فقهيات

أقسام فرعية

أقسام فرعية

هل زيارة الأربعين من شعائر المذهب؟ هكذا علق ’الخوئي’ و ’السيستاني’!
يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاءين بخصوص زيارة الأربعين لكل من المرجع الراحل السيد أبو القاسم الخوئي (قدس)، وسماحة المرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله).

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاءين:

  1. السيد الخوئي: إقامة العزاء في الأربعين من شعائر المذهب!
  • سؤال 1391: يقام في ذكرى الاربعين من كل عام مواكب العزاء، ويصور مشاهد ذلك اليوم من الخيام والخنادق وما شابه، ويصادف أن يقف النساء لمشاهدة الموقف، ومن هنا قال بعض الناس لما كانت هذه الاعمال تسبب موقف النساء إلى جنب الرجال وما قد يسببه هذا من أمور لا ترضي الله سبحانه فإنه يجب ترك هذا العمل فما تقولون؟
  • السيد الخوئي: لا يجب ترك العمل المزبور، ولا بأس به في نفسه، بل هو من شعائر المذهب، ولكن اللازم أن يسد طريق الفساد ويمنع منه، والله العالم.
  • (صراط النجاةج 2،ص442).
  1. السيد السيستاني: لا يُصغى إلى التشكيك بزيارة الأربعين!
2021/09/11

متى يحق للأم إسقاط جنينها؟!

كتب الشيخ القاضي محمد كنعان:

لا يجوز إسقاط الجنين اختياراً وبداعي أنه ليس لدي رغبة فيه، فلا يجوز ذلك سواء كان عمره ثانية أي مجرد دخول الحويمن إلى البويضة أصبح جنيناً نطفة علقة مضغة إلى آخره من تراتبية الجنين بأي مرحله من مراحله الجنينية لا يجوز إسقاط الجنين عمداً، لا من قبل الأبوين ولا من قبل غيرهما.

[اشترك]

متى يجوز إسقاط الجنين؟

في حالات محددة عند ما يكون بقاء الجنين موجباً لضرر لا يُحتمل -عادةً- على المرأة التي تحمله وكأن ببقاء الجنين بجسدها سيتسمم جسدها، وتموت، فيجب استنقاذ حياة الأم، وإلا ستموت؛ فيجوز الأسقاط.

السيد السيستاني يقول أيضاً: إن كان هناك حرج لا يحتمل عادة حرج شديد جداً بحيث أنه هي لم تموت، ولكن سيتفاقم مرضها أو ستقع في حرج شديد جداً لا تستطيع تحمله أجاز السيد السيستاني الإسقاط قبل أن يبلغ الجنين أربعة أشهر. (موقع المرجع)

يبقى هنا أحكام الدية فيما لو أسقط الإنسان عمداً وجوب أن تُدفع الدية، مرة الأم تُسقط فيجب أن تدفع للأب، وأحياناً الأب يجبرها على الإسقاط فيتواطآن معاً فيسقطه الطبيب، أو الطبيبة؛ فيجب على المباشر الذي هو الطبيب أو الطبيبة أن يدفعا الدية، وبعض الفقهاء يستشكلون إذا تواطأ الأبوان لا دية لهما، وإنما الدية للحاكم الشرعي، وهنا تفصيل كبير في المسألة.

السؤال: هل يحقّ للأم أن تسقط جنينها من دون خطر على حياتها إذا كانت غير راغبة به، ولم تلجه الروح؟

الجواب: لا يبرّر لها ذلك إسقاط الجنين، وإن فعلت فعليها الدية والكفّارة، إلاّ إذا أوجب الحمل وقوعها في الحرج الشديد الذي لم تجرِ العادةُ بتحمّل مثله، فلا يحرم حينئذ قبل ولوج الروح.

السؤال: امرأة حامل أسقطت جنينها عمداً، وقد ولجت فيه الروح، فكيف تكفِّر عن خطيئتها؟

الجواب: تستغفر ربها، وتدفع الكفارة حتى إذا كانت تتضرر من بقائه أو تقع في حرج شديد منه على الاحوط وكفارة القتل العمدي هو الجمع بين عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا لكل واحد ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام، ومع العجز عن بعض الخصال ـ كالعتق ـ تستغفر بدلاً. هذا بالإضافة إلى وجوب التراضي مع وليّ الدم بشأن الدية.

السؤال: ما هي دية إسقاط الجنين في كلّ مرحلة من مراحل تكوّنه؟

الجواب: يكفي دية الحمل بعد ولوج الروح فيه دفع خمسة آلاف ومائتين وخمسين مثقالاً من الفضة إن كان ذكراً، ونصف ذلك إن كان أنثى، سواء أكان موته بعد خروجه حياً أم في بطن أمه على الأحوط لزوماً.

ويكفي في ديته قبل ولوج الروح فيه دفع مائة وخمسة مثاقيل من الفضة إن كان نطفة، ومائتان وعشرة مثاقيل إن كان علقة، وثلاثمائة وخمسة عشر مثقالاً إن كان مضغة، وأربعمائة وعشرين مثقالاً إن كان قد نبتت له العظام، وخمسمائة وخمسة وعشرين مثقالاً إن كان تام الأعضاء والجوارح، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى على الأحوط لزوماً.

وتستوي خلقة الجنين في فترة تستغرق ثلاثة أو أربعة أشهر من زمان انعقاد نطفته، ثمّ تحل فيه الروح الإنسانية، وفي تحديد مراحل تكوّنه إشكال، والمشهور في تحديد مراحله أنّه أربعون يوماً نطفة وأربعون يوماً علقة وأربعون يوماً مضغة، ولكنّه محل إشكال أو منع، والأحوط مع الشكّ في انتقاله من أيّة مرحلة إلى أخرى التراضي في ديته بصلح أو نحوه، وإن كان الأقوى الاجتزاء فيها بالمقدار الأقل ما لم يثبت الانتقال.

2021/09/08

لماذا خلقنا الله؟!

لنطرح السؤال بهذه الطريقة، ما الغرض من خلق الإنسان؟ ولماذا خلقنا؟

[اشترك]

یمكن أن نعرف الإجابة من خلال مشاهدة الآیات والروايات التي تؤصل للفكرة التالية: أن الغرض من خلق الإنسان هو وصوله إلی كمال الخلق، فقد خلق الله الإنسان لیصل إلى الكمال.

توضيح:

الهدف من أي فعل هو أحد المعاني الثلاث:

1. توخي الربح و الحد من الضرر: یشاهد الانسان في نفسه احتیاجات و نواقص تحفزه للعمل، و رفع العیوب عنه و تلبیة الرغبات.

2. إرباح الآخرین: إذا أراد الإنسان القیام بفعل، فإن هدفه الأول هو إرباح الآخرین، لكن الغرض من ذلك العمل في الواقع: هو التكامل الروحي والتوازن والاستقرار النفسي والباطني. فعلی سبیل المثال: الأب الذي یسهر علی تربیة و تعلیم ابنه، تراه یتعب نفسه و یتعذب، و یقول: لیس له غرض و هدف سوی مصلحة الابن، لیكون ابناً نموذجیاً و مثالیاً، و هو یعلم جیداً أن امتلاك الابن البار الجید هو من أعظم الشرف و أعلی الكمال، وفي مثل هذه الغایات و الأهداف أیضاً، فإن هدف الانسان هو تكامل النفس، ولكن لوصوله إلی هذا الهدف، یسعی إلی تكامل الآخر.

3. إذا لم یراع الفاعل مصالحه الذاتیة، بل یرعی مصلحة الآخر وإيصال المنفعة له، حاله حال الأم التي تنسی نفسها، وتعشق ابنها، لتكون كالفراشة، تحترق وتطیر، إذ هي لا تفكر بنفسها ومصلحتها. والمثال الآخر المشابه لهذا المورد: الانسان المغرم، الذي یغفل عن نفسه بالتضرع والعبودیة لله، قال علي (ع): «الهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك و لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»، فلیس في هذا الهدف: ذاته و مصلحته الشخصیة، بل ینسی نفسه، فیظهر من خلال هذه المقاصد و الأهداف الثلاث، علینا أن ننظر أياً من هذه الأهداف الثلاثة هي مورد اهتمام الله عز و جل في خلق الإنسان والعالم؟ أما النوع الأول والثاني فلیس هما المراد بالتأكيد، لأن الله غني، فإذا عرفنا الله كذلك، وعلمنا أن الله وجود لانهاية له وغني، ولا مجال للنقص والحاجة في ذاته، یتضح حینئذ أن الهدف في فعل الله هو المعنی الثالث فقط، وهو عبارة عن: إيصال المنافع إلی مخلوقاته، و التكامل من كل جانب، و ورفع نواقصهم واحتیاجهم.

قال الشاعر الایراني ما معناه:

لم أخلق الخلق لأربح، بل لأفیض علیهم من جودي [1].

إنه لم یكن یرد أن یرفع حاجة عن نفسه، لأنه غني، و لم یقم بشأن الخلق، لیدفع نقصاً عن نفسه، لأنه منزه عن العیب و النقص. لقد خلق الله العالم و الإنسان لتتحرك كلها نحو الكمال، ویوصلوا القوة والقدرة الكامنة في ذواتهم إلی الكمال والفعلیة.

خلق العالم، لیستثمره الانسان في رفع احتیاجاته، وإداراك كمالاته منه. خلق الانسان، ومنحه الإرادة، لیختار بنفسه طيّ مسیرة التكامل، وینزه نفسه عن النقائص.

إن الغرض من خلق الكون والإنسان: هو التكامل القسري، و التكامل الإرادي، و عدم الوعي الذاتي للعالم، و الرغبة الذاتیة للإنسان، خلق ذلك كله لتكامل الإنسان، و الإنسان للقرب الإلهي، قال الشاعر الإیراني: الغیوم والریاح والشمس والقمر والنجوم  كلها مسخرات بأمره، من أجل أن تحصل علی رغیف الخبز، و لا تغفل[2].

لقد بعث الله الأنبیاء و الرسل من الخارج والعقل من الداخل لهدایة البشر، و وفر له المرافق والمستلزمات المادیة والمعنویة، وجعل خلق الكون و سائر المخلوقات وسیلة وصول الانسان إلی الكمال.

لقد خلق الله في الواقع هذا العالم بهذه العظمة وتنوعت مخلوقاته، فاختار الانسان رائداً من جمیع المخلوقات، ولو لم یخلق مخلوقاً بهذه الموهبة والقابلیة كالانسان، لكان محلاً لهذا السؤال: لماذا یخلو الكون عن وجود مثل هذا المخلوق؟ و لكي یصل إلانسان إلی الكمال، فقد بیّن طریق الوصول إلی الكمال بوضع القوانین واللوائح من قبل الأنبیاء، بالإشارة  إلی هذه المسألة، وهي: أن القرآن الكریم یقول: «و ما خلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون»[3]، فالغرض الأصلي كمال الإنسان، وعبادة الله: هي السبیل الوحید للوصول إلی هذا الكمال، أما بشأن خلق الملائكة و سائر الكائنات أیضاً، فعلینا أن نلتفت إلی أن السنن الكونیة الإلهیة تسیّر كافة شؤون العالم عبر قنواتها الخاصة، فخلق الملائكة، لیناط بكل منهم وظائف و واجبات محددة به، فیضطلع علیها كل منهم وفقاً لسیر السنن الإلهیة.

2021/09/07

لا تخرج إلا بإذن زوجها.. هل يلغي الإسلام شخصية الزوجة؟!

هناك حكم شرعي يقول: المرأة الزوجة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلاّ بإذن الزوج في غير ما يجب فيه الخروج عقلاً وشرعاً، وهذا المنع ليس متفرّعاً على وجوب التمكين، وإنّما هو تكليف مستقلّ، فلا يجوز لها الخروج من البيت إلاّ بإذن الزوج وإن لم يستلزم من ذلك تفويت حقّ الزوج في الاستمتاع، وقد دلّ على هذا الدليل الشرعي من النصوص الصحيحة.

[اشترك]

وهنا نبحث هذا الحكم، وهل يعتبر مخالفاً لكون الزوجية سكناً ومعاشرة بالمعروف؟

وهل يكون هذا الحكم تقييداً للزوجة الإنسانة وحدّاً من حريتها؟

وهل يكون هذا الحكم مخالفاً لسلطنة المرأة الزوجة على نفسها وأفعالها؟

أوّلاً: يجب علينا أن نفهم أنّ هذا الحكم لا يشمل الخروج الواجب من البيت، كما إذا كان الخروج لمراجعة الطبيب أو للمداواة أو لأداء واجب كأداء فريضة الحج، كما أنّه لا يشمل الخروج الضروري الذي يحكم به العقل، فالخروج الواجب الشرعي والعقلي لا يتوقّف على إذن الزوج بحال من الأحوال.

ثانياً: لابدّ من معرفة حدود هذا الحكم، فهل يشمل هذا الحكم صورة تحكّم الزوج في منعه الزوجة من الخروج من البيت؟

قال البعض: لا يجوز تحكّم الزوج في منع زوجته من الخروج من البيت؛ لأنّ ولايته عليها في هذا الشأن وتسلّطه (إن جعلناه تسلّطاً) إنّما هو لتكميل نقص الزوجة المولّى عليها، فيكون المنع دائماً في صالحها. أمّا في صورة التحكّم فليس المنع في صالحها، فتسقط ولاية الزوج عليها في منعها من الخروج من البيت.

ولكن هذا التصوّر باطل؛ لأنّنا لا نعترف بنقص المرأة، بل هي كاملة في إنسانيتها وخلقتها وعقلها وفي أداء وظيفتها، ولو كانت ولاية الزوج عليها في المنع من خروجها من البيت لنقص فيها للزم جعل هذا الحقّ قبل زواجها للأب أو للأخ، وبما أنّه لا توجد ولاية على المرأة البالغة الرشيدة قبل زواجها للأب، بل الولاية جعلت للزوج فقط، فيفهم أنّ الولاية للزوج في منع زوجته من الخروج من البيت ليس لتكميل نقص المرأة المدعّى.

والجواب الصحيح أن نقول:

1 ـ إنّ هذا الحكم محدود بحدود تبجيل واحترام وتعظيم الزوج، فهو حكم خاص بالزوج، ويكشف عن هذا الأمر الكلمات الموجودة في بعض الروايات، كعنوان الطاعة وعنوان عدم العصيان، فيكون الحكم بعدم خروجها من بيت الزوج إلاّ بإذنه هو تعبير ثان عن إطاعة الزوجة للزوج، وهذه الإطاعة واجبة في عدم خروجها إلاّ بإذن الزوج، فلو خرجت بدون إذنه عدّ ذلك مخالفاً لاحترام الزوج، ولذا جاز لها الخروج لأداء واجب أو للضرورة حيث يكون الخروج في هاتين الصورتين منسجماً مع احترام الزوج.

وعلى هذا سيكون الرضى الباطني لخروج الزوجة من البيت كافياً لخروجها، بمعنى أنّ الزوجة لو كانت تعلم بأنّها لو سألت الزوج في خروجها من البيت لوافق على ذلك فيجوز لها أن تخرج حينئذ؛ لأنّ الاحترام للزوج المنسِّق للحياة الزوجية موجود بينهما.

وأيضاً لو سافر الزوج سفرة طويلة، وعند سفره لم ينهها عن الخروج من البيت لزيارة صديقاتها، ثمّ أصبح منقطعاً عن أجواء زوجته وبيته، بحيث لو سُئل عن إجازته لتصرّف زوجته بالخروج لزيارة صديقة معينة، فلا يتمكّن أن يجيب بنعم أو لا، ففي مثل هذه الصورة لا نقول بأنّ خروج الزوجة من البيت لهذا الأمر متوقّف على إجازة الزوج؛ لأنّ الزوج محترم، سواء خرجت لهذا الأمر أو لم تخرج.

وكذا لو نشز الزوج (كما إذا ترك الحقوق الواجبة للزوجة) فهنا لا نقول بأنّ خروجها من البيت منوط بإذن الزوج؛ لسقوط احترامه بنشوزه.

وكذا لو كان منع الزوج لزوجته من الخروج من البيت تحكّماً صارخاً وعناداً محضاً، فهنا أيضاً لا نقول بأنّ الخروج منوط بإذن الزوج.

ثمّ إنّه إذا تحدّد خروج الزوجة من بيت زوجها في حدود احترام الزوج احتراماً واجباً، فحينئذ لانفرّق بين أن يكون تصرّفها منوطاً بإذن الزوج لها أو بمنع الزوج لها، فإنّ عدم الإذن أو المنع المعيّن إذا كان يجعل خروجها من البيت هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه فهما على حدٍّ سواء.

وكذا يتحدّد هذا الحكم في حدود احترام الزوج لنفسه، فان كان ظالماً في منعه أو عدم اذنه للخروج أو متحكماً أو مخالفاً للشرع، فلا يكون الخروج متوقّفاً على إذنه أو عدم نهيه ومنعه؛ لأنّ من يظلم الآخرين ويتعدّى عليهم فلا يحترم أيضاً.

ولهذا ورد في روايات صحيحة أنّه: "لا يمين للزوجة مع زوجها" 1، وهذا أيضاً محدّد بحدود احترام الزوج، وألا يكون يمين الزوجة في مورد هتكاً للزوج ومخالفاً لاحترامه، ونحن نتمكّن أن نقول إذا لم ياذن الزوج في يمين، أو إذا نهى عن يمين معينة، فإن اليمين لا ينعقد للزوجة في هذه الصورة حيث يكون يمين الزوجة هتكاً للزوج فلا يجوز.

ولذا نتعدّى من اليمين إلى النذر والعهد فنقول: إنّ النذر والعهد من الزوجة بدون إذن الزوج أو مع نهيه لا يكون صحيحاً; لأنّه يكون خلاف احترام الزوج الذي دلّت الروايات على وجوب احترامه هنا.

2 ـ توجد نكتة اُخرى ـ غير احترام الزوج ـ وهي أنّ الإسلام رأى أنّ قيادة البيت إلى شاطئ السلامة وعدم الانحراف بيد الزوج، والزوج قد يشكّ في مدى قدرة زوجته على حفظ نفسها من غير المحارم، أو يشكّ في مدى قدرتها على عدم التميّع عند خروجها من البيت، أو قد يرى الزوج أنّ هذا الخروج يستوجب دخول بعض الأشخاص في العلاقات الشخصية لحياتهم الزوجية، وهذا كلّه يوجب عدم إسعاد الحياة المشتركة بين الزوجين، ففي هذه الحالات يجوز له أن يمنع الزوجة من الخروج من البيت أو من دخول بعض البيوت المعيّنة التي يراها تؤثّر سلباً في إسعاد حياتهم الزوجية.

وكذا إذا خاف الزوج على زوجته من خطر يهدد حياتها، أو من خطر تسيّب الأطفال الذي يجب على الأب تربيتهم تربية صالحة، فكلّ هذه الاُمور يُعقل فيها منع الزوج زوجته من الخروج خارج البيت مثلاً.

ولكن حتى مع هذه النكتة الإضافية لاحترام الزوج في ولايته المنطقيّة نقول: يخرج الزوج عن ولايته على زوجته في منعها الخروج من البيت إذا علمنا أنّه يتحكّم في أعمال الولاية؛ لأنّ هذا الحكم كان بملاك احترام الزوج وقيادته لبيت الزوجية إلى شاطئ السلامة والأمن، فالتحكّم ينافي الاحترام كما ينافي قيادة البيت إلى شاطئ السلامة والأمن والسعادة الزوجية، حيث تواجه المرأة هذا التصرّف بتصرّف معاكس ما يؤدي إلى السلبيات الكثيرة في بيت الزوجية.

ملاحظة

عندما نقول: إنّ الإسلام أراد للمرأة أن تحترم زوجها في طاعتها له وفي عدم خروجها من بيته إلاّ باذنه، فليس معنى ذلك أنّ الرجل لا يكترث باحترام الزوجة والمرأة، بل وردت الروايات الحاثّة للزوج على تكريم الزوجة واحترامها، وهذه بعض الإشارات إلى ذلك:

1 ـ الإنفاق والإحسان إلى النساء: فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من كان له ثلاث بنات، فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه، أوجب الله تعالى له الجنة البتة، إلاّ أن يعمل عملاً لا يغفر الله له" 2. والإنفاق والإحسان نوع احترام للمرأة.

2 ـ احترام المرأة مقياس للتفاضل: فقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "خياركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي" 3. وهذا من فروع التقوى الذي فيه تفاضل، وهو نوع احترام للمرأة.

3 ـ إدخال الفرح على المرأة: فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما من رجل يدخل فرحة على امرأة وبينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة"(3) 4. وإدخال الفرح نوع احترام وتقدير.

4 ـ سعة الصدر في المواقف المتشنّجة: فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه" 5. وهذا أيضاً نوع احترام وتقدير لها عند سوء خلقها وعدم مقابلتها بالمثل.

5 ـ تحريم أساليب القوّة المحرّمة: فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من ضرب امرأة بغير حقّ فأنا خصمه يوم القيامة، لا تضربوا نساءكم، فمن ضربهن بغير حقّ فقد عصى الله ورسوله" 6.

6 ـ حفظ سرّ المرأة: فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ يفشي سرّها" 7.

