هل الاحتفال بمولد النبيّ (ص) بدعة كما يذهب إلى ذلك الوهابيّة؟
لا ينبغي الشكَّ ولا التردّد في أنّ الاحتفال بمولد النبي صلّى اللّه عليه وآله يُعدُّ من مظاهر حبِّ النبي الاَكرم (ص)، الذي حبّه وتكريمه وتعزيره أصل في الكتاب والسنّة، إذْ ليس الحب شيئاً يستقر في النفس من دون أن يكون له انعكاس خارجي على أعمال الاِنسان وتصرفاته، بل إنّ من خصائص الحب أن يظهر أثره على جسم الاِنسان وملامحه، وعلى قوله و فعله، بصورة مشهورة و ملموسة.
فحب اللّه تعالى ورسوله الأكرم (ص) لا ينفك عن اتّباع دينه والاستنان بسنّته، والاِتيان بأوامره والانتهاء عن نواهيه، ولا يعقل أبداً أن يكون المرء محباً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وسلّم أشدَّ الحب، ومع ذلك يخالفه فيما يبغضه ولا يرضيه، فمن ادّعى حباً في نفسه وخالفه في عمله فقد جمع بين شيئين متخالفين متضادين.
ولنعم ما روي عن الاِمام جعفر الصادق عليه السّلام في هذا الصدد موجهاً كلامه إلى مدّعي الحب الاِلهي كذباً:
تعصي الاِله وأنتَ تظهر حبَّه * هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إنّ المحب لمن يحب مطيع. [ينظر: سفينة البحار، مادّة حب].
فإذا تمهّد ذلك، فقد آنَ الأوانُ أنْ نبيّنَ أنّ العلماء من الفرقين قد استدلوا على جواز الاحتفال بمولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ردّاً على الوهّابية، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدعة، ويمكن تقسيم الأدلّة التي استدلّوا بها على ذلك على قسمين، أحدهما: الأدلّة المستفادة من الكتاب العزيز، والآخر: الأدلّة المستفادة من السنّة الشريفة، وفيما يلي بيان ذلك على حسب ما يسع المقام.
فأمّا الأدلّة المستفادة من الكتاب العزيز، فكثيرة، إذْ منها:
1- قوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم : 5]، إذْ أفادت هذه الآية استحباب تذكّر الأيام العظيمة القدر في حياة البشر عموماً ومنهم المسلمون خصوصاً، ولا شك أنّ يوم مولد سيد الخلق (ص) هو من أحق الأيام وأولاها بالتذكّر والاحتفال والاهتمام.
2- قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : 58]. إذْ أفادت هذه الآية أنّ الباري عزّ وجلّ الله طلب منّا أنْ نفرح بالرحمة، ولـمّا كان النبيّ المختار (ص) رحمةً من عند الله تعالى، فإذنْ: يثبت أنّنا مأمورون على سبيل الإرشاد بالفرح بكلّ ما يتعلق بشأن الرسول (ص)، إذْ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107]. وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي (4/367) أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في الآية (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ)، قال: فضل الله العلم، ورحمته النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107] انتهى. ويمكن لنا أنْ نبيّن المستفاد من هذه الآية على شكل قياس منطقيٍّ من الشكل الأوّل: فنقول:
الرسول الأكرم (ص) رحمةٌ من عند الله تعالى [مقدّمة صغرى].
وكلّ رحمةٍ من عند الله تعالى أُمرنا بالفرح بها [مقدّمة كبرى].
وبحذف الحدّ الأوسط من الطرفين ينتج: أنّ الرسول الأكرم (ص) أُمرنا بالفرح به، أي أنْ نفرح بكلِّ ما يتعلّق بشأنه من ولادته وما حصل فيها من أمور وأحداث معروفة وكيف كبر وكيف عاش مع ذكر كل مزاياه.
3- قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]. فإنّ الاحتفال بمولده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما هو إلاّ رفع لذكره، وإعلاء لمقامه.
4- قوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود : 120]. إذْ بيّنت هذه الآية أنّ الفائدة من قصص أنباء وأخبار الرسل 0عليهم السلام) فيه تثبيتٌ للفؤاد، ولـمّا كان رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الرسل، فمولده الشريف يشتمل على أنبائه صلى الله عليه وآله وسلم، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين، فهو - إذنْ - حثُّ على تكرار ذكر المولد والعناية به. وغيرها من الآيات التي تفيد ذلك.
وأمّا القسم الثاني من الأدلّة فهي بعض الروايات التي أفادت ذلك، والتي أهمّها: ما أخرجه مسلم في صحيحه (2/819) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال : ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي" .
وهذا الحديث أصل في الاحتفال والاهتمام بالمولد النبوي الشريف، إذ إنّه صلى الله عليه وآله وسلم، نصّ على أنّ يوم ولادته له ميزة على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع في تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإلهي معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبيّ (ص)، ووجوده بين أظهرنا، وهدايتنا لشريعته، مما تقرّه الأصول. ودعوى المخالف بضرورة الاقتصار على الصيام فقط، جاءت من جموده على ظاهر النصِّ، وتخصيص من دون مخصّص، إذْ كما أنّ صيام يوم الاثنين يُعدُّ من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر، فكذلك الاحتفال بمولده الشريف هو من هذا الباب.
