فقهيات

أقسام فرعية

أقسام فرعية

مع ما يمر به المسلمين من مآسي.. هل لا نزال ’أمة مرحومة’؟!

لا تعارض بين ضعف الأمة الإسلامية وهوانها وبين كونها أمة مرحومة، فهناك فرق بين كون الإسلام هو سبب الرحمة والسعادة، وبين كون الإنسان بفعله هو الذي يجلب لنفسه الشقاء.

[اشترك]

فقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أمتي هذه أمة مرحومة) لا يعني أنها مرحومة حتى وإن لم تلتزم بالإسلام، وإنما الرحمة معلقة بمدى أيمان الأمة والتزامها، والذي يؤكد هذا المعنى هو قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)، فهي خير أمة لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أما الأمة العاملة بالمنكر والتاركة للمعروف لا يمكن أن تكون أمة مرحومة، وعليه كل ما تعاني منه الامة الإسلامية من أزمات ومصاعب وتحديات لا يتعارض مع كون الإسلام جاء رحمة لهذه الأمة.

وحتى نفهم الرحمة لابد أن نفهم معنى الحياة الدنيا، لأن معنى الرحمة يتحدد وفقاً لفلسفة الحياة والهدف منها، فلو أوجد الله الحياة بوصفها الجنة الأبدية للإنسان، ثم وعده ألا يصيبه فيها مكروه، كما وعد آدم عندما ادخله للجنة بقوله: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ) (119 طه). حينها نفهم الرحمة بالشكل الذي لا يكون معه عناء وتعب، وعندها لا يكون مطلوب من الإنسان العمل والكفاح من أجل العيش الكريم.

أما إذا كانت الحياة وجدت أساساً لاختبار الإنسان وامتحانه، فحينها سيكون العناء والابتلاء واحد من ضرورات الحياة الاختيارية للإنسان، ولا نعني أن الشقاء والعناء الذي يصيب الإنسان يكون على نحو الجبر والحتم، وإنما الإنسان باختياره يكون مسؤولاً عن كل ما يصيبه من شرور.

 فالأصل أن الله خلق الإنسان ليرحمه قال تعالى: (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) وقال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)، وعليه يمكننا أن نقول إن الإنسانية جميعها مرحومة.

ومضافاً لتلك الرحمة العامة التي تشمل جميع البشر، هناك رحمة خاصة بأمة محمد وهي الرحمة المتمثلة في الرسالة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وعليه يجب أن فهم الأمة المرحومة ضمن هذا السياق، فكما أن الرحمة العامة لا تعني سلامة الإنسان من الشرور التي يصنعها بيديه، كذلك الرحمة الخاصة لا تعصم عن ذلك أيضاً.

ومن جهة أخرى فإن مظاهر رحمة الله ظاهرة حتى في وسط الازمات والتحديات،  فنعم الله التي اصبغها على الإنسان ظاهرة وباطنة إلا أن البعض بنظرته المتشائمة يتغافل عن كل ذلك، فمن يعتقد بان الحياة كلها ظلام لا نور فيها إنما يرى ذلك من خلال منظار نفسه المظلمة قال تعالى: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) أما الذين يرون النور في كل مكان هم الذين يعرفون رحمة الله وينعمون فيها قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فالإنسان بنظرته المتفائلة أو المتشائمة هو الذي يحدد موقفه من الحياة، فالخطوة الأولى لسعادة الإنسان هو الاعتراف بمظاهر رحمة الله ومن ثم الاستعانة به لتجاوز ما يعتريه من مشاكل وتحديات، فبشكر الله يعزز الإنسان الإيجابيات، وبالتوكل عليه يتجاوز الإنسان السلبيات، والذي يجحد بكل ذلك فان حياته سوف تكون ضنكاً من العيش، قال تعالى: (فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) والآية واضحة في كون المتسبب في الحياة الضنك هو الإنسان وذلك بإعراضه عن ذكر الله، ويبدو أن المقصود من الذكر هنا هو الاعتراف بنعم الله ورحمته، فمن تعامى عن النظر إليها في الدنيا سوف يكون حتماً اعمى عن رحمة الله يوم القيامة ولذا ختمت الآية بقوله (ونحشره يوم القيامة اعمى)، وبناءً على هذه الآية يمكننا القول أن السعادة يصنعها الإنسان لنفسه من خلال تركيزه على إيجابيات الحياة والرضا بما عنده من النعم أما الذي لا يرى إلا السلبيات ولا يرضى بما عنده من النعم فان النتيجة الطبيعية أن تكون حياته ضنكاً.

وفي المحصلة الإسلام سبب سعادة الإنسان في الدنيا والأخرة، والأمة التي تؤمن بالإسلام وتعمل بما فيه من تعاليم بالتأكيد أمة مرحومة.

2022/04/09

2022/04/09

2022/04/07

الصوم يمنعني عن ممارسة عملي.. ماذا أفعل؟

السؤال: ما حكم من يمنعه الصيام من ممارسة عمله الذي يرتزق منه؟

[اشترك]

الجواب: من يمنعه الصيام من ممارسة عمله الذي يرتزق منه كأن يسبب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، أو يعرضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن شرب الماء أو لغير ذلك.

ففي هذه الحالة اذا كان بإمكانه تبديل عمله أو التوقف عنه مع الاعتماد في رزقه في أيام التوقف على مال موفر أو دَين أو نحو ذلك وجب عليه الصيام والا سقط عنه وجوبه، ولكن الأحوط وجوباً ـ في هذه الصورة ـ ان يقتصر في الأكل والشرب على الحد الأدنى الذي يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقة عن نفسه، ويجب عليه ان يقضي ما يفوته من الصوم بعد ذلك إن تيسر له.

المصدر: أرشيف استفتاءات الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)

2022/04/07

2022/04/07

يحرم احتكار الطعام لزيادة قيمته السوقية

السؤال: ما حكم احتكار القوت الغالب للبلد انتظار زيادة القيمة السوقية له؟

[اشترك]

الجواب: يُحرم احتكار الطعام ـ والمقصود به هنا القوت الغالب لاَهل البلد ـ 
واحتكار ما يتوقف عليه تهيئة الطعام كالوقود وما يُعد من مقومّاته كالملح والسمن انتظاراً لزيادة قيمتها السوقيّة مع حاجة المسلمين أو من يلحق بهم من النفوس المحترمة اِليها وعدم وجود من يطرحها في الاسواق.

المصدر: أرشيف استفتاءات الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)

2022/04/06

هل يحق لعمّال البناء الإفطار في رمضان

السؤال: انا اعمل في البناء ولا استطيع أن أجمع بين العمل والصوم بسبب الجو الحار فما هو تكليفي؟

[اشترك] 

الجواب: يجب عليك الصوم فان بلَغَ بك العطش حدّاً تخاف منه الضرر او وقعت في حرج شديدٍ جاز لك حينئذٍ أن تشرب الماء بمقدار الضرورة وتمسك بقية النهار وعليك قضاء الصوم بعد ذلك.

المصدر: أرشيف استفتاءات الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)  

2022/04/06

2022/04/05

2022/04/04

2022/04/04

متى يجوز للمريض الافطار رمضان؟

السؤال: متى يجوز للمريض الافطار؟

الجواب: يجوز الافطار للمريض في الحالات التالية:

١ ـ اذا كان الصوم يؤدي الى اصابة الشخص بمرض ما سواء كانت له اعراض فعلية كالحمى والصداع ام لا.

٢ ـ اذا كان الصوم يتسبب في شدة مرضه.

٣ ـ اذا كان الصوم يؤدي الي تأخر شفائه منه.

٤ ـ اذا كان الصوم يؤدي الى اصابته بمرض آخر او الى ظهور اعراض

مرضه الحالي او الى زيادتها كالارتفاع في درجة حرارته.

المصدر: أرشيف استفتاءات الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)

2022/04/04

كل ما تريد معرفته عن قضاء ما بذمتك من صوم شهر رمضان
يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "صوم القضاء" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف:

[اشترك]

السؤال: ما حكم من افطر ١٢ سنة في بداية واجباته عن جهل او منع الأهل بحجة الدراسة والامتحانات ويتوقعون عدم قابليتها على إتمام للصيام مع الدراسة وبعد ذلك قام بالالتزام الجيد ( إن شاء الله ) به ؟ أما الآن فلا تقدر على الصيام بصورة مستمرة بسبب احياناً يحدث صداع يشبه الشقيقه فما الحكم؟

الجواب: يجب عليه قضاء ما فات إذا كان يقدر على القضاء تدريجاً ولو متفرقاً اما إذا كان غير قادرٍ على ذلك ويائساً من القدرة عليه في المستقبل فيوصي بذلك وأما الكفارة فلا تجب بالنسبة إلى فترة الجهل إذا كان واثقاً من غير تردّد بعدم وجوب الصيام عليه ولكن تجب عليه بالنسبة إلى فترة منع أهله له إلاّ إذا اعتقد ان منع أهله يسوّغ ترك الصيام شرعاً او كان مكرهاً على ذلك.

السؤال: ان زوجتي مطلوبة صيام من رمضان الفائت وبقي عليها يوم واحد وأدركها رمضان هذه السنة فهل تصوم يوم واحد أم ماذا ؟

الجواب: تقضيه بعد شهر رمضان وعليها كفارة تأخير القضاء ويكفي فيها اطعام مسكين واحد ٧٥٠ غرام حنطة او خبزاً.

السؤال: ما حكم من افطر بعد الزوال بالنسبة لقضاء شهر رمضان اذا كان القضاء عن غيره باجرة او تطوعاً؟ هل تجب عليه الكفارة؟ ثم ما هو حكمه اذا نسي القضاء وافطر متصوراً انه صائم استحباباً؟

الجواب: يجوز الافطار في قضاء اشهر رمضان عن الغير حتى بعد الزوال ولا كفارة في ذلك.

السؤال: ما حكم افطار البنت المكلفة في اول سنينها مع العلم انها جاهلة بان تلزمها كفارة وهل تجب عليها القضاء والكفارة او القضاء فقط؟

الجواب: الجهل بثبوت الكفارة لا يقتضي سقوطها، نعم اذا كانت واثقة من عدم وجوب الصوم عليها لصغر سنها فلا كفارة عليها بل تقضي فقط.

السؤال: ما حكم الصلاة والصيام الفائتة علي المكلف سواء ذكر او انثي في سنوات البلوغ اي بعد البلوغ وفي سنوات الجهل بالاحكام بان كان عليه القضاء فكيف يقضي ما لم يعلم عدد ما فاته من صيام وصلاة وهل هناك كفارة وفدية للصيام؟

الجواب: يجوز له الاقتصار في القضاء علي ما يتيقن فواته، وتثبت عليه كفارة الافطار وكافرة التاخير في القضاء الا اذا كان يعتقد آنذاك ـ اعتقاداً جازماً ـ بعدم وجوب الصيام عليه.

السؤال: هل بالإمكان أن أقضي الصوم الواجب والمستحب في نفس الوقت ؟

الجواب: لا يجوز ذلك بل لابد من قضاء الصوم الواجب فقط .

السؤال: هل يجوز الصوم المستحب في بعض الأيام اذا كان الشخص مطلوب قضاء لشهر رمضان لعدد من الأيام وله متسع من الوقت ليقضي ما بذمته قبل حلول رمضان التالي؟

الجواب: لايجوز ولكن اذا قصد القضاء وصامه في تلك الايام لنيل ثوابها ناله ايضاً ان شاء الله تعالي.

السؤال: هل يجوز أن أنذر الصوم في السفر وعليّ يوم قضاء من شهر رمضان؟

الجواب: فيه اشكال الا فيما كان المنذور صوم غير معين او معين يمكن اتيان القضاء قبله وقد أتى به فعلاً.

السؤال: لو أردت أن أصوم ثلاثة أيام عند النبي (صلي الله عليه وآله) لقضاء الحاجة وفي ذمتي قضاء من شهر رمضان، فهل يصح ذلك؟

الجواب: فيه اشكال.

السؤال: إذا كان على الشخص صوم قضاء فهل يجوز له ان يصوم نيابة عن ميّت تبرعاً ؟

الجواب: يجوز التبرّع عن الميت بقضاء ما عليه من الصيام الواجب من قضاء اوكفارة او نحوها ممّن عليه قضاء شهر رمضان حتماً .

السؤال: إذا كان على الانسان قضاء شهر رمضان ، فهل يجوز له ان يتطوع بقضاء الصيام عن والده او والدته او عن غيرهما ؟

الجواب: لا يجوز الّا إذا كان ما يريد قضائه من الصيام الفريضة كقضاء شهر رمضان عنهما اذا كانا مطلوبين.

السؤال: ما حكم من افطر بعد الزوال بالنسبة لقضاء شهر رمضان إذا كان القضاء عن غيره بأجرة اوتطوعاً ؟ هل تجب عليه الكفارة ؟

الجواب: يجوز الافطار في قضاء رمضان عن الغير حتى بعد الزوال ولا كفارة في ذلك .

السؤال: اذا اختار المكلف من الكفارات عن افطار شهر رمضان عمداً اطعام ستين مسكين هل بعد الاطعام يجب صوم اليوم أيضاً؟

الجواب: نعم.

السؤال: اذا كان الشخص يعتقد انه غير قادر على الصيام فلم يصم وبعد عدة سنين حاول الصيام فتمكن منه، فهل يجب القضاء والكفارة عما فاته ام القضاء فقط؟

الجواب: يجب القضاء فقط.

السؤال: انا شاب قد اصابني سنة صيامي اني فعلت شيء محرم ولكني لم اعلم انه هناك صيام شهرين متتاليين اواطعام ستين مسكين واني قد تبت الى الله وتذكرت ذنبي ولكني اعلم اني لم اكن اعرف فما هوالحكم الشرعي؟

الجواب: اذا كنت قد أفطرت عمداً في شهر رمضان مع علمك بالمفطرية فيكفي أن تطعم ستين مسكيناً عن كل يوم٧٥٠ غرام حنطة أودقيقها بل وكذا إذا كنت جاهلاً مقصراً متردداً في المفطرية ولا تسقط الكفارة بالجهل بوجوبها كما يجب قضاء صوم اليوم الذي أفطرت فيه.

السؤال: ما هو الواجب الشرعي على الشخص الذي لم يصم لعدة سنوات ثم انتبه الى ذلك في حالة علمه بوجوب الصوم وفي حالة جهله بوجوب الصوم؟

الجواب: اذا كان افطاره عن جهل بالحكم غير مردد فيجب القضاء فقط واما من تعمّد الاكل والشرب وغيرها مع علمه بالمفطرية فتجب الكفارة ايضاً وكذا اذا كان جاهلاً مقصّراً مردّداً على الاحوط.

السؤال: هل لي أن أصوم الصوم المستحب مثل أيام شهر رجب والنصف من شعبان أو يجب أن أقضي أولاً ؟

الجواب: لا يجوز التبرع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان .

السؤال: شخص لم يصم بعض ايام شهر رمضان ، بدون عذر، فكيف يعوض الايام التي مضت؟

الجواب: اذا كان يعلم بوجوب الصوم عليه فيجب القضاء و الكفارة و كذا اذا كان جاهلا ً مقصرا ولكن مرددا ً في ذلك على الاحوط و اذا كان عالما ً بالوجوب يجب عليه اداء فدية التأخير ايضاً عن السنة الاولي فقط.

السؤال: عندما كنت أدرس وخصوصاً أيام الامتحانات كان يوافق شهر رمضان فكنت أفطر عن عمد لدرايتي بعدم التمكن من الصيام فما هو الحكم المترتب على ذلك ؟

الجواب: إذا كانت جازماً بجواز الإفطار عليك فلا تجب الكفارة ويجب عليك القضاء فقط .

السؤال: هل يحق لمن يرجع إلى بلده قبل الزوال أن ينوي صوم ذلك اليوم قضاءً ؟

الجواب: نعم ان لم يرتكب مفطراً بعد الفجر.

السؤال: رجل يصوم وهو لا يعلم أن الجنابة العمدية تفسد الصوم، فهل يجب عليه القضاء؟

الجواب: يجب عليه القضاء ، ولا كفارة عليه، إذا كان واثقاً من عدم مفسديتها، أو لم يكن ملتفتاً إلى ذلك.

السؤال: هل يجوز لشخص مطلوب قضاء صوم ان يصوم استئجاراً لشخص آخر وإذا كان جائزاً هل فيه كراهة ؟

الجواب: يجوز وليس فيه كراهة .

السؤال: انا شاب ابلغ من العمر ٢٤ سنة كنت ايام الجهل افطر بعض ايام شهر رمضان من سن ١٢ ـ ١٨ سنة لكن بعد ذلك تبت والحمد لله والتزمت بعد ان تعلمت الكثير من امور ديني ولا اعلم كم عدد الايام التي افطرتها وسؤالي هو هل يجب علي القضاء مع العلم ان التوبة تجّب ما قبلها؟ واذا كان واجب علي القضاء هل هناك كفارة؟ وهل يمكن أن ادفع لشخص يصوم بدلا عني؟

الجواب: القضاء واجب على كل حال واذا ترددت في عدد ما فاتك منه يكفيك ان تقضي المقدار المتيقن فقط، واذا كنت عالماً بوجوب الصوم فتجب الكفارة ايضاً. والحكم كذلك ايضاً ـ على الاحوط ـ اذا كنت جاهلاً مقصراً متردداً في ذلك، ويكفيك في الكفارة ان تطعم ستين مسكيناً عن كل يوم ٧٥٠ غراماً حنطة او دقيقها. وكذا يجب عليك في الفرض ان تدفع فدية تأخير القضاء عن العام الاول ويكفي فيها دفع ٧٥٠ غراماً حنطة لمسكين. ولا يمكن استنابة الغير للقضاء مادمت حياً.

السؤال: اذا أكلت سهوا و نسيانا في قضاء شهر رمضان فهل ذلك مبطل للصوم.

الجواب: ليس بمبطل.

السؤال: اذا استيقظ بعد طلوع الشمس واراد الصوم قضاءاً وكان قد شرب ولا يعلم هل كان ذلك قبل طلوع الفجر او بعده فهل يصح منه الصوم ؟

الجواب: نعم يصح .

السؤال: هل يجب صوم ٣ ايام متوالية في كفارة الافطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان؟

الجواب: كفارته اطعام عشرة مساكين فان عجز فصيام ثلاثة ايام ولا يجب التتابع.

