من هو أول من آمن بالنبي؟
أوّلُ من آمن برسول الله من النساء بإجماع المؤرخين هي خديجة زوجُ رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ففي حديث البخاري عن عائشة إنها قالت: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذكَرَ خَديجةَ أَثْنى عليها، فأحسَنَ الثناءَ، قالت: فغِرْتُ يومًا، فقُلْتُ: ما أكثرَ ما تذكُرُها حَمراءَ الشِّدْقِ، قد أبدَلَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها خَيراً منها، قال: ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيراً منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ" (أخرجه البخاري (3821)، ومسلم (2437).

أمّا أقدمُ الرجال إيماناً فالمتفقُ عليه بين معظم العلماء والمحققين سُنةً وشيعة هو الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وقد أشار ابن حجر إلى وجود إجماع على ذلك، حيث جاء في الصواعق: "قال ابن عبّاس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة: إنّه أول من أسلم ونقل بعضهم الاجماع عليه"(الصواعق المحرقة، ص۷۲).

والمعلوم عند جميع المسلمين أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو الذي تعهّد بكفالة الإمام علي (عليه السلام) وتربيته منذ نعومة أظفاره، وكان صلّى اللّه عليه وآله يجتهد في تربيته والعناية به كالوالد الرحيم، وقد تحدّث الإمام علي (عليه السلام) عن علاقته برسول الله صلّى اللّه عليه وآله في خطبته المعروفة بالقاصعة حيث قال: " وقَدْ عَلِمْتُم مَوْضِعِي مِن رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) بِالقَرَابَةِ القَرِيبَةِ والمَنْزِلَةِ الخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ، ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ المَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ العَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَد كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِن أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ" (نهج البلاغة الخطبة: 192)

وروى الخوارزميّ في المناقب بإسناده عن محمّد بن اسحاق قال: "كان أوّلَ ذكر من الناس آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصلى معه وصدّق بما جاءهُ من الله علي ابن أبي طالب وهو ابن عشر سنين يومئذ، وكان ممّا انعم الله به على علي بن أبي طالب أنّه كان في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل الإسلام"(المناقب، الفصل الرّابع، ص۱۷)

وروى أيضاً عن عبدالله بن العبّاس قال: "سمعتُ عمر بن الخطاب وعنده جماعةٌ فتذاكروا السابقين إلى الاسلام، فقال عمر: أمّا عليّ فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول فيه ثلاث خصال؛ لوددتُ أنّ لي واحدة منهن فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه، اذ ضربَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بيده على منكب علي عليه السّلام فقال: يا عليُّ أنت أوّلُ المؤمنين ايماناً وأوّلُ المسلمين اسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى"( المناقب، الفصل الرّابع، ص۱۹).

وروى أحمد والترمذي والحاكم بإسنادهم عن زيد بن أرقم أنه قال: "أول من أسلم مع رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّ رضي الله تعالى عنه"( المستدرك على الصّحيحين، ج3، ص136، وسنن الترمذي، ج5، ص306 ومسند أحمد، ج4، ص371).

وروى الحاكمُ في مستدركه: «نُبىء النبيّ يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء»(المستدرج3 ص112) وفي المستدرك أيضاً عن سلمان الفارسي أنه قال: قال رسول الله الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أولكم وارداً علي الحوض أولكم اسلاماً عليّ بن أبي طالب"(ج3 ص 136).

وروى شيخُ الإسلام إبراهيم الحمويني باسناده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوّةَ بعدي، وتخصمُ الناس بسبع ولا يجاحدكَ فيه أحد من قريش، أنت أولهم ايماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله عزّوجلّ، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم في القضية، وأعظمهم عند الله مزية»( حلية الأولياء ج1 ص66).

والنصوصُ في هذا الشأن لا تحصى سواء في كتب الأحاديثِ أو كتب التاريخ والسير، يقول العلامةُ الأميني في طرق هذه النصوص: "الطرق صحيحةٌ، والرِّجال ثقاتٌ، والحفّاظ حكموا بصحّته، وأربابُ السير أطبقوا عليه، وكان من المتسالم عليه بين الصّحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان" ثم يورد بالتفصيل الأسانيد والطرق التي تؤكّدُ على أنّ الإمام علي (عليه السلام) أول من اسلم من الرجال، ولمن أراد التوسع في هذا البحث يمكنه الرجوع إلى كتاب الغدير للعلامة الاميني ج 3.

هامش: المقال رداً على سؤال: من هو أول من آمن بنبوة النبي صلى الله عليه واله وسلم.. أتمنى توضيح مبسّط حتى أفهم وأفهم ابني عمره ١٣ سنة وجزاكم الله كلّ خير
2023/08/16

الشهادة الثالثة في الصلاة.. هل عدم ذكرها يعني وجود نقص في الولاية؟!
لم يكن تعليقي على ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة لغرض بيان الرأي الفقهي الذي انتهي إليه من جهة جواز ذكرها أو عدم الجواز ، فإن على عامة المكلفين الرجوع إلى مراجعهم الذين يرون فتواهم حجة فيما  بينهم وبين الله تعالى ، ولا لوم عليهم فيما إذا لم يقصروا في تعيين المرجع ، وأخد رأيه،  والعمل به بقطع النظر عن نتيجة رأيه ، وهل هي الجواز أم عدم الجواز ، كما أن من يحتاط مرجعه يجوز له أن يرجع إلى غيره ممن يجيز ، مع مراعاة ضوابط التقليد والرجوع ، بل و يجوز أن يرجع من يفتي مرجعه بعدم الجواز إذا كان من يفتي بالجواز يساويه أو لا يوجد تفاوت في الأعلمية يوجب صرف الريب إلى فتوى من يجيز ، على ما هو مبين في محله .

والحاصل: ليس غرضي البحث الفقهي بعرض الرأي المختار و أدلته، فهذا شأن المعاهد العلمية التخصصية، وشغل الفقيه مع المتخصصين ، لا الخطيب مع عامة الناس ، الذين هم بحاجة إلى طوي مراحل كثيرة لبلوغ مرحلة الاستيعاب ، والقدرة على الترجيح .

الغرض الحقيقي من طرح المسألة

وإنما الغرض هو بيان اشتباه من ظن أن مسألة (جواز ذكر الشهادة في الصلاة ) هي مسألة الولاية و الإيمان بها  ، و أن من يقول بعدم جواز ذكر الشهادة في الصلاة يُنتقص الولاية ، و عقيدته ناقصة ، و أن من قال بالجواز هو أكمل عقيدة ، و أكثر عناية بالإمامة ، فإن هذا - كما ذكر - اشتباه كبير ، وواضح الخلل عند  من يملك أدوات العلم و البحث ، فلا الشهادة الثالثة  هي الإمامة والولاية ، و لا هي الاعتقاد بالإمامة والولاية ، فإن الولاية و الإمامة منصب للإمام عليّ ( عليه السلام ) ثابت من الله ، حتى لو  لم يؤمن بالولاية أحد ، و الاعتقاد بالولاية أمر قلبي وفعل جوانحي ، متحقق حتى للأخرس والمشلول الذي لا يمكنه أن يبرز إيمانه و اعتقاده بأي مبرز ، و أما الشهادة الثالثة فهي إبراز الاعتقاد القلبي بالولاية و الإمامة باللفظ أو ما يقوم مقامه ، وإذا قيل ( هل تجوز الشهادة الثالثة في الصلاة أم لا ؟) و اختلفت الاجوبة ، فقيل بالجواز مع الاستحباب أو عدم الجواز ، فليس البحث عن الولاية نفسها ؛ لأنها فعل الله،  فهو من جعلها ، وليست فعل العبد ، كالأكل ، والشرب ، والقيام ، والقعود،  ليبحث عن جواز أن يأتي به  ، كما إن السؤال ليس عن الاعتقاد القلبي ؛ لأنه فعل القلب الباطني ولا شك في وجوبه عند كل الشيعة ،  ومن قال بعدم جواز ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة ذكر أن الاعتقاد  من أركان الإيمان ، و شرط في صحة العمل أو قبوله على الخلاف بين الفقهاء .

الشهادة الثالثة فعل جوارحي

إذن البحث أين ، وفي أي شيء؟

الجواب: في عمل  جوارحيّ ،  وهو ( إبراز الاقرار و الاعتقاد بالولاية  لسانيّاً ) ، وهذا الفعل كسائر افعال الإنسان ليس عقيدة ، ولا من أصول الدين ، ومحل بحثه الفقه المعني ببيان حكم الافعال ، ومنها ذكر الشهادة الثالثة خارج الصلاة وفي الصلاة .

وقد يكون المرء في عقيدته أضعف من غيره ، بل قد يكون شاكاً في الولاية قلبيّاً ، ولكن ينتهي بحسب البحث الفقهي إلى جواز ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة ، أو الوجوب ، وقد يكون قويّ العقيدة ، و يؤمن بمقامات عالية لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، و ينتهي في البحث الفقهي إلى أنهم ( عليهم السلام ) نهوا عن ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة،  فيتعبد بقولهم حسب فهمه و اجتهاده، فإن العقيدة والمعارف علم له مسائله و أدلته ، والفقه الذي هو مسائل شرعية اعتبارية علم آخر له مسائله و أدلته ، ولا ينبغي الخلط ، و دمج الفقه في العقيدة ، و جعل التلفظ المبرز للاعتقاد عين الاعتقاد بالولاية أو الولاية نفسها ، ولهذا ذكرت في محاضرتي أن من مسائل الفقه (عدم جواز افتتاح الصلاة بغير تكبيرة الاحرام ، وعدم جواز الاحرام للحج أو العمرة بغير التلبية)  ، و لا يجوز أن نتهجم على من حكم بعدم جواز افتتاح الصلاة أو الحج أو العمرة بالشهادة الثالثة  - وهو جميع العلماء - و نتهمه بنقصان العقيدة أو عدم العناية بالولاية ، فهذا من خبط الأعمى ، و نتائج الجهل وعدم التحصيل .

ومن لم يدرس في الحوزات العلمية ، ويقف على أدوات البحث الاحترافية ، لا يمكن أن يحسن ، ويكون قادراً على بيان الحق ، أو نشر فضائل أهل البيت ( عليهم السلام) الثابتة عنهم بطرق معتبرة ، و إنما سيكون ناشراً لما يتوهم أنه الحق ، و ناقلاً لكل ما يقع في يده ، و ينسب إليهم ( عليهم السلام ) ، دون تدبر و تمعن ، وقد رُوي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (إن العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح إلا بعداً من حاجته. والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع) ، ونحن على هذا القول نسير ونقول للجاهل غير الدارس : أولاً تعلم ثم تكلم، ولا يمكن أن نعتمد على قولك أنت في حق نفسك بأنك تروج معارف أهل البيت ( عليهم السلام).

كما ذكرت سابقاً لست في مقام تحقيق المسألة فقهيّاً ، ووظيفة كل مؤمن غير مجتهد الرجوع إلى الفقيه المأمون ، وعلى غير المتخصص ألا يتعامل مع ما لا يحسن  ، وهو ممارسة عملية الاستدلال في غير دائرة تخصصه  ، ولكن ليقف القاريء الكريم على خطر التعامل مع الأدلة  بلا بصيرة ، و أنه لن ينتهي إلى نتيجة مقبولة أذكر تعليقاً مختصراً مبسّطاً  على الاستدلال بالرواية المنسوبة إلى  الإمام  الرضا ( عليه السلام) في السؤال ، وذلك في جهتين:

عدم اعتبار كتاب الفقه الرضوي

الجهة الأولى : في  سند الرواية .

فقد وردت الرواية في  كتاب الفقه المنسوب إلى الرضا ( عليه السلام ) ص ١٠٨  ونصها : (فإذا صليت الركعة الرابعة فقل في تشهدك: بسم الله وبالله، والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، التحيات لله، والصلوات الطيبات الزاكيات، الغاديات الرائحات، التامات  الناعمات، المباركات الصالحات لله، ما طاب وزكا، وطهر ونما، وخلص فلله، وما خبث فلغير الله. أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن عليا. نعم المولى، وأن الجنة حق، والنار حق، والموت حق، والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور . الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صلي على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ) .

وفي كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام) مشاكل تمنع من صحة نسبته إليه (عليه السلام ) ذكرها الباحثون في علم النسخ ، ومنها :

المشكلة الأولى: الكتاب لا سند له ، فهو من تاريخ تأليفه وهو زمن الإمام الرضا ( عليه السلام) لم يكن موجوداً ومذكوراً عند تلامذته ، والرواة عنه  ، و المصنفين في الفهارس ، ولكن وجد بعد ألف عام حيث ذكر العلامة المجلسي ( رحمه الله ) في البحار أن والده أخذه عن السيد أمير حسين ( رحمه الله ) ، و السيد أمير حسين تحصل عليه في مكة المكرمة ، حيث جاء به جماعة من قم ، أتوا حاجين ، والسيد المذكور أخذه و صححه بعد أن حصل له العلم بأنه للإمام ( عليه السلام ) .

السؤال : كيف يحتمل أن يكون كتاب للإمام الرضا ( عليه السلام) وهو ولي العهد ، و شيعته في زمانه في راحة ، وليست عليهم تلك الرقابة الموجودة في زمن والده و جده و أولاده ، ولا يكون مشهوراً معروفاً و متداولاً ومحط عناية الشيعة في زمانه ( عليه السلام) والقرون المتلاحقة كزمن أصحاب الكتب الاربعة ومن بعدهم ؟

إذا كيف يكون كتاب بقلم الإمام ( عليه السلام ) وبخطه ، ومع ذلك لا يكون مشهوراً ومحط عناية الشيعة عبر جميع القرون ، و يكون غيره من الكتب التي بيد علماء الشيعة أشهر منه و أكثر عناية و اهتمام ؟!

المشكلة الثانية :  أنه مشتمل على الرواية عن أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) وتلاميذه كابن أبي عمير  و محمد بن اسماعيل ، وذكر طرق إلى الأئمة السابقين  أو عنوان ( روي أو نروي  ) كثيراً ، وهذا غير معهود بكثرة في روايات أهل البيت ( عليهم السلام) ، المعصومين الذين يتوارثون العلم وهم أعلم كلام بعضهم ، وكلامهم حجة بلا سند .

     نعم ، قد يرد عن المعصوم ذكر ورود روايات عن السابقين لغرض كتدريب الراوي على كيفية التعامل مع الروايات المختلفة وكيفية الجمع ، ولكن أن يكون منهجه  منهج المحدثين من ذكر أنه يروي،  وذكر السند فهذا غير معهود.

المشكلة الثالثة : اشتماله على مخالفات كثيرة لثوابت المذهب المروية عن أهل البيت ( عليهم السلام) ومنها :

     ١/  التخيير في الوضوء بين مسح الرجلين و غسلها .

     ٢/ جواز الصلاة في جلد الميتة المدبوغ.

     ٣/  تحديد الكر بأنه ما رمي  فيه حجر ، فلم يصل تدافع الماء إلى اطرافه.

     ٤/ جواز الشهادة لرجل مؤمن عنده شاهد واحد له بلا علم  .

     ٥/ جواز قضاء غسل الجمعة إلى الجمعة .

     ٦/ أن المعوذتين رقية وليستا من القرآن.

     ٧/ حرمة نكاح المتعة في الحضر ، و أنه جائز في ظرف الضرورة للمسافر .

و أحكام أخرى يعلم بعدم صدورها عن الإمام الرضا ( عليه السلام)، وهذا بعد ما نقله صاحب البحار من قيام السيد أمير حسين  بتصحيح النسخة الواصلة إليه، والموجود  بما فيه من الاخطاء بعد التصحيح .

و نحن لا نمنع وجود بعض المضامين الصحيحة فيه والموافقة لروايات مروية  في كتب بعض الأصحاب و فتاوى موجودة في كتبهم ، غير أن الصحيح عدم وجود سند معتبر ووثوق بصحة النسبة إلى الإمام ( عليه السلام) ، فلابد  أن نتعامل مع الروايات التي لا نعلم بكذبها  ولا صدقها معاملة المرسل الذي لا حجية له ، فلا نستند إليه بلا علم و تحقق ، فهذا ليس من المنهج العلمي في شيء، وبهذا يعرف الحكم على رواية التشهد ، فلا يمكن الاستدلال بها والاعتماد عليها لفقدها الاعتبار السندي، كما لابد من ملاحظة  روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) المعتبرة في ذلك ، ثم القيام بعملية الاستنباط .

وللتنبيه أذكر أن تعرضنا هنا للفقه المنسوب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام) بنحو مبسّط غير مبسوط ، وذلك لأن البحث فيه جهات تخصصية أحببت فقط أن يطلع القارئ الكريم على بعضها ، وهي التي أوجبت تضعيف جملة من العلماء للكتاب  ، ونسبة  بعضهم له إلى غير الإمام ( عليه السلام ) ، كالشلمغاني ،  و والد الشيخ الصدوق ( رحمه الله ).

عدم صحة الاستدلال برواية الفقه الرضوي في محل الخلاف

الجهة الثانية : في الدلالة .

ولو سلمنا صحة رواية الفقه الرضوي مع ذلك لا يمكن الاستدلال بها لإثبات جواز ذكر الشهادة الثالثة بنحو مطلق ، حتى المختلف فيه ، وبيان ذلك :

هو أن لذكر الشهادة الثالثة في الصلاة نحوين:

النحو الأول : أن يكون في مقام خطاب الله تعالى  دعاء أو ما هو من شؤون الدعاء كالتوسّل أو مع تعقب طلب وهو الصلاة على النبي و آله ، كما إذا قال المصلي توسلاً بالعمل الصالح والعقيدة الحقة ( يا إلهي إني   أشهد لعلي بالولاية و اتبعه فصل على محمد و آله  ).

النحو الثاني : أن لا يكون في مقام خطاب الله أو الطلب منه ، كما هو في صيغة التشهد الصلاتي ( أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده ورسوله ) ، ثم قول ( و أشهد أن علياً أمير المؤمنين ) ، فهنا ليس الخطاب لله تعالى ، و إنما مجرد تشهد.

والنحو الأول هو الوارد في الفقه الرضوي، فبعد ذكر التشهد الواجب غير المشتمل على خطاب وجه المصلي كلامه إلى الله ، ثم طلب الصلاة ،  فقال :  ( أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن عليا. نعم المولى، وأن الجنة حق، والنار حق، والموت حق، والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور . الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صلي على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، و بالتالي لا يمكن الاستدلال بالرواية لو  صحت على مطلق جواز ذكر الشهادة الثالثة ، و إنما ذكرها في خطاب الله مع تعقب الطلب ، و قد ذكر بعض الفقهاء أن قول المصلي ( آه من ذنوبي) إذا كان شكاية لله تعالى في مقام خطابه وطلب المغفرة لا يبطل ، و أما إذا لم يكن كذلك يبطل .

والحاصل: هو أن الرواية لو  صحت  لما  دلت على جواز ذكر الشهادة الثالثة مطلقاً ، و إنما في مقام خطاب الله تعالى خاصة ، أي فيما يصدق عليه الدعاء عرفاً ، ولكنها غير صحيحة ، ولا ينبغي جعلها دليلاً على الجواز .

أخي الكريم غفر الله لك

بخصوص الإساءة إليً

أنا أغفر لجميع المؤمنين الذين تهجموا على شخصي ، و أقول لنفسي قبل غيري : لا ينبغي أن نجعل الاختلافات في الآراء  بيننا سبباً للخلافات الشخصية ، فإن حقوق المؤمن لا تسقط بمجرد الخلاف في المسائل الفقهية الاجتهادية ، و إنما ينبغي أن نوجه الجاهل و نبين له الخطأ الواقع فيه ، لكي يستكمل و يزول جهله ، و إذا كانت ردة فعله غير مناسبة ، فشخصياً من باب تقدير اعتقاده بالولاية وتعظيماً للإمامة التي يدين المتهجم عليّ ،  وهي من أصول الإيمان و أركان الدين ؛ أتجاوز عنه و أعفو  ، بل  أرجو من الله له البصيرة،  وكل خير بجاه السادات عليهم السلام .

هامش: المقال رداً على سؤال: شيخنا الجليل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تحدثتم في ليلة من ليالي محرم حول ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة ، وقد صار هذا سبباً لردود أفعال  مختلفة، و بعضها ينطوي على تهجم على شخصك،  واستدلال يعتمد على رواية عن الإمام الرضا ( عليه السلام ذكر فيها الشهادة الثالثة في التشهد ، فما هو ردك على ذلك؟
2023/08/13

ما قصة مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.. مكروه أم مستحب؟!
النظر في النصوص الواردة بهذا الخصوص، وما جاء في كلمات الأعلام في المقام؛ يفضي إلى الفصل والتمييز بين أن يكون ذلك بعد القنوت في المفروضة، وبين غيرها. ودونك تفصيل الحالتين: أ‌-مسح الوجه باليدين بعد قنوت الفرائض:

المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً-لولا ما نقل عن الجعفي من استحباب ذلك- عدم استحبابه؛ لعدم ورود ما يدلّ على مطلوبيته واستحبابه في خصوص القنوت!.

بل ذهب غير واحد منهم إلى الحكم بكراهته في قنوت الفريضة.قال صاحب العروة في مكروهات القنوت: يكره أن يمرّ بهم(اليدين) على وجهه وصدره عند الوضع. ولم يعلّق عليه الأعلام إلا بضرورة تخصيص الكراهة بقنوت الفرائض وحسب. (انظر-المستمسك ج6،ص510).

وحجة القائلين بالكراهة مكاتبة الحميري، فروي أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) أجابه: ”ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه؛ غير جائز في الفرائض…".

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) تعليقاً عليه: قال الأكثر بعدم استحباب مسح الوجه بعده، وقال بعضهم باستحبابه مطلقاً، قال في المنتهى: هل يستحب أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل: نعم، ولم يثبت، وقال في الذكرى: ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره، قاله الجعفي، وهو مذهب بعض العامة انتهى. والأحوط تركه في المكتوبة؛ للرواية من غير معارض.(بحار الأنوار،ج82،ص199).

