كثيراً ما نسمع من متحدثين، في أكثر من مناسبة مضمون حديث، يقول: إنّ الله تعالى ينظر إلى زوار الحسين (عليه السلام) يوم عرفة قبل أنْ ينظر إلى حجاج بيته الحرام في عرفات؟
[اشترك]
والسؤال.. هل يوجد حديث بهذا المعنى؟ وبالتالي إن كان موجوداً فما مدى اعتباره وصحته؟
وعلى فرض صحته.. كيف يمكن قبوله، بلحاظ أن الحج هو أمر عبادي أوجبه الله على المسلمين، فكيف يمكن أن يقدم عليه عنوان زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)؟ إذ أن أقصى ما يمكن أن يقال عن الزيارة بأنها أمر مستحب وليس بواجب، فهل يمكن أن يقدم المستحب على الواجب؟!
وعلى فرض تمامية الأجوبة السابقة.. فما هي مدلولات هذا التقديم؟ وما الدليل على ذلك؟
والجواب.. لا بد لنا من أن نبحث في تسلسل هذه الأسئلة، وفي أكثر من محور، لكي نستطيع في النهاية أن نصل الى الجواب الكامل، حول هذا الموضوع بحيث تتضح لنا الحقيقة..
المحور الأول: ما يرتبط بالسؤال الأول عن وجود حديث بهذا المعنى؟
والجواب.. نعم لدينا أكثر من حديث يدل على هذا المعنى، وتدل هذه الأحاديث على خصوصية المقارنة بين زوار الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وحجاج بيت الله الحرام، وسنكتفي بذكر أربع روايات مما ورد في كتاب كامل الزيارات، مع العلم أنها مع غيرها من الروايات وردت في عدد كبير من المصادر بتفاوت يسير في بعض العبارات بما لا يغير في أصل المعنى شيئا.
الحديث الأول: ورد في كامل الزيارات، ص170: وعَنْهُمْ عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يَبْدَأُ بِالنَّظَرِ إِلَى زُوَّارِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، قَالَ قُلْتُ قَبْلَ نَظَرِهِ لِأَهْلِ الْمَوْقِف، قَالَ نعم. الخ.
الحديث الثاني: ورد في كامل الزيارات، ص170 حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ قَالَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِزُوَّارِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع قَبْلَ أَهْلِ عَرَفَاتٍ وَ يَقْضِي حَوَائِجَهُمْ وَ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ وَ يُشَفِّعُهُمْ فِي مَسَائِلِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَ عَرَفَةَ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ.
الحديث الثالث: ورد في كامل الزيارات، ص170حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَ جَمَاعَةُ مَشَايِخِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّيْسَابُورِيِّ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَانِيُّ عَنْ مَنِيعِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ بِعَرَفَاتٍ فَأَدْرَكَهَا بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ ع لَمْ يَفُتْهُ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَيَبْدَأُ بِأَهْلِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع قَبْلَ أَهْلِ عَرَفَاتٍ ... الخ .
الحديث الرابع: ورد في كامل الزيارات، ص171حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ اطَّلَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى زُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُمُ اسْتَأْنِفُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ثُمَّ يَجْعَلُ إِقَامَتَهُ عَلَى أَهْلِ عَرَفَاتٍ.
المحور الثاني: ما يتعلق بمدى اعتبار وصحة هذه الأحاديث؟
والجواب.. إن ورود مثل هذه الاحاديث في كتاب كامل الزيارات هو بحد ذاته دليل على ثبوتها واعتبارها، خاصة مع بيان خصوصية هذا الكتاب ومكانة مؤلفه عند علماء الطائفة .
فمؤلف هذا الكتاب هو ابو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي البغدادي المعروف بـابن قولويه والمتوفى سنة 386هـ، وهو من كبار رواة الشيعة في القرن الرابع الهجري.
وهو من أفضل تلامذة محمد بن يعقوب الكليني ومن أبرز مشايخ الشيخ المفيد، و قد نال ابن قولويه احتراماً خاصاً لدى علماء الشيعة واتفق الأصحاب على وثاقته وجلالته، وتوارد عليه النصّ بالوثاقة، ووصفه النجاشي بقوله بأنّه "من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الفقه والحديث.