السؤال: زوجي مطلوب صيام ٥ سنوات وكان متعمد بعدم صيامها كم عليه دفع فدية؟

الجواب: يجب القضاء واطعام ستين مسكيناً يدفع لكل واحد عن كل يوم ٧٥٠ غراماً من طحين او تمر او نحوهما وكذلك يجب على الاحوط اطعام مسكين واحد عن كل يوم لتأخير القضاء عن السنة الاولى.

السؤال: هل الافطار المتعمد في قضاء شهر رمضان قبل الزوال يوجب الكفارة؟

الجواب: لايوجبها.

السؤال: هل تجب الكفارة في حالة تعمد الافطار في صيام القضاء وذلك قبل أذان المغرب بساعتين ؟

الجواب: نعم تجب وكفارته اطعام عشرة مساكين تدفع لكل واحد على الاقل ٧٥٠ غراماً من طحين او ارز او تمر ونحوها فان عجزت صمت ثلاثة ايام.

السؤال: انا امراه اعيش بالسويد اريد ان استفسر عن كيفية قضاء شهرين من رمضان لم اصمها لاني كنت حاملا ولم استطع الصيام في ذالك الحين كيف لي ان اقضيها وعن صيام هذه السنة ارضع طفل عمره اربع شهور ونص علماً ان ساعات الصيام في البلد الذي اعيش فيه اكثر من ١٦ ساعة؟

الجواب: تقضين صيام الشهرين تدريجا طول السنة او السنين القادمة وتدفعين كفارة التاخير اطعام مسكين واحد عن كل يوم ويجوز لك الافطار في هذه السنة ان كان الصوم يضر بالطفل وينقص الحليب ولا يمكن التعويض بالرضاع الاصطناعي او انه يضره ولكن يجب التصدق ايضا باطعام مسكين واحد عن كل يوم والقضاء ويكفي في الاطعام ان يدفع للمسكين ٧٥٠ غراما من حنطة او تمر او ارز او نحو ذلك والافضل ان يدفع ضعف ذلك.

السؤال: امرأة تهاونت عن قضاء صيام شهر رمضان لـ ٣ سنوات، وتنوي الآن القضاء، فهل يكفي أن تنوي القضاء بشكل عام أم يجب أن تراعي الترتيب في القضاء؟ وما هي كفارة تأخيرها للقضاء ؟

الجواب: لا يجب الترتيب وكفارة التاخير عن كل يوم اطعام مسكين واحد يدفع له ٧٥٠ غراما من طحين او خبز او ارز او تمر او نحوها ولا يكفي دفع المال نعم يمكنك مراجعة من تثقين به من العلماء ودفع المال له.

السؤال: هل بالإمكان أن أقضي الصوم الواجب والصوم المستحب في نفس الوقت ؟

الجواب: لا يجوز ذلك بل ينوي القضاء فقط اذ لايجوز التبرع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان.

السؤال: قلتم في المسائل المنتخبة: (الأولى والأحوط أن يقضي ما فاته من شهر رمضان أثناء سنته إلى رمضان الاتي، ولا يؤخره عنه ولو أخره عمدا كفـّر عن كل يوم... الخ).

ما هو مفاد الاحتياط هنا الوجوب أو الاستحباب؟

الجواب: احتياط مستحب وتجب الكفارة بالنص.

السؤال: ما حكم تفويت صيام قضاء شهر رمضان في السنة على الحائض حينها ؟ هل يجب صيام الايام الفائتة وما حكمه ؟

الجواب: اذا لم تقضها الى شهر رمضان التالي وجب القضاء ودفع كفارة التأخير وهي اطعام مسكين واحد عن كل يوم يدفع له ٧٥٠ غراما من طعام كالتمر او الخبز او الطحين او غيرها .

السؤال: هل يجوز الإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان عن نفسي ؟

الجواب: لا يجوز الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، ومن فعل ذلك وجبت عليه الكفارة ، وهي إطعام عشرة مساكين يعطي كل واحد منهم ثلاثة أرباع الكيلو غرام من الطعام فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام .

السؤال: هل يمكن ان اصوم العشرة الاوائل من شهر ذي الحجة لما لها من اهمية مع النية في الصوم بايفاء ما بذمتي من ايام رمضان ايضا اقصد بنيتين؟

الجواب: تصوم بنية قضاء ما في الذمة ويرجي تحصيل الثواب عن الايام المستحبة.

السؤال: كيف يمكنني أن أكفر وأقضي عن ثلاثة أيام فطرت بها في شهر رمضان.. حيث إنني لا أستطيع الصيام شهرين متتاليين؟

الجواب: يجب قضاء ثلاثة ايام وإذا كان الإفطار مع العلم بوجوب الصوم عليك وأن ما ترتكبه مفطر وتعمدت الإفطار فتجب الكفارة ايضا وكذا على الاحوط إذا كان الإفطار عن جهل الا اذا كنت معذورا في جهلك او لم تكن مترددا في الحكم بل كنت واثقا بالجواز او غافلا فلا تجب الكفارة حينئذ، ويكفي في الكفارة للعمد ـ عن كل يوم ـ إطعام ستين مسكينا تدفع لكل واحد ٧٥٠ غراماً من حنطة او خبز او غيرهما ـ حتى اذا كان الافطار على محرم ـ وإذا كنت عالماً بوجوب القضاء ومع ذلك لم تقض فتجب عليك كفارة تأخير القضاء عن عامه الأول ويكفي فيها ـ عن كل يوم لم تقضه ـ إطعام مسكين واحد ٧٥٠ غراماً حنطة أو خبزاً أو غيرهما. ومع التردد في عدد الايام التي تم الافطار فيها يكفي الاقتصار على المتيقن والاحتمال الاقل.

السؤال: إذا وجب الجمع بين تروك النفساء وأفعال المستحاضة على ناحية الاحتياط فهل يلزمها قضاء الصوم بعد النقاء أم أن الذي صامته كاف لها؟

الجواب: تقضيه.

السؤال: لو اعتمد شخص على الساعة – وكان مطمئنا بدقتها - في تشخيص بقاء الليل أو طلوع الفجر في صيام شهر رمضان فأكل ، ثم انكشف أنه أكل بعد طلوع الفجر، فما هو حكم صومه؟

الجواب: يجب القضاء فقط .

السؤال: من تناول المفطر اثناء اذان الفجر باعتقاد ان الامساك يكون بعد انتهاء الاذان ماحكم صومه؟

الجواب: إذا علم ان افطاره وقع بعد طلوع الفجر واقعاً فعليه القضاء .

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله

2022/03/29

هل يحق لأصحاب ’المهن الشاقّة’ الإفطار في شهر رمضان؟

يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "الصوم لأصحاب المهن الشاقة" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف:

[اشترك]

 السؤال: طبيب يعمل في المستشفى يصوم شهر رمضان وبعد الإفطار يشعر بالتعب وفقدان التركيز مما يؤثر سلباً على عمله فهل يرخص له الإفطار؟

الجواب: مَن يمنعه (الصوم) من ممارسة عمله الذي يرتزق منه كأن يسبب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، أو يعرضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن شرب الماء أو لغير ذلك.

ففي هذه الحالة إذا كان بإمكانه تبديل عمله أو التوقف عنه مع الاعتماد في رزقه في أيام التوقف على مال موفر او دين او نحو ذلك وجب عليه الصيام والا سقط عنه وجوبه حينئذٍ، ولكن الاحوط وجوباً ـ في هذه الصورة ـ ان يقتصر في الاكل والشرب على الحد الادنى الذي يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقة عن نفسه، ويجب عليه ان يقضي ما يفوته من الصوم بعد ذلك ولا كفارة عليه.

السؤال: أنا اعمل في البناء ولا أستطيع أن أجمع بين العمل والصوم بسبب الجو الحار فما هو تكليفي؟

الجواب: يجب عليك الصوم فان بلَغَ بك العطش حدّاً تخاف منه الضرر او وقعت في حرج شديدٍ جاز لك حينئذٍ أن تشرب الماء بمقدار الضرورة وتمسك بقية النهار وعليك قضاء الصوم بعد ذلك.

السؤال: هل يستطيع الخباز شرب الماء في نهار رمضان المبارك؟

الجواب: اذا عطش بحيث خاف على نفسه الضرر أو وقع في حرج شديد جاز الشرب ووجب القضاء بعد ذلك والأحوط وجوباً الاقتصار على مقدار الضرورة والإمساك بقية النهار.

السؤال: انني اعاني من ضعف جسدي وصحي اثناء الصيام في كل سنة ولا اقوى على ممارسة عملي اليومي بشكل صحيح وانا صائم وأشعر بضيق نفسي الى نهاية الشهر فما هو حكمي الشرعي علماً انني مهندس وعملي في المشاريع الهندسية؟

الجواب: لا يجوز الافطار لمجرد الضعف الا اذا كان بحيث يضّر بك او يوجب مرضاً او يوجب حرجاً شديداً لا يتحمل عادة واما اذا كان العمل حال الصوم هو الموجب لذلك فلا بد من تغيير ساعات العمل او تقليلها او البحث عن عمل آخر ونحو ذلك من البدائل.

السؤال: قائد طائرة يفرض عليه بمقتضى مهنته ان يشرب الماء في كل فترة فما هو حكم صومه؟

الجواب: اذا كان العمل المذكور خلال شهر رمضان لازماً لتامين معاشه بحيث لو تركه فيه وقع في الحرج فلا بأس بأن بشرب الماء بمقدار الضرورة ويقضي صومه بعد ذلك ولا كفارة عليه.

السؤال: انا جندي في الجيش العراقي وانا المعيل الوحيد لعائلتي وفي شهر رمضان لا اقدر على الصيام لان واجبي من الساعة الخامسة والنصف صباحا وحتى السادسة مساءا وفي واجبي مسؤولية كبيرة مما يستدعي عدم الجلوس لأني في مكان امني حساس علما أنني صمت في السنة الماضية قمت بالصيام ولكن لم اقدر حتى اغمي علي ونقلوني الى المستشفى؟

الجواب: اذا كان لا يمكنكم الصوم اثناء العمل ولا يمكن ترك العمل باجازة ولو لبعض الايام او لأي عذر مبيح فحينئذٍ يجوز الافطار والقضاء بعد شهر رمضان المبارك ولكن الاحوط وجوباً الاقتصار في الاكل والشرب على الحد الادنى الذي يفرضه عليك عملك ويندفع به الحرج والمشقة عن نفسك.

السؤال: نحن سواق الشاحنات الحكومية المكلفين بنقل مفردات البطاقة التموينية نطلب من سماحتكم بيان حكم صيام هذا الشهر الفضيل حيث اننا اثناء عملنا نواجه متاعب شاقة جدا بسبب طول المسافات و ارتفاع درجات الحرارة والامور الفنية والادارية في مواقع التحميل والتفريغ وخصوصا الموانيء اضافة الى الجهد البدني للسائق اثناء عطل الشاحنة او انفجار الاطارات وامور كثيرة لا استطيع احصاؤها؟

الجواب: اذا كان عنوان (كثير السفر) ينطبق عليكم فوظيفتكم الصيام. نعم مع عدم إمكان ترك العمل وتحقق المشقة الشديدة أو الحرج فالواجب نية الصيام و الإمساك ويجوز عند الضرورة تناول الطعام والشراب والاحوط الاقتصار على المقدار الذي يرتفع به الحرج والامساك بعدها ثم القضاء و لا كفارة.

السؤال: إننا نعمل في شركة غاز في البصرة في موقع بعيد جدا قريب من دولة الكويت وهناك ايام نعمل فيها لمدة تصل من (٦ ـ ٨) ساعات تحت اشعة شمس حرارتها تفوق الـ(٥٠) درجة ونجد من الصعوبة الامساك عن الماء فهل يجب علينا الصيام في هذه الحالة؟

الجواب: مع عدم امكان التوقف عن العمل باجازة ونحوها ولو لبعض الايام والوقوع في مشقة شديدة لا تتحمل عادة من جراء الاستمرار بالصيام، فالواجب حينئذ نيّة الصوم عند طلوع الفجر والإمساك فإذا اضطر الى الاكل او الشرب جاز له ذلك والاحوط ان يقتصر على المقدار اللازم منهما ثم يجب القضاء في وقت آخر.

السؤال: ما حكم من يمنعه الصيام من ممارسة عمله الذي يرتزق منه؟

الجواب: من يمنعه الصيام من ممارسة عمله الذي يرتزق منه كأن يسبب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، أو يعرضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن شرب الماء أو لغير ذلك.

ففي هذه الحالة اذا كان بإمكانه تبديل عمله أو التوقف عنه مع الاعتماد في رزقه في أيام التوقف على مال موفر أو دَين أو نحو ذلك وجب عليه الصيام والا سقط عنه وجوبه، ولكن الأحوط وجوباً ـ في هذه الصورة ـ ان يقتصر في الأكل والشرب على الحد الأدنى الذي يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقة عن نفسه، ويجب عليه ان يقضي ما يفوته من الصوم بعد ذلك إن تيسر له.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله

2022/03/28

هل يجب على ’مراجع الدين’ متابعة الأحداث السياسية؟

هل يجب على الفقيه أن يكون ملماً بما يجري من أحداث على الساحة السياسية المحلية والعالمية ويعلّق عليها؟

[اشترك]

الإجابة على هذا السؤال تتوقف على توضيح المقصود من كلمة الوجوب، فقد يكون بمعنى الوجوب الشرعي الذي يعد تركه معصية لله تعالى.

وهذا النوع من الوجوب يتوقف على وجود نصوص صريحة من القرآن والسنة، ولا وجود لمثل هذه النصوص التي توجب على الفقيه الإحاطة بالأحداث السياسية وإبداء الرأي فيها، وما هو موجود من النصوص مثل قول الإمام الصادق (عليه السلام): (العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس) أو قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (حسب المرء من عرفانه، علمه بزمانه)، فإن هذه النصوص أولاً عامة وليست خاصة بالفقهاء، وثانياً ليس فيها دلالة على الوجوب كما هو واضح من عباراتها.

 أما إذا كان المقصود من الوجوب هو الوجوب بالمعنى العرفي، حيث يوجب العرف بعض الأمور على نحو الأفضلية والرجحان، كأن نقول مثلاً يجب على التلميذ أن يقف لمعلمه، فإذا لم يقف التلميذ يكون قد خالف الآداب المطلوبة عرفاً ولكنه لا يكون قد أرتكب حراماً شرعياً، وعلى هذا المعنى لا شك أن معرفة الفقيه بالأوضاع السياسية وما يقع في العالم من أحداث يعد أمراً راجحاً على عدمه، إلا أن درجة المعرفة والإحاطة التي يرجحها العرف والعقلاء ليس على نحو المعرفة التفصيلية التخصصية وإنما يكتفي العرف بالمقدار الذي يجعله في الصورة على نحو الإجمال، ويبدو أن هذا المقدار متحقق عند معظم الفقهاء.

2022/03/12

5 شبهات حول ’المرجعية الدينية’ و ’تقليد الفقهاء’!

المرجعية الدينية فوق الشبهات

تشكل المرجعية الدينية بما من الله عليها من أصالة قانونية، وقوة علمية، وحكمة عملية؛ موقعية خاصة في وجدان الشيعة، ولها تأثير قوي في نظم أمرهم، وقوة مذهبهم، وبقائه متألقاً في جميع جوانبه الفكرية والسلوكية إلى يوم الناس هذا.

[اشترك]

ومن الطبيعي أن تشكل المرجعية ـ وهي تتموضع في موقعها المؤثر جدّاً والفعال ـ عقبة في وجوه أعداء المذهب، والدين الذي يبحثون عن مكاسبهم في ضعف عقيدة الشيعة، وتشرذمهم، وابتعادهم عن العلماء الذين يشكلون حصون المذهب، والدين، ويقفون بالمرصاد عند الثغور، وهذا ما جعل المشككين يعملون جاهدين لضرب الأساس القانوني للمرجعية، و إسقاط مكانة الحوزة وعلمائها في نفوس الشيعة، ليسهل عليهم الانقضاض على الغنيمة المرجوة بعد خروجها عن سور مدينة الإيمان، وقد أثاروا عدة شبهات ترتبط بالمرجعية ومسائل التقليد، والولاية، والقضاء، وقد تأثر بعض الذين لا دراية لهم، ولا خبرة ولا تخصص في مجال البحوث الدينية، وصار يكرر شبهاتهم، و يرددها مستعرضاً جملة من الروايات التي لا يعرف كيف يقيمها من ناحية سندها وصحة نسخها، ومن ناحية تحديد مدلولها بمعرفة سياقها التاريخي، و قرائن بيان المراد اللفظية واللبية، ونحن اليوم نشاهد جملة من المقالات المكررة في وسائل التواصل كالفيسبوك و تطبيق واتس آب، يحاول نشرها في أوساط الشيعة جماعة متأثرة بالشبهات و التشكيكات، و يراد بها زلزلة موقع المراجع العظام و مكانتهم في وجدان الأمة المؤمنة، وهنا سوف نستعرض بعض الشبهات مع المناقشة .

هل ينحصر دليل جواز التقليد بالدليل العقلي؟

 الشبهة الأولى: ذكر بعض المشككين أن دليل جواز التقليد ينحصر بالاستدلال العقلي وهو التمسك بسيرة العقلاء، مع أن مسألة التقليد مسألة شرعية لا عقلية.

  الجواب: نكتفي بذكر ملاحظتين:

  الملاحظة الأولى: هي أن الفقهاء استدلوا على جواز التقليد بعدة أدلة وقع الخلاف بينهم في تمامية بعضها، ولم يقل أحد ببطلان الجمع إلا ما نسب إلى بعض علماء المدرسة الحلبية، ولا يؤثر خلافهم ـ لو صحت النسبة إليهم ـ إذا المدار مدار الدليل، ولوضوح دليل جواز الإفتاء و التقليد قال الشيخ الأنصاري (رحمه الله) : ( جواز تقليد العامي في الجملة معلوم بالضرورة للعامي وغيره) مصارح الأنظار ص 257، فالدليل تام كما سنبين:

  الدليل الأول: الآيات القرآنية كآية النفر، والسؤال، وفي تمامية الاستدلال بالآيات كلام طويل، غير أن من يستدل بها لا يستدل بدليل عقلي.

  الدليل الثاني: الروايات، وهي روايات متواترة على طوائف، وقع الكلام في تمامية دلالة بعضها، كما اختلف في أنها دليل مستقل ـ أو إرشاد إلى دليل السيرة الذي سوف يأتي التعرض له، وهنا نكتفي بذكر بعض هذه الطوائف، ونكتفي بذكر بعض الروايات في كل طائفة.