ب‌-مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

لم يرد في النصوص الشريفة ما يدلّ على رجحان مسح الوجه بعد قنوت الصلوات المندوبة بالخصوص، وإنّما جاء  ذلك بعد الدعاء مطلقاً، وهو باطلاقه شامل للقنوت في غير الفرائض.

روى الكليني رحمه الله تعالى بسنده عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: ما أبرز عبدٌ يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله (عزّ وجلّ) أن يردّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدُكم فلا يردّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.(الكافي ج2، باب أن من دعا استجيب له، ح2).

وطبقاً لهذه الرواية؛ أفتى جملة من الأعلام باستحباب مسح الوجه بعد القنوت في غير الفرائض حتى أنّ الحرّ العاملي (رحمه الله) قد عنون في الوسائل باباً باسم: (استحباب مسح الوجه والرأس والصدر باليدين عند الفراغ من الدعاء في غير الفريضة)، كما صرّح (رحمه الله) بذلك في تعليقه على خبر ابن القدّاح فقال: ذلك مخصوص بغير الدعاء في الفرائض. (وسائل الشيعة،ج7باب: 14).

قلتُ: لا يخفى أنّ الاستحباب مبني على قاعدة التسامح في أدلة السنن . أمّا من لم تثبت عنده القاعدة -كما هو الحال عند معظم المتأخرين من الفقهاء- فيؤتى بالمسح برجاء المطلوبيّة.

والخلاصة: إنّ مسح الوجه بعد الدعاء مكروه أو غير مستحب في خصوص قنوت الفريضة لا غير، ومستحبٌّ أو غير مكروه فيما عدا ذلك؛ لما روي من الحثّ عليه والترغيب فيه بعد الدعاء مطلقاً.

2023/07/03

إني رسول الله: لماذا لم يرسل لنا الله ملائكة بدلاً من البشر؟!
ما هي مساحة العنصر البشري في شخصية النبي؟ كم للعنصر البشري من تأثير وفعالية في شخصية النبي؟

أين حدود تأثير العنصر البشري في شخصية النبي المصطفى؟

هنا نتعرض لكلام المفكر المعروف محمد أركون في مقالاته حول نقد العقل الإسلامي، يتحدث أركون يقول: " إذا قارنا بين المدرسة الإمامية وبين المدارس الإسلامية الأخرى نجد أن المدرسة الإمامية قلصت العنصر البشري مقابل العنصر الغيبي بينما المدارس الإسلامية الأخرى جعلت حالة توازن بين العنصر الغيبي والعنصر البشري، المدارس الإسلامية الأخرى جعلت النبي شخصية النبي متوازنة بين العنصر الغيبي وهو الوحي وبين العنصر البشري، لذلك ترى في فكر المدارس الإسلامية الأخرى تفصيل بين ما هو بشري في النبي وبين ما هو سماوي وديني، فيقولون بعض الأفعال صدرت من النبي بما هو ناطق عن السماء بما هو متكلم عن السماء فيؤخذ بها، كحجه كصلاته كصومه، وبعض الأفعال صدرت عنه بما هو بشر انطلاقا من عنصره البشري، كعلاقته مع زوجته كعلاقته مع جاره كتصرفاته اليومية، فهذه لا نأخذ بها لأنها صدرت عنه بما هو بشر، فهناك توازن بين العنصر البشري والعنصر الغيبي.

الشيعة يحاكمون القرآن!

أما الفكر الإمامي «المدرسة الإمامية» جعلت المساحة المستوعبة لشخصية النبي هي للعنصر الغيبي، جعلت النبي سماويا في تصرفاته وفي أفعاله وقلصت دور العنصر البشري، فلا ترى للعنصر البشري في الفكر الإمامي أي سمات وأي ملامح وبالتالي فالمدرسة الإمامية والفكر الإمامي في هذا المجال «مجال بشرية الرسول» فكر التقاطي واستباقي. ما معنى التقاطي؟ وما معنى استباقي؟ الفكر الإمامي يصور لنا أن النبي قطعة من الطهارة، لا يخطئ لا ينسى لا يسهو لا يغفل، وهذا هو نفس الفكر المسيحي.

الفكر المسيحي يرى أن عيسى قطعة من السماء تتحرك على الأرض وأن الله تجسد في عيسى، فعيسى لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو ولا يغفل. إذاً الفكر الإمامي هو التقاط واقتناص للفكر المسيحي الذي صور عيسى بصورة سماوية محضة.

والفكر الإمامي أيضا فكر استباقي، ومعنى أنه استباقي أن الإمامية أولا وضعوا أطروحاتهم وأسسوا أفكارهم ثم حاكموا القرآن على ضوء أفكارهم، لم يأخذوا أفكارهم من القرآن بل أسسوها في مرحلة سابقة على القرآن ثم أخضعوا القرآن لأفكارهم ولأصولهم المسبقة. مثلا: لأن الفكر الإمامي يرى أن النبي لا يخطئ لذلك إذا جاء إلى قوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾، يلتف على الآية يحاول أن يؤول الآية لا يأخذ بظاهرها لأنه أسس في مرحلة سابقة تصورا معينا وهو أن النبي لا يذنب، فلما اصطدم بالآية التف عليها وقال ليس المراد بالذنب في الآية الذنب الشرعي لأن النبي لا يذنب فلا بد من تأويل الآية وإخضاعها للفكر المؤسس سابقاً، هذا معناه أنه فكر استباقي.

عندما مثلا يأتي الفكر الإمامي لأنه وضع أطروحته في مرحلة سابقة قال النبي كامل والكامل لا يخطئ على الآخرين فعندما يأتي لقوله تعالى: ﴿عبَسَ وَتَوَلَّى «1» أَن جَاءهُ الْأَعْمَى﴾، يحاول أن يلف فيقول هذه لم تنزل في النبي المصطفى  لأن النبي لا يصدر منه ذلك. إذا الفكر الإمامي استباقي لم يأخذ معالمه من القرآن وإنما أخضع القرآن لمعالمه التي وضعها في مرحلة سابقة.

بينما المدارس الإسلامية الأخرى تعتمد وتستند إلى القرآن بشكل تلقائي مباشر.

ردّ أطروحة "آركون"

هذه هي الأطروحة التي طرحها هذا المفكر نقدا للفكر الإمامي، نحن في مقام نقد هذه الأطروحة وفي مقام تنقيحها وفحصها نسجل ملاحظات ثلاث:

الملاحظة الأولى ملاحظة عقلية: نحن نرى أن العقل هو الذي فرض علينا أن نقول بأن النبي محمد  معصوم عصمة مطلقة فلا يخطئ ولا يسهو ولا ينسى، لماذا؟ هناك ما يذكره علماء الكلام عندنا ويسمى بقبح نقض الغرض أو بقبح نقض الهدف، نشرح هذا المعنى بوجهين:

الوجه الأول: نحن نتساءل ما هو الهدف من وجود الإنسان؟ لماذا خلق الله الإنسان؟ القرآن الكريم يحدد لنا الهدف، الهدف من وجود الإنسان أن يصل الإنسان إلى الكمال الروحي، لا الكمال المادي بأن يمتلك ثروة أو عقار أو قصر هذا ليس هدفا لوجود الإنسان، الهدف من وجود الإنسان أن يصل إلى الكمال الروحي أي إلى أرقى درجات الكمال الروحي، نستفيد هذا من قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، لاحظ تعبير الآية تعبير دقيق ما قالت الآية ليبلوكم أيكم حسن قالت ليبلوكم أيكم أحسن، يعني ليس المطلوب هو الحسن فقط بل المطلوب هو الأحسن.

الهدف من وجود الإنسان أن يصل إلى درجة الأحسن أن يكون هو الأحسن في خلقه في سلوكه في تصرفاته، الهدف من وجود الإنسان أن يصل إلى أعلى درجات الحسن، لاحظوا آية أخرى قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وما معنى يعبدون: يعني الهدف من وجود الإنسان أن يكون مرآة للعبودية، أن يكون مرآة لعبادة الله في كل تصرفاته، فهو في طول أوقاته وفي طول آناته وفي مختلف تصرفاته يعيش في عبادة، مرآة للعبودية في كل الأوقات، في كل الأوقات هو قطعة من العبادة هو هيكل عبادة مستغرق في عبادة الله تبارك وتعالى وهذا أعلى درجات الكمال، هذا هو الهدف من وجود الإنسان.

إذا كان هذا هو الهدف من وجود الإنسان، نحن نسأل: هل هذا الهدف ممكن التحقق أو ليس ممكن؟ إذا قلنا هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق، لماذا؟

لأن الإنسان في معرض النسيان في معرض الغفلة في معرض الخطأ، فإذا كان في معرض الغفلة وفي معرض الخطأ وفي معرض السهو وفي معرض النسيان، فكيف يمكنه أن يكون دائما أحسن؟ كيف يمكنه أن يكون دائما في عبادة؟ بما أن البشرية والإنسانية تقتضي النسيان وتقتضي الغفلة وتقتضي الخطأ، إذا فلا يمكن للإنسان أن يكون عابدا في كل أوقاته ولا يمكن للإنسان أن يكون أحسن في كل أوقاته، هذا يتنافى مع طبيعته البشرية، إذا هذا الهدف غير قابل للتحقق، فإذا لم يكن قابلا للتحقق إذا جعل القرآن هذا الهدف يكون لغوا، فالإنسان الكامل لا يمكن أن يكون، يكون ناقص من جهة وكامل من جهة.

الإنسان الكامل من تمام الجهات هدف لا يمكن تحققه، إذا كان هدفا لا يمكن تحققه إذا فجعل القرآن له هدفا يكون لغوا، يعني القرآن جعل هدفا وهذا الهدف لغو واللغو قبيح والقبيح لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى. إذا بالنتيجة هذا الهدف ممكن التحقق وإلا لكان جعله لغوا.

فإذا كان هذا الهدف وهو أن يكون الإنسان أكمل البشر قطعة من العبادة أحسن البشر، إذا كان هذا الهدف ممكن التحقق، فمن هو الشخص الجدير بتحقيق هذا الهدف؟ من هو الشخص الأولى بتحقيق هذا الهدف؟

إن أجدر شخص وأولى شخص بتحقيق هذا الهدف وهو أن يكون الأكمل والأحسن والقمة في كل شيء وأن يكون قطعة من السماء وقطعة من العبادة، الجدير بتحقيق هذا الهدف هو الشخص الذي جعله الله رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، قال تعالى: هو الشخص الذي قال عنه تعالى ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ هو الشخص الذي قال عنه تبارك وتعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ لا بد أن يكون رحمة العالمين أكمل العالمين، لا بد أن يكون أسوة البشرية أكمل البشرية، لا بد أن يكون المثل الأعلى للمجتمع البشري أكمل المجتمع البشري، فالشخص الجدير بتحقيق الهدف الإلهي من وجود الإنسان هو النبي محمد ، ولو لم يكن هو لاحتجنا إلى نبي أفضل منه ليكون هو الرحمة للعالمين وهو الأسوة لكل بشر على وجه الأرض.

إذا العقل هو الذي يفرض علينا أن نقول بوجود الإنسان الكامل وأن الإنسان الكامل هو النبي محمد (ص) وبالتالي فنحن ما فرضنا فكرا التقاطياً وإنما مشينا على ضوء منطق العقل.

أركون يقول الفكر الإسلامي الآخر - يعني غير المدرسة الإسلامية -: الذي يرى أن للنبي عنصرا بشريا يتحكم في تصرفاته ويتحكم في أفعاله، يقول بأن هذا الفكر هو الأقرب للحقيقة، لأن هذا الفكر هو المنسجم مع القرآن وهو المنسجم مع التاريخ، أما أنه منسجم مع القرآن فالقرآن يركز على بشرية النبي يقول: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾، يقول القرآن: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ﴿90﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ﴿91﴾ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً ﴿92﴾ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ أي أنني بشر لا يأتي بهذه الأعمال الخارقة للطبيعة ولنواميس الطبيعة قال تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ المدارس الإسلامية كلامها أن النبي بشر يتوافق مع منطق القرآن ويتوافق مع منطق التاريخ، التاريخ يؤكد على بشرية النبي والبشرية تقتضي ثلاث خصائص:

الخاصية الأولى: النسيان فالبشر ينسى خصوصا إذا كان قائدا والنبي كان قائدا، ضغوط القيادة ضغوط العمل ضغوط الإدارة السياسية تجعله في معرض النسيان وفي معرض الغفلة، ولذلك روى المؤرخون روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى صلاة الظهر في المدينة ركعتين فقيل يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت قال ما قصرت ولا نسيت قالوا صليت ركعتين فالتفت وأكمل الصلاة من جديد.

إذا فهو كان يسهو، مثلا يذكر المؤرخون أنه دخل المسجد يوما - صحيح البخاري أيضا يرويها - فسمع قارئا يقرأ القرآن فقال رحمك الله ذكرتني آية كذا وكذا أسقطتها من سورة كذا وكذا. يعني أنا بعض السور قرأتها بدون هذي الآيات.

الخصوصية الثانية: أن البشر يحب المرأة والنبي كان يحب المرأة كان يقول: أحب من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة. فلا عجب لأنه يحب المرأة يحب أن يدللها وأن يبهج مشاعرها وأن يرفه عواطفها، لذلك يروي البخاري أنه جاء وفد من الحبشة يوم العيد إلى المدينة وصرن يزفن - أي يرقصن - في فناء المسجد فجاء الرسول وأخذ زوجته المدللة عائشة ووضع رأسها على منكبه وخدها على خده وجاء بها لترى الزفن من قبل الوفد الحبشي إلى أن اكتفت بما رأت ثم أرجعها إلى المنزل.

مثل أي زوج يطلع ومع زوجته في مكان لطيف جميل ليرفه عن مشاعرها وعواطفها. ولقد سابقها فسبقته مرة وسبقها أخرى وقال لها واحدة بواحدة.

الخصوصية الثالثة: للبشر، أنه يغضب، طبيعي من البشر أن يغضب، وإذا غضب قد تصدر منه بعض الهفوات وبعض الكلمات لا يلام عليها لأنها صدرت منه حالة الغضب، فكذلك كان النبي (ص) كان إذا غضب شتم الآخرين، فقد روى أنس بن مالك كما روى أبو هريرة أن النبي - موجود هذا في صحيح البخاري - رفع يديه إلى السماء قال: اللهم إن محمدا بشر والبشر يغضب فمحمد يغضب كما يغضب البشر فأيما رجل سببته أو شتمته أو آذيته فاجعل ذلك زكاة له وأجرا. إذا لماذا تضخيم المسألة بأنه كان بشر.

وكما يروي أيضا صحيح البخاري دخل سماطة قوم فبال واقفا، ثم دخل على القوم. إذاً فبالنتيجة بشرية النبي أي العنصر البشري وسيطرته على شخصية النبي المصطفى (ص)  هذا يتلاءم مع منطق القرآن ويتلاءم مع منطق التاريخ، وبالتالي فالفكر غير الإمامي أقرب للحقيقة من الفكر الإمامي.

نحن ذكرنا في مقابل هذا الكلام أن العقل يفترض أن يكون النبي في أعلى درجات الكمال ليحقق الهدف الإلهي من وجود الإنسان فهو الأولى بتحقيق هذا الهدف والإنسان الكامل المستغرق في عبادة الله عز وجل لا تصدر منه هذه التصرفات التي رويت في كتب التاريخ لأنها تتنافى مع الكمال فضلا عن قمة الكمال وأعلى درجات الكمال.

الوجه الثاني: أنه ما هو الهدف من بعثة النبي؟ الهدف من بعثة النبي وصول التعاليم السماوية إلى المجتمع البشري قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، إذا كان هذا هو الهدف، وصول التعاليم للمجتمع البشري يتوقف على وثوق الناس بهذا المتكلم، إذا لم وثق الناس بهذا المتكلم وصلت تعاليمه إلى قلوبهم وإذا لم يثقوا به لم تصل تعاليمه إلى قلوبهم، إذا وصول تعاليم السماء إلى الأمة البشرية يتوقف على وثوق الأمة بهذا المبعوث ووثوق الناس به يتوقف على عصمته، إذ لو لم يكن معصوما فكيف يثقون به، لو جاز عليه الخطأ لو جاز عليه النسيان لو جاز عليه السهو لتطرق الشك إلى شخصيته، النبي لا يقول كل شيء أحيانا بالعمل، النبي في حجة الوداع لما وصل إلى الحج لا يوجد وقت يجلس النبي ويشرح أحكام الحج إلى الناس شرحا لفظيا، النبي بمجرد دخل مكة قال خذوا عني مناسككم، كان يشرع من خلال عمله كان يعلم من خلال سلوكه لا من خلال لفظه.

كيف يثق الناس به ويأخذون منه مناسكهم وهو شخص يمكن أن يخطئ وهو شخص يمكن أن ينسى وهو شخص يمكن أن يغفل؟

لا يمكن وصول المناسك وتعاليم السماء إلى الناس إلا إذا وثقوا به ولا يمكن وثوقهم به إلا إذا علموا أنه معصوم لا يخطئ ولا ينسى ولا يسهو لأنهم لو لم يعلموا بذلك لم يثقوا به وشككوا في أي فعل يصدر منه وإذا لم يثقوا به لم يتحقق الهدف من بعثته وهو وصول تعاليم السماء إليهم قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ إذا العقل بنفسه هو الذي يفترض العصمة المطلقة التي ذكرناها. هذه هي الملاحظة الأولى بوجهيها.

الملاحظة الثانية: ذكر المفكر أن الفكر الإمامي فكر استباقي أي أنه يؤسس أطروحاته في مرحلة سابقة ثم يخضع القرآن إلى أطروحاته، ونحن نقول بأن هذا مخالف لطبيعة الفكر الإمامي، كيف؟ في علم الدلالة من جملة العلوم اللغوية علم يسمى علم الدلالة، من جملة قوانين علم الدلالة هو قرينية السياق العام، ما معنى قرينية السياق العام؟ يفترض بالمفكر أركون وغيره الاطلاع على علم الدلالة. قرينية السياق العام ما معناها؟

العرف العربي يقرر أن الإنسان إذا سمع كلام من متكلم واحد - فرضا أنا أتكلم برأس ساعة ساعتين - العرف العربي يقول هذا الكلام لأنه صدر من متكلم واحد فهذا الكلام يفسر بعضه بعضا صدره يفسر ذيله وذيله يفسر صدره لأنه كلام لمتكلم واحد فبعضه يفسر بعضا يعني ما يصير أنت تأخذ قطعة من كلامي وتفسرها وتترك بقية كلامي، لا بد أن تجري وراء السياق العام لكلامي كله، قرينية السياق العام يعني الكلام الصادر من متكلم واحد له جو واحد له سياق واحد، هذا السياق الواحد حتى تعرفه لا بد أن تحمل بعض الكلام على البعض الآخر. هذا الكلام الموجود في علم الدلالة نطبقه على القرآن الكريم.

القرآن الكريم كلام صدر من متكلم واحد فله سياق واحد لذلك كي نتعرف على القرآن الكريم لا بد من تفسير بعضه بالبعض الآخر لا بد من قرينية بعضه على البعض الآخر، وهذا ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع) عندما قال: ”اضربوا القرآن بعضه ببعض“ يعني بعضه يفسر بعضا. بناء على ذلك أنت لا تستطيع أن تقتطع بعض الآيات القرآنية بدون أن تراجع السياق العام للقرآن الكريم أي للآيات القرآنية الأخرى.

أضرب مثل عند جميع المسلمين: جميع المسلمين عندما يقرؤون قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ أي إن الله لا يماثله شيء، آية أخرى القرآن الكريم يقول ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ كيف ليس كمثله شيء وهو له يد؟ إذا هنا لا بد أن نفسر بعض القرآن بالبعض الآخر، نقول المقصود باليد في هذه الآية بقرينة قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ المقصود باليد هنا القدرة اليد كناية عن القدرة والقوة، فسرنا القرآن بعضه ببعض، هذا ما يسموه فكر استباقي هذا يسموه تفسيرا للكلام بعضه بالبعض الآخر هذا جري على المنهج منهج العرف العربي في قرينية السياق العام، نفس الشيء إذا أمامنا آيتان آية تقول: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وآية تقول: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ كيف يتلاءمان يصير تناقض واختلاف في نفس القرآن، نقول بما أن الله تعالى قال ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ إذا ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ ليس المقصود بها النبي بقرينة الآية الأخرى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ نفس الشيء أنت أمامك آيتان آية تقول: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً «1» لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ معناه أن النبي له ذنب بينما نجي لآية أخرى تقول: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى» 3 «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ ما معنى ذلك؟ ما ينطق ترى النطق ليس له خصوصية المقصود بالآية وما ينطق يعني وما يصدر، يعني لا يصدر منه شيء قولا أو فعلا إلا وهو مطابق لوحي السماء فهو مرآة السماء قال تعالى: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ إذا كيف نوفق بين هذه الآيات وبين قوله: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ هنا يأتي الفكر الإمامي يقول فسروا القرآن بعضه ببعض، معنى الذنب هنا الذنب الاجتماعي وليس الذنب الشرعي.

ما معنى الذنب الاجتماعي؟

أن النبي المصطفى محمد  اصطدم بقبيلته النبي اصطدم بقريش حارب قريش قتل صناديد قريش، يعني قتل أبناء عمه وأبناء عمومته حصلت مواجهة دامية بين النبي وبين قبيلته بلا إشكال هذا يعد ذنبا اجتماعيا ليس ذنبا شرعيا ولكنه ذنب اجتماعي مواجهة الإنسان لقبيلته ومقاتلته لهم من أجل مبدئه يعد ذنبا اجتماعيا وإن لم يكن ذنبا شرعيا، الله تعالى يقول لنبيه لا تقلق من هذا الذنب الاجتماعي أبدا سنفتح لك مكة وسننصرك على قريش ونجعل قريش تحت يدك وتحت أمرك ونهيك فتنمحي الذنوب الاجتماعية التي سجلتها قريش على شخصيتك قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً «1» لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً «2» وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً﴾.

