هل يحاسب الله الحيوانات يوم القيامة؟

ما من شك أنّ الشّرط الاوّل للمحاسبة والجزاء هو «العقل والإدراك» ويستتبعهما (التكليف والمسؤولية).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

يقول أصحاب هذا الرأي: إنّ لديهم ما يثبت أن للحيوانات إدراكا وفهما بمقدار ما تطيق، ومن ذلك أن حياة كثير من الحيوانات تجري وفق نظام دقيق ومثير للعجب، ويدلّ على ارتفاع مستوى إدراكها وفهمها، فمن ذا الذي لم يسمع بالنمل والنحل وتمدّنها العجيب ونظامها المحير في بناء بيوتها وخلاياها، ولم يستحسن فهمها وإدراكها؟ فعلى الرغم من أنّ بعضهم يعزوا ذلك كله إلى نوع من الإلهام الغريزي، فليس ثمّة دليل على أنّ هذه الأعمال تجري بصورة غريزية لا عقلية.

ما الدليل على أنّ هذه الأعمال ـ حسبما يدل ظاهرها ـ ليست ناشئة عن تعقل وإدراك؟ كثيرا ما يحدث أنّ الحيوان يبتكر ـ استجابة لظرف من الظروف ـ شيئا لم يسبق له أن مرّ به وجربه، فالشاة التي لم يسبق لها أن رأت ذئبا في حياتها تفزع منه أوّل ما تراه وتدرك خطره عليها، وتتوسل بكل حيلة لدرء خطره عنها.

إن العلاقة التي تتكون بين الحيوان وصاحبه تدريجيا دليل آخر على هذا الأمر، فكثير من الكلاب المفترسة الخطرة تعامل أصحابها ـ بل وحتى أطفالهم ـ كما يعاملهم الخادم العطوف.

ويحكى الكثير عن وفاء الحيوانات وعن تقديمها كثيرا من الخدمات الإنسانية ولا شك أنّ هذه أمور ليس من السهل اعتبارها ناشئة بدافع الغريزة، إذ إنّ الغريزة تنشأ عنها أعمال رتيبة من طراز واحد باستمرار، أمّا الأعمال التي تقع في ظروف خاصّة كردود فعل لحوادث طارئة غير متوقعة، فهذه تكون إلى التعقل والإدراك أقرب منها إلى الغريزة.

نشاهد اليوم أنّ حيوانات مختلفة يجري تدريبها لأغراض متنوعة، فالكلاب البوليسية تدرب للقبض على المجرمين، والحمام الزاجل لنقل الرسائل، وحيوانات أخرى ترسل لابتياع بعض الحوائج من السوق، وحيوانات أخرى للصيد، وهي كلها تؤدي مهماتها بكل دقة وإتقان (حتى أنّهم افتتحوا مؤخرا مدارس خاصّة لتعليم مختلف الحيوانات)!

فضلا عن ذلك كلّه، فإنّ هناك بعض الآيات التي تدل ـ بوضوح ـ على أنّ للحيوانات فهما وإدراكا، من ذلك حكاية هروب النمل من أمام جيش سليمان، وحكاية ذهاب الهدهد إلى منطقة سبأ باليمن ورجوعه بأخبار مثيرة لسليمان.

ثمّة أحاديث إسلامية كثيرة حول بعث الحيوانات، من ذلك ما روي عن أبي ذر قال: بيّنا أنا عند رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم إذ انتطحت عنزان، فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم «أتدرون فيما انتطحتا؟» فقالوا: لا ندري، قال: «ولكن الله يدري وسيقضي بينهما»(١.

وفي رواية بطرق أهل السنة عن رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم في تفسير هذه الآية أنّه قال: «إنّه يحشر هذه الأمم يوم القيامة ويقتص من بعضها لبعض حتى يقتص للجماء من القرناء»(٢).

وفي الآية (٥) من سورة التكوير يقول سبحانه: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) وهي دليل آخر على ذلك.

الحشر والتكليف

تطرح هنا مسألة يتوقف فهم الآية عليها، وهي هل أن مقولة تكليف الحيوانات معقولة، مع أنّ من شروط التكليف العقل، ولهذا لا يكون الطفل والمجنون مكلّفين؟ فهل للحيوانات ذلك العقل الذي يؤهلها للتكليف؟ وهل يمكن أن نعتبر الحيوان أكثر عقلا وإدراكا من الصبي غير البالغ ومن الجنون؟ فإذا لم يكن له مثل هذا العقل والإدراك، فكيف يجوز أن يكلّف، وبأي تكليف؟

للجواب على هذه السؤال نقول: إنّ للتكليف مراحل ودرجات، وكل مرحلة تناسب درجة معينة من العقل والإدراك، وانّ التكاليف الكثيرة المفروضة في القوانين الإسلامية على الإنسان تتطلب مستوى رفيعا من العقل والإدراك لإنجازها، ولا يمكن أن نفرض مثل تلك التكاليف على الحيوانات طبعا، لأنّ الشرط المطلوب لإنجازها غير متوفر في الحيوانات، إلّا أنّ مرحلة من التكاليف البسيطة التي يكفي لها ما يناسبها من الفهم والإدراك يمكن تصورها وقبولها في الحيوان ولا يمكن إنكارها، بل من الصعب أن نرفض كل تكليف بشأن الأطفال والمجانين القادرين على فهم بعض المسائل، فالصبي الذي لم يبلغ سن الرشد ـ كأن يكون عمره ١٤ ـ سنة مثلا ـ لو ارتكب جريمة قتل، وهو عالم بكل أضرار هذا العمل، فلا يمكن اعتباره بريئا، والقوانين الجزائية في العالم تضع عقوبات على بعض جرائم الأطفال غير البالغين، وإن كانت العقوبات أخف طبعا.

وعليه، فإنّ البلوغ واكتمال العقل من شروط التكليف في المراحل العليا المتكاملة، أمّا في المراحل الأدنى، أي في الذنوب التي لا يخفى قبحها حتى على من هم أدنى مرتبة، فان البلوغ والتكامل العقلي ليسا شرطا لازما.

فإذا أخذنا اختلاف مراحل التكليف واختلاف مراتب العقل بنظر الاعتبار، يمكن حل قضية الحيوانات أيضا بهذا الشأن.

*مقتطف من تفسير الأمثل

الهوامش:

(١) تفسير مجمع البيان، ونور الثقلين في تفسير الآية المذكورة.

(٢) تفسير المنار، ذيل الآية، والجماء عكس القرناء: الحيوان الفاقد للقرن.