7 ـ الوصايا بالنساء: فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر وصية له: "الله الله في النساء، فإنهن عوان عندكم وفي أيديكم، أخذتموهن بعهد الله" 8. وهذا التوصية بها هو نوع احترام لها كما هو واضح.

وقال (صلى الله عليه وآله): "ما أكرم النساء إلاّ كريم، ولا أهانهن إلاّ لئيم" 9.

وقال (صلى الله عليه وآله): "أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة" 10.

إذاً اتضح ما تقدّم، فسيكون المفهوم هو أنّ احترام الزوج أقوى وأهم من احترام الزوجة، كالاحترام بين الابن والأب، فكلّ منهما محترم إلاّ أنّ احترام الأب أكثر وأقوى من احترام الابن، كما أنّ العطف على الابن والصغير والمرأة يكون أقوى من العطف على الأب الكبير والرجل.

ولهذا الاحترام للزوج الذي أقوى وأهم من الاحترام للزوجة نرى أنّ الشارع المقدّس قد جعل استحباب إطاعة الزوجة لزوجها في اُمور منها:

1 ـ إطاعة الزوجة زوجها في التصرّف بمالها في الصدقة والعتق والهبة والتدبير والنذر، فليس لها التصرّف بهذه الاُمور لغير الآخرين إلاّ برضى الزوج.

2 ـ ليس لها أن تصوم تطوّعاً إلاّ باذن الزوج 11.

وبما أنّ الزوج ليس له ولاية على أموال الزوجة وتصرفاتها فيها، وليس له ولاية على أفعالها العبادية كالصوم والصلاة إذا لم تنافِ حقّ الاستمتاع، فهي ليست خادمة أو مملوكة للزوج، فحينئذ ستكون أفعالها هذه إمّا مستحبة أو جائزة أو مكروهة أو محرّمة أو واجبة.

أمّا المحرمة فلايجوز أن تفعلها، منع منها الزوج أو أجازها.

وكذا التصرّفات الواجبة، كما لو كانت قد حلفت بإذن الزوج أن تنفق على طفل معيّن، وأجاز لها الزوج، فيجب عليها الانفاق عليه، سواء وافق على ذلك أو امتنع منه.

وحينئذ تبقى أنّ هذه الأفعال إمّا جائزة أو مستحبة أو مكروهة، وستكون القاعدة الأولية هو جواز فعلها للزوجة، إلاّ أنّ احترام الزوج ـ الذي إن لم يكن واجباً فهو مستحب ـ يجعل الميزان يتحرّك إلى احترام الزوج عند تعارض احترام الزوج وإجازته، مع أفعال المرأة المستحبة والجائزة والمكروهة من باب أنّ المستحب يتقدّم على الجائز والمكروه، وأنّ استحباب إطاعة الزوج تكون أقوى من استحباب هذه الأفعال للمرأة 12.

الهوامش:

1. وسائل الشيعة 16: باب 10 من كتاب الايمان، حديث 2.

2. سنن أبي داود 2: 630.

3. مجمع الزوائد 4: 303.

4. المحجة البيضاء 3: 119.

5. مكارم الأخلاق: 245.

6. تحف العقول: 175.

7. صحيح مسلم 4: 175.

8. السيرة النبوية، لابن هشام 2: 604.

9. مختصر تاريخ دمشق 7: 50.

10. وسائل الشيعة 14: 121، حديث 4.

11. ذكر البعض أنّ الأحوط عدم صوم الزوجة بدون إذن الزوج و إن كان الأقوى الجواز إذا لم يمنع من حقّه، ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه. راجع منهاج الصالحين / للسيد الخوئي/ ج1 / ص 288 كتاب الصوم.

12. أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي لسماحة الشيخ حسن الجواهري.

2021/07/24

تائبٌ من أكل ’لحوم الأموات’.. آخر من يدخل الجنة!

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ( 12- الحجرات)

ما مدى صحّةِ حديثِ: التّائبُ منَ الغيبةِ آخرُ مَن يدخلُ الجنّةَ، وهل يتعارضُ مع الحديثِ: التّائبُ منَ الذّنبِ كمَن لا ذنبَ له؟

[اشترك]

يظهرُ مِن كلماتِ عُلمائِنا حينَ تعرّضوا لهذا الحديثِ أنّه لا إشكالَ فيه، كما يبدو أنّ أصلَ هذا الحديثِ منَ الأحاديثِ القُدسيّةِ، إذ وردَ نصُّه وِفقاً لِـما يلي: أوحى اللهُ عزَّ وجلَّ إلى موسى بنِ عمران أنّ المُغتاب إذا تابَ فهوَ آخرُ مَن يدخلُ الجنّةَ وإن لم يتُب فهوَ أوّلُ مَن يدخلُ النّار.[ينظرُ: بحارُ الأنوار، ج ٧٢، العلّامةُ المجلسي، ص ٢٢٤، ص259].

ثُمَّ إنّ هذا الحديثَ لا يتعارضُ مع الحديثِ المشهورِ: (التائبُ منَ الذّنبِ كمَن لا ذنبَ له). وإنّما يفيدُ أنّ التائبَ منَ الغيبةِ إذا حسُنَت توبتُه وندمَ واستغفرَ ربّه جلّ وعلا مِن ذلكَ العملِ الشنيعِ، فإنّ اللهَ سُبحانَه وتعالى سيقبلُ توبتَه، فيرفعُ عنهُ عقوبةَ الغيبةِ، فيكونُ حاله كحالِ مَن لا ذنبَ له، ولكن في الوقتِ نفسِه فإنّ اللهَ سُبحانه وتعالى سيؤخّرُ دخولَه إلى الجنّةِ حتّى لا يتساوى معَ مَن لم يرتكِب الغيبةَ في حياتِه، فيتميّزُ بذلكَ صاحبُ السّلوكِ الصّحيحِ والمنهجِ القويمِ مِن غيره، وهذا بحدِّ ذاته يُعَـدُّ مِصداقاً مِن مصاديقِ العدالةِ الإلهيّةِ في التمييزِ والتفضيلِ بينَ المُسلمينَ بمُختلفِ أصنافِهم واتجاهاتهم سواءٌ أكانوا منَ الأنبياءِ والرّسلِ أم كانوا مِن أتباعِهم، وهيَ ثقافةٌ واضحةٌ ينشرُ مفاهيمَها القرآنُ العظيمُ في كثيرٍ مِن آياتِه، قالَ تعالى: (تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ مِنهُم مَن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرَجَاتٍ وَآتَينَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَلَو شَاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَمِنهُم مَن كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرةُ : 253]. وقالَ تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُمَا أَبكَمُ لَا يَقدِرُ عَلَى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَولَاهُ أَينَمَا يُوَجِّههُ لَا يَأتِ بِخَيرٍ هَل يَستَوِي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ) [النّحلُ : 76].وقالَ تعالى: (لَا يَستَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجرًا عَظِيمًا) [النّساءُ : 95]، وقالَ تعالى: (وَمَا لَكُم أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لَا يَستَوِي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ).

2021/07/10

لماذا فرض الله ’الحجاب’ على المرأة دون الرجل؟

نحن لا نستطيع إدراك علل الأحكام، فنحن لا نعرف لماذا فرض الله على النساء الحجاب ولم يفرض على الرجال الحجاب.

[اشترك]

نعم، نستطيع ان نعطي فرضيات ولكن مع ذلك لا نستطيع القول ان ذلك هو العلة الحقيقة لفرض الحجاب، فالأحكام الشرعية لا يجوز الاعتراض عليها بعد التصديق بالله ورسوله.

نعم، من الحق المناقشة في الدليل الذي دل على وجوب ذلك الفعل على النساء وعدم وجوبه على الرجال، وليس من الحق الاعتراض على نفس الفعل، وإلاً لاعترض الرجل وقال لماذا الجهاد واجب على الرجل، ولماذا النفقة واجبة على الرجل ولماذا المهر على الرجل، ولاعترض كل من الرجل والمرأة فقالا: لماذا الصلاة واجبة والصيام واجب ووو؟ ولا تنتهي المسألة عند حد.

فالاعتراض إذا مرفوض بعد التصديق بوحدانية الله وبرسالة الرسول وانه جاءنا بأحكام شرعية إلزامية.

نعم، كما قلنا من حقنا عدم قبول تكليف معين إذا لم يكن الدليل الدال عليه ناهضاً وهي مسؤولية الفقهاء.

وما ذكر من حكمة لوجوب الحجاب على المرآة من انها صاحبة مفاتن ومحاسن كثيرة فلابد من سترها، وجه صحيح، بخلاف الرجل فانه وان كان هناك بعض الرجال مثل نبي الله يوسف (عليه السلام) كان مثار اعجاب بعض النساء إلا انه فرد نادر ولا يمكن ان تقاس الأحكام عليه.

كذلك تجدر الإشارة إلى أنه لا علاقة بين غض البصر والحجاب فهما حكمان مختلفان، فالرجل عليه ان يغض البصر عن المرأه المحجبة والسافرة وفق تفاصيل مذكورة في كتب الفقه، وكذلك المرأة عليها ان تغض البصر عن الرجل بكل حال.

وما ذكر من قصة الأعمى، فان رسول الله أمرهن بغض البصر لا بالحجاب, ومجرد افتراض أن المرأة تتأثر بالنظر إلى الرجل لا يعني وجوب الحجاب على الرجل، بل وجوب غض البصر عنه.

ثم إنه لو فرض ان امرنا الرجل بالحجاب، فهل معنى ذلك جواز نظر المرأة إلى الرجل المحجب حتى مع فرض تأثر المرأة بشهوة؟ الفقهاء طبعاً سوف لا يفتون بذلك، كما لا يفتون بجواز النظر إلى المرأة المحجبة مع الشهوة.

والحصيلة ان هناك حكمان أحدهما غض البصر وهو حكم عام للرجال والنساء، وحكم آخر خاص بالنساء وهو الحجاب، ولا علاقة لأحدهما بالآخر.

*نقلاً عن "مركز الأبحاث العقائدية"

2021/06/16

الله وأفعالنا.. هل الإنسان مجبور كـ ’الآلة الميكانيكية’؟

الفعل الإنساني

الله ... الانسان ... الفعل

تناولت العلاقة بين عناصر هذا الثلاثي ثلاثة من المدارس الاسلامية وهي:

[اشترك]

1ـ الاشاعرة: التي تقول بالجبر، وهو أن الانسان مجبور على مايقوم به من الفعل، والفاعل الحقيقي هو الله، فالإنسان بمثابة الآلة الميكانيكية التي تتحرك وفق ما يحركها به العامل، وقد استند الاشاعرة في قولهم هذا على آيات منها قوله تعالى (لايسأل عما يفعل) و ( نحن خلقناهم ومايصنعون)، واحتجوا بأن لو كانت ثمة إرادة مستقلة للإنسان فستكون إرادة قبالة إرادة الله وهذا ما لايمكن. وقد واجهوا مشكلة المساس بعدل الله، فكيف يجبر الله العبدَ على فعل ثم يحاسبه عليه؟!، لاشك أن هذا ظلم والظلم قبيح لاينبغي نسبته الى الله.

عالج الاشاعرة الإشكال بأن جعلوا معيار الافعال من قبح وحسن منوطا بالله وليس العقل، فالقبح ماقبحه الشارع (الله) والحسن ماحسنه الشارع. ولسنا هنا في معرض المناقشة والرد ولكنها همسة في أذن القائلين بالجبر والذين مازالوا بين ظهرانينا الى يومنا هذا... إن الجبر يحيل الانسان والفعل الانساني وصراع الخير والشر والانبياء وكل ماعدا ذلك من مصاديق الوجود الى أرذل المذاهب العبثية حيث يفقدها كل معنى بعد أن حوّل الكون الى آلة ضخمة تعمل أجزاؤها بشكل آلي مبرمج من قبل صانعها، بل إنه حوّل الله تعالى الى كائن سادي يلتذ بما يعانيه الطيبون الاخيار، الذين أجبرهم ـ الله ـ على مايفعلون، جراء مايفعله بهم الاشرار الاقوياء الذين أجبرهم على مايفعلون.

2ـ المعتزلة: القائلون بالتفويض، ومفاد ماقالوه هو أن الله أودع الانسان كل مستلزمات الفعل من قدرة وامكانية وبصيرة بموارد الشر والخير ثم تركه. تماما كما يصنع النجار الكرسي ثم ينفصل عنه نهائيا. ولاشك في أن ماتقوله المعتزلة تحقيق لمبدأ العدل، ولكنها وقعت في مشكلة الارادة.. فماذا لو أراد الانسان فعلا وأراد الله خلاف ذلك الفعل؟!

إن المعتزلة يجرونا بفكرة التفويض الى حالة أقرب الى الالحاد، فالملحد يكتفي بظاهر العلة المادية ممتنعا عن الخوض فيما هو أعمق من ذلك، فالحديد يتمدد بالحرارة نتيجة تباعد جزيئات الحديد بالنار، ولكن لماذا تتم عملية التباعد بتأثير النار؟ ومن أين تستمد مادة النار حرارتها؟ فلايخوض فيها. والمعتزلي هنا يجعل دور الله هو أنه خلق اليد ثم تركها كما يصنع النجار الكرسي ثم ينفصل عنه، ولنأت لحركة اليد، وهي تبدأ من فكرة أو إرادة في الذهن المجرد ـ حين يقرر الانسان أن يحرك يده ـ وهذه الارادة تنتقل من الذهن المجرد الى الدماغ المادي فيوعز الدماغ عصبا، وهو أقرب مايكون الى الشحنة الكهربائية، الى اليد دون سائر الاعضاء الاخرى، فتتقلص عضلة اليد بالشكل الذي يتلاءم مع الارادة الكائنة في الذهن.. هل يمكن أن يتم هذا من تلقاء نفسه؟! ومن دون الفيض الالهي!

3ـ الامامية: وفيها يقول الامام الصادق ع (لا جبر ولاتفويض وإنما أمر بين أمرين)، فالفعل كيما يتم صدوره من الانسان لابد من توفر الارادة والقدرة، وهنا الارادة من الانسان والقدرة من الله، وبذلك تنحل المشكلتين، حيث أن الانسان ـ هنا ـ يقوم بالفعل بإرادته واختياره فيكون مستحقا للعقاب والثواب، وإذا ما أراد الله خلاف ما يريده الانسان سلبه القدرة على الفعل.

إن إشكالية الفعل التي خاضت بها هذه المدارس الثلاث لاتقف عند حدود حركة الانسان أو شروعه في فعل معين، خيرا او شرا، بل بالوجود الانساني برمته ومعنى تواجده في الحياة. فالأشاعرة بفكرة الجبر قد عطلت كل المبادرات الانسانية الساعية الى التكامل والبناء وتحقيق الغايات والاهداف في هذه الحياة. والمعتزلة قطعت الصلة بين الانسان والله الذي هو العلة الأساس الذي لابد من توفرها لنجاح الانسان في مساعيه البناءة. ولم يعد ثمة جدوى للدعاء أو الالتجاء الى الله في أي شأن من شؤون الحياة. فيما نرى التوفيق واضحا وجليا في اتجاه مدرسة أهل البيت عليهم السلام من خلال الإشارة الى أن لكل من الله والعبد دور يتم من خلاله الفعل. وكما قال النبي الاكرم صلى الله عليه واله (إعقل وتوكل) 

واما العلم، فلايستثنى في النوع الانساني أحد في  القدرة على تمييز الخير والشر، وإذا ما احتج أحد بنسبية القيم واختلاف الثقافات والقناعات بين الناس، فإنه  يخلط أصول القيم وثوابتها وبين المتغيرات فيها، حيث أن الثبات للفضيلة والخير والعدل وأما أفعال الناس فهي مظاهر ومصاديق لها وفيها يتم الاختلاف. إن المرأة الغربية حين تظهر شبه عارية على البحر ترفض الظهور بالمظهر نفسه في محل آخر تبدو فيه كعاهرة.

واذا ماوجدت انماطا بشرية ذات شأنية خاصة، مثل وجود أناس ـ في يومنا هذا ـ يقتاتون على لحوم أموات البشر. فإننا نتحدث هنا على مستوى الشكل العام والسوي ثم إن هؤلاء البشر المقتاتين على لحوم الاموات يجدون في نفوسهم رفضا لأن يعتدي احدهم على الاخر وميل الى فعل الخير كما يتصورونه.

2021/05/27

2021/05/18

غني وفقير: هل ینسجم اختلاف أرزاق الناس مع العدل الإلهی؟!

إن التفاوت بین دخل الأفراد ینبع من التفاوت بالاستعدادات، وهو من المواهب والنعم الإلهیّة، وإنْ أمكن أنْ یكون بعض ذلك اكتسابیاً، فالبعض الآخر غیر اكتسابی قطعاً. وحكمة وجود التفاوت فی الاستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الاجتماعی، ولیكون التفاوت فی الإستعدادات دافعاً لتربیة وإنماء الإستعدادات المختلفة للأفراد.

[اشترك]

من هنا ینبغی الإلتفات إلى الملاحظتین التالیتین:

1ـ إنّ الإختلاف الموجود بین البشر فی جانب الموارد المادیة یرتبط بالتباین الناشىء بین الناس جرّاء اختلاف استعدادتهم وقابلیتهم من واحد لآخر.

والتفاوت فی الإستعدادین الجسمی والروحی یستلزم الاختلاف فی مقدار ونوعیة الفعالیة الاقتصادیة للأفراد، ممّا یؤدّی إلى زیادة وارد بعض وقلّة وارد البعض الآخر.

ولا شك أنّ بعض الحوادث والاتفاقات لها دخل فی ثراء بعض الناس، إلاّ أنّه لا یمكن أن نعوّل علیها عند البحث لأنّها لیست أكثر من استثناء، أمّا الضابط فی أكثر الحالات فهو التفاوت الموجود فی كمیة وكیفیة السعی (ومن الطبیعی أنّ بحثنا یتناول المجتمع السلیم والبعید عن الظلم والإستغلال، ولا نقصد به تلك المجتمعات المنحرفة التی تركت قوانین التكوین والنظام الإنسانی جانباً وانزلقت فی طرق الظلم والإستغلال).

وقد یساورنا التعجّب حینما نجد بعض الفاقدین لأىّ مؤهل أو استعداد یتمتعون برزق وافر وجیّد، ولكننا عندما نتجرّد عن الحكم من خلال الظواهر ونتوغّل فی أعماق ممیزات ذلك البعض جسمیاً ونفسیاً وأخلاقیاً، نجد أنّهم یتمتعون بنقاط قوّة أوصلتهم إلى ذلك (ونكرر القول بأنّ بحثنا ضمن إطار مجتمع سلیم خال من الإستغلال).

وعلى أیّة حال... فالتفاوت بین دخل الأفراد ینبع من التفاوت بالإستعدادات، وهو من المواهب والنعم الإلهیّة أیضاً، وإنْ أمكن أنْ یكون بعض ذلك اكتسابیاً، فالبعض الآخر غیر اكتسابی قطعاً. فإذنْ وجود التفاوت فی الأرزاق أمر غیر قابل للإنكار من الناحیة الاقتصادیة، ویتمّ ذلك حتى داخل المجتمعات السلیمة.. إلاّ إذا افترضنا وجود مجموعة أفراد كلّهم فی هیئة واحدة من حیث: الشكل، اللون، الإستعداد ولا یعتریهم أیَّ اختلاف! وإذا ما افترضنا حدوث ذلك فإنّه بدایة المشاكل والویلات!

2ـ لو نظرنا إلى بدن إنسان ما، أو إلى هیكل شجرة أو باقة ورد، فهل سنجد التساوی بین أجزاء كلّ منها ومن جمیع الجهات؟

وهل أنّ قدرة ومقاومة وإستعداد جذور الشجرة مساویة لقدرة ومقاومة وإستعداد أوراق الوردة الظریفة؟ وهل أنّ عظم قدم الإنسان لا یختلف عن شبكیة عینه؟

وَهل من الصواب أن نعتبر كلّ ذلك شیئاً واحداً؟!

ولو تركنا الشعارات الكاذبة والفارغة من أیِّ معنى، وافترضنا تساوی الناس من جمیع النواحی، فنملأ الأرض بخمسة ملیارات من الأفراد ذوی: الشكل الواحد، الذوق الواحد، الفكر الواحد، بل والمتحدین فی كلّ شیء كعلبة السجائر.. فهل نستطیع أن نضمن أنّ حیاة هؤلاء ستكون جیّدة؟ ستكون الإجابة بالنفی قطعاً، وسیحرق الجمیع بنار التشابه المفرط والرتیب الكئیب، لأنّ الكلّ یتحرك فی جهة واحدة، والكلّ یرید شیئاً واحداً، ویحبّون غذاءاً واحداً، ولا یرغبون إلاّ بعمل واحد!

و من البدیهی أن حیاة كهذه ستكون سریعة الإنقراض، ولو افترض لها الدوام، فإنّها ستكون متعبة ورتیبة وفاقدة لكل روح. وبعبارة أشمل سوف لا یبعدها عن الموت بون شاسع.

وعلى هذا فحكمة وجود التفاوت فی الاستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الاجتماعی، ولیكون التفاوت فی الإستعدادات دافعاً لتربیة وإنماء الإستعدادات المختلفة للأفراد. ولا یمكن للشعارات الكاذبة أن تقف فی وجه هذه الحقیقة التی یفرضها الواقع الموضوعی أبداً(1).