الملاحظة الثالثة: نلاحظ أن المفكر أركون قال إن البشرية تقتضي النسيان والغفلة، نحن نقول بالعكس البشرية تقتضي الكمال لا أنها تقتضي السهو والنسيان فرق بين أن تقرأ البشرية عاملا سلبيا وبين أن تقرأ البشرية عاملا إيجابيا الفكر الإمامي يقر ببشرية النبي الفكر الإمامي يقول النبي بشر غيبي له عنصر غيبي له عنصر حسي له عنصر بشري له عنصر سماوي الفكر الإمامي يقر بالعنصر البشري لكنه لا يعتبر العنصر البشري عامل ضعف بل يعتبره عامل قوة، الفكر الإمامي يرى أن العنصر البشري هو طريق الكمال ولو لا العنصر البشري لما وصل النبي إلى الكمال فهو يقرؤه من ناحية إيجابية ولا يقرؤه من ناحية سلبية، كيف؟ الملائكة ما لهم فخر على البشر أبدا فهم جبلوا على الطاعة وترك المعصية فهؤلاء لم يصلوا إلى الكمال فهم خلقوا مثل الآلة الأوتوماتيكية خلقوا على عمل معين، بينما البشر وضع الله فيه قوتين قوة العقل وقوة الغريزة ليصل إلى الكمال من أجل أن يعيش الصراع المحتدم بين العقل وبين الغريزة فإذا عاشه وانتصر على غريزته ونصر عقله بقوة إرادته وبقوة صلابته وصل إلى الكمال بجدارة واستحقاق إذاً صارت البشرية عاملا إيجابيا وليست عاملا سلبيا.

البشرية تعني الإرادة من كان بشرا فقد ملك الإرادة ومن ملك الإرادة ملك طريق الكمال لأن طريق الكمال منوط بالإرادة البشر يساوي إرادة والإرادة تساوي الوصول إلى الكمال إذا عنصر البشرية عنصر إيجابي في الوصول إلى الكمال، نحن الإمامية نرى أن سر عظمة النبي في بشريته وسر كماله في بشريته لو كان ملكا لما كان عظيما لو كان ملكا لما كان كاملا سر كماله سر عظمته في بشريته فكيف نهمل عنصر البشرية ونحن نرى أن عنصر البشرية هو السر في الكمال لأن عنصر البشرية هو قوة الإرادة وقوة الإرادة هي طريق الكمال إذا نحن نرى عنصر البشرية من زاوية إيجابية لا من زاوية سلبية نرى أن عنصر البشرية طريق الكمال، هناك آية نازلة في الإمام علي  عندما بات على فراش رسول الله  تقول: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾، بعض علماءنا يقول لماذا قالت الآية ومن الناس ما قالت ومن المؤمنين ما قالت ومن الصادقين، تتحدث الآية أن الإنسانية عنصر إيجابي لا عنصر سلبي فهذا من الناس ومع ذلك أوصلته إنسانيته إلى أن يكون أعظم فدائي بين يدي النبي المصطفى  إذا البشرية عنصر إيجابي طريق الكمال وليس عنصرا سلبيا عظمة النبي  في بشريته وفي قوة إرادته.

لماذا لم يجعل الله النبي (ص) ملكاً؟

الإرادة هي طريق الكمال لماذا جعل الله النبي بشرا ولم يجعله ملكا؟ لأن من وظيفة النبي التزكية قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، الملك يقدر يقوم بالدور الأول والدور الثالث يتلوا الآيات يقدر، يقدر يعلم الناس الكتاب والحكمة لكن الملك ما يقدر يقوم بالدور الثاني وهو دور التزكية لماذا؟

لأن التزكية هي عبارة عن السلوك النبي ما كان يزكي الناس بكلامه لا لو كان يزكي الناس بكلامه لدخل في كلمة ويعلمهم معناه غير التعليم هناك دور آخر تزكية النبي للأمة لم تكن بالخطب ولم تكن بالمواعظ ولم تكن بالكلمات تزكية النبي للأمة كانت بالعمل سلوكه كان هو التزكية سلوكه كان مصدر التزكية سلوكه كان مصدر التهذيب سلوكه كان مصدر تهذيب وتكميل أعمال الخلق وأعمال الأمة إذا التزكية عبارة عن سلوكه العظيم وسلوكه العظيم لا يمكن أن يكون تزكية إلا إذا كان ناجما عن الإرادة إلا إذا كان ناجما عن الاختيار فلو كان ملكا ما كان عنده إرادة وإذا ما عنده إرادة ما يصير سلوكه سلوك تزكية إذا تفقد النبوة دورها المهم وهو دور التزكية دور التزكية يعتمد على السلوك والسلوك يعتمد على الإرادة إذا لا بد من بعث إنسان يمتلك الإرادة كي يكون سلوكه تزكية للأمة.

2023/07/02

هل التقليد مسألة جديدة؟!
سمعت أحد المحاضرين يُشكل ويعترض على مسألة التقليد في الفقه الشيعي، ويقول إنها مسألة جديدة، وأن أقدم كتاب جاء فيه مسائل عن الاجتهاد والتقليد هو كتاب العروة الوثقى، للسيد الطباطبائي اليزدي، المتوفى سنة 1337 هجرية، كما أن علماء الشيعة لم يكتبوا رسائل عملية سابقاً بهذه الكيفية، فكيف نفهم مسألة التقليد ضمن هذه الإشكاليات؟

الجواب: مع الأسف الشديد إن غالب من يشنّون حملاتهم ضد التقليد واتباع العلماء في مسائل الشرع المقدّس، لا ينطلقون في دعاواهم وإشكالاتهم من منطلقات علمية، وإنما:

أ - إما هي ردود فعل سلبية على تجارب ذاتية مرت على المستشكل، وهذا ليس بحثاً موضوعياً، لأن الواقع قد يُصاب بالخلل الجزئي، فلا ينبغي أن ينعكس على البحث العلمي.

ب - وإما أن تكون تلك الحملات، تابعة لحملات منظّمة، سواء يشعر بها صاحبها أم لم يشعر، وهدفها هو الهدف الاستعماري الكبير بفصل الدين عن واقع الحياة، ويأتي هذا الإشكال في كل حقبة زمنية بلباس جديد، ولهذا لا تجدهم يضعون بديلاً علمياً منضبطاً لتفعيل الدين في حياة الإنسان، فكيف ومن أين يأخذ الناس معالم دينهم وأحكام شرعهم؟

فالنتيجة التي سيخلص لها هذا التوجّه، هي تعطيل الدين وإبعاده عن الإنسان نفسه، لأن القادر على استنباط أحكامه هم الفقهاء، وإما يخلص إلى نتيجة أخرى، وهي اتباع أصحاب هذه الدعاوى في دعاواهم وفي فهمهم للدين، وهذا يعني أنهم يدعون إلى تقليد أنفسهم. فالتنبه إلى هذه الحقائق من شأنها أن تحرجهم، وتبصّر المؤمنين بحقيقة التقليد وارتباطه بروح الدين.

وبخصوص التساؤل المطروح، نود أن نشير إلى إشارات سريعة لعدة جوانب، نأمل أن يُفهم منها الإجابة الواضحة، ويفهم منها خواء المستشكل وعدم اضطلاعه العلمي وتتبعه التاريخي.

1- كان الناس في عصر الأئمة (عليهم السلام) يلجأون إليهم في مسائلهم الشرعية، وبالرغم من وجودهم الشريف، إلا أنهم أشاروا إلى مجموعة من أصحابهم ممن تتوفّر فيهم الفقاهة، وأرجعوا الناس إليهم، ليأخذوا عنهم معالم دينهم عندما لا يتمكنون من الوصول إلى أهل البيت (عليهم السلام)، بسبب بُعد المسافات وصعوبة الأسفار. فقد وجّه الإمام الرضا (عليه السلام) الناس إلى أن يأخذوا معالم دينهم من زكريا ابن آدم على سبيل المثال، وقال (زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا). وغيره الكثير ممن فُسح المجال لهم لكي يفتوا الناس، مثل أبان بن تغلب الذي أمره الإمام الباقر (عليه السلام) أن يجلس في مجلس المدينة ليفتي الناس.

ويُفهم من ذلك أن حقيقة رجوع غير العالم إلى العالم العارف المستنبط لأحكام الدين، هي حقيقة عقلية ثابتة، وحقيقة دينية، وحقيقة عملية قائمة حتى في زمن أهل البيت (عليهم السلام).

2- في عصر الغيبة الكبرى، توجّه علماء الشيعة إلى تدوين المسائل الشرعية التي يحتاجها الناس، لتكون ملجأً لعامة الناس في عصر غيبة الإمام المعصوم، إلا أن ما ينبغي معرفته، هو أن عرض الأحكام الشرعية للناس أخذ عدة أطوار، وكان سبب الاختلاف في العرض، هو إما منهج المؤلّف، وإما متطلبات العصر ومقتضياته.

فلقد كانت في القرون الأولى من الغيبة الصغرى إلى بدايات الغيبة الكبرى وما بعدها من القرون الأولى، الكثير من الكتب الفقهية التي هي بمثابة رسائل عملية، ولكن كل منها له خصائصه ومنهجه، مثل (المستمسك بحبل آل الرسول في الفقه) لابن عقيل، وبعده ابن الجنيد الذي توفي سنة 381 هجرية، له كتاب (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة)، والشيخ الصدوق له كتاب (المقنع والهداية)، والشيخ المفيد له كتاب (المقنعة) والسيد المرتضى والشيخ الطوسي الذي تنوّع في عرض الأحكام الفقهية، فقد كتب (النهاية) في الفتاوى، و(المبسوط) في فروع الفقه وقواعده، وكتب (الخلاف) الذي عرض فيه الفقه الجعفري مع فقه سائر المذاهب الإسلامية، واستمرت الكتب الفقهية في الصدور مع تنوعها، ومن أشهرها كتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي، الذي كان في صورة مسائل فقهية بحسب الأبواب المتعارفة، ثم جاءت الموسوعات الاستدلالية في شرحه كـ (المسالك)، و(المدارك)، و(الجواهر) وغيرها.

فكما نرى أن الكتب الفقهية التي كانت تمثل اجتهادات أصحابها الفقهاء، لم تنقطع عن الصدور، فكان الناس يرجعون إليها مباشرة أو عن طريق العلماء الذين يمتلكونها، وبهذه الطريقة أخذ التقليد ـ الذي هو العمل بالأحكام الشرعية التي يبينها الفقهاء ـ مداه في الواقع الشيعي، ففي بعض الأزمان كان للطائفة عَلَم من أعلامها، له الشهرة وإليه يتوجه الناس بالسؤال من سائر البلدان، وحيناً يتعدد الفقهاء في بلدان مختلفة، بل حتى في المكان الواحد، وكان الناس يرتبطون بأحد الفقهاء بحيث يتوجهون إليه بالأسئلة ويطرحون عليه الاستفتاءات، ولهذا نجد أن هناك الكثير من الكتب الفقهية هي عبارة عن مسائل لأهل بعض البلاد، ثم تُسمّى الرسالة باسمهم أو باسم العالم الذي قدمها أو باسم موضوعها.

3- لابد أن نلتفت أيضاً إلى جنبة مهمة، وهي أن الكتب الفقهية لها سيرورة تطور في عرض الموضوعات، فمبحث التقليد والاجتهاد كان يُبحث في العقائد والكلام، ثم في علم الأصول، ثم جرّده السيد اليزدي ووضع مسائله العملية في كتاب العروة الوثقى، وليس هو أول من أسّس كتاب الاجتهاد والتقليد في الفقه، ولكنه وضع ما ينبغي معرفته والتأكيد عليه فيما يخص المكلّف بالأحكام الشرعية، خصوصاً مع تعدّد الفقهاء والمراجع.

ونحن نلاحظ حتى في هذا الزمان، أن بعض العلماء يبحث كتاب الاجتهاد والتقليد في الدرس الأصولي وليس الفقهي، لأن موضوعاته الأساسية تناسب المقام الأصولي، لارتباطها بالمجتهد، وأساس الرجوع إليه، وشروطه، ومدى ولايته وسلطته الشرعية. بل إن البحث في كتاب الاجتهاد والتقليد هو بحث ذو أبعاد متعددة، مثل (العقيدة، الأصول، الفقه، الواقع).

فكلما تقدّم الزمان تتجدد معه بعض العناوين وتنبثق بعض الحاجات، التي يلح على الفقيه بحثها من جهة شرعية عملية في صيغة فتوى، فتتولد عناوين جديدة في الكتب الفقهية، وقد يكون بعضها مبحوث بعناوين أخرى، مثل البنوك، والتعاقدات الجديدة في التجارة، ومثل عنوان الأسرة والطب والهجرة والزيارة وغيرها. فإن عدم وجود العنوان في الكتب في الفقهية القديمة ليس دليلاً على عدم شرعيته. كما أن وجوده فيما بعد هو دليل على مستجدات الحاجة وإلحاح الواقع، استجابة من الفقه وحيويته لمتطلبات الحياة الجديدة.

2023/05/21

ليت السياط على رؤوسهم.. هل هدد الإمام الصادق (ع) أصحابه؟!
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقَّهوا في الحلال والحرام"([1]).

[اشترك]

كما هو معروف بأنَّ الإنسان إذا أراد من خطابه أن يكون ذا أثرٍ في النفوس والقلوب فإن يستخدم المفردات التي يتأثر منها الطرف المقابل ويبتعد عن أسلوب الغضب والتهديد والقوة.

فما غاية الإمام (ع) من قوله هذا الذي يحمل في ظاهره نوعا من الشدة وبالذات بأن الخطاب موجَّه لأصحابه وليس لعوام الناس ونحن نقرأ في سيرتهم المباركة مدى حرصهم على الرفق والمداراة مع الجميع وبالأخص الأصحاب.

الجواب من سماحة الشيخ محمد الصنقور:

أولًا: ليس المراد من أصحابه في الرواية هم خصوص تلامذته وخواصِّه والملازمين له المعروفين بالحرص على التفقُّه في الدين وتحرِّي العلم بالحلال والحرام بل المراد من عنوان أصحابه هم عامَّة شيعته، فإنَّ هذا العنوان يُستعمل في الروايات ويُراد منه الشيعة الجعفرية المنتسبين لمذهب أهل البيت (ع)، ويتَّضح ذلك من ملاحظة مثل صحيحة زيد الشحَّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: "يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صلُّوا في مساجدهم، وعُودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإنْ استطعتم أنْ تكونوا الأئمة والمؤذِّنين فافعلوا، فإنَّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريَّة، رحم اللهُ جعفرًا ما كان أحسن ما يؤدِّبُ أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريَّة، فعل اللهُ بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدِّب أصحابَه"([2]).

فالخطاب موجَّه لعموم الشيعة الجعفريَّة وقد وصفَهم (ع) بأصحابه.

ثانيًا: ليس المقصودُ من الرواية الشريفة التهديد والوعيد بإيقاع العذاب بالسياط على مَن لم يتفقَّه في الحلال والحرام وإنَّما هو اسلوبٌ يُراد منه التعبير عن شدَّة أهميَّة التفقُّه في الدين، فكأنَّ الإمام (ع) أراد القول إنَّ التفقُّه في الحلال والحرام من الأهميَّة بحيث لو دُفع الشيعة إليه بالضرب بالسياط لكان مبرَّرًا، فهذه الغاية وهي التفقُّه تستحقُّ الدفع إليها ولو من طريق الشدَّة نظرًا لأهميتها القصوى.

فمفادُ الرواية هو مفاد قولنا ليتني أشقى ليسعد أبنائي أو ليتني أخسرُ صحَّتي وشبابي في سبيل أنْ يَنعَمَ أولادي، فمفادُ هذا القول هو أنَّ السعيَ لإسعاد الأولاد يستحقُّ التضحية من الأب بصحَّته وشبابه. فهو يُريد بهذا القول التعبير عن شدَّة اهتمامه بسعادة أولاده. كذلك الإمام (ع) أراد من قوله المذكور التعبيرَ عن شدَّة اهتمامه بتفقه شيعته في الحلال والحرام وأنَّه حريص على الوصول إلى هذه الغاية.

ثالثا: لو سلَّمنا أنَّ الرواية اعتمدت أسلوب الشدَّة في الحثِّ على التفقُّه في الدين فإنَّه يكون من التنويع في أساليب التأديب والتربية، فقد يكون التشديد هو المناسب لبعض الحالات ولبعض الأصناف من الناس، ويكون التحفيز هو المناسب لبعض الحالات ولبعض الأصناف من الناس، ولذلك نجدُ القرآن الكريم قد اعتمد كلا الاسلوبين، فتارةً يُخاطبُ المؤمنين بالتوبيخ والوعيد كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([3]).

وتارةً يُخاطبُ المؤمنين بالتحفيز والوعد بالرحمة والبصيرة والمغفرة كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([4]).

كذلك هو الشأنُ فيما يعتمدُه أهل البيت (ع) في مقام التأديب والتربية لشيعتهم ففي الوقت الذي يُخاطب الإمام (ع) شيعته بقوله: "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقَّهوا في الحلال والحرام"([5]).

يُخاطبهم في موضعٍ آخر بقوله: "سارعوا في طلب العلم فو الذي نفسي بيده، لحديثٌ واحد في حلالٍ وحرام تأخذُه عن صادقٍ خيرٌ من الدنيا وما حملتْ من ذهبٍ وفضة"([6]).

وقوله (عليه السلام): "والله لحديث تعيه من صادقٍ في حلالٍ وحرام خيرٌ لك ممّا طلعتْ عليه شمس إلى أنْ تغرب"([7]).

فالتنويعُ في الأساليب من قِبَل المربِّي والمزاوجة بين الشدَّة واللِّين والتوبيخ والتحفيز والوعد والوعيد -بحسب مقتضيات الأحوال وتفاوت الناس في المزاج والاستعداد الذهنيِّ والنفسي- هي الوسيلة الناجعة والمفضية إلى التكامل المنشود.

الهوامش: [1]- المحاسن -البرقي- ج1 / ص229. [2]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص383. [3]- سورة التوبة / 38-39. [4]- سورة الحديد / 28. [5]- المحاسن -البرقي- ج1 / 229. [6]- مستطرفات السرائر -ابن ادريس الحلِّي- ص284. [7]- مستطرفات السرائر -ابن ادريس الحلِّي- ص284.
2023/05/16

التقيّة المداراتية.. إخفاء للعقيدة أم دعوة للتعايش السلمي؟
التقية المداراتية مصطلح فقهي لدى فقهاء الشيعة، و يراد بهذا المصطلح الالتزام بمبدأ احترام عقائد و فقه سائر الطوائف الإسلامية و المسايرة معهم في ما يمكن حفاظاً على الوحدة الإسلامية و تجنباً عن الخلافات التي تسبب تشتت صفوف المسلمين في المجتمعات التي تتعدد فيه الطوائف و المذاهب ، رغم وجود اختلاف في الفروع و بعض الاحكام ، كل ذلك من أجل المصالح الرئيسية و العامة التي أمر أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم بالالتزام بها و إن لم يكن في تركها خطر عليهم .

[اشترك]

والتقية المداراتية أسلوب عقلي و شرعي و من مقومات التعايش السلمي المتحضِّر مع سائر الطوائف بل و سائر الاديان ، حيث تحتفظ كل طائفة على عقائدها و أحكامها الشرعية دون التنازل عنها في الأصول ، و تكون فرصة التحاور الفكري موجودة بين الاطراف المختلفة من دون حساسيات طائفية تُثير البغضاء و العداوة و تسبب الخلافات التي لا تحمد عقباها .  فقد رَوَى زَيْدٌ الشَّحَّامُ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : " يَا زَيْدُ خَالِقُوا النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ ، صَلُّوا فِي‏ مَسَاجِدِهِمْ‏ ، وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا الْأَئِمَّةَ وَ الْمُؤَذِّنِينَ فَافْعَلُوا ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ رَحِمَ اللَّهُ جَعْفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ ، وَ إِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ فَعَلَ اللَّهُ بِجَعْفَرٍ  مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ " 1.  

فالتقية المداراتية ليست إخفاءً للعقائد و الاحكام الشرعية كما يحاول البعض تصوير ذلك، و إنما هي دعوة إلى التعايش السلمي والمتحضر مع احترام افكار و عقائد الأطراف الأخرى حفاظاً على المصالح العامة للمسلمين، و حفاظاً على الوحدة الإسلامية .

الهوامش:  1. من لا يحضره الفقيه : 1 / 838 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
2023/05/07

ما حقيقة خروج العسل من بطن النحل.. هل أخطأ القرآن؟!
يزعم أحدهم أن خطأ علمياً وقع في القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ)، ثم يتساءل هل يخرج العسل من بطون النحل؟ ثم يجيب عن نفسه: لا، فالعاملات فقط من النحل تجمع "النكتار" ( 20% منه عسل ) داخل بطن النحلة ضمن معدة خاصة تسمى معدة العسل و يمر عبر معي عاملات النحل ليخرج من فمها وبعد أن تضع العاملات نكتار العسل داخل الخلايا الشمعية ثم تقوم بتجفيفه ليصبح عسلاً صافي.

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ معتصم السيد أحمد:

تشير الآية الشريفة إلى عملية تخزين النكتار داخل بطون النحل، ومن ثم استخلاصه وتحويله إلى عسل داخل الخلية، ولا يتعارض هذا الوصف مع المعرفة الحديثة عن عملية إنتاج العسل، فالآية تتحدث عن خروج العسل من جوف النحلة، وإذا رجعنا للعلم الحديث في وصف عملية انتاج النحل للعسل لوجدنا مدى التطابق بينه وبين ما جاء في هذه الآية.

ففي البداية، يجمع النحل النكتار (وهو عصير الزهور الذي يحتوي على نسبة عالية من السكريات) من الأزهار باستخدام لسانها الطويل والمشقوق. ثم تحفظ النحلة النكتار المجموع في معدتها، والتي تتكون من عدة جيوب صغيرة تدعى معدة العسل.

عندما تعود النحلة إلى الخلية، تنقل النكتار المجموع إلى نحلة أخرى بواسطة القيء، وهذا النوع من التواصل الكيميائي يسمى "الرقص الدائري"، والذي يساعد النحل على توجيه بعضها البعض إلى مصادر الغذاء المجاورة.

بمجرد وصول النكتار إلى النحلة المستقبلة، يتم إضافة إنزيمات هامة من معدة النحلة إلى النكتار، وتحول السكريات الموجودة فيه إلى جلوكوز وفركتوز، مما يجعل النكتار أقل لزوجة وأكثر ملاءمة للتخزين.

