفعون ويضرون، ويدفعون الناس إلى الاعتقاد بالتعطيل الإلهي والكفر بصفاته الربوبية، وتشويشها، وتشويهها.

إرشادات السنة الشريفة حول علم النجوم

قال الشريف الرضي «رحمه الله»: قال له ((أي لعلي عليه السلام)) بعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج:

إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.

فقال له عليه السلام: أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟!

فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه.

وينبغي في قولك، العامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن فيها الضر.

ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر. والساحر كالكافر. والكافر في النار. سيروا على اسم الله.

زاد في نص آخر: فخرج في الساعة التي نهاه عنها، فظفر وظهر.(وسائل الشيعة:11/ 373)

وفيه: أنه عليه السلام قال لذلك المنجم: (أما والله إن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان.

إلى أن قال: أما إنه ما كان لمحمد منجم، ولا لنا بعده، حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر.

أيها الناس، توكلوا على الله، وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه).(شرح نهج البلاغة للمعتزلي:2/ 270)

المصادر:

– موسم الولادة يؤثر على مزاجك في ما بعد في الحياة (إصدار صحفي لمؤتمر (ECNP) في برلين، (2014)

Birth season affects your mood in later life (Press Release of ECNP congress in Berlin).

– الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام، بقلم السيد جعفر مرتضى العاملي.

 

2022/04/05

لماذا نسعى في ’طلب الرزق’ إذا كان الله متكفل به؟!

قال تعالى: (إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير)، تدل الآية الكريمة على أن الضرر كالفقر والمرض، وكذا الخير كالمال والصحة من فعل الله تبارك وتعالى، فلماذا يسعى الإنسان إذن ويطلب ما الله تعالى متكفل به؟

[اشترك]

لأن الإجابة تحتاج إلى تفصيل، نذكر خلاصة الإجابة أولا ومن ثم نفصل الإجابة بالمقدار الذي يتيحه المقام.

فخلاصة الإجابة أن الآية ليست في مقام نفي إرادة الإنسان ومسؤوليته عما يصيبه من شر أو خير، وإنما الآية في مقام إثبات أن كل ما في الوجود محكوم بإرادة الله وأمره، صحيح أن الله مكن الإنسان من فعل ما يشاء إلا أن هذا التمكين لا يخرج الإنسان عن سلطة الله وهيمنته، فبتوفيق الله وتسديده يرفع الإنسان عن نفسه الضرر، أما إذا خذله الله وأوكله إلى نفسه لاستحال عليه ذلك، فالإنسان لا يملك من نفسه نفعا ولا ضرا وإنما يملكهما بما مكنه الله منهما، ولذلك لا يمكن أن يستغني الإنسان عن السعي لأن كل ما يصيبه معلق بهذا السعي.

أما التفصيل فعلى النحو التالي:

قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير)، وقال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، وقال تعالى: (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون). وقال تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله ۖ وما أصابك من سيئة فمن نفسك)

نصت هذه الآيات على أربع حقائق مهمة، وعلى أساسها تقوم علاقة المخلوق بالخالق، وأي اختلال في فهمها يؤدي إلى اختلال حياة الإنسان وتخبطه فيها.

1- إن الله هو الخالق والمهيمن على كل شيء، (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) وبهذا استحق العبادة، لكونه مالك كل خير ودافع كل ضر.

2- ما يصيب الإنسان من خير وشر يقع ضمن هدف الابتلاء والتمييز بين العباد، (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) فكل ما يصيب الإنسان إما أن يقربه من الله أو يبعده عنه.

3- كل شيء يتعلق به الإنسان دون الله بهدف جلب الخير أو دفع الضر لا يجدي نفعا، فليس هناك مالك لهما غير الله تعالى، (إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته)، فإن كان هناك من يملك النفع والضر من دون الله فهو أولى باللجوء إليه وطلب ذلك منه.

4- ما يفعله الله بالعباد خير محض سواء في دنياهم أو ما يجدونه في آخرتهم، وعليه ما يصيب الإنسان من سوء فهو من فعله واختياره، (ما أصابك من حسنة فمن الله ۖ وما أصابك من سيئة فمن نفسك)، فالإنسان هو المسؤول عن كل ما يصيبه من سوء وبيده وحده تغيير حاله من حال إلى حال، (إن الله لا يغير ما بقوم حتىٰ يغيروا ما بأنفسهم).

وإذا انطلقنا من المسلمة في النقطة الثانية يمكننا أن نقول أن تقلب الإنسان بين الخير والشر هو السبيل الوحيد للكشف عن معدنه وحقيقته، فكما يقال عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، فلابد للإنسان من فتنة وابتلاء، والفتنة في اللغة مأخوذة من فتنة الذهب بالنار لإخراج الشوائب منه، وعليه لا يمكن أن نتصور فلسفة وجود الإنسان في الحياة ما لم يكن هناك ابتلاء وفتنة تؤهل الإنسان لدخول الجنة.

وإذا كان هذا واضحا يمكننا الرجوع إلى النقطة الأولى، والذي يقودنا إلى ذلك هو السؤال القائل، بعد أن سلمنا بأن الخير والشر، أو النفع والضر، لابد من وجودهما في الحياة ومن دونهما تفقد حياة الإنسان حكمتها وغايتها، فما هو مصدرهما ومن يتحكم بهما؟

من المؤكد أن خالق الحياة ومدبرها هو المالك لكل شيء، ومن المستحيل أن يخرج أي شيء عن هيمنته وسلطانه، قال تعالى: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون)، فإذا افترضنا وجود جهة أخرى غير الله تعالى هي التي تملك ذلك فمن الطبيعي أن يلجأ لها الإنسان لجلب الخير ودفع الضر، وهذا ما يفسر لنا انحراف بعض الأمم عن عبادة الله، فكل من عبد شيئا غير الله لم يعبده إلا بعد أن تصور أنه يملك نفعه وضره، ففي سورة يس بعد أن عددت الآيات النعم التي خص الله بها الإنسان مثل قوله تعالى: (ولهم فيها منافع ومشارب ۖ أفلا يشكرون) تأتي الآية بعدها مباشرة لتكشف سبب ضلال من يعبد غير الله تعالى: (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) أي كانوا يتصورون أنها قادرة على نصرتهم، وبالتالي بيدها نفعهم وضرهم، إلا أن الآية التي جاءت بعدها أبطلت ذلك بالقول: (لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون)، وعليه لا سبيل أمام الإنسان العاقل إلا طلب ذلك ممن بيده النفع والضر وهو الله تعالى، فهو المالك الحقيقي لكل ما يرجوه الإنسان في حياته.