2- كان الصحابة يتذاكرون في يوم من الأيّام بمناقب وسير الأنبياء، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86)، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) : عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر : آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجي الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر . وهو حديث قوي، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500).
3- احتج الشيخ ابن الجزري (الإمام في القراءات والمتوفى سنة 833ه) بخبر أبي لهب الذي رواه البخاري وغيره عندما فرح بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأعتق (ثويبة)، جاريته لتبشيرها له، فخفف الله عقابه وهو في جهنم؛ فأشار إلى أنه إذا كان هذا الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي -وهو في النار- بفرحه ليلة المولد؛ فما حال المسلم الموحد من أمته حين يسر بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته".
وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه : "مورد الصادي في مولد الهادي" : قد صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في مثل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنشد : إذا كان هذا كافرا جاء ذمه == وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الإثنين دائما يخفّف عنه بالسرور أحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا فإذا كان هذا الكافر الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فما بال الذي يحتفل بذلك .
وقد استدل الحافظ ابن حجر العسقلاني على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، كما في فتوى له نقلها الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" انظر الحاوي للفتاوي (1/196) . فقال ما نصه : "فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم" انتهى.
فإذا أصرّ الطرف المخالف على أنّ الاحتفال بمولده الشريف بدعةٌ، فنجيبه بأنّ ذلك نشأ من خلل في فهمه لمعنى البدعة، إذْ إنّ إمام المذهب الشافعي يقول: المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً. فهذه البدعة الضلالة.
والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة. (مناقب الشافعي للإمام البيهقي (1/ 468):
ولذلك استحسن عمل المولد جمهور الأئمة والعلماء وتبعهم سائر الإمة الإسلامية، إذْ ذكر ابن جبير الرحالة في كتابه المعروف رحلة ابن جبير (ص 114 - 115)، الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وإجماع أهل مكة المكرمة، إذْ جاء فيه: (يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي صلى الله عليه وآله ويدخله جميع الرجال للتبرّك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي صلى الله عليه وآله)، فالملاحظ هنا أنّ الاحتفال في شهر ربيع الأول في يوم مولد المصطفى صلى الله عليه وآله هو عمل المسلمين قبل قدوم ابن جبير إلى مكة والمدينة وكان يحتفل به أهل السنة في أرض الله المكرمة وما ذكر عن صاحب إربل الملك المظفر كان أول من اظهر الاحتفال بالمولد وتوسع فيه وقد دخل ابن جبير مكة في عام 16 شوال 579هـ ومكث أكثر من ثمانية أشهر وغادرها الخميس الثاني والعشرون من ذي الحجة 579هـ متوجهاً إلى المدينة المنورة كما هو مذكور في رحلته و مكث ابن جبير خمسة أيام فقط بالمدينة المنورة وغادرها ضحى يوم السبت الثامن من محرم 580هـ .
2- وممّن احتفل بالولد الشريف المشرق الشيخ عمر المَلّا الموصلي وكذلك السلطان نور الدين زنكي من أهل السنة الذي كان من أخص محبيه، إذْ ذكر الحافظ أبو شامة في حوادث سنة 566 من كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (فصل قال العماد: وكان بالموصل رجل صالح يعرف بعمر الملاَّ، سمى بذلك لأنه كان يملأ تنانير الجص بأجرة يتقوَّت بها، وكل ما عليه من قميص ورداء، وكسوة وكساء، قد ملكه سواه واستعاره، فلا يملك ثوبه ولا إزاره. وكن له شئت فوهبه لأحد مريديه، وهو يتجر لنفسه فيه، فإذا جاءه ضيف قراه ذلك المريد. وكان ذا معرفة بأحكام القرآن والأحاديث النبوية. كان العلماء والفقهاء، والملوك والأمراء، يزورونه في زاويته، ويتبركون بهمته، ويتيمنَّون ببركته. وله كل سنة دعوة يحتفل بها في أيام مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضره فيها صاحب الموصل، ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحفل. وكان نور الدين من أخص محبيه يستشيرونه في حضوره، ويكاتبه في مصالح أموره) انتهى. وذكر ذلك أيضاً ابن كثير في حوادث نفس السنة من تاريخه.
وللحافظ السُّيوطيِّ رسالةٌ سماها حسنُ المقصِد في عملِ المولد بيّن فيها أن عملَ المولدِ منَ البدعِ الحسنةِ التي يُثاب عليها صاحبُها لما فيه منْ تعظيمِ قدرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وبَيَّن السُّيوطيُّ أنّ أولَ مَن أحدثَ عملَ المولدِ الملكُ المظفرُ ملكُ إربل وكان منَ الملوكِ الأمجادِ والكبراءِ الأجوادِ وكانَ له آثارٌ حسنةٌ وهو الذي عمّر الجامعَ المظفريَّ بسَفْحِ قاسْيون. أي في حدود سنة (549هـ- 630هـ).
