لماذا نقلّد المرجع الأعلم؟

الإنسان بطبعه إذا احتاج للعمل فيما يجهله يرجع للعالم به، وعلى ذلك جرت سيرة الناس في جميع أمور معاشهم ومعادهم، كالطب والهندسة وعلم الدين وغيرها.

وعليه دلت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) المتضمنة للرجوع للعلماء والفقهاء. وهو حينئذ يكتفي بطبعه تبعاً لمرتكزاته بمن يتيسر له الوصول إليه من العلماء وأهل المعرفة، من دون أن يتقيد بالأعلم.

أما إذا التفت لاختلاف العلماء وأهل الفن فيما وصلوا إليه وفيما هو مورد الحاجة له ـ كما هو الحال في عصورنا حيث ظهر اختلاف فتاوى العلماء في رسائلهم العملية، وبسبب البعد عن منابع التشريع ومصادره وتعقد مقدمات الاجتهادـ، فإنه لابد أن يتوقف ويفحص عن الحق من الأقوال، لرجوع اختلافهم إلى أن كل عالم يخطّئ الآخر فيما وصل إليه، ومع تخطئة بعضهم لبعض فما المبرر للرجوع لهم والعمل بقول بعضهم دون بعض؟!

ولذا ورد في كثير من الموارد رجوع الشيعة للأئمة (عليهم السلام) عند اختلاف العلماء، لأن قولهم (عليهم السلام) هو الفصل في تمييز المخطئ من المصيب، ومعرفة الحق من الباطل.

ففي حديث خيران الخادم: «كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه، فإن الله إنما حرم شربها، وقال بعضهم: لا تصل فيه.

فكتب (عليه السلام): لا تصل فيه، فإنه رجس...». (وسائل الشيعة: 2 / 1017)

وفي حديث سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ قال: يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه» (وسائل الشيعة: 18 / 77). إلى غير ذلك.

نعم مع تعذر معرفة الحق، لعدم تيسر الرجوع لمن قوله الفصل ـ كما هو الحال في عصرنا هذا عصر الغيبة والمحنة ـ فالأعلمية من المرجحات العقلائية التي يعتمد عليها الناس في جميع أمورهم.

وهل يمكن لعاقل أن يعتمد في أمور معاشه في الطب والهندسة والقوانين الوضعية وغيرها على قول غير الأعلم، وترك قول الأعلم عند اختلافهما؟! فكيف بأمر الدين الذي به السعادة والنجاة من الهلكة الدائمة؟! وكيف يمكن التفريط به باتباع غير الأعلم عند الاختلاف؟! وبماذا يجيب الله تعالى إن سأله يوم يعرض عليه ويقف بين يديه؟!

وهل تكون أوامر الله تعالى ونواهيه أهون من الأمور الطبية والهندسية والقوانين الوضعية ونحوها من أمور الدنيا الفانية، ليتسامح فيها؟! وكفى بهذا دليلاً للمنصف، وحجة على المتعسف.