ثم يتم وضع النكتار في خلايا الشمع، وتبدأ النحل في التحريك باستخدام أجنحتها، مما يساعد على تبخر الرطوبة الزائدة وتجفيف العسل. بعد ذلك، يتم سد خلية الشمع بشمع آخر وترك العسل لينضج، حيث يصبح لديه طعم مميز ورائحة ممتعة.

ومن ذلك يتضح أن العسل في مرحلة النكتار يخرج من بطن النحلة عبر القيء إلى جوف نحلة المستقبلة، والتي هي تقوم بدورها بإخراجه من معدتها إلى الخلية الشمعية بعد اضافة بعض الإنزيمات عليه، وفي المرحلة الأخيرة تقوم النحلة بتحريك اجنحتها لتجفيف العسل من الرطوبة، وعليه فإن العسل في كلا المرحلتين يخرج من بطن النحل.

2023/04/30

مع عصمتهم من الخطأ.. لماذا يستغفر الأنبياء والأئمة؟!
لو رجعنا إلى كلمات رسول الله صلى الله عليه و آله و كذلك الائمة من أهل بيته عليهم السلام لوجدنا أنهم يكثرون الاستغفار و يطلبون من الله المغفرة ، الأمر الذي يستنكره البعض لأنه يرى ذلك منافياً لمقام عصمتهم عليهم السلام ، و سبب استنكارهم هو أنهم يتصورون أن الاستغفار لا يكون إلا من المعصية و الذنب و ترك الواجبات و هو يتنافى مع مقام عصمتهم عليهم السلام.

[اشترك]

الاستغفار لصفاء القلب و جلائه

رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي ، وَ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ‏ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً " 1 ، و المعنى اللغوي للغين هو ما يتغشى القلب . 

لكن العلامة السيد الشريف الرضي رضوان الله تعالى عليه جامع كلمات الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام في كتابه الموسوم بنهج البلاغة قال في بيان معنى هذا الحديث :   و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الغمّ يتغشّى قلبه عليه الصلاة و السلام حتّى يستكشف غمّته و يستفرج كربته بالاستغفار، فشبّه ما تغشّى قلبه‏ من ذلك بغواشي الغيم التي تستر الشمس ، و تجلّل الافق ، و " الغيم " و " الغين " اسمان للسحاب، و سواء قال : " يغان على قلبي " أو قال : " يغام على قلبي " 2 . 

و ذكر العلامة الطريحي رحمه الله في كتابه مجمع البحرين شرحاً لهذا الحديث نقلاً عن أحد العلماء فقال :  قال القاضي : " لما كان قلب النبي صلى الله عليه و آله أتم القلوب صفاءً و أكثرها ضياءً ، و أعرفها عرفاناً ، و كان صلى الله عليه و آله مبينا مع ذلك لشرائع الملة و تأسيس السنة ميسرا غير معسر ، لم يكن له بد من النزول إلى الرخص ، و الالتفات إلى حظوظ النفس ، مع ما كان متمتعا به من أحكام البشرية ، فكأنه إذا تعاطى شيئا من ذلك أسرع كدورة ما إلى القلب لكمال رقته ، و فرط نورانيته ، فإن الشي‏ء كلما كان أصفى كانت الكدورة عليه أبين و أهدى و كان صلى الله عليه و آله إذا أحس بشي‏ء من ذلك عده على النفس ذنبا ، فاستغفر منه " 3. 

فالاستغفار هنا ليس من الذنب و المعصية حتى يكون منافياً لمقام العصمة ، بل هو بمثابة ارتباط نوراني مع الله و جلاء للقلب من الهموم و الغموم و ما يحيط بهم من كل ما يكدر صفاء الروح من أعمال غيرهم ، فهو استمداد روحاني و رقي في المنزلة الرفيعة . 

الاستغفار لترك الأولى

ثم إن من أسباب الاستغفار أولياء الله العارفين هو الاستغفار من ترك الأولى 4، حيث أنه لا ينبغي لمن يتمتع بمنزلة خاصة و مقام رفيع و شأن عظيم أن يدع أموراً خاصة رغم عدم وجوبها ، أو يفعل أموراً أخرى مباحة رغم عدم حرمتها .  و من هذا المنطلق نجد الامام زين العابدين عليه السلام يقول في مناجاته لله عَزَّ و جَلَّ : " ... أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ ، وَ مِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ ، وَ مِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ ، وَ مِنْ كُلِّ شُغُلٍ بِغَيْرِ طَاعَتِكَ " 5. 

يقول العلاّمة المحقّق علي بن عيسى الاِرْبِلي : الاَنبياء و الاَئمّة تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى ، و قلوبهم مملوءة به ، و خواطرهم متعلّقة بالمبدأ ، و هم أبداً في المراقبة ، كما قال ( عليه السَّلام ) : " اُعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تره ، فإنّه يراك " ، فهم أبداً متوجهون إليه و مُقبِلون بكُلِّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، و المنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالأكل و الشرب و التفرّغ إلى النكاح و غيره من المباحات ، عَدّوه ذنباً و اعتقدوه خطيئة و استغفروا منه 6. 

الإستغفار التربوي التعليمي

ثم إن من أسباب استغفار المعصومین علیهم السلام هو تربية الناس و تعليمهم طريقة التوبة و الاستغفار ، و بما أن للدعاء دوراً هاماً و مشهوداً في تربية الناس و حثِّهم على الإبتعاد عن الذنوب و المعاصي و سلوك النهج الإلهي ، فقد إهتمَّ الأئمة المعصومون عليهم السلام بهذه الوسيلة كل إهتمام ، فقدَّموا للناس كمَّاً هائلاً من الأدعية المؤثرة لمختلف الطبقات و الحالات و المناسبات ، و من خلال هذه الأدعية إستطاع الأئمة عليهم السلام تعليم الناس الكثير من العلوم والمعارف و الآداب ، و لولا هذه الأدعية لما كنَّا اليوم نعرف كيف نخاطب رب العالمين و نطلب منه العون و المدد في اللحظات الصعبة و الأزمات الحرجة التي نمرُّ بها . 

نعم إن الدعاء مدرسة حقيقية أسَّسها أولياء الله عَزَّ و جَلَّ من أنبياء و أئمة من أجل تعليم الناس ، لذا فإستغفارهم في كثير من الأدعية إنما هو بهذا الهدف . 

فوائد أخرى للاستغفار

و في الختام نقول : إن الاستغفار له آثار كثيرة لا تنحصر فيما ذكرنا ، فمن فوائد الاستغفار طرد الشياطين و استجلاب الرزق و غيرها ، و قد ذكرتها الاحاديث الشريفة .   

الهوامش: 1. مستدرك وسائل الشيعة : 5 / 320 ، للشيخ المحدث النوري ، المولود سنة : 1254 هجرية ، و المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1408 هجرية ، قم / إيران . 2. المجازات النبوية : 351 ، للسيد الشريف الرضي محمد بن حسين بن موسى ، المولود سنة : 359 هجرية ، و المتوفى سنة : 406 هجرية ، طبعة دار الحديث : سنة : 1422 هجرية ، قم / إيران. 3. مجمع البحرين : 6 / 290، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران . 4. ترك الأولى : مصطلح يراد به ترك عملٍ غير واجب كان الأولى بالإنسان فعله رغم عدم وجوبه و عدم المخالفة بتركه ، أو فعل عملٍ مباح لا حرمة فيه كان الأولى به تركه . 5. أنظر : مناجاة الذاكرين ، و هي المناجاة الثالثة عشر في كل من الصحيفة السجادية الكاملة : 326 ، طبعة مؤسسة الأعلمي ، بيروت / لبنان ، و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 91 / 151 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية . 6. راجع : عصمة الأنبياء في القرآن الكريم : 218 ، للعلامة المحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ، الطبعة الثانية ، سنة : 1420 هجرية ، مؤسسة الإمام الصادق ، قم / إيران .
2023/04/27

سؤال غريب: جهاز السكري ينكر وجود «آدم وحواء».. ما حقيقة ذلك؟!
السؤال: الكفار الذين اخترعوا جهازاً لقياس مستوى السكر والضغط في جسمك، وأنت تعتمد على ذلك الجهاز لتشخيص حالتك؛ هم أنفسهم اخترعوا جهازاً لقراءة بيانات الـ DNA وثبت بالدليل القاطع أنّ الإنسان تطوّر من كائنات سابقة، ولا يوجد آدم وحواء.

[اشترك]

الجواب: أولاً: لا يمكن تصنيف الأشخاص الذين اخترعوا أجهزة تقنية على أساس الكفر والايمان؛ وذلك لأن العلوم الطبيعية والتقنية لا ربط لها بالاعتقاد الشخصي للمخترع، فالإيمان لا يمنع الإنسان من الاختراع كما أن الكفر لا يجعل الإنسان مخترعاً.

ثانياً: يجب التأكيد على أن نظرية التطور لا تدعي أنها حقيقة مطلقة، وإنما هي نظرية تعتمد على بعض البيانات التي تتبنى مفهوم التغيّر التدريجي في الأنواع مع مرور الزمن.

ثالثاً: لا يمكن اعتبار جهاز قياس مستوى السكر أو الضغط مثالًا يقاس عليه نظرية لا يمكن اختبارها بالتجربة، فاعتمادنا على الأجهزة الطبية التي تأكدنا من صحتها بالتجربة لا يمكن مساواته بنظرية تفترض أن أصل الحياة بدأت من كائن حي أحادي الخلية ثم تطور حتى أصبح إنساناً.

رابعاً: نظرية التطور نفسها خاضعة للتطور والتغيّر كلما استجدت بيانات جديدة، وهذا يعني أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من الأبحاث والدراسات لتطويرها وتحسينها.

وأخيراً، حتى لو افترضنا وصول نظرية التطور إلى مستوى الحقيقة العلمية القطعية فإن ذلك لا يتنافى مع صحة رجوع البشر الحاليين إلى آدم وحواء، ولذا نجد بعض المسلمين يتبنى نظرية التطور وفي نفس الوقت يتبنى ما جاء في القرآن من قصة آدم واحواء، فنظرية التطور لا تتعارض مع فكرة وجود الله أو الخلق، وإنما تشرح فقط كيفية تطور الأنواع عبر الزمن والعوامل المؤثرة في هذا التطور، وبحسب من يتبنى نظرية التطور من المسلمين فإن الله خلق آدم واحواء ضمن التسلسل الطبيعي للكائنات الحية، وبعيداً عن قبول ذلك أو رفضه فإن نظرية التطور وفحوصات DNA تثبت رجوع البشر الحاليين إلى رجل واحد وامرأة واحدة حصل بينهما تزاوج، حيث تشير الدلائل الجينية والأثرية إلى أن البشر الحاليين ينحدرون من نفس السلالة الوراثية، وهي ما يعرف باسم "آدم الوراثي" و"حواء الوراثية"، وهما يمثلان الأحداث الوراثية الأولى التي ورثها البشر الحاليون من أسلافهم المشتركين.

2023/04/27

لماذا نزل القرآن الكريم باللغة العربية لا بلغة أخرى؟!
القرآن كلام الله المنزل على صدر الرسول أمر معجز كما يقول المسلمون؟ كيف أثبت لغير العربي أن القرآن من عند الله؟ عن غير طريق الاعجاز اللغوي؟

[اشترك]

لقد أجبنا على سؤال مشابه من قبل ونختصر الإجابة هنا بالقول إن نزول القرآن بلسان عربي لا يعني أن حجيته مختصة بالعرب، فالحجة تدور حول الحقائق التي يحتويها النص، وليس حول اللغة التي يتم التعبير بها. وبالتالي، يعتبر القرآن خطاباً للإنسان بوصفه عاقلا، ولا يتعلق الأمر بلغة النص.

وإذا افترضنا نزول القرآن بلغة أخرى، لكانت حقائقه حجة على العرب كما هو حجة على غيرهم. ويعود الأمر في ذلك إلى طبيعة الحقائق العلمية والمعارف الإنسانية التي تعتبر عابرة للزمان والمكان واللغة، وعليه فإن نزول القرآن باللغة العربية لا يمنع الآخرين من فهم حقائقه ومعانيه، ويمكن للناس من جميع الثقافات واللغات أن يتعلموا ويستفيدوا من القرآن ويستوعبوا حقائقه ويحصلوا على الحجة العقلية التي تثبت صحته ودلالته على الحق. 

ومع ذلك، فإن هناك سؤال حول سبب نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها، والإجابة على ذلك ترتبط بمميزات اللغة العربية ومبحث البيان، وليس لها علاقة بمبحث الحجية، وقد بين علماء اللغة مميزات اللغة العربية وسر أفضليتها على جميع اللغات، وهو ما يفسر اختيار اللغة العربية لنزول القرآن بها.

ومن بين المميزات التي أوردها علماء اللغة العربية:

1- قدرتها على التعبير عن المعاني بشكل دقيق ومنمّق، حيث تحتوي على عدد كبير من الكلمات والتراكيب اللغوية التي تمكّن من التعبير بشكل دقيق عن الأفكار والمفاهيم المعقدة.

2- تميّزها بالنظام والتنظيم، حيث تعتمد اللغة العربية على نظام دقيق في بناء الجمل والعبارات وترتيب الكلمات، مما يجعلها تمتلك تنظيماً واضحاً وسلساً. 3- قوتها الشاعرية، فهي تمتلك قدرة كبيرة على الإيقاع والترتيل والتجانس الصوتي، مما يجعلها مناسبة للخطاب.   

وفي النهاية، فإن الإجابة على سؤال لماذا نزل القرآن بالعربية دون غيرها من اللغات، يرتبط بمميزات اللغة العربية التي جعلتها مناسبة لنقل الحقائق العلمية والدينية بشكل دقيق وواضح، وليس لها علاقة بمبحث الحجية والدلالة، ونزول القرآن باللغة العربية لا يمنع الآخرين من الوقوف على حقائقه ومعانيه، فكما أن اللغة اليونانية لم تمنع العرب من التعرف على الفلسفات اليونانية كذلك لغة القرآن لا تمنعهم من الوقوف على حقائقه، وخير دليل على ذلك واقع المسلمين اليوم حيث نجد نسبة غير العرب أكثر بكثير من نسبة العرب.

2023/04/27

صفة فريدة: ما سرّ تميّز «الشيعي» عن غيره؟
عن أبي عبد الله (ع): "ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه"(1). كيف نطبِّق هذه الرواية من الناحية العملية؟

[اشترك]

الظاهر أنَّ المراد من الرواية هو أنَّه لو كان أحد من المنتسبين للشيعة في بلدٍ يسكنها غير الشيعة وكان في تلك البلد من هو أشدُّ منه ورعًا عن محارم الله تعالى فذلك الرجل لا يستحقُّ الانتساب إلى أهل البيت (ع) لأنَّ شرف الانتساب إلى أهل البيت (ع) لا يكون إلا مع التحلِّي بالورع الشديد.

فليس معنى الرواية أنَّ الرجل إذا كان قاطنًا في بلدٍ يقطنه الشيعة وكان فيه من الشيعة مَن هو أورع منه فهو غير مستحقٍّ للانتساب إلى أهل البيت (ع) لأنَّه بناءً على هذا الفهم لا يكون في كلِّ بلدٍ شيعي رجل مستحقَّاً للانتساب إلى أهل البيت (ع) إلا رجل واحد أو رجال قليلون متساوون في الأورعية. ويكون غيرهم حتى لو كانوا شديدي الورع ولكن بنسبة أقل من أولئك الرجال غير مستحقِّين لشرف الانتساب لأهل البيت (ع) وهذا المعنى غير مرادٍ قطعًا.

وعليه فمعنى الرواية هو أنَّ الشيعة يجب أن يكونوا متميِّزين عن سائر أبناء المسلمين بشدةِ الورع بحيث يكون أحدُهم إذا قِيس ورعه إلى ورع الآخرين من سائر المسلمين فإنَّ ورعه يتفوَّق على ورع من هو أكثرهم ورعًا.

ولو وُجد في المنتسبين للتشيع مَن لا ورع له أو كان في سائر الناس من غير الشيعة مَن هو أورع منه فهو ممَّن لا يستحق الانتساب إلى أهل البيت (ع) هذا هو مفاد الرواية ظاهرًا.

الهوامش: 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص245.
2023/04/23

ما هي أهداف عيد الفطر؟
العيدُ في اللّغةِ هَو ما عادَ إليكَ مِن شيءٍ في وقتٍ معلومٍ سواءٌ كانَ فرَحاً أو ترَحاً. وقالَ الخليلُ العيدُ كُلُّ يومٍ يَجمعُ النّاسَ لأنّهُم عادُوا إليهِ.. وقَد غلبتِ الحقيقةُ العُرفيّةُ على الحقيقةِ اللّغويّةِ فصارَ العيدُ إسماً ليومِ فرحٍ وسرورٍ وبهجةٍ.

[اشترك]

وكيفمَا كانَ، فقَد سنَّ الإسلامُ عيدَ الفطرِ وحرّمَ الصّومَ فيهِ حتَّى يشكُرَ المسلمونَ نعمةَ اللهِ عليهِم ويَفرحُوا بتوفيقِ اللهِ لهُم لطاعتهِ بصومِ شهرٍ كاملٍ تُغفَرُ فيهِ الذّنوبُ وتُرفعُ فيهِ الدّرجاتُ، فالنِّعَمُ والتّوفيقُ للطّاعاتِ تدومُ بالشّكرِ، ويَستعدُّوا في الوقتِ نفسِهِ لصالحِ الأعمالِ في القادمِ مِن أيّامِهِم .. جاءَ عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السّلامُ)، قالَ: خطبَ أميرُ المُؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ (عليهِ السّلامُ) يومَ الفطرِ فقالَ: أيّها النّاسُ! إنَّ يومَكُم هذا يومٌ يُثابُ فيهِ المُحسنونَ ويَخسرُ فيهِ المُبطلونَ، وهوَ أشبهُ بيومِ قيامِكُم، فاذكرُوا بخروجِكُم مِن منازلِكُم إلى مُصلّاكُم خروجَكُم مِنَ الأجداثِ إلى ربّكُم، واذكرُوا بوقوفِكُم في مُصلّاكُم وقوفَكُم بينَ يدَي ربّكُم، واذكرُوا برجوعِكُم إلى منازلِكُم رجوعَكُم إلى منازلِكُم في الجنّةِ!

عبادَ اللهِ! إنَّ أدنَى ما للصّائمينَ والصّائماتِ أن يُنادِيَهم مَلكٌ في آخرِ يومٍ مِن شهرِ رمضانَ: أبشِرُوا عبادَ اللهِ، فقَد غُفِرَ لكُم ما سلفَ مِن ذنوبِكُم فانظُرُوا كيفَ تكونونَ فيمَا تستأنفونَ! [ ميزانُ الحكمةِ 3: 2197]

2023/04/23

هل الولاية والإمامة من أصول الدين؟
سيبقى الإلتباس والمهاترات والمزايدات والجدل (الداخلي) مستمرّاً بشأن هذا السؤال طالما لم نقف على تحرير الفرق بين سياقين مختلفين في تناول العلماء لمسألة الولاية والإمامة، وسأحاول تلخيص المطلب وتيسيره لمن اشتبكتْ عليه الأمور،  فأقول:

[اشترك]

(الدين) في قولنا(أصول الدين) تارة يراد منه الإسلام، وأخرى يراد منه الإيمان، لذا تناول الأعلام (أصول الدين) من جهتين: فقهية عملية، (الإسلام) وجهة أخرى كلاميّة عقدية(الإيمان)، بشكل عام يُعنى الفقه بالأحكام الشرعيّة ذات الصلة بأفعال الجوارح وما يقوّمها في دار التكليف (الدنيا)، بينما تهتم العقيدة والكلام بالإيمان الذي يحقق النجاة يوم القيامة والخلاص الأخروي، وقد بدا ذلك واضحاً حتى في عناوين مصنّفاتهم، لاحظ مثلاً: عنوان كتاب ابن ميثم البحراني(ت636هـ): (النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة).

لقد ألقى هذا التعدد في جهات البحث في(أصول الدين) وجعلها ذات مدلولين:

فالمدلول الشرعي/الفقهي لأصول الدين هو كلّ ما يحقق الإسلام الظاهري الدنيوي، والذي به تحقن الدماء وتحفظ به الاعراض وتجري المواريث، ويدفن صاحبه في قبور المسلمين، كذا الزواج...، وبإيجاز أصول الدين في فقه الشريعة هي الشهادتان لا غير، وفي الأحاديث المستفيضة أنّ "الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث"، وفي آخر: الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام (الكافي،ج2،ص25)،  فانتبه جيّداً لقوله عليه السلام: فهذا هو الإسلام! نعم، هذا هو الإسلام الظاهري وهذه هي أصوله، وليس منها: الولاية والإمامة .

وأمّا الإسلام الواقعي(الإيمان)، ولك أن تقول: أصول الدين من زواية البحث العقدي الذي يهتم بدراسة الإسلام الواقعي(الإيمان) وأثره الأخروي فإنّ الشهادتين ـ وبلا شك ـ لا تمثلان كلّ أصول الدين مما به يقع النجاة يوم القيامة ، فإنّ مسألة الإمامة والولاية تقع في إطار البحث الكلامي و من مفردات أصول الدين؛ وسبب ذلك أنّ ضابط المسالة الكلامية تقع في سياق البحث عن الله وصفاته وافعاله ، وحيث أنّ علماء الشيعة ـ وطبقاً للأدلة الآتية ـ حصروا طريق تعيين الإمام بالنص عليه من الله وأعتبروا تنصيب الإمام لا يختلف عن بعث النبي فقالوا : إنّ مسألة الإمامة _كما النبوة_ فعل إلهي ، وكل مسألة يبحث فيها عن الله وصفاته وأفعاله فهي كلامية عقدية لا فقهية فرعية فالإمامة مسألة كلامية، فضلا عن الجانب المنهجي: النصوص القرآنية والأحاديث النبويّة كحديث: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.