الهوامش: 1.الأمثل، ج 7، ص 110.

2021/05/16

2021/05/12

الاخباريون ومعارضة الاجتهاد.. السقوط في فخ التفسير الخاطئ!

قد عارض جماعة كثيرة من الإخباريين عملية الاجتهاد ومدرسته، و شجبوا هذه المدرسة شجباً عنيفاً، و في نهاية المطاف علم الأصول، بدون الوعي و الالتفات منهم إلى طبيعة علم الأصول، و أهمية دوره الأساسي في الفقه، و أنه العمود الفقري للعمليات الفقهية في مختلف مجالات الحياة.

[اشترك]

و هذه المعارضة الشديدة من هؤلاء تقوم على أساس نقطتين:

النقطة الأولى: أنهم فسروا كلمة (الاجتهاد) بتفسير خاطئ:

و قالوا: إن الاجتهاد يعني التفكير الشخصي للفقيه في المسألة إذا لم يوجد فيها نص، و هذا التفكير الشخصي يقوم على أثر الاعتبارات العقلية، و المناسبات الظنية التي تؤدي إلى ترجيحه بصفة كونه حكماً اجتهادياً ذا طابع شرعي.

كما كان هذا هو المتداول بين أبناء العامة، فأنهم إذا لم يجدوا نصاً في المسألة عملوا بعقولهم و أفكارهم الشخصية فيها بملاك المناسبات الظنية، و الاستحسانات العقلية، و القياسات الاعتبارية. جعلوا هذه الأفكار الشخصية، و الآراء التي تبتني على تلك الاعتبارات العقلية الظنية مصدراً من مصادر الحكم الشرعي.

و لأجل هذا التفسير الباطل شنَّ هؤلاء الجماعة هجوماً شديداً على مدرسة الاجتهاد و أهلها، و أن هذه المدرسة قد اسست في مقابل مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) و على خلافها، و لذا وردت في ذم هذه المدرسة روايات كثيرة منهم (عليهم السلام).

النقطة الثانية: إن علم الأصول هو العلم الحادث في عصر الغيبة.

و مأخوذ من العامة، فأنهم الأصل فيه، و ليس موجوداً على طول تاريخ الفقه، و في عصر التشريع و زمان الأئمة (عليهم السلام) و لأجل ذلك قالوا: أن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) عملوا على طبق النصوص التشريعية حرفياً و بدون حاجة إلى علم الأصول، و تطبيق القواعد العامة.

فإذا كان هذا هو طريق تحديد المواقف العملية للإنسان تجاه الشريعة في زمان الأئمة (عليهم السلام) لم يجز التعدي عن هذه الطريقة إلى طريقة أخرى و هي- طريقة الاجتهاد- التي لم تكن موجودة في ذلك الزمان لكي يستكشف إمضاؤها.

 

فإذن لا يمكن إثبات أن الشارع قد سمح بطريقة الاجتهاد و الاستنباط، و مع عدم السماح بها لا حاجة إلى علم الأصول، فإن الحاجة إليه تنبع عن واقع حاجة عملية الاجتهاد و الاستنباط إليه.

أما النقطة الأولى:

فلأن تفسير الاجتهاد لدى الأصوليين بالتفسير المذكور تفسير خاطئ لا واقع موضوعي له، فإنهم لم يقولوا بالاجتهاد بالتفسير المزبور في أي تاريخ من التاريخ المعاصر للاجتهاد بداهة أن الاجتهاد عندهم ليس في مقابل النصوص التشريعية مصدراً من مصادر الحكم الشرعي، كيف حيث أنهم شجبوا الاجتهاد بهذا المعنى، شجباً مريراً على طول الخط تبعاً للروايات المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) فإنها وردت في شجب الاجتهاد بهذا المعنى، و ذم من يقوم باستنباط الحكم الشرعي بهذه الطريقة.

بل الاجتهاد عندهم بمعنى استنباط الحكم الشرعي من الدليل، و تعيين الموقف العملي به تجاه الشريعة، و معنى الاستنباط هو تطبيق القواعد العامة المشتركة المحددة- الثابتة حجيتها شرعاً في الأصول بنحو الجزم و القطع- على مواردها الخاصة.

و من المعلوم أن الاجتهاد بهذا المعنى قد أصبح في عصرنا الحاضر من البديهيات، بل الأمر كذلك في تمام العصور أي منذ ولادة الفقه، و لا يسع لأي واحد إنكاره و شجبه حتى من الإخباريين، إذ من الضروري أن النصوص التشريعية ليست قطعية في مختلف جهاتها حتى عندهم. و عليه فبطبيعة الحال كانوا في فهم الحكم الشرعي من تلك النصوص في كل مسألة من المسائل الفقهية بحاجة إلى تطبيق قاعدة عامة عليها كحجية خبر الثقة، و حجية الظهور العرفي، أو نحو ذلك.

و لا يمكن فهم الحكم الشرعي منها في كل مورد و واقعة بدون الاستعانة بهذه القواعد العامة، و تطبيقها، و إن كان ذلك بدون الوعي و الالتفات منهم إلى طبيعة تلك القواعد، و حدودها، و أهمية دورها. و هذه هي عملية الاجتهاد و الاستنباط، و لا نقصد بالاجتهاد إلا فهم الحكم الشرعي من دليله بتطبيق القاعدة العامة عليه، و لا يمكن للأخباريين إنكار الاجتهاد بهذا المعنى، حيث أن إنكاره مساوق لإنكار الفقه نهائياً.

و من هنا لا شبهة في أن بذرة التفكير الأصولي موجودة في آفاق أذهان الأخبارين فإنكارهم للأصول يرجع إلى إنكارهم له بوصف كونه دراسة علمية مستقلة و منفصلة عن البحوث الفقهية. و قد تحصل من ذلك: أن العامة ليسوا هم الأصل في التفكير الأصولي حيث أن هذا التفكير موجود على طول التاريخ: نعم هم الأصل في تأليف الأصول بصورة دراسة علمية مستقلة.

و أما النقطة الثانية:

فقد عرفنا أن عملية الاجتهاد و الاستنباط لم تكن متأخرة تاريخياً عن عصر الحضور بل هي كانت موجودة في ذلك العصر غاية الأمر أن وجودها فيه كان بدائياً و غير معقد أو متطور ثمّ إننا إذا افترضنا أن عملية الاجتهاد متأخرة زماناً عن عصر الحضور و لم تكن موجودة في ذلك العصر و إنما وجدت و برزت في مظهر الوجود في عصر الغيبة.

فحينئذ قد تبدو أمام هذا الافتراض المشكلة الآتية و هي أن عملية الاجتهاد و الاستنباط بما أنها حدثت في عصر الغيبة و لم تكن موجودة في عصر الحضور من ناحية، و غير كاشفة عن واقع التشريع الإسلامي إلا في حدود الظن فقط من ناحية أخرى فمع ذلك كيف يمكن الاعتماد على هذه العملية الظنية رغم أن الإسلام قد منع عن العمل بالظن و الاعتماد على القول بغير العلم.

حل هذه المشكلة بطريقتين

” الطريق الأول”

إن موقف الإنسان أمام الله تعالى- بحكم كونه عبداً له سبحانه و مسئولًا عن امتثال أحكامه و مدعواً من قبل عقله الفطري بالتوفيق بين سلوكه و أفعاله في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، و الفردية، المادية، و المعنوية، و بين الأحكام الشرعية الإلهية يدور بين ثلاث خطوات:

 

الخطوة الأولى: أن الإنسان يقتصر في سلوكه أمام الله تعالى، و إطاعته على خصوص الأحكام الشرعية التي تتمتع بطابع ضروري أو قطعي. الخطوة الثانية: الأخذ بطريقة الاحتياط في مختلف مجالات الحياة.

الخطوة الثالثة: الأخذ بطريقة الاجتهاد، و تعيين الوظائف العملية بها تجاه الشريعة.

و بعد ذلك نقول: أما الخطوة الأولى: فلا يمكن للإنسان- بحكم كونه عبداً للّه تعالى، و يرى نفسه ملزماً ببناء كل تصرفاته و سلوكه في شتى جوانب الحياة على أساس القوانين الشرعية الإلهية- أن يأخذ بهذه الخطوة، لما عرفت من أنها لا تكفي إلا في شطر قليل من مجالات الحياة.

و لازم ذلك: هو أن يكون الإنسان حراً في تصرفاته و سلوكه الاجتماعية، و الفردية إلا في هذا الشطر‌ القليل منها، و من البديهي أن هذا لا ينسجم مع اهتمام الشارع و حكم العقل ببناء كل تصرفاته، و سلوكه في مختلف المجالات على الشريعة من ناحية و كون هذه الشريعة شريعة خالدة متكفلة لحل تمام مشاكل الإنسان على طول الخط من ناحية أخرى.

و من هنا قد أشرنا: فيما تقدم من أن تلك الفئة من الأحكام الإسلامية باعتبار قلتها لا تعالج بها مشاكل الإنسان الكبرى: الاجتماعية، و الفردية بينما كان الدين الإسلامي هو النظام الوحيد لحل المشاكل المعقدة في مختلف مجالات الحياة على أساس أنه يزود الإنسان بطاقات نفسية، و بملكات فاضلة و أخلاق سامية لمعالجة تلك المشاكل المعقدة، و هو يربط بين الدوافع الذاتية و الميول الطبيعية و الاتجاهات الشخصية للإنسان، و بين مصالح الإنسان الكبرى: و هي العدالة الاجتماعية التي قد أهتم الإسلام بها، و هو الوسيلة الوحيدة لحل التناقضات بين الدوافع الذاتية لمصالح شخصية.

و بين الدوافع النوعية لمصالح نوعية، و هو يجهز الإنسان بطاقات غريزة الدين و دوافعه، و بذلك تصبح المصالح العامة للمجتمع الإنساني على وفق الميول الطبيعية، و الدوافع الذاتية، و هذا معنى حل الدين الإسلامي لمشكلة الإنسان الكبرى على وجه الأرض. و لأجل هذا المحذور لا يمكن اقتصار المكلف في مقام أداء الوظيفة على هذه الخطوة فقط.

و أما الخطوة الثانية: فهي و إن كانت في نفسها خطوة جادة إلا أنه لا يمكن الأخذ بها، لأجل أحد محذورين:

الأول: أن كل فرد من أفراد المكلفين لا يتمكن من الأخذ بهذه الخطوة في مختلف مجالات الحياة، و العلاقات مع الآخرين، فإن الأخذ بها يتوقف على معرفة مواردها و هي لا تتيسر لكل فرد.

الثاني: أن هذه الخطوة بما أنها تتطلب انشغال المكلف بالوظائف الدينية بأكثر من اللازم فلاجل ذلك قد تؤدي إلى نتيجة مضادة لها كما فصلنا الحديث عن ذلك في علم الأصول.

و أما الخطوة الثالثة: و هي عملية الاجتهاد و الاستنباط- فهي عبارة عن إقامة المجتهد الدليل في كل واقعة من الوقائع على تحديد الموقف العملي للإنسان تجاه الشريعة بحكم التبعية لها، و يسمى ذلك في المصطلح باسم عملية الاجتهاد و الاستنباط فعلم الفقه هو العلم الذي وضع لهذه العملية، و تعيين المواقف للإنسان تجاه الشرع في تمام الوقائع و الأحداث التي تمر على حياة الإنسان فكلما تجددت المشاكل للحياة بتجدد الوقائع و الأحداث فعلى الفقيه أن يقوم بتحديد الموقف العملي للإنسان أمام هذه المشاكل.

و لأجل ذلك: يتطور علم الفقه و يتسع و يتعمق بتطور الأحداث و الوقائع، و تجدّد المشاكل. فالنتيجة من ذلك: أن علم الفقه يتولى تحديد الموقف العملي لكل إنسان مكلف تجاه الشريعة بحكم تبعيته لها في مختلف سلوكه. هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أن طبيعة هذه العملية في كل واقعة تتطلب تطبيق القواعد العامة عليها، و لا يمكن الاستنباط و الاجتهاد بدون الاستعانة بتطبيقها عليها نهائياً فإن خبر الثقة في كل مورد و واقعة إنما يكون دليلًا على تعيين الموقف العملي و تحديده تجاه الشرع إذا ثبتت حجيته كقاعدة عامة و إلا لم يكن الخبر المزبور دليلًا على الاستنباط و تعيين الوظيفة.

فعلم الأصول موضوع لطريقة تحديد القواعد العامة في الحدود المسموح بها على صعيد البحث النظري. و علم الفقه موضوع لتصدي الفقيه إقامة الدليل في كل مورد و واقعة على تعيين الموقف العملي تجاه الشرع على صعيد البحث التطبيقي.

و من هنا تكون البحوث الأصولية بحوثاً نظرية لتحديد النظريات العامة المحددة، و البحوث الفقهية بحوثاً تطبيقية، و لأجل ذلك تكون عملية الاجتهاد و الاستنباط مرتبطة بعلم الأصول ارتباط الصغرى بالكبرى، و العلم التطبيقي بالعلم النظري فلا يمكن افتراض تجرد علم الفقه عن علم الأصول في تمام مراحل وجوده أي من البداية إلى النهاية.

و نستخلص من ذلك كله أن الاجتهاد و الاستنباط بهذا المعنى- و هو إقامة الدليل على تحديد الموقف العملي تجاه الشرع- أمر لا يقبله الشك، و يكون من البديهيات التي هي غير قابلة للنظر و التأمل فيها إذ بعد ما عرفنا أن الأحكام الشرعية لم تبلغ في الوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل عليها فلا يعقل أن تكون هذه العملية غير مشروعة، حيث أن ذلك مساوق لإهمال الشريعة و تجميدها نهائياً.

و من المعلوم أن ذلك مخالف لضرورة حكم العقل، و الشرع، و لا ينسجم مع خلود هذه الشريعة، و كونها الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل و التناقضات في مختلف سلوك الإنسان على طول الخط. فالنتيجة أن هذه العملية عملية ضرورية تنبع عن ضرورة تبعية الإنسان للشريعة، و مسئوليته أمامها.

ثمّ أن الإخباريين لا يمكن أن يكونوا منكرين للاجتهاد بهذا المعنى، فإن انكاره مساوق لإنكار الفقه نهائياً، حيث قد عرفت أن الفقه هو نفس هذه العملية في كل واقعة و مسألة، و الفرض أنهم لا يكونون منكرين لعلم الفقه، و قد عرفنا أن ارتباط الفقه بالقواعد العامة الأصولية كان ذاتياً على أساس أنها النظام العام في العملية، و يستحيل افتراض تجرده عن هذا النظام العام على طول التاريخ.

تبقى نقطتان من التساؤل:

النقطة الأولى: إن الإسلام كما يسمح للشخص باستنباط حكمه الشرعي و تحديد موقفه العملي تجاه الشريعة هل يسمح له باستنباط حكم غيره و تحديد موقفه العملي تجاها و الافتاء به؟

النقطة الثانية: إن الإسلام هل يسمح بعملية الاجتهاد و الاستنباط في كل عصر، و لكل فرد، أو لا يسمح إلا لبعض الأفراد، أو في بعض العصور؟

أما النقطة الأولى:

فلا شبهة في سماح الإسلام باستنباط حكم الغير، و تحديد وظيفته العملية تجاه الشريعة، و الافتاء به، و حجية هذا الافتاء على الغير فانه- بحكم كونه عامياً و غير مجتهد- مدعو من قبل العقل، و ملزماً ببناء كل تصرفاته و سلوكه في مختلف مجالات الحياة على فتاوى المجتهد و آرائه، و يسمى ذلك في المصطلح العلمي بعملية التقليد.

و هذه العملية عملية ضرورية في الإسلام كعملية الاجتهاد تنبع من ضرورة واقع جهات ثلاث:

 

الأولى: أن كل فرد بحكم كونه عبداً للّه تعالى ملزم من قبل العقل بامتثال أحكامه الشرعية و بتطبيق سلوكه في تمام مجالات الحياة الاجتماعية و الفردية على الشريعة.

الثانية: أن كل فرد من المكلف لا يتمكن من الاجتهاد و عملية الاستنباط و تعيين موقفه العملي في كل واقعة تجاه الشريعة. الثالثة: إنه لا يتمكن من الاحتياط في كل واقعة من الوقائع التي تمر على حياة الإنسان حيث أنه يتوقف على تشخيص موارده، و دفع موانعه، و هو لا يتيسر لكل فرد، و لا سيما في الشبهات الحكمية، إلا أن يكون مجتهداً، أو كان بهداية منه.

و قد تحصل من ذلك أن عملية التقليد كعملية الاجتهاد أمر لا يقبله الشك و تكون من البديهيات و هذه البداهة تنبع في النهاية من بداهة تبعية الإنسان للدين فالمنع عن هاتين العمليتين مساوق للمنع عن التبعية للدين، فاذن لا معنى للنزاع في أن الشارع قد سمح بهاتين العمليتين أو لم يسمح بهما، فإنه كالنزاع في البديهيات، و لا معنى له أصلًا.

ثمّ أن التقليد- مضافاً إلى ما ذكرناه: من أنه عنصر ضروري في الإسلام لتحديد الموقف العملي تجاه الشريعة- مطابق للجبلة و الفطرة أيضا و هي رجوع الجاهل إلى العالم في تعيين مواقفه العملية‌ و قد جرت على ذلك السيرة القطعية من العقلاء، و هذه السيرة موجودة على امتداد عصر التشريع و بدون أي ردع عنها.

إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة: و هي أن الاجتهاد و التقليد في الحدود المسموح بهما عنصران اساسيان في الإسلام، و كل فرد- بحكم التبعية للدين- ملزم بالعمل بأحد هذين العنصرين تحديداً لموقفه العملي من الشرع، و حفاظاً على ظاهر التشريعات الإسلامية و الآثار الإيجابية، و ضبطاً للآثار السلبية المترتبة على عدم العمل بهما.

و أما النقطة الثانية:

و هي سماح الإسلام بعملية الاجتهاد في كل عصر و لكل فرد فهي أيضاً ضرورية و هذه الضرورة تنجم عن ابدية الشريعة الإسلامية من ناحية، و انها الوسيلة الوحيدة لحل تمام مشاكل الحياة المعقدة في كل عصر من ناحية أخرى.

و التبعية التي تفرض على الإنسان للدين في سلوكه بشتى اشكاله من ناحية ثالثة، و النصوص التشريعية الواصلة في هذا العصر ليست من الوضوح بدرجة تغني عن كلفة اقامة الدليل، و بذلك الجهد فيها من ناحية رابعة، و ضرورة عدم الفرق بين عصر دون و فرد دون فرد من ناحية خامسة.

و مجموع هذه النواحي: يستدعي ضرورة حركة فكرية اجتهادية ذات طابع إسلامي على طول الخط لكي تفتح الآفاق الذهنية، و تحمل مشعل الكتاب و السنة في كل عصر، و لو لا هذه الحركة الفكرية الاجتهادية في الإسلام، التي تطورت و تعمقت عصراً بعد عصر بتطور الحياة و اتساعها و تعمقها في مختلف مجالاتها الاجتماعية و الفردية- لم تتبلور اصالة المسلمين في التفكير و التشريع المتميز المستمد من الكتاب و السنة على طول التاريخ في عصر الغيبة.

 

لو لم تكن هذه الحركة الفكرية المسماة في الاصطلاح العلمي بعملية (الاجتهاد) مستمرة في هذا العصر على طول الخط لانطفى مشعل الكتاب و السنة في نهاية المطاف و ظلت المشاكل الحياتية المتجددة في كل عصر بدون حل صارم.

و من هنا يتطور علم الفقه، و يتسع، و يتعمق تدريجياً تبعاً لتطور الحياة، و اتساعها، و تعمقها في تمام المجالات. و من هنا يكون تطور علم الفقه، و اتساعه في تمام المجالات الحياتية على طول الخط يؤكد في المسلمين اصالتهم الفكرية، و شخصيتهم التشريعية المستقلة المتميزة.

فاذن لا بد من قيام جماعة في كل عصر لبذل الجهد للوصول إلى هذه المرتبة أي مرتبة الاجتهاد و تحمل مصاعبها، و مشاقها، و إلا لظلت المشاكل المتجددة بدون حلول ملائمة لها في إطار الشرع.

” الطريق الثاني”

إن حقيقة الاجتهاد عبارة عن عملية تطبيق القواعد المشتركة و النظريات العامة- التي يبناها المجتهد في الأصول- على صغرياتها، و عناصرها الخاصة في الحدود المسموح بها وفقاً لشروطها، و نتيجة هذه العملية هي أحكام شرعية ظاهرية.

و تلك الأحكام تكون وليدة أفكار المجتهدين بما لها من الطابع الإسلامي، و لذا قد تكون مطابقة للأحكام الشرعية الواقعية، و قد تكون مخالفة لها، و على كل التقديرين يلزم العمل بها.

حيث ان المجتهد: قد اثبت حجية تلك القواعد و النظريات العامة التي تتمتع بطابع أصولي بشكل قطعي من قبل الشرع في علم الأصول. و لا نقصد بذلك: بطبيعة الحال مطابقة تلك القواعد و النظريات لواقع التشريع الإسلامي، بل نقصد به قطع المجتهد بحجيتها التي تؤدي إلى تنجيز الواقع لدى الإصابة، و التعذير لدى الخطأ.

