كيف سيصلي عيسى خلف الإمام المهدي وهو ميت؟!

إن خروجِ عيسى بنِ مريم عليهِ السلام بعدَ خروجِ الإمامِ المهدي عليهِ السلام أمرٌ قد تسالمَ عليه علماءُ الإسلام قاطبةً والرواياتُ به قد بلغَت حدَّ التواتر.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وأمّا دعوى أن عيسى مات كباقي الأنبياء؛ فلا توجدُ آيةٌ واحدة في القرآنِ تدلُّ على موتِ عيسى بنِ مريم عليهما السلام، بل الموجودُ في القرآنِ مِن آياتِ الكتاب تثبتُ حياته.

قالَ تعالى: (وَقَولِهِم إِنَّا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذِينَ اختَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا). (النساء:158). 

فهذهِ الآيةُ المباركةُ تنفي عنهُ القتلَ والموتَ مطلقاً –بل رفعَه اللهُ إليه-.

ولعلَّ مراد البعض منَ الآياتِ التي تدلُّ على موتِ عيسى بنِ مريم عليهِ السلام هيَ قولهُ تباركَ وتعالى: (إِذ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرجِعُكُم فَأَحكُمُ بَينَكُم فِيمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ). (ال عمران:56).

وهذهِ الآيةُ لا تدلُّ على موتِه، وأكثرُ الظنِّ أنّهم تمسكوا بكلمةِ (متوفّيكَ إليّ)، والحالُ أنَّ هذهِ الكلمةَ تدلُّ على الحياةِ لا الموت. لأنَّ كلمةَ (متوفّيك) تدلُّ على الإكمالِ والإتمام.

قالَ الرّاغب: الوافي: الذي بلغَ التمام. يُقال: درهمٌ وافٍ، وكيلٌ واف، وأوفيتُ الكيلَ والوزن. قالَ تعالى: {وأوفوا الكيلَ إذا كِلتم} [الإسراء/35]، وفى بعهدِه يفي وفاءً، وأوفى: إذا تمّمَ العهدَ ولم ينقض حفظَه،...

وتوفيةُ الشيء: بذلهُ وافياً، واستيفاؤه: تناولهُ وافياً. قالَ تعالى: {ووفّيَت كلُّ نفسٍ ما كسبَت} [آلُ عمران/25]، وقالَ: {وإنّما توفّونَ أجورَكم} [آلُ عمران/ 185]، {ثمَّ توفّى كلُّ نفسٍ} [البقرة/281]، {إنّما يوفّى الصابرونَ أجرَهم بغيرِ حساب} [الزمر/10]،  {يا عيسى إنّي متوفّيكَ ورافعُكَ إليّ} [آلُ عمران/55]. مفرداتُ ألفاظِ القرآن ـ نسخةٌ مُحقّقة (2/ 525).

ومعنى الآيةِ المُباركة، إنّ اللهَ تعالى أخذَ عيسى إليهِ أخذاً كاملاً، أي بروحِه وبدنِه، وهذا المعنى يتطابقُ ومعنى الآيةِ السابقةِ وهيَ قولهُ تعالى: (بل رفعَه اللهُ إليه).

وأمّا قولهم: (والثاني أنَّ عيسى الذي ذُكرَ في الأحاديث أنّه سيُصلّي وراءَ المهدي هذا شبهُه وليسَ هوَ بنفسِه والدليلُ على ذلكِ هذه الآية « وَ لَمَّا ضُرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلاً إِذا قَومُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ»!.).

فجوابُه إنَّ هذه الآيةَ لا دلالةَ فيها مُطلقاً على أنَّ الذي سيظهرُ معَ الإمامِ المهدي عليهِ السلام هو شبهُ عيسى وليسَ هو.

بل المرادُ منها بيانُ حالةِ العنادِ والجدلِ العقيم الذي كانَ يعتري مُشركي قريش ذلكَ الزمان، حينَما سمعوا ما له عليهِ السلام منَ الكرامةِ عندَ اللهِ تعالى والمنزلةِ الرّفيعة، أضافوا له عليهِ السلام الصفاتِ الموجودةَ له في الإنجيلِ المُحرّف، مِن كونِه إلهاً، ولم يلتفتوا الى ما وصفَ اللهُ به عيسى عليهِ السلام في القرآنِ مِن كونِه عبداً للهِ تعالى.

أي أنّهم أخذوا اسمَ عيسى عليهِ السلام وما خصّه اللهُ به منَ الكراماتِ منَ القرآن، وأخذوا صفاتِ الألوهيّةَ له منَ الإنجيلِ المُحرّف، فقالوا إذن آلهتُنا أفضلُ مِن عيسى بنِ مريم الذي هوَ إلهٌ وابنُ إله.

قالَ العلّامةُ الطباطبائي رحمَه اللهُ تعالى: (والمرادُ بقولِه: "إذا قومُك منهُ يصِدّون" بكسرِ الصاد أي يضجّونَ و يضحكونَ ذمّاً لقريشٍ في مقابلتِهم المثلَ الحقَّ بالتهكّمِ و السخرية، و قُرىءَ "يصُدّون" بضمِّ الصاد أي يُعرضون و هو أنسبُ للجملةِ التالية.

و قولهُ: "و قالوا ءآلهتُنا خيرٌ أم هو" الاستفهامُ للإنكار أي آلهتُنا خيرٌ مِن ابنِ مريم كأنّهم لمّا سمعوا اسمَه بما يصفُه القرآنُ به منَ النعمةِ و الكرامة أعرضوا عنه بما يصفُه به القرآنُ و أخذوه بما له منَ الصفةِ عندَ النّصارى أنّه إلهٌ ابنُ إله فردّوا على النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) بأنَّ آلهتَنا خيرٌ منه و هذا مِن أسخفِ الجدالِ كأنّهم يشيرونَ بذلكَ إلى أنَّ الذي في القرآنِ مِن وصفهِ لا يُعتنى به و ما عندَ النصارى لا ينفعُ فإنَّ آلهتَهم خيرٌ منه. (تفسيرُ الميزان - العلّامةُ الطباطبائي (18/ 60).

وفي الكافي عن أبي بصير ٍقال: (بَينَا رَسُولُ اللَّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ذَاتَ يَومٍ جَالِساً إِذ أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ (عليهِ السلام) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) إِنَّ فِيكَ شَبَهاً مِن عِيسَى ابنِ مَريَمَ وَ لَولَا أَن تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِن أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابنِ مَريَمَ لَقُلتُ فِيكَ قَولًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكَ يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ قَالَ فَغَضِبَ الْأَعرَابِيَّانِ وَ المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ وَ عِدَّةٌ مِن قُرَيشٍ مَعَهُم فَقَالُوا مَا رَضِيَ أَن يَضرِبَ لِابنِ عَمِّهِ مَثَلًا إِلَّا عِيسَى ابنَ مَريَمَ فَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فَقَالَ وَ لَمَّا ضُرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلًا إِذا قَومُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ). (الكافي ج 8 (1/ 100).