وصفوة القول: إنّ الولاية والإمامة من أصول الدين: أي من أصول الإسلام الحقيقي( الإيمان)، وليست من أصول الدين، أي ليست مما يتوقف عليها الإسلام الظاهري.. وأدلّ دليل صحّة التفريق بين ظاهر الإسلام وبين واقعه هي ظاهرة النفاق، فالمنافقون وإن كانوا في الدرك الأسفل من النار يوم القيامة بيد أنّهم مسلمون في الدنيا: بمعنى أنّهم محكومون بأحكام الإسلام، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم كما هو معلوم من الدين ضرورة.

2023/04/18

ما هي فائدة الإمام.. ألا يكفينا القرآن والنبي؟!
لماذا نحتاج إلى إمام يهدينا ألا يكفينا القرآن وسنة النبي (ص)؟ يمكن الجواب على السؤال هذا من خلال عدة نقاط:

[اشترك]

1ـ إن الله عز وجل الذي خلق الإنسان وشرع له هذا الدين، وهو أعلم بكيفية ايصاله للناس، لهذا، قال الله في قرآنه: (ولكل قوم هاد) الرعد، 7.

 وهو نص واضح وكل من ألفاظ العموم، وفيه دلالة على وجود هاد لكل قوم، وهو الإمام في أدبيات الشيعة الإمامية.

2 ـ أكدت السنة النبوية في نصوص عديدة على وجود العترة مع القرآن، ووجهت الناس وأرشدتهم للتمسك بأهل البيت عليهم السلام مع القرآن كما في حديث الثقلين الصحيح، بل المتواتر . راجع كتاب: الزهرة العطرة في حديث العترة، للشيخ أبو المنذر سامي المصري.

روى الحاكم: (عن ابن واثلة، أنّه سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه يقول: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكّة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثمّ راح رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشيّة فصلّى، ثمّ قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فقال: ما شاء الله أن يقول: ثمّ قال: "أيّها الناس، إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما، وهما: كتاب الله، وأهل بيتي عترتي"). المستدرك على الصحيحين، ج3 ص118

وفي مسند أحمد: (إنّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض). مسند أحمد: 5 / 182، وفضائل الصحابة: 2 / 603، وصحّحه الألباني في: السنّة لابن أبي عاصم، 337.

 

وهنا نشير إلى أنه من الغلط البحث في أسانيد الحديث بعد ثبوت تواتره.

نلاحظ مما تقدم أن النص القرآني بتأكيده وجود هاد لكل قوم يتطابق تماما مع النص النبوي بعدم افتراق العترة عن الكتاب، وفيه دلالة على وجود امام من العترة في كل زمن.

3 ـ إننا لا نجد دليلا من الكتاب والسنة يرشد إلى وجوب الرجوع للكتاب والسنة فقط، وحديث (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)

فهو حديث ضعيف، بل يرى البعض أنه موضوع، وممن ضعفه:

1ـ أحمد سعد حمدون، قال " سنده ضعيف فيه صالح بن موسى الطلحي ... "شرح اصول اعتقاد أهل السنة" ص 8، تخريج أحمد سعد حمدون.

2ـ حلمي كامل أسعد، قال في تعليقه على "الغيلانيات" 1/ 510: إسناده ضعيف جدا.

3ـ قال فواز أحمد زمرلي في تعليقه على "عقائد أئمة السلف": قلت: سنده ضعيف جدا.

4ـ الشيخ محمد الأمين في ملتقى أهل الحديث في الشبكة العنكبوتية.

5 ـ الشيخ حاتم الشريف، قال في في موقع الإسلام اليوم الألكتروني، حيث قال: "الحديث المذكور أورده الإمام مالك في الموطأ بلاغاً (معلقاً) غير متصل، رقم (2618)، ووصله بعض أهل العلم من طرق لا تصح، وليس في طرقه ما يُقوي بعضها..."

6ـ ذهب حسن السقاف إلى أن هذ الحديث موضوع "صحيح صفة صلاة النبي" 289.

4 ـ يظهر لنا هذا السرد الخلل في السؤال المطروح، فهو مخالف للقرآن ولأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

5 ـ لو دققنا أكثر لوجدنا أن القرآن والسنة لا يكفيان لضمان عدم اختلاف الأمة وتفرقها وتكفيرها لبعض، فكل الطوائف تدعي تمسكها بالكتاب والسنة وإن أضافوا لهما الإمام كما عند فرق الشيعة.

 ثم إن العلماء ومن ابناء المذهب الواحد مختلفون في بيان معاني القرآن والسنة، وهذا واضح لمن راجع كتب الفقه والتفسير وشروح الأحاديث، فلو كان القرآن والسنة كافيين لما اختلف أهل السنة أنفسهم، واختلافهم ليس مقصورا على الفقه وحده، بل هم مختلفون في العقائد، فالسلفيون والأشاعرة والماتردية كلهم من أهل السنة، ومع ذلك هم مختلفون في التوحيد ومسائل عقائدية عديدة.

6 ـ إن الكتاب والسنة صامتان، ويحتاجان إلى من يبين معانيهما بيانا قائما على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين، والصحابة اختلفوا في فهم نصوصهما وكذا التابعين ومن جاء بعدهم، ولا زال العلماء مختلفين، وقد يحتج البعض بحديث (اختلاف أمتي رحمة) لكن هذا الحديث لا أصل له في كتب الجمهور بل هو موضوع عندهم كما صرح بذلك الألباني وابن حزم من قبله. راجع: سلسلة الأحاديث الضعيفة، 1 / 76 ح 57، الإحكام في أصول الأحكام، 5 / 61.

7 ـ إن نصوص الكتاب والسنة محدودة، فلدى الجمهور حوالي 500 حديث في الأحكام كما في بلوغ المرام لابن حجر، وهو عدد قليل قياسا بكثرة المسائل الفقهية التي طرأت عبر قرون عديدة، ولا زالت المسائل تستجد، وسبب قلة أحاديث الأحكام ترجع إلى قصر فترة التشريع الإسلامي لدى الجمهور حيث استمرت الدعوة النبوية 23 سنة، تركزت الأحكام فيها في الفترة المدنية التي هي عشر سنين تقريبا، أما الإمامية فقد جمع كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي ( ت 1104هـ) أكثر من ثلاثين ألف حديث، والعدد أكبر من هذا إذا ما أضفنا مستدرك الوسائل للميرزا النوري.

 وهذه الكثرة سببها وجود الإمام بين الشيعة الذي كان يواكب الأحداث ويجيب على المسائل المستجدة، ومن أسباب هذه الكثرة لدى الإمامية طول فترة التشريع الإسلامي التي امتدت إلى سنة 329هـ ، وهي بداية الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر عليهم السلام.

8 ـ إن القرآن حمال ذو وجوه، والسنة فيها الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، والمجمل والمبين، وعدم وجود إمام يبين الصواب من النصوص مدعاة للاختلاف وعدم اصابة الحكم الشرعي الذي تعبدنا الله به.

9 ـ يقال أيضا: لو كان تخطيط النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل من الكتاب والسنة هما المرجعان للأمة فقط، لقام بتدوين القرآن وكتابة كل ما يحتاجه الناس من الحلال والحرام من معارف الإسلام، وهو لم يفعل ذلك وفق اعتقاد الجمهور من المسلمين فدل هذا على عدم كفاية الكتاب والسنة لهداية الناس وضمان عدم الاختلاف."

2023/04/03

هل زيارة الإمام الحسين (ع) واجبة أم مستحبة؟
كامل الزيارات لابن قولويه: ص٢٣٦، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع)، قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإن إتيانه مفترَض على كل مؤمن يُقِرُّ للحسين (ع) بالإمامة من الله (عز وجل)». هل الافتراض هنا مثل: الصلاة والصوم؟ أم له معنى آخر؟

[اشترك]

أولاً: هذه الرواية أخرجها ابن قولويه في الكامل: ب٤٣ ص٢٣٦ ح٣٥١-١، بسند موثق. ومن طريقه رواها: المفيد في المزار: ب٩ ص٢٦ ح١، والمشهدي في المزار: ق٤ ب٣ ص٣٤٠ ح٢، باللفظ الذي في السؤال.

وأخرجها الصدوق في الفقيه: ج٢ ص٥٨٢ ح٣١٧٧، والأمالي: م٢٩ ص٢٠٦ ح٢٢٦-١٠، بسند موثق، ولفظ آخر، عن الإمام الباقر (ع) قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي (ع)، فإن زيارته تدفع الهَدْمَ والغَرَقَ والحَرْقَ وأكْلَ السَّبُع، وزيارته مفترَضة على من أقرَّ للحسين بالإمامة من الله (عز وجل)».

وأخرجها ابن قولويه في الكامل: ب٦١ ص٢٨٤ ح٤٥٦-١، بسند صحيح، ولفظ آخر، عن الإمام الباقر (ع) قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإن إتيانه يزيد في الرزق، ويمدُّ في العمر، ويدفع مدافع السُّوء، وإتيانه مفترَض على كل مؤمن يُقِرُّ للحسين بالإمامة من الله». وأخرجها الطوسي في التهذيب: ج٦ ب١٦ ص٤٢ ح٨٦-١، بسند موثق.

النتيجة: هذه الرواية معتبرة بكافة صياغاتها.

ثانياً: أجمع علماء الشيعة قاطبة ـ قديماً وحديثاً ـ على أن زيارة الإمام الحسين (ع) مطلوبة شرعاً قطعاً.

بدليل: الروايات المتواترة الحاثة على زيارته (ع)، واستمرار واستقرار سيرة الشيعة على زيارته (ع) من زمن الأئمة (ع).

ولكن وقع النقاش بينهم في تحديد هذه المطلوبية:

• هل هي بمستوى الاستحباب؟

• أو هي بمستوى الوجوب؟

والوجوب: هل هو ..

• عيني: بمعنى أنه يجب على جميع المؤمنين؟

• أو كفائي: أي إذا فعله البعض سقط عن الكل؟

لكل رأي ذهب جماعة من علماء الشيعة ..

١- فممَّن ذهب إلى وجوب زيارته (ع) عيناً:

• ابن قولويه في الكامل: ب٤٣ ص٢٣٦.

• والمفيد في المزار: ب٩ ص٢٦، وب١٠ ص٢٨. وقال: «قد جاءتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضل زيارته (ع) بل في وجوبها»، الإرشاد: ج٢ ص١٣٣.

• والمشهدي في المزار: ق٤ ب٣ ص٣٣٩.

• وابن حاتم الشامي في الدُّر النظيم: ص٥٧٢، وقال بمثل عبارة المفيد المتقدمة.

• والإربلي في كشف الغمة: ج٢ ص٢٥١، ونقل نفس عبارة المفيد المتقدمة.

• والمجلسي ووالده، قال في البحار: ج١٠١ ص١٠ ح٣٧، «اعلم، أن ظاهر أكثر أخبار هذا الباب، وكثير من أخبار الأبواب الآتية: وجوب زيارته (صلوات الله عليه)، بل كونها من أعظم الفرائض وآكدها، ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرَّة مع القدرة. وإليه كان يميل الوالد العلاَّمة (نوَّر الله ضريحه)». والبحار: ج١٠١ ب١ ص١، وتحفة الزائر: ب٥ ف١ ص٢١٤.

• وآل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٤، قال: «تجب زيارة الحسين (ع) على الرجال والنساء، من القادرين على ذلك».

• والطباطبائي في رياض المسائل: ج٧ ص١٦٧، قال: «النصوص الواردة في فضل زيارتهم (ع) أكثر من أن تُحصى. وتتأكد في الحسين (ع)، بل ورد: أن زيارته فرض على كل مؤمن .. إلخ».

• والعفكاوي في أبواب الجنان: ب٤ ف٢ ص٢٥٠.

• والمروِّج الجزائري في منتهى الدراية: ج٦ ص٦٣٧، قال: «أما النصوص الدالة على رجحان الزيارة ـ بل وجوبها ـ فكثيرة، [إلى أن قال:] بل يستفاد من بعض النصوص: وجوب زيارة سائر الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أيضاً .. إلخ».

• والاصطهباناتي في نور العين: ب٢ ص١٧-٢٠.

• والقرشي في زيارات الإمام الحسين (ع) نصرٌ للإسلام: ص٥٩-٦٠، قال: «صرَّحت طائفة من الأحاديث: بأن زيارة سيِّد الشهداء (ع) فرض من الله (تعالى)، ألزم بها عباده، [إلى أن قال:] إن زيارة ريحانة الرسول، وسيِّد شباب أهل الجنة، فرض من الله (تعالى)، وواجب على عباده. وذلك لعظيم ما قدَّمه الإمام (ع) من التضحيات، التي لم يُقدِّمها أحد من أولياء الله (تعالى) في سبيل دينه».

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون وجوب زيارته (ع) وجوباً عينياً.

٢- وممَّن ذهب إلى وجوب زيارته (ع) كفاية:

• الحُر العاملي في الوسائل: ج١٤ ب٣٧ ص٤٠٩، وج١٤ ب٤٤ ص٤٤٣. وقال: «تجب زيارة الحسين (ع) والأئمة (ع) كفاية، لما مَرَّ»، هداية الأمة: ج٥ ب٥ ص٤٨٠ م٧.

• والنوري في المستدرك: ج١٠ ب٢٦ ص٢٢٨.

• والسيستاني في استفتاءات: ص٤٠٨ م١٦١٠، قال: «رسول الله (ص) أفضل الخلق، فزيارته أيضاً أفضل الزيارات. إلا أنه قد يطرأ عنوان خاص على بعض الزيارات، يُكسبها فضيلة أخرى، بل ربما تبلغ حدَّ الوجوب الكفائي. ولعله كان كذلك في العهود السابقة، التي مُنِع فيها الناس عن زيارة سيِّد الشهداء (ع)».

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون وجوب زيارته (ع) وجوباً كفائياً.

٣- وممَّن ذهب إلى استحباب زيارته (ع) عيناً:

وهو الرأي المشهور بين جمهور علماء الشيعة، ويرون: أن الروايات التي تفيد الوجوب العيني أو الكفائي، مناقشة في ثبوتها أو في دلالتها. وأن غاية ما تثبته الأدلة هو استحباب زيارته (ع) استحباباً مؤكداً.

وحيث أن كلماتهم كثيرة جداً، سأقتصر على بعضها فقط:

 

• الحلي في تذكرة الفقهاء: ج٨ ص٤٥٣ م٧٧٠، قال: «تُستحب زيارة الحسين (ع)». ومنتهى المطلب: ج٢ ف٥ ص٨٩١.

• وكاشف الغطاء في الحق المبين: ص٤٧.

• والنجفي في جواهر الكلام: ج٢٠ ص٩٥، قال: «يُستحب زيارة الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) بن أمير المؤمنين (ع) سيِّد شباب أهل الجنة».

ونقل الرأي المشهور جماعة من العلماء:

• قال المجلسي في تحفة الزائر: ب٥ ف١ ص٢٢١، «المشهور بين العلماء أنها سُنَّة مؤكدة».

• وقال آل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٤، «المشهور بين أصحابنا الاستحباب المؤكد».

• وقال العفكاوي في أبواب الجنان: ب٤ ف٢ ص٢٥٤، «المشهور أنها سُنَّة مؤكدة».

• وقال العراقي في الكنز المخفي: ص٤٣، «المشهور عندهم هو الاستحباب، وهو الأقوى». وقال: «وهذا النحو من الجَمْع، هو ما دعا المشهور إلى الافتاء بالاستحباب، كما هو الأقوى في نظرنا»، الكنز المخفي: ص٤٥.

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون استحباب زيارته (ع) استحباباً عينياً.

ثالثاً: يوجد نقاش طويل عريض بين علماء الشيعة في روايات زيارة الإمام الحسين (ع)، على مستوى دلالاتها، بعد اعترافهم بتواترها. ولذلك من الصعب جداً تحديد مفاد رواية واحدة بمعزل عن مفادات بقية الروايات. لأن البحث الفقهي يقتضي الجَمْع بينها ثم الاستنباط منها، وهذا لا يتيسَّر إلا للفقهاء المجتهدين.

نسأل الله أن يرزقنا زيارة الإمام الحسين (ع) في الدنيا، وشفاعته في الآخرة.

2023/04/02

هل أسس الشيخ المفيد مذهب الشيعة الإمامية؟!
هل صحيح ما يقال أنّ الشيخ المفيد هو الذي أسس مذهب الامامية بعقائدها الموجودة؟

[اشترك]

مذهب الأمامية هو اطروحة الإسلام، والذي أسسه هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت ع، فعقائد التشيع مذكورة في روايات أهل البيت ع، فلو أخذنا النص على الائمة وعددهم فهناك عشرات الروايات في هذا الشأن تبلغ حد التواتر، وقد جمعها بعض المصنفين في كتب خاصة، أما العصمة فيوجد حولها أكثر من ثمانين نصا، مما يفيد تواتر هذه العقيدة، وكذا الإمام المهدي ع فالروايات حوله وحول غيبته كثيرة جدا، تجاوزت حد التواتر.

إذا فهمنا هذه المقدمة يتبين لنا جهل أولئك الذين يزعمون تأسيس الشيخ المفيد للنهج الأمامي، نعم لكل مذهب رجاله البارزين، فهل نقول مثلا أن أبا الحسن الأشعري (ت 324هـ) هو مؤسس المذهب الأشعري السني؟ لا شك أن الأشاعرة سيرفضون هذا الزعم.

 لقد أتيحت الفرصة للشيخ المفيد، فقام بصياغة أحاديث أهل البيت ع بلغة كلامية تناسب عصره، وقبله سبقه متكلمو الأمامية أمثال: هشام بن الحكم ومؤمن الطاق وعلي بن اسماعيل التمار ...

ومن رجالات القرن الثالث الهجري: بنو نوبخت أمثال الحسن بن موسى وإسماعيل بن أبي سهل والناشئ الصغير تلميذ إسماعيل المذكور، وأبو عيسى الوراق وابن قبة الرازي.

هؤلاء وغيرهم لهم مؤلفات كثيرة في الإمامة وسائر المسائل العقائدية اعتمدوا فيها على القرآن الكريم وعلى روايات أهل بيت العصمة ع، وكمثال يبين اعتماد الشيخ المفيد على من سبقه، قوله رحمه الله في كتاب الإفصاح: (وفي هذه المسألة كلام كثير، قد سبق أصحابنا رحمهم الله إلى استقصائه، وصنف أبو عيسى محمد بن هارون الوراق كتاب مفردا في معناه سماه كتاب (السقيفة) يكون نحو مائتي ورقة، لم يترك لغيره زيادة عليه).

فهذا مثال يبين أخذ الشيخ عمن سبقه من أعلام الامامية، بل كان الشيخ المفيد كثيرا ما يقرأ كتب المتقدمين على تلاميذه كما في نصوص عديدة للشيخ النجاشي في فهرسته.

إن الذي يطالع كتب الشيخ يلحظ اعتماده الأساسي على القرآن الكريم وحديث المعصومين عليهم السلام، بهذا يتبين بعد هذه الشبهة عن الصواب.

2023/03/15

هل ذكرت الأحاديث الصحيحة تسلسل أسماء الأئمة (ع)؟
هل هناك نصوص صريحة وصحيحة تنص على اسماء الأئمة عليهم السلام واحد بعد واحد ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله؟

[اشترك]

يوجد في كتب الحديث عشرات النصوص الصريحة التي تنص على أسماء الائمة ع، مروية عن رسول الله وسائر الأئمة ع، وفيها الصحيح وغيره، وهي متواترة، وبعد ثبوت تواترها فلا معنى للبحث في أسانيدها لأنه من الخطأ علميا البحث في أسانيد الأحاديث المتواترة.

وحول هذه القاعدة الحديثية قال الشريف المرتضى (ت 436هـ): (لأن الأخبار المتواترة لا يشترط فيها عدالة رواتها، بل قد يثبت التواتر وتجب المعرفة برواية الفاسق بل الكافر، لأن العلم بصحة ما رووه يبتني على أمور عقلية تشهد بأن مثل تلك الجماعة لا يجوز عليها وهي على ما هي عليه)

رسائل الشريف المرتضى، ج 3 - ص 311 - 312

وقال الألباني من الجمهور: (ولا يشترط في الحديث المتواتر سلامة طرقه من الضعف، لأنّ ثبوته إنّما هو بمجموعها، لا بالفرد منها، كما هو مشروح في المصطلح).

إرواء الغليل، ج6 ص95

أما بخصوص تواتر النصوص، فقال الشيخ النعماني ( ت 360هـ ) صفحة 103 من كتاب الغيبة بعد أن أورد نماذج كثيرة من النصوص على أسماء الأئمة ع: ((فتأملوا - يا معشر الشيعة - رحمكم الله ما نطق به كتاب الله عز وجل، وما جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وعن أمير المؤمنين والأئمة ( عليهم السلام ) واحد بعد واحد في ذكر الأئمة الاثني عشر وفضلهم وعدتهم من طرق رجال الشيعة الموثقين عند الأئمة، فانظروا إلى اتصال ذلك ووروده متواترا، فإن تأمل ذلك يجلو القلوب من العمى، وينفي الشك ويزيل الارتياب عمن أراد الله به الخير، ووفقه لسلوك طريق الحق، ولم يجعل لإبليس على نفسه سبيلا بالإصغاء إلى زخارف المموهين وفتنة المفتونين).

وقال الشيخ الصدوق (ت 381هـ):  

 وقد وردت الأخبار الصحيحة  بالأسانيد القوية أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بأمر الله تعالى إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، وأوصى علي بن أبي طالب إلى الحسن وأوصى الحسن إلى الحسين، وأوصى الحسين إلى علي بن الحسين، وأوصى علي بن الحسين إلى محمد بن علي الباقر، وأوصى محمد بن علي الباقر إلى جعفر بن محمد الصادق وأوصى جعفر بن محمد الصادق إلى موسى بن جعفر، وأوصى موسى بن جعفر إلى ابنه علي بن موسى الرضا، وأوصى علي بن موسى الرضا إلى ابنه محمد بن علي، وأوصى محمد بن علي إلى ابنه علي بن محمد، وأوصى علي بن محمد إلى ابنه الحسن بن علي: وأوصى الحسن بن علي إلى ابنه حجة الله القائم بالحق).