كما لا نقصد بالقطع بالحجية: قطع المجتهد بها مباشرة فإن المجتهد قد يقطع بها بشكل مباشر، و قد يقطع بها في نهاية المطاف، بقانون ان كلما يكون بالغير لا بد أن ينتهي إلى ما بالذات. و حيث أن غير القطع الوجداني من الإمارات و القواعد العامة لا تملك الحجية الذاتية، و إنما جاءت حجتيها من قبل الغير فلا بد أن تنتهي إلى ما يملك الحجية الذاتية- و هو القطع الوجداني- و لو في نهاية المطاف و إلا لتسلسل.

إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة: و هي أن عملية الاجتهاد و إن كانت في نفسها عملية ظنية إلا أنها مؤمنة على كل تقدير جزماً، و عليه فعمل المجتهد يكون مستنداً إلى القطع بالمؤمن دائماً و كذا الحال في المقلد، حيث أنه يقطع بحجية فتاوى المجتهد عليه و بمؤمنيتها على كل تقدير فلا يكون المكلف عاملًا بالظن بها و معتمداً عليه في حال من الحالات، و لا يجوز ذلك بحكم العقل، لإلزامه بتحصيل القطع بالمؤمن، و دفع احتمال العقاب. و مدلول نصوص الكتاب و السنة الناعية عن العمل بالظن ارشاد إلى ذلك، و لا يكون تعبيراً عن حكم شرعي مولوي عام.

المصدر: كتاب المسائل المستحدثة - لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد إسحاق الفياض – نقلاً عن الاجتهاد

2021/05/09

كل ما تريد معرفته عن ’زكاة الفطرة’.. سؤال وجوابه من مكتب ’السيد السيستاني’
ينشر «موقع الأئمة الاثني عشر» مجموعة من الاستفتاءات حول "زكاة الفطرة" من أرشف موقع مكتب المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله.

[اشترك]

فيما يلي نص الأسئلة مع الإجابات:

السؤال: إذا كان الأب فقيراً والأم غنية ، بما أنه يجب على الولد الانفاق على أبويه لو كانا فقيرين كذلك فهل يجب على الأم دفع زكاة فطرة اولادها لو كانت غنية والأب فقير والأولاد فقراء ؟

الجواب: نعم يجب عليها ذلك في مفروض السؤال إذا كانت تعولهم أي كانوا تحت كفالتها في معيشتهم وإلاّ فلا يجب عليها سوى اخراجها عن نفسها فقط .

السؤال: يتم استقبال بعض الاموال كصدقات واجبة ومستحبة وتبرعات وغيرها فهل يجب صرف عين تلك الاموال ام يجوز استبدالها؟ واذا لزم الحرج من ابقاء عين الاموال فما العمل؟

الجواب: جواز استبدالها بغيرها منوط باذن اصحابها، نعم جواز تبديل الزكاة المعزولة بغيرها منوط بإذن الحاكم الشرعي.

السؤال: هل يجوز جمع صدقات زكاة الفطرة بالنيابة عن احد الفقراء بحسب الوكالة ثم صرفها باذنه على غيره الى يوم او اسبوع او شهر او اكثر؟

الجواب: لا نحبذ هذه الطريقة ولو دعت الضرورة الى اتباعها فلابد من مراعاة أن لا تزيد المبالغ المقبوضة له على مؤونته السنوية بضميمة ما لديه من اموال غيرها، وايضاً لابد من مراعاة ان يكون توزيع الاموال المقبوضة له بطيب نفسه ورضاه.

السؤال: هل يجوز اعطاء زكاة الفطرة قبل حلول عيد الفطر لاحتمال عدم تمكنه من اعطائها في صبيحة العيد لتعذر ايصالها الي مستحقّيها؟

الجواب: يجوز طيلة شهر رمضان.

السؤال: أخرجت والدتي مبلغ الفطرة ليلة العيد لترسله الى مستحقيه ولكنها فوجئت باختفاء المبلغ من مكانه وهي تعتقد أنه قد سرق ولكنّها لا تعلم الفاعل مع العلم بأن العيد قد مضى وما زالت حائرة فماذا تفعل؟

الجواب: اذا اخّرت الدفع مع امكان دفعه إلى المستحق فهي ضامنة وعليها ان تدفعه مرة ثانية وان كان التأخير مع عدم امكان الدفع فلا شيء عليها.

السؤال: هل يجب اخراج زكاة الفطرة للجنين في بطن أمه؟

الجواب: لا يجب.

السؤال: كم مقدار الزكاة؟

الجواب: ثلاث كيلوات حنطة او طحين أو قيمتها.

السؤال: هل يجوز اخراج زكاة الفطرة قبل يوم العيد؟ أو حجزها؟

الجواب: يجوز.

السؤال: لو لم ينو الشخص القربة إلى لله تعالى أثناء اعطاء زكاة الفطرة للفقير أو أثناء توكيل غيره باعطائها نيابة عنه للفقير من دون عمد حيث اعتقد أن الموكل أيضاً يوكل بنية القربة للزكاة ويكتفي الوكيل بنية الموكل، أو أعتقد أن النية لا تجب في الزكاة، فهل تبرأ ذمته أمام الله بحسب ما ذكر على رأي السيد الخوئي (قدس سره) والسيد السيستاني (دام ظله)؟

الجواب: يكفي في النية ان يكون داعيه لذلك وليست في صيغة خاصة تقال وواضح ان الدفع لم يكن بنية الهبة فان قصد بالدفع أمراً آخر كالهبة او اداء الدين او غير ذلك فلا يجزي، واما اذا أدّاها قاصداً بها الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعينها واجزاؤها وإن أثم.

السؤال: لو سافرت الى المدينة المنورة التي تبعد عن وطني أكثر من ١٠٠٠ كم، وبتّ ليلة العيد في المدينة، وعينت زكاة الفطرة في المدينة قبل صلاة العيد، ولكن لا أعرف فقراء في المدينة، فهل يجوز لي نقلها الى مسقط رأسي، على رأي السيد الخوئي (قدس سره) والسيد السيستاني (دام ظله)؟

الجواب: يجوز ان تنقلها بعد العزل الى مدينتك.

السؤال: هل يجوز لي اخراج الفطرة (فطرة عائلتي مكونة من ٧ اشخاص) لأخوتي وخاصة لدي اخ قاصر ونحن نسكن في البيت نفسه (بيت والدي) ووالدي متوفي ووالدتي على قيد الحياة ونحن غير منعزلين نأكل ونشرب معنا؟

الجواب: اذا كنت معيلا لهم وجب عليك دفع فطرتهم والا لم يجب نعم اذا طلبوا منك ذلك أو أذنوا لك فلا اشكال (علما أنه يعتبر في صدق (العيلولة) نوع من التبعية، (بمعني كونه تحت كفالتك في معيشته ولو في مدة قصيرة).

السؤال: هل يجوز إعطاء زكاة الفطرة من الخيار والطماطة ونحوهما؟ و بعبارة اخرى: هل يداخلان في مفهوم القوت أم لا؟

الجواب: الضابط في جنس زكاة الفطرة ان يكون قوتاً شايعاً لاصل البلد يتعارف عندهم التغذي به وان لم يقتصروا عليه سواء كان من الاجناس الاربعة (الحنطة والشعير والتمر والزبيب) ام من غيرها كالارز والذرة واما ما لايكون كذلك فالاحوط لزوماً عدم اخراج الفطرة منه.

السؤال: هل يجب دفع زكاة الفطرة لوكيل المرجع الذي اقلده ؟ أم يجوز دفعها لوكيل مرجع آخر ؟

الجواب: يجوز ان تدفعه للمستحق ويجوز ان تدفعه لمن تثق بانه يوصله للمستحق سواء كان وكيل مرجعك ام لم يكن .

السؤال: هل يجوز التصرف في زكاة الفطرة بإعطائها إلى ذوي القربى من المحتاجين لشراء الدواء؟

الجواب: إذا كانوا فقراء أي لا يملكون مؤونة السنة لا نقداً وليس لهم عمل يفي بذلك جاز إعطاؤهم الزكاة ولهم الحق في أن يتصرفوا فيها كما يشاؤون.

السؤال: هل يجوز لأصحاب الصناديق الخيرية أن يجمعوا أموال زكاة الفطرة ثم يسلموها إلى الفقراء شهرياً نظراً لزيادتها أم يجب عليهم دفعها إلى جميع الفقراء في نفس الليلة؟

الجواب: لا يجوز لهم التأخير إلا بإذن الحاكم الشرعي.

السؤال: شخص اعزب ويعيش بعيداً عن اهله ويصرف على نفسه فذهب الى بيت والده ليلة عيد الفطر وبقى لمدة خمسة أيام فهل يجب عليه إخراج الفطرة أم تجب على والده ؟

الجواب: في مفروض السؤال تجب فطرته على أبيه .

السؤال: ما حكم من لم يدفع زكاة الفطرة في حياته أبداً؟

الجواب: لا تسقط عنه على الأحوط لزوماً، ولكن يؤديها بعدئذٍ بقصد القربة المطلقة من دون نية الأداء والقضاء.

السؤال: هل يجوز ان استقرض مبلغاً من المال لدفع زكاة الفطرة؟

الجواب: لا مانع منه.

السؤال: هل يجب أن أخبر الفقير بأن المال المعطى له هو من زكاة الفطرة حتى لا يشتري به إلاّ الطعام؟ وهل يجوز ان يشتري به غير الطعام ؟

الجواب: لا يجب عليه ان تخبره بأنه من زكاة الفطرة، ولا يجب عليه شراء الطعام بالمال.

السؤال: هل يجب علينا نحن كطلاب في بلاد الغربة دفع الزكاة، أو نكتفي بما يدفعه الاهل في بلدنا علما بانني طالب من الدولة واحصل على مخصّص شهري؟ واذا كان الجواب بنعم فلمن ادفعها وخصوصا انني لا اعلم مستحقيها؟

الجواب: اذا لم تكن تحت عيلولة الاهل فتجب الزكاة عليهم ومستحقها هو الفقير الشيعي فان لم يكن هناك فيمكنكم توكيل مَن يخرجها عنكم في بلد آخر من مال يقترضه لكم.

السؤال: هل تجب الفطرة على من يحضر لأجل ختم القرآن الكريم على الشخص المضيف؟

الجواب: لا يجب لمجرد ذلك وانما يجب إذا كان بحيث يعدٌ ممن يعوله صاحب الدار ويتوّلى اموره ليلة العيد.

السؤال: أنا متزوج واسكن في بيت والدي ومرت سنة ولم أدفع زكاة الفطرة عني وعن زوجتي ولا ادري ان كان والدي يدفعها عني ام لا، فهل يجب عليّ ان ادفع زكاة هذه السنة والسنة التي قبلها ؟

الجواب: اذا كنتَ تحت عيلولة الاب فزكاة فطرتك على والدك نعم اذا علمتَ بأنه لم يؤدها عنك فالاحوط وجوبا أن تؤديها.

السؤال: هل يجوز إعطاء زكاة الفطرة لمن يضع جهاز الفضائيات (الدش) في داره الذي هو مظنّة الوقوع في المعصية؟

الجواب: إذا كان يستخدمه في الحرام جهراً فالاحوط عدم اعطائه وإلا فيجوز لو فرض كونه مع ذلك فقيراً حيث يقتني ما لا حاجة له اليه.

السؤال: شخص أعطى زكاة فطرته لهاشمي جهلاً منه بالحكم فهل تبرأ ذمته بذلك؟

الجواب: يجب استرجاعها مع الامكان وإلا فعليه ان يدفع بدلها إلى المستحق .

السؤال: هل يمكن الاستفادة من زكاة الفطرة للمساهمة في بناء وتشييد المساجد ؟

الجواب: لا يجوز على الاحوط .

السؤال: إذا دعا شخصاً أو أشخاصاً لتناول طعام الإفطار ليلة العيد فهل يجب عليه أن يدفع عنهم زكاة الفطرة يوم العيد علماً بأنهم لا يبيتون عنده ليلاً بل يعودون إلى بيوتهم ؟

الجواب: لا يجب .

السؤال: هل يجوز دفع زكاة الفطرة والكفارات والفدية وغيرها بقيمة بلد المحتاج أم يجب اخراجها بقيمة بلد المكلف علماً انني اسكن في بلد لا يتوفر فيه مساكين يستحقون ذلك ؟

الجواب: المعتبر في زكاة الفطرة دفع قيمة بلد الاخراج وهو بلد المكلف عادة ، واما الكفارات والفدية فالواجب دفع الطعام بعينه .

السؤال: إذا أخرجتُ زكاة الفطرة وحللت ضيفاً عند أحد المؤمنين قبل الغروب فهل يسقط التكليف عنه فلا يجب عليه الاخراج عني باعتبار أنني أخرجتها أو عزلتها؟

الجواب: إذا صدقت العيلولة تجب عليه الفطرة ولا يجزي اخراجك لها.

السؤال: أنواع الطعام كثيرة كالتمر والأرز وغيرها فهل يتعين على دافع القيمة أن يعين ويقصد عن أي نوع يدفع أم يكفي أن يسأل عن مقدار الفطرة فيقال له ١٠ ريالات مثلا فيه دفعها؟

الجواب: يجب أن يقصد البدلية عن الطعام الخاص.

السؤال: قلتم: (إذا عُزلت زكاة الفطرة لا يجوز تبديلها) فهل يكون من مصاديق التبديل، تبديل ورقة نقدية فئة خمسمائة ريال فمثلاً بخمس أوراق فئة مائة ريال؟

الجواب: نعم هو من مصاديق التبديل.

السؤال: هل يجوز لوكيل الحاكم الشرعي أن ينقل زكاة الفطرة من بلده لبلد آخر مع وجود المستحق في بلده ؟ أو وجود من هو أكثر استحقاقاً خارج بلده؟

الجواب: إذا تسلمها بصفته وكيلاً للحاكم الشرعي جاز له ذلك.

السؤال: ذكرتم حفظكم الله أنه (يجوز نقل زكاة الفطرة إلى الأمام عليه السلام) أو نائبه؟ ما المقصود بنائبه العام؟

الجواب: المقصود من النائب العام الحاكم الشرعي.

السؤال: قرى القطيف اليوم أصبحت متصلة ببعضها البعض فهي كأحياء النجف تماماً فهل يجوز نقل زكاة الفطرة من بعضها إلى البعض الأخر أم لا يجوز لغير الحاكم الشرعي أو وكيله؟

الجواب: إذا كان المجموع يُعد بلداً واحداً جاز نقل زكاة الفطرة بين أرجائه .

السؤال: ما هو المقصود من البلد الذي لا يجوز إخراج الزكاة منه ؟ هل هو الوطن الشرعي أم يشمل القطر بأكمله؟

الجواب: المقصود منه المكان الذي تتواجد فيه الزكاة من مدينة أو قصبة أو قرية أو نحوها .

السؤال: هل يلزم عند دفع زكاة الفطرة من النقود أن يقصد البدلية عن طعام معين؟ وما هو الحكم لو لم يقصد ذلك؟

الجواب: يكفي أن يقصد البدلية عما يفي النقد المدفوع بقيمة صاع من القوت الغالب لأهل البلد وإن كان هذا الوصف ينطبق على أكثر من نوع واحد.

السؤال: هل يجوز لوكيلكم أن يوكّل أفراداً لقبض وجمع زكاة الفطرة ؟

الجواب: ليس له ذلك إلا مَن كان وكيلاً في التوكيل.

السؤال: هل يجب عليّ أن اخرج زكاة الفطرة عن أسرتي مع العلم أن زوجتي سوف تكون في فترة الصوم في بيت والدها؟

الجواب: إذا عُدت عرفا ممن يعوله والدها (بمعنى أنه يتكفل معيشتها) وبقيت عنده ليلة العيد وجبت فطرتها عليه لا عليك.

السؤال: هل يجب البحث عن الفقير في زكاة الفطرة فلو كنت لا أعلم بوجود الفقير في بلدي فهل يجوز نقلها؟

الجواب: لا يجوز النقل إلا إذا ثبت لك عدم وجود المستحق أو عدم تيسر الوصول إليه فلا بد من الفحص إذا كان ذلك متوقفاً عليه.

السؤال: هل يجوز التبرع بزكاة الفطرة عن الاخرين؟ ومع عدم الجواز فلو تبرع شخص عن غيره كالجد عن اولاد اولاده مع كونهم ليسوا من عياله فهل تبرأ ذمتهم بذلك؟

الجواب: يجوز التبرع بالمال الذي تؤدى به زكاة الفطرة ولايجوز التبرع في الاداء بل يلزم ان يكون الاداء بطلب مَن تجب الزكاة عليه والا لم تبرأ ذمته .

السؤال: هل يجوز توكيل غيره ممن يسكن بلداً آخر ليخرج عنه زكاة الفطرة هناك علماً بأنه ليس له في ذلك البلد مال ولا غير؟

الجواب: يمكنه أن يوكله في أن يخرجها من مال نفسه على وجه التبرّع به إن وافق على ذلك ويمكنه أن يوكّله في أن يقرضه مبلغاً من المال وبعد ان يصير المال مُلكاً له يخرج زكاة الفطرة عنه، فيلزمه أداء قرضه لاحقاً.

السؤال: إذا كان للشخص أموال في غير البلد الذي يسكن فيه فهل يجوز له إخراج زكاة الفطرة منه ورفعه إلى مستحقه هناك؟

الجواب: يجوز .

السؤال: هل من الممكن إعطاء زكاة الفطرة إلى أبي إذا كان فقيراً ؟

الجواب: لا يجوز إعطائها لمن تجب نفقته عليك كالأب والإبن .

السؤال: كم هي زكاة الفطرة ولمن تصرف؟

الجواب: حوالي ثلاث كيلوات من القوت المتعارف كالارز تدفع للفقير.

السؤال: إذا لم أكن في بلدي وانعدم الفقير المؤمن في مكان وجودي هل يجوز أن أوصي فلان في بلدي أن يخرج زكاة الفطرة عني لأني لا أستطيع إيصاله في ليلة العيد وأقوم أنا بعزله من مالي ومن ثم تسديده لمن سدده عني في بلدي ويجزي؟

الجواب: لا يجب ان تخرجه في بلدك اذا كنت علي سفر بل تدفع اينما كنت ولا يجب العزل ليلة العيد خاصة بل يجوز طيلة شهر رمضان ولا يجب دفعه بعد العزل فورا فيجوز التاخير بحثا عن المستحق ويكفي ما ذكرت ايضا.

السؤال: ما حكم زكاة الفطرة على الكاد على عياله، ولكن يسكن في بيت أبيه، ويأكل مما يقدمه له أبوه؟

الجواب: لا يجب على الفقير ـ وهو من لا يملك مؤنة سنته فعلاً أو بالقوة ـ اخراج زكاة الفطرة وانما يستحب له ذلك نعم اذا كان عيالاً على غيره وجب على الغير اخراجها عنه اذا توفرت الشرائط المعتبرة لوجوبها فيه.

السؤال: اذا كان المكلف يسكن في بيت والده مع عائلته وكان يدفع مبلغاً من المال مقابل سكنه ومطعمه وعند حلول وقت زكاة الفطرة يدفع والده الزكاة عنه وعمّن يعول به، فهل تسقط عنه أم تبقي في ذمته؟

الجواب: اذا كان قد دفعها بإذن من الولد بذلك سقطت عنه وإلا لم تسقط.

السؤال: يتم حاليا جمع الاموال من المسلمين الشيعة في مدينتي لغرض بناء حسينية، فهل يجوز لي دفع مبلغ زكاة الفطرة هذا العام والاعوام المقبلة لهذا المشروع؟ علماً بأننا بحكم قوانين البلد لا يوجد لدينا من ينطبق عليه حكم الفقير ولهذا اضطر إلى إرسال المال إلى العراق كل عام؟

الجواب: مصرف زكاة الفطرة عند سماحة السيد هو خصوص الفقراء على الاحوط ولا يجوز صرفها على سُبُل الخير الاخرى.

السؤال: لدي احدى اخواتي متزوجة وقد قتل زوجها ولديها ٥ اطفال لم يبلغوا سن الرشد ولديها راتب من الرعاية الاجتماعية وتسكن في بيت ملك ونساعدها علي المعيشة بما يسر الله كل شهر فهل يجوز اعطاؤها زكاة الفطرة؟

الجواب: اذا كانت تحسب ممن تعولونهم أي من عيالكم فلا يجوز ان تعطوها زكاة فطرتكم والا فلا مانع من هذا الجانب.

السؤال: نحن في السويد ولا يوجد فقير يستحق زكاة الفطرة فهل يجوز لنا ان نرسلها الى اقربائنا في العراق لكي تسلم لمستحقيها هناك علما بأنه سوف يتم تحويل العملة من الكرونة السويدية الى الدولار وتسلم للفقراء بالدولار؟

الجواب: لا مانع من ذلك.

السؤال: هل يجب على صاحب الدار دفع زكاة الفطرة عن الضيف الذي يحلّ عنده ليلة العيد سواء كان من اقربائه او لا ؟

الجواب: إن لم يعدّ الضيف عرفاً ممن يعوله مضيّفه ولو مؤقتاً ــ كما إذا دعا شخصاً إلى الإفطار عنده ليلة العيد ــ لم تجب فطرته على المضيف، وأما إذا عدّ كذلك فتجب عليه فطرته في ما إذا نزل عليه قبل الهلال وبقي عنده ليلة العيد وإن لم يأكل عنده، وكذلك في ما إذا نزل بعده على الأحوط لزوماً.

السؤال: انا حولت زكاة الفطرالى سخص في لبنان. ولكن هذا الشخص التي باسمه الحوالة لم يقدر ان ياخذها. فلغيتها واسترجعت المال. ولم ادفع الزكاة. فماذا افعل. هلما زلت اقدر ان ادفعها الان. وهل تجوز على اولاد اخ زوجي امهم تركتهم والوالد لا يقدر على مصاريفهم ؟

الجواب: زكاة الفطرة اذا عينتها في مال فلا يجوز التصرف فيها ولا يجوز بعثها كحوالة بل لا بد من دفع العين للفقير ويمكنك اخذ الوكالة من الفقير في القبض عنه فتكون ملكا له ثم تبعثينها له ويجوز دفعها الآن ويجوز للمذكورين مع فقرهم.

المصدر: مكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله
2021/05/08

هل تصوم الحائض؟!

أثار مجموعة من الناشطين في الإعلام والنت ووسائل التواصل مثل: أسامة فاخوري، ومحمد عبد الله نصر، وأحمد عمارة، وأحمد عبده ماهر..وغيرهم فتوى تجيز عبادة الحائض، وتسمح لها باداء العبادات ومنها: الصيام.

[اشترك]

ولم يكتف هؤلاء بالجواز وعدم الحرمة، إنّما أوجبوا على الحائض الصيام خلافاً للمركوز في العقل المسلم ووجدان المتدينين من أنّ للحائض وضعاً خاصاً في الشريعة بموجبه لا تصح بل لا تجوز منها العبادة، ويبدو للمتابع أنّ هذا الرأي قد لقي قبولاً و استحساناً من الكثير من النساء المسلمات، والذي يفسّر هذا الترحاب -برأيي- أنّه يجبر الشعور بالقصور أو التقصير الذي تعانيه المرأة عند تركها العبادة أيام  الحيض؛ وقد راعتْ الشريعة هذا الشعور عبر سنّ الحكم باستحباب أن تتوضأ الحائض في وقت كلّ صلاة، وتجلس في مصلاها وتذكر الله تعالى بقدر زمان صلاتها كما هو المشهور.

 ويخال المتابع (غير المتتبع) لكل واحد من هؤلاء أنّ هذه الفكرة من عندياته ومن بنات أفكاره، إلا أنّ الواقع الذي قادني إليه التتبع والاستقصاء هو أنّ الجميع عيال في هذا الطرح على الكاتب الليبي المعروف: الصادق النيهوم(ت1994م)، ففي مقال نشره في حزيران سنة: 1993م في مجلّة الناقد بعنوان: الفقه في خدمة التوراة، وذكر النيهوم فيه وهو في سياق محاكمة الفقه ونقده في ضوء القرآن: أنّ اعتماد الفقه الإسلامي على نظرية (المرأة النجسة)لإبطال صيام المرأة وصلاتها مستمد من خرافات التوراة !، ويضيف عن آية المحيض: أنّها تحرّم النشاط الجنسي فقط، ولا تسقط عن المرأة الصلاة والصوم وقراءة القرآن..(ينظر كتاب-إسلام ضد الإسلام، ص114وص193).

 وبخصوص وجوب الصيام، فإنّ هذه المجموعة قد استندت في أطروحتها آنفاً إلى دليل يمكن إيجازه في أمرين:

الأوّل- خلو القرآن من الأمر بافطار المرأة الحائض، وعدم ورود النهي عن صيامها، والحائض كغيرها من المكلفين داخلة فيمن كتب عليه الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : 183]، ومشمولة بالأمر به (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : 185].

الثاني-  أنّ الحائض لا تدخل فيمن استثناهم القرآن من وجوب الصيام، يعني المريض والمسافر:(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : 184]، فلا هي من المسافر وهذا واضح، ولا هي مريضة؛ لأنّ الحيض ليس مرضاً، بل هو أذىً كما جاء في التعبير القرآني، وإذن، فالصيام واجبٌ على الحائض بلا معارض..!!

إنّ حال هؤلاء ومن يقبل قولهم لا يخلو من أمرين: فهم إمّا ينكرون أخذ التشريعات من غير القرآن، ولا يأخذون إلا بما نصّ على وجوبه أو حرمته القرآن، أو أنّهم يقبلون الأحكام والتشريعات من خارج القرآن سواء من الحديث أو غيره، لكنهم ينكرون وجود الدليل بخصوص هذا الموضوع: أعني افطار الحائض، وكلا التقديرين فاسدان، ودونك البيان في نقاط ستة:

  1. معظم المشاكل والاثارات التي يتخبط فيها المسلمون في ماضيهم وحاضرهم يعود سببها إلى اهمال وعصيان المسلمين لوصية النبي (صلى الله عليه وآله) المتواترة تواتر القرآن، والتي أمرهم فيها بالتمسك بالثقلين معاً: كتاب الله، وعترته من أهل بيته، وما نحن فيه من هذا القبيل، فأمر صيام الحائض في أحاديث أهل البيت أوضح من الشمس، وأبين من الأمس، وهي أحاديث صحيحة صريحة، بل متضافرة، وتفيد أنّ نفس رؤية الدم توجب الافطار.وسيأتيك بعضاً منها. هذا من جهة.
  2. ومن جهة أخرى، فإنّ اعتماد منهج:(حسبنا كتاب الله)، علاوة على بطلانه بالبداهة فإنّها متهافتة في ذاتها، ومتناقضة مع نفسها، فالقرآن نفسه يُرجِع إلى النبي(صلى الله عليه) الذي جاء بالقرآن نفسه، ومن طريف ما ينقل في هذا الصدد، أنّ ابن مسعود  قال ذات يوم: لعن الله الواشمات..والمتنمّصات والمتفلّجات المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أمّ يعقوب، فجاءت فقالت: إنّه بلغني عنك أنّك لعنتَ كيت وكيت، فقال: وما لي؟! ألعن من لعن رسول الله، ومن هو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدتُ فيه ما تقول!، قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأتِ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: 7]؟! قالت: بلى، قال: فإنّه قد نهى عنه...(البخاري  ح : 4507). والعبرة هنا فقط هو قول ابن مسعود: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأتِ: وما آتاكم الرسول فخذوه..!
  3. ثمّ إنّا لو اتبعنا هذا المنهج لأنكرنا ما هو معلوم لنا بالبداهة، وحلّلنا ما ما نقطع وجداناً بحرمته، والعكس صحيح، فاعتماد القرآن وحده يفضي مثلاً إلى القول بحرمة أكل السمك، وأنّ حاله وأكل الخنزير في الحرمة سواء، فالسمك ميتة، والله يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة : 3] ولما قلنا أيضاً بحرمة الرشوة و لبس الذهب والحرير للرجال، إذ لم تأت بشأنها نصّ قرآني صريح بحرمتها ! ولأنكرنا وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، وغيرها من تفاصيل الصلاة..
  4. والأجدر بالتنبيه من كل ذلك  هو أنّ الصيام نفسه لم يأتِ القرآن على معظم تفصيلاته بما في ذلك المفطرات التي يتقوم الصيام بتركها أساساً، وممن يصح؟ وعلى من يجب؟!، كما أنّه لم يأتِ على جملة ممن  لا يجب عليهم الصيام، كالمرأة المرضع، والحامل المقرب، والنفساء أيضاً، بل حتى المريض- الذي نصّ القرآن على استثنائه من الصيام- لم تذكر العديد من التفاصيل المتعلقة به، فمثلاً: مقتض اطلاق الآية(من كان منكم مريضاً..) هو من  عموم الحكم لكل مريض، ولكنه غير مراد جزما، بل المراد خصوص المرض الذي يضره الصوم، وهذا مستفاد من الروايات، أضف لذلك أنّ المريض المستثنى من الصيام في الآية هو المريض فعلاً، فماذا عن غير المريض فعلاً الذي يخشى حدوث المرض لو صام؟! لا شك أنّ حكمه الإفطار أيضاً، لكنه بلا شك غير مشمول بظاهر الآية، وإنّما استفيد حكمه من الأخبار أيضاً، وهكذا الكثير من التفاصيل المتعلقة بالصيام وغيره. وإذ قد وصلنا إلى ضرورة الأخذ بالأدلة الأخرى –غير القرآن- ومنها الأحاديث، فلننتقل إلى الإجابة عن السؤال التالي: هل هناك دليل على إفطار الحائض؟! 
  5. أنبّه إلى أنّ الشريعة بريئة من نظرية ومصطلح(المرأة النجسة) فهذا مصطلح نيهومي، ونظرية يهودية ، على أنّ النهيوم أدان الفقه الذي يعتبر المرأة الحائض كما المجنب فاقدة للطهارة، معتبراً ذلك مخالف للقرآن، وقد غفل عن أنّ وصف الحائض بعدم الطهارة هو وصف قرآني بالأساس، وليس فقهياً وحسب، { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة : 222]، نعم، قذارة الحيض والجنابة هي قذارة معنوية، يعبّر عنها في الفقه -الذي لم يعرف النيهوم وغيره أبجدياته- بـ الحدث مقابل الخبث(النجاسة)، فالحيض حدثٌ ذو قذارة معنوية لا خبث و نجاسة ماديّة كما ترى اليهوديّة !
  6. إنّ الحكم بصحة وجواز عبادة الحائض، ومنه جواز صيامها فضلاً عن وجوبه؛ هو من أوضح أمثلة الابتداع في الدين، وأجلى مظاهر التشريع المحرّم، فلا القرآن الكريم ولا الأحاديث الشريفة ولا السيرة العمليّة الممتدة لأكثر من ألف سنة قد تضمّنت أي إشارة تفيد جواز صيام الحائض فضلا عن الوجوب، بل بالعكس، فقد قامت الأدلة الشرعية على عدم صحة عبادة وصيام الحائض، قولاً واحداً، فتوىً وحديثاً، والسُنة تبيّن القرآن، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} [النحل : 44] وتخصص عموماته، وتقيّد مطلقاته، سواء في الصيام كما سلف أو غيره من العبادات والواجبات والمحرّمات، كما هو الحال في الصلاة والحج والزكاة..فلم يسمّ لنا القرآن، وفيما يلي دليلان فقط على بطلان صيام الحائض:
  • الأحاديث: فمما جاء صريحاً عن أهل البيت: صحيحة الحلبي عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال: نعم، وإن كان وقت المغرب فلتفطر قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار في شهر رمضان فتغسل (لم تغتسل) ولم تطعم، فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال: تفطر ذلك اليوم،  فإنّما فطرها من الدم، (الوسائل، ج10، ص227)، ومما جاء عند أهل السنة في هذا المجال ما رواه البخاري عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟!.(البخاري، 1/68،ح304).
  • الاجماع: وقد حكى الإجماع من علماء المسلمين قاطبة: سنة وشيعة ، فمن الشيعة: السيد الخوئي(ت1413هـ) بعد أن ذكر أن من شرائط صحة الصيام: الخلو من الحيض والنفاس، قال: بلا خلاف فيه ولا اشكال فلو رأت الدم في جزء من النهار ولو لحظة من الاول أو الاخير أو الوسط فضلا عن مجموعه بطل صومها " (الخوئي_المستند، كتاب الصوم، ص428)، ومن السنة، قال النووي(ت676هـ): أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال، وأجمعوا على أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة، وأجمعوا على أنه يجب عليهما قضاء الصوم.(النووي_شرح صحيح مسلم،ج4،ص26).
2021/05/03

2021/05/03

2021/05/03

2021/05/03

هل توجد حدود لطاعة «مرجع التقليد»؟

السؤال: أود أن أسألكم فيما يخص الرجوع إلى المرجع، إلى أي حد على المقلد أن يطيع المرجع؟ وإلى أي حد يُسلم له؟ فإذا كان المقلد له علم بأن المرجع مخطئ في مسألة ما الواجب هل يُسلم له ام لا؟ إذا أمره المرجع بالمحرم فهل يطيعه؟

[اشترك]

الجواب من آية الله السيد منير الخباز [دامت بركاته]

بسم الله الرحمن الرحيم

يجب على كل عامي لم يبلغ رتبة الإجتهاد أن يكون محتاطاً او أن يكون مقلداً لمرجع جامع للشرائط في جميع أفعاله من عبادات ومعاملات، إلا فيما يتيقن العامي بالحكم، فلو فرضنا أن العامي حصل له يقين بحكم من الأحكام مثلاً فإنه لا تقليد في اليقينيات، ولذلك مثلاً وجوب الصلاة والصوم والحج على المستطيع، ووجوب الخمس والزكاة... وغيرها، حيث إنها من الضروريات واليقينيات فلا تقليد فيها، وإنما التقليد في تفاصيل الأحكام الشرعية، فإذا افترضنا أن المكلف قطع بحكم معين على نحو اليقين ولم يكن يقينه ناشئاً عن مجرد أحاديث نفسية أو علل وأسباب ذوقية؛ فإن هذا اليقين ليس معذراً له أمام الله عز وجل بل كان يقينه ناشئاً عن مناشئ عقلائية معتدّ بها فإنه لا يقلد فيما تيقنه.

المصدر: شبكة المنير

2021/04/24

نداء شيطاني يحاصرك: هذه خطوات لعلاج ’الوسواس’!

إني مصابة بالوسواس في الطهارة والصلاة وفي غيرهما منذ سنوات ومعاناتي معه طويلة ومضنية وقد حاول أهلي صدي عن الإعتناء بالوسواس بأساليب مختلفة ولكن لم يسعني التخلص منه أرجو من مكتب سيدنا المرجع دام ظله إسعافي في المجال؟

[اشترك]

الجواب: إن الوقت لا يتسع لايراد كل ما يمكن قوله في هذا المجال مما يمكن أن يساعد في علاج الوسوسة والحدّ من مضاعفاتها ولكن نتبرّك أولاً بذكر حديث شريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم نردفه ببيان بعض النقاط.

أما الحديث فهو ما رواه عبدالله بن سنان ـ أحد أجلة أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ قال: ذكرت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله: وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقال سله الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان.

وأما النقاط التي يهمّنا إيرادها فهي:

١ ـ إنّ مرض الوسواس ليس له علاج ناجع إلا عدم الإعتناء بالوسوسة وعدم ترتيب الأثر عليها لمدّة طويلة، وكلما زادت مدة الإصابة بالمرض يتوقف العلاج منه على ممارسة عدم الإعتناء مدة أطول، فالذي بدأ معه الوسواس قبل شهر أو شهرين ربما يذهب عنه لو قاومه بعدم الإعتناء بضع شهور وأما الذي بدأ معه منذ سنوات فمن المؤكد أنه لا يذهب عنه الا بعدم الإعتناء مدة طويلة جداً.

٢ ـ السؤال المهم الذي يطرح في هذا المجال هو أنه كيف يمكن إقناع الوسواسي بعدم الإستجابة لنداء الوسوسة الذي هو نداء شيطاني؟

والجواب ان الطريق إلى ذلك هو إفهامه بصورة واضحة لا لبس فيها بأنه لا يتحمّل إثماً ولا يستحق عقاباً يوم القيامة إذا لم يعتن بالوسوسة وإن وقع في خلاف الواقع، فإن الذي يدعو الوسواسي إلى العمل وفق الوسوسة هو خوفه من بطلان عمله وإستحقاقه العقاب على ذلك ولكن لو جعلناه يقتنع تماماً بأنه لا يتحمّل جراء مخالفته للوسوسة وعدم الإعتناء بها أي ذنب أبداً وإن لم يصح عمله في الواقع ويكون معذوراً أمام ربه فإن هذا سيساهم بكل تأكيد في الحدّ من إعتنائه بالوسوسة.

٣ ـ كيف يكون الوسواسي معذوراً أمام الله تعالى إذا لم يعتن بوسوسته وإن كان عمله خلاف الواقع؟ مثلاً: إذا شك في طهارة بدنه وبنى على الطهارة وتوضأ وصلى وكان في علم الله تعالى بدنه متنجساً ووضوؤه باطلاً وصلاته باطلة ألا يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله يوم القيامة؟

الجواب قطعاً بالنفي والوجه في ذلك ببساطة هو أنه عمل وفق واجبه الشرعي في عدم الإعتناء بالوسوسة فكيف يعاقبه الله على ذلك؟!

ولتوضيح الفكرة نقول: إن فتوى الفقيه حجّة للمكلف أي أن المكلف إذا عمل بها وكانت في علم الله مخالفة للواقع لم يعاقب يوم القيامة على مخالفته، مثلاً إذا أفتى الفقيه بطهارة الإسبرتو واستند المكلف إلى فتواه في عدم التجنب عنه في لباسه وبدنه فتوضأ وصلى ولكن كان الاسبرتو نجساً في حكم الله تعالى لم يعاقب المكلف يوم القيامة على صلواته الباطلة لأن حجّته أمام الله هي كالتالي:

يا ربّي إنك رخصت لي العمل بفتوى الفقيه، والفقيه أفتى بطهارة الاسبرتو فلذلك لم اتجنبها في بدني وملابس صلاتي فهل تعاقبني مع ذلك؟

ويأتي الجواب: إنك معذور يا عبدي ولا شيء عليك.

وهكذا حال الوسواسي تماماً، فإن جميع الفقهاء يفتون بكل صراحة ووضوح ـ تبعاً للنصوص الشرعية ـ بأن وظيفة الوسواسي هو عدم الإعتناء بوسوسته والبناء على طهارة كل ما يشك في طهارته بل حتى لو تأكد من نجاسة شيء ـ على خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك ـ فلا عبرة بعلمه وواجبه أن يبني على الطهارة.

فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوى الشرعية وبنى على طهارة كل مشكوك الطهارة، بل ومتيقن النجاسة فهو معذور أمام الله تعالى وإن كان عمله على خلاف الواقع ووقعت صلاته في النجاسة أو كان أكله متنجساً.

نتمنى أن تقرأي هذا البيان عدة مرات لتتأكدي من صوابه ثم تعقدي العزم على عدم الإعتناء بالوسوسة بعد اليوم، اعقدي العزم على عدم غسل ما تتصورين أنه قد أصابته النجاسة. اعقدي العزم على البناء على طهارة كل شيء لم تجدي عين النجاسة فيه بام عينيك.

سيأتي الشيطان ويقول لك: ان وضوءك باطل وصلاتك باطلة وبدنك متنجس و... وقولي في الجواب: فليكن: لا يهمني ذلك ما دمت معذورة أمام الله تعالى وانه لا يعاقبني يوم القيامة في حال من الأحوال.

٤ ـ من الأحكام الفقهية التي ينبغي الإلتفات إليها هو أن المتنجس بملاقاة المتنجس ينجس ملاقيه فيما إذا لم تتعدد الوسائط بينه وبين عين النجاسة وإلا فلا يكون موجباً لتنجسه، مثلاً إذا لاقت اليد اليمنى البول فهي تتنجس، فإذا لاقتها اليد اليسرى مع الرطوبة حكم بنجاستها أيضاً، وكذا إذا لاقى اليد اليسري مع الرطوبة شيء آخر كالثوب فإنه يحكم بنجاسته ولكن إذا لاقى الثوب شيء آخر مع الرطوبة سواء أكان مانعاً أم غيره فهو لا يوجب نجاسته.

وهذا باب ينفتح منه ألف باب في عدم حصول العلم بنجاسة معظم ما ذكرت في رسالتك أنها تتنجس بالواسطة.

وفي الختام نسأل الله تبارك وتعالى لك العافية التامّة والتوفيق لما يحب ويرضى.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة السيد السيستاني [دام ظله]

2021/04/24

2021/04/18

ما حكم استخدام قطرة العين خلال الصوم؟ (فيديو)

هل يجوز للصائم وضع قطرة العين؟

وفقاً لإجابات مكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله، فإنه لا بأس للصائم تقطير الدواء في العين و لو ظهر أثره من اللون أو الطعم في الحلق.

[اشترك]

المزيد من التفاصيل في الفيديو أدناه:

2021/04/17

2021/04/15

2021/04/14

لماذا يصوم السنة قبل الشيعة؟! (فيديو)

درج الأخوة من اهل السنة غالباً على صيام شهر رمضان قبل يوم واحد من صوم اخوتهم الشيعة، من هنا يتأتى السؤال عن سبب هذا الاختلاف، وعن الأدلة التي اعتمدها الفريقان في ذلك.

[اشترك]

تفاصيل أكثر حول الموضوع في الفيديو أدناه:

2021/04/12

قال المعصوم وأنا أقول.. من يحق له ’الإفتاء’ في الدين؟!

للإفتاء شروط، ومن أهم شروطها الاجتهاد.

[اشترك]

والإفتاء إن كان مبنياً على استنباط الأحكام من مصادرها المعتبرة، فهو ممدوح ومأمور به، لأنه مبنيّ على الضوابط والقواعد والأصول التي رسمها أئمة أهل البيت (ع).