 

وكل ذلك يكشف عن معرفة الإنسان بأنه لا يملك من نفسه نفعا ولا ضرا، وأن هناك مالكا آخر لهما غيره، والمغرور وحده من يدعي أنه مالك للخير والشر والقادر عليهما، ومثل هذا لا يلتفت إلى قوله، وفي النتيجة إن الآية التي سأل عنها السائل لا تثبت شيئا آخر غير الذي يجده الإنسان في عمق شعوره ووجدانه، وهو حاجته لمن يملك نفعه وضره لكونه غير مالك لهما.

وإذا اتضح ذلك نعود إلى النقطة الرابعة، ونسأل عن دور الإنسان في هذه المعادلة، وهنا لابد أن نفترض مجموعة من الاحتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون الإنسان مجبورا على كل شيء، فكل ما يصيبه من خير أو شر ليس إلا قدرا محتوما عليه من الله، وكل ما يصدر عنه من فعل لا يكون نابعا من إرادته واختياره، وهذا الاحتمال هو الذي تصور السائل حدوثه.

الاحتمال الثاني: أن يكون للإنسان مطلق التصرف فهو وحده الذي يتحكم في كل شيء شاء الله أو لم يشأ، فإن كسب خيرا فمن نفسه وبجهده وكده، وإن أصابه سوء فمن فعله واختياره، وليس لله أي هيمنة عليه.

الاحتمال الثالث: أن يكون الإنسان مسؤولا عن فعله لكونه نابعا عن إرادته واختياره، وفي نفس الوقت غير مفوض في ذلك لوجود إرادة أخرى غير إرادته وهي إرادة الله تعالى، وعليه ما يصيب الإنسان أو ما يصدر عنه من الله ومن نفسه، فما يكون خيرا فمن الله وما يكون شرا فمن نفسه.

مع أن الاحتمال الثالث شائك وقد يكون غير مفهوم من النظرة الأولية، إلا أنه حتى وإن لم نرفع ما فيه من غموض نجده أولى من الاحتمالين السابقين؛ وذلك لأن الاحتمال الأول يصادر حرية الإنسان وإرادته، وهذا خلاف ما يشهده الإنسان بوجدانه. والاحتمال الثاني يصادر إرادة الله وحكمته، وهذا مخالف لكون الله هو الخالق والمهيمن، فكيف يكون هو الخالق وفي نفس الوقت منزوع الإرادة عن خلقه؟ أما الاحتمال الثالث فهو الاحتمال الوحيد الذي يحافظ على إرادة الإنسان وفي نفس الوقت لا يصادر إرادة الله، وحتى لو افترضنا أننا لم نفهم كيفية الانسجام بين إرادة الإنسان وإرادة الله يبقى هو الاحتمال الأقرب من الجهة التي ذكرناها.

أما كيف نفهم فعل العبد بين إرادة الله وإرادته الخاصة؟ فإن ذلك ما تميز به مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فأكثر المدارس الإسلامية إما تورطت في الجبر بشكل صريح أو مبطن، وإما تورطت في التفويض بشكل ظاهر أو مخفي، ولم يتصوروا وجود منزلة ثالثة تقع بين الجبر والتفويض، وهذا ما نبه له الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بقولهم لا جبر ولا تفويض وإنما أمر بين أمرين، ولا يمكن تفصيل معنى ذلك في هذا المقام وإنما نشير إليه باختصار، ومن أراد التفصيل هناك مقال منشور على صفحة الموقع بعنوان الجبر والاختيار يمكن مراجعته.

 

فمن المؤكد أن الله مكن الإنسان من الاختيار وأقدره على المعصية والطاعة، فلا يكون بذلك مجبورا لصدور الفعل عن اختياره، وفي المقابل لا يملك الإنسان القدرة والاختيار من نفسه وبذاته وإنما أمرها بيد الله فهو الذي يفيضها عليه، وبذلك لا يكون مفوضا في فعله طالما لم يكن مفوضا في أصل امتلاكه للقدرة والاستطاعة والاختيار، وهكذا في اللحظة التي يكون فيها الإنسان فاعلا مختارا لا يكون مستغنيا عما يمده به الله من قدرة تمكنه من الفعل، فالإنسان مالك لما ملكه الله بدون تفويض منه، وبذلك يصبح الإنسان في أشد الحاجة إليه من أجل دوام لطفه وإنعامه وتفضله، ويكون ذلك لحظة بلحظة، وثانية بثانية، فقوله: (إياك نعْبد وإياك نسْتعين)، أثبات للأمر بين الأمرين، فإياك نعبد نفي للجبر، لكونه هو الذي اختار العبادة، وإياك نستعين نفي للتفويض لكونه لا يتمكن من العبادة بدون عون الله وتوفيقه. ويبقى هناك سؤالان، الأول: كيف يكون فعل الخير من الله وفعل الشر من الإنسان؟ والسؤال الثاني: ما علاقة فعل الإنسان بما يقع عليه من خير وشر؟

بالنسبة للسؤال الأول: فالإنسان قادر على فعل الخير والشر بما أقدره الله على ذلك، وحينها يصبح مسؤولا عن فعله، فإن كان شرا يعود إليه وحده طالما كان قادرا على تركه، صحيح أنه فعل ذلك بالقدرة التي مكنه الله منها، إلا أن الله حين منحه إياها اشترط عليه أن لا يفعل بها إلا الخير، حيث حذره من الشر ونهاه عنه ووعده بالعقوبة إن هو خالف أمره، أما إذا فعل بها الخير فيكون ذلك من الله لكونه هو الذي أقدره على ذلك وحببه إليه وحثه على فعله ووعده بالثواب إذا قام به، ففي الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (فالقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك. فقلت له: يا بن رسول الله فما أمر بين أمرين؟ فقال: وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه. فقلت له: فهل لله عز وجل مشيئة وإرادة في ذلك؟ فقال: أما الطاعات فإرادة الله، ومشيئته فيها الأمر بها، والرضا لها، والمعاونة عليها، وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها، والسخط لها، والخذلان عليها).