من لا يحضره الفقيه، ج ٤، الشيخ الصدوق، ص ١٧٧

وقال الشيخ المفيد (ت 413هـ): (قال: (فإن قيل: ما الدليل على إمامة كل واحد من هؤلاء المذكورين؟ فالجواب: الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله نص عليهم نصا متواترا بالخلافة مثل قوله عليه السلام: " ابني هذا الحسين إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا... ولأن كل إمام منهم نص على من بعده نصا متواترا بالخلافة ولأنهم - صلى الله عليهم - ظهر عنهم معجزات وكرامات خارقة للعادة لم تظهر على يد غيرهم كعجن الحصا وختمه وأمثال ذلك).

النكت الإعتقادية، ص 42 - 44

ويؤكد هذا الأمر الشيخ ابن شهرآشوب في كتاب المناقب، ج1 ص 299

فيقول: (فهذه نبذ مما نقلته الخاصة عن النبي ص وهي في قسم التواتر لاتفاق معانيها وتماثل مدلولها وإن اختلفت ألفاظها ويوضع ذلك أن هذه الأخبار مضمنة أكثرها في كتب سلفهم المعروفة بالأصول عندهم مما قد أصاب مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدة الأئمة وكان الأمر موافقا لما رووه من غير اختلاف والأخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلا من الله تعالى ولا يؤخذ إلا عن رسوله)

وهذه نماذج من تلك الأحاديث:

قال الحر العاملي (ت 1104هـ): (وروى الثقة الجليل الصدوق الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة...

وقال: حدثنا فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية ويغيب مدة طويلة، ثم يظهر ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما).

اثبات الهداة ج2 ص233ــــــــ 234 حديث رقم 812

ترجمة رجال السند:

الفضل بن شاذان:

فقيه متكلم ثقة جليل توفي سنة 260هـ، قال الشيخ النجاشي: (روى عن أبي جعفر الثاني، وقيل [عن] الرضا أيضا عليهما السلام وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه).

فهرست اسماء مصنفي الشيعة، ص 308

فضالة بن ايوب:

قال النجاشي: (فضالة بن أيوب الأزدي عربي صميم، سكن الأهواز، روى عن موسى بن جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه، مستقيما في دينه).

فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص 311ــــــ 312

ووثقه الشيخ الطوسي، رجال الطوسي، ص 342

أبان بن عثمان:

ثقة بلا خلاف، قال الكشي: (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه ... وأبان بن عثمان). 

اختيار معرفة الرجال ج2 ص 257

محمد بن مسلم: ثقة، بل كان من أوثق الناس كما في

فهرست اسماء مصنفي الشيعة للنجاشي، ص 325

بقي الكلام في سند الحر العاملي إلى كتاب الفضل بن شاذان مختصر اثبات الرجعة وسائر كتبه.

ذكر الحر العاملي في كتابه اثبات الهداة أن له طرقا إلى الكتب التي نقل منها، وعد طرقها من المتواترات، قال: (التاسعة: اعلم أن لنا طرقا إلى رواية الكتب التي نقلنا منها، والأحاديث التي جمعناها قد ذكرنا بعضها في كتاب تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة وغيره، ولا حاجة إلى ذكرها هنا لأن هذه الأخبار وهذه الكتب متواترة).

إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، ج ١، الحر العاملي، ص ٤٨

من هذه الكتب التي نقل عنها الحر: كتاب اثبات الرجعة للفضل بن شاذان، كما في الرواية التي نقلناها عنه.

وفي وسائل الشيعة ج30 ص 170 ذكر طرقا عديدة تمر عبر أجلاء الطائفة وعلمائها الثقات إلى الكتب التي اعتمد عليها ومنها كتاب الفضل بن شاذان.

 ن. م ص 179

قد يقال ان كتاب الفضل بن شاذان الذي ذكره في وسائل الشيعة هو غير كتاب مختصر اثبات الرجعة، لكن هذا مردود لأن الحر نقل عن كتاب مختصر اثبات الرجعة في اثبات الهداة وأحال إلى وسائل الشيعة لمعرفة طريقه اليه والى سائر الكتب التي نقل عنها في اثبات الهداة.

قال في وسائل الشيعة ج30 ص 179: (وقد عرف من ذلك الطريق إلى: الكليني، والصدوق، والحسن بن محمد الطوسي وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، ومحمد بن الحسن الصفار، وعبد الله بن جعفر، الحميري وسعد بن عبد الله، والفضل بن شاذان...).

قال الرجالي مسلم الداوري: (كما أن لصاحب الوسائل طريقا معتبرا إلى الفضل ذكره في اجازته لابن المشهدي).

أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق ص 305

قال الحر العاملي في اجازته للمشهدي: (وأجزت له أن يروى عني رسالة القبلة وغيرها من مؤلفات الفضل بن شاذان بالسند الأول عن الكليني، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان).

بحار الأنوار، ج107 ص 119

بعد اثبات صحة سند الحر العاملي الى الفضل بن شاذان وكتبه نورد نصا آخر نقله الحر عن الفضل.

روى الشيخ الحر العاملي هذه الرواية: (... عن علي بن أبي طالب عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حديث طويل أنه قال لعلي عليه السلام: لست أتخوف عليك النسيان والجهل، ولكن اكتب لشركائك الذين من بعدك، قال: قلت: يا رسول اللّه ومن شركائي؟ قال: الذين قرن اللّه طاعتهم ...

 قلت: يا رسول اللّه سمهم لي؟ قال: أنت يا علي ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثم سميك يا أخي هو السيد زين العابدين ، ثم ابنه سميّي محمد باقر علمي وخازن وحي اللّه وسيولد محمد في زمانك يا أخي فأقرئه مني السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى ، ثم محمّد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي الزكي ثم من اسمه اسمي ولونه لوني القائم بأمر اللّه في آخر الزمان، المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، تكملة اثني عشر إماما، والمهدي اسمه محمّد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت فتنة وظلما، واللّه إني لأعرفه باسمه، وحيث يبايع بين الركن والمقام ، واعرف أسماء أنصاره).

قال الحر معقبا: (ورواه الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، ورواه أيضا عن محمد بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام مثله).

إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، ج2 ص 120

ورواية الفضل بن شاذان للنص السابق عن محمد بن إسماعيل عن حماد عيسى صحيحة السند، فمحمد بن إسماعيل وحماد بن عيسى ثقتان.

وفي الختام نحيل السائل إلى مراجعة كتاب: تواتر النص على الائمة، لمحمد صنقور البحراني، ففيه نصوص عديدة منقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضلا عن سائر الائمة عليهم السلام.

2023/03/14

ما معنى ’ميتة الجاهليّة’؟!
ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله فيما رواه المسلمون أجمعون: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة وفي لفظ آخر: من مات بغير إمام.. وفي ثالث: من مات وليس في عنقه بيعة؛ مات ميتة جاهليّة.

[اشترك]

فما معنى ميتة الجاهليّة؟!

روى الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة:

- قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟

- قال: نعم.

- قلتُ: جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه؟

- قال: جاهلية كفر، ونفاق، وضلال.

(رواه الكليني، وإسناده صحيح: باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى..ح3)!

2023/03/12

بسبب النوم.. هل تأخر النبي (ص) عن صلاة الصبح؟!
جاء في الكافي الشريف: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن سعيد الاعرج قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: نام رسول الله | عن الصبح والله عزوجل أنامه حتى طلعت الشمس عليه وكان ذلك رحمة من ربك للناس الا ترى لو أن رجلا نام حتى تطلع الشمس لعيره الناس وقالوا: لا تتورع لصلواتك فصارت أسوة وسنة فإن قال رجل لرجل: نمت عن الصلاة قال: قد نام رسول الله | فصارت أسوة و رحمة رحم الله سبحانه بها هذه الامة.

[اشترك] 

إن هذه القضيّة منقولة في كتب المسلمين جميعاً، غير أنّ روايات العامة عبّرت بالنوم أي أنّها اعتبرتْ النبي صلى الله عليه وآله قد (نام) عن صلاة الصبح حاشاه!، وهذا معنى باطلٌ قطعاً؛ لمنافاته لكمال النبي صلى الله عليه وآله، بينما تحدّثتْ رواياتنا عن أنّ الله تعالى (أنام) نبيه صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح، ومعناها واضح لا يحتاج إلى بيان، وزبدته: أنّ حكمة الله تعالى قضتْ أن يجعل النوم غالباً عليه، وقاهراً عليه، فغلب عليه النوم كما قضى الله تعالى حتى فات وقت أداء صلاة الصبح.

هل هذه الروايات صحيحة الإسناد؟

والجواب نعم، فيها ما هو صحيح الإسناد، كرواية الكافي التي ذكرناها، ولكن صحّة إسناد الحديث شيء، صحّة الحديث شيء آخر، لذا هنا يرد سؤال آخر هو:

هل هذه الروايات مقبولة المضمون، وصحيحة المعنى؟ ولك أن تقول: هل تتنافى مع عصمة النبي وكماله أم أنّها لا تستلزم الخدش في جنابه الكريم ومقام عصمته العظيم؟

والبيان في مقامين: كبروي وصغروي

أ‌-أمّا كبرويّاً فقد اتفق العلماء على تنزيه النبي من كلّ ما يقتضي وقوع النقص فيه، وأجمعوا على ردّ كلّ ما يستلزم الطعن في جنابه الكريم صلى الله عليه وآله، فضلاً عن ذلك فإنّ هذا من الضروريات، فلا ينبغي إطالة الكلام فيه.

ب‌- لكنّهم اختلفوا في الصغرى أعلاه: أعني غلبة النوم بإرادة من الله تعالى على نحو القهر على قولين: فردّها قسم من الأعلام لما يراه فيها أنّها مما تستلزم النقص، وقبلها آخرون؛ لأنّهم لا يرون فيها محذوراً؛ لأنّ النقص إنما يلزم لو كان نوماً، وهو ليس بنوم، بل هو إنامة، قال الشيخ رضا الهمداني(ت1322هـ): يشكل دعوى امتناع غلبة النوم على الأنبياء عليهم السلام؛ إذ لا شاهد عليها من نقل أو عقل، عدا ما قد يقال: من أنّ نومهم عن الفريضة نقص يجب تنزيههم عنه؛ وهو غير مسلّم، خصوصاً إذا كان من قِبَل الله تعالى رحمةً على العباد، لئلا يعيّر بعضُهم بعضا كما في بعض الأخبار التصريح بذلك .(مصباح الفقيه،ج2،ص64).

2023/03/09

تؤخّر الزواج والحمل.. ما حقيقة وجود ’التابعة’؟!
هل صحيح أن هناك ما يُسمى بالتابعة؟ وهل يوجد علاقة بين تأخُّر الحمل وما يسمَّى بالتابعة؟

[اشترك]

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لم نجد فيما صحَّ عن النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) أنَّ تأخُّر الحمل وشبهه قد ينشأ عما يُسمى بالتابعة، نعم ذلك موجود في المورثات الشعبية وقد تسرَّب لها من تراث العصر الجاهلي، وكذلك من كلمات وإملاءات السحرة والمشعوذين، ونَسب بعضُهم ذلك للنبيِّ (ص) زوراً وافتراء، وادَّعوا أنَّ التابعة نوعٌ من نساء الجنِّ ليس لهنَّ من غاية سوى إيذاء نساء الإنس، وذلك إمَّا بعمل ما يمنعهنَّ من الزواج أو الحمل أو بعملِ ما يُوجب إجهاض الحوامل، وكذلك فهنَّ يعملن على إيذاء الاطفال والذي قد ينتهي بهم إلى الموت أو الإصابة بالفزع أو الخبل أو الصرع أو الإصابة ببعض الامراض العضوية.

وكلُّ هذه الدعاوى ليس لها أساس شرعيٌّ ولا منطقي بل هي من تسويلات السحرة والمشعوذين ليأكلوا أموال الناس بالباطل تحت ذريعة المعالجة أو الوقاية من أثر ما يُسمَّى بالتابعة والتي لا تعدو كونها من الاساطير المختلقَة.

قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (1) فكلُّ مَن تأخَّر زواجُها أو حملُها أو اُصيب ولدها بسوء فتلجأ إلى الله تعالى فانَّه قريبٌ يُجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ولْتعتمِدْ الطريق الذي أمر الرسولُ (ص) وأهلُ بيته (ع) به وهو-مضافاً إلى الدعاء-الرجوع إلى أهل الاختصاص من الاطباء.

ثم إنْ عُوفيت وعوفيَ ولدها فذلك من فضل الله تعالى وإلا فلْتصبر فإنَّ لله في خلقه شؤونا، وهو يُجزي على الصبر والاحتساب أحسن الجزاء.

قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ / أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (2).

الهوامش: 1- سورة يونس / 107. 2- سورة الشورى / 49-50.
2023/02/11

هل سجد النبي (ص)على تربة كربلاء؟!
من الأسئلة التي يطرحها المخالفون كثيراً السؤال المرتبط باستحباب السجود على تربة كربلاء، وهو: إذا كان السجود على تربة كربلاء مستحباً فلماذا لم يفعله النبي (صلى الله عليه وآله)؟! وفي مقام الجواب على هذا السؤال أذكر أموراً:

الأمر الأول: لعل استحباب السجود على التربة الكربلائية من الأحكام التي وجدت مصلحة في تأخير بيانها، فعدنا نحن الشيعة لم يبين الرسول (صلى الله عليه وآله) تمام الأحكام لكل فرد من الأمة، بل له خلفاء، وورثة لعلمه وللكتاب، وهم يبينون ما لم يسع الوقت بيانه في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أو تسمع الظروف بحسب مقتضيات مصالح البيان التدريجي للأحكام المشرّعة والتامة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله).

الأمر الثاني: من المحتمل قيام النبي (صلى الله عليه و آله) ببيان الاستحباب، ولكن في زمانه كانت كربلاء بعيدة عن الحجاز ومحكومة بالفرس، فلا يسع جلب التربة منها، وحيث إن السجود مستحب وليس واجباً فلم يكلف النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أو أحداً من المسلمين بجلب التربة.

وهذا نظير ترك المسلمين في زمانه (صلى الله عليه وآله) شد الرحال إلى المسجد الأقصى مع استحباب الصلاة فيه الثابت بحديث (لا تشد الرحال).

وقد تقول: لو كان الاستحباب ثابتاً لبلغنا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك لا وجود له في كتب الحديث.

والجواب: إن كان المقصود كتب الحديث عند الشيعة فإنها زاخرة بروايات أهل البيت(عليهم السلام)، حتى عقد الشيخ الحر العاملي (رحمه الله) في وسائل الشيعة ج5 ص 365 باباً في ذلك، وحديث أهل البيت (عليهم السلام) حديث جدهم (صلى الله عليه وآله) الذي أمر بالأخذ عنهم في الأحاديث المتواترة، كحديث الثقلين.

وإن كان المقصود كتب الحديث عند المخالفين فإنه لا يضر عدم وجود أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها بعد أن نلتفت إلى تاريخ تدوين الحديث عندهم في زمن بني أمية أعداء الحسين (عليه السلام) و قتلته، و زمن أشياعهم، و تغلل الخوارج والنواصب في نقلة الحديث، و يكفيك أن الصلاة فرضت قبل الهجرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي بين المسلمين ما لا يقل عن عشر سنوات وفي كل يوم ما لا يقل عن خمس صلوات، والمجموع على هذا التقدير كحد أقل 43800 صلاة، ومع ذلك أضاع المسلمون العامة صلاة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقد أخرج ابن ماجه (917)، وأحمد (19494) واللفظ له: قال أبو موسى: لقد ذَكَّرَنا علِيُّ بنُ أبي طالبٍ صَلاةً كنَّا نُصلِّيها مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إمَّا نَسيناها، وإمَّا تَرَكْناها عَمدًا، يُكبِّرُ كلَّما رَكَعَ، وكلَّما رَفَعَ، وكلَّما سَجَدَ. والحديث صحيح، كما نص شعيب الأرناؤوط .

وفي صحيح البخاري في كتاب مواقيت الصلاة في باب تضييع الصلاة عن وقتها: ‏506 - حدثنا: ‏ ‏موسى بن إسماعيل، ‏قال: حدثنا: ‏ ‏مهدي ‏ ‏، عن ‏ ‏غيلان ‏ ‏، عن ‏ ‏أنس ‏، ‏قال: ‏ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي ‏ (صلى الله عليه وآله)‏ ‏قيل الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها. وفيه في أبواب صلاة الجماعة والإمامة في باب فضل صلاة الفجر في جماعة: ‏622 - حدثنا: ‏ ‏عمر بن حفص ‏، ‏قال: حدثنا: ‏ ‏أبي، ‏قال: حدثنا: ‏ ‏الأعمش ‏، ‏قال: سمعت ‏ ‏سالما ‏، ‏قال: سمعت ‏ ‏أم الدرداء ‏ ‏تقول: دخل علي ‏ ‏أبو الدرداء ‏ وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك، فقال: ‏ ‏والله ما أعرف من أمة ‏ ‏محمد ‏ (صلى الله عليه وآله)‏ ‏شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.

ففي القرن الأول من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) ضاعت الصلاة، ولم يبق إلا الاجتماع فيها، ويكفيك أن تلاحظ الخلاف في (التكتف) الواقع بين المذاهب الأربعة، فالمشهور ـ كما ذكر بعض الباحثين ـ بين فقهاء السنّة استحباب وضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء القراءة في الصلاة، وتفصيل ذلك على النحو التالي:

أ ــ المذهب الحنفي: يستحبّ التكتف بوضع اليد اليمنى على اليسرى، ويستحبّ للرجال التكتف أسفل البطن، وللنساء على موضع الصدر.

ب ــ المذهب الشافعي: يستحبّ التكتف بوضع اليد اليمنى على اليسرى، ويستحبّ للرجال التكتف أسفل البطن، وللنساء على الصدر.

ج ــ المذهب الحنبلي: التكتّف مستحب، والأولى وضع اليمنى على اليسرى أسفل البطن.

د ــ المذهب المالكي: يستحبّ الإرسال في الفرائض، ولا بأس بالتكتف في النوافل فيما لو طال القيام فيعين به على نفسه.

وقد ذهب الأوزاعي وبعض أعلام السنّة إلى التخيير بين القبض والإرسال.

ولو سألت عن فعل النبي (صلى الله عليه و آله) بعد الاعتدال من الركوع، وقبل الهويّ إلى السجود فلن تجد عندهم في ذلك جواباً، ولهذا اختلفوا في (التكتف) في هذا الموضع، كما اختلفوا في أصله، ولا يوجد عندهم في ذلك أثر يركن إليه، فإذا كان هذا حال صلاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي من الوضوح كما عرفت فكيف يمكن أن يقال بأن ما لم ينقلوه فلا وجود له؟!

وقد نقل في أضواء على السنة المحمدية ص 299 عن ابن حجر أن البخاري أخرج أحاديث كتابه من 600 ألف حديث، و روى عنه الإسماعيلي أن ما تركه من الصحيح أكثر، و أنه حفظ مائة ألف حديث صحيح، فلعل في ما كتم ولم ينقل كيفية صلاة النبي(صلى الله عليه وآله)، وفيها أنه صلى على تربة كربلاء التي جاء بها الملك، فقد أخرجه أحمد (26524) واللفظ له، وعبد بن حميد (1531): حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ سعيدٍ، عن أبيهِ، عن عائشةَ، أو أمِّ سلَمةَ -قال وَكيعٌ: شكَّ هو؛ يَعني عبدَ اللهِ بنَ سعيدٍ- أنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وآله) قالَ لإحداهُما: لقد دَخَلَ علَيَّ البيتَ ملَكٌ لم يَدخُلْ علَيَّ قبْلَها، فقال لي: إنَّ ابنَكَ هذا حُسيْنٌ مقتولٌ، وإن شِئتَ أَريتُكَ مِن تُربةِ الأرضِ التي يُقتَلُ بها. قال: فأَخرَجَ تُربةً حَمراءَ.

وفي تخريج المسند لشعيب الأرناؤوط برقم: 26524: حسن بطرقه وشاهده.

الأمر الثالث: من المحتمل أن ما هو مستحب بعنوانه الخاص ليس السجود على تربة كربلاء، وإنما السجود على تربة الإمام الحسين (عليه السلام) وهذا أخص، فإن الوارد في الروايات العناوين التالية وما يقرب منها: (على طين قبر الحسين (عليه السلام))، و (السجدة على لوح من طين القبر)، و (تربة أبي عبد الله (عليه السلام))، ومن الواضح أن هذا العنوان الإضافي لم يكن متحققاً قبل شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد يحتمل الباحث أن كربلاء منطقة مقدسة، وهي ميقات لطاعة الله و عبادته، و يستحب السجود فيها لعناوين متعددة، ولكن هنالك عنوان خاص له آثار خاصة، وهو الملحوظ في الروايات، و ذلك العنوان هو طينة القبر و تربة الحسين(عليه السلام) المضافة إليه ؛ لقربها من قبره أو كونها موضع مصرعه و محل مصيبته و جهاده و تضحياته، ولم يكن هذا العنوان متحققاً في زمن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هذا السبب في عدم طلب النبي (صلى الله عليه وآله) تربة كربلاء، فإن حكم الاستحباب له موضوع سوف يتحقق بعد ارتحاله (صلى الله عليه وآله)، وليس متحققاً في حياته، ومن يقول: لماذا لم يصل النبي (صلى الله عليه وآله) على تربة الحسين (عليه السلام) في حياته ؟ نظير من يقول: لماذا لا يحج المسلم حجة الإسلام قبل استطاعته، ولماذا لا ينفع المؤمن على زوجته قبل زواجه؟!

2023/01/18

لماذا نعبد الله؟!
دواعي العبادة لله سبحانه.. العبادة فعل اختياري للإنسان لا بدّ لصدوره من الإنسان من داعٍ وباعثٍ فما هو الداعي الصحيح لها؟

[اشترك]

الجواب: العبادة فعل اختياري للإنسان لا بدّ من وجود داع إليه ويمكن أن يكون الباعث أحد الأُمور الثلاثة التالية :

١ و ٢ ـ الطمع في إنعامه والخوف من عقابه

وهذا هو الداعي العام في غالب الناس وقد أُشير إليهما في مجموعة من الآيات :

قال سبحانه : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (السجدة / ١٦) وقال عزّ من قائل :

(وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف / ٥٦).

