هل يوجد دليل على وجوب معاقبة «شارب الخمر»؟!

الحدود الشرعيَّة - كحدِّ الزاني وحدِّ شارب الخمر- شأنُها شأن سائر الفروع والأحكام الشرعية تثبت بالدليل المعتبر كظواهر الكتاب المجيد أو السنَّة الشريفة التي ثبتت بطريقٍ معتبر عن الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع)

 

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وأما ما هو الدليل على الحدِّ على شارب الخمر فهو مضافاً إلى الإجماع بقسميه – كما أفاد صاحب الجواهر(1) -رواياتٌ مستفيضة أو متواترة (2)  واردة عن أهل بيت الرسول (ص) ويُمكن تصنيفها إلى طائفتين:

الطائفة الأولى نصَّت على ثبوت الحدِّ الشرعي على شارب الخمر:

منها: صحيحة أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ يَجِبُ فِيه كَمَا يَجِبُ فِي الْخَمْرِ مِنَ الْحَدِّ" (3)

منها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألتُه عن الفقَّاع فقال:" هو خمر، وفيه حدُّ شارب الخمر"(4)

ومنها: معتبرة ابْنِ فَضَّالٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (ع) أَسْأَلُه عَنِ الْفُقَّاعِ؟ قَالَ: فَكَتَبَ يَقُولُ:" هُوَ الْخَمْرُ، وفِيه حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ"(5)

هذه الروايات صريحة في المفروغيَّة عن ثبوت الحدِّ على شارب الخمر، وكان السؤال عن إلحاق سائر المسكرات -كالفقاع - بالخمر من حيث ثبوت الحدِّ على شاربها، وجاء الجواب في الروايات الثلاث بأنَّ مطلق المسكرات ملحقةٌ بالخمر من حيث ثبوت الحدِّ على شاربها ، وثمة رواياتٌ أخرى نصَّت على ذلك، وفيما نقلناه غنىً وكفاية.

الطائفة الثانية نصَّت على أنَّ الحدَّ الشرعي على شارب الخمر ثمانون جلدة:

منها: صحيحة سليمان بن خالد، قال: "كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجلدُ في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر، ويقتل في الثالثة كما يقتلُ صاحبَ الخمر"(6)

ومنها: بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: " إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) يُضْرَبُ شَارِبُ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وشَارِبُ النَّبِيذِ ثَمَانِينَ"(7)

ومنها: معتبرة سماعة عن أبي بصير قال : " كان عليٌّ (عليه السلام) يجلدُ الحرَّ والعبدَ واليهوديَّ والنصرانيَّ في الخمرِ والنبيذِ ثمانين، فقلتُ : فما بالُ اليهوديِّ والنصرانيِّ ؟ فقال :" إذا أظهروا ذلك في مصرٍ من الأمصار لأنَّه ليس لهم أنْ يظهروا شربَها "(8)

ومنها: معتبرة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ: "كَانَ عَلِيٌّ (ع) يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ والنَّبِيذِ ثَمَانِينَ الْحُرَّ والْعَبْدَ والْيَهُودِيَّ والنَّصْرَانِيَّ قُلْتُ: ومَا شَأْنُ الْيَهُودِيِّ والنَّصْرَانِيِّ ؟ قَالَ: "لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا شُرْبَه يَكُونُ ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ"(9) 

ومنها: صحيحة أَبِي الْمَغْرَاءِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ:" كَانَ عَلِيٌّ (ع) يَجْلِدُ الْحُرَّ والْعَبْدَ والْيَهُودِيَّ والنَّصْرَانِيَّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ"(10) 

ومنها: صحيحة بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: "إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) يُضْرَبُ شَارِبُ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ وشَارِبُ النَّبِيذِ ثَمَانِينَ"(11)

ومنها: معتبرة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ رَجُلٍ شَرِبَ حُسْوَةَ خَمْرٍ؟ قَالَ: " يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً قَلِيلُهَا وكَثِيرُهَا حَرَامٌ" (12)

ومنها: صحيحة ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ: "حَدُّ الْيَهُودِيِّ والنَّصْرَانِيِّ والْمَمْلُوكِ فِي الْخَمْرِ والْفِرْيَةِ سَوَاءٌ، وإِنَّمَا صُولِحَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْرَبُوهَا فِي بُيُوتِهِمْ.."(13)

وتقريبُ الاستدلال بالرواية واضحٌ فإنَّ حدِّ الفرية – القذف- ثمانون جلدة كما نصَّ على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}(14) فمقتضى التسوية بين حدِّ الفرية وحدِّ شارب الخمر هو أنَّ حدَّ شارب الخمر ثمانون جلدة .  

ومنها: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ إِنْ شُرِبَ مِنْهَا قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً قَالَ ثُمَّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وقَامَتْ عَلَيْه الْبَيِّنَةُ، فَسَأَلَ عَلِيّاً (ع) فَأَمَرَه أَنْ يَجْلِدَه ثَمَانِينَ، فَقَالَ قُدَامَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ عَلَيَّ حَدٌّ أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِه الآيَةِ { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا}  قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ (ع) لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّ طَعَامَ أَهْلِهَا لَهُمْ حَلَالٌ لَيْسَ يَأْكُلُونَ ولَا يَشْرَبُونَ إِلَّا مَا أَحَلَّه اللَّه لَهُمْ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ (ع): إِنَّ الشَّارِبَ إِذَا شَرِبَ لَمْ يَدْرِ مَا يَأْكُلُ ولَا مَا يَشْرَبُ فَاجْلِدُوه ثَمَانِينَ جَلْدَةً" (15)

وثمة رواياتٌ أخرى كثيرة دلَّت على أنَّ حدَّ شاربِ الخمر ثمانونَ جلدة ، وفيما ذكرناه غنىً وكفاية للتثبُّت من استفاضة الروايات الدالَّة على ذلك وهي مقتضية للاطمئنان بالحكم .

 الهوامش:

1-جواهر الكلام – النجفي- ج41/ 449.

2- جواهر الكلام – النجفي- ج41/ 451.

3-الكافي الكليني- ج7/ 216، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 230.

4-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 98، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 238.

5- الكافي الكليني- ج6/ 424، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 25/ 360.

6-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 97، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 236.

7- الكافي الكليني- ج7/ 214، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 224.

8-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 91، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 227.

9- الكافي- الكليني- ج7/ 215، تهذيب الأحكام – الطوسي- ج10/ 91، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 236.

10-الكافي -الكليني- ج7/ 216، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 228.

11- الكافي الكليني- ج7/ 214، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 224.

12-الكافي الكليني- ج7/ 214، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 219.

13- الكافي الكليني- ج7/ 216، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 184

14- سورة  النور: 4.

15-الكافي الكليني- ج7/ 215، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج 28/ 222.