وإن كان مبنياً على القياس والاستحسان وما شابهه فهو منهيّ عنه، فعن أمير المؤمنين (ع): من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس. (الكافي للكليني: 1 / 58)

ومن شروط الإفتاء العلم بالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد وغيرها.

عن النبي (ص): مَن عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك. (الكافي للكليني: 1 / 43)

والاجتهاد الموجود في زماننا هو نفسه الموجود في زمان أئمتنا (ع) والذي مارسه فقهاء أصحاب الأئمة (ع)، فإنّ الاجتهاد ملكة الاقتدار على رد الفروع إلى الأصول، وتطبيق الكبريات على الصغريات، وهو يتطلب علوماً عديدة، حيث كان تحصيلها في زمان الأئمة (ع) أسهل من زماننا.

والاجتهاد بهذا المعنى ليس اجتهادا في مقابل النص، بل هو اجتهاد في دائرة النص والمبني على النص، وهو ممدوح وليس بمذموم، إذ الاجتهاد المذموم هو الاجتهاد في مقابل النص، قال المعصوم وأنا أقول. وهذا هو العمل بالرأي المحرم، إبداء الرأي في مقابل النص. وأما إرجاع الصغريات الى الكبريات، ورد الفروع الى الأصول، التي أجازها المعصوم، وتركُ العمل بالقواعد التي نهى عنها المعصوم، فليس بمذموم ولا محرم، بل هو مطلوب.

وقد حثّ أئمة أهل البيت (ع) أصحابهم على الإجتهاد بهذا المعنى حيث رويَ عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تفرعوا. (مستطرفات السرائر لابن ادريس: 575)

وعن البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال علينا إلقاء الأصول إليكم، وعليكم التفرع. (المصدر السابق)

ولا ريب في أنّ التفريع على الأصول هو الاجتهاد، وليس الاجتهاد في عصرنا إلّا ذلك، فمثل قوله: لا ينقض اليقين بالشكّ. أصلٌ، والأحكام التي يستنبطها المجتهدون منه هي التفريعات.

وليس التفريع هو الحكم بالأشباه والنظائر كالقياس، بل هو استنباط المصاديق والمتفرّعات من الكبريات الكلّية.

وقوله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي. وقوله: لا ضرر ولا ضرار. وقوله: رفع عن امّتي تسعة. وأمثالها أصول، وما في كتب الفقهاء من الفروع الكثيرة المستنبطة منها تفريعات.

 فهذا الأمر كان في زمن الصادق والرضا - عليهما الصلاة والسلام - مثل ما في زماننا، إلّامع تفاوت في كثرة التفريعات وقلّتها، وهو متحقّق بين المجتهدين في عصرنا أيضاً.

وورد في الروايات الكثيرة تعليم الأئمة (ع) أصحابهم وتدريبهم على كيفية استنباط الحكم من الكتاب، مثل ما رويَ عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت وقلت:  إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟

فأجابه الإمام (ع): عرفنا حين قال: ( بِرُؤُسِكُمْ ) أنّ المسح ببعض الرأس، لمكان الباء. (الكافي: 3 / 30)

تـأمل في كيفية تعليمه الاستنباط من الكتاب.

ورواية عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ): عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) امسح عليه. (الكافي: 3 / 33)

وهل هذا إلّا الاجتهاد؟

وغيرها من الموارد الدالة على جواز الاجتهاد والإفتاء على طبق الموازين والضوابط والقواعد.

فلعلّ الإمام (ع) أحبّ أن يرى مثل أبان بن تغلب يجلس ويفتي الناس، فلأنه كان عالماً بأنّ أبان قد اجتمعت فيه شروط الإفتاء، من الاجتهاد والاستنباط والفتوى على طبق الموازين الشرعية التي رسمها أئمة أهل البيت (ع)، فإنّ أبان بن تغلب كان من كبار علماء الإسلام، وقد شهد الموالف والمخالف بأنه من أوعية العلم.

2021/04/12

2021/04/07

إشكالية ناقشها العلماء: أخبار الآحاد وظنية الأحكام الشرعية

إنّ جملة من الأحكام الشرعية الفرعية ظنية الطريق، بمعنى أنها لم تصل إلينا من طريق التواتر أو الآحاد المحفوفة بالقرائن المفيدة للقطع بالصدور، وإنما وصلتنا من طريق أخبار الآحاد المجردة، وخبر الواحد يفيد الظن، والظن لا يغني من الحقّ شيئاً.

[اشترك]

فكيف نعتمد على خبر الواحد الثقة في الشريعة، والحال أنه يفيد الظن بالحكم الشرعي؟ هذه الإشكالية ناقشها العلماء في كتب أصول الفقه، وذكروا لها عدة أجوبة، وسنقتصر على ما يناسب المقام فنقول في الجواب: إنّ القاعدة الأولية والأصل الأولي هو عدم حجية الظن، وحرمة العمل به، إلا إذا قام دليل خاص على حجية بعض أفراده، فتخرج عن تلك القاعدة الأولية بالتخصيص، فيجوز العمل به. سؤال: هل هناك دليل على حجية خبر الواحد الثقة في الشريعة؟ الجواب: ذكر العلماء عدة أدلة على حجية خبر الواحد، وسنذكر ما استقرّ عليه رأيهم أخيراً فنقول:

 الدليل الأول: بناء العقلاء: سيرة العقلاء قائمة على العمل بخبر مَن يثقون بقوله ويطمئنون إليه، ويأمنون كذبه، في جميع أمورهم، والشارع المقدس لم يردع عن هذه السيرة، حيث كانت هذه السيرة بمرأى ومسمع من الشارع، والمسلمون بما هم عقلاء قامت سيرتهم من القديم وإلى اليوم، على العمل بخبر الثقة في الأحكم الشرعية وغيرها.  وحيث أنّ الشارع لم يردع عن هذه السيرة، فيسكتشف بالقطع واليقين أنه راضٍ عن هذه السيرة، فيكون خبر الواحد حجة يجوز العمل به، وخارج عن الدليل الناهي عن العمل بالظن تخصيصاً.  ولو ردعَ الشارع المقدس عن هذه السيرة لوصلَ إلينا نهيه، كما وصلَ منعه عن العمل بالقياس، مع أنّ العامل بالقياس أقل بكثير من العامل بخبر الواحد الثقة، وقد بلغت الروايات المانعة عن العمل بالقياس إلى خمسمائة رواية تقريباً، ولم يصلنا في المنع عن العمل بخبر الثقة رواية واحدة! فيستكشف من ذلك كشفاً قطعياً أنّ الشارع قد أمضى سيرة العقلاء في العمل بخبر الثقة . وهذا الدليل هو عمدة ما تمسك به المتأخرون في إثبات حجية خبر الواحد.

آيات تنهى عن العمل بالظن

 قد يقال: إنّ الآيات الناهية عن العمل بالظن كافية في الردع والمنع عن هذه السيرة مثل قوله تعالى: (وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن فِي الأَرضِ يُضِلّوكَ عَن سَبيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلّا يَخرُصونَ) [الأنعام: ١١٦] وقوله: (إِنَّ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمّونَ المَلائِكَةَ تَسمِيَةَ الأُنثى ’ظنية’ وَما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحَقِّ شَيئًا) [النجم: ٢٧-٢٨]

نقول في الجواب: أولاً: إنّ هذه الآيات لا تصلح للردع، وذلك لأنّ هذه السيرة مستحكمة راسخة عميقة لها جذور وامتداد واسع بين العقلاء بحيث أنها موجودة عند كلّ عاقل.  هكذا سيرة لو أراد الشارع أن يمنع ويردعَ عنها، لا يكتفي في نهيه بإطلاق آية قرآنية، بل لا بد أن تكون هناك أدلة خاصة قوية بحيث يوجِدَ انقلابا وتغييراً، بالضبط كما فعل مع القياس، فإنّ القياس مع أنه لا توجد سيرة عقلائية عليه، ولا يوجد له امتداد ورسوخ وتجذر عند العقلاء، لم يكتفِ الشارع بإطلاق الأدلة الناهية عن العمل بالظن، فنراه يؤكد على النهي عن العمل بالقياس بالخصوص.  فالشارع المقدس لو كان غير راضٍ عن العمل بخبر الثقة - مع سيرتهم على العمل به في جميع المناحي - للزم عليه أن يبين ذلك، لا أقل كما بيّنَ موقفه من القياس الذي هو موقف واضح لا يشوبه أدنى شك.

إذاً: فنحن نحتاج الى أدلة شرعية ناهية عن العمل بخبر الثقة، لها من قوة الوضوح بمقدار ما لسيرة العقلاء من التجذر والرسوخ في العمل بخبر الثقة . وهذا الدليل مفقود، فالنتيجة: أنّ الشارع راضٍ عن العمل بخبر الثقة، والآيات غير صالحة للردع عن هذه السيرة.

ثانياً: إنّ سيرة المتشرعة من زمان النبي (ص) إلى زماننا، قائم على العمل بخبر الثقة، في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، فإنّ أغلب المكلفين الذين كانوا في زمان النبي (ص) والأئمة (ع) لم يأخذوا أحكامهم من نفس النبي (ص) والإمام (ع) مباشرة وبدون واسطة، وبالأخص النساء، لا سيما أهل القرى والبوادي والبلدان البعيدة، فإنّ هؤلاء كانوا يرجعون إلى الثقات العارفين بالأحكام الشرعية الذين سمعوا الحكم من المعصوم (ع .( وعملهم هذا في الحال الذي جميعهم يقرأون الآيات الناهية عن العمل بالظن . فلو كانت هذه الآيات ناهية ورادعة عن العمل بخبر الواحد، لانقطعت سيرتهم عن العمل بخبر الواحد في زمان الأئمة عليهم السلام.

النتيجة: إننا نقطع ونجزم بأنّ هذه الآيات غير صالحة للردع عن سيرة العقلاء القائمة على العمل بخبر الثقة.

ثالثاً: إنّ المراد من الظن في الآيات الناهية ترجيح أحد الطرفين استنادا إلى الخرص والتخمين، لا ترجيحاً بسبب عقلائي، كما قال سبحانه: (وَإِن هُم إِلّا يَخرُصونَ) ويشهد بذلك مورد الآية من تسمية الملائكة اُنثى، فكانوا يرجحون أحدَ الطرفين بأمارات ظنية وتخمينات باطلة، فلا يستندون في قضائهم الى الحس ولا إلى العقل، بل إلى الهوى والخيال، وأينَ هذا من قول الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره الذي يرجع إلى الحس وتدور عليه رحى الحياة ويجلب الاطمئنان وسكون النفس.  وهناك بيانات أخرى أدق وأعمق مما ذكرناه، يصعب على غير المتخصصين في علم الأصول فهمها، فنكتفي بما ذكرنا.

الدليل الثاني: الروايات المتواترة تواتراً إجمالياً، الدالة على حجية خبر الواحد، وهي على طوائف:

الطائفة الأولى: الأخبار العلاجية الدالة على أنّ حجية الأخبار في نفسها كانت مفروغاً عنها عند الأئمة (ع) وأصحابهم، وإنما توقفوا عن العمل من جهة المعارضة، فسألوا عن حكمها.

الطائفة الثانية: الأخبار الآمرة بالرجوع الى أشخاص معينين من الرواة، كزرارة بن أعين ويونس بن عبد الرحمن وأبو بصير الأسدي وزكريا بن آدم.

الطائفة الثالثة: الأخبار الآمرة بالرجوع الى الثقات كقوله: لا عذر لأحد في التشكيك عما يرويه ثقاتنا. وقد ادعى البعض تواتر هذه الطائفة بالخصوص. الطائفة الرابعة: الأخبار الآمرة بحفظ الروايات واستماعها وضبطها والاهتمام بشأنها.  وهذه الأخبار متواترة إجمالاً، بمعنى: صدورُ بعضها عن المعصوم، ومقتضاه الالتزام بحجية الأخص منها المشتمل على الخصوصيات المذكورة في هذه الأخبار، فيحكم بحجية الخبر الواجِد لجميع تلك الخصوصيات باعتبار كونه القدر المتيقن من هذه الأخبار، وهو الخبر الجامع لعدالة رواته ووثاقتهم، فيكون الحجة هو الخبر الصحيح الأعلائي، ثم وجدنا في خبر صحيح أعلائي ما يدل على حجية خبر الراوي الثقة، بدون اشتراط العدالة.

النتيجة: أنّ خبر الواحد الثقة حجة .

2021/04/07

متع جسدية ولذات حسية: كيف ينظر الدين إلى الترفيه والتمتع بالدنيا؟

عن نظرة الدين لمتعة الترفيه، ولذة الترويح عن النفس!

لم يرد في النصّ الشرعي مفردة: الترفيه، ولا عبارة: الترويح عن النفس، و يبدو لي أنّ مفردة الترويح قد أُخذتْ من الحديث النبوي: روّحوا عن أنفسكم، أو روحوا عن القلوب.. أضف إلى أنّ مضمون المصطلح مطوي تحت عناوين أخرى، تجري مجراه أو يقترب من معناه، مثل: اللذّة، والنشوة، والمتعة، والرغبة، والشهوة.. وغيرها مما جاء في النصوص على نحو مستفيض، وفي كل الأحوال، فأمر اللفظ، وشأن المصطلح سهل، فالمدار هو المعنى والمضمون.

 [اشترك]

والنظرة الدقيقة والموضوعية الشاملة تقتضي: أولاً-الاشارة إلى الاطار العام لنظرة الإسلام للدنيا ومتعها وملذّاتها لكي توضع الأمور في نصابها الصحيح دون مؤاربة، وثانياً- بيان بعض النصوص الدينية ذات الصلة المباشرة بالموضوع، وبيان شرطه الشرعي وضابطه الأخلاقي، فالمقال في محورين:

المحور الأوّل- نظرة الإسلام للّذة على أنّها نشاط لا فعل

يمكن تلخيص موقف الدين من المتع الجسدية واللذات الحسية، والرغبات البدنية عموماً في ثلاث نقاط كما أفهم طبعاً:

يرفض الدين فتح باب الملذات واباحة الرغبات دون قيد وشرط، ويدعو على الدوام إلى تقييد الرغبات، وضبط الملذّات، وبطبيعة الحال فإنّ الضبط والتقييد يختلف عن الالغاء، وهذا واضح لا يحتاج إلى اطالة؛ لكن غير الواضح عند كثير من الناس؛ هو أنّ إحدى مقاصد هذا الضبط والتقييد(=المحرمات) هو حفظ اللذة ذاتها، وابقاء معناها وحيويتها، وهذه فلسفة عظيمة تحتاج إلى بيان أكثر لا يسعه المقام.

تحذير الانسان من مركزية اللذة، ورفض جعل الأولوية للشهوات في الحياة، بحيث تصبح المتعة غاية في نفسها:(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) [الفرقان : 43]. وينبع هذا الموقف من الرؤية  للحياة الدنيا على الأرض على أنّها ليست كلّ شيء، وأنّ الإنسان زوج تركيبي من روح وبدن، وعقل وشهوة، ويربأ به عن الحيونة.

التمييز بين اللذة أو الشهوات من جهة، وبين السعادة والانشراح من جهة أخرى، وخلاصة الفرق أن اللذة متعة جسدية حسيّة خارجيّة قوامها المادة والمدة، فيما السعادة طمئنينة روحية، ورضا داخلي. (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : 28]

من أجل ذلك كلّه، فالذي أفهمه أنّ نظرة الإسلام للترويح عن النفس بوصفه لذة، هو أنّه نشاط أكثر منه فعل، ويمكن تقريب الفرق بين الفعل والنشاط في المثال التالي: حين تجلس في عيادة الطبيب، وأثناء انتظار دورك تقرأ مجلّة، فإنّ الفعل هنا هو الانتظار، بينما القراءة نشاط يصحب فعل الانتظار.

وهذا الموقف المتمثل بالنقاط الثلاث آنفاً قد بدأتْ تتلمس واقعيته التجربة البشرية، فقد كتب مارك مانسون مثلاً :المتعة شيء عظيم، لكنها قيمة شديدة السوء إذا وضعت أولويات حياتك وفقًا لها. المتعة إله زائف..تبيّن الدراسات أن الناس الذين يركزون طاقتهم على المتع السطحية ينتهي بهم الأمر إلى أن يصيروا أكثر قلقاً وأقل استقراراً من الناحية الانفعالية وأكثر اكتئاباً أيضاً، المتعة أكثر أشكال الرضا سطحية..إلا أنّ المتعة هي ما يجري تسويقه لنا على امتداد أربع وعشرين ساعة، وسبعة أيام في الأسبوع..لكن المتعة ليست كافية في حدّ ذاتها وإن تكن ضرورة من ضرورات الحياة، شريطة أن تكون بجرعات صحيحة.ليست المتعة سببًا للسعادة؛ بل هي أثر ناتج عن السعادة..(فن اللامبالاة، لمارك مانسون، ص109، ترجمة: الحارث النبهان، منشورات الرمل، الطبعة الأولى- 2018م).

المحور الثاني- الترفيه والترويح عن النفس

مفهوم الترفيه:

 يملأ الإنسان ميل شديد للمتعة، ورغبة حثيثة نحو اللذّة عموماً، لكن من أجل تحرير محل البحث، وتناول الموضوع من زاوية نظرة الإسلام، لابد من بيان مفهوم الترفيه بالمعنى المبحوث، فهو نحو من أنحاء اللذة الطبيعية، لكنّها غير ضرورية، بيان ذلك:

تنقسم اللذّات إلى نوعين رئيسين:

لذات ليست مجرّد حاجة طبيعية في حياة الإنسان، وإنّما هي حاجة طبيعية في الذات البشرية، وضرورية لبقائها، مثل: لذة الطعام والشراب والجنس عند الحاجة، موقف الدين هو ضرورة الاستجابة لهذا النوع، والحثّ الشديد على تحقيقها، وهو موقف ارشادي، فإن كان من تفصيل بهذا الشأن فهو يرتبط بالآلية وكيفية تحقيق تلك الاستجابة وحدودها، ومن ثمّ يدور الحكم بين الوجوب كما في الأكل والشرب المحلل عند الجوع والعطش، وبين الاستحباب كما هو الحال في الزواج، بل في اعتباره من لذائذ الدنيا تسامح، فقد جاء في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنّا لنحبّ الدنيا فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوج منها، وأحج وأنفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدّق، قال لي: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة. (البحار،ج70،ص62). ووجهه واضح، فكونه واقع في الدنيا لا يستدعي أن يكون منها، أضف إلى وجود جهة امتثال الأمر الشرعي المتعلق بها، والخلاصة، فهذا النوع من اللذة  لا ينطبق على الترفيه والترويح.

والقسم الثاني من اللّذات هي اللذات غير الضروريّة، مثل: السفر للسياحة، والتأنق في المأكل والملبس، والدعابة، وممارسة الهوايات، ومتابعة الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وقراءة القصص والطرائف، واللعب والضحك والجاه والمنصب.. ولا يخفى ما بين هذه الأمثلة من تفاوت في الرجحان حسب الموازين الشرعيّة والأخلاقيّة الآتية، لكن المقصود هنا هو بيان مفهوم الترويح عن النفس، وأنّه مندرج تحت هذا القسم من اللّذات.

الحكم العام للترفيه

وبعد اتضاح مفهومه، يتاح لنا الآن الحديث عن حكمه، وبشكل عام، ومن حيث المبدأ: يتمثل الموقف الديني من الترفيه بعامّة في أنّ الله عزّ وجلّ قد أتاح لعباده المؤمنين-تفضّلاً وامتناناً- أن يتمتعوا الآن وهنا،(الآن في الدنيا، وهنا على الأرض) كما تفضّل عليهم هناك بأنّ أعدّ لهم جنّة عرضها السماوات والأرض، ومن جميل ما جاء في هذا الشأن ما كتبه أمير المؤمنين إلى أهل مصر مع محمد بن أبي بكر:

إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم. أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به وأغناهم، قال الله عز اسمه:(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف : 32].

سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذّة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غدا جيران الله يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللذة فإلى هذا يا عباد الله يشتاق من كان له عقل..(بحار الأنوار،ج63، ص321).

الترفيه وحدوده الشرعيّة

من ناحية شرعية: ليس لاباحة الترويح من حدّ وشرط سوى الحدود الشرعية التي رسمها الشارع المقدّس، وهي -بحمد الله ومنّه- محدودةٌ ومحصورة بالمحرمات المعلومة، وما عدا ذلك فهو مشمول بقاعدة الحِلّ، ومحكوم بأصالة البراءة الشرعيّة، و كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام فتدعه.

روى الشيخ الطوسي باسناد متصل إلى أمير المؤمنين، أنّه في وصية له لابنه الحسن(عليهما السلام)، ممّا جاء فيها:

 يا بني، للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها، فيما يحل، ويجمل، وليس للمؤمن بدّ من أن يكون شاخصاً في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذّة في غير محرم. (أمالي الطوسي، ص146،ح240).