اما الكتاب " كامل الزيارات" فهو من الكتب الهامة والمشهورة عند الشيعة الإمامية، فقد حصل إتفاق المحدثين والرجاليين بما لا يدع مجالا للشك على نسبته إلى المؤلف المذكور.
ويعدّ من أكثر كتب الشيعة الروائية اعتباراً، فهو أحد أهم المصادر لكتب الادعية والزيارات التي ألفها المتأخرون، والذي بقي على مدى عشرة قرون منذ زمن كتابته مورداً لاهتمام علماء الشيعة وفقهائهم لميّزات عديدةٍ فيه، وقد اعتمد عليه الكثير من علمائنا المتقدمين وأخذوا منه كالشيخ الطوسي في كتابه "تهذيب الأحكام"، و الحر العاملي في "وسائل الشيعة" وغيرهما.
ومن خصائص الكتاب المهمة هو التوثيق العام لرواته، حيث قام ابن قولويه بما يتمتع به من ضبط وصدق وأمانة، بتوثيق جميع رواته في بداية الكتاب، ثم جمع فيه أصح وأوثق الروايات والأحاديث، مما لا يدع مجالا للشك في صحة هذه الروايات.
ولذا فإن السيد الخوئي قدس سره مثلا، كان يرى وثاقة كل الرواة الذين وردت أسماءهم في روايات كتاب كامل الزيارات، رغم أنه في أيامه الأخيرة ضيق الدائرة قليلا، ليحكم بوثاقة كل الرواة المباشرين الذين نقل عنهم ابن قولويه، وهذا يدلل على المكانة المعتبرة لهذا الكتاب عند علماء الطائفة.
المحور الثالث: بعد ثبوت الروايات وصحتها يرد سؤال يرتبط بمعناها، إذ كيف يمكن قبول مثل هذه الاحاديث التي تقدم أمرا مستحبا على أمر واجب، وذلك أن الحج هو أمر عبادي أوجبه الله على المسلمين، وأقصى ما يمكن أن يقال عن زيارة الحسين عليه السلام بأنها أمر مستحب ؟ فكيف يمكن أن يقدم المستحب، وهو الزيارة على الحج، وهو واجب؟
والجواب: على هذا السؤال يتضح من خلال بيان أمرين:
الأمر الأول: إن هذه المقارنة بين أمر واجب وأمر مستحب في غير محلها، لأن المقارنة تكون بين امرين مشتركين مندرجين تحت عنوان واحد، فحقيقة الواجب تختلف عن حقيقة المستحب، إذ أن الواجب فيه أمر بالفعل ونهي شرعي عن الترك، بينما حقيقة المستحب انه أمر بالفعل مع جواز الترك، وبالتالي فالمقارنة بين الأمرين في غير محلها، ولكي تصح المقارنة فلا بد وان تكون بين أمرين مشتركين كأن تكون بين واجبين أو مستحبين مثلا، ولا تصح بين واجب ومستحب.
الأمر الثاني: إن ما يدل على ما ذكرناه من أن الأحاديث التي مر ذكرها لا تلحظ المقارنة بين الحج الواجب والزيارة، بل تلحظ إرشاد من تعذر عليه الحج لسبب من الأسباب، فإن الروايات تحثه على زيارة الحسين عليه السلام.
وفي ذلك أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى نذكر منها:
الحديث الأول: الوارد في كامل الزيارات، ص 173ونصه ما يلي: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ عَنْ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ كَانَ مُعْسِراً فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ فَلْيَأْتِ قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع وَ لْيُعَرِّفْ عِنْدَهُ- فَذَلِكَ يُجْزِيهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا لِلْمُعْسِرِ، فَأَمَّا الْمُوسِرُ إِذَا كَانَ قَدْ حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ- وَ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ شُغُلُ دُنْيَا أَوْ عَائِقٌ فَأَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ وَ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً- .
قَالَ قُلْتُ كَمْ تَعْدِلُ حِجَّةً وَ كَمْ تَعْدِلُ عُمْرَةً قَالَ لَا يُحْصَى ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ مِائَةً قَالَ وَ مَنْ يُحْصِي ذَلِكَ قُلْتُ أَلْفاً قَالَ وَ أَكْثَرَ ثُمَّ قَالَ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها- إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ.