أما بالنسبة للسؤال الثاني: ما علاقة اختيار الإنسان بما يصيبه من خير أو شر؟ وهل كون الله هو النافع الضار يعني أن إرادة الإنسان لا علاقة لها بذلك؟

من المؤكد أن كل شيء في الوجود معلق بالأسباب والمسببات، ولا يمكن أن نتصور وجود شيء خارج إطار السنن التي أقام الله عليها نظام الخلقة، والإنسان يقوم بفعله وفقا لهذه السنن والأسباب، فقد يقوم بشيء يكون سببا في نزول الضرر عليه، فمثلا قد يعرض نفسه للبرودة الشديدة فيصاب بمرض، وبذلك يكون مسؤولا عما أصابه من ضرر حتى وإن كانت الأسباب هي من فعل الله تعالى، صحيح أن بعض الشرور تصيب الإنسان من غير أن يكون هو المتسبب فيها بشكل مباشر، إلا أنها لا تكون نازلة من السماء وإنما حدثت بفعل إنسان آخر، وحتى لو فرضنا أنها عقوبة نازلة من السماء فإنها لا تنزل عبطا وإنما لفعل فعله الإنسان استحق تلك العقوبة، وعليه البشرية بشكل عام هي المسؤولة عما يصيب العالم من فقر وجوع ومرض وكل الكوارث التي تصيبه، وهي أيضا المسؤولة عن رفع كل ذلك من خلال تغيير منهجها في الحياة وتبديل نمط سلوكها، فالفقر والمرض والغنى والعافية كلها تخضع لمعادلات وضعها الله كقوانين، وإرادة الإنسان مسؤولة بشكل مباشر عن كل ما يصيب الإنسان، فظلم الحاكم وفساد الأنظمة والمطامع والأنانيات الحاكمة على النفوس وغير ذلك كله مسؤول عما يصيب البشرية، فلماذا نحمل الله المسؤولية وهو سخر للإنسان كل ما في الوجود وأمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم وحذرهم من حسابه وعقابه؟

وعليه فقوله تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) فإن الآية تثبت أن كل ما يقع في الوجود وكل ما يجري على الإنسان من خير أو شر هو محكوم بما قدره الله من سنن على هذا الوجود، والإنسان في حياته وسعيه حتما معرض لما ينفعه أو ما يضره، وحينها لا يمكنه أن يعتمد على ذاته وقدراته الخاصة وإنما بحاجة إلى تسديد الله وتوفيقه، فمثلا لو هم العبد الى فعل شيء وكان في ذلك الشيء ضرره وهو لا يعلم، فهو بين عدة احتمالات، فإما أن يصرف الله عزيمته عن ذلك الفعل، فبعد أن كان متحمسا يفقد الرغبة تماما عن فعله، وهذا يجده كل واحد منا في نفسه، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (عرفت آلله سبحانه بفسخ العزائم، وحل آلعقود، ونقض آلهمم)، وإما أنه يسعى بجد لتحقيقه ولكنه يفشل في ذلك، مثلا من كان ينوي السفر إلى مكان وكان في ذلك السفر مكروه يصيبه وهو لا يعلم، فمع تصميمه وسعيه إلا أن الله لا يوفقه للقيام بذلك السفر، وكم من الأعمال يعزم على فعلها الإنسان ولكنه يفشل في القيام بها، وغير ذلك من الطرق التي يصرف الله بها المكروه عن عبده، أما من خذله الله وأوكله إلى نفسه فلا يسلم من الوقوع في الضرر، وفي حال وقوع الضرر على الإنسان لا يمكنه أيضا الخلاص منه إلا بتوفيق آخر من الله تعالى، ومن هنا لا يمكن أن يدفع الإنسان الضرر عن نفسه إلا إذا أعانه الله على ذلك، ولا يفهم بأن التوفيق والخذلان أمر اعتباطي وإنما له علاقة بمجمل فعل الإنسان وتوجهه في الحياة، فمثلا قد يدفع الله المكروه عن إنسان بسبب بره لوالديه، وقد يخذله بسبب عقوقه لهما،

وعنه (صلى الله عليه وآله): الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء، أهونها الجذام والبرص)، وهكذا تتداخل أسباب حسية ومعنوية في مجمل حياة الإنسان وتحدد ما يمكن أن يصيبه من خير أو شر، وفي حال وقوع الشر بالإنسان فما تزال الفرصة متاحة أمامه من جديد، وذلك من خلال الرجوع إلى الله وطلب العون منه لرفع ما وقع عليه من ضرر، وبذلك يكون الشر والخير سببا في رجوع العبد إلى الله وبذلك يتحقق ابتلاؤه وامتحانه في الحياة كما يترتب على ذلك جزاؤه يوم القيامة.

2022/03/27

هل سفر ’مراجع الدين’ إلى لندن لتلقي العلاج حرام؟!

هناك إشكالية تطرح باستمرار، وهي لماذا اغلب مراجع الدين يذهبون إلى لندن للعلاج بينما البلاد الإسلامية والعربية لديها أجهزة طبية متطورة وحديثة وأطباء على مستوى عالٍ؟

[اشترك]

يجب عدم الالتفات إلى الإشكالات السخيفة التي لا تصدر إلا من عقول مريضة، فالاستجابة لها والتفاعل معها يعطي صاحبها أهمية، وهذا لا يعني أننا لا نسمح بالنقد الموضوعي والإشكال العلمي، بل على العكس تماماً لعلمنا بأن النقد البناء والاشكالات التي تبحث عن نقاط الخلل في الأفكار مفيدة جداً لتطوير واقعنا الفكري والمعرفي.

[اشترك]

أما إطلاق الكلام على عواهنه وإصدار التهم والافتراءات فإنها لا تعبر إلا عن نفسية حاقدة تبحث فقط عن السخرية والازدراء، فلو اخذنا هذا السؤال مثالاً: فحتى نعتبره إشكالاً لابد أن يبين صاحبه مجموعة من الأمور، أولاً: لابد من تقديم إحصائية علمية يثبت فيها أن معظم مراجع الشيعة يتعالجون في لندن.

ثانياً: لابد من بيان المحذور الشرعي والعقلي في حال ثبوت النقطة الأولى.

ثالثاً: اثبات أن سفرهم إلى لندن يدل على رغبتهم في السفر إلى تلك البلاد أو العيش فيها مما جعلهم يتحججون بالمرض لتحقيق ذلك.

وكل ذلك غير واضح حتى نعترف بكونه إشكالاً، فبالنسبة للنقطة الأولى فإن العكس هو الصحيح فأن معظم مراجع الشيعة يتعالجون في أوطانهم وهناك بعض الحالات النادرة جداً التي استوجبت العلاج خارج الوطن، فلو رصدنا في المئة سنة الأخيرة أسماء مراجع الشيعة في العراق وايران ومن ثم بحثنا عن من تعالج منهم في أوروبا لوجدنا القليل النادر الذي لا يمثل حتى نسبة واحد في المائة، وعليه فإن التعميم القائم على ملاحظات محدودة يعد من أكبر المغالطات المنطقية، أما بالنسبة للنقطة الثانية، فنحن لا نجد أي محظور عقلي أو شرعي إذا تعالج المرجع في لندن، فلو كان العلاج في الغرب حرام فهو حرام على الجميع وليس على المراجع وحدهم، فلا وجود لأحكام شرعية خاصة بالمراجع دون غيرهم، فهل يمكن التسليم بحرمة ذلك على الجميع؟ أما بالنسبة للنقطة الثالثة، فماذا تمثل لندن أو غيرها من العواصم الغربية بالنسبة للمراجع؟ فلو أرادوا السفر إليها أو العيش فيها فبإمكانهم فعل ذلك وليس هناك مانعاً من أن يكون مرجعاً وهو يعيش في أوربا، فلو كانوا يبحثون عن الحياة ويهتمون بملذاتها لما اختاروا السفر إلى لندن وهم في هذه الأعمار المتقدمة وفي حالة من المرض والعجز، وعليه لا تمثل أوروبا أي هوى في نفوسهم ولذا اختاروا الزهد والتقشف في مسكنهم وملبسهم ومأكلهم وحالهم جميعاً يدل على ذلك.