ويستفاد من هذه الوصيّة جملة أمور، فقوله: "فيما يحل..وفي غير محرّم" اشارة الشرط الشرعي اللازم مراعاته في كلّ شيء وليس في الترفيه وحسب، وقوله: " ليس للمؤمن بدّ.." يفيد ضرورة الاستجابة لمشتهيات النفس، فالانسان يميل بطبيعته للترفيه من جهة، أضف إلى أنّه يكسر روتين العمل، ويدفع غائلة الاعتياد والملل، فإنّ القلوب تملّ كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة .(نهج البلاغة-الحكمة،19)، وأمّا قوله: "ويجمل.." فيؤشّر إلى وجود ضابط آخر، تمليه عقلانيّة الإنسان، وأخلاقيّات الدين، وفيما يلي بيانه.

الترفيه وضابطه الأخلاقي

في النصوص الأخلاقيّة أُجملتْ ضابطة الترفيه بعبارة: (ما يجمل، أو ما يحمد)، كما مرّ وسيأتي أيضاً. ويرجع بالتحليل إلى أمرين:
أولاً- عدم الإسراف، فيما يروّح الإنسان به نفسه، ولا يقال: إنّ هذا داخل في الشرط الشرعي آنفاً؛ فإنّ الاسراف هو تجاوز الحدّ والمبالغة في صرف المال في موضعه، بينما التبذير المحرّم هو اتلاف المال في غير موضعه(انظر-فروق العسكري،ص114). هذا، ويمكن أن يشمل(عدم الاسراف) في الترويح نفسه بحيث يكون هو الأصل بينما العمل الجادّ استثناءً، وإلا انقلبت الوسائل إلى أهداف، والأهداف وسائل، وعندها يدخل النشاط الترفيهي في باب العبث، وهو غير محمود عند العقلاء.

ثانياً-ألا ينافي المروءة، والمراد بها: تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله، ويستهجن ممن هو على مثل حاله. ويحصل ذلك بالتزام محاسن العادات وترك الرذائل المباحة بحسب الزمان والمكان والرتبة، فربما كان الشئ مطلوبا في وقت مرغوبا عنه في آخر. (حقائق الإيمان،ص214).

وقد جاءت هذه المضامين الثلاثة مجتمعةً في حديث واحد مرويٌّ عن الإمام الكاظم(عليه السلام) جاء فيه: اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال، وما لم يثلم المروة..ولا سرف فيه..ليس منا من ترك دنياه لدينه ودينه لدنياه. (بحار الأنوار،ج75،ص346).

أختم بالجواب على سؤال يتردّد بين المؤمنين في هذا السياق، و مفاده:

كيف نجمع بين ما ذكر آنفاً، وبين التأسي بأمير المؤمنين وأئمة أهل البيت، إذ لم يعهد عنهم أنّ كان من ديدنهم ذلك؟. وجوابه قد جاء على لسان أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلام له بالبصرة مع أحد اصحابه، وهو العلاء بن زياد الحارثي.

-يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد.!

-قال(عليه السلام) وما له؟!

- لبس العباء وتخلّى من الدنيا.

- قال: عليَّ به.

-فلما جاء، قال (عليه السلام): يا عُديّ نفسه(تصغير عدو..)، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك، وولدك، أترى الله أحلّ لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟، أنت أهون على الله من ذلك!

- قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك. !

- قال(عليه السلام): ويحك إني لست كأنت إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره.(نهج البلاغة، 202).

2021/04/04

جولة في ’كواليس’ صناعة الفتوى: هل يراعي الفقه واقعنا المعاصر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) صدق الله العلي العظيم.

انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث حول علاقة الفقه الإسلامي بالواقع العملي المعاصر، إذ أن هناك سؤالاً يُطْرَح كثيرًا، وهو: ما هي العلاقة بين الفقهِ الإسلامي والمسائل الحيوية المتجددة بالنسبة للإنسان؟

[اشترك]

وهنا توجد ثلاثة اتجاهات بين علماء الإسلام في تحليل هذه العلاقة:

الاتجاه الأول: الفقه العقلاني.

الاتجاه الثاني: الفقه التوجيهي.

الاتجاه الثالث: الفقه المباشر.

1» الاتجاه الأول: الفقه العقلاني

الفقه العقلاني يرتكز على التفكيك بين حقل العبادات وحقل المعاملات، فمن أمثلة الحقل الأول: أحكام الصلاة والصيام والحج، ومن أمثلة الثاني: أحكام البنك والمعاملات التجارية، وهناك تفكيكٌ بين هذين الحقلين من حيث المرجعية والمصدر بحسب هذا الاتجاه.

بيان ذلك: أنَّ المرجع ومصدر الأحكام في حقل العبادات هو النص الشرعي المتمثل في الكتاب والسنة النبوية وأحاديث أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم»، وأما العقل فلا سلطة له ولا مسرح في هذا المجال، فلا نرجع إليه كمصدر للحكم في مجال العبادات.

وأما بالنسبة للعبادات: فلا سلطة للنص فيها، بل يُتْرَك على جانب، ويُرْجَع إلى العقل، فإنه المصدر والمرجع في تحديد أحكام المعاملات المختلفة.

وقد راجت هذه النظرية كثيرًا، وأُلْقِيَت فيها المحاضرات، وعُقِدَت عليها الندوات المختلفة، في مصر وفي إيران وفي سوريا، وغيرها من البلدان، وقد طرح أصحاب هذه النظرية – لإثبات صحة التفكيك بين العبادات والمعاملات – وجهين، وهما:

الوجه الأول: إنَّ أسس أحكام العبادات تختلف عن أسس أحكام المعاملات

توضيح ذلك: الأحكام الشرعية قد شُرِّعَت على ضوء ملاكات وأسس معينة، ولكن أسس أحكام العبادات تختلف حقيقةً وسنخًا عن ملاكات وأسس أحكام المعاملات، فمثلاً: وجوب الصلاة من أحكام العبادات، وقد شُرِّع لا محالة بناءً على أساس وملاك، وهذا الملاك هو ما ذكرته الآية المباركة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، أي أن أساس وجوب الصلاة هو أساس روحي، والأسس الروحية أسس غيبية لا يدركها العقل، وعلى حد تعبيرهم: الملاكات الروحية ملاكات ميتافيزيقية، أي أنها ملاكات وراء المادة، ولذلك فإن العقل لا يدركها، ومن هنا نجد أن العقل لا يستطيع إدراك فلسفة وجوب الصلاة.

كذلك الحال في الصيام مثلاً، حيث يقول القرآن الكريم: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وبما أن التقوى مسألة روحية، نجد العقل لا يستطيع إدراك فلسفة وجوب الصيام.

وبناءً على ذلك نقول: لا سلطة للعقل ولا مسرح له في أحكام العبادات، وإنما ينحصر المصدر والمرجع في أحكام العبادات في النص، فإنه الذي يكشف عن الملاكات الروحية والغيبية.

وأما ملاكات أحكام المعاملات فليست قضايا غيبية ولا روحية، فلو بُنِيَت هذه الأحكام على أسس غيبية وروحية لصح أن نقول بأن العقل ليس له مسرح فيها، ولكنها بُنِيَت على ملاكات عقلائية، أي أنها ملاكات ترتبط بالمصالح العامة للمجتمع العقلائي.

مثلاً: القرآن الكريم يقول: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فهل أحل الله البيع من أجل مسألة غيبية؟! من الواضح أن الجواب بالنفي؛ فإن أحكام المعاملات ليست مبنية على ملاكات غيبية وروحية كما هو حال أحكام العبادات، بل إن حلية البيع وحرمة الربا – وغيرهما من أحكام المعاملات – أحكامٌ مبنيةٌ على ملاكات عقلائية، فالبيع مثلاً معاملة منسجمة مع المصلحة العامة للمجتمع العقلائي، بينما الربا معاملة مصادمة للمصلحة العامة للمجتمع العقلائي، وهذا ما عبّرت عنه آية أخرى بقولها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «278» فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)، أي أن العلة في حرمة الربا هي سد باب الظلم، وهذه ليست مسألة غيبية روحية، بل هي مسألة عقلائية.

والمحصّلة: أن أسس باب العبادات تختلف عن أسس باب المعاملات، فإن أسس باب العبادات أسس غيبية روحية لا ينالها العقل، ولذلك ليس العقل مرجعًا في أحكام العبادات، وإنما المرجع في هذه الأحكام نص القرآن والسنة، ولكن بما أن الأسس في أحكام المعاملات أسس عقلائية، والعقل قادر على إدراك هذه المصالح العقلائية العامة، لذلك العقل مرجعٌ ومصدرٌ للأحكام الشرعية في باب المعاملات، ولا سلطة للنص في هذه الأحكام.

ومن هنا فإن البعض يستخدم مصطلح تاريخية النص، ويعني بذلك أن النص الوارد في باب المعاملات يختص بزمن صدوره فقط، فمثلاً: لو صدر من الإمام المعصوم حكمٌ في معاملة من المعاملات، كما في الرواية الواردة مثلاً: ”أما فيما يكال ويُوزَن فلا تفاضل“، فحينئذٍ لا نأخذ بهذا النص؛ لأنه يختص بزمن المعصوم فقط.

والمقصود من هذا الحكم: أن الإنسان لا يجوز له أن يبيع كيلوًا من الرز الأمريكي مثلاً بكيلو ونصف من الرز الهندي، فالتفاضل وإن كان جائزًا في الأشياء المعدودة التي تباع بالعد، إلا أنه ليس جائزًا في الأشياء الموزونة، فيجوز للإنسان أن يبيع أربعين بطيخة من بطيخ مصر بخمس وأربعين بطيخة من بطيخ سوريا مثلاً، وذلك لأن البطيخ من الأشياء المعدودة لا الموزونة.

وكيفما كان، فإن هذا النص الوارد عن الإمام المعصوم نصٌ تاريخيٌ، أي أنه يُحْمَل على الحقبة الزمنية التي صدر فيها، فإنه يقرّر حكمًا شرعيًا يرتبط بالمصلحة العامة للمجتمع البشري في تلك الحقبة الزمنية، وليس نصًا عامًا لجميع الأزمنة والفترات والمجتمعات.

وخلاصة هذا الوجه: أن العقل لا سلطة له في أحكام العبادة، ولا سلطة للنص في أحكام المعاملات، وذلك لأن أحكام المعاملات بُنِيَت على المصالح العامة للمجتمع البشري، وهذه المصالح تتغير من زمن إلى زمن آخر، فلا يحكمها نصٌ، وإنما يحكم النص المصلحةَ في زمن معين، ولا يستطيع أن يقيس المصلحة في كل زمن، ولذلك فإن النصوص الشرعية الواردة في باب المعاملات تُحْمَل على تاريخية النص، أي أنها تحدد أحكامًا مرتبطةً بأزمنتها، لا أنها تحدد أحكامًا عامةً لجميع المجتمعات والفترات الزمنية.

الوجه الثاني: القرآن الكريم والسنة النبوية أعطت مساحةً كبيرةً للعقل، فلماذا ألغى الفقهاء العقلَ في مجال استنباط أحكام المعاملات؟!

عندما نرجع إلى القرآن نلاحظ مساحة كبيرة من آياته تركز على قيمة العقل كمرجع ومستند ومعتمد، كقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وقوله: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وقوله: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).

وكما ركّز القرآن الكريم على العقل، كذلك ركّزت السنة النبوية عليه، فورد عن النبي الأعظم : ”أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبِل، فأقبَل، ثم قال له: أدبِر، فأدبَر، قال: بكَ أثيب وبكَ أعاقب“، فإذا كان العقل صاحب هذه الأهمية الكبرى في الكتاب والسنة فلماذا لا نعتمد عليه في استنباط أحكام المعاملات في الشريعة الإسلامية على ضوء ما يحدده العقل من المصالح العامة للمجتمع البشري؟!

لماذا نستند على العقل في العقيدة ولا نستند عليه في الأحكام الشرعية؟! بالعقل أدركنا وجود الله وأثبتنا نبوة النبي وإمامة الإمام، فإذا كان العقل مرجعًا ومركزًا في حقل العقيدة فلماذا لا يكون مركزًا في حقل الأحكام الشرعية المتعلقة بأحكام العبادات؟! وهل خطر الأحكام الشرعية أعظم من خطر القضايا العقائدية حتى يكون العقل مرجعًا في هذا الحقل دون ذلك الحقل؟!

2- الاتجاه الثاني: الاتجاه التوجيهي

وهو ما يسمّى – حسب تعبير الكتّاب المُحْدَثين – بالفقه التوجيهي، وهو نظرية مقابلة لنظرية الفقه العقلاني، وهو الفقه الذي يحاول أن يوفّق بين العقل والنص في حقل المعاملات، فلا يلغي سلطة النص ولا سلطة العقل، وعملية التوفيق ترتكز – كما يقول أصحاب هذه النظرية، وبعضهم من الفقهاء، لكنني لا أحبذ ذكر الأسماء حتى لا يحصل تنابز ولا تعريض – على أساسين:

الأساس الأول: أن الشريعة الإسلامية ليس دورها وضع الأحكام الجزئية والتفصيلية في باب المعاملات، فالشريعة لا تبيّن حكم المعاملة بالدينار الصاروخي مثلاً، ولا توضّح حكم استخدام بطاقة الفيزا، ولا تتعرض لحكم البيع والشراء من خلال شاشة الإنترنت، وذلك لأن الشريعة ليس دورها في باب المعاملات أن تتعرض للأحكام الجزئية التفصيلية التي تعرض على الإنسان يوميًا؛ لأن هذه المسائل الجزئية ترتبط بمصالح متغيرة.

مثلاً: هل يجوز استخدام الفيزا أم لا يجوز؟

هذه مسألة تجارية ترتبط بمصلحة السوق، فما هي المصلحة العامة للسوق في هذا الزمان؟! هذه مصالح آنية متغيرة، وليست مصالح ثابتةً، وبما أن الملاكات الاقتصادية متغيرة ليس دور الشريعة هو وضع أحكام جزئية لكل مسألة ولكل حكم تفصيلي مع إدراك المشرّع الحكيم أن هذه الأحكام مرتبطة بأحكام اقتصادية آنية متغيرة من جيل إلى جيل.

ولذلك فإن وظيفة الشريعة هي تحديد القواعد والأسس والمبادئ العامة، فمثلاً: القرآن الكريم يقول بأن الطبقية ممنوعة؛ (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ)، أي: حتى لا تتكرس الثروات لدى فئة من المجتمع، حتى لا يتحول المجتمع إلى طبقة رأسمالية مرهفة وطبقة عاملة كادحة، ولذلك القرآن وضع هذا المبدأ العام لمحاربة الطبقية في المجتمع.

مثال آخر: القرآن الكريم يحارب الظلم، كما في آية الربا: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)، أي أن الظلم المادي حرام، فلو كان هناك شخص ثري صاحب أموال مكدّسة في البنك، وبدل أن يعمل ويبذل جهدًا جلس في بيته وأقرض زيدًا مئة ألف بمئة وعشرة، وعمرًا خمس مئة ألف بخمس مئة وخمسين، وبكرًا مليونًا بمليون ومئة ألف… وصار يكتسب أرباحًا من دون بذل جهد وعمل ولا أي طاقة بشرية، فحينئذٍ يكون هذا الإنسان ظالمًا؛ لأن كسب المال من دون بذل طاقة ولا جهد ظلمٌ ماديٌ، ولذلك الإسلام يحارب الربا بما هو ظلمٌ ماديٌ.

مثال ثالث: القرآن يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، وهذا مبدأ ثالث، وهو مبدأ العدالة الاجتماعية.

فالإسلام لم يتدخل في التفاصيل، وإنما وضع مبادئ عامة، كنفي الطبقية، ونفي الظلم المادي، والدعوة إلى العدالة والإحسان الاجتماعي.

الأساس الثاني: إذا كان الإسلام قد وضع مبادئ عامة ولم يتعرض للتفاصيل فما هي وظيفة الفقيه في الحوزة؟!

يقولون: الفقيه يستنبط حكم المسألة الجزئية من النص لكن على أساس المبادئ العامة، وحتى تتضح الفكرة نذكر بعض الأمثلة الحيوية التي طرحها بعض الفقهاء الذين هم من أعلى مراجع الشيعة.

المثال الأول: لو أقرض شخصٌ شخصًا آخر مئة ألف ريال بمئة ألف وعشرة آلاف فهذا قرض ربوي محرّم، ولكن لو باعه مئة ألف ريال نقدية بثلاثين ألف دولار – على فرض أنها تعادل مئة ألف وعشرة آلاف – يستلمها بعد سنة فهذا جائز عند بعض الفقهاء، مع النتيجة واحدة والصياغة هي التي اختلفت فقط! فالسيد الأستاذ السيستاني مثلاً يقول بأن هذا بيعٌ وليس قرضًا، وذلك فهو حلال وليس حرامًا.

لكن بعض الفقهاء الآخرين – كالسيد الإمام في كتاب البيع – يقولون بأن هذا حرام، وذلك لأن المبدأ واحد، وبما أن الربا قد حُرِّم لأنه ظلمٌ ماديٌ، فإن ما كان ظلمًا ماديًا يبقى حرامًا وإن اختلفت صياغته.

وقد يقال: توجد نصوص شرعية تدل على حلية ذلك، فلو أتى شخصٌ – فرضًا – للإمام الصادق وسأله عن حكم بيع كليو رزًا بكيلو ونصف من الرز لقال بأنه حرام، ولكن لو سأله عن بيع كيلو من الرز مع كبريت مقابل كيلو ونصف من الرز لكان جائزًا، مع أن الكبريت لا يساوي – بحسب القيمة المالية – نصف كيلو من الرز، فاعترض الراوي على الإمام، وقال له: هذا الفرار! فقال الإمام : ”ونعم الفرار من الحرام إلى الحلال“.

يقول السيد الإمام في كتاب البيع: هذه الروايات لا أعمل بها، ولكنني أرد علمها إلى أهلها، وذلك لأن عندي مبدأ عامًا وضعته الشريعة، وهو أن الربا حُرِّم لأجل سد باب الظلم، وهذا المبدأ لا ينسد مع هذه الصياغات كلها، بل يبقى مفتوحًا، ولذلك التزامًا بالمبدأ العام نقول بأن هذه المعاملات والصياغات والحيل المختلفة كلها حرام.

مثال أوضح: لو رأى الإنسان شخصًا يمارس – والعياذ بالله – علاقة غير مشروعة مع فتاة أجنبية، حينئذ يجب عليه رفع هذا المنكر، وذلك بإبعاد الشاب عن الفتاة أو عن طريق نهيهما مثلاً، فهذا من رفع المنكر الواجب عند جميع الفقهاء، وإنما الكلام في دفع المنكر، أي: منعه قبل حصوله، لا إزالته بعد وقوعه.

مثلاً: لو رأى الإنسان شابًا متهيئًا لعقد علاقة غير مشروعة مع فتاة، والفتاة متهيئة أيضًا، هل يجب حينئذ دفع المنكر وسد الباب؟ بعض الفقهاء يقولون: لا يجب ذلك، إذ ما ورد في النصوص هو النهي عن المنكر، والنهي عن الشيء إنما يكون بعد وجوده، ولذلك فالدفع ليس واجبًا وإنما الواجب هو الرفع.

بعض الفقهاء يقولون: الإسلام إنما أوجب رفع المنكر من أجل سد باب الفساد، وهذا من المبادئ القرآنية العامة، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، ولذلك يجب دفع المنكر لأجل سد باب الفساد، فالمبدأ واحد في رفع المنكر ودفعه.

والمحصِّلة: أنَّ أصحاب الاتجاه التوفيقي – أو ما يسمى بالفقه التوجيهي – يقولون بأننا نرجع في مجال المعاملات إلى النص ونستنبط الحكم منه، ولكن بشرط أن يكون الحكم المستفاد من النص منسجمًا مع المبادئ العامة للشريعة، فلو استفدنا من النص حكمًا يخالف المبادئ العامة نطرح هذا النص ولا نعتمد عليه، وعلى ذلك فنحن لم نلغ دور النص؛ لأننا رجعنا إليه في مجال الاستنباط، كما لم نلغ دور العقل؛ لأن الحكم المستفاد من النص لا بد من أن يعرض على المبادئ العامة للشريعة، وبذلك نوفق بين دور العقل ودور النص في مجال أحكام المعاملات.

3» الاتجاه الثالث: الفقه المباشر

وهو الاتجاه المعروف والمشهور والشائع في الحوزات العلمية فعلاً، وهو أن النص مرجع في كل مسألة جزئية تمر على الإنسان بلا قيد أو شرط، وهنا توجد عدة أسس وعناصر توضّح هذا الاتجاه:

1/ الأساس الأول: ما يسمّى بحق الطاعة

هناك فرق بين المولوية الاعتبارية والمولوية الذاتية، فمثال الأولى: مولوية شيخ العشيرة، حيث أن هذه المولوية إنما وضعها المجتمع، وهذه المولوية لا تجب طاعتها عقلاً، وأما المولوية الذاتية فيجب طاعتها عقلاً، وهي مولوية الله «تبارك وتعالى»، فإنها مولوية ذاتية نابعة من كونه خالقًا ومنعمًا، وبعبارة أخرى: مقتضى مولوليته ومنعميته «تبارك وتعالى» أن العبد يجب عليه إطاعة مولاه في تمام الأحكام، فلا سلطة للعقل في هذا المجال؛ لأن الإنسان عبد بالعبودية الذاتية، وعنده مولى بالمولوية الذاتية، فيجب عليه أن يرجع في جميع تفاصيل حياته إلى أحكام مولاه، لا أن يرجع إلى العقل.