الحديث الثاني: في كامل الزيارات ، ص159 وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع فَقَدْ حَجَّ وَ اعْتَمَرَ قَالَ قُلْتُ يَطْرَحُ عَنْهُ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ قَالَ لَا هِيَ حِجَّةُ الضَّعِيفِ حَتَّى يَقْوَى- وَ يَحُجَّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَيْتَ يَطُوفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ- حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ صَعِدُوا وَ نَزَلُوا غَيْرُهُمْ فَطَافُوا بِالْبَيْتِ حَتَّى الصَّبَاحِ وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ ع لَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِنَّهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شُعْثٌ غُبْرٌ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمُ النَّوْبَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الحديث الثالث: في كامل الزيارات ص 157 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ الْحَجَّ ولَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَأَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع فَعَرَّفَ عِنْدَهُ يُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنِ الْحَجِّ.
فمن يتأمل في هذه الأحاديث الثلاثة فإنه يجد فيها تصريحا بعدم إغناء الزيارة عن حجة الاسلام، وأنها لا تسقط حجة الاسلام عمن يتمكن منها، ولكن تبين أن فيها ثوابا عظيما يمنحه الله تعالى لمن يزور الحسين عليه السلام يوم عرفة اذا لم يكن متمكنا من أداء حجة الاسلام، لأن التكليف بحجة الاسلام يكون ساقطا عنه لعدم التمكن، وبالتالي فإن باستطاعة الزائر ان يحصّل الثواب العظيم المضاعف من خلال زيارته للحسين عليه السلام أكثر مما يحصل عليه في حجه.
المحور الرابع: ويتناول السؤال عن مدلول هذا التقديم، والدليل عليه؟
والجواب: مما لا شك فيه أن وراء كل تشريع إلهي، أو تكليف شرعي بأي من الأحكام التكليفية الخمسة من وجوب وحرمة واستحباب وكراهة إضافة إلى الإباحة حكمة ما، فتارة تكون الحكمة ظاهرة وتارة تكون خفية، وتارة نستطيع ان نتعرف او ندرك بعض جوانبها من خلال بعض الأدلة والقرائن، وتارة تبقى خصائصها خفية علينا بالمطلق.
والبحث هنا يتعلق بالمقارنة حول ما يرتبط بتشريعين مستحبين ورد الحث عليهما:
احدهما: الحث على الحج المستحب لبيت الله الحرام، لمن سقط عنه التكليف الشرعي الواجب مرة في العمر، فقد بينت النصوص ثوابا عظيما يمنحه الله تعالى لمن يكرر الحج استحبابا في أي عام إن كان متمكنا من ذلك.
ثانيهما: الحث على زيارة الامام الحسين عليه السلام بشكل عام، وخصوص زيارته يوم عرفة والتي تترافق زمانا مع أداء الحجاج لنسك الوقوف في جبل عرفات، وهذا الحث على الزيارة في هذا التوقيت يشمل صنفين من الناس.
الصنف الأول: من كانت لديه رغبة بأداء الحج الواجب ولم يتمكن لسبب ما فكان الحث له بأن يستعيض عن ذلك بزيارة الحسين عليه السلام فيكسب ثوابا أعظم من الثواب الذي يحصل عليه فيما لو تمكن من أداء الحج.
الصنف الثاني: من سقط عنه الحج الواجب، ولكنه يرغب بتحصيل الثواب من خلال تكرار الحج المستحب.
فهنا نجد أن الحث قد جاء لكلا الصنفين بالتوجه لزيارة الحسين عليه السلام في هذا التوقيت مع وعد الهي بالحصول على ثواب اعظم من الثواب الذي يحصل عليه في حال اداءه الحج المستحب.
وهنا صار بإمكاننا أن نطرح السؤال بصيغة مختلفة فنقول: هل يمكننا ان نعرف او ندرك شيئا من الحكمة في هذين التشريعين (الحج المستحب، وزيارة الحسين) بحيث أن التكريم الإلهي منح الثواب الأعظم لزوار الحسين عليه السلام يوم عرفة قبل حجاج بيته الحرام؟ (الذين يؤدون الحج الاستحبابي، بعد أن اتضح لنا أن من يؤدي الحج الواجب هو خارج دائرة المقارنة).
