ما هي مصادر أحداث عاشوراء وكيف وصلت إلينا؟

بعض الحوادث حدودها من الزمان مدّتها فقط، فلا تشغل أكثر من خمس دقائق، مثل طعامك قبل شهر استغرق عشر دقائق، ثمّ إنّك نسيته فضلاً عن سائر الناس، ثمّ ينتهي.

نعم، لو كان فيه جهة محرّمة، كأن يكون غصباً أو حراماً، فإنّ تبعته تبقى، وأثره الوضعي يستمر، وهكذا لو كان فيه جهة خيّرة.

وهناك بعض الحوادث طبيعتها أن تبقى وتؤرّخ ؛ لما فيها من الجهة العامّة التي ترتبط بالآخرين، كما هو الحال في المعارك العقائدية والمناظرات الفكرية، بل الأحداث السّياسية.

وقضية الإمام الحسين (عليه السّلام) تحتوي على كلّ عناصر البقاء والاستمرار في التاريخ، بل في وعي الأُمّة الإسلاميّة، لذلك انتقلت بتفاصيلها الكثيرة، بمواقف أبطالها، وكلمات شجعانها، ورجز مُقاتليها من جهة، وانتقلت بعمق مأساتها، بجروح الضرب والتنكيل، والسّلب والتشهير، وبغربة النساء، وبلوعة الأطفال واليتامى. انتقلت من الأفئدة المكلومة والعيون الباكية إلى صدور الناقلين، ثمّ إلى كتب التاريخ.

ولقد حاول الكثيرون تزييف الحادثة، أو إسدال ستار النسيان على أحداثها، لكنهم خابوا ؛ فما زالت أحداث الواقعة حيّة ساخنة، وكأنّها قد حدثت ليوم خلا.

ويتعجّب الناظر إلى تلك التفاصيل الدقيقة التي ترصد كلّ حركة وكلمة، فمَنْ يا ترى الذي نقل كلّ هذه التفاصيل؟ وما هي مصادرها؟ ويمكن أن نوجز مصادر الواقعة فيما يلي:

  المصدر الأول: التأريخ العام

مثل: تاريخ الطبري، وابن الأثير، والمسعودي وغيرهم , فقد اعتمد هؤلاء المتأخرون على المؤرّخ المعروف لوط أبو مخنف الأزدي، بل قد يمكن القول: إنّ ما جاء في الطبري هو خلاصة لما كتبه أبو مخنف المذكور، وكان في ذلك أكثر من جهة فائدة، فقد فُقد كتاب مقتل الحسين للأزدي وتمّ استخراج ما نقله عنه الطبري بوصفه المقتل، بينما لم يكن كلّ المقتل وما جرى فيه، وهو يروي عن مَنْ شهد الواقعة كحميد بن مسلم بواسطة , والضحّاك المشرقي.

  المصدر الثاني: شهود عيان كانوا في المعسكر الأموي

فإنّ بعضهم كان بمثابة المؤرّخ والناقل للأخبار، مثل:

  ألف: حميد بن مسلم

الذي نقل كثير من أحداث الواقعة.

 باء: كعب بن جابر

الذي لمّا قتل برير بن خضير، عتبت عليه زوجته وقالت أنّها لن تكلّمه، فقال أبياتاً منها:

ولم ترَ عيني مثلـهم في زمــانهم

ولا قبلـهم في الناسِ إذ أنا يافعُ

أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ مَنْ يحمي الذمارَ مقارعُ

 جيم: شخص شهد الواقعة

والذي قال: (ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة، أو الاستيلاء على الملك. فلو كففنا عنها رويداً لأتت على العسكر بكامله، فما كنّا فاعلين لا أُمَّ لك) (راجع ذوب النضار في الأخذ بالثار ـ لابن نما الحلي / 9).

 دال: مثل هلال بن نافع

القائل: (كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه، وقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستسقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه) (راجع مقتل الحسين ـ للمقرّم / 282).

 هاء: هانيء بن ثبيت الحضرمي

القائل: (إنّي لواقف عاشر عشرة لمّا صُرع الحسين، إذ نظرت إلى غلام فأقبل عليه رجل يركض بفرسه حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه وعلاه بالسيف فقتله).

ومثل مسروق بن وائل الحضرمي القائل: (كنت أوّل الخيل ؛ لعلّي أُصيب رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد، فلمّا رأيت ما صُنع بابن حوزة علمت أنّ لأهل هذا البيت حرمة ؛ فتركت القتال) (المصدر السابق / 231).

المصدر الثالث: شهود عيان كانوا ضمن معسكر الحسين عليه السّلام

وهم ما بين ناجٍ من وقعة كربلاء أو أسير قد عفي عنه أو تملص من الواقعة بنحو معين، وهؤلاء قد نقلوا الكثير من أحداث الواقعة، لأنهم أو بعضهم قد رافق الإمام الحسين عليه السلام منذ خروجه من مكة إلى ساعة انتهاء المعركة، مثل كل من:

 ألف: الضحّاك بن عبد الله المشرقي

القائل: (لمّا رأيت أصحاب الحسين عليه السّلام قد أُصيبوا، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبقَ معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا بن رسول الله، قد علمت ما كان بيني وبينك، قلت لك: أُقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً، فإذا لم أرَ فأنا في حلّ من الانصراف، فقلت لي: نعم. قال: فقال: صدقت، وكيف لك بالنجاة ؟! فان قدرت على ذلك فأنت في حلّ.