2/ الأساس الثاني: ورد في النصوص تقول بأن لله في كل واقعة حكمًا، أي أن الله لم يترك منطقة فراغ أبدًا حتى يقال بأن المساحة الفلانية مملوءة فنرجع فيها إلى النصوص، بينما المساحة الأخرى فارغة فنرجع فيها إلى العقل!

الإسلام ما ترك منطقة فراغ، بل ملأ جميع المناطق بأحكامه إما بنص عام أو بنص خاص، وهو ما ورد عن الصادق : ”إن لله في كل واقعة حكمًا“، وعنه : ”وعندنا الجامعة، فيها جميع ما يحتاجه الناس من حلال وحرام حتى أرش الخدش إلى يوم القيامة“، فالنصوص استوعبت تفاصيل الحياة وجزئياتها بأكملها، ولم تترك منطقة فراغ.

3/ الأساس الثالث: هل يصح الاعتماد على العقل في مجال استنباط الأحكام الشرعية، بحيث أن النص – كما قال أصحاب الاتجاه الأول – لا سلطة له، وإنما المعتمد في مجال المعاملات هو العقل، أو إنما يؤخذ بالنص الموافق – كما قال أصحاب الاتجاه الثاني – للمبادئ العامة التي اكتشفها العقل من الكتاب والسنة؟ هل العقل يمكن الاعتماد عليه في مجال استنباط الأحكام الشرعية ولو في باب المعاملات على الأقل أم لا؟

حتى نبلور هذه المسألة لا بد من الالتفات إلى أمرين:

الأمر الأول: أحكام العقل على قسمين: هناك أحكام بديهية فطرية يسلّم بها جميع العقلاء، والعقل مرجع وحجة فيها، وهناك أحكام نظرية قد يخطئ العقل فيها وقد يصيب، فلا نأخذ بالعقل فيها.

مثلاً: العقل يقول بأن الظلم حرام، وهذا حكم بديهي يسلّم به جميع العقلاء، وكذلك حكم العقل بوجوب الصدق، فإنه حكم عقلي فطري بديهي تسالم عليه جميع العقلاء، ولذلك هنا نعتمد على العقل حتى لو لم يقل الإسلام شيئًا.

ومن هنا نحن نعتمد على العقل في مجال العقيدة؛ لأن مدركاته في مجال العقيدة أحكام بديهية وفطرية وواضحة متى ما التفت العقل إليها آمن بها، فالعقل مثلاً يدرك بأن لكل معلول علةً، ولكل مسبَّب سببًا، ومن ذلك يستنتج بأن لهذا الكون علةً، وهي الخالق «تبارك وتعالى».

وأما الأحكام النظرية فلا نعتمد على العقل فيها؛ لأن العقل قد يخطئ وقد يصيب، ولذلك ما يصلح للإنسان وما لا يصلح له مسألة نظرية، من قبيل: هل الربا صالح للمجتمع البشري أم لا؟ هل البيع الغرري صالح للمجتمع أم لا؟ هل المعاملات البنكية بمختلف أشكالها صالحة للمجتمع البشري أم لا؟ هذه كلها مسائل نظرية وليست بديهية، فقد يخطئ فيها العقل وقد يصيب، ولذلك لا مسرح للعقل فيها، وهذا ما ورد في بعض الروايات القائلة: ”إن دين الله لا يصاب بالعقول“.

مثلاً: ورد في رواية أبان – وإن كانت بنظر سيدنا «قدس سره» ضعيفة السند – أن رجلاً قطع إصبعًا من أصابع المرأة، قال: عليه عشرٌ من الإبل، قال: قطع إصبعين من أصابع المرأة، قال: عليه عشرون من الإبل، قال: قطع ثلاثة من أصابع المرأة، قال: عليه ثلاثون، قال: قطع أربعة، قال: عليه عشرون، فتعجب أبان واستنكر، فقال الإمام: ”مهلاً يا أبان، أخذتني بالقياس، وإن السنة إذا قيست مُحِقَ الدين، وإن أول من قاس إبليس، إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النص“.

الأمر الثاني: هناك فرق – بحسب الاصطلاح الفقهي – بين الحكمة والعلة.

حتى يتضح الفرق بين علة الحكم وحكمته نضرب مثالاً: وجوب الصلاة له علة وله حكمة، والمقصود من العلة: السبب الذي من أجله شُرِّعَت الصلاة، وهي النهي عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، ولكن الصلاة عملٌ رياضيٌ أيضًا، فهل هذه الحركة الرياضية هي علة الحكم؟! نقول: الشارع لم يوجب الصلاة لأنها عمل رياضي، وإنما هذه الحركة الرياضية فائدة من فوائد الحكم، فهي حكمةٌ وليست علةً.

وبناءً على ذلك نقول: عندما يقول قائلٌ بأن الإسلام حرّم الربا لأن الربا ظلمٌ، فكيف استطاع أن يقول بأن منع الظلم علة لحرمة الربا وليس حكمة من حِكَمِه؟! لو كان منع الظلم علةً لحرمة الربا لقسنا عليه، لكن لعله حكمة وليس علة، فمن أين يستطيع العقل أن يميّز بين العلل والحِكَم؟!

مثال آخر: إذا قطع الإنسان 44 كيلوًا على نحو المسافة الامتدادية أو على نحو المسافة التلفيقية وجب عليه أن يقصّر الصلاة، ويبرّر البعض ذلك بدفع المشقة، فيقولون بأن السفر مشقة، ولذلك أوجب الإسلام التقصير في السفر دفعًا للمشقة، والحال أن الكثير من الأسفار ليس فيها مشقة، بل هي مليئة بالأنس والراحة، فهل هذا يعني أن السفر إذا لم تكن فيه مشقة يجب فيه التمام؟!

نقول: دفع المشقة حكمة وليس علة، فإذا لم يكن العقل قادرًا وجازمًا في مجال التمييز بين الحكمة والعلة فكيف نقول – كما قال أصحاب الاتجاه الأول – بأن النص لا سلطة له في مجال العبادات وإنما السلطة للعقل، أو بأن هناك مبادئ عامةً – كما يقول أصحاب الاتجاه الثاني – يؤخذ بالنصوص الموافقة لها ويُطْرَح غيرُها؟! كيف نعرف أن هذه المبادئ العامة علة وليست حكمة؟!

والخلاصة: بما أن العقل بما أنه قاصرٌ عن التمييز بين العلة والحكمة، لا بد من الإذعان بالنظرية الثالثة، وهي الفقه المباشر المعتمد على النص في كل المسائل الجزئية، إلا إذا لم يوجد نص، فحينئذٍ نرجع إلى ما يحكم به العقل من الإباحة أو الحظر على خلاف بين الفقهاء، فالسيد الخوئي «قدس سره» مثلاً يقول: إذا لم يكن هناك نصٌ فإن العقل يحكم بالإباحة، بينما السيد الصدر «قدس سره» يقول: إذا لم يكن هناك نصٌ فإن العقل يحكم بالحظر والتوقف.

خلاصة البحث:

ما نستخلصه من جميع ما ذكرناه أن هذه الاتجاهات الثلاثة هي اتجاهات تهدف لصياغة الفقه بشكل ينسجم مع مواكبة الحضارة والتطور الاجتماعي، فالحوزة العلمية ليست غافلة عنك – أيها الإنسان – ولا عن مجتمعك ولا عن حضارتك، بل لا زالت هناك نظريات وأطروحات مختلفة لتحديد الفقه المنسجم مع عجلة الحضارة ومسيرة الإنسان.

وهذا ما كان عليه أهل بيت النبوة «صلوات الله وسلامه عليهم»، حيث كانوا حريصين على التفقه، وكانوا يبذلون أقصى طاقتهم وجهدهم ويصرفون أوقاتهم في سبيل تخريج شيعتهم وأصحابهم علماء متفقهين عارفين، فورد عن الإمام الصادق: ”وددتُ لو أن أصحابي ضُرِبُوا بالسياط حتى يتفقهوا في الدين“، وعنه : ”تفقهوا وإلا فأنتم أعراب“، وورد عن الإمام علي : ”التاجر فاجر حتى يتفقه في دينه“، وورد عن الرسول الأعظم : ”إذا أحب الله عبدًا فقّهه في الدين“.

2021/04/01

2021/03/31

’’خدش للحياء’’ في المطعم: هل يجب عليّ النهي عن المنكر؟ (فيديو)

دعا الأستاذ في الحوزة العلمية سماحة السيد رشيد الحسيني إلى المحافظة على "الجو العام" وإبعاده عن "الرذيلة".

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

جاء ذلك خلال رده على سؤال حول النهي عن المنكر في موقف صادف السائل في إحدى المطاعم.

التفاصيل في الفيديو أدناه:

2021/03/23

لماذا تكثر علينا المشاكل والابتلاءات؟

​ورد في جملة من آیات القرآن الكریم و الروایات المرویة والمستفیضة عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام، أن سبب الابتلاءات التي تحصل للمؤمنین إما بسبب ما یصدر منهم من أفعال عفویة خاطئة وبریئة، أو هي امتحانات واختبارات إلهیة، أو لأجل رفعتهم و علو شأنهم في أعلی الدرجات في الجنة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وإلیك هذا الإیضاح الموجز لكل من هذه المفردات:

أولاً: قد یرتكب الانسان بعض الزلات والأخطاء ینتج عنها بعض الابتلاءات والمحن في الحیاة الدنیا، فلكل ذنب ومعصیة أثرها الخاص بها، فبعضها ینتج عنها الفقر، وبعضها الآخر ینتج عنها ابتلاءات و محن آخری، كما أشار إلیه الامام علي (ع) في دعاء كميل قال علیه السلام: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ الْبَلاء»، وعلی أي حال، هذه الابتلاءات والمحن إنما هي كعقوبة علی ذنوبه وآثامه ومعاصیه، وبما أن الله یحب عبده المؤمن، فقد یبتلیه بسبب بعض هذه الذنوب والمعاصي، فتكون عقوبة هذه الذنوب والمعاصي في هذه الدنیا، ویخفف من وزرها في الآخرة، وهذا هو بنفسه من ألطاف الرحمة الالهیة الكبیرة بالعبد المؤمن، أما من یشمله الغضب الالهي، فبدل أن یعاقب بالابتلاءات والمحن في كثیر من الموارد، یزید له في نعمته، لیبتلی في النهایة بالعذاب الألیم في الآخرة.

ثانيا: الامتحانات الإلهية قد تكون الابتلاءات والمحن للامتحان والاختبار الالهي، فمن السنن الكونیة والقوانین الالهیة الثابتة أن یمتحن المؤمنین، كما أشار القرآن الكريم في آيات عدیدة لهذه المسألة، فعلی سبیل المثال: قال لله سبحانه وتعالی في محكم كتابه المجید: « لتُبْلَوُنَّ في‏ أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ» (آل عمران:186).

وقال أیضاً: «و لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الاَمْوالِ وَ الأَْنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (البقرة:155)؛ وقال كذلك: «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون...»(العنكبوت1-3).

إذاً، لیس للامتحانات والابتلاءات الالهیة إطار محدد ومعین، بل أن كل شخص یبتلی و یمتحن تبعاً لحالاته النفسیة والعاطفیة والروحیة، ولهذا قال عزوجل في آية أخری أیضاً: «وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ» (الانبياء: 35).

ما هي الحكمة في الامتحانات الالهية؟

إذا كان الله علام بالأمور، فلیست الامتحانات الالهیة لرفع الجهل عن الأمور، بل لیستعرض المؤمن الخالص قابلیاته وكفاءاته، ویظهر استعداداته الباطنیة، فیمتحنه الله عزوجل، إذ إن من الحكم الالهیة إخلاص الانسان المؤمن وإظهار جوهره الإیماني الناصع، فكما أن الذهب إذا صهر بالنار، لتزال منه شوائبه و تظهر ونزاهته في كورة النار، فیبدو منه الذهب الخالص، فكذلك الإنسان المؤمن، إذ یصف الله عزوجل عمل الانسان بكورة البلاء والمحن، لیكون إیمانه خالصاً ناصعاً، وكذلك فصل صفوف المؤمنین بصدق عمن ادعوا الایمان كذباً وزوراً و بهتاناً، فكان إسلامهم مجرد لقلقة لسان، وهذا هو أیضاً من الحكم والامتحانات الالهیة، كما قال الامام علي (ع): «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَ يُمَيَّزُوا وَ يُغَرْبَلُوا وَ يُسْتَخْرَجُ فِي الْغِرْبَالِ خَلْق».

وعلی هذا، یتعرض المؤمنون تناسباً مع درجات إیمانهم وحالاتهم النفسیة والروحیة إلی امتحانات واختبارات الهیة صعبة، ولا ینبغي لأحد أن یتصور أن طریق الایمان والتدین تحفّ به الریاحین والزهور، ویمرّ عبر الحدائق الغنّاء و الخضراء، بل هو طریق ذات الشوكة، فیضع الإنسان المؤمن علی طول هذا المسیر الطویل الذي أمامه أقدامه علی أعتاب هذه الزهور والریاحین، فیكون هذا التصور علامة علی عدم معرفة ماهیة الایمان والدین، ولقد عشعش و سیطر هذا التفكیر والتصور في أذهان بعض المسلمین الذین عاشوا في مكة أنهم إلی متی سیتحملون هذا العذاب، ویتألمون بسبب إیمانهم بالله الواحد الأحد؟

فأنزل الله عزوجل هذه الآیات لرفع هذه الأوهام عن أفكارهم وتصوراتهم؛ فقال سبحانه وتعالی: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبينَ» (العنكبوت/2-3).

ولعل هذه التصورات غیر الطبیعیة و غیر المأنوسة قد جعلت أهل الإیمان یتصورون: أنهم لا یمكن أن تعرقل المشاكل طریقهم بعد ذلك أبداً، وحصل هذا النوع من التفكیر في أذهان أهل المدینة أیضاً، فقال الله عزوجل لإبطال هذا التصور الخاطئ: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَريب‏»(البقرة: 214).

روي: أن معركة «أحد» انتهت، فكان حصیلتها وقوع الكثیر من القتلی والجرحی، وسقوط سبعین فارساً من صنادید المسلمین وشجعانهم وقادة جیشهم في المعركة، «ولكي یبین الله سبحانه وتعالی لهم أن طریق الإیمان والتدین هو طریق ذات الشوكة، یمر بالصعاب والابتلاء»أنزل علیهم هذه الآیة المباركة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرينَ»(آل عمران:142).

وعلی أي حال، لمسألة الامتحان والاختبار الالهي بحث واسع وطویل، وأحكامه وحكمه كثیرة لا تعد ولا تحصی أیضاً، فالله یبتلي عباده ویفتنهم، كما فتن الانبیاء والرسل من قبل بشدة البلاء والابتلاء والفتن المریرة.

ثالثا: مضاعفة الاجر والثواب المعنوي، فقد یبتلي الله سبحانه وتعالی عباده المؤمنین لیعلم مدی صبرهم علی البلاء فیضاعف من درجاتهم المعنویة. روي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ:ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) الْبَلَاءُ وَ مَا يَخُصُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا فَقَالَ النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ».

و روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِه». وقال الامام الصادق علیه السلام: «إن الله لیبتلي أولیاءه لیثیبهم علی ذلك بالأجر والثواب لما لم یذنبوا».

وفي حديث آخر عن رسول الاسلام (ص) قال:«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فِي جِسْمِهِ فَيَبْلُغُهَا بِذَلِكَ». وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: «قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَا يَبْلُغُهَا عَبْدٌ إِلَّا بِالِابْتِلَاءِ فِي جَسَدِهِ».

وبناء علی ما ذكر، علينا أن نفكر في حیاة أناس من البشر الصلحاء ومن لهم كرامة عند الله كالأنبیاء والرسل والأوصیاء علیهم السلام والأولياء وعباد الله المؤمنین، وما حلّ علیهم من المحن والبلاء في الدنیا، أو ذلك فیما إذا تعرض غیرهم لمثلها، فتحمّل عبئه ثقیل جداً، وتحملّه صعباً علیهم و شاق.

وجميعنا يعرف قصة نبي الله أیوب علیه السلام، وكیف أن الله قد ابتلاه، ففقد ولده و صحته في فترة قصیرة جداً، رغم أنه قد أصیب بافتقاد الابناء الشباب وهم في مقتبل العمر، وحالة الفقر الشدیدة، وسقم البدن، ولسعة الألسنة النابیة، وسخریة الناس بالنبي أیوب علیه السلام، إلا أنه لم یصدر منه اعتراض أو شكوی علی ذلك، ولم یقل: أي رب، لقد ابتلیتني وامتحنتني، وسأقف في طریقك یوم القیامة، بل كان یشكر ربه في كل حال، فصبر علی قضاء الله وقدره، حتی رفع الله عزوجل عنه كل هذه المحن والابتلاءات العظیمة، فكان علیه السلام سید الصبر والكرامة عند الله، ومثال الصبر والاستقامة عند الناس المؤمنین.

لاحظوا حیاة وسیرة الأئمة من أهل البیت علیهم السلام، فكم عانوا من المحن والابتلاء والبلاء؟ وشاهدوا واقعة كربلاء، فكم من المصائب العظمی والجسام قد مرت علی هذه الذریة الطاهرة من أهل البیت علیهم السلام، ولكن مع كل تلك المصائب والبلاء الذي جری علیهم في كربلاء، كانت أسوة و سیدة الصبر السیدة «زینب الكبری» تتحلی بالصبر، ولم تنبس بشفة اعتراض أبداً، بل قالت علیها السلام تصف ما حل بها بقولها: «ما رأيت إلا جميلا»؛ وحتی في لیلة استشهاد إخوتها وأنصار الإمام الحسین علیه السلام، لم تترك التهجد بنافلة اللیل أبداً.

ففكروا الآن، لعل تعرضكم للمحن والبلوی هو نوع من الامتحان والاختبار الالهي، ولعل فیه جهات أخری أیضاً، ولعل بعض الروایات صرحت بأن خیر العبد في المحنة والابتلاء في الدنیا، واقتضاء حكمته أن یبتلیه ویمتحنه. وتتعلق الاجابة للدعاء و التوسلات ببعض الشروط أیضاً، فإذا لم تتحقق هذه الشروط، فسوف لن یستجاب الدعاء. ویحب الله عزوجل كذلك أن یسمع صوت عبده واستغاثته به، فیكون ذلك سبباً في أن تؤخر استجابة دعوته، وقد یری ربه أن خیره وصلاحه في عدم استجابة الدعاء، فیدخرها له علی أن رفعة و درجة معنویة في عالم الآخرة، وبما أننا نجهل الحكم الالهیة، فقد نتصور أن كل ما نطلبه من الله، علی الله الإجابة؛ وأن یكون الأئمة علیهم السلام واسطة في الإجابة، مع أن هناك حكم-بكسر الحاء وفتح الكاف- أخری نحن نجهلها في هذا العالم أیضاً .

إن الله سبحانه وتعالی لا یبتلي أحداً من دون سبب، فهو یحب عباده أكثر من حب الأم لولدها، ومن هنا ينبغي أن نسيطر على أفكارنا، ولا ننخدع بالوساوس الشیطانیة، ولا نسود الناصعة البیضاء في ارتباطكم مع الله.

2021/03/20

دول غنية وأخرى فقيرة: هل يقرر الله مصير الشعوب في الدنيا؟

​قال تعالى: (َٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

تؤكد الآية الشريفة على مسألة مهمة تعكس دور الإنسان وفلسفة وجوده في هذا الكون، فحياة الإنسان ليست صوراً جاهزة رسمت له منذ الازل وما عليه إلا أن يمضي على وفق ما قدر له مسبقاً، بل تؤكد الآية على كون الاقدار رسمت للإنسان بالشكل الذي لا تصادر إرادته أو تمنعه من تحديد خياراته، وعليه، الإنسان هو المسؤول عن الاختيار من بين الاقدار التي قدرها الله للعباد، فمن يختار اقدار النجاح يكون مصيره النجاح ومن يختار اقدار الفشل سيكون مصيره الفشل لا محالة، فالله لا يغير حال قول إلا إذا هم أرادوا ذلك وسعوا له، فالله لا يجبرهم على السعادة أو الضنك، وبالتالي تؤكد الآية على أن المجتمعات الإنسانية هي المسؤولة بشكل مباشر عن نمط الحياة الذي تكون عليه، فالإنسان هو الذي يحدد مصيره بمسيره، فإن كان شرّاً أو خيراً فبما كسبت يداه، وهو بما كسب رهين: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ وقال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾، فالتغير في الآية يشمل الجانب المعنوي والروحي كما يشمل الجانب المادي بالنسبة لحياة الإنسان، وعليه لا يتعجب المرء عن وجود حضارات كافرة تعيش رغداً من العيش؛ وذلك لأن الله ربط المكاسب المادية بالأسباب ومسببات، ومن هنا يجب أن لا تتوقع المجتمعات الفقيرة التي تعيش المرض والحروب وضنك الحياة أن الله سيدخل لتغيير حالها مالم تبادر هي إلى تغير حالها، هذه هي سنة الله في الخلق حاكمة على جميع البشر وليس خاصة بشعب دون شعب أو مجتمع دون الاخر.

2021/03/11