وجوابا نقول: علينا أن نقارن بين ما يرتبط بالتشريعين لنصل إلى النتيجة من خلال ما يلي:
أولاً: لو نظرنا الى فريضة الحج وفلسفة تشريعها لوجدنا أن الحج هو أمر عبادي، أوجبه الله تعالى على الانسان مرة في العمر مقرونا بتوفر شرط الاستطاعة، وحث على تكراره استحبابا لمن يتمكن من ذلك لرغبة لديه في أن تبقى هذه الشعيرة حية بين الناس، فتتجسد من خلالها بعض المعاني التي ترمز اليها مناسكها والتي ترتبط بزمان ومكان وكيفية معينة، وهو ما نفهمه من عدد من الآيات والاحاديث نذكر على سبيل المثال ما قاله النبي إبراهيم عليه السلام عندما امره الله تعالى بأن يترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل عند البيت الحرام من قبل ان يقوما ببنائه لاحقا، حيث قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ( إبراهيم 37).
ثم بعد ان يبني إبراهيم البيت مع ابنه إسماعيل نراه يقول: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ الْعَليمُ * رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيم(البقرة 128،127). فهو يدعوا الله تعالى بأن يبين له المناسك، ويستجيب الله تعالى له فكان تشريع المناسك من الله تعالى لكيفية الحج مرتبطا برحلة ابراهيم وما حصل مع ابنه اسماعيل، فالسعي بين الصفا والمروة فيه محاكاة لما حصل مع هاجر كما ورد في النصوص عن الامام الصادق عليه السلام كما في تفسير القمي(ج1 ص61): ثُمَّ مَضَى (إبراهيم) وَ بَقِيَتْ هَاجَرُ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ عَطِشَ إِسْمَاعِيلُ وَ طَلَبَ الْمَاءَ فَقَامَتْ هَاجَرُ فِي الْوَادِي فِي مَوْضِعِ الْمَسْعَى فَنَادَتْ هَلْ فِي الْوَادِي مِنْ أَنِيسٍ فَغَابَ إِسْمَاعِيلُ عَنْهَا فَصَعِدَتْ عَلَى الصَّفَا وَ لَمَعَ لَهَا السَّرَابُ فِي الْوَادِي وَ ظَنَّتْ أَنَّهُ مَاءٌ فَنَزَلَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَ سَعَتْ فَلَمَّا بَلَغَتِ الْمَسْعَى غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ ثُمَّ لَمَعَ لَهُ السَّرَابُ فِي نَاحِيَةِ الصَّفَا فَهَبَطَتْ إِلَى الْوَادِي تَطْلُبُ الْمَاءَ فَلَمَّا غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ عَادَتْ حَتَّى بَلَغَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّوْطِ السَّابِعِ وَ هِيَ عَلَى الْمَرْوَةِ فَنَظَرَتْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَ قَدْ ظَهَرَ الْمَاءُ مِنْ تَحْتِ رِجْلَيْهِ قَعَدَتْ حَتَّى جَمَعَتْ حَوْلَهُ رَمْلًا فَإِنَّهُ كَانَ سَائِلًا فَزَمَّتْهُ بِمَا جَعَلَتْهُ حَوْلَهُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ زمزما.
وكذلك ما يرتبط ببقية المناسك ففي نفس الحديث السابق انه بعد ان قام إبراهيم وإسماعيل ببناء البيت.. فَلَمَّا بَنَاهُ وَ فَرَغَ مِنْهُ حَجَّ إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ وَ نَزَلَ عَلَيْهِمَا جَبْرَئِيلُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِثَمَانٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ قُمْ فَارْتَوِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى وَ عَرَفَاتٍ مَاءٌ فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةَ لِذَلِكَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا فَفَعَلَ بِهِ مَا فَعَلَ بِآدَمَ ع فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ.
وتحكي لنا النصوص جميع ما يرتبط بمناسك الحج وفيها محاكاة لتلك المناسك التي اداها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(تفسير القمي ج2 ص224) وَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ بَاتَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ .. فَرَأَى فِي النَّوْمِ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ.. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مِنًى رَمَى الْجَمْرَةَ هُوَ وَ أَهْلُهُ وَ أَمَرَ سَارَةَ أَنْ زُورِي الْبَيْتَ وَ احْتَبَسَ الْغُلَامَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَاسْتَشَارَ ابْنَهُ وَ قَالَ كَمَا حَكَى اللَّهُ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى فَقَالَ الْغُلَامُ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ امْضِ لِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ .. وعندما اراد ابراهيم ان ينفذ امر الله تعالى بذبح ابنه جاء الوحي الالهي َّ وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيم فنزل جبرائيل ومعه الكبش فداء عن اسماعيل قائلا.. ِ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِين.