  الطائفة الأولى: الروايات الناهية عن العمل بالقياس والرأي، منها ما روي عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه قال : إن السنة لا تقاس ألا ترى أن المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، يا أبان إن السنة إذا قيست محق الدين.

  ومنها: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أن علياً (عليه السلام) قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.

  ومنها: رواية شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - إن أبا عبد الله (عليه السلام) قال لأبي حنيفة: أنت فقيه العراق؟ قال : نعم، قال : فبم تفتيهم ؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله )، قال : يا أبا حنيفة ! تعرف كتاب الله حق معرفته ؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : نعم، قال : يا أبا حنيفة ! لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله )، وما ورثك الله من كتابه حرفاً - وذكر الاحتجاج عليه إلى أن قال : - يا أبا حنيفة ! إذا ورد عليك يء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع ؟ فقال : أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي، فقال : يا أبا حنيفة ! إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) قال : فسكت أبو حنيفة فقال : يا أبا حنيفة ! أيما أرجس ؟ البول ؟ أو الجنابة ؟ فقال : البول : فقال : فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول ؟ فسكت فقال : يا أبا حنيفة أيما أفضل ؟ الصلاة ؟ أم الصوم ؟ قال : الصلاة، قال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؟ فسكت .

 وهذه الرواية تدل على جواز التقليد ـ كما ذكر بعض أساتذتنا المحققين ـ من جهتين :

 الجهة الأولى: أن الإمام (عليه السلام) قال : (فبما تفتهم) ولم يقل: (لماذا تفتهم).

  الجهة الثانية: أنه لما أجابه أنه يفتهم بكتاب الله والسنة لم ينكر عليه ذلك، بل أنكر عليه فهمه للكتاب والسنة.

 والنهي عن خصوص الاستنباط المستند إلى الرأي والفهم الخاطئ يدل على إقرار المستند إلى الكتاب والسنة، إذا كان وفق الضوابط المقررة عند الشرع؛ إذ لو كان النهي في الشرعية عن الاستنباط بما هو استنباط لما كان هنالك معنى للتخصيص، و إقرار المستند إلى الكتاب والسنة يدل على جواز العمل به عرفاً .

  الطائفة الثانية: الأخبار الواردة في الإفتاء، والتي تدل على مشروعية التقليد إلتزاماً. وهي الأخبار الناهية عن الإفتاء بغير علم.

  منها: صحيحة أبي عبيدة قال قال أبي جعفر (عليه السلام) من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه.

  فإنها وإن كانت بمدلولها المطابقي محرمة للإفتاء بغير علم ولا هدى من الله إلا أنها بمدلولها الالتزامي تجوز الفتيا عن علم وهدى، إذ لو كان الإفتاء محرم مطلقاً لحرم على نحو الإطلاق.

   ومنها: رواية عبيدة السلماني قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال قولا آل منه إلى غيره وقد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه، فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس منهم فقالوا : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف ؟ قال : يسئل عن ذلك علماء آل محمد (عليهم السلام).

  وهي تدل على جواز الإفتاء بعلم وفي بعضها دلالة على الجواز بعد معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وغير ذلك من مقدمات تحصيل العلم.

  الطائفة الثالثة: وهي الأخبار التي تدل على مشروعية التقليد بالمطابقة.

  منها: ما في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب: (وقال له أبو جعفر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة، وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك) .

  وهي تدل على عدم خصوصية أبان بل المدار على مؤهلاته ( مثلك ).

  ومنها: ما رواه معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال : ( بلغني أنك تقعد في الجامع، فتفتي الناس ؟ قلت : نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إني أقعد في المسجد، فيجئ الرجل فيسألني عن الشئ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، و يجي الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم، فأخبره بما جاء عنكم، ويجيئني الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو، فأقول : جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك. فقال عليه السلام لي : اصنع كذا، فإني كذا أصنع ) .

قال السيد الخوئي (رحمه الله) على ما في التنقيح: ج 1 ص 93 : (الأخبار المشتملة على الأمر الصريح بإفتاء بعض أصحابهم (عليهم السلام) كقوله لأبان بن تغلب : اجلس في ( مسجد ) المجلس المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك وقوله لمعاذ بن مسلم النحوي : بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج : إني أقعد في المسجد فيجيئ الرجل فيسألني عن الشيءفإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجئ الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيئ الرجال لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع . وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها على جواز الافتاء في الأحكام، كما أنها تدلنا على جواز التقليد والرجوع إلى مثل أبان أو معاذ، إذ لو لم يجز تقليده بأن لم يكن فتوائه حجة على السائل لم يكن فائدة في أمرهم (عليهم السلام) بافتائه لأنه حينئذ لغو ومما لا أثر له ) .

  الطائفة الرابعة: الأخبار التي تضمنت الإرجاء إلى أشخاص معينين.

  منها: رواية المفضل بن شاذان، عن عبد العزيز بن المهتدي - وكان خير قمي رأيته، وكان وكيل الرضا ( عليه السلام ) وخاصته - قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) فقلت : إني لا ألقاك في كل وقت، فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال : خذ عن يونس بن عبد الرحمن .

وهي تدل على ان السائل عالم بالحكم وهو الرجوع الى الخبراء، وإنما يريد تحديد مصداق الخبير المقبول عند الامام (عليه السلام) .

  وثانيتها: رواية محمد بن عيسى، عن عبد العزيز بن المهتدي قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : إن شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين ؟ قال : نعم .

ودلالتها على وضوح الحكم في ذهن السائل كما تقدم .

  وثالثتها: رواية عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا، عن الرضا ( عليه السلام ) قال : قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : نعم .

  وهي تدل على أن حجية قول الخبير الثقة من الأمور الواضحة عند الشيعة، والسائل يسأل عن مصداق لتلك الكبرى.

  ورابعها : رواية أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته وقلت : من أعامل ؟ ( وعمن ) آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال : العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون، قال : وسألت أبا محمد ( عليه السلام ) عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان. الحديث

 وفي دلالتها على حجية فتوى الفقيه أو حجية خبر الثقة كلام.

 وخامسها: رواية سليم بن أبي حية، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فلما أردت أن أفارقه ودعته، وقلت : أحب أن تزودني، فقال : إئت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا، فما روى لك فاروه عني .

  ولا يخفى أن دلالتها على حجية الفتوى واضحة لا تقبل التشكيك؛ إذ هي تدل على أن ملاك الإرجاع إليه كونه سمع عنهم ولا خصوصية له، ولهذا علل الإرجاع في جملة من الروايات بعنوان الثقة والمأمون، و عمم الحكم لكل مماثل (مثلك) .

  الطائفة الخامسة: الأخبار التي تضمنت الإرجاع إلى من ينطبق عليه وصف عام ،كالفقيه المخالف للهوى والحافظ للدين أو الراوي لأحاديث .

  منها: رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام)  و رواه الطبرسي في الاحتجاج وفيه ( فللعوام أن يقلدوه ).

  ومنها: التوقيع الشريف، وقد روي في كمال الدين وتمام النعمة للصدوق (رحمه الله) عن محمد بن محمد عن عاصم عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب، وروي أيضاً في الغنية رواه الشيخ الطوسي( رحمه الله) بطريقه عن الكليني عن إسحاق بن يعقوب، ورواه الكشي أيضاً وفيها (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).

   الدليل الثالث: سيرة المتشرعة من زمن الظهور وإلى يوم الناس هذا القائمة على الرجوع إلى الفقهاء، وهذا يكشف عن موقف الشارع وأنه مؤيد بحساب الاحتمال الرياضي.

  الدليل الرابع : السيرة العقلائية. قال بعض أساتذتنا المحققين في تقريب الاستدلال بها : (إنّ طريقة العقلاء كافة قد جرت على الرجوع في كل صنعة إلى أهلها وفي كل فنٍ إلى عارفيه، وفي كل تخصص إلى خبرائه، ومنشأ طريقتهم هذه أنّ الفرد من الناس لا يمكنه أن يحيط بعلم كل ما يحتاج إليه وأن يطلع بتفاصيل ما يلزمه في معاشه ومعاده، وكثير مما يلزمه يشتمل على دقائق تحتاج إلى تعمق وإلى تدبر واطلاع على ما وصل إليه المتدبرون في ذلك الفرد، والحكمة تقتضي توزيع المهام وتقسيم الجهد بحيث ينصرف إلى كل فن فئة من الناس، يطلعون على تفاصيله ويعرفون دقائقه فيرجع إليهم غيرهم في ذلك الفرد، من غير فرق بين الحرف كالنجارة والحدادة والعلوم كالطب والهندسة، ومما لا شك فيه أنّ أحكام الشريعة لو لم تكن أكثر دقة من تلك الحرف والفنون فهي ليست أقل منها دقة فلا يستطيع جميع المسلمين الإحاطة بها ومعرفتها عن أدلتها التفصيلية، فالحكمة التي تقتضي الرجوع إلى العالم فيها موجودة وهذا يبعث العقلاء على التقليد في الشرعيات والشارع عالم بذلك فلو لم يكن التقليد مرضي عنده لنبههم وبيّن لهم ذلك حتى لا يسلكوا في أخذ أحكامه طريقاً غير مرضي عنده، ولو نبه لوصل إلينا تنبيهه، فإنّ مما يوجد المقتضي لبلوغه لنا ولا يوجد المانع من ذلك).

 وفي الحقيقة لا يوجد طريق آخر لعامة الناس غير الرجوع إلى أهل الخبرة في علوم الدين، ولو كلف كل شخص أن يكون خبيراً في الروايات ورواتها ونسخ كتبها، وفي مقدمات الاستنباط من اللغة والأصول، ومعرفة تاريخ التشريع والمرتكزات العقلائية؛ لما قام للمسلمين سوق، ولتعطلت سائر الحرف والفنون، وإن من المعلوم بضرورة المذهب أن الله تعالى لم يلزم كل فرد أن يكون متخصصاً في معارف الدين، وهذا ما جعل العقلاء في كل فن يرجعون إلى أهله.

  الدليل الخامس: دليل العقل أو ما يسمى بدليل الانسداد. وهو بحسب تقرير السيد الخوئي (رحمه الله) يتكون من ثلاث مقدمات:

  الأولى: أن العامي يعلم بثبوت أحكام إلزامية في حقه، وهي واضحة لا تحتاج إلى استدلال، فكلنا يعلم بوجوب الصلاة والحج والصوم، وأن لهذه الواجبات كيفية وشروط و موانع .

  الثانية: أن العامي يعلم بوجوب الخروج عن عهدة هذه الأحكام.

  الثالثة: أنّ طريق الخروج عن هذه الأحكام لا يخلو عن أربعة :

 الطريق الأول : الاجتهاد. وهو غير مقدور لغالب المكلفين ولو كان مقدوراً، فيعلم العامي أنه ليس بواجب، ولعل عدم وجوبه من الضروريات.

  الطريق الثاني : الاحتياط. وهو ـ أيضاً ـ غير مقدور، وعلى تقدير القدرة عليه فليس بواجب للعلم بعدم ابتناء الشريعة على العسر والحرج .

  الطريق الثالث: أن يعمل العامي بظنه في أي مسألة. وهذا باطل لأن العامي لا يحتمل أن يكون مطلق الظن طريقاً للخروج عن عهدة التكاليف لوجهين:

الأول: أنّ الظن إنما ينشأ من النظر في أدلة الأحكام والعامي لا ينظر في أدلة الأحكام فلا يحصل عنده ظن.

 الثاني: أنه على تقدير حصول ظن عنده، فليس ظنه أقرب إلى إصابة الواقع من وهمه، لأنّ الظن الذي لا يستند إلى النظر في الأدلة ليس بأقرب من الوهم ، فكيف يجعله الشارع حجة في حقه دون الوهم؟!

  الطريق الرابع: التقليد. وهذا الطريق يتعين بعد إثبات بطلان الطرق الثلاثة السابقة. وبعد تمام هذا الدليل يستكشف العقل أنّ الشارع قد نصب طريقاً للخروج عن عهدة التكاليف، وليس هذا الطريق إلا التقليد.

  الملاحظة الثانية: هي الخلط بين دليل العقل والسيرة العقلانية،  فقد اعتبر المشكل السيرة العقلائية دليلاً عقليّاً، و لعل السبب وجود مادة (ع ق ل) في الدليلين.

مع أن الاستدلال بالسيرة ليست استدلالاً بدليل العقل، وإنما هو استدلال بسكوت المعصوم (عليه السلام) وعدم ردعه على أنه يمضي السيرة ويقرها، وهذا استدلال بسكوت المعصوم (عليه السلام) على حكم الشارع فأين هو من دليل العقل؟!

  فهذه أدلة التقليد وكلها مهمة وذات قيمة علمية لا ينبغي تجاهلها في عملية الاستدلال. نعم، يختلف العلماء في تمامية دليل هنا أو دليل هناك وهذا الاختلاف بسبب انفتاح باب الاجتهاد وحيوية الفقه الشيعي لا يقلل من أهمية الدليل عند من يعتمد عليه.

هل يوجد دليل على بطلان العمل بلا تقليد؟

  الشبهة الثانية: هي أن القول ببطلان العمل بلا تقليد لم ترد فيه آية أو رواية، وإنما هو من ابتداع رجال الدين المتأخرين.

   الجواب: يرد على هذه الشبهة عدة ملاحظات:

  الأولى: أنه أتضح من الأدلة السابقة أن التقليد له تاريخ ممتد إلى زمن ظهور المعصومين (عليهم السلام) وهذا ما تقتضيه طبيعة الأمور فإنه ليس بإمكان كل شخص أن يتخصص في العلوم الدينية، كما ليس بإمكان كل شخص أن يتصل بالمعصوم (عليه السلام) لأخذ الحكم منه، فلا بد من وجود فقهاء يتعلمون القواعد الكلية وكيفية استنباط الأحكام لكي يبينون للناس معالم دينهم، إذ في مقابل ذلك ليس إلا بقاء أغلب المكلفين غير القادرين على الاجتهاد والاحتياط بلا طريق يحدد وظيفتهم الشرعية، والشارع ارفع شاناً من أن يهمل الأمة بهذا النحو، و ما وقع فعلاً بدلالة جملة من الروايات ـ تقدم بعضها ـ هو الإرجاع إلى أهل التخصص

  الثانية : التقليد ليس واجباً بعينه بل هو أحد خيارات ثلاثة، وبإمكان المكلف أن يتركه ويسلك الاجتهاد والتقليد، فإن على المكلف بمقتضى علمه بوجود تكاليف إلزامية أن يفرغ ذمته، فإن تمكن بالعلم الوجداني كما في الاحتياط أو الاجتهاد المنتهي إلى نتيجة قطعية، فإن له العمل بقطعه، وله ترك ذلك وسلك طريق الحجة المعتبرة وهي فتوى الفقيه، لأدلة جواز العمل عن تقليد.

  الثالثة : ليس الحكم ببطلان العمل بلا تقليد حكماً شرعيّاً لكي نبحث عنه في الكتاب والسنة ـ كما توهم المشكل ـ وإنما هو حكم عقلي والمراد به هو أن الإنسان إذا علم باشتغال ذمته بواجب يعاقب على تركه لا يقره عقله على الإتيان بأي فعل في مقام الامتثال، بل يقول له : لا بد أن تأتي بما تقطع أنه مفرغ للذمة ومخلص من العقاب، ولا طريق إلى ذلك بالنسبة إلى غير المجتهد وغير المتمكن من الاحتياط إلا التقليد، لأن دليل حجية التقليد القطعي يفيد الأمن من العقاب على تقدير العمل بالتقليد ومخالفة الواقع، إذ للعبد أن يحتج يوم القيامة بأن الله تعالى جوز العمل بالتقيد، وهو قد عمل وفق رأي فقيه جامع للشرائط .

  الرابعة: عدم وجود ما يدل على تعريف التقليد بالمباشرة، وعدم اهتمام القدماء بتبيين حقيقته، لا يكشف عن حدوث أصل التقليد كما يحاول أن يصور المشكل، وهذا من الغرائب جدّاً.

  فإن سيرة المسلمين سنة وشيعة على الرجوع إلى الفقهاء، ولم يعرف للشيعة طريقة خاصة تميزهم في ذلك كالاعتماد على الاجتهاد فقط أو الاحتياط فقط أو أن الكتاب والسنة شرعة لكل وارد، ومن حق كل إنسان بقطع النظر عن مستواه الثقافي أن يرجع إليهما ويحكم  فهمه، ولو كانت لهم طريقة خاصة لنقلت؛ إذ الدواعي تقتضي النقل في كتب الخاصة والعامة، كما هو الحال في جميع السير العملية التي تمتاز بها فرق خاصة عن سائر الفرق الإسلامية.

 نعم، عدم تعرض المتقدمين ـ إن تم ـ يدل على توسع الفقه في تفاصيل المسألة وتدوينها لا أن نفس المسألة حادثة، وتوسع الفقه وتطوره غير منكور، بل هو من خواص فقه الشيعة لتفردهم بفتح باب الاجتهاد ومواكبة متطلبات الحياة المتجددة.

  حكم التقليد عند القدماء

وقد نص الفقهاء على جواز الإفتاء و التقليد وتعرضوا لشروط المفتي وبينوا وظيفة العامي من قديم الأيام:

1ـ قال السيد المرتضى (رحمه الله) في بيان عدم جواز العمل بما في الكتب من الروايات من دون تحصيل العلم وجواز العمل بقول الفقيه والمفتي : (أعلم أنه لا يجوز لعالم ولا عامي الرجوع في حكم من أحكام الشريعة إلى كتاب مصنف، لأن العمل لا بد من أن يكون تابعا للعلم على بعض الوجوه، والنظر في الكتاب لا يفيد علما، فالعامل بما وجده فيه لا يأمن من أن يكون مقدما على قبيح. ولا يلزم على هذه الجملة جواز العمل بالفتيا وتقليد المفتي، لأن هذا العمل مستند إلى العلم، وهو قيام الحجة على المستفتي، بأن له أن يعمل بقول المفتي، فيأمن لهذا الوجه من أن يكون فاعلا لقبيح. وليس كل هذا موجودا في تناول الأحكام من الكتب ) الرسائل ج 2 ص 332.

 2ـ قال الشيخ في المبسوط ج 8 ص: 168(إن الحاكم فيما يخبر به غيره بمنزلة المفتي والمستفتي إذا أفتى عالم عاميا بشيء كان فرضه ما أفتاه يعمل به ويعتمد عليه، كذلك هاهنا ).