ولكنْ ورد في فتاوى الأزهر ج8 ص 255: عن المفتي الشيخ عطية صقر: أنّه كان يُحتفَل بالمولد بمصر فيما قبل سنة 488.
وقال ابنُ كثيرٍ في تاريخِه عن هذا الملك المظفّر كان يعملُ المولدَ الشريفَ في ربيعٍ الأول ويحتفلُ به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عالمًا عادِلاً رحمه اللهُ وأكرَمَ مثواه.
وقال ابنُ كثير وقد صنفَ له الشيخُ أبو الخطابِ بنُ دحية مجلدًا في المولد سماه التنويرُ في مولدِ البشيرِ النذير وقد طالتْ مدتُه في المُلك إلى أن ماتَ وهو محاصِرٌ للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمودَ السيرة والسريرة، ولم يَعترِضْ عليهِ في هذا الفعلِ في عصرِه ولا فيما بعدَه أحدٌ منَ العلماءِ المعتبرينَ بلْ وافقُوا على ذلكَ ومدَحُوه لما فيه من البركةِ والخيراتِ.
وذكر الشيخ أبو شامة (599 ـ 665 هـ) - وهو شيخ الحافظ النووي - في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث_ص23) ما نصه: (( ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور, فإن ذلك مشعر بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين))، وكذلك الحافظ ابن الجوزي المتوفّى سنة 597، وكذلك العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي 559هـ-665. إذْ قال في هذا الصدد: (هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده) صدر الدين موهوب وهو العلامة موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري، الشافعي ( صدر الدين): من قضاة مصر. مولده بالجزيرة (بوطان) سنة (559هـ). قدم الشام وتفقه. وكان فقيها بارعا أصولياً أديباً. تفقه وبرع في المذاهب والأصول والنحو، ودرس وأفتى وتخرج به جماعة، وكان من الفضلاء الزمان. قدم الديار المصرية وولى بها القضاء دون القاهرة. وولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها. شذرات الذهب: 5/320-321 الإمام العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي 559هـ-665. قال: (هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده)، ويُعدُّ العلامة موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري، الشافعي من قضاة مصر. مولده بالجزيرة (بوطان) سنة (559هـ). قدم الشام وتفقه. وكان فقيها بارعا أصولياً أديباً. تفقه وبرع في المذاهب والأصول والنحو، ودرس وأفتى وتخرج به جماعة، وكان من فضلاء الزمان. قدم الديار المصرية وولى بها القضاء دون القاهرة. وولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها. (ينظر:شذرات الذهب: 5/320). وكذلك الحافظ العراقي (وهو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني) (725هـ- 808 هـ) له مولد باسم المورد الهني في المولد السني ذكره ضمن مؤلفاته قال الحافظ العراقي: إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة).
ولذا قال الحافظ السخاوي في فتاويه: «إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لازال أهل الإسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهـر عليهم من بركاته كل فضل عميم». نقلها عنه محمد بن يوسف الشامي في كتابه سبل الهدى والرشاد.
ومن هنا يتبيّن لك أنّ الاحتفال بالمولد الشريف قد استحسنه العلماء في مشارق الأرض ومغاربها كالحافظ ابن دحية والحافظ العراقي والحافظ العسقلاني والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي وغيرهم كثير، حتى علماء الأزهر كمفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد بخيت المطيعي وعلماء لبنان كمفتي بيروت الأسبق الشيخ مصطفى نجا. وعليه لا عبرة بكلام من أفتى بخلاف قول أهل العلم لأنه ليس كلام مجتهد، والعبرة إنما هي بما وافق كلام العلماء المعتبرين، والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد التحريم، ودين الله يُسْرٌ وليسَ بعُسْرٍ.
إلى هنا ثبت أنّ حب النبي و تكريمه أصل من أُصول الاِسلام لا يصح لاَحد إنكاره، و من المعلوم أنّ المطلوب ليس الحب الكامن في القلب من دون أن يُرى أثره على الحياة الواقعية، و على هذا يجوز للمسلم القيام بكل ما يعد مظهراً لحب النبي شريطة أن يكون عملاً حلالاً بالذات ولا يكون منكراً في الشريعة، نظير:
1. تنظيم السنّة النبوية، وإعراب أحاديثها وطبعها ونشرها بالصور المختلفة، والاَساليب الحديثة، وفعل مثل هذا بالنسبة إلى أقوال أهل البيت و أحاديثهم .
2. نشر المقالات والكلمات، وتأليف الكتب المختصرة والمطولة حول حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله وسلّم وعترته، و إنشاء القصائد بشتى اللغات و الاَلسن في حقّهم، كما كان يفعله المسلمون الاَوائل. وهذه الأمور لم تكن موجودة في أيّام الرسول ولا في القرون الثلاثة بعده، ومع هذا فهي مستحسنة مادام فعلها كان ضمن الخطوط العامّة التي لا تؤدّي إلى منكرٍ في الشريعة السمحة.
هذا ما لدينا عن الاحتفال بمولد سيّد الكائنات نبيّنا الأكرم (ص). ونرجو أن يكون الجواب شافيا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
[اشترك]