فكان تشريع الذبح في مناسك الحج يوم العيد كغيره من المناسك التي تحكي ما يرتبط بحج إبراهيم عليه السلام.
فالخلاصة في ذلك إن تشريع الحج فيه محاكاة لأبينا إبراهيم فيما حصل معه ويجسد استجابة لدعوته بتحويل تلك المنطقة المقفرة الى مقصد الناس ومهوى للأفئدة..
وبالتالي فقد شرع الله تعالى امرا عباديا وهو الحج الى تلك البقعة مرة في العمر على كل مستطيع، وحث على تكراره لمن تتكرر عنده الاستطاعة.
ثانيا: لو نظرنا الى زيارة الامام الحسين عليه السلام لوجدنا انها وإن كانت لها جنبة عبادية إلا أنها ترتبط بعنوان له بعده العقائدي الذي يرتبط بالموقع الإلهي للإمام الحسين عليه السلام.
ففي الاحاديث الواردة بخصوص زيارة الحسين عليه السلام نجد عشرات النصوص والتي ورد فيها مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ ع عَارِفاً بِحَقِّهِ.. للتدليل على البعد العقائدي لهذه الزيارة.
ومن ذلك ما ورد في كامل الزيارات وسنكتفي بذكر نصين منه:
كامل الزيارات ص138 حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّهُمْ يَرَوْنَ- أَنَّهُ مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ ع كَانَتْ لَهُ حِجَّةٌ وَ عُمْرَةٌ قَالَ لِي مَنْ زَارَهُ وَ اللَّهِ عَارِفاً بِحَقِّهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ.
كامل الزيارات ص140 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ صَالِحٍ النِّيلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ مَعَ رَسُولِ اللَّه.
اذن فالبعد العقائدي واضح في الحث على زيارة الحسين، خاصة اذا قارناه بكلام النبي صلى الله عليه وآله بحق الحسين والدال على موقعيته .. حسين مني وانا من حسين (مجمع عليه).
وبما ورد من نصوص الزيارات المروية عن الائمة عليهم السلام والتي تبين موقعية الحسين من كونه وارث الأنبياء، وبعبارة أدق هو وارث المشروع الإلهي على الأرض، وهو ما نفهمه من الزيارة:
ففي كامل الزيارات ص 205.. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لِلْمُفَضَّلِ كَمْ بَيْنَكَ وبَيْنَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع ثم يبين له عليه السلام مقدار الثواب العظيم للزيارة الى ان يعلمه عباراتها بالقول:
يَا مُفَضَّلُ إِذَا أَتَيْتَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَقِفْ بِالْبَابِ وَ قُلْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ كِفْلًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَقُلْتُ مَا هِيَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ [نَبِيِ] اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عَلِيٍّ وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ الْحَسَنِ الرَّضِيِّ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ الشَّهِيدُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبَارُّ التَّقِيُّ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ وَ ابْنَ حُجَّتِه ... الخ
ثالثا: من الثابت من الناحية الفقهية عند جميع الفقهاء ومن جميع المذاهب أن وجوب الحج يسقط حال الخوف على النفس أو المال، وهو يعني سقوط التكليف الشرعي عن أداء الحج الواجب في حالة الخوف، ومن باب أولى أن يسقط الحث على الحج المستحب في مثل تلك الموارد..
اما فيما يتعلق بزيارة الحسين عليه السلام فإنها وبالخصوص، قد ورد الحث على عدم تركها حتى في مورد الخوف والخطر، وهو ما درج عليه اتباع اهل البيت عليهم السلام في شتى العصور من عصر المتوكل العباسي الى عصرنا الحاضر الذي يتعرضون فيه للتفجير والقتل والاغتيال..
وهذا يدلل على مدى أهميتها والرغبة الالهية بعدم تركها في كل الظروف لما لها من خصوصية ورمزية، ومن الأدلة على الحث على زيارة الحسين حتى مع الخوف بعض النصوص التالية:
كامل الزيارات ص125 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ عَنْ حَمَّادٍ ذِي النَّابِ عَنْ رُومِيٍّ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع مَا تَقُولُ فِيمَنْ زَارَ أَبَاكَ عَلَى خَوْفٍ قَالَ يُؤْمِنُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَ تَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ وَ يُقَالُ لَهُ لَا تَخَفْ وَ لَا تَحْزَنْ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي فِيهِ فَوْزُكَ.