2022/03/09

مهندس أم نبيّ: هذا هو دين «شحرور»!
يقول الدكتور محمد شحرور إن الحرام هو ما نهى عنه القرآن الكريم فقط.. ما هو تعليقكم؟

يبتنى كلام شحرور على عدم الاعتراف بحجية السنة، وهذا ما لا يمكن التسليم به لكونه باطل بالضرورة، فقد دلت آيات القرآن بما لا يدع مجالاً للشك على حجية سنته، مثل قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب).

إلا أن شحرور يفرق بين مقام الرسول ومقام النبي ويعتقد أن الرسول مأمور بتبليغ الرسالة وهي القرآن الكريم أما النبي كبشر فهو غير معصوم وبالتالي ما يأمر به أو يفعله لا يكون تشريعاً ملزماً، حيث يقول شحرور في ذلك: (ومن هنا فنحن لا نجد في التنزيل الحكيم أمراً بطاعة محمد البشر الإنسان، ولا أمراً بطاعة محمد النبي، بل نجد أكثر من أمر بطاعة محمد الرسول.. لماذا؟ لأن الطاعة لا تجب إلا للمعصوم، ومحمد الإنسان ليس معصوماً، ومحمد النبي ليس معصوماً، ومحمد الرسول هو المعصوم في حدود رسالته حصراً الموجودة في التنزيل).

ويتضح من كلامه أنه جعل العصمة للرسول بسبب التبليغ وهذا كلام باطل بعدة وجوه:

1- إذا كان التبليغ بمعنى أستلام القرآن من الله وتسليمه للناس من غير أي دور أضافي للرسول، فإن تلك المهمة لا تتوقف على العصمة حيث يمكن للإنسان الذي تتوفر فيه العدالة والصدق وعدم الكذب القيام بذلك، فالرسول الصادق في حديثه والأمين في نقل ما استحفظ به قادر على تلك المهمة من غير أن يتوقف الامر على عصمته، وعلى ذلك لا يكون كافياً ترتيبه العصمة على التبليغ طالما الدرجة الأدنى تكفي لذلك.

2- ربط عصمة الرسول بتبليغ الوحي فحسب يقود إلى إهمال إي دور للرسول غير التسلم والتسليم، وهذا مخالف لما صرح به القرآن من أدوار أخرى للرسول، مثل قوله تعالى: (يتلوا عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) فإذا كانت التلاوة هي تبليغ القرآن وايصاله إلى الناس، وكانت العصمة خاصة بهذه المهمة، فكيف نفهم المهام الأخرى مثل التزكية والتعليم؟ إذا كيف لغير المعصوم أن يقوم بدور التزكية؟ فمن يزكي غيره آلا يكون زاكياً في نفسه طاهراً من كل دنس وعيب؟ وإذا كان دوره فقط تبليغ الكتاب فلماذا أمره تعالى أن يعلمنا الكتاب؟ وتعليم الكتاب مهمة إضافية تختلف عن مهمة الإبلاغ؛ فلو كانت مساوية للإبلاغ يكون ذكرها تحصيل للحاصل، وإن كان تعليمه للكتاب زائد على التبليغ؛ فإما أن يكون معصوماً في تعليمه وأما أن يكون غير معصوم، فإن كان معصوماً ثبت المطلوب وإن لم يكن معصوماً فقد يعلمنا ما يكون مخالفاً لما أراد الله وهذا نقض للغرض.. ففي كتاب الله أحكام وحقائق تحتاج إلى بيان وتعليم رسول الله، وإذا كان غير معصوم في تعليمه للكتاب فكيف نضمن ألا يعلمنا ما هو مخالف لما أراده الله؟ وكذلك الحال في تعليمه الحِكمة، فإذا لم يكن معصوماً في تعليمه الحِكمة فقد يعلمنا ما هو مخالف للحِكمة وهكذا.. فجعل العصمة ضرورية في التبليغ دون غيرها من المهام ليس صحيح

3- إذا كانت مهمة الرسول فقط هي تبليغ الوحي، وكان واجبنا اتجاهه يتلخص في تصديقنا بالقرآن الذي جاء به، فحينها كيف نفهم قوله تعالى: (ربنا امنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) حيث يصبح كلمة واتبعنا الرسول تحصيل للحاصل طالما كان اتباع الرسول يتلخص في الإيمان بالقرآن، وحينها تكون الآية كالتالي: (ربنا امنا بما أنزلت وامنا بما نزلت فكتبنا مع الشاهدين) وكذلك قوله تعالى: (والذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح..) إذا كانت الاستجابة لله هي في الايمان بما انزل والعمل به، فكيف تكون الاستجابة للرسول؟ وإذا كانت الاستجابة للرسول هي تصديق ما أنزل اليه فكيف تكون الاستجابة لله؟

4- قال تعالى: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات ...) إذا كانت حدود الله كلها في القرآن ولا توجد لله حدود خارج القرآن فلابد ان تكون الآية (تلك حدود الله ومن يطع الله يدخله جنات...) فما هو ضرورة طاعة الرسول في هذه الآية طالما الرسول ليس له حدود غير حدود القرآن؟

5- قال تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والي الرسول ...) فالآية تفرق بين أمرين، الأول: هو تعالوا إلى ما أنزل الله وهو القرآن الكريم، والثاني: تعالى إلى الرسول، فإذا كانت مهمة الرسول محصورة في تبليغ القرآن يكون ذكره في الآية تكرار بلا مبرر، وعليه يصبح تفسيرها بحسب رأي شحرور كالتالي: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله (القرآن) والي الرسول (القرآن) أي تعالوا إلى القرآن والقرآن. وهكذا إذا تتبعنا كثير من الآيات القرآنية يتضح أن للرسول دور أخر غير تبليغ القرآن وهو سنته التي يجب الالتزام بها.

