الهواتف تربي أطفالنا ونحن نتفرّج!

كنتُ جالسة أنجز بعض الأعمال على حاسوبي، بالقرب مني ابنتي ذات الثلاث سنوات تشاهد الرسوم المتحركة على الجهاز اللوحي، وابنتي الأخرى ممسكة بهاتفي الخليوي تكتشف ألعاباً جديدة، وابنتي الثالثة تشاهد التلفاز.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وبينما أنا منغمسة في تحضير أفكار أنشطة تربوية مفيدة جديدة، سمعتُ ضحكة ابنتي الكبرى، التفتُ ونظرتُ إلى هذه الفتاة الرائعة، وأصغيتُ بتمعن إلى ضحكتها البريئة، ثم نظرتُ إلى ابنتي الصغرى أتأمل تفاصيلها الجميلة وابنتي الثالثة المشاغبة الذكية وحركاتها العفوية، وتذكرتُ عبارة ذاك الطبيب المتخصص بالأمراض الاستقلابية وأمراض الجهاز العصبي حين قال “أصبحنا في زمن تُترك فيه مهمة تربية الأطفال للشاشات، زمن يلعب فيه الأهل دور المتفرج ويتركون مهمة التربية للحاسوب أو الموبايل أو الألعاب الإلكترونية”.

أغلقت الحاسوب سحبت الأجهزة من أيدي أطفالي، حملتهم وأجلستهم على الأريكة، وبدأنا بجلسة دغدغة كادت لا تنتهي بقدر ما كنتُ مشتاقة إلى سماع ضحكاتهم، هؤلاء الكائنات يحملون كماً هائلاً من الحب والطاقة الإيجابية في نفوسهم البريئة، هم قادرون على هزم كل خيبات الكون التي قد تصيبنا بصفائهم وتصرفاتهم العفوية الخالية من ملوثات عالم الكبار.

ثم أحضرنا المعجون وبدأنا نصنع أشكال الحيوانات ونسميها ونقلد أصواتها ونضحك، فعلياً لم أكن أنا من يهتم بهم، بل كنتُ ألعب معهم، هم مَن كانوا يعتنون بالجزء الطفولي من شخصيتي، كلنا داخلنا طفل صغير يحتاج إلى أن يتحرر من قيود المجتمع ويضحك بعفوية لبعض الوقت.

توقفوا عن إهدار وقتكم ووقت أطفالكم على وسائل “اللاتواصل” الاجتماعي!

إننا نقع في الفخ دون أن نشعر، مَن منا لا يستسهل الأمور ويسلم أطفاله تلك الأجهزة كي يتسنى له إنجاز الأعمال المنزلية أو ربما الاستراحة أو القيام بأي عمل آخر، من منا لا ينغمس هو نفسه لساعات متسمرا أمام شاشة حاسوب أو جهاز لوحي أو هاتف، مقلباً صفحات “اللاتواصل” الاجتماعي دون توقف.

ماذا عن تلك الأيام حين كان أسعد وقتٍ نمضيه ذاك الذي نقضيه معاً، نتحدث، نضحك، نلعب أو حتى نتشاجر. انعدم التواصل كلياً، أصبحنا نجلس على مائدة الطعام كالغرباء.. كأننا في غيبوبة تكنولوجية بعيدة الأمد.

يجب لكل منا أن يضع قواعد محددة بشأن تلك الأجهزة. حتى لو كنا سنصنف بالرجعيين” أو “القديمي الطراز”، يجب أن نحدد وقتاً كل يوم للجلوس والتحدث مع أطفالنا كل يوم، وقتاً للعب معهم، ويجب أن تلغى الشاشات في الجلسات الجماعية أو عند الخروج، عند زيارة الأقارب، في المطاعم، وقت تناول الطعام في المنزل.

نحن نتجه إلى بناء جيل بعيد كل البعد عن التواصل الاجتماعي الفعلي، جيل يتسم بالخجل وانعدام الثقة ومشاكل في التعبير، جيل يتخفى فيه الأطفال خلف الشاشات، يتنمرون على بعضهم البعض، ينتقدون الآخرين، يضحكون ويبكون وفق ما يشاهدون، لم يعد هناك عودة حقيقية إلى الذات، لم يعد هناك متسع للوقت كي يفكروا أو حتى كي نفكر نحن فيما فعلناه خلال يومنا، في أخطائنا، في تحسين ذاتنا، في خطط مستقبلية، أصبحنا مبرمجين كالرجال الآليين، مهما كانت الظروف صعبة ومهما كان الوقت محدوداً، لا يجب أن ينعدم التواصل اليومي مع أطفالنا دون أن نشعر، تحت أي ظرفٍ كان.