وقال عزّ من قائل : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (الإسراء / ٥٧).

ومع هذه النصوص الرائعة الصريحة في تجويز عبادة الله بهذين الداعيين ، نرى أنّ بعض المتكلّمين يرفضون هذا النوع من الداعي ، ويُصرّون على لزوم خلوص العبادة من أيّ داع نفساني من غير فرق بين الطمع في رحمته ، أو الخوف من ناره ويبطلون العبادة إذا كانت ناشئة عن هذين المبدأين.

لا شكّ أنّ العبادة لأجل كمال المعبود وجماله من أفضل العبادات ، ولكنّها غاية لا يصل إليها إلّا من ارتاض في ميدان العبادة حتى ينسى نفسه ولا يرى إلّا معبوده ، وأين تلك الأُمنية من متناول أغلبية الناس الذين تهمهم أنفسهم لا غير ، وإن أطاعوه فلأجل الخوف.

وإليك حديثين رائعين عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار. (١)

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : العبادة ثلاثة ، قوم عبدوا الله عزوجل خوفاً فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأُجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبّاً له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة. (٢)

٣ ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة

أن يعبد الله بما أنّه أهل لأن يُعبد ، لكونه جامعاً لصفات الكمال والجمال ، وهذا النوع من الداعي يختص بالمخلصين من عباده الّذين لا يرون لأنفسهم إنّية ، ولا لذواتهم أمام خالقهم شخصية ، اندكت أنفسهم في ذات الله فلا ينظرون إلى شيء إلّا ويرون الله قبله ومعه وبعده ، فهم المخلَصون الّذين لا يطمع الشيطان في إغوائهم قال سبحانه حاكياً عن إبليس : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (الحجر / ١٩ ـ ٤٠) قال سيد الموحدين علي عليه‌السلام : «ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتُك. (٣)

الهوامش: (١) نهج البلاغة ، قسم الحكم برقم ٢٣٧. (٢) الحر العاملي : وسائل الشيعة ج ١ / ٤٤ ، ب ٨ من أبواب المقدمة ، الحديث ٨. (٣) المجلسي : مرآة العقول ، ج ٨ ، ص ٨٩ : باب النيّة.
2023/01/02

هل للحيوانات أرواح كما في الإنسان؟
يمكن استفادة أنّ للحيوان روحاً من عدّة أدلةٍ شرعيةٍ:

[اشترك]

منها: ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)المائدة : 110 .

فالطير تُنفَخ فيه الروحُ فيكون طيراً بإذن الله كما نفخت الروح في آدم عليه السلام فكان بشراً سويّاً، والفرق بين النفختين أن نفخة الروح في آدم (عليه السلام) كانت في المرتبة العالية والشريفة من معنى الروح؛ لمحل النسبة في قوله تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) الحجر :29؛ إذ نسب هذه الروح إليه سبحانه مما يدلّ على شرافة هذه الروح وصفاتها العالية، خلاف الروحِ التي عند الحيوان فهي في مرتبةٍ أدنى من ذلك.

ومنها: ما ورد في "جامع أحاديث الشيعة" في باب تحريم تصوير تماثيل ذوات الأرواح، من الحديث الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (ثلاثة يعذَّبون يوم القيامة، من صوَّر صورةً من الحيوان يُعذَّبُ حتى ينْفَخَ فيها وليس بنافخٍ فيها) . انتهى [ جامع أحاديث الشيعة 17 : 222]

وأيضا ما ورد في " تفسير العياشي ": عن أبي بصير عن أحد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) قال: سألته عن قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ما الروح؟ قال: التي في الدوابِّ والناس. [ تفسير العياشي 2: 317]

ومنها: ما جاء في صحيح مسلم: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروحُ غرضا) [ صحيح مسلم 6: 73]

 وهو ما طبَّقه ابن عمر على جماعةٍ حين رآهُم اتخذوا طيراً رميَّةً لنبالهم فقال لهم : ( إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لعنَ من اتخذَ شيئاً فيه الروحُ غرضا ) [ صحيح مسلم 6: 73 ] ، فهنا نجد  ابن عمر قد طبَّق مفهوم الحديث السابق : ( شيئاً فيه الروح )  ، على  ( الطير ) ، وهو من تطبيق المفهوم العرفي على المصداق في الأحاديث ، مما يستفاد منه التسالم العرفي على المعنى المذكور .

وأيضا قد طبق العلماء مفهوم الروح على ما يجوز تصويره وما لا يجوز فتجدهم يفصلون في كتبهم الفقهية بين ماله روحٌ وما ليس له روحٌ، وأنّه يحرم تصوير ذوات الأرواح - ويقصدون بها الإنسان والحيوان - وعمل المجسَّمات لها دون ما ليس له روحٌ كالشجر.

هذا من حيث وجود الروح في الحيوان، أمّا من حيث جواز قتل الحيوانات المضرّة كالحشرات ونحوها فقد أجاز العلماء ذلك ولا أثم على الفاعل.

2022/12/29

ويطهركم تطهيراً.. لماذا يُغسّل الإمام بعد موته؟!
لمَاذا يَتمُّ تَغسِيلُ أهلِ البَيتِ (ع) عِندَ مَوتِهِم وهم طَاهِرُونَ مُطهَّرُونَ؟! وكذلك غسل الجنابة والتطهير من الخبث؟

[اشترك]

وكيف نوجِّهُ ما رويَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "لِلإِمَامِ عَشْرُ عَلَامَاتٍ يُولَدُ مُطَهَّرًا مَخْتُونًا، وإِذَا وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ وَقَعَ عَلَى رَاحَتِه رَافِعًا صَوْتَه بِالشَّهَادَتَيْنِ، ولَا يُجْنِبُ .. ونَجْوُه كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ .."(1).

الغُسل والوضوء وتغسيلُ الأموات وتطهيرُ البدن -ممَّا تَعرُضُ عليه من الأخباث- تكاليف شرعيَّة فرضَها اللهُ تعالى على عموم المكلَّفين، فالنبيُّ الكريم (ص) وأئمةُ أهل البيت (ع) شأنُهم في ذلك شأنُ سائر الناس، فكما يجبُ على كلِّ مكلَّفٍ الوضوءُ إذا قام إلى الصلاة كذلك يجبُ الوضوء على النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) إذا قاموا إلى الصلاة كما هو مقتضى إطلاق قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ..﴾(2) وكذلك يجب عليهم الغسل عند التحقُّق لموجبِه، وكذلك يجب تغسليهم إذا توفَّاهم الله تعالى كما يجبُ فعل ذلك مع سائر المسلمين.

فكما لا يصحُّ أنْ يُقال إنَّ الله تعالى حيثُ شرَّع الصلاة لتنهى عن الفحشاء والمنكر فهي ليست واجبةً على النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) لأنَّهم معصومون من الفحشاء والمنكر فكما لا يصحُّ التفوُّه بهذا القول كذلك لا يصحُّ التوهُّم لسقوط الغُسل والتغسيل عن النبيِّ (ص) وأهل بيته (ع) لأنَّهم مطهَّرون، فالغُسل والتيمُم والتغسيل تكاليفُ فرضَها الله تعالى على كافَّة العباد لملاكاتٍ لا يعلمُها من تمام الوجوه سوى الله تعالى وعلى جميع العباد أنْ يمتثلوا أوامره ويُسلِّموا بأحكامه وإنْ لم يُدركوا الوجهَ من فرضِها فإنَّ ذلك هو مقتضى العبوديَّة لله والتسليم بحكمتِه المطلقة.

 فالخوض في مثل هذه المسائل مضافًا إلى أنَّه بلا طائل فإنَّه لا يخلو من سوء الأدب.

وأمَّا معنى ما رُويَ عن أبي جعفرٍ (ع) من أنَّ الإمام لا يُجنب فهو أنَّه لا يحتلم، وذلك لأنَّ الاحتلام من لمَم الشيطان، والإمام (ع) منزَّه عن أنْ يُصيبَه شيءٌ من لمَم الشيطان في اليقظة والمنام، ويُؤيِّد ذلك ما رُوي في الكافي عن إِسْحَاقُ عَنِ الأَقْرَعِ قَالَ كَتَبْتُ إلى أَبِي مُحَمَّدٍ العسكري (ع) أَسْأَلُه عَنِ الإِمَامِ هَلْ يَحْتَلِمُ؟ فورَدَ الْجَوَابُ: "حَالُ الأَئِمَّةِ فِي الْمَنَامِ حَالُهُمْ فِي الْيَقَظَةِ لَا يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وقَدْ أَعَاذَ اللَّه أَوْلِيَاءَه مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ .."(3).

ثم إنَّ الجنابة الناشئة عن المعاشرة الزوجيَّة لا تُوجب تنجُّس البدن فهي حدَثٌ كحدَثِ النوم غايته أنَّ الشارع تعبَّد المكلَّفين بالوضوء للصلاة بعد حدث النوم وتعبَّدهم بالغُسل بعد حدث الجنابة إلا أنَّ أيًّا منهما لا يُوجب صيرورة البدن نجسًا.

وأمَّا معنى قوله (ع): "ونَجْوُه كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ" فهو أنَّ رائحة نجوه كرائحة المسك، فحُذفتْ كلمة رائحة الأولى -والتي هي في موقع المُضاف إلى كلمة النجو- لدلالة الثانية عليها، وهذه الخصوصيَّة منحَها الله تعالى لأوليائه تكريمًا لهم، فهذه الفقرة لا ربط لها بالطهارة والنجاسة.

ثم إنَّ الطهارة والنجاسة من الأحكام الشرعيَّة الاعتبارية والتي لا تدور مدار الطهارة والقذارة العرفيَّة، ففضلاتُ الحيوان المحلَّل مثلًا طاهرةٌ -بحسب الاعتبار الشرعي- رغم قذارتها عرفًا، وسؤر الكافر نجسٌ رغم عدم قذارته عرفًا.

الهوامش: 1- الكافي -الكليني- ج1 / ص388. 2- سورة المائدة / 6. 3- الكافي -الكليني- ج1 / ص509.
2022/12/28

هل تشمل آية التطهير علي الأكبر والعباس (ع)؟
نقد محاولة توسيع دائرة آية التطهير!.. ظهرت مؤخّراً محاولة في فهم آية التطهير تهدف إلى توسيع دائرتها لتشمل بعض المصاديق من خارج المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، من قبيل: الحوراء زينب، أو علي الأكبر، أو العباس عليهم السلام، إلا أنّ هذه المحاولة لا تبدو موفقة اطلاقاً؛ نظراً للنصوص القطيعّة التي حدّدتْ الآية تحديداً لا يقبل اللبس والتأويل.

[اشترك]

إنّ مجمل ما جاء من أحاديث متعلقة بآية التطهير على قسمين:

الأوّل- ما ورد في بيان سبب نزولها، وبيان مصاديق الآية المتحققة آنذاك، وهم الخمسة من أهل الكساء باعتبارهم الموجودين فعلاً في ظرف نزول الآية، فهذه الأحاديث قد جاءت على سبيل  القضية الخارجيّة، وتحت هذا القسم يدخل حديث الكساء المروي في كتب الفريقين، بل معظم ما جاء مروياً مما اجمعت عليه كتب الفريقين، وهو واضح لا يحتاج إلى شواهد!

الثانية- ما جاء بغرض بيان حقيقة الآية وتفسيرها الجامع، وعلى نحو القضيّة الحقيقية وذكر جميع مصاديقها، وللاستشهاد على هذا النحو دون الحصر: حديث المناشدة الصحيح لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، بل هو مشتمل على النحوين كما سيتبيّن أدناه، ومن نافلة القول: فإنّ حديث المناشدة قد ورد أصله في كتب العامة، كما رواه مسنداً جملة من المحدّثين الخاصّة كالشيخ الصدوق في كمال الدين، والنعماني في الغيبة وغيرهما.

1-فما جاء في صدر حديث المناشدة وقع على سبيل القضيّة الخارجيّة، وهو قوله:

يا أيّها الناس: أتعلمون أنّ الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرّكم تطيراً، فجمعني رسول الله وفاطمة والحسن والحسين في كساء ثم قال..!

 

2-وما جاء في تتمّته كان على سبيل القضيّة الحقيقيّة:

ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: اللهمّ هؤلاء أحبّتي، وعترتي، وثقلي وخاصّتي، وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت أمّ سلمة: وأنا؟ فقال صلى الله عليه وآله: وأنتِ إلى خير، وإنّما أُنزلتْ فيّ، وفي أخي عليّ، وفي ابنتي فاطمة، وفي ابني الحسن والحسين، وفي تسعة من ولد الحسين خاصّة، ليس فيها معنا أحدٌ غيرنا.

فقوله صلى الله عليه وآله أنّها في الأربعة عشر- فضلاً عن أداة الحصر (إنّما)-: " خَاصَّةً لَيْسَ فِيهَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرُنَا" نصٌّ صريح في الحصر، لا يقبل التأويل..!

2022/12/02

لهذه الأسباب منح الله الأنبياء العصمة
ذهب الشيعة الإماميّة إلى أنّ النبيّ لا يجوز عليه شيء من المعاصي، صغيرة كانت أو كبيرة، قبل البعثة أو بعدها. وكذلك الإمام أيضاً.

[اشترك]

وللمذاهب الأخرى آراء مختلفة، فذهب البعض إلى جواز الكفر عليهم، وبعض آخر إلى جواز الكبيرة عليهم قبل البعثة وبعدها، وبعض ثالث إلى جوازها قبل البعثة لا بعدها، وبعض رابع إلى جوازها بعد النبوّة عدا الكذب فيما يتعلّق بالتبليغ، وبعض خامس إلى جوازها بعد النبوّة بشرط الإسرار بها دون الإعلان، وبعض سادس إلى منع الكبائر والصغائر المستخفّة قبل البعثة وبعدها، وجواز وقوع ما لا يستخفّ من الصغائر، إلى غير ذلك من الأقوال. وكلّها فاسدة باطلة لا تليق بمقام النبوّة والسفارة عن السماء.

وقد استدلّ الشيعة الإماميّة (أنار الله برهانهم) على مذهبهم في العصمة ببراهين متنوّعة؛ كبرهان نقض الغرض، وبرهان الأصلحيّة، وغيرها، وفيها تفصيلات لا يسع المجال لذكرها، لذلك سنقتصر على الدليل ذكره السيّد المرتضى في [تنزيه الأنبياء ص19ـ20]، وأوضحه الشيخ السبحانيّ في [الإلهيات ج3 ص169] على عصمة الأنبياء (عليهم السلام) قبل البعثة وبعدها، وحاصله:

لا يخفى أنّ تحقيق غرض بعثة النبيّ يكون بقبول الناس لكلامه وقوله، وانقيادهم لأمره ونهيه، وسكونهم له، عدم تنفّرهم منه، فلو جاز على النبيّ المعصية قبل البعثة لانحطّ قدره بين الناس، ولتفّروا عن قبول قوله، والعمل بأمره ونهيه؛ إذ من الواضح أنّ النفس لا تسكن إلى قبول قول مَن تجوز عليه المعصية على حدّ سكونها إلى مَن لا تجوز عليه، فإنّ مَن ارتكب المعصية لا نسكن إلى قبول قوله ـ وإنْ تاب منه ـ كسكوننا إلى مَن لا يعصي في حال من الأحوال.

ولهذا نجد في وجداننا أنّ الواعظ المرتكب للكبائر ـ وإنْ تاب عنها ـ لا يكون مؤثّراً في نفوسنا كتأثير الواعظ الذي لا نعرفه إلا بالنزاهة والطهارة والاستقامة، والفرق بينهما هو فيما يقتضي السكون والنفور. وكثيراً ما يعيّر الناسُ مَن يعهدون منه القبائح ـ وإنْ تابوا عنها ـ، فيقولون: (أنت الذي كنتَ تفعل كذا وكذا) ونحو ذلك، ويجعلون ذل عيباً ونقصاً، وربّما قالوا مثله للواعظ التائب: (أنت الذي كنتَ تفعل كذا وكذا والآن تنهانا عنه؟!).

فلو كانت سيرة الداعي إلى الله تعالى قبل بعثته مخالفة لما هو عليه بعدها، بأن يكون قبلها إنساناً سافلاً مرتكباً لقبائح الأعمال، لا يحصل الوثوق بقوله ولا السكون له وإنْ صار إنساناً مثاليّاً، بل يتسرّب الريب إلى كلّ ما يقوله من أمر ونهي وإرشاد، بحجّة أنّه كان في مدّة من حياته متهتّكاً عاصياً، فكيف انقلب إلى رجل مثاليّ؟!

ولا شكّ أنّ لكلّ صفحة من صفحات عمر الإنسان الداعي تأثيراً في جلب ثقة الناس وانقيادهم إليه، فلو كانت ملطّخة بالسواد في بعضها لَمَا سكنت إليه النفوسُ. فتحقّقُ الغرض الكامل من البعثة رهن عصمته في جميع فترات عمره.

إذن: عصيان النبيّ ـ سواء كان حال نبوته أو قبلها ـ يوجب تنفر الناس عن قبول قوله واستماع وعظه، فلا تسكن نفوس الناس إلى العاصي ومن يجوز صدور العصيان عنه، كسكون نفوسهم إلى مَن لم يصدر عنه عصيان ولا يجوز عليه صدوره.

وقد أشار العلّامة الحليّ في [نهج الحق ص157] إلى هذا الدليل بقوله في ضمن ما يلزم من إنكار العصمة: «ومنها: سقوط محلّه ورتبته عند العوام، فلا ينقادون إلى طاعته، فتنتفي فائدة البعثة».

2022/12/02

هل بإمكان الإنسان رؤية الملائكة؟!
من حيث المبدأ والاساس لا يوجد مانع من أن يرى الإنسان الملائكة، غيرأن رؤيه الملائكة لا تتسنى لكل أحد، بل تحتاج الى طهارة قلبية وصفاء نفس تمكنه من ذلك وهذا ما لا يحصل إلا لبعض الأولياء والخاصة من الخلق.

[اشترك]

قال العلامة المجلسي: (وكذا أودع الله سبحانه حسا ضعيفا في البصر فإذا صرفه في مشتهيات نفسه ذهب الله بنوره و أعمى عين قلبه فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا، و إذا بذله في طاعة ربه نور الله عين قلبه و أعطى بصره نورا أعلى و أقوى فيه ينظر إلى الملكوت الأعلى و يتوسم في وجوه الخلق ما لا يعرف غيره، و يرى الملائكة الروحانيين كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، و قال تعالى:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (10/ 134).

وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن عمران بن حصين كان من الذين تكلمهم الملائكة حيث قال ما هذا لفظه: (وكان عمران بن حصين من فضلاء الصحابة وفقهائهم، يقول عنه أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى. قال محمد بن سيرين: أفضل من نزل البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين، وأبو بكرة. سكن عمران بن حصين البصرة، ومات بها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية. روى عنه جماعة من تابعي أهل البصرة والكوفة).  (الإستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 374).

قال الشيخ المفيد رحمه الله: (القول في رؤية المحتضر الملائكة والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأمير المؤمنين (ع)، وجائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله تعالى في شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) لاختلاف بين أجسامهما وأجسام الملائكة في التركيبات، وهذا مذهب جماعة من متكلمي الامامية ومن المعتزلة البلخي وجماعة من أهل بغداد. (أوائل المقالات- الشيخ المفيد (ص: 16) واما دفاع الملائكة عن الانسان في بعض المواقف، فهذا ثابت لخصوص انبياء الله تعالى دون غيرهم. قال تعالى: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ). (ال عمران/126).

2022/11/22

هل معاجز الأنبياء من ’السحر’؟!
هنالك مجموعة فوارق مهمة جدا بين المعجزة والسحر ذكرها علماء العقيدة سأذكرها تباعا.

[اشترك]

الفارق الأول

إن المعجزة يأتي بها صاحبها من دون سبق تعلم او تمرين، بخلافه السحر والشعوذة وما شاكلها فإنها تأتي بعد مراس طويل جدا. 

فالنبيّ موسى (عليه السلام) بعد أن انقضت فترةُ شبابه ذَهَب إلى مصر، وفي أثناء الطريق خوطب أن يا موسى ألقِ عصاك فإذا العَصا تتحول إلى ثعبان عظيم، بحيث استوحَشَ موسى لذلك. (العقيدة الإسلامية الشيخ جعفر سبحاني 6).

الفارق الثاني

عدم إمكان معارضةِ المعجزة، فإنّ المعجزة لكونها تنبُع من قدرة الله المطلقة لا يمكن معارضتها والاِتيان بمثلها قط، على حين يمكن معارضة السِحر والشعوذة، وما شابههما ممّا يفعلُه المرتاضون بمثلها لكونها تنشأ من قدرة البشر المحدودة المتناهية. (العقيدة الإسلامية الشيخ جعفر سبحاني 7).

الفارق الثالث

التحدي.. فإن مدعي النبوة يتحدى بمعجزته جميع البشر ان يأتوا بمثل ما جاء به، لأنه على يقين بعجزهم جميعا.

اما السحرة فلا، لانهم يعلمون ان هنالك من يتحداهم ويأتي بمثل او افضل مما جاؤوا به.

الفارق الرابع

عدم المحدودية، فإنّ معاجزَ الاَنبياء ليْست محدودة بنوعٍ أو نوعين بل هي متنوّعة بحيث لا يمكن الاِشارة إلى جامع مشتَرك بينها.

فمثلاً أينَ إلقاء العصا وانقلابُهُ إلى حَيّةٍ، وإدخال اليد في الجَيب وإِخراجها بيضاءَ تنير؟ وكذا أين هاتَين المعجزتين وأين إنباعُ الماء، واستخراجه من صخرة بضربةٍ من عصا لا غير؟ كما وأين هذه المعاجز الثلاث وأين تجفيف البحر، وفتح ممراتٍ يابسةٍ عظيمةٍ في قاعِهِ بضربةٍ من عصا على الحجر أيضاً ؟

إننّا نقرأ: انّ عيسى (عليه السلام) صنع من الطين كهيئة الطير، ثم نَفَخَ فيها الروح فصارت طيوراً حيَّة بإِذنِ الله.