ويبدو أن الخلط في معنى العصمة هو الذي ساقه إلى الوقوع في مثل هذا الضلال، حيث اعتقد أن العصمة هي تحكم في فعل الإنسان من غير إرادة منه واختيار، أي أن الله يتدخل ليمنعه من الخطأ في أشياء ولا يتدخل في أشياء أخرى، وهذا خلاف طبيعة العصمة، فالعصمة هي ملكة ينالها الإنسان وبها يعصم نفسه من الخطأ، وليست أمراً خارجاً عنه وتتحكم في أفعاله من بعد، وعليه متى ما نال الإنسان العصمة يكون معصوماً في كل شيء ولا يكون معصوماً في أشياء وغير معصوم في غيرها، أي أن الإنسان الحائز على درجة العصمة تكون كل افعاله قائمة على هذه العصمة، ولا تعني ابداً أن الله يمنحه العصمة في التبليغ وينزعها عنه في غير التبليغ لأنها مرتبطة بالمعصوم نفسه وليست مرتبطة بشيء خارج عنه، ولو صح فهم شحرور للعصمة لجاز أيضاً للفاسق والفاجر والمنحرف وصاحب كل صفة ذميمة بأن يعصمه الله عندما يبلغ الرسالة طالما كانت العصمة أمر خارجي وليست لها علاقة بالشخص، وطالما كان شخص الرسول لا قيمة له ولا اعتبار كما يزعم،  وحينها ليس من الضروري في الرسول أن يكون صحاب مناقب ومكارم ومكانة عالية في نفسه لأن الله هو الذي يتدخل ويجعله معصوم عند التبليغ وهذا خلاف سنة الله في اصطفاء خيار عباده للقيام بمهام الرسالة، وعليه فان شخص الرسول هو المعصوم وذلك لوصوله إلي درجة من الطهر والطهارة والعلم والذوبان في الله جعلته معصوماً وعلى ذلك لا يمكن تقسيم العصمة وتجزئتها.

 ولو سلمنا بزعمه وكانت العصمة خاصة فيما يبلغه الرسول من رسالة الله، حينها نسأل عن الدليل الذي يجعل رسالة الله محصورة في القرآن فقط، ونحن لا نجد في آيات القرآن آية تحذرنا من أتباع الرسول في غير القرآن أو تنبهنا بضرورة اجتنابه وعدم الأخذ بأقواله التي تصدر منه شخصياً، بل على العكس تماماً حيث نجد تأكيد القرآن على ضرورة أتباع الرسول مطلقاً بحيث لم تحدد لنا شرطاً واحداً في اتباعنا له، فإذا كان هناك جانب رسالي في الرسول وجانب بشري أليس من المفترض أن تنبهنا آيات القرآن عن ذلك حتى لا نقع في الخلط في ما يصدر منه بين جانبه الشخصي وجانبه الرسالي؟ فعدم تفكيك آيات القرآن بين الجانبين الشخصي والرسالي، أما أن يكون بسبب أن الله أراد أن يوقعنا في الضلال وذلك باتباعنا للجانب الشخصي في الرسول، وإما بسبب أن الرسول ليس له إلا جانب واحد وهو كونه رسول وعليه كل ما يصدر منه يكون تشريعاً إلا إذا هو نفسه قال أن هذا الامر ليس تشريع ..

وقد أكد القرآن على أن كل ما يصدر عن الرسول إنما هو وحي من الله تعالى حيث قال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) وقد نفت الآية بشكل مطلق أن يكون نطق رسول الله عن هوى، وبالتالي لا يصح كلام شحرور وأمثاله بأن النطق في الآية خاص بنطقه بالقرآن فقط، فلو صح قولهم لكان لرسول الله نحوان من النطق، الأول: هو نطقه بالقرآن وهو النطق الذي يكون من غير هوى، والثاني: هو نطقه بغير القرآن وهو أما أن يكون عن هوى حتماً أو يكون على الأقل نطق غير معصوم عن الوقوع في الهوى، وفي هذه الحالة كان يجب على الله أن يحذرنا مما ينطق به الرسول بهواه (نستغفر الله عن قول ذلك) إذ كيف يأمرنا باتباع الرسول بشكل مطلق في الوقت الذي يتوقع منه أتباع هواه؟ وكيف يأمر الله رسوله بتعليمنا الكتاب والحِكمة وهو لا يأمن من أن يعلمنا ذلك بحسب هواه؟ أليس هذا هو الضلال المبين؟

وفي المحصلة لا يمكن مناقشة فكرة شحرور حول حصر المحرمات في كتاب الله إذا لم نناقش حجية قول الرسول، فإذا نفينا حجية سنته يصح كلامه، وإذا أثبتنا حجيتها حينها لا تكون الاحكام محصورة في القرآن فقط وإنما تشمل السنة أيضاً.

2022/03/09

كاستحالة رمي نفسك في ’النار’.. لن ينحرف ’المرجع الديني’!

هل يمكن أن ينحرف المرجع الديني؟ وما هو موقف المؤمنين في مثل هذه الحالة؟

[اشترك]

كل ما ليس بمعصوم يجوز في حقه الانحراف، فعلى مستوى الإمكان لا مانع عقلاً ولا شرعاً أن ينحرف الفقيه الذي وصل إلى مستوى من العلم والفقاهة حتى أصبح مرجعاً لغيره.

وقد صرح القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) فالآية تؤكد بشكل واضح إمكانية انحراف من وصل إلى درجة من العلم، حيث ضربت الآية مثلاً بمن كان له علم بآيات الله إلا أنه انسلخ منها واتبع هواه، الأمر الذي يدل على خطورة هوى النفس على الإنسان إذا لم يعمل على مخالفة هواه بشكل دائم ومستمر، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكثير من روايات الشيعة والسنة التي تؤكد بأن هذا الرجل يقال له (بلعم بن باعورا) من بني إسرائيل وقد كان في زمن نبي الله موسى (عليه السلام) حيث كان عالماً بآيات الله إلى درجة كان عنده أسم الله الأعظم كما صرحت بعض الروايات، إلا أنه انحرف وجحد بآيات الله وأتبع الشيطان، فكان مثله كمثل الكلب، فكما أن الكلب يلهث حتى وإن لم يكن في حالة من الجهد والتعب، فكذلك هو حال من عرف الحق واتبع هواه لن يجد إلا الخذلان والضياع، وقد أشار الأمام الباقر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية إلى أن ذلك مثال جاري على كل من عرف الحق وتركه من اجل الهوى، حيث قال (عليه السلام): أنَّ الأصل في ذلك بلعم ثم ضربه الله مثلاً لكلَّ مؤثرٍ هواه على هدى الله من أهل القبلة).

