تشكو نساء كثيرات في مجتمعنا من إهمال أزواجهن في واجباتهم تجاه أولادهم، فقد أصبح من الشائع أن التربية هي مسؤولية الأم، وأما تربية الأب فهذا أمر غير متعارف عليه.
[اشترك]
وهذه تعتبر مشكلة اجتماعية كبيرة، حيث أن التربية لا بد أن تكون بمشاركة الوالدين معا، بحسب الأمهات وعلم النفس أيضا.
الاتكال على الأم في التربية
تكشف مريم عن رغبتها بالانفصال عن زوجها بسبب عدم قبوله بتحمل مسؤولية طفليهما، إذ تهتم وحدها بهما منذ صغرهما، الابنة (10 أعوام) والابن الصغير (6 أعوام).
وتلفت مريم إلى أن حياتها الاجتماعية شبه معدومة وكل المسؤولية تقع على عاتقها، وهو يتكل عليها بحجة تعبه من العمل والمشاكل الحياتية، فيأتي إلى المنزل مرهقا ليعطيها المال ويطلب منها أخذ الأولاد في نزهة لإبعادهم عنه، وكأنهم مصدر تعب.
وغالبا ما يشتكي أنهم يأخذون وقته وطاقته وليس لديه وقت حتى لأخذ قسط من الراحة، وكل ما يقوم به هو الصراخ والتذمر، أو يكون دوره فرض نظام وإعطاء نصائح، وهذا ما يدفعهم للنفور منه، ويكلمهم بلغة الأمر ولا يتوقف عن تأنيبهم لدرجة أنه خسرهم بأسلوبه، وباختصار فهو لم يحافظ على علاقة صحية مع أولاده، كما تقول مريم.
وأوضحت أنها حاولت دائما اختيار الوقت المناسب لإشراك زوجها بتربية الطفلين، حيث تناقشه في مشاكلهما وملاحظاتها عليهما، وتنبهه لتقصيرهما في الدراسة، كما عملت جاهدة على إشراكه في تدريسهما، وتطلب منه الذهاب لمدرستهما والسؤال عنهما، لكن النتيجة كانت بلا فائدة.
الوصول إلى نقطة اللاعودة
وشددت مريم على أن السعادة لا تأتي من الفراغ، بل من تعاون الزوجين بتربية أطفالهما، خاصة أن الضغوط النفسية التي تعاني منها الأم كبيرة والزوج غير مكترث بحل هذه المشكلة، وذكرت مريم أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة وهذا يعني الطلاق الحتمي.
وتنهي حديثها بالقول، إن عدم استقرار الأسرة وغياب دور الأب في التربية يسببان التفكك الأسري، فدور الأب في حياة الأطفال مهم جدا خاصة من الناحية النفسية المستقرة.
وتضيف أن تربية الأب لأبنائه ودوره في حياتهم لا يتوقف عند نقطة معينة أو مرحلة ما بل يستمر مدى الحياة، فالأب هو القدوة ومصدر الأمان والحب والحنان والمرشد والناصح والصديق والسند في الشدائد والحاضر في اللحظات المهمة والفارقة، والمنخرط بحياة أبنائه، حيث يعرف عنهم كل صغيرة وكبيرة ولا يقدم عليهم ما سواهم.
أهمية وجود الأب مع الأم
أما الزوج حافظ السيد فيقول إنه أصبح من الضروري أن يقدم الزوج المساعدة لزوجته ويتحمل معها المسؤولية، لأن هذه المهمة ليست منوطة فقط بالأمهات، فهذا واجبه كأب، وقد اعتاد على تحمل المسؤولية منذ ولادة أول طفل، ولا يغفل أبدا عن كل ما يتعلق بالأولاد على صعيد أدائهم المدرسي وتصرفاتهم اليومية.
ويشدد على أهمية تقاسم مسؤوليات تربية الأولاد، فمهمة الرجل اليومية لا تقتصر فقط على الذهاب إلى العمل وتأمين لقمة العيش لعائلته، ولكن يمكنه أن يقسّم وقته بالاتفاق مع زوجته، فمثلا هو يدرس أولاده بعد عودته من العمل، بينما تتولى زوجته الأعمال المنزلية.