قال: فأقبلت إلى فرسي، وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تُعقر، أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أُقاتل معهم راجلاً، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين ــ عليه السّلام ــ رجلين، وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين ــ عليه السّلام ــ يومئذ مراراً: لا تشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك ــ صلّى الله عليه وآله ــ.

فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثمّ استويت على متنها، ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفرجوا لي، واتّبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتّى انتهيت إلى شفية، قرية قريبة من شاطئ الفرات، فلمّا لحقوني عطفت عليهم، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي، وأيوب بن مشرح الخيواني، وقيس بن عبد الله الصائدي، فقالوا: هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمّنا، ننشدكم الله لما كففتم عنه.

فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله، لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم. قال: فلمّا تابع التميميون أصحابي كفّ الآخرون. قال: فنجّاني الله).

ومع أن الضحاك لم يحظ بشرف الشهادة بين يدي الحسين عليه السلام ، وفاته هذا التوفيق العظيم إلا أن بقاءه نفع في نقل تفاصيل الواقعة وتفاصيل أحداث ما جرى في المخيم.

باء: عقبة بن سمعان مولى الرباب

الذي صحب الحسين عليه السّلام من المدينة إلى مكة، ومنها إلى العراق، والذي وقع في الأسر فعفا عنه عمر بن سعد ولم يقتله لأنه تحجج بكونه عبد للرباب زوجة الإمام الحسين ولم يكن مختارا في الحضور إلى المعركة، وهو الذي قال: (صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس). (راجع تاريخ الطبري ج4 ص313).

جيم: المرقع بن ثمامة الأسدي

الذي أُسر فاستأمنه قومه فنفاه ابن زياد إلى الزارة، والحسن بن الحسن المثنّى الذي قاتل إلى جانب عمّه الحسين عليه السّلام حتّى قتل سبعة عشر من الأعداء ثمّ قُطعت يده، وأخذه أسماء بن خارجة الفزاري لأنّ أُمّه فزارية.

المصدر الرابع: أئمّة أهل البيت عليهم السّلام

فالإمام السجّاد استفاد من جميع الفرص بما هو غير خافٍ , والإمام الصادق في تشجيعه للراثين والرثاء، وعن طريق نقل الأخبار فقد صلّى ركعتين في الحنّانة، وقال: (هاهنا وضِع رأس الحسين عندما أُخذ للكوفة).

وعندما شبّت النار في الأخبية نقل موضوع حرق الخيام، وتأتيه جارية بطفل في أثناء الرثاء فيذكّر بمصاب الطفل الرضيع.

المصدر الخامس: الزيارات التي صدرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام
ألف: مثل الزيارة المنسوبة للناحية المقدّسة

والتي تعرضت في تفصيل جميل لمقدمات الثورة، ووضع المجتمع الإسلامي في تلك الفترة، والدوافع التي حرّكت الإمام الحسين عليه السّلام للثورة، وكيف كان مسير المعركة، وأخيراً فيها تفصيل للمقتل ممّا صار على ألسنة الخطباء نصّاً ثابتاً: (... فلمّا رأوك ثابت الجأش، غير خائف ولا خاشٍ، نصبوا لك غوائل مكرهم، وقاتلوك بكيدهم وشرّهم، وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء ووروده، وناجزوك القتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسّهام والنبال، وبسطوا إليك أكفّ الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقبوا فيك آثاماً في قتلهم أولياءك، ونهبهم رحالك، وأنت مقدم في الهبوات، ومحتمل للأذيات، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات.

وأحدقوا بك من كلّ الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبقَ لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذبّ عن نسوتك وأولادك حتّى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً تطؤوك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطّغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينُك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفيّاً إلى رحلك وبيتك، وقد شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك، وأسرع فرسك شارداً، وإلى خيامك قاصداً، محمحماً باكياً.

فلما رأينَ النساء جوادك مخزيّاً، ونظرنَ سرجك عليه ملويّاً، برزنَ من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، وإلى مصرعك مبادرات، والشمر جالس على صدرك، مولغ سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورُفع على القنا رأسك، وسُبي أهلك كالعبيد، وصُفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات، يُساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يُطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق ؛ لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السّنن والأحكام، وهدموا قواعد الإيمان، وحرّفوا آيات القرآن، وهملجوا في البغي والعدوان...). (راجع كتاب المزار للمشهدي ص503).

باء: وزيارة الإمام الحجّة للحسين عليهما السّلام، والتي فيها أسماء الشهداء مع الحسين عليه السّلام مع أسماء قاتليهم. وتوجد زيارات كثيرة في المضمون نفسه تعلم بالتتبع.

والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سادة الأنام محمد وأهل بيته الأطهار.