وعليه بحسب الإمكان العقلي والعملي ليس محالاً أن ينحرف المرجع الديني، ولكنه مستبعد صدور ذلك منهم؛ فالذي وطن نفسه على طاعة الله واجتناب الهوى لا يتوقع منه مثل هذا الانحراف، فهناك محال عقلي ومحال عادي والانحراف في حق المرجع محال عادي، فمثلاً عندما نقول محال أن يرمي العاقل بنفسه في النار نقصد المحال العادي لأن حصول ذلك عقلاً ليس محالاً، وكذلك نقول محال أن يمسك العاقل بيده التيار الكهربائي مع أنه ممكن عقلاً، وكذلك الحال بالنسبة للانحراف في حق المراجع فمع أنه ليس محالاً عقلياً ولكنه محال في العادة، حيث لم يصل مراجع الشيعة إلى هذا المستوى من العلم والفقاهة والعبادة إلا بتوطين أنفسهم على الحق واجتناب الهوى، فمسيرتهم العلمية والعبادية والأخلاقية خير شاهد على ذلك، وعليه في العادة يستبعد وقوع ذلك منهم كما يشهد على ذلك تاريخ المرجعية الشيعية.

أما في حال حصول ذلك الانحراف بحيث أصبح أمراً واضحاً وقطعياً فحينها يجب تركه والابتعاد عنه وتحذير الناس منه، وفي نفس الوقت لا يجوز اتخاذ ذلك مبرر في تسقيط العلماء بالراي والهوى، أو لمجرد الاختلاف معهم في مسألة من المسائل، ففي الحديث القدسي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.

2022/02/20

ما معنى «صلى الله عليه وآله»؟
قيل إن الجذر اللغوي لكلمة صلاة هو (ص، ل، ي) وهو يعني الاتصال بين شيئيين، ولذا قيل للفرس الذي يأتي ثانياً في السباق بالمصلي إي الذي يأتي متصلاً مع الفرس الأول.

وعلى ذلك يمكن أن يحمل جذر الكلمة مفهومي الصلة والتصلية في نفس الوقت، فيقال تصلاه النار إذا مسته واتصلت به، وإذا اعتمدنا كون الصلاة مأخوذة من الصلة فحينها تصبح الصلاة من العبد صلة عبادية، ومن الله صلة رحمة ومغفرة ومنها قوله تعالى: (اولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) وعلى ذلك تكون صلاة الله على النبي بمعنى رحمة الله وعنايته ومغفرته وتزكيته للنبي، وقد ورد بهذا التفسير عدة روايات.

وقد اشتهر كون الصلاة في اللغة تعني الدعاء، وهو معنى صحيح إلا أن الأصح بحسب جذر الكلمة أن يكون الدعاء هو أحد مصاديق الصلاة وليس تمام المعنى؛ وذلك لأن الدعاء ليس هو الصلة الوحيدة بين العبد والرب، وقد جاء في القرآن الصلاة بمعنى مطلق الدين والعبادة، قال تعالى: (يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا) أي أن دينك وعبادتك تمنعنا من عبادة ما كان يبعد آباءنا؟

وبما أن الصلاة في اللغة نحو من الصلة التي يظهر فيها التعظيم والمحبة، فكل من يخبر أو يظهر محبة للغير يكون قد صلى عليه، ومن هنا كان الدعاء من أشهر معاني الصلاة؛ لأنّ الدعاء لشخص هو تعبير عن محبته وإرادة الخير له، فأصل الصلاة من الثناء الجميل وإبراز الخير للغير، ولهذا تشمل الصلاة في اللغة التحية، فلو حيّيت شخصاً قالت العرب بأنك صلّيت عليه، ولو مدحت شخصاً قالت العرب بأنك صلّيت عليه؛ لأنه يعتبر نوعاً من إظهار التعظيم والمحبة له، وعلى ذلك تكون صلاة الله على النبي بمعنى أن الله يظهر عظمة النبي ومحبته ولذلك دعاء المؤمنين لفعل ذلك بتمجيده وتعظيمه ومحبته، ومن هنا كان الدعاء للنبي مصداق لظهار المحبة والتعظيم له.

وهذب البعض إلى أن أصل الصلاة في اللغة يعني الانعطاف، فصلى عليه أي أنعطف نحوه، وقد ذهب العلامة الطباطبائي إلى هذا المعنى بقوله: (أن أصل الصلاة الانعطاف فصلاته تعالى انعطافه عليه بالرحمة انعطافا مطلقا لم يقيد في الآية بشيء دون شيء وكذلك صلاة الملائكة عليه انعطاف عليه بالتزكية والاستغفار وهي من المؤمنين الدعاء بالرحمة) فالله ينعطف نحو العباد بالرحمة والمحبة والعناية واللطف بهم، وينعطف العباد نحو بعضهم بالتعاون والمحبة والسلام والدعاء والمدح والثناء، وبذلك أظهرت الآية انعطاف الله للنبي ثم امرت المؤمنين بفعل ذلك.

ومن كل ذلك يتضح أن الصلاة هي صلة وانعطاف فيه تعظيم وإظهار للمحبة، وعليه تكون الصلاة على النبي في قبال من يؤذي النبي ولذا جاءت الآيات على النحو التالي (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا).

2022/02/14

روايات تهدد الزاني بـ «كما تدين تدان».. هل يؤخذ البريء بجريرة غيره؟!

ما صحة الحديث القائل بأن الزنى دَين وما هو ذنب البنت أو الأخت إذا كان الأب أو الأخ منحرفاً فتكون التبعات على زوجته أو بنته أو أخته يرجى بيان ذلك.

[اشترك]

هناك بعض الروايات التي تشير إلى المضمون الذي قصده السائل، مثل رواية الكافي التي جاء فيها: (عَنْ شَرِيفِ بْنِ سَابِقٍ أَوْ رَجُلٍ عَنْ شَرِيفٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: لَمَّا أَقَامَ الْعَالِمُ الْجِدَارَ أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى إلى مُوسَى (ع) أَنِّي مُجَازِي الأَبْنَاءِ بِسَعْيِ الآبَاءِ إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ وإِنْ شَرّاً فَشَرٌّ، لَا تَزْنُوا فَتَزْنِيَ نِسَاؤُكُمْ ومَنْ وَطِئَ فِرَاشَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وُطِئَ فِرَاشُه كَمَا تَدِينُ تُدَانُ) وقد ضعّفت هذه الرواية لعدم وثاقة شريف بن سابق، كما أن الرواية فيها تردد بين شريف بن سابق، وبين كونها عن رجل عن شريف بن سابق ولذلك فهي بحكم المرسلة، وكذلك ضعفت من جهة الفضل بن أبي قرة الذي روى الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث لم تثبت روايته عن الإمام الصادق (عليه السلام).

