شيخ يموت في صحن الإمام! (قصة)

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

كتب الشيخ صلاح الخاقاني: همسة من قلب الزحام في اُذن الإمام

موجة بشرية متدافعة قذفت بالشيخ إلى نهاية المدخل عند مصبّه في الصحن. انتشلته يد فتية إلى جانب الجدار خارج التيار. وقف يتنفس بصعوبة بالغة، كان يلهث!

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

من مكانه المرتفع عن أرضية الصحن، نظر إلى الضريح الفضي المتلألئ. وسط الرؤوس والثياب السود، بدا مثل سفينة مضاءة في ليل متلاطم!

كثرة الناس تجعل الشباك يبدو بعيداً، بعيداً جداً.. حلماً متأرجحاً بين اليقظة والنوم!

شيئاً فشيئاً نزلت ستارة صمت شفافة حجزت بينه وبين صخب الفصائل المتسابقة. قال بعد أن تلاشت من حوله الأصوات ولم يعد يسمع إلاّ شخيراً خافتاً في رئتيه:

ـ يا حسين! أنت تعرفني.. أنا آتيك كلما ضاق صدري فاُلقي بآلامي عندك وأعود خفيفاً منتشياً..

عندي حاجة ملحّة أستحي أن اُكلم الله فيها.. تمنعني كثرة خطاياي وقلة الأيام الباقية من عمري.. أيام؟ قل أنفاس!

أنت كلّمه عني! قل له: هذا الطاعن في الخطيئة يحبني ويستحي مني.. حتى أنه لا يأكل من مائدتي، ويقف متحسراً يراقب الحشود.. ولا يقترب من شباكي، ويكلمني من نهاية المدخل!

كلّمه عن حاجتي وألحَّ عليه.. هو يحب أن يسمعك.. أما أنا..!!

وكلّم أخاك أيضاً.. أنا لا أدخل صحن حضرته.. يقولون إن رأسه حار، وأخاف أن يفضحني على رؤوس الزوار!

عندما أخرج من عندك، سأذهب إليه مباشرة.. وليكن ما يكون! ساُقسم عليه بك وباُختك.. هل تظن أنه يردّني؟ ها!؟

حسن!

نظرته الأخيرة إلى الشباك كانت طويلة وساكنة. كان على وشك أن يخرّ من شدة الإعياء فجاءته رشقة رذاذ بارد.

أدار عينيه بين الجموع المهرولة والشباك.. كيف لي أن أشق هذا البحر وأنا في أنفاسي الأخيرة!؟

جاءه صوت: إذا كانت أنفاسك الأخيرة فليس أفضل من هنا لتلفظها. ثم انتشلته يد فتية من مكانه وأطلقته في الأمواج المندفعة. استسلم لها تماماً وتركها تتقاذفه حتى خارج الصحن!

نظر إلى القبة الاُخرى.. بدت قريبة جداً.. وبدا المكان خالياً إلّا منها ومنه.. وما عاد يسمع شخير رئتيه اللاهثة..

ولم يعد يحتاج إلى رجليه ولا عينيه.. كان كل شيء كما أراد!