كما نقرأ انّه (عليه السلام) كان بالمسح بيده على وجوه العميان وأجساد المصابين بالبرص يمنحهم الشفاء، بل ويُحيي الموتى، وينبىَ عَمّا ادَّخره الناسُ في بيوتهم إلى غير ذلك من المعاجز العديدة. (العقيدة الإسلامية جعفر سبحاني 9 ).

الفارق الخامس

الغاية، فان غاية الأنبياء سامية اخروية، وغاية السحرة دنيئة تهدف الى حطم المزيد من حطام الدنيا.

2022/11/17

المرض الهدّام: هل نتأثر مادياً بـ «الحسد»؟
الجواب عن هذا السؤال سيتّضح بعد أنْ نعرف حقيقة الحسد، فنقول: إنّ معنى الحسد هو تمني زوال النعمة عن شخص ما مع تمني تحولها إليه أو مجرد سلبها منه، أو تمني أن تكون النعمة له دون غيره.[ينظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهانيّ، ولسان العرب لابن منظور، مادة حسد، وغيرهما].

[اشترك]

والحسد حالة نفسية وصفة سيئة ورذيلة خطيرة جداً وداء دوي، وصفة من صفات المنافقين، وليست من صفات المؤمنين، ولا بُدَّ لمن ابتلي بهذا المرض الهدام أن يعالج نفسه سريعاً قبل أن يخسر دنياه وآخرته.

وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: "... وَلَا تَتَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ‏ الْإِيمَانَ‏ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ الْيَابِسَ"[ قرب الإسناد للحميري: 29].

ثم إن الحسد لا يتوقف في الغالب عند حد معين بل يتنامى فيكون سبب لكثير من الرذائل و المعاصي كالحقد و الكذب والغيبة والمكر وغيرها وقد يوصل الحاسد إلى ارتكاب القتل كما حصل لقابيل نتيجة لحسده أخيه هابيل.

رُوِيَ عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام أنهُ قَالَ: "هَلَاكُ النَّاسِ فِي ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَ الْحِرْصِ وَ الْحَسَدِ، فَالْكِبْرُ هَلَاكُ الدِّينِ وَ بِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ، وَ الْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَ بِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ الْحَسَدُ رَائِدُ السُّوءِ وَ مِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ"[بحار الأنوار للمجلسيّ ج75/ص111].

ولخطورة الحسد و أثاره السيئة أمر الله عَزَّ و جَلَّ رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله أن يتعوذ من شر الحاسد لأن مقاصد الحاسد خطيرة، إذْ قال في سورة الفلق: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ).

أما الحسد بمعنى إصابة العين ونظرات الحاسد وتأثيراتها على المحسود فممّا لا شكّ فيه، إذْ يؤثر الحاسد في المحسود تأثيرًا نفسيًا أو معنويًا أو ماديًا.. مثل المرض، أو الموت، أو التلف… وما إلى ذلك من ضروب التأثير المادي. أعاذنا الله جميعاً منها. وبعض التأثيرات الماديّة كالمرض مثلاً يمكن تشخيصه خصوصاً إذا كان المحسود  مثلاً: في يوم من الأيام ليس فيه شيء، ولديه كل النشاط والهمّة، ولكنْ بعد ساعات قليلة أو يمرُّ عليه يوم آخر تنقلب حياته رأساً على عقب، فيشعر من تلقاء نفسه أنّه غير مرتاح ولديه تعب وإرهاق، فيذهب إلى الطبيب ويفحص نفسه فحصاً دقيقاً فيقول له الطبيب ليس فيك شيء، هذه مجرد وساوس وقلق نفسي، ولكنّ هذه الحالة تستمر معه، ولكنّه بعد ذلك بمجرد أنْ يتذكّر أنّه دخل إلى مكان معيّن فرأى شخصاً أو أشخاصاً ينظرون إليه بنظرة غريبة يشعر بها في وقتها أنّها نظرة حسد، وتشخيص هذه الحالة هو من يقدّرها من خلال ذلك اللقاء. بعد أنْ يتذكّرها بتفاصيلها وحيثياتها.

أما طرق الوقاية من الحسد، فلقد أرشدتنا إلى ذلك الروايات الوارد عن النبيّ (ص) وآله الأطهار، نذكر منها:

إنّ جبرئيل (عليه السلام) رقى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلمه هذه الرقية للعين: " بسم الله أرقيك، من كل عين حاسد، الله يشفيك" .[بحار الأنوار ج60/ص9].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا تهيأ أحدكم بهيئة تعجبه فليقرأ حين يخرج من بيته المعوذتين، فإنه لا يضره شيء بإذن الله تعالى.[طب الأئمة للسيد عبدالله شبر، ص226].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) من رأى شيئا يعجبه فقال: " الله الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" . لم يضره شيء. [بحار الأنوار ج92/ص135].

وعن الإمام الحسن (عليه السلام): أن دواء الإصابة بالعين أن يقرأ (( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا )). [بحار الأنوار ج110/ص305].

وأمّا طرق معالجة الحسد، فأيضاً أرشدتنا الأحاديث والروايات المأثورة عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام الى كيفية علاج الحسد، وها نحن نذكرها باختصار.

1- قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "إذا حسدت فاستغفر اللَّه". [ نهج الفصاحة: 416.].

2. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ:‏ "أَلَا إِنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ هُوَ الْحَسَدُ، لَيْسَ بِحَالِقِ الشَّعْرِ لَكِنَّهُ حَالِقُ الدِّينِ، وَ يُنْجِي‏ مِنْهُ‏ أَنْ يَكُفَّ الْإِنْسَانُ يَدَهُ، وَ يَخْزُنَ لِسَانَهُ، وَ لَا يَكُونَ ذَا غَمْزٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ". [ الأمالي للشيخ المفيد: 344].

3. ترك التطلع الى أحوال من حوله من الاقرباء والاصدقاء ومراقبتهم لتجنب إثارة الدوافع الكامنة في النفس نحو الحسد، فمن راقب الناس مات هماً.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: ابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما اتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك..."‏[ الكافي : 2 / 307].

4. القناعة بما رزقه الله تعالى والرضى بما قسمه له.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: "... إنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، و من يك كذلك فلست منه و ليس منّي"‏[ الكافي : 2 / 307].

5. العمل ضد ما تملي عليه النفس الامارة بالسوء من القيام بأعمال ضد المحسود، فبدلاً من ذلك فعلى من يريد اصلاح النفس و معالجة الحسد أن يتمنى للمحسود دوام النعمة و الخير و يقابله بالاحترام و الاحسان حتى تخمد نيران الحسد و يموت.

2022/11/02

معاناة الأنبياء: ميل المجتمعات لـ ’الأساطير’ و ’العصبية’

 

يقول تعالى: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ‎﴿٧٣﴾‏ وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ‎﴿٧٤﴾‏ إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾. [الإسراء: 73-75]

[اشترك]

ظهر في التاريخ الإنساني، كثير من القادة الذين تبوؤوا مواقع الزعامة في مجتمعاتهم، والتفَّ حولهم جمهور الأتباع.

ويمكن تصنيف هؤلاء القادة إلى صنفين رئيسين:

الصنف الأول: القادة الإلهيون، الذين يحملون رسالة الله تعالى إلى عباده، وهم الأنبياء، والأئمة، ومن يسير على دربهم، ويتمسّك بهديهم.

الصنف الثاني: الزعامات التي تنطلق من طموحات ذاتية، أو تطلّعات اجتماعية، كالسياسيين، وشيوخ القبائل، وقادة الحركات الفكرية والاجتماعية.

ومن أهم الفوارق المائزة بين الصنفين، أنّ القادة الإلهيين يلتزمون بقيم الرسالة الإلهية التي يحملونها، ويجتهدون في الارتقاء بوعي الناس إلى مستوى تلك القيم والمبادئ، أما الزعامات الأخرى فإنّها غالبًا ما تتبنّى ما يجذب إليها جمهور الناس، من أفكار وشعارات ومواقف، وإن كانت مجانبة للحقّ والصّواب.

طبيعة الجمهور

إنّ الطبيعة السّائدة في جمهور الناس، هي النزوع نحو الانفعال العاطفي، على حساب التفكير العقلاني، والانشداد لعصبية الانتماء القبلي والعرقي والقومي والمناطقي والطائفي، والتمسّك بالأعراف والتقاليد الموروثة، والقبول بالأفكار السّاذجة والبسيطة، على حساب الأفكار العلمية العميقة، والنزوع نحو الحسية أكثر من الأفكار النظرية التجريدية.

 

وحين تتبنّى أيّ جهة ما يتماهى مع توجهات الجمهور وميوله، فإنّها تكسب ولاء الجمهور وقبوله. وهذا ما تجيده الزعامات المصلحية، وتوظّفه في تحقيق زعامتها، وتوسيع قاعدتها الشعبية.

إنّ هذا النوع من القيادات تبحث عمّا يحرّك مشاعر الجمهور ويجذبه باتجاهها، حقًّا كان أو باطلًا، فهي قد تطرح ما لا تؤمن به، لكنّها تتظاهر بالتلبّس به أمام الجمهور، وقد تحدّث نابليون أمام مجلس الدولة الفرنسي ليقول لهم بصراحة: (لم أستطع إنهاء حرب الفاندي إلّا بعد أن تظاهرت بأنّي كاثوليكي حقيقي، ولم أستطع الاستقرار في مصر إلّا بعد أن تظاهرت بأنّي مسلم تقي، وعندما تظاهرت بأنّي بابوي متطرّف استطعت أن أكسب ثقة الكهنة في إيطاليا، ولو أنه أتيح لي أن أحكم شعبًا من اليهود لأعدت من جديد معبد سليمان)[1] .

وقد سلّط علم النفس الاجتماعي الأضواء على خصائص الطبيعة الجماهيرية، ومن أهم مفكريه العالم الفرنسي (غوستاف لوبون، 1841- 1931م) وله كتاب مرجعي في هذا العلم، هو (سيكولوجية الجماهير، صدر عام 1895م).

وقد انطلق غوستاف لوبون من دراسته للحركات الجماهيرية في أوروبا وخاصّة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ومن الأفكار التي يؤكدها (لوبون) في كتابه: إنّ من خصائص الجماهير: سرعة الانفعال، والسّذاجة، والتأثّر السّريع، وهيمنة النّزعة العاطفية، والميل للعواطف المتطرفة، وهي غير ميالة كثيرًا للتأمل والمحاكمة العقلية، وقد تنتقل من النقيض إلى النقيض بسرعة البرق، وذلك تحت تأثير المحرّض.

 

وإذا كانت بعض أفكاره محلّ جدل وأخذ وردٍّ، حيث بادر معاصره (غابرييل تارد) إلى الرّد عليه، وإصدار كتابه (الرأي والجمهور) عام 1901م، أي بعد ست سنوات من صدور كتاب (سيكولوجية الجماهير).

إلّا أنّ جوهر فكرة الكتاب يصدقها التاريخ الإنساني في مختلف عصوره، وحتى في عصرنا الحاضر، مع تقدّم العلم، واتساع مساحة المعرفة عند أبناء المجتمعات، وتوفر أدوات العلم ووسائل المعرفة والاطّلاع، إلّا أنّ ذلك لم يضعف تأثير معظم تلك الخصائص التي تحدّث عنها (لوبون) على الجماهير المعاصرة. مما أعطى للإعلام ووسائط التواصل الحديثة دورًا كبيرًا في التأثير على الرأي العام، في مختلف المجتمعات، من خلال الاستفادة من تلك الخصائص.

معاناة الأنبياء

ومن هنا كانت الصّعوبة بالغة في حركة الأنبياء والرّسل؛ لأنّهم يريدون الارتقاء بوعي الناس، وليس الاستجابة لرغباتهم وتوجهاتهم العاطفية الانفعالية.

إنّ الله تعالى بعث الأنبياء لإنقاذ الناس من الجهل ومن هيمنة الخرافات والأساطير على عقولهم ونفوسهم، ولتحصينهم من تأثير الانفعالات العاطفية، ولا يمكن للأنبياء أن يتلوّنوا بغير صبغة رسالتهم الإلهية، ولا أن يجاروا الناس في ضلالهم وانحرافهم ليتمكّنوا من قيادتهم.

يقول تعالى: ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾. [المائدة: 70]

حيث يخوض الأنبياء صراعًا ومعارك مستمرّة، ضدّ النزعات السّلبية التي تظهر في جمهور مجتمعاتهم، حتى بعد قبولهم للدين الإلهي، كالنزوع إلى الميل العاطفي وسطحية التفكير، وقبول الأساطير والخرافات، وروح العصبية، والمبالغة في ردود الفعل.

 

إنّ القرآن الكريم يتحدّث عن بني إسرائيل، أنّهم بعد أن نصرهم الله على فرعون وأغرقه وجيشه، طلبوا من نبي الله موسى أن ينصب لهم أصنامًا يتوسّلون ويبركون بها كحال المشركين، يقول تعالى: ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ‎*‏ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‎ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾. [الأعراف: 137-140]

إنّ فكرة الإيمان بالإله المتعالي عن إدراك الحواس، الذي لا يحدّه زمان ولا مكان، عسير الهضم على من ألِفُوا التصوّرات السّطحية السّاذجة، لذلك يطلبون من نبيّهم أن يضع لهم أصنامًا تجسّد فكرة الإله.

وقد واجه النبي محمد (ص) المشكلة نفسها، حيث طلب منه بعض أصحابه أمرًا مشابهًا لطلب بني إسرائيل، فقد روي أنَّ رسولَ اللهِ لمَّا خرَجَ إلى خَيبرَ، مَرَّ بشجرةٍ للمشركينَ يُقالُ لها: ذاتُ أَنْواطٍ، يُعلِّقونَ عليها أسلحتَهم، تبركًا بها وطلبًا للنصر، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اجعَلْ لنا ذاتَ أَنْواطٍ كما لهم ذاتُ أَنْواطٍ، فقال النبيُّ: «سُبحانَ اللهِ! هذا كما قال قَومُ موسى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: 138]، والذي نَفْسي بيدِه، لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَن كان قَبلَكم»[2] .

ضغوط ومحاولات للتأثير على النبي

وقد واجه نبيّنا محمد (ص) كثيرًا من المعاناة في دعوته إلى الله، وتبشيره بالقيم الإلهية، فقد كانوا يضغطون على النبي  لكي يهبط وينحدر إلى مستوى أوهامهم وخرافاتهم، حتى يقبلوا دعوته. لكنّه بتسديد الله تعالى له كان يرفض الاستجابة إلى ضغوطهم. وكانت الضّغوط شديدة بحيث لو لا التسديد الإلهي، لكان استجاب لهم بدرجة أو بأخرى.

يقول تعالى: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾. [الإسراء: 73-75]

وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾. [المائدة: 49]

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾. [يونس: 15]

طلبات غريبة

ونقرأ في السّيرة النبوية وما نقلته كتب الحديث، أنّ بعض المسلمين كانوا يطرحون على رسول الله بعض الطّلبات النابعة من العواطف السّاذجة، والمخالفة للقيم الإلهية، فمثلًا:

روى أبو داود السّجستاني بإسناده إلى قيس بن سعد قال: (أتيتُ الحيرَةَ، فرأيتُهم يسجدونَ لِمَرْزبانٍ لهم، فقلْتُ: رسولُ اللهِ أحقُّ أنْ يُسْجَدَ لَهُ، قال فأتيتُ النبيَّ  فقُلْتُ: إِنَّي أتيتُ الحيرةَ فرأيتُهم يسجدونَ لمرزبانٍ لهم، فأنتَ يا رسولَ اللهِ أحقُّ أنْ نسجدَ لكَ)[3] .

ونقرأ في الخبر عن معاذ بن جبل (أنه أتى الشّام فرأى النّصارى يسجدون لأحبارهم وعلمائهم وفقهائهم، فقال: لأيّ شيءٍ تفعلون هذا؟ قالوا: هذه تحيّة الأنبياء، قلنا فنحن أحقّ أن نصنع بنبيّنا ، فلما قدم على النبي  سجد، فقال : ما هذا يا معاذ؟ قال: إنّي أتيت الشّام فرأيت النصارى يسجدون لأساقفتهم وقسّيسيهم ورهبانهم وبطارقتهم، ورأيت اليهود يسجدون لأحبارهم وفقهائهم وعلمائهم، فقلت: أيّ شيءٍ تصنعون هذا؟ وتفعلون هذا؟ قالوا: هذه تحيّة الأنبياء، قلت: فنحن أحقّ أن نصنع بنبيّنا، فقال نبي الله : إنّهم كذبوا على أنبيائهم، كما حرّفوا كتابهم)[4] .

ومن هذه الأخبار ما روي أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، نُسَلِّمُ عَلَيْكَ كَما يُسَلِّمُ بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، أفَلا نَسْجُدُ لَكَ؟ قالَ: «لَا، وَلَكِنْ أَكْرِمُوا نَبِيَّكُمْ، وَاعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ لِأَحَدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ»[5] .

الرّسالة والدّرس

وحينما يتحدّث القرآن عن مثل هذه المواقف، فإنّ من أغراضه تحذير حملة الرسالة وقادة الدين في كلّ عصر من الوقوع في هذا المطب.

فإنّ الجمهور قد تظهر فيه توجّهات انفعالية عاطفية، وتكون الفرصة سانحة لمن يريد ركوب الموج، لكنّ الدّعاة المخلصين الصّادقين هم من يلجؤون إلى عون الله، وتثبيته لنفوسهم حتى لا يخضعوا لهذه الضّغوط، ولو بعنوان ثانوي من أجل الاستقطاب والجذب، فإنه لا يطاع الله من حيث يعصى.

2022/10/19

للأنبياء والأئمة: لماذا منح الله ’العصمة’ لفئة من خلقه دون الآخرين؟!

 

لماذا خص الله فئة من خلقه بالعصمة دون غيرهم؟ أين العدالة؟!

[اشترك]

يرتكز السؤال على فهم خاطئ لمفهوم العصمة، فالعصمة ليست جبر ونزع لإرادة المعصوم، كما أنها ليست مرتبة ينالها الإنسان بدون استحقاق واستعداد، فالمعصوم كبقية البشر لا يخرج فعله عن كونه منزلة بين المنزلتين، أي لا جبر ولا تفويض وإنما هو أمر بين الأمرين.

فهو ليس مفوضاً حتى يستغني عن الله، كما أنه ليس مجبوراً فيكون منزوع الإرادة والاختيار، وبالتالي فإن لإرادة المعصوم واختياره دخل في حصول لطف الله وعنايته، ومن هنا يمكننا القول إن العصمة هي لطف يمتنع معه العبد عن ارتكاب المعاصي مع قدرته على ارتكابها، فهي أشبه بمرتبة عالية من التقوى تحبسه عن المعاصي، ومرتبة عالية من العلم تكشف له قبائح الذنوب، ومرتبة عالية من الإرادة تردعه عن الاقتراب من الآثام، وبذلك تكون العصمة كمال يناله الإنسان بوصفه بشر، فلا يتخلى عن بشريته في حال كونه معصوم، فمع توفر دواعي المعصية عنده إلا انه يتركها بمحض إرادته، فما يميز الإنسان عن الملائكة وعن الحيوان هو كونه مخلوق يحمل استعداداً ملائكياً واستعداداً حيوانياً، حيث خلقه الله قبضة من طين ونفخة من روح، والإنسان في حالة من الصراع الدائم بين مقتضيات الروح والطينة، والعصمة ليست إلا انتصار لجانب الروح على جانب المادة، إلا أن ذلك لا يعني أن المعصوم اصبح مجرد عن المادة وعن تأثيراتها على النفس، فكونه لا يخطئ ولا تصدر منه المعاصي لا يعني أنه مخلوق مجرد كالملائكة، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ)، وعليه فإن المعصوم في حال عصمته يعيش حالة من النزاع بين متطلبات المادة المتمثلة في الغرائز والشهوات وبين متطلبات الروح المتمثلة في القيم والأخلاق، وعليه لا يكون معفياً عن جهاد نفسه ومصارعة هواه، ولهذا اصبح المعصوم قدوة ومثال لجميع المؤمنين، قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فإذا لم يعاني الأنبياء والأئمة هذا الصراع ولم يجاهدوا رغباتهم ولم يحرموا أنفسهم كيف يمكن أن يكونوا لنا أسوة؟ يقول الإمام علي (عليه السلام): (أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ) أي أن الإمام وجد أساسا لكي يقتدي به عامة الناس، مما يعني أن عصمة الإمام لا تجعله بعيداً عما يعاني منه جميع البشر من ضغط الهوى وصعوبة كبح الشهوات والرغبات، ولذا يقول (عليه السلام): (أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ) أي أنه الزم نفسه بالقليل من حاجات الجسد وحرم نفسه حتى من الحلال والمباح ليكون قدوة في جهاد النفس وتربية الذات، وبذلك هو يعاني اكثر مما يعانيه بقية الناس ومن هنا صرح سلام الله عليه بقوله: (أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ)، ثم يكشف أمير المؤمنين (عليه السلام) عن إمكانية إشباع شهواته ورغباته بملذات الحياة حيث قال: (وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ) والذي يمنعه من ذلك ليس كونه غير قادر على الوصول إليها أو أنه فاقد للإحساس بهذه الملذات كالملائكة مثلاً وإنما تركها بقوة إرادته وجهاده لأهواء نفسه، ولذا يقول: (هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى) وبذلك يتضح أن المعصوم يعيش جهاداً صعباً وصراعاً مريراً في تربية ذاته وتهذيب نفسه من أجل العروج بها في مدارج الكمال، والمؤمن في جهاده لنفسه أنما يسير في نفس الاتجاه الذي سبقه إليه المعصوم، وهو بذلك يستحق الفضل والأجر إلا أنه يكون قاصراً وبشكل دائم عن بلوغ ما وصل إليه المعصوم من جهاد النفس وتربية الذات.

وعليه لا يصح السؤال والاعتراض على عصمة البعض دون الآخر؛ لأن الله لم يمنح العصمة اعتباطاً وإنما جعلها في أهلها ومن لهم استعداد على حملها، وقد رد الله على المعترضين بقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ)، فالله يصطفي من بين خلقه من يكون أهلا لتحمل هذه الأمانة قال تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ). وإذا اتضح ذلك يتضح أن الأمر في المبدأ لا علاقة له بالعدالة.

2022/10/18