وجاء في الكافي أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (تَزَوَّجُوا إلى آلِ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ عَفُّوا فَعَفَّتْ نِسَاؤُهُمْ، ولَا تَزَوَّجُوا إلى آلِ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ بَغَوْا فَبَغَتْ نِسَاؤُهُمْ، وقَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَا اللَّه قَاتِلُ الْقَاتِلِينَ ومُفْقِرُ الزَّانِينَ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَزْنُوا فَتَزْنِيَ نِسَاؤُكُمْ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ). وقد ضعفت هذه الرواية ايضاً لوجود عبد الله الدهقان الذي ضعفه النجاشي، وهناك رواية أخرى في الكافي بنفس المضمون وهي مرسلة.

وقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (كان فيما أوحى اللَّه عزَّ وجل إلى موسى: يا موسى بن عمران من زنى زُنيَ به ولو في العقِبِ من بعدِه، يا موسى عِفَّ يعفَّ أهلُك، يا موسى بن عمران إنْ أردتَ أنْ يكثُر خيرُ أهلِ بيتِك فإيَّاك والزنا، يا بن عمران كما تَدين تُدان) وقد ضعفت الرواية لاشتمال السند على الحكم بن مسكين وهو مجهول.

وعليه فإن هذه الروايات من حيث السند فيها إشكال ونقاش، أما من حيث المتن والدلالة، فإن الملاحظة الأولية تقودنا إلى ما ذهب إليه السائل إذ كيف يؤخذ البريء بجريرة غيره؟ فإن كان الرجل هو الذي قام بفعل الزنا، فما شأن ارحامه من النساء؟ ومن هنا إذا كان معنى الرواية منحصر في ترتيب أثر الذنب على من لم يصدر عنه الذنب فلا يمكن قبولها لمخالفة ذلك لصريح القرآن، حيث قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)، وقوله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، حيث تحصر الآيات تبعات الذنب في من أرتكب الذنب دون سواه، فكل نفس لها ما كسبت من عمل أن خيرا فخير وإن شرا فشر، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)، ومن هنا إذا أمكن تأويل الرواية وحملها على المعنى الذي لا يتصادم مع القرآن وصحيح العقل فبها وإلا فوجب علينا إيكال علمها لأهل البيت (عليهم السلام) حيث لا يجوز ردها وتكذيبها.

ويجب في تأويل هذه الروايات الالتفات إلى أنها لا تعمل على إلغاء حرية الإنسان واختياره، فالإشكال الذي يجعلنا نتوقف في قبول المعنى الظاهري، هو كون هذا المعنى يوحي بمصادر حرية الإنسان واختياره، فكأنما زنا الزاني هو الذي يوجب وقوع الزنا في نساء أهل بيته بدون اختيار منهن، أي أن زنا الزاني هو العلة التامة في حدوث ذلك، وهذا لا يمكن قبوله، أما إذا كان زنا الزاني هو الذي يهي الأجواء التي تساعد على شيوع الزنا في اسرته وأهل بيته، فحينها لا اشكال مترتب على هذا المعنى، بل يصبح وقوع الزنا في أهل بيته نتاج طبيعي ومتوقع، فمثلاً لو أن هناك إنسان يلاحق اعراض الناس ويشيع أجواء الفساد والانحراف ولا يحسن تربية بناته لكونه نموذج غير مؤهل لذلك، فلو قلنا أن مثل هذا الإنسان سوف يجلب الزنا إلى نسائه وأهل بيته لا نكون مخطئين بذلك، وعليه عندما يشيع الزنا في مجتمع من المجتمعات فإنه قد يشمل الجميع، ولذلك حذرت الروايات من الزنا لكونه من الظواهر السلبية التي لا تقف عند حد معين وإنما تشمل الجميع بما فيهم اسرة الزاني نفسه.

وعليه يمكن فهم هذه الروايات على أنها تردع من الزنا بشكل مشدد، فجريمة الزنا لا تقف عند حد الزناة فقط، وإنما تتمدد لتصبح ظاهرة في المجتمع، فالزاني والزانية يعملان في العادة على توسيع دائرة المتورطين في الزنا، وهكذا يتسع الزنا حتى يصبح ظاهرة اجتماعية وحينها يصعب على الزاني أن يحمي اسرته وأهل بيته، ولذا ختمت الروايات بقولها كما دين تدان.

وكذلك يمكن فهم هذه الروايات إذا نظرنا لها من الزاوية المعاكسة وهي أن الذي يعمل على حفظ أعراض الناس سيوفقه الله لحفظ اعراضه، وإذا صدق هذا وهو أمر مسلم به عند كل مؤمن يصدق العكس أيضاً، وعليه فإن الروايات تؤكد على ضرورة إشاعة المعروف والنهي عن المنكر لأن الخير والشر يعم، فإذا اشيع المنكر فإن أضراره سوف تشمل الجميع. والله العالم.

2022/02/13

هل يمكن للتكنولوجيا المتطورة أن ترصد حركة «الجن»؟!

بما أنّه ليس من الممكن رؤية الجن بالعين بسبب لطافتها وأنّها أكثر ضوءاً من أبصارنا.. إذن هل يمكن رصدها بالأجهزة المتطورة والدقيقة؟

[اشترك]

لا يخفى أنّه يمكن أن ترصد الأجهزة المتطوّرة والدقيقة بعض الأشياء التي لا يدركها الإنسان بحواسّه الظاهرة، سواء كانت أصوات خفيّة، أو روائح لطيفة، أو صوراً مرئيّة، لا تتمكّن حواسّ الإنسان من إدراكها ورصدها.

بل هذا واقع ومتحقّق فعلاً، فإنّ الكاميرات الحراريّة يمكنها رصد درجات الحرارة المتطرّفة التي لا يدركها الإنسان، كما أنّ الكاميرات الطيفيّة قادرة على التقاط الأشعّة فوق البنفسجيّة والأشعّة تحت الحمراء، وغيرها من الأجهزة، كأجهزة قياس الموجهات الكهرومغناطيسيّة والمسجّلات الصوتيّة عالية الحساسيّة وأجهزة التقاط الحركة الدقيقة وغيرها.

ويعدّ الجنّ من جملة الأشياء التي لا يمكن رصدها بالحواسّ الظاهرة، ولا مانع ـ عقلاً وعلماً ـ من أن يتمّ تصنيع أجهزة متطوّرة لرصدها، سواء رصد حركتها أو صوتها أو حرارتها أو صورتها، ولكن هل توصّل العلم البشريّ إلى هذه التقنيات فعلاً؟ أو هل سيصل لها مستقبلاً؟ الله العالم.

