وصية من السيد السيستاني: لا تصفوني بغير ما تعلمون!

في أحد اللقاءات بسماحة المرجع الديني الكبير السيد السيستاني (دام ظله) ذكر في جملة ما ذكره من نصائحه القيمة وتنبيهاته المهمة: أن قال: (لا تصفوني بغير ما تعلمون! أنتم تعلمون أني أحب العراق فقولوا يحب العراق، ولا تصفوني بالتقوى مثلا لأنكم لا تعلمون بها).

وفي حينها تعجبت من هذا الكلام منه (دام ظله)! فلماذا ينهانا عن مثل هذه الصفات التي لا شك أنها قليلة في حقه؟! لماذا لا نمدحه بما يستحقه بل يسحق أضعافه؟! وبالتالي لم أدرك أهمية هذه الوصية!

لكن بمرور الزمن ظهر لي مدى أهميتها، وأننا لابد أن نجعلها نصب أعيننا؛ بأن نهتم بـ(أن لا نصف أحدا إلا بما نعلمه فيه)، ولا نلقي الألقاب والمديح على من نحبهم ونعجب بهم بلا ضوابط!

وكأنه (دام ظله) قد شخص ظاهرة سلبية يقوم بها الكثيرون تجاه الشخصيات التي يحترمونها ويحبونها بل يقدسونها؛ فيؤدي بهم ذلك الحب والتقديس إلى إضفاء ألقاب وصفات لا يتصف بها أولئك أصلا، ولو اتصفوا بها لم يقبلوا أنفسهم أن يُمدحوا بها!

بل وصل الأمر إلى درجة الغلو في بعض الشخصيات؛ بحيث يعطى جماعة (فلان الفلاني)، أوصافا لصاحبهم لا يوصف بها إلا المعصوم! بل قد يصل الأمر إلى نعته بأوصاف لا تناسب إلا الربوبية!

وهذه القضية كانت بعيدة عن مقلدي المرجعيات الدينية الحقيقية (المبنية على الإثبات الشرعي للاجتهاد والأعلمية والعدالة)؛ فمن النادر أن نسمع مديحا لمرجع من المراجع العظام يفوق ما يتصف به، فضلا عن أن يصل إلى حد الغلو!

لكن في الآونة الأخيرة صرت أرى بعض الصفحات (ولا ندري هدف أصحابها ومن يقف وراءها) تصف بعض كبار المراجع المعاصرين بأوصاف خطيرة؛ حيث قد تصل إلى درجة صَفّهم بمصف المعصومين (عليهم السلام) والعياذ بالله!

وهنا لابد من الحذر الشديد من المؤمنين خصوصا الشباب الذين قد يندفعون إلى مثل هذه المنشورات؛ بسبب الحب والعشق لأولئك العلماء الأعلام!

فكلما وجدنا هكذا منشورات لابد أن نتذكر وصية السيد (دام ظله) التي ذكرتها، ولابد أن نتذكر قبل ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) قد حاربوا الغلو وشددوا في ذمه.

ويكفي من ذلك ما رواه الشيخ الصدوق (قدس سره) في الأمالي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «احْذَرُوا عَلَى شَبَابِكُمْ‏ الْغُلَاةَ لَا يُفْسِدُونَهُمْ، فَإِنَّ الْغُلَاةَ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ، يُصَغِّرُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ، وَيَدَّعُونَ الرُّبُوبِيَّةَ لِعِبَادِ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّ الْغُلَاةَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصارى‏ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا. ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِلَيْنَا يَرْجِعُ الْغَالِي فَلَا نَقْبَلُهُ، وَبِنَا يَلْحَقُ الْمُقَصِّرُ فَنَقْبَلُهُ».