كامل الزيارات ص125 وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنِّي أَنْزِلُ الْأَرَّجَانَ وَ قَلْبِي يُنَازِعُنِي إِلَى قَبْرِ أَبِيكَ فَإِذَا خَرَجْتُ فَقَلْبِي وَجِلٌ مُشْفِقٌ حَتَّى أَرْجِعَ خَوْفاً مِنَ السُّلْطَانِ وَ السُّعَاةِ وَ أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ فَقَالَ يَا ابْنَ بُكَيْرٍ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ فِينَا خَائِفاً أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ خَافَ لِخَوْفِنَا أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ وَ كَانَ مُحَدِّثُهُ الْحُسَيْنَ ع تَحْتَ الْعَرْشِ وَ آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَفْزَعُ النَّاسُ وَ لَا يَفْزَعُ فَإِنْ فَزِعَ قَوَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَ سَكَّنَتْ قَلْبَهُ بِالْبِشَارَةِ.
كامل الزيارات ؛ ص126 حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ حَكِيمٍ السَّرَّاجُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ حَسّانَ الْبَصْرِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ لَا تَدَعْ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع لِخَوْفٍ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ يَرَى اللَّهُ شَخْصَكَ وَ سَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْأَئِمَّةُ ع أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَى وَ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُ سَبْعِينَ سَنَةً أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ يُتْبَعُ بِهِ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُولُ اللَّهِ.
كامل الزيارات ؛ النص ؛ ص126حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ قَالَ حَدَّثَنَا مُدْلِجٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ع هَلْ تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ ع قُلْتُ نَعَمْ عَلَى خَوْفٍ وَ وَجَلٍ فَقَالَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ وَ مَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَ انْصَرَفَ بِالْمَغْفِرَةِ وَ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ زَارَهُ النَّبِيُّ ص وَ دَعَا لَهُ- وَ انْقَلَبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ وَ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.
النتيجة التي يمكن ان نصل اليها من خلال هذه المقارنة هي:
أولا: عندما يمتثل المكلف امرا واجبا فهو قد امتثل امر الله تعالى له، وله ثواب امتثال الامر الواجب الذي يمنحه الله تعالى إياه، سواء كان الدافع الرغبة في الثواب، او الخوف من العقاب، ولذا يحصل التفاوت في الدرجات.
أما عندما يبادر المكلف الى امتثال امر مستحب لا بدافع الخوف من العقاب بل بدافع الرغبة المطلقة بطاعة الله وتحقيق رضاه، فإنه حينئذ يستحق التكريم من اكرم الاكرمين ، ومهما عظم هذا التكريم فهو يدل على كرم العظيم. فهو أعظم مما يمنحه الله تعالى للمطيع عن خوف العقاب.
ثانيا: عندما تكون المقارنة بين امر عبادي، وبين أمر له بعده العقائدي، فلا شك ولا ريب بأن أهمية الامر العقائدي أعظم بكثير من الامر العبادي، اذ لا قيمة للأمور العبادية في حال وجود خلل في البنية العقائدية، وهو ما يفهم من كثير من النصوص ومنها تفضيل العالم على العابد.
ثالثا: ان زيارة الحسين عليه السلام هي ذات بعد عقائدي كما اتضح معنا مما مر بيانه، وأما الحج المستحب فهو امر عبادي، وشتان بين أمر يتعلق بترسيخ الأسس العقائدية وتمتينها وتقويتها واظهارها وابقاءها بما يؤدي الى استقامة المجتمع، وبين امر عبادي يحصل المكلف على ثواب شخصي على امتثاله.. وبالتالي فإن أهمية ما يمتن ويقوي البناء العقائدي هي أعظم بكثير من الامر العبادي لان الأساس العقائدي السليم هو المرتكز لقبول الاعمال العبادية.
وهكذا تكون زيارة الحسين أكثر أهمية واعظم أثرا وأكثر ثوابا من الحج المستحب، لذا فالله ينظر الى زوار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة قبل ان ينظر الى حجاج بيته الحرام في عرفات.