2022/02/09

الصدقة تدفع البلاء.. هل تشمل هذه القاعدة ’صدقة الكافر’؟

الظاهر من الروايات التي جاءت في استحباب الصدقات وما يترتب عليها من أثار في الدنيا والآخرة جاءت كخطاب للمؤمنين، مثل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته).

[اشترك]

 وقوله (صلى الله عليه وآله): (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب). وقول الإمام علي (عليه السلام): (الصدقة جنة من النار). وفي نفس هذا السياق جاءت روايات دفع الصدقة للبلاء، مثل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد ابرم إبراما، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة). وقوله (صلى الله عليه وآله): (الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء، أهونها الجذام والبرص)، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء).

وعلى هذا النحو لا يمكننا الجزم بأن ذلك يشمل صدقة الكافر أيضاً؛ لأن لسان تلك النصوص خاص بالمؤمنين وحدهم، وبالتالي لا يمكن تعميمها لتشمل الكافر أيضاً، فعندما يكون الكلام في مقام نسبة أمر معين لله وللرسول وللأئمة يجب التقيد بلسان النصوص، وما جاءت به نصوص الصدقة خاص بالمؤمنين دون غيرهم، بمعنى لا يمكننا أن نقول إن نصوص الإسلام بشرت الكافر المتصدق بدفع البلاء كما بشرت المؤمن، فلا سبيل لنا لذلك طالما لم نجد ذلك في النصوص.

 فلو افترضنا أن التأمل والاجتهاد يقودنا إلى القول بأن الروايات تتحدث عن الصدقة بوصفها سبب لدفع البلاء، وبالتالي هي قاعدة عامة حالها حال كل الأسباب التي يتوسل بها المؤمن والكافر، فحتى لو صح هذا الاجتهاد إلا أن ثبوته لا يخولنا للحديث عنه بلسان الله ورسوله، لأنه يظل اجتهاد له علاقة بتنقيح المناط، الأمر الذي لا يمكن الجزم به، فلعل المناط ليس مجرد دفع الصدقة، وإنما المناط هو دفع الصدقة مع قصد القربى، وحينها يستحيل على الكافر تحقيق شروط هذا السبب.

وفي الخلاصة إذا وقفنا عند ظاهر النصوص فهي خاصة بالمؤمنين، إلا أن ذلك لا يمنع أن يدفع الله البلاء في الواقع عن الجميع بصداقاتهم حتى وإن لم يكنوا مؤمنين، فالأمر علمه عند الله تعالى.

2022/02/02

السقوط في الوهم: الإمام علي لم يقل: إن لي شيطاناً يعتريني!

هل صحيحٌ أنّ الإمامَ عليّ (عليهِ السلام) قال: إنّ لي شيطاناً يعتريني؟

 [اشترك]

المعروفُ عندَ الفريقين ـ سنّةً وشيعة ـ أنّ هذهِ المقولة (إنَّ لي شيطاناً يعتريني) صدرَت مِن أبي بكرٍ بنِ أبي قحافة وهو يخطبُ على المنبرِ بعدَما تقمّصَ الخلافة، وجاءَتِ المصادرُ مُتّفقةً على ذلك، روى الحافظُ عبدُ الرزّاقِ الصنعانيّ في [المُصنّف ج11 ص336] أنّ أبا بكرٍ خطبَ فقال: «أما واللهِ ما أنا بخيرِكم، ولقد كنتُ لمقامي هذا كارهاً، ولوددتُ لو أنّ فيكُم مَن يكفيني، فتظنّونَ أنّي أعملُ فيكم سنّةَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليه [وآله] وسلم) إذاً لا أقوم لها، إنّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلم) كانَ يُعصَم بالوحي، وكانَ معهُ ملكٌ، وإنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبتُ فاجتنبوني، لا أوثرُ في أشعارِكم ولا أبشارِكم، ألا فراعوني، فإن استقمتُ فأعينوني، وإن زغتُ فقوّموني ». 

وينظرُ مِن مصادرِ المُخالفين: الطبقاتُ الكُبرى لابنِ سعد ج3 ص212، تاريخُ الطبري ج2 ص460، تاريخُ دمشق ج30 ص303، فوائدُ ابنِ ماسي ص102، شرحُ نهجِ البلاغة ج6 ص20، المنتظمُ في تاريخِ الأمم ج4 ص69، البدايةُ والنهاية ج6 ص334، وغيرُها. 

وقد استدلّ علماؤنا الأبرارُ (أنارَ اللهُ برهانَهم) ـ تبعاً لأئمّتنا المعصومينَ (عليهم السلام) ـ بهذهِ الخُطبة على بطلانِ خلافةِ أبي بكرٍ وعدمِ صحّتها، وذكروها في كتبِهم الكلاميّةِ ضمنَ الأمورِ التي تسلبُ عنهُ مؤهّلاتِ الإمامة، نوردُ في المقامِ كلامَ السيّدِ المُرتضى علمِ الهُدى في [الشافي في الإمامةِ ج4 ص121]، فإنّه قالَ بعدَ ذكرها: (يدلُّ على أنّه لا يصلحُ للإمامةِ مِن وجهين: 

أحدُهما: أنّ هذه صفةُ مَن ليسَ بمعصوم، ولا يأمنُ الغلط َعلى نفسِه، ومَن يحتاجُ إلى تقويمِ رعيّتِه له إذا واقعَ المعصية، وقد بينّا أنّ الإمامَ لا بدّ أن يكونَ معصوماً مُسدّداً موفّقاً. 

والوجهُ الآخر: أنّ هذهِ صفةُ مَن لا يملكُ نفسَه، ولا يضبطُ غضبَه، ومَن هو في نهايةِ الطيشِ والحدّة، والخرقِ والعجلة، ولا خلافَ أنّ الإمامَ يجبُ أن يكونَ منزّهاً عن هذهِ الأوصاف، غيرُ حاصلٍ عليها)، انتهى. 

وينظر أيضاً: الإيضاحُ ص129، المسترشدُ ص240، الفصولُ المُختارة ص123، كشفُ المُراد ص507، منهاجُ الكرامة ص99، نهجُ الحقّ ص264، الصراطُ المُستقيم ج1 ص79، إحقاقُ الحقّ ص219، نورُ الأفهام ج1 ص424، دلائلُ الصدق ج7 ص25، وغيرُها. 

ـ وأمّا نسبةُ هذه المقولةِ لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) فهوَ وهمٌ وسهوٌ، إذ لا تصحُّ نسبتُها له (عليهِ السلام) بالمرّة، ولا جاءَت بالمصادرِ، والإمامُ عندَنا مؤيّدٌ مُسدّد، معصومٌ مُطهّرٌ بنصِّ آيةِ التطهير، فلا سبيلَ للشيطانِ عليه كما هوَ واضح.

2022/01/24