وبرأي السيد، أن الأم عاطفية بطبيعتها ولهذا يجب على الأب أن يعلم أبناءه الصلابة، إذ يجيد التعامل مع المواقف التي تضعف فيها الأم ولا تقوى على مواجهتها.
تقاسم المهام والمسؤوليات
إضافة إلى أن الزواج نفسه حياة مشتركة، فإنه على الزوج أن يكون رحيما في تعامله مع زوجته ويفكر بالمسؤوليات التي يتركها تقوم بها وحدها، إذ من المعروف أن تربية الأطفال من أصعب المهام وأكثرها حساسية، وهذا يعني أنه ليس من حق الزوج أن يلقي كل المسؤوليات على زوجته لأنها سوف تنهار، حسب السيد.
ويشير السيد إلى أن وجود الأب في المنزل ليتقاسم المسؤوليات مع زوجته يشكل قدوة لأولاده، إلى جانب ذلك سيكون حاضرا لمراقبة كل ما يحصل فلا يلقي أحد اللوم على الآخر، ولا يحمله المسؤولية بأي شيء لأن المهام والمسؤوليات مشتركة دائما.
غياب دور الأب وشخصية الطفل
ترى المعالجة النفسية مستشارة العلاقات الأسرية والتربوية الدكتورة تانيا كرم أن الأب هو الهرم الرئيسي في العملية التربوية، وعلى كل أب أن يدرك مدى أهمية وجوده داخل هيكل الأسرة، وتشير إلى أن هذا الوجود لا يتمثل فقط بالمال أو الحضور الشكلي، بل بالحنان والعاطفة والحوار، وتعليم الطفل مبادئ الحياة بشكل مباشر.
وتوضح الدكتورة تانيا أن التربية مسؤولية مشتركة بين الأبوين حيث يحمل الأب بعض المهام والصفات التي عليه زرعها بالأبناء، وتحمل الأم بعضها الآخر، لكن المجتمع العربي للأسف أصبح يحمّل الأم المسؤولية كاملة، خاصة عندما تكون هناك أخطاء ومشاكل لتوجه إليها أصابع الاتهام على الفور، كونها هي المدرسة الكبرى، أما الأب فيكفيه العمل وجلب المال!
وتؤكد كرم أن العمل لم يعد حجة مقنعة للآباء الراغبين بالتملص من مسؤولياتهم التربوية لأن الرجل والمرأة أصبحا متساويين في مجال العمل وفي تحمل أعباء الحياة، ولهذا بات واضحا أن الآباء يتهربون بطبيعتهم من هذه المسؤوليات ولا يدركون أنهم بهذا الموقف السلبي يتسببون بالكثير من الآثار السلبية التي تبقى مترسبة في شخصيات أبنائهم، فغياب دور الأب يؤدي إلى ضعف شخصية الطفل بالدرجة الأولى، وعدم نضج معرفته بالعالم الخارجي والحياة الاجتماعية.
وتلفت إلى أن 90% من شخصية الطفل تتكون ما بين 5-8 أعوام حيث يكون الطفل في هذا العمر بأمسِّ الحاجة لوجود الأب بجوار الأم، ليبني الطفل شخصية متوازنة.
دور الأب في تربية الفتاة
بحسب تانيا، فإن الأب يساهم بتعميق شعور الفتاة بدورها الأنثوي، عن طريق معاملته المميزة لابنته عن إخوتها الذكور، مما يرسخ شعور الأنثى لديها ويدعم تقبلها لذاتها والنجاح بتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، ويعلمها الحياة ويضعها على طريق النجاح المهني كما يعلمها ما يجب أن يكون عليه سلوكها مع زوج المستقبل.
وتتابع كرم قولها إن الأب يستطيع تحقيق التوازن الأسري، من خلال اهتمامه بأبنائه ومصاحبتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم، فعليه مساعدتهم في حل مشاكلهم، ومعرفة أصدقائهم.
وتشدد على ضرورة أن يكون الأب مرشدا لأطفاله ومقوِّما، مستخدما الشدة والحزم إلى جانب الرفق والتسامح، كما أن عليه أن يكون دائما لأبنائه بمثابة الصديق المخلص سواء كان موجودا بالفعل معهم أو غائبا، حاضرا بمبادئه وأفكاره الراسخة بأذهانهم.