3ـ قال العلامة الحلي (رحمه الله) في المسائل المهنائية ص101 : (مسألة 165 ) ما يقول سيدنا في كتب الأصحاب، هل يجوز تقليدها أم لا، وهل يفترق بين من مات منهم أو هو حي أم لا، وإذا كان الإنسان يعرف خط مصنف الكتاب ورأى خطه على ذلك الكتاب بقراءته وسماعه له هل يصح تقليد ذلك الكتاب والحال هذه أم لا، وأي كتب الأصحاب ينبغي ان نرجع إليه. أفتنا في ذلك مفصلا مبينا.الجواب : لا يجوز تقليد الكتب. نعم يجوز الرجوع في الاستفتاء إلى خط المفتي إذا علمه، فإن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يفتون بالمكاتبة، ولو لا تسويغ الرجوع إليها لم يكن لها فائدة. مسألة ( 166 ) ما يقول سيدنا في الإنسان، هل يجب عليه السعي إلى المفتي إذا احتاج إلى ذلك أم يكفيه خطه ومكاتبته، فإذا كانت المكاتبة كافية للقادر على السعي أو لمن لا يقدر على السعي وهو لا يعرف خط المفتي كيف يكون الحال، وإذا كان يعرف خط المفتي هل يجزيه خطه من غير سعي إليه وإن كان قادرا على السعي. بين لنا ذلك بفضل اللَّه .الجواب: نعم يكفيه المكاتبة إذا عرف خطه وأنه أفتاه غير ساه ولا غافل، وإذا لم يعلم أحدهما وجب عليه السعي إليه أو الاستناد إلى من يخبر عنه من الثقات).

   وقال في التذكرة ج 9 : (سألة 13 : العلم إما فرض عين أو فرض كفاية أو مستحب أو حرام. فالأول..... الثاني : العلم بالفقه وفروع الأحكام، وعلم أصول الفقه وكيفية الاستدلال والبراهين .... إلى أن يصلح للإفتاء والقضاء .ولا يكفي المفتي الواحد في البلد، لعسر مراجعته على جميع الناس). وقال فيه أيضاً : (مسألة 268 : يجوز لفقهاء الشيعة، العارفين بمدارك الأحكام، الجامعين لشرائط الحكم الإفتاء بين الناس. ويجب عليهم ذلك حال غيبة الإمام ( عليه السلام ) .

   وقال في الايضاح ج1 ص 339 : (وللفقهاء الحكم بين الناس مع الأمن من الظالمين وقسمة الزكوات والأخماس والإفتاء بشرط استجماعهم لصفات المفتي وهي الإيمان، والعدالة، ومعرفة الأحكام بالدليل، والقدرة على استنباط المتجددات من الفروع من أصولها ).

  4ـ قال المحقق في الشرائع في بحث صفات القاضي : (ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيت (عليهم السلام)، الجامع للصفات المشروطة في الفتوى، لقول أبي عبد الله (عليه السلام) : " فاجعلوه قاضيا، فإني جعلته قاضيا فتحاكموا إليه")وكلامه هذا صريح بجواز الإفتاء وفق شروط خاصة، والحكم بجوازه يدل عرفاً على جواز عمل المستفتي لأن الارتكاز المتشرعي كان قائما على جواز الاستفتاء والافتاء للعلم في زمانه (رحمه الله).وهذه الفتاوى مستفادة من الأدلة السابقة وفي مقدمتها إرجاع الأئمة للفقهاء فصحيحة شعيب العقرقوفي، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل قال: عليك بالأسدي. وفي صحيحة عبد الله ابن يعفور، قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) انه ليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني، فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي ،وكان عنده وجيهاً.

هل نص الشيخ المفيد (رحمه الله) على أن التقليد حادث؟

الشبهة الثالثة️: ذكر بعض الكتّاب أن التقليد حادث ولا أصل له عند المتقدمين، واستدل بكلام الشيخ المفيد (رحمه الله) عن التقليد في كتابه (تصحيح اعتقادات الإمامية)، فقد ذكر أنه (رحمه الله) نهى عن التقليد الذي نعرفه اليوم مستعينا بالروايات الناهية عن الإتباع والتقليد. ونقل منها عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول : (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)، فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون". ونقل غيرها من الروايات ثم علق الشيخ المفيد قائلاً: (ولو كان التقليد صحيحاً والنظر باطلاً لم يكن التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى، وكان كل ضال بالتقليد معذورا، وكل مقلد لمبدع غير موزور، وهذا ما لا يقوله أحد).

الجواب: يرد على هذه الشبهة عدة ملاحظات منها:

  الملاحظة الأولى: هي أن ما له موضوعية في مسألة الرجوع إلى الفقهاء، نفس العمل بفتواهم كخبراء، سواء سمي ذلك في اللغة تقليداً أم لا، ولهذا اختلفت تعبيرات الروايات في بيان رجوع العامي للفقيه، فتارة عبرت بالتقليد وهو الدارج اليوم على ألسنة الفقهاء وغيرهم، وأخرى عبرت بغير ذلك ومن التعبيرات:

  1ـ الأخذ. ففي صحيحة عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ جَمِيعاً عَنِ الرِّضَا ع قَالَ قُلْتُ لَا أَكَادُ أَصِلُ إِلَيْكَ أَسْأَلُكَ عَنْ كُلِّ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَعَالِمِ دِينِي أَفَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ آخُذُ عَنْهُ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَعَالِمِ دِينِي فَقَالَ نَعَمْ.

  2ـ الرجوع، كالتوقيع الشريف : (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) .

  3ـ المفزع والمستراح، كصحيحة يونس بن يعقوب قال : كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام ) فقال : أما لكم من مفزع ؟ ! أما لكم من مستراح تستريحون إليه ؟ ! ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري ؟ .

  الملاحظة الثانية: جميع العناوين التي تقدمت تشترك في إفادتها إتباع العامي للفقيه، والاتباع مفهوم عام قد يكون حسناً وقد يكون قبيحاً، والقبيح شرعاً هو التقليد المنهي عنه أو الذي لا دليل على مشروعيته، لا ما دلت الأدلة السابقة على جوازه.

والتقليد المنهي عنه تقليد أهل الأهواء والبدع والظنون ففي رواية المحاسن عن أبي جعفر (عليهما السلام)، قال خطب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس، فقال : أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ،وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يقلد فيها رجال رجالاً.

  الملاحظة الثالثة: خلط الكاتب بين التقليد في أصول الدين و الاعتقادات وهو الملحوظ في كلام الشيخ المفيد (رحمه الله) وبين التقليد في الفروع الذي تقدمت الأدلة على جوازه، والفقهاء من قديم الأيام يؤكدون على أن الأصل عدم جواز العمل بالظن، وأن التقليد لا يغني عن الحق في نفسه ولا يكتفي به العقل إلا إذا دل دليل على اعتباره، والدليل القائم على اعتباره بالنسبة إلى العامي خاص بالتقليد في الفروع، فيبقى التقليد الظني ليس حجة فـي الأصول.

  والذي يرشدك إلى صحة ما ذكرناه أن جميع الفقهاء الذين قالوا بجواز التقليد في الفروع ثم كتبوا رسائل في العقيدة وتعرضوا فيها لمسألة التقليد في العقائد قالوا بضرس قاطع لا يجوز التقليد فيها، فهنا مسألتنا لا ينبغي الخلط بينهما :

  الأولى: مسالة التقليد في العقائد، و في العقائد ينبغي إتباع ما يفيد العلم، وقد أطلقت جملة من الروايات على من يتبع المعصوم عنوان المقلد وذمت اتباع غير أهل البيت (عليهم السلام) الذين يجعلون أنفسهم في عرض أهل البيت واعتبرتهم مقلدة وذمت تقليدهم .

  وأين هؤلاء الذين اتخذوا سبيلاً غير سبيل أهل البيت (عليهم السلام) من فقهائنا (أعزهم الله) الذين يعتمدون في استدلالهم على ما روي عن الأئمة (عليهم السلام) وجعلون أنفسهم تبعاً لهم في ما يقولون؟!

  الثانية: التقليد في فروع الدين، وهو الذي يقول الفقهاء بجوازه.

  وبهذا يتضح ضعف قول بعضهم: (إن الرواية تقول (من قلد في دينه هلك) ومن المعلوم أن الدين جامع للأصول والفروع) .

  ووجه الضعف من عدة جهات:

  منها : إهمال السياق التاريخي القائم على إفتاء الفقهاء من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الأخبر برواياتهم وعمل الناس بفتاوهم والأخذ عنهم، ففي الوسائل ج 11 ص 169 عن أحمد بن محمد، عن عدة من أصحابنا قالوا: قلنا لأبي الحسن - يعني: علي بن محمد (عليهما السلام) -: إن رجلًا مات في الطريق وأوصى بحجة وما بقي فهو لك، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشيء أن يبقى عليه، وقال بعضهم: يحج عنه من حيث مات، فقال (عليه السلام): يحج عنه من حيث مات.

   وإنما ذكر أصحابنا آراءهم للعمل، ولم يعترض الإمام (عليه السلام) على إصدارهم الحكم، بل أصر ذلك وصوب موقف جماعة منهم، وفي رواية عبد الملك بن أعين نقل فتوى زرارة و أنه أمرهم أن يهلوا بالحج الوسائل ج8 ص 176، وفي جملة من الروايات الإرجاع إلى آحاد الفقهاء، وأمر بعضهم على الجلوس للفتوى، وكل ذلك يدل على أن التقليد في الفروع جائز وليس منهيّاً عنه ما دام في طول بيانات المعصومين(عليهم السلام)، وقد كتبت بعض الكتب الفتوائية في زمن السفراء (رحمهم الله) و بإشراف منهم ككتاب التكليف الذي كتبه الشلمغاني، ولما انحرف نقل الشيخ (رحمه الله) في الغيبة ص 389 عدم نهي الحسين بن رح عنه ونقل قول الإمام العسكري (عليه السلام) : ( خذوا بنا رووا و ذروا ما رأوا)، أي إن فساد عقيدته لا يلزم منه ترك العمل بما في كتابه ولم يكن كتاب رواية بل فتاوى .نعم، من المحتمل قوياً أنه نقل متون الروايات كما هو الحال في كتب المتقدمين بداية التأليف الفقهي.

   ومنها : أن هذا كلام مطلق، ففيه نهي عن (التقليد) بشكل مطلق سواء كان لفقيه إمامي أم لغيره، وفي الأصول أم الفروع، يستند إلى طريقة صحيحة فلا الاستنباط أم لا، وهو قابل للتقييد كأي أطلاق، والأدلة السابقة تقيد هذا الإطلاق بالتقليد في الفرع حيث تثبت فيه الجواز، ولو كان لسانه غير قابل للتقييد أمكن رفع اليد عنه لمخالفته الأدلة السابقة القطعية الدالة على جواز التقليد .

   وبهذا نقف على جواب مثل ما رواه الحر العاملي (رحمه الله) : (عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل ).

  فإن المقصود به ليس عدم جواز الاعتماد على الفقيه المأمون المعتمد على الكتاب والسنة، كيف ؟! والروايات كثيرة على جواز تقليده وجعل الأئمة(عليهم السلام) من يفتي وهي تفيد القطع كما تقدم. وإنما المراد الاعتماد على الذين كانوا في زمن ظهور الأئمة (عليهم السلام) يعتمدون على العقل الوهمي الظني، والأقيسة والرأي، والاستحسان في عرض الكتاب والسنة، ويتخذون سبيلاً غير سبيل الأئمة (عليهم السلام)، وأما الذي يعتمد على الكتاب والسنة فإن هذه الرواية ليست فقط لا تنهى عن تقليده، بل تدل على مشروعية تقليده، لأنها وصفته بالثابت الذي تزول الجبال ولا يزال؛ لأنه مِن ( مَن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل )، ومثل هذا حقيق بأن يعتمد عليه في أخذ معارف الدين عنه ، لأن الركون إليه ركون إلى من هو أثبت على الحق من الجبل .

  لقد ورد النهي عن إتباع غير المعصومين (عليهم السلام)، غير أن الرجوع إلى الفقيه بعد إرجاع المعصومين إليه من إتباع المعصومين، وهو تقليد ممدوح، وبهذا قد تكون بعض روايات النهي عن التقليد ناظرة إلى الرجوع إلى فقهاء لا يعتمدون منهج أهل البيت (عليهم السلام).

  إن مشكلة بعض الباحثين تكمن في العجلة، و الغفلة عن كثير من مقدمات الاستدلال و أصوله، وفصل روايات أهل البيت (عليهم السلام) عن السياق التاريخي، وتجريدها عن ملاحظة سائر الروايات الصادرة عنهم والتي تشكل بضمها رؤية وافية للموضوع، وبعبارة أخرى : بعض مشاكلنا سببها الفوضى الثقافية، والثقة المفرطة، وتكلم غير المتخصص في المسائل التخصصية، ومن ضعف مستواه العلمي يكفيه الاشتراك اللفظي بين معنيين مختلفين يطلق عليها لفظ (التقليد) لكي يسري الحكم من أحدهما إلى الآخر.

هل التقليد مرتبط بالرسالة العملية؟

الشبهة الرابعة: إن مسألة التقليد من بدعة القرن العشرين، لأن أول مرجع تقليد كتب ما يسم بـ (الرسالة العملية) هو السيد محمد كاظم اليزدي (1274 – 1337هـ).

  الجواب: يظهر من هذا الكلام أمران:

   الأمر الأول: أن المشكل لا يعرف معنى التقليد، فليس للتقليد معنى غير الرجوع إلى الخبير لأخذ الحكم الكلي للعمل به، وقد و قع كلام بينهم في تحديد هذا الرجوع ، ولكن لم يقل أحد أن من حقيقته وجود كتاب يطلق عليه (رسالة عملية)، إذ ليس الكتاب إلا وسيلة تسهل كيفية تناول العامي للحكم الشرعي ، ووجود هذه الوسيلة لا يعني حدوث تغير في مفهوم التقليد، وإني أخشى أن يأتي مشكل آخر فيقتدي بصاحب الشبهة فيقول : التقليد في زماننا هذا حادث (بدعة) لأنه لم يكن الفقيه في زمن الشيخ الطوسي (رحمه الله) يستعين بالانترنت في إجابة الاستفسارات أو يستعمل الهواتف الذكية في إيصال الرسالة العملية!

  الأمر الثاني: جهل صاحب الشبهة بتاريخ كتابة الرسائل العملية فهو يعتقد (بأن أول مرجع تقليد كتبها السيد اليزدي)، وقد غاب عنه أن تاريخ المرجعية الممتد كان لا ينفك في كل زمان عن وجود كتاب يشتمل على الفتوى دون الوجوه الاستدلالية من أجل العمل، ومن تلك الكتب:

  1ـ كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي (676ﻫ ).

  2ـ إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان للعلامة الحلي (726 ت) قال عنه المحقق الطهراني في الذريعة: (يعد أحد الآثار الفقهية في مجال الفتوى) ،ومثل كتابه هذا كتاب تبصرة المتعلمين.

  3ـ كتاب نجاة العباد لشيخ مشايخ السيد اليزدي أعني صاحب الجواهر الذي توفي في سنة (1266 هـ) أي قبل ولادة السيد اليزدي بثمان سنوات، وله كتاب آخر كتبه كرسالة عملية وهو هداية الناسك .

هل ورد نهي عن الاجتهاد؟

الشبهة الخامسة: هي أن التقليد رجوع إلى المجتهد، وقد نهت الروايات عن الاجتهاد و الرأي ، فلا قيمة لفتوى المجتهد المستندة إلى اجتهاده و رأيه، ومن الروايات ما رواه مسعدة بن صدقة، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): (من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادَّ الله حيث أحلَّ وحرَّم فيما لا يعلم)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أعداء الدِّين مقلِّدة الفقهاء أهل الاجتهاد ولم يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمَّتُهم...)، وعنه (عليه السلام) : (وأما الرد على من قال بالاجتهاد، فإنهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب على أنهم لا يقولون إنهم مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحق عند الله عز وجل، لأنهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن اجتهاد إلى اجتهاد، واحتجاجهم أن الحكم به قاطع قول باطل، منقطع، منتقض، فأي دليل أدل من هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي)، وفي كتاب (إلزام الناصب) عن الإمام علي (عليه السلام): (إذا خرج القائم ينتقم من أهل الفتوى بما لا يعلمون، فتعساً لهم ولأتباعهم). وفي طبعة أخرى (لما لا يعلمون).

  والجواب : توجد عدة ملاحظات :

   1ـ هي أن المشكل قد اختلط عليه الأمر والتبس بسبب التشابه اللفظي بين الاجتهاد و الرأي المقصودين في الروايات، وبين الاجتهاد والرأي المقصود في عبارات الفقهاء، فهو لم يقف على السياق التاريخي لمفردة (الاجتهاد) و (الرأي)، و منظور روايات النهي، وهو ما كان عليه بعض العامة من ترك حديث الثقلين، و العمل بالظن والقياس و الاستحسان، وجعل ظن الفقيه هو العمدة في الحكم الشرعي، وهذا ما تشهد له الروايات المتقدمة ، ففي رواية (وأما الرد على من قال بالاجتهاد، فإنهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب)، وهذا الاجتهاد مرفوض عند علمائنا؛ لأنهم يرون الواقع ما بينه المعصوم، و وظيفة الفقيه أن يعتمد القواعد العلمية لمعرفته، وهو قد يصيبه وقد لا يصيبه.

وما قام به المشكل نظير أن يعتمد شخص على روايات النهي عن القياس للإثبات بطلان أدلة وجود الله تعالى، لأنها تسمى في اصطلاح أهل المنطق بالقياس ! مع أن القياس في الروايات له معنى آخر يعرف بدراسة تاريخ التشريع والفرق والمذاهب الموجودة في زمن صدور النص.

   ولو كان كل ما يطلق عليه لفظ الاجتهاد قبيح محرم، فما يصنع المشكل مع الروايات الآمرة بالاجتهاد؟!

 ومنها : رواية سماعة، قال: سألته ـ أي الإمام الصادق (عليه السلام) - عن الصلاة باللَّيل والنهار إذا لم يرَ الشمس، ولا القمر، ولا النجوم، قال: «اجتهد رأيكَ، وتعمَّد القبلةَ جُهدَكَ).

 ومنها: رواية سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون في قفرٍ من الأرض في يوم غيمٍ، فيُصلِّي لغير القبلة، ثمَّ يصحى فيعلم أنَّه صلَّى لغير القبلة، كيف يصنع؟ قال: (إنْ كان في وقتٍ فليُعِد صلاته، وإنْ كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده).

   2ـ بعض هذه الروايات ضعيفة من الناحية السندية، منها (أعداء الدِّين مقلِّدة الفقهاء أهل الاجتهاد ولم يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمَّتُهم...)،وهي أجنبية عن تقليد الفقهاء التابعين لأهل البيت (عليهم السلام)، لأن المتبع فيها من يعلم التابعون أنه (يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمَّتُهم)، فهي ناظرة إلى ما ذكرنه من الاجتهاد في قبال أقول أهل البيت(عليهم السلام).

   3ـ بعض هذه الروايات لا تذم الاجتهاد و الرأي من رأس، وإنما تبين عقاب من لا يعمل بما ينتهي إليه من حكم شرعي كما في (إذا خرج القائم ينتقم من أهل الفتوى بما لا يعلمون، فتعساً لهم ولأتباعهم).

  و لست من الذين يرجعون جميع محاولات إبداء الرأي أو طرح بعض مفاهيم إلى مؤامرة تريد العصف بالمذهب الحق وحرف الناس عن تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن في نفس الوقت لا ينبغي أن نتجاهل وجود مخططات من هذا القبيل قد يساهم في انجاحها بلا قصد بعض المثقفين البسطاء فيما إذا تأثروا بالأطروحات الهزيلة وقدموها على أنها رأي حق يشكل تطويراً في الفكر وأسس التعقل، و إن المأمول من المؤمن المثقف الواعي أن تكون ثقافته عالية جدّاً وواعية وعميقة و أكبر من أن يقع فريسة العبارات المنمقة التي تفتقر في معناها ومحتواها إلى الضوابط العقلائية عند التبني والكتابة والحوار، وإلا سيكون ضحية السطحية والطرح المترهل، وسوف يقدم خدمة للمشككين الضالين وهو لا يعي .

 إن مشكلة بعض المروجين لهذه الشبهات أنهم لم يكلفوا نفسهم دراسة العلوم الدينية ومقدماتها، ولم يملكوا القدرة الكافية على تحديد المفهوم، والفرز الدقيق بين المدعيات، و إقامة الأدلة وترتيبها بطريقة علمية صحيحة، كما إنهم لم يحيطوا خبرة بالموروث الروائي ومصادره، وكلمات الأعلام، ومع ذلك يكلفون أنفسهم فوق طاقتهم، فيخوضون خوض الأعمى في حقل ألغام، والطريف أن بعضهم يرفع عقيرته متحديّاً يطلب من أكبر الأسماء المناظرة، لكي يخدع البسطاء، فيوهمهم أن كلامه حق، ولهذا كره الكماة نزاله لا ممعناً هرباً ولا مستسلماً، مع أن عذر العلماء أنه قابع في قعر الجهل حتى صار قاصراً بسبب ما ران على بصيرته عن مشاهدة الأضواء، ولو أن اسكافياً اعترض على علماء الفلك، و أخذ يصرخ قائلاً : لقد كذبتم، فلا وجود للشمس والقمر، و لا الكواكب والمجرات، وإني أدعوكم للمناظرة والنقاش، فإنه لن يلتفت إليه أحد منهم، وكان عذرهم واضح عند ذوي النهى.

2022/03/05

كيف يتعامل فقهاء الشيعة مع ’الأحاديث الضعيفة’؟

هل يمكن أنْ يكون الحديث الضعيف حجّة؟

نعم، يمكن أنْ يكون الحديث الضعيف حجّة إذا احتفَّ بقرائن تُوجب الوثوق والاطمئنان بصدوره من المعصوم عليه السلام، ومن أهمِّ تلك القرائن هو أنْ ترى علماء الطائفة وخصوصاً المتقدّمين منهم يعملون بالحديث الضعيف ويتسالمون عليه بغير نكير، فإنّ ذلك يكشف عن حُجّيّة ذلك الحديث وصدوره من المعصوم.

[اشترك]

أو أنْ ترى الحديث في كتابٍ من الكتب المعتبرة التي شهد أصحابها بصحّة الأحاديث التي أودعوها في كتبهم، كما هو الحال مع الشيخ الكلينيّ (ره)، والشيخ الصدوق (ره) وغيرهما، فالشيخ الكلينيّ مثلاً: قد ذكر في مقدّمة كتابه الكافي الشريف بأنّه جمع فيه من جميع علوم الدين ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه ما يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، وهكذا الشيخ الصدوق لمّا ذكر في مقدّمة كتابه ((من لا يحضره الفقيه) بأنّه لم يقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع رووه، وإنّما قصد إلى إيراد ما يفتي به ويحكم بصحّته ويعتقد فيه أنّه حجّةٌ فيما بينه وبين ربّه (تقدّس ذكره وتعالت قدرته)، وفوق ذلك فقد صرّح بأنّ جميع ما فيه مستخرجٌ من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع.

وعليه: فإذا وجدنا حديثاً من أحاديث هذين الكتابين في إسنادهما راوٍ قد حكم عليه بعض أهل الجرح والتعديل بأنّه ضعيفٌ، فهذا لا يعني ضعف الحديث وسقوطه عن الاعتبار كما يتوهّم مَنْ لا معرفة له بمنهج العلماء، لأنّ ضعف الراوي لا يعني سقوط حديثه عن الاعتبار خصوصاً إذا احتفّ خبره بقرائن أوجبت الوثوق بصدوره واعتباره من قبل علماء الطائفة خصوصاً المتقدّمين منهم الذين كانوا قريبي العصر من النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام، وهم أعرف من غيرهم بمخارج الحديث واعتباره.

ونرجو من السائل اللبيب والقارئ المنصف أنْ لا يظنّ أنّ هذا المنهج قد تفرّد به علماء الإماميّة، بل عليه أنْ يعرف أنّ هذا المنهج موجودٌ أيضاً عند بقيّة المذاهب الإسلاميّة، حتّى عند الوهابيّة، فتراهم يعملون بالأحاديث الضعيفة لقرائن قامت عندهم، ولقد ذكروا ذلك في كتبهم الاستدلاليّة كما هو الحال عند الإماميّة، بل فوق ذلك، فقد أُلِّفْت الكتب التي تبيّن حقيقة هذا الأمر من قبيل أحاديث ضعاف وعليها العمل بغير خلاف، أو الحديث الضعيف وقرائن الحال والمقال التي توجب اعتباره، وغير ذلك مِـمّا يعرفه أهل العلم، ولقد نوّهنا في أكثر من مرّة عند الكلام على حجّيّة الأحاديث أنّ صحّة الأحاديث ليس بالضرورة أنْ يكون رواتها ثقات كما يتوهّم مَنْ لم يسبر طريقة العلماء على حقيقتها، إذْ كم من حديثٍ رجاله ثقات، لكنّه منكرٌ أو فيه من العلّة التي اطّلع عليها بعض نقّاد الحديث المهرة فأوجبت تركه، وذلك لأنّ الراوي الثقة وإنْ لم يكنْ يكذب؛ لكنّه ليس بمعصومٍ، فيجوز عليه الاشتباه والسهو والخطأ، وهذا يقع منه لا محالة كما يعرف ذلك مَنْ غاص في الكتب الاستدلاليّة، أو الكتب الخلافيةّ ونحوها.

نعم، إذا اجتمع نقّاد الحديث وعلماء الطائفة على أنّ راوٍ معين كان يكذب في الحديث ويفتري على المعصومين عليهم السلام أحاديث لا أصل لها، فحينئذٍ يسقط حديثه عن الاعتبار، وهذا الأمر - بحمد الله تعالى - نكاد نجزم بعدم وجوده في كتبنا معاشر الإماميّة خصوصاً مع وجود علماء الطائفة المحقّة الذين فيهم من النقّاد المهرة وخرّيتي الصناعة جيلاً من بعد جيل ما يعجز القلم عن وصفهم، حتّى وصل الأمر إلى ما نحن عليه اليوم بحمد الله وتوفيقه وتسديد إمامنا الحجّة (عج). هذا ما أردنا بيانه إجمالاً.

2022/02/21

فلسفة الحياة: ما الذي يُجبرنا على تحمل المعاناة؟!

بعض الناس يشغلون أنفسهم بأسئلة غير منطقية، ومن ثم يسترسلون معها حتى تحدث لهم اضطراباً في التفكير وتشويشاً في الرؤية، فالإنسان يفهم الحياة من خلال الموقع الذي يرى فيه نفسه، فمن لا يرى لوجوده قيمة ولا لفعله أهمية سيكون عرضة للإحباط والانهزام أمام صعوبات الحياة، بعكس الإنسان الذي يرى لحياته قيمة ولفعه تأثير وأهمية، فإن هذا الإنسان لا يستسلم لصعوبات الحياة وإنما يرى فيها تحدي لأثبات ذاته، مثل الرياضي الذي يتحمل العناء حتى يثبت قدراته وتميزه على أقرانه، فالسعادة في حقيقتها هي أحساس عميق بالذات ومن يفقد ذلك الإحساس يعيش في شقاء.

[اشترك]

وعليه فإن السؤال هل الله سبحانه وتعالى خيرنا بأن نكون بشراً؟ يعبر عن فقدان الإحساس بالذات والشعور بقيمتها، وهو السبب المباشر لكل المعاناة والضنك الذي يجده الإنسان في الحياة، فالإنسان يرى الحياة مغامرة تستحق العناء عندما يرى في نفسه قيمة تستحق الحياة، وبانعدام هذا الشعور تتحول كل صعوبات الحياة إلى عقوبة غير مبررة، والذي يبرر هذا السؤال هو الشعور بعدم وجود قيمة للحياة، فليس من المنطق أن يتحمل الإنسان العناء والجهد ومن ثم لا يكون لهذا العناء نتيجة تستحقه، وكما يقال في المثل العربي (الأجر على قدر المشقّة) فهناك تناسب بين الجهد والنتيجة، فإذا كانت النتيجة غير مرضية لا يكون هناك دافعاً للجهد، ومن هنا من لا يفهم فلسفة الحياة وقيمتها لا يمكن أن يفهم ما فيها من ابتلاء ومصاعب، ولذا من الطبيعي أن يسأل عن سبب العناء وهو لم يختار لنفسه أن يكون بشراً؟

وشواهد الحياة وتجاربها خير دليل على اختلاف البشر في تعاملهم مع ظروف الحياة ومتاعبها، فالبعض تجده في قمة السعادة وهو يكابد صعوبات الحياة، بينما البعض الآخر في قمة الشقاء وهو يكابد نفس الصعوبات، والفرق يكمن في أن الأول يرى الحياة ولا يرى الصعوبات، بينما الثاني يرى الصعوبات ولا يرى الحياة، فالذي يرى الحياة لا بد أن يرى صعوباتها مقدمة طبيعية لها، بينما من يرى الصعوبات دون أي قيمة للحياة سوف تكون الصعوبات عليه جحيماً لا يطاق؛ لأنها في نظره ليست إلا عقوبة بدون ذنب أو جهد بدون ثمن.

ومن المؤكد أن هذه القضية تحتاج إلى معالجات ثقافية كما تحتاج إلى معالجات نفسية، فالذي يعترف بوجوده ولا يعلم ما يعنيه هذا الوجود؟ أو الذي يعترف بكونه إنساناً، ولكنه لا يعلم ماذا يعني أن يكون الإنسان إنساناً؟ بحيث لو خيره الله قبل خلقه لاختار أن يكون جماداً أو نباتاً أو حيواناً أو اختار من الأساس أن يكون عدماً، فمثل هذا الإنسان بحاجة إلى إعادة برمجة شاملة ثقافياً ونفسياً، ولا يتحقق ذلك إلا إذا هو قرر أن يستثمر عقله وكل طاقاته لفهم حقيقي لغايات الوجود والحياة، والدين وهو الطريق الحصري لتحقيق ذلك الفهم، فمعرفة الله والارتباط به تمثل البصيرة التي يجتاز الإنسان بها مصاعب الحياة، ومن دون ذلك ستكون حياة الإنسان عبارة عن ضنك وشقاء، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) فالبصيرة هي التي تمكن الإنسان من الرؤية الواقعية للحياة وبدونها يفقد الإنسان دنياه وآخرته. 

وبالتالي الإنسان بين التفاؤل والتشاؤم، والإنسان بمقدوره أن يختار واحدة من الصفتين، إلا أن ذلك لا يكون إلا بتغيير شامل لنمط الصفات التي يتحلى بها، فمجمل ما يتصف به الإنسان هو الذي يحدد موقفه من الحياة، فكل صفة يتصف بها الإنسان هناك صفة تقابلها، فالكرم يقابله البخل، والشجاعة يقابلها الجبن، ولذا لا يمكن أن يكون الإنسان متفائلاً وفي نفس الوقت متشائماً، فمن كانت صفاته إيجابية فإنه سيكون متفائلاً بالضرورة، لأن الإنسان بالأساس لا يكون إيجابياً إلا إذا كانت الحياة في نظره إيجابية، وفي المقابل كلما غلبت الصفات السلبية كلما اضطرب الإنسان وفقد التوازن فلا يرى حينها في الحياة إلا كل ما هو سلبي.

ومن هنا ننصح بإعادة التفكير في الحياة والبحث بشكل جدي عن قيمتها وقيمة الإنسان فيها، وبذلك يمكنها أن تعيد لنفسها زمام المبادرة وتكون هي الفاعلة والمتحكمة في الظروف وليست الظروف هي المتحكمة فيها.

أما الإجابة على السؤال هل الله خيرنا أن نكون بشراً؟  قد أجبنا من قبل على سؤال مشابه ونعيد بشكل مختصر ما قلناه سابقاً:

من المؤكد أن الإنسان ليس بحاجة إلى من يخبره بأنه لا يملك هذا الاختيار، فمن الواضح أن ذلك مستحيل لكونه خارجاً عن إرادة الإنسان واختياره، فكل واحد يشعر بذلك في عمق وعيه وشعوره، وعليه فمن العقل والحِكمة أن يتعامل الإنسان مع واقع الحال الذي وجد فيه، كما أن هذا السؤال غير منطقي ولا يصح من الأساس، فهو يتضمن خلطاً كبيراً بين الفعل الاختياري للعبد وبين الفعل التكويني للخالق، والكلام عن فعل العبد يأتي بعد خلقه ووجوده وبلوغه عمراً يكون واعياً لأفعاله وتصرفاته، وقبل خلقه كان عدماً محضاً لا يقع عليه الفعل ولا الاختيار، وعليه فإن أي أسئلة واعتراضات تمتد لمرحلة العدم لا تعدو أن تكون هرطقة وكلام بلا معنى، فالقول لماذا خلقني الله؟ سؤال يمكن تفهمه في إطار معرفة الحِكمة والفلسفة العامة لوجوده، ولكن لا يمكن فهمه في إطار الرجوع إلى منطقة الصفر التي لم يكن فيها شيئاً مذكورا، فعندما أقول مثلاً لماذا صنعت السيارة فأنا أسال عن حِكمة وجودها وهو سؤال مبرر بعد وجود السيارة، أما قبل وجودها لا مبرر لهذا السؤال من الأساس، وكذلك الإنسان لا يمكن أن يقول لماذا خلقني الله قبل خلقه لأنها سالبة بانتفاء الموضوع، أما سؤاله بعد أن اصبح موجوداً لا يكون سؤالاً منطقياً ومبرراً إذا كان يستهدف نفس عملية الخلق والإيجاد لأن هذه المرحلة سابقة لمرحلة الاختيار، إذ كيف يمكن أن يخيروا العدم بين البقاء عدماً وبين إخراجه إلى الوجود؟

وبالتالي مثل هذه الأسئلة ليست إلا وساوس شيطانية تعمل على تخريب حياة الإنسان لتجعله يعيش في حالة من القلق والتوتر، ولذا يجب على الإنسان ألا يتعامل إلا مع الأسئلة المنطقية التي تمتلك مبررات حقيقية أما الأسئلة العدمية ليست إلا فيروسات خبيثة تستهدف تخريب عقل الإنسان ووعيه.

2022/02/17

رغم دعاء الملايين.. لماذا لم ينقذ الله الطفل ريان؟!

لابد من التأكيد على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة ومهما تراكمت تجاربه الحياتية يظل عاجزاً عن تحديد السنن التي تحكم الحياة، فالإنسان بطبعه لا يعلم إلا ظاهر الحياة أما باطن الحياة وما تقوم عليه من سنن وحِكم لا سبيل له لمعرفتها، ولذا قال تعالى: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا).

 [اشترك]

وعليه فإن الإنسان بفهمه القاصر وإدراكه المحدود لا يمكن أن يحدد لله ما يجب أن يفعله، ومن هنا يلجأ الإنسان إلى الله ليرشده لما فيه خيره وصلاحه، والدعاء ليس إلا إقرار بجهل الإنسان بما تخبي له الأقدار في المستقبل، فكثير من الأمور التي تعترض حياتنا وتنغص علينا عيشتنا ونحن لا نفهم الحِكمة منها، ثم يكشف لنا الزمان ستاره لنحمد الله على ما أصابنا في وقتها، فبالثقة بالله وحده يستمر الإنسان في حياته لأن لطف الله موجود وأبواب التوفيق لعباده مفتوحه، وعندما يعلم الإنسان إن الله أرحم به من نفسه على نفسه حينها سوف يكون مطمئناً لكل ما يقع عليه.

فقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) حيث تعني الآية بأن الله عوناً لكل من يلجأ إليه، ولا يكون ذلك العون على خلاف مصلحة العبد الدنيوية والأخروية، ففي بعض الأحيان يرجو العبد شيئاً ومصلحته في عدم تحقق ذلك الشيء، وعليه لا يعد ذلك عدم استجابة للدعاء بل استجابة الدعاء هي التي تستوجب صرف ذلك الشيء عنه، يقول العلامة الطباطبائي: (إنّ استجابة الدعاء إذا توفّرت شروطها ورُفعت موانعها تكون من السنن الإلهية القطعية، إلا أنه قد تتأخر الاستجابة بسبب مصالح وحِكَم إلهية، منها:

إنّ العبد قد يدعو الله لشيء لا يصلح له، فيؤخّر الله استجابة دعائه كما قد لا يستجيب دعائه، وقد قال الله سبحانه في القرآن الكريم (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)، وقال الإمام علي (عليه السلام) «فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ»

وقد ورد في رسالة الإمام علي (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) ثلاث حِكَم لتأخير استجابة الدعاء: «فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ، وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ وأُوتِيتَ خَيْراً مِنْه عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ» (تفسير الميزان، ج 2، ص 32)

وما وقع على الطفل ريان أوجب على الجميع بدافع الرحمة والإنسانية أن يدعو الله بنجاته وحفظه، فبحسب ظاهر الأمور فإن مصلحة الطفل ريان كانت في نجاته من البئر، ونحن لسنا مكلفين بأكثر من الظاهر ولذلك وجب علينا الدعاء له بالنجاة، ولكن يجب أن يكون هذا الدعاء مقترن بالأيمان بحِكمة الله فنرضى بما يقع تسليماً لأمره ورضاً بقضائه وثقة في رحمته، وقد نقل لنا القرآن ما حدث بين نبي الله موسى (عليه السلام) الذي اعترض على قتل العبد الصالح للقلام، فبحسب الظاهر أن ما فعله كان خطأ يستوجب الإدانة، ولكن بحسب المصالح المخفية فإن الحِكمة الإلهية اقتضت أمراً على خلاف ما نعلمه من الظاهر، حيث قال تعالى على لسان موسى : (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا) وجاء الرد على لسان العبد الصالح: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا).

2022/02/17

لا تُقبل صلاتها: ما حقيقة حرمة خروج المرأة «متعطرة» من بيتها؟!

ما حكم خروج المرأة من بيتها وهي متعطّرة؟

[اشترك]

لقد ورد النّهي عن ذلك في الرّوايات الواردة عن أهل البيت (ع).

منها: ما ورد عن الإمام الباقر (ع): "... ولا يجوز لها أن تتطيَّب إذا خرجت من بيتها"(1).

ومنها: ما ورد عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): "أيُّ امرأة تطيَّبت وخرجت من بيتها فهي تُلعن حتى ترجع إلى بيتها متى رجعت"(2).

ومنها: ما ورد عن أبي عبد الله (ع): "أيما امرأة تطيَّبت لغير زوجها لم يقبل الله منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها"(3).

ومنها: ما ورد عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا ينبغي للمرأة أن تجمِّر ثوبها إذا خرجت من بيتها"(4).

والظاهر من هذه الروايات أن المنهيَّ عنه هو التطيُّب الذي تظهر رائحته للآخرين بمجَّرد المرور عليهم حتى وإن لم يكونوا قاصدين لشمِّه، أما التطيُّب الذي لا يكون له هذا الأثر فالظاهر عدم شمول النهي له، إذ أنَّ من الواضح عدم مرجوحية التطيُّب في نفسه وإنما هو مرجوح بلحاظ ما يترتب عليه من استثارة الآخرين أو إلفات نظرهم، فإذا لم يكن مستوى التطيُّب مقتضيًا لذلك فالظاهر عدم شمول النهي له.

ثم إن المراد ظاهرًا من الاغتسال الوارد في الرواية الثالثة هو الغَسل المنتج لإزالة أثر الرائحة، وتنظيره بغسل الجنابة إنما هو لغرض التعبير عن القذارة المعنوية لتطيُّب المرأة لغير زوجها.

ولعل المراد من الاغتسال هو معناه الاصطلاحي فيكون الاغتسال للتوبة عن هذا الذنب.


الهوامش:

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 20 ص 220-222.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 20 ص 161.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 20 ص 160.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 20 ص 161.

2022/02/10

لهذا السبب يختلف «الفقهاء» في المسائل الشرعية!

يتصور الاختلاف بين الفقهاء في بعض المسائل الفرعية المترتبة على أحكام العبادات أو المعاملات، ولا وجود لهذا الاختلاف في أصل هذه المسائل الشرعية، والاختلاف من هذا النوع أمر طبيعي ومتصور في جميع التخصصات.

 [اشترك]

فمثلاً علم الطب يقوم على أصول وقواعد أساسية تمثل مشتركاً بين جميع الأطباء، إلا أن تشخيص بعض الأمراض وتحديد العلاجات المناسبة قد يختلف من أخصائي لآخر، وكذلك الحال في عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فمع أنها عملية دقيقة وخاضعة لمجموعة من الشروط والضوابط إلا أن هناك مساحة لملكة الاستنباط بين فقه وآخر.

ومن هنا قد يختلف فقيهان في تقديرهم للمسألة أو في فهمهم للأدلة الخاصة بتلك المسألة، وقد فصلنا هذا الأمر في إجابة سابقة تحت عنوان الاجتهاد والتعدد الفكري يمكن مراجعته على الموقع.

أما مصادرة الآراء الأخرى على حساب الرأي المشهور فليس صحيح، فالأساس عند الفقهاء هو المستند الذي يقوم عليه الحكم، فحتى لو كان الاستئناس برأي المشهور أمر طبيعي إلا أنه لا يعد لوحده دليلاً، ولذا قيل رب مشهور لا أصل له.  

2022/02/08

مقارنة محيّرة: «الكافر» في رخاء و «المؤمن» في هم ومرض.. لماذا؟

نسمع من خطباء المنابر وبعض رجال الدين أن الحزن والهم والمرض والكثير من المواقف الصعبة سببها "الذنوب" في عقوبة معجّلة.. لماذا يعيش الكافر الغارق في ذنبه إذن في رخاء دائم وحياة مليئة بالاستقرار؟

[اشترك]

تقوم الحياة على تداخل بين السنن والأسباب، والإحاطة بها أمر لا يمكن تحصيله، وكل ما يمكن أن نعرفه أن الحياة لم تكن حالة عبثية وإنما لها حكمة و ورائها غاية، وقد جاءت رسالات الله لتبين للإنسان تلك الحكمة وتشرح له تلك الغاية، فما هو معلوم بالضرورة أن الإنسان لم يخلق للدنيا وإنما جعلت الدنيا معبر لدار الأخرة، فاراد الله للإنسان أن يعيش في الدنيا بالشكل الذي يؤهله للعيش في عالم الآخرة، فإما أن يكون منعماً في جنة عرضها السماوات والأرض وأما أن يكون معذباً في نار جهنم.

وعليه فالمبدأ العام الذي يشمل جميع البشر هو كون الحياة دار امتحان وابتلاء، وقد أكدت كثير من آيات القرآن هذه الحقيقة فمنها قول تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وقال تعالى: (كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، وقال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) فالمؤمن والكافر كليهما معرضان لهذه الابتلاءات، والفرق أن المؤمن يجتازها بنجاح بينما يفشل الكافر فيها، ولا يمنع أن يكون هناك آثار مترتبة على طبيعة الحياة التي يعيشها المؤمن في الدنيا والتي يعيشها الكافر، وليس بإمكان الإنسان الوقوف على طبيعة القوانين التي تحكم طبيعة تلك الحياة، فقد تجد الكافر يعيش في ضنك من العيش في حين يعيش المؤمن في رغد من الحياة، بعكس ما تصور السائل، وبالتالي لا يمتلك الإنسان القدرة التي تمكنه من الوقوف على معادلات الحياة أو التحكم فيها، وعليه فقول السائل أن حياة الكافر والمذنب دائماً في رخاء ليس صحيح حتى على مستوى الرخاء الظاهري والإمكانات المادية.

 وفي نفس الوقت لا ننفي أن يكون للذنوب آثار وضعية أو قد يعجل الله عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، إلا أننا لا نعرف المعادلة التي تحكم ذلك، ففي الرواية عن الأمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة)، فنحن نعلم بحصول ذلك، ولكننا لا نعلم كيف ومتى ولمن يكون ذلك؟ فمثلاً كيف لنا أن نعرف أن هذا البلاء كان خيراً للعبد؟ أو أن الرخاء الذي هو فيه كان بسبب عدم الذنب أو بسبب الذنب الذي تم تأخير عقوبته؟ وعليه كل ما نفهمه من الروايات أن الابتلاءات التي تصيب المؤمن هي كفارة لذنوبه حتى يلقى الله وهو طاهر مطهر، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالمرض، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه، حتى يلقى الله حين يلقاه وما له من ذنب يدعيه عليه فيأمر به إلى الجنة).

2022/02/08

لماذا لا يجوز تقليد المرأة التي بلغت ’الاجتهاد’؟!

عدم جواز تقليد المرأة التي وصلت إلى مرتبة الاجتهاد، لم يرد فيها نص من الشارع بالخصوص، وإنما هي قضية اجتهادية تباينت حولها وجهات النظر بين الفقهاء سنة وشيعة، بالتالي لا يمكن البحث عن الحِكمة التشريعية في المسألة التي فيها رأي بالجواز والثاني بالمنع.

[اشترك]

 وإنما ينحصر الكلام حول المستندات التي يرتكز عليها كل فقيه في فتواه، وهذا يطلب في البحوث الفقهية الاستدلالية، ومع أن الرأي الغالب بين فقهاء الشيعة هو حرمة تقليد المرأة إلا أنهم لم يقطعوا الطريق أمام الرأي المخالف، حيث يقول السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة ج1 ص 43: (وأما اعتبار الرجولة: فهو أيضا كسابقه عند العقلاء. وليس عليه دليل ظاهر غير دعوى انصراف إطلاقات الأدلة إلى الرجل واختصاص بعضها به. لكن لو سلم فليس بحيث يصلح رادعا عن بناء العقلاء (ويقصد ببناء العقلاء هو وجوب رجوع الجاهل للعالم مطلقاً رجل كان أو مرأة) وكأنه لذلك أفتى بعض المحققين بجواز تقليد الأنثى والخنثى).

 وقد ناقش السيد الخوئي في جميع الأدلة التي تحرم تقليد المرأة في كتاب الاجتهاد والتقليد وشكك في دلالتها على ذلك، فمثلاً في نقاشه للأحاديث التي تمنع المرأة من القضاء والتي يستند عليها في منعها عن الفتوى أيضا، وهي من الأدلة المعتمدة عند المانعين، نجد أن السيد الخوئي يرفض ذلك بقوله في صفحة 225: (قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم..  لدلالتها على اعتبار الرجولية في باب القضاء، ومن المعلوم أن منصب الإفتاء لو لم يكن بأرقى من القضاء فلا أقل من أنهما متساويان، إذ القضاء أيضا حكم وإن كان شخصيا وبين اثنين أو جماعة رفعا للتخاصم، والفتوى حكم كلي يبتلى به عامة المسلمين فإذا كانت الرجولية معتبرة في باب القضاء كانت معتبرة في باب الإفتاء بالأولوية، ويرد على هذا الوجه أن أخذ عنوان الرجل في موضوع الحكم بالرجوع إنما هو من جهة التقابل باهل الجور وحكامهم حيث منع (عليه السلام) عن التحاكم إليهم، والغالب المتعارف في القضاء هو الرجولية، ولا نستعهد قضاوة النساء ولو في مورد واحد فاخذ عنوان الرجولية من باب الغلبة لا من جهة التعبد وحصر القضاوة بالرجال، فلا دلالة للحسنة – أي الرواية - على أن الرجولية معتبرة في باب القضاء فضلا عن الدلالة عليها في الإفتاء لو سلمنا أن القضاء والفتوى من باب واحد. على أنه لم يقم أي دليل على التلازم بينهما ليعتبر في كل منها ما اعتبر في الآخر بوجه).

وهكذا صنع مع بقية الأدلة مما فيد عدم وجود نصوص صريحة في ذلك، ولذا اعتمد السيد الخوئي في فتواه بحرمة تقليد المرأة على الدليل الاجتهادي ومذاق الشارع وعمل المتشرعة، حيث قال: في صفحة 226: (والصحيح أن المقلد يعتبر فيه الرجولية، ولا يسوغ تقليد المرأة بوجه وذلك لانا قد استفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة المرغوبة من النساء إنما هي التحجب والتستر، وتصدى الامور البيتية. دون التدخل فيما ينافي تلك الأمور. ومن الظاهر أن التصدي للإفتاء - بحسب العادة - جعل للنفس في معرض الرجوع والسؤال لانهما مقتضى الرئاسة المسلمين، ولا يرضى الشارع بجعل المرأة نفسها معرضا لذلك ابدا، كيف ولم يرض بإمامتها للرجال في صلاة الجماعة فما ظنك بكونها قائمة بأمورهم ومديرة لشئون المجتمع ومتصدية للزعامة الكبرى للمسلمين. وبهذا الامر المرتكز القطعي في اذهان المتشرعة يقيد الاطلاق، ويردع عن السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم مطلقا رجل كان أو امرأة).

بما أن السائل يسأل عن الحِكمة التشريعية بقوله: (لماذا لا يجوز تقليد المرأة المجتهد) ولا يسأل عن الأدلة التفصيلية، يمكننا أن نقول إن البحث عن الحِكمة من الأحكام الشرعية وإن لم يكن له علاقة بثبوت الحكم إلا أنه قد يكون مفيداً لتقوية الرابطة بين المكلف وبين الحكم الشرعي، وقد تزداد أهميته إذا كان الحكم قائم على نص صريح من الشارع، أما إذا كان الحكم خاضع للاجتهاد وحوله اخذ ورد فلا جدوى من البحث حول الحِكمة التشريعية.

2022/02/02

لماذا حرّم الله ’حلق اللحية’؟!

يخلط البعض بين علل الأحكام الشرعية وبين الحِكمة منها، فالعلة إذا كانت منصوصة ومقطوعة يناط بها الحكم وجوداً وعدماً، ولذا عرفت العلة بمناط الحكم أو الوصف الظاهر المنضبط المعرّف للحكم.

[اشترك]

أما الحِكمة فهي ما يترتب على الحكم من آثار مثل جلب المصلحة ودفع المفسدة، ولذا عرفت الحِكمة بالمصلحة التي قصدها الشارع من تشريع الحكم، ولذلك لا تكون الحِكمة صالحة لتعليل الحكم الشرعي ولا يستند عليها في رفع الحكم أو وضعه أو تعتديه إلى مورد أخر، ومن هنا معرفة الحِكمة أو عدم معرفتها لا يؤثر في التزام المكلف بالحكم الشرعي، فالأحكام الشرعية أحكام توقيفية تستند على النصوص الشرعية، وبما أن المؤمن مسلّم بحجية هذه النصوص ومعتقد بكونها لا تأمر أو تنهى إلا بما فيه مصلحة أو مفسدة واقعية فيجب عليه حينها الالتزام بها حتى لو لم يقف بنفسه على تلك المصالح والمفاسد الواقعية.

وعلى ذلك يجب إعادة صياغة السؤال فبدل أن يكون السؤال عن العلة يجب أن يكون السؤال عن الحِكمة؛ وذلك لأن العلة لا سبيل لمعرفتها إلا إخبار الشارع عنها، أما الحِكمة فيمكن الاجتهاد في معرفتها إلا أنها سوف تظل خاضعة لتقديرات المجتهد، ومن هنا لا تكون مؤثرة على أصل ثبوت الحكم الشرعي.

وما يختص بالحِكمة من حرمة حلق اللحية فقد إشارات بعض الروايات إلى ذلك مثل الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفّروا شواربهم، وأمّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى، وهي الفطرة)، وكذلك عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حفّوا الشوارب واعفوا اللحى، ولا تشبهوا بالمجوس)، وعليه إذا كانت الحرمة ثابتة ثم انتفت الحِكمة في أي زمن من الأزمان لا يمكن التخلي عن الحرمة، وذلك لأن الحِكمة لا تقوم مقام العلة للحكم كما بينا.

أما ما يخص ثبوت حرمة حلق اللحية، فقد ناقشها السيد الخوئي في مصباح الفقاهة في المعاملات باب المكاسب المحرمة، وناقش في تمامية الكثير من الأدلة التي يعتمد عليها في الحرمة، ولم يقوي منها إلا وجهاً واحداً، حيث قال: (الوجه السابع ـ وهو العمدة: صحيحة البزنطي الدالّة على حرمة حلق اللحية وأخذها ولو بالنتف ونحوه. وتدل على ذلك أيضاً السيرة القطعية بين المتديّنين المتّصلة إلى زمان النبي (صلّى الله عليه وآله)، فإنّهم ملتزمون بحفظ اللحية ويذمّون حالقها، بل يعاملونه معاملة الفسّاق في الأمور التي تعتبر فيها العدالة. 

ويؤيّد ما ذكرناه دعوى الإجماع عليه كما في كلمات جملة من الأعلام، وعدم نقلهم الخلاف في المقام من الشيعة والسنّة، كما هو كذلك، والله العالم.. وموضوع حرمة حلق اللحية هو إعدامها، وعليه فلا يفرق في ذلك بين الحلق والنتف وغيرهما ممّا يوجب إزالة الشعر عن اللحية. أمّا مقدار اللحية في جانب القلّة فلم يرد في تحديده نص خاصّ، فالمدار في ذلك هو الصدق العرفي، وعلى هذا فإذا أُخذت بمثل المكينة والمقراض أو غيرهما بحيث لم تصدق اللحية على الباقي كان حراماً).

2022/01/30

بيوت لا تؤمن فيها ’الفجيعة’!

ما المقصود بـ "بيت الغناء" الذي لا تؤمن فيه الفجيعة.. هل الملاهي أم البيوت السكنية التي يستمع فيها الغناء؟

[اشترك]

تواترت روايات المعصومين الدالة على حرمة الغناء، وما أشار إليه السائل هو رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: الغناء بيت لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا تدخله الملائكة) والمقصود أن كل بيت يكون فيه الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ففي الرواية أن الأمام الصادق (عليه السلام) سأل أحد أصحابه أين كنت أمس؟ قال: الرجل: فظننت أنه قد عرف الموضع، فقلت: جعلت فداك، مررت بفلان فتعلق بي وأدخلني داره، وأخرج إلى جارية له فغنت، فقال الأمام (عليه السلام): أفأمنت الله على أهلك ومالك؟! إن ذلك مجلس لا ينظر الله إلى أهله) وفي رواية أخرى أنه سأل رجلا ممن يتصل به، عن حاله، فقال: جعلت فداك، مر بي فلان أمس فأخذ بيدي وأدخلني منزله، وعنده جارية تضرب وتغني، فكنت عنده حتى أمسينا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ويحك، أما خفت أمر الله أن يأتيك وأنت على تلك الحال، إنه مجلس لا ينظر الله إلى أهله، الغناء أخبث ما خلق الله، الغناء شر ما خلق الله، الغناء يورث النفاق، الغناء يورث الفقر) (يمكن مراجعة هذه الروايات في مستدرك الوسائل ج13، ص 213)

وبحسب دلالة الروايات التي ذكرناها يتضح أن المقصود من (بيت الغناء الذي لا تؤمن فيه الفجيعة) هو كل بيت يقام فيه الغناء سواء كان بشكل مباشر مثل حضور المغني أو المغنية كما فعلت الجارية، أو عن طريق تشغيل الأغاني عبر الأجهزة بوصفه مصداقاً عرفياً للبيت الذي فيه أغاني، وعلى ذلك فإن البيوت التي خصصت للغناء كالملاهي هي من أبرز مصاديق البيوت التي لا تؤمن فيها الفجيعة.

2022/01/27

هل يوجد دليل على وجوب ارتداء ’الحجاب’؟!

أجمعت كل المذاهب الإسلامية على وجوب ستر المرأة لجسدها بالحجاب، وذلك لوضوح الآيات والروايات في هذا الشأن، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)، وقوله تعالى: (وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ..)، وقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ).

[اشترك]

أما الأدلة الرواية فهي كثيرة وهناك باب في الوسائل باسم (ما يحل النظر إليه من المرأة بغير تلذذ ولا تعمد، وما لا يجب عليها ستره) ج14، ص 146. جاء فيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: الوجه والكفان والقدمان) ويعلق العلامة الحلي بقوله: (أن عدم وجوب الستر لا يلزم منه جواز النظر عمدا).

ويستفاد من بعض الروايات نوع الحجاب الذي تلبسه المرأة وهو جلباب لتغطية الجسم وخمار لتغطية الرأس، فعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: "والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا" ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال: الجلباب.

وعن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القواعد من النساء ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ فقال: الجلباب إلا أن تكون أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها.

وعن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ يضعن من ثيابهن قال: الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة.

ومتى ما ثبت وجوب الحجاب بالنص الشرعي لا مجال للرجوع للعقل إلا من باب الوقوف على الحِكمة من التشريع، مثل الحفاظ على طهارة المجتمع وصون كرامة المرأة وغير ذلك، ومع ذلك ليس بالضرورة أن يقف العقل على العلة التشريعية، فمتى ما ثبت التكليف الشرعي وجب الالتزام.

2022/01/23

المرأة الوسواسية.. تستجيب لنداء الشيطان!

يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "الوسواس" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف:  

[اشترك]

السؤال: إني مصابة بالوسواس في الطهارة والصلاة وفي غيرهما منذ سنوات ومعاناتي معه طويلة ومضنية وقد حاول أهلي صدي عن الإعتناء بالوسواس بأساليب مختلفة ولكن لم يسعنِ التخلص منه أرجو من مكتب سيدنا المرجع دام ظله إسعافي في المجال؟

[اشترك]

الجواب: إن الوقت لا يتسع لإيراد كل ما يمكن قوله في هذا المجال مما يمكن أن يساعد في علاج الوسوسة والحد من مضاعفاتها ولكن نتبرّك أولاً بذكر حديث شريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم نردفه ببيان بعض النقاط.

أما الحديث فهو ما رواه عبد الله بن سنان ـ أحد أجلة أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ قال: ذكرت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله : وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقال سله الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان.

وأما النقاط التي يهمّنا إيرادها فهي:

١ ـ إنّ مرض الوسواس ليس له علاج ناجع إلا عدم الاعتناء بالوسوسة وعدم ترتيب الأثر عليها لمدّة طويلة، وكلما زادت مدة الإصابة بالمرض يتوقف العلاج منه على ممارسة عدم الاعتناء مدة أطول، فالذي بدأ معه الوسواس قبل شهر أو شهرين ربما يذهب عنه لو قاومه بعدم الاعتناء بضع شهور وأما الذي بدأ معه منذ سنوات فمن المؤكد أنه لا يذهب عنه الا بعدم الاعتناء مدة طويلة جداً.

٢ ـ السؤال المهم الذي يطرح في هذا المجال هو أنه كيف يمكن إقناع الوسواسي بعدم الاستجابة لنداء الوسوسة الذي هو نداء شيطاني؟

والجواب ان الطريق الى ذلك هو إفهامه بصورة واضحة لا لبس فيها بأنه لا يتحمّل إثماً ولا يستحق عقاباً يوم القيامة إذا لم يعتن بالوسوسة وإن وقع في خلاف الواقع، فإن الذي يدعو الوسواسي الى العمل وفق الوسوسة هو خوفه من بطلان عمله وإستحقاقه العقاب على ذلك ولكن لو جعلناه يقتنع تماماً بأنه لا يتحمّل جراء مخالفته للوسوسة وعدم الاعتناء بها أي ذنب أبداً وإن لم يصح عمله في الواقع ويكون معذوراً أمام ربه فإن هذا سيساهم بكل تأكيد في الحدّ من اعتنائه بالوسوسة.

٣ ـ كيف يكون الوسواسي معذوراً أمام الله تعالى إذا لم يعتن بوسوسته وإن كان عمله خلاف الواقع؟ مثلاً: إذا شك في طهارة بدنه وبنى على الطهارة وتوضأ وصلى وكان في علم الله تعالى بدنه متنجساً ووضوؤه باطلاً وصلاته باطلة ألا يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله يوم القيامة؟

الجواب قطعاً بالنفي والوجه في ذلك ببساطة هو أنه عمل وفق واجبه الشرعي في عدم الاعتناء بالوسوسة فكيف يعاقبه الله على ذلك؟!

ولتوضيح الفكرة نقول: إن فتوى الفقيه حجّة للمكلف أي أن المكلف إذا عمل بها وكانت في علم الله مخالفة للواقع لم يعاقب يوم القيامة على مخالفته، مثلاً إذا أفتى الفقيه بطهارة الإسبرتو واستند المكلف الى فتواه في عدم التجنب عنه في لباسه وبدنه فتوضأ وصلى ولكن كان الاسبرتو نجساً في حكم الله تعالى لم يعاقب المكلف يوم القيامة على صلواته الباطلة لأن حجّته أمام الله هي كالتالي:

يا ربّي إنك رخصت لي العمل بفتوى الفقيه، والفقيه أفتى بطهارة الاسبرتو فلذلك لم اتجنبها في بدني وملابس صلاتي فهل تعاقبني مع ذلك؟

ويأتي الجواب: إنك معذور يا عبدي ولا شيء عليك.

وهكذا حال الوسواسي تماماً، فإن جميع الفقهاء يفتون بكل صراحة ووضوح ـ تبعاً للنصوص الشرعية ـ بأن وظيفة الوسواسي هو عدم الإعتناء بوسوسته والبناء على طهارة كل ما يشك في طهارته بل حتى لو تأكد من نجاسة شيء ـ على خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك ـ فلا عبرة بعلمه وواجبه أن يبني على الطهارة.

فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوى الشرعية وبنى على طهارة كل مشكوك الطهارة، بل ومتيقن النجاسة فهو معذور أمام الله تعالى وإن كان عمله على خلاف الواقع ووقعت صلاته في النجاسة أو كان أكله متنجساً.

نتمنى أن تقرأي هذا البيان عدة مرات لتتأكدي من صوابه ثم تعقدي العزم على عدم الإعتناء بالوسوسة بعد اليوم، اعقدي العزم على عدم غسل ما تتصورين أنه قد أصابته النجاسة. اعقدي العزم على البناء على طهارة كل شيء لم تجدي عين النجاسة فيه بأم عينيك.

سيأتي الشيطان ويقول لك: ان وضوئك باطل وصلاتك باطلة وبدنك متنجس و... وقولي في الجواب: فليكن: لا يهمني ذلك ما دمت معذورة أمام الله تعالى وانه لا يعاقبني يوم القيامة في حال من الأحوال.

٤ ـ من الأحكام الفقهية التي ينبغي الالتفات اليها هو أن المتنجس بملاقاة المتنجس ينجس ملاقيه فيما إذا لم تتعدد الوسائط بينه وبين عين النجاسة وإلا فلا يكون موجباً لتنجسه، مثلاً إذا لاقت اليد اليمنى البول فهي تتنجس، فإذا لاقتها اليد اليسرى مع الرطوبة حكم بنجاستها أيضاً، وكذا إذا لاقي اليد اليسرى مع الرطوبة شيء آخر كالثوب فإنه يحكم بنجاسته ولكن إذا لاقي الثوب شيء آخر مع الرطوبة سواء أكان مائعاً أم غيره فهو لا يوجب نجاسته.

وهذا باب ينفتح منه ألف باب في عدم حصول العلم بنجاسة معظم ما ذكرت في رسالتك أنها تتنجس بالواسطة، وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى لك العافية التامّة والتوفيق لما يحب ويرضى .

2022/01/20

ما حكم تطهير الملابس بـ ’الغسالات الأوتماتيكية’؟

يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "تطهير الملابس بالغسالات" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف:

[اشترك]

السؤال: في (الغسالات الأتوماتيكية) يوصل اليه الماء مباشرة (من ماء الاسالة أو الخزان)، وكلما أغلق باب الغسالة على الملابس زودت بالماء تلقائياً.

١ ـ فهل يتحقق تطهير الملابس التي تغسل داخلها ثم تشطف بماء جديد تلقائياً، ولو كانت متنجسة بالبول؟

٢ ـ هل يحكم على نفس الغسالة بالطهارة أو لا؟

٣ ـ ما حكم البخار المتصاعد الذي يتحول الى قطرات ماء على السقف والجدران ثم تقع على الملابس إذا كان الماء حاراً؟

الجواب:

١ ـ يتحقق التطهير إذا كان ذلك بالماء المطلق (مرتين للمتنجس بالبول ـ ولو بالكثير على الأحوط ـ ومرة واحدة لغيره)، ولا يقدح كون انفصال ماء الغُسالة أثناء التجفيف بواسطة قوة الدوران لا العصر.

٢ ـ نعم تطهر بالتبعية.

٣ ـ لا يؤدي ذلك الى تنجس الملابس في مورد السؤال.

السؤال: هل الماء الذي أضيف اليه الصابون او المسحوق يعد من المضاف او يعد ماء مطلقاً؟

الجواب: هو من المضاف.

السؤال: عندما أغسل الملابس في الغسالة تصبح راحة الماء كرائحة الملابس، فهل هذا الماء يُعتبر مضافا؟

الجواب: لا يعتبر مضافاً.

2022/01/19

كيف نطهّر الفراش المتنجّس؟

يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "أحكام التطهير" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف:

[اشترك]

أحكام التطهير

تطهير الثوب أو الفراش أو الكاربت

السؤال: كيف يُطَهَّر الثوب أو الفراش أو السجاد المتنجّس؟

الجواب: يمكن تطهير الفراش أو السجاد أو أمثالهما، إذا تنجست بشتى أنواع النجاسات التي  ليس لها جرم ـ فلا تخلّف أثراً على الفراش أو السجاد ـ وذلك بصبّ الماء القليل عليها من إبريق أو كأس أو نحوهما مرة واحدة، حتى إذا استولى الماء الطاهر على المكان المتنجس، سحب الماء فأخرج بالعصر أو بالضغط أو بالماكنة الكهربائية أو بالدلك أو بقطعة قماش أو بغير ذلك، فيطهر الفراش أو السجاد وأشباههما، ويحكم على الماء المسحوب منها بالنجاسة على الأحوط وجوباً، وهذا الحكم يجري تماماً في الثوب إذا تنجس بغير البول، وأما إذا تنجس بالبول فسيأتي حكمه، كما أنّ لبول الرضيع والرضيعة حكم خاص سيأتي. أما إذا أريد تطهير الحالة السابقة بماء الحنفية المتصل بالكرّ فلا حاجة الى سحب الماء أو إخراجه بالعصر أو بالضغط أو بالماكنة الكهربائية وأمثال ذلك، بل يطهر بمجرد استيلاء ماء الكرّ عليها.

يمكن تطهير الثوب أو الفراش أو الكاربت وأمثالها المتنجسة بشتى أنواع النجاسات، التي لها جرم - يخلّف أثراً عليها - كالدم والمني، بشرط زوال جرم النجاسة، إما بنفس الغسل وإما بسبب آخر قبله، وتختلف عنها في أنه إذا غسل بالماء القليل فإنّ ماء الغسلة التي تزيل عين النجاسة نجس، حسب الفتوى لا الاحتياط الوجوبي.

يمكن تطهير الفراش أو الملابس أو السجاد وأمثالها المتنجسة ببول الرضيع أو الرضيعة ما دام صغيراً لم يغذَّ بغير الحليب إلا نادراً، وذلك بصبِّ الماء عليها ـ حتى القليل منه فضلاً عن الكثير ـ مرة واحدة بمقدار ما يحيط بمكان البول، من دون حاجة على إخراج الماء بعصر أو ضغط أو سحب وأمثال ذلك.

يمكن تطهير الثوب المتنجس بالبول، وذلك بصبّ الماء القليل عليه من إبريق أو كأس أو نحوهما، حتى إذا استولى الماء على المكان المتنجس أخرج الماء بعصر ونحوه، ثم تعاد العملية مرة ثانية فيطهر.

ويحكم على الماء المسحوب بالمرتين السابقتين بالنجاسة على الأحوط وجوباً إذا لم يكن فيها عين البول، فإن كان فيها البول فماء الغسلة الأولى نجس حسب الفتوى.

أما إذا أريد تطهيره بماء الحنفية المتصل بالكرّ فلا بدّ من غسله مرتين كذلك، ولكن من دون حاجة الى إخراج الماء منه بعصر ونحوه، وكذا يجب الغسل مرتين لتطهير البدن إذا تنجس بالبول وإن غسل بماء الكر.

السؤال: إذا كان في ثوب بول وغسلناه بماء كثير (كرّ او فوق كرّ) هل تحكم على غسالته انها نجسة؟

الجواب: غسالة المغسول بالماء الكثير غير نجسة.

السؤال: كيف يطهر الرخام إذا تنجس بالبول وكان الماء قليلا؟

الجواب: يصب الماء عليه مرّة واحدة وتجمع الغُسالة بقطعة قماش ثم تطهّر القطعة.

السؤال: إذا بال الشخص على كرسي السيارة فكيف نطهر الكرسي من البول؟

الجواب: يمكن تطهيره بماء الكرّ حيث إنّ غُسالته طاهرة ويكفي الصب مرة واحدة بحيث يصل إلى جميع المواضع النجسة.

2022/01/18

لماذا لا تصرف أموال الأوقاف وعقاراتها على الفقراء؟

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

الإجابة المباشرة على هذا السؤال هو أن أموال الوقف تصرف على من أوقف لهم، فإن كانت العقارات التي أشار لها السائل موقوفة للفقراء فيجب صرف منفعتها عليهم، وإن كانت موقوفة لأمر اخر فلا يجوز صرفها على الفقراء.

[اشترك]

ولأن صيغة السؤال توحي بعدم معرفة السائل بمعنى الوقف ارتأينا توسيع الإجابة على هذا السؤال بذكر تعريف الوقف وفلسفته التشريعية للفائدة العامة.

أكثر التعاريف شيوعاً للوقف هو (حبس العين وتسبيل المنفعة)، وهو مصطلح فقهي يراد به نوع مخصوص من التصدق والتبرع في سبيل الخير، فيطلق على الصدقات التي لها استمرار وديمومة، حيث ينتفع بها الناس على امتداد أجيال متتالية، وإذا وقع الوقف من الواقف على النحو الصحيح تزول ملكيته عنه وعن ورثته وتتحول منفعته إلى من أوقف لهم، يقول السيد السيستاني في المسألة رقم (1274) المنشورة في الموقع الرسمي: "الوقف هو (تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة) واذا تمّ بشروطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف واصبح مما لا يوهب ولا يورث ولا يباع الا في موارد معينة يجوز فيها البيع" وقد بحث الفقهاء الوقف بشكل مفصل في كتبهم الفقهية، وقد انصبت جهودهم في بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بالوقف، مثل اركان الوقف وشروطه واقسامه، كما فصلوا في أنواع العين الموقوفة وعنوان الوقف بين العام والخاص، واحكام المتولي وشروط الضمان، وعشرات المسائل التي فصلت حدود الوقف واحكامه.

أما فلسفة الوقف وغاياته ومقاصده فهي لا تخرج في الجملة عن غايات الاحكام المالية الاخرى في الإسلام، إلا أن الوقف يمتاز بكونه يحقق تنمية مستدامة غير متوفرة في بقية التشريعات، كما أن الوقف يتيح المجال لتكوين مؤسسات مجتمع مدني تتداخل مع كل الحقول الاجتماعية، فهناك وقف للتعليم، ووقف اخر للصحة، وثالث لرعاية الفقراء، وهكذا تتسع مؤسسات الوقف باتساع حاجات المجتمع، ففلسفة الإسلام في ما يتعلق بالمجتمع يمكن تلخيصها في كلمة واحدة وهي بناء مجتمع صحيح ومتماسك، ومن هنا نجد أن التشريعات الإسلامية تعمل على تقوية الطبقات الضعيفة في المجتمع، فمثلاً وصى الإسلام بالأيتام والفقراء والمساكين، وخصهم بعشرات النصوص التي تستهدف تقويتهم والارتقاء بهم من أجل معالجة الاختلالات الاجتماعية، كما شدد على الاهتمام بحقوق العناصر المستضعفة في المجتمع مثل المرأة والأطفال وكبار السن. ومضافاً لذلك اوجد الإسلام تشريعات تهتم بمعالجة الامراض الاجتماعية مثل الطبقية والعنصريات القبلية وغيرها من العوامل المخربة للمجتمعات. وضمن هذا السياق يأتي الوقف كحكم شرعي يستوعب كل القيم الاجتماعية؛ لكونه يمتاز بالشمول والتكامل كما أن له القدرة على ملاحقة المتغيرات والعمل على ترميم كل الثغرات التي تحدثها التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وقد قدم الوقف خدمات كبيرة في التاريخ الإسلامي، فمثلاً التعليم في العالم الإسلامي قبل قيام الدول الحديثة كان يقوم في الأساس على الوقف، واكثر المراكز العلمية تعتمد بشكل أساسي على أموال الوقف، ومن الصور التاريخية المشرقة في مجال مساهمة الوقف في التعليم، هي أن المدارس أول ما أنشئت في المجتمع الإسلامي نشأت على الوقف، وكان يشمل الوقف على هذه المدارس إطعام الطلاب وإيوائهم وكسوتهم وعلاجهم، هذا مضافاً للأوقاف الخاصة برعاية الفقراء أو أبناء السبيل، كما كان للوقف دور فعال في القطاع الصحي، سواء كان من خلال النهوض بعلم الطب والصيدلة عن طريق ايقاف مكتبات مختصة بذلك، أو من خلال بناء المستشفيات وتجهيز العديد من المراكز الصحية المتنقلة لخدمة المرضى في السجون والأماكن النائية، وقد وجد في بغداد لوحدها سنة 1160م ما يربو على ستين مستشفى وفي قرطبة خمسين مستشفى، كما جاء في كتاب (أوقاف الرعاية الصحية) لأحمد عوف محمد عبد الرحمن ص 84. وذكر احمد الريسوني في كتابه (الوقف الإسلامي، مجالاته وأبعاده) ص 106، بأن المغرب عرف العديد من المستشفيات الوقفية في كل من فاس ومكناس ومراكش والرباط  وسلا وتازة، أبرزها مستشفى سيدي فرج بفاس الذي أسس عام 1286م واستمر العمل فيه إلى أواسط القرن العشرين، ومستشفى محمد الغازي بالرباط الذي كان مخصصا لعلاج المجانين والمختلين عقليا، كما وجدت إقامات حبسية خاصة لبعض أصناف المعاقين والمصابين ببعض الأمراض المعدية المستعصية آنذاك على العلاج؛ بل وجدت أوقاف خاصة لعلاج بعض الطيور كطائر اللقلاق، حيث كان يحمل إلى المستشفى إذا انكسر أو أصيب بأي أذى وتصرف لمن يضمده ويداويه ويطعمه.

كل ذلك يؤكد الدور الكبير الذي تقوم به شعيرة الوقف في المجتمعات الإسلامية، وقد سجل لنا التاريخ حجم الموارد الهائلة للوقف والتي تم تقديرها في مطلع القرن التاسع عشر بثلث الأراضي المزروعة في مصر وتركيا وسوريا وفلسطين والعراق والجزائر والمغرب، إلا أن اعتماد المجتمعات في الدول الحديث على الحكومات قلل من أهمية الوقف، كما أن سيطرة الدول على إدارات الأوقاف منعها من التفاعل الطبيعي مع حاجات المجتمع، ومن الضروري إعادة الوقف كمؤسسة فاعلة لتسد كل الفراغات التي تعاني منها مجتمعاتنا المعاصرة، وهناك الكثير من الأبحاث والدراسات المنشورة التي تتحدث بشكل مفصل عن ما يمكن أن يقوم به الوقف من حل لمشاكل الفقر والبطالة في المجتمعات العربية، غير أن الامر يحتاج إلى تحويل تلك الأبحاث والمقترحات إلى برامج عملية تعيد الوقف كثقافة فعالة في الامة.

2022/01/18

هل يجوز التقليد في العقائد؟

يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "المقلد وأحكامه" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف:

[اشترك]  

المقلد وأحكامه

السؤال: ما هو الواجب على المكلف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد؟

الجواب: يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد، أن يكون في جميع عباداته، ومعاملاته، وسائر أفعاله، وتروكه: مقلداً، أو محتاطاً، الا ان يحصل له العلم بأنه لا يلزم من فعله او تركه مخالفة لحكم الزامي ولو مثل حرمة التشريع، أو يكون الحكم من ضروريات الدين او المذهب ـ كما في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات ـ ويحصل له العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشيء العقلائية كالشياع وإخبار الخبير المطلع عليها بكونه منها.

السؤال: ما معنى التقليد؟

الجواب: يكفي فيه تطابق العمل مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة في حقه فعلاً مع احراز مطابقته لها ويكفي في البقاء على تقليد الميت الأعلم الالتزام بالعمل بفتاواه كلما عرضت مسألة.

السؤال: أرجو منكم إدلائي بمعلومات مفصلة حول التقليد لقلة معلوماتي في هذا الموضوع؟

الجواب: التقليد عملية طبيعية في حياة الإنسان وحقيقتها الرجوع إلى أهل الخبرة في كل فن لمن هو جاهل به، وتمشياً مع ذلك فقد أذنت الشريعة المقدسة لمن يجهل الأحكام الشرعية أن يرجع فيها إلى الخبير وهم المجتهدون في أحكام الله وبما أن السيرة جرت أيضاً في الملاكات الخطيرة جداً أن يراجع فيها الأكثر خبرة من الجميع في صورة الاختلاف فالشريعة أيضاً عينت رأي المجتهد الأعلم للعمل في صورة الاختلاف.

السؤال: هل التقليد يختص ببعض الأعمال كالخمس والزكاة والصلاة ونحوها ام انه يعمّ كل مناحي الحياة؟

الجواب: الفقيه يفتي في كل المسائل وعلى المقلد تقليده فيما هي محل الابتلاء بالنسبة اليه منها.

السؤال: ما هو رأيكم في أخذ أصول الدين تقليداً؟

الجواب: لابد أن تكون عقيدة المسلم في باب أصول الدين عن بصيرة ووعي فلا يمكن أن يقلد غيره فيها بمعنى أن يقبل قول غيره بها مجرد أنه يقول بها، ولكن إذا كان على يقين من العقائد الحقة وأظهر معتقده هذا وان لم يكن يقينه عن بصيرة فهو مسلم وتجري في حقه أحكام الإسلام.

السؤال: هل يجوز التقليد في العقائد؟

الجواب: لا يجوز التقليد في أصول الدين ولكن من اعتقد بها تقليداً وأظهر ذلك كان مؤمناً وترتبت عليه أحكام المؤمنين وبذلك يختلف عن أصحاب العقائد الأخرى.

السؤال: هل يجب إعلام الجاهل بضرورة التقليد في الأحكام الشرعية؟

الجواب: نعم لوجوب إرشاد الجاهل.

السؤال: ذكرتم وجوب التقليد في المستحبات، فهل يأتي بها المكلف بعنوان الاستحباب ام بعنوان رجاء المطلوبية؟ وهل يختلف الأمر بين ان تكون هذه المستحبات ممهورة منكم او واردة في الكتب الخاصة بنقل المستحبات؟

الجواب: انما يجب التقليد فيما يراد الإتيان به بعنوان الاستحباب وحينئذٍ لا يكفي وروده في بعض الكتب المعدة لذكر المستحبات إذا لم يحرز مطابقتها لفتاوي المجتهد الذي يكون قوله حجة في حق المكلف، واما الإتيان بما يحتمل استحبابه برجاء المطلوبية فلا يحتاج الى التقليد مع احراز عدم كونه محرماً.

السؤال: بعض النساء لا يميزن في أمور التقليد هل يكتفين في الرجوع الى قول من يرشدهن اليه؟

الجواب: نعم مع حصول الاطمئنان لهن بذلك.

السؤال: ما هو التقليد بالتبعيض وهل يجوز تقليد أكثر من مجتهد حيّ في نفس الوقت؟

الجواب: لا يجوز في المسائل الخلافية إذا كان أحدهم أعلم.

السؤال: هل يرى سماحتكم جواز التبعيض في التقليد؟

الجواب: نعم يجوز التبعيض بل يجب في خصوص ما إذا كان أحد المجتهدين أعلم في بعض الأبواب والآخر أعلم في البعض الآخر فيقلد كلاً فيما هو أعلم فيه، أما إذا كان أحدهما أعلم في جميع الأبواب فيتعين تقليده في جميع ما يخالف فتواه فتوى غيره، نعم في المجتهدين المتساويين في العلم مع عدم كون أحدهما أورع في مقام الإفتاء من الآخر يجوز للمكلف تطبيق أعماله على فتاوى أي منهما ولو مع التبعيض بشرط أن لا يحصل له علم إجمالي بالتكليف وإلا لزمه الاحتياط في مورده كما إذا أفتى أحدهما بوجوب القصر والآخر بوجوب التمام.

السؤال: هل يجوز للمسلم أن يقلد عالمين في نفس الوقت أحدهما للعبادات والآخر للمعاملات؟

الجواب: يجب تقليد الأعلم فان ثبت بشهادة أهل الخبرة والاستنباط المحيطين بمستويات من هم في شبهة الأعلمية في الأمور الدخيلة فيها ان أحدهما أعلم في باب العبادات والآخر أعلم في باب المعاملات تعين تقليد كل منهما فيما هو أعلم فيه.

السؤال: هل يجوز تغيير المقلّد؟

الجواب: لا يجوز مع فرض كونه هو الأعلم.

السؤال: في حالة تعذر الوصول الى المجتهد الأعلم بسبب تعارض شهادات أصحاب الخبرة فهل يجوز تقليد اي من المجتهدين الذي يتوقع ان تكون له الأعلمية؟

الجواب: يتخيّر المكلف في مثل ذلك بين أمور ثلاثة: الاحتياط والرجوع الى غير الأعلم مع رعاية التسلسل في الأعلمية وتأخير الواقع الى حين التمكن من السؤال.

السؤال: هل يجوز العدول عن تقليد عالم حي الى عالم آخر؟

الجواب: إذا كان التقليد بطريق صحيح شرعي فلا يجوز العدول الى آخر الا إذا أصبح أعلم من الأول.

السؤال: هل يجوز العدول عن الفقيه لآخر بدون سبب؟

الجواب: يجب إذا كان الثاني أعلم ولا يجوز إذا كان الأول أعلم وإذا تساويا تخيّر المكلف في تطبيق عمله على رأي أي منهما إلا في موارد العلم الاجمالي بالتكليف فإن الأحوط وجوباً الجمع.

السؤال: إذا لم أكن أعرف فتوى المجتهد الحي الأعلم في مسألة ما، فهل يمكنني الرجوع في تلك المسألة الى غيره من المجتهدين، ام يجب عليّ البحث لمعرفة فتوى المجتهد الحي الأعلم؟

الجواب: يجب استعلام فتوى الأعلم ولو لم يتيسّر جاز الرجوع الى مجتهد آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم.

السؤال: لماذا علينا أن نقلد؟

الجواب: ان رجوع الجاهل الى العالم ثابت بحكم العقل وسيرة العقلاء نظير رجوع المريض الى الطبيب.

السؤال: حجية التقليد لابد أن تنتهي الى الاجتهاد فما الحكم في تقليد العوام الذين لا يلتفتون الى ذلك فهم يقلدون تقليداً للآباء او العلماء؟

الجواب: أصل التقليد بمعنى رجوع الجاهل الى العالم أمر ارتكازي وعليه جرت سيرة العقلاء في الرجوع الى أهل الخبرة في جميع موارد الحاجة اليهم فإن كان من رجع اليه العامي واجداً لجميع الشروط المذكورة في الرسائل العملية فهو يقطع بحجية فتاواه لا عن تقليد وهذا المقدار يكفيه نعم ليس له تقليد الفاقد لبعض الشروط المحتملة دخالتها في الحجية الا إذا أفتى الواحد للجميع بعدم اعتبارها.

السؤال: إذا قلد شخص عالم غير أعلم هل أعماله باطلة أم أنه مأثوم فقط؟ وهل إذا عدل شخص عن عالم من دون أي سبب تبطل أعماله أو أنه فقط مأثوم؟ وهل يجب عليه الرجوع إلى من قلده؟ إذا لم يكن عنده سبب للعدول؟

الجواب: إذا كانت أعماله غير صحيحة على رأي الأعلم فلا يحكم بصحتها إلا إذا كان معذوراً في جهله وكان الخطأ في غير الأركان. إذا كان العدول إلى الأعلم فهو واجب وإذا كان إلى غير الأعلم فلا يجوز وإذا كان إلى المساوي فلا مانع منه إلا في موارد العلم الاجمالي بالتكليف فالأحوط الجمع.

السؤال: ما حكم أعمال المرأة التي لم تقلد؟

الجواب: ما كانت أعمالها مطابقة لفتوى من يجب التقليد فعلاً فلا تجب الإعادة بل لا تجب مطلقاً إذا كانت جاهلة قاصرة إلاّ إذا كانت قد أخلت بركن من أركان الواجب.

السؤال: إلى من نرجع في الفتاوى الاحتياطية؟

الجواب: إلى الأعلم بعد سماحة السيد ويعرف بمراجعة أهل الخبرة والاستنباط.

السؤال: هل الشياع حجة؟

الجواب: الحجة هو الاطمئنان الناشيء من المناشيء العقلائية مثل شهادة الخبير الذي يثق به.

السؤال: هل للإجماع حجية أم لا؟ وهل من الكتاب والسنة أم لا؟

الجواب: الأجماع على فرض حجيته انما هو لكشفه عن قول المعصوم فيكون من السنة.

السؤال: هل يجب على الابن أن يقلّد الفقيه الذي والده يقلّده او الابن مخيّر للفقيه الذي يريده؟

الجواب: الابن مختار في أمر تقليده.

السؤال: إذا لم يكن تقليده على الموازين المعتبرة فما حكم أعماله الماضية؟

الجواب: إذا تبين له صحة تقليده فلا إشكال وكذا إذا كانت مطابقة لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً.

السؤال: باعتبارنا طلبة علوم دينية فإننا متعرضون إلى الأسئلة عن بعض المسائل الشرعية ونحن لا نعلم أن السائل لمن يقلد فهل يجوز الإجابة بفتواكم؟

الجواب: نعم يجوز ما لم يعلم انه يقلد الغير فلا يجوز له ذلك ان يجيبه على طبق فتاوى السيد ـ دام ظله ـ إلا مع وجود قرينة في البين.

السؤال: سألني سائل عن مسألة وانا أعلم بأن رأي مقلده مخالف لفتوى مقلدي فهل يجوز لي إجابته بفتوى مقلدي وعلى افتراض عدم العلم بالمخالفة فما الحكم؟ وكذا لو كنت لا أعلم من يقلد؟

الجواب: إذا كانت إجابتك له على خلاف رأي مقلده يوجب وقوعه فيما يخالف وظيفته الشرعية لم يجز لك ذلك والا فلابأس بها وهكذا الحال في الصورتين الأخيرتين.

السؤال: طالب العلم إذا ذهب إلى الحج قد يصادف من يسأله عن بعض مسائله وقد يكون السائل مقلداً لغير من يقلده المسؤول وقد يرى المسؤول خطأ السائل في تقليده وقد لا يعرف رأي مرجعه وقد لا يكون السائل مقلداً لمرجع أصلاً فما هو تكليف طالب العلم في هذه الموارد؟

الجواب: إذا وجدت قرينة على أن السائل يطلب فتوى مقلده جاز له بيانها بنحو لا يستفاد منه تقريره على تقليده ان كان على خطأ فيه، وإن وجدت قرينة على أنه يطلب فتوى من تكون فتواه حجة في حقه باعتقاد المسؤول أجابه بمقتضى اعتقاده في ذلك، وفي الصورتين إذا لم يعلم الفتوى المطلوبة توقف عن الجواب، وإذا لم توجد قرينة على ما تقدم فله أن يجب بموجب فتوى من يرى حجية فتواه في حق السائل وليس له أن يجيب بموجب فتوى من يرى أن عمله بها يكون على خلاف وظيفته الشرعية إلا مع إقامة القرينة على ذلك.

السؤال: هل تجيزون لي العدول الى غيركم وانا اعتقد بأعلميتكم؟

الجواب: العدول في التقليد له مناشئه الشرعية ولا علاقة له بالإجازة بل يجب تقليد الأعلم الحي.

السؤال: هل يجب اتباع أحكام الفقيه؟

الجواب: رأي الفقيه العادل الجامع لشرائط الإفتاء المقبول لدى عامة الناس فيما يتوقف عليه نظام المجتمع نافذ يجب اتباعه.

السؤال: هل يمكن الاعتماد على الاتصالات الهاتفية والبريدية وغيرها للحصول على فتوى المرجع؟

الجواب: إذا كان طرف الاتصال ممن يوثق به فلا بأس بذلك.

السؤال: يوجد موقع في الإنترنت خاص بسماحتكم هل يمكن الاعتماد عليه في أخذ الفتوى؟

الجواب: الإجابات الصادرة من اللجنة الاستفتائية في المكتب معتمدة الا ما يظهر خطؤها والعصمة لأهلها.

السؤال: ما الفرق بين الجاهل المقصر والجاهل القاصر؟

الجواب: الجاهل القاصر هو المعذور في جهله والمقصر بخلافه، ومن الأول من اعتمد في تقليده على طريق شرعي تبين خطؤه لاحقاً ومن عمل بفتوى الفقيه الجامع للشرائط ثم عدل الفقيه عن فتواه للتنبه الى خطائها ومن اعتقد حلية محرّم اعتقاداً جازماً لكونه نشأ بعيداً عن الأجواء الدينية واما إذا كان اعتقاده بالحلية ناشئاً من تقصيره في التعلم من قبل فهو من قبيل الجاهل المقصّر.

2022/01/15

لمعرفة المرجع ’الأعلم’.. من هم ’أهل الخبرة’ لنسألهم؟
يعيد موقع "الأئمة الاثني عشر" نشر باقة من الاستفتاءات بشأن "أهل الخبرة" وذلك طبقاً لفتوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف: [اشترك] أهل الخبرة السؤال: كيف يتمكن البعيد عن الحوزة العلمية ان يعرف الأعلم لتقليده؟ الجواب: يلزمه الفحص عن أهل الخبرة في ذلك ولا يجب عليه مباشرة الفحص بل يجوز له أن يستنيب لذلك من يعرفه ويعتمد عليه ممن يتواجد في الحوزة العلمية فإذا عرف أهل الخبرة سأله وقلد من يعينه. السؤال: بما أنه لدينا مجال للاختيار بين العلماء الأعلم، فعلى أي أساس نختار؟ الجواب: عن طريق أهل الخبرة والاستنباط المحيطين ولو اجمالاً بمستويات من هم في شبهة الأعلمية ويمكن التعرف على هؤلاء بواسطة العلماء الثقات المنتشرين في البلاد وهم على اتصال مستمر بحاضرتي قم المقدسة والنجف الاشرف. السؤال: من هم أهل الخبرة؟ الجواب: هم المجتهدون ومن يدانيهم في العلم والفضيلة. السؤال: ما هو المناط في أهل الخبرة لتشخيص الاجتهاد او الأعلمية؟ الجواب: أهل الخبرة لتشخيص الاجتهاد هم المجتهدون او من يدانيهم في العلم، واما أهل الخبرة لتشخيص الأعلم فيشترط فيهم بالإضافة الى ذلك الاطلاع ـ ولو إجمالاً ـ على مستويات من هم في أطراف شبهة الأعلمية في الجوانب الثلاثة المذكورة في تعليقة العروة رقم ١٨ الجزء الأول ولابد للمكلف من احراز كون الشاهد من أهل الخبرة ليتسنى له الاعتماد على قوله. السؤال: كيف نعرف من هم أهل الخبرة لنسألهم عن المجتهد الأعلم؟ وكيف نصل اليهم لنسألهم ونحن بعيدون عن الحوزات العلمية، وعن الشرق كله؟ فهل من حلّ يسهل علينا الأمر فنعرف بواسطته من نقلد؟ الجواب: أهل الخبرة بالأعلمية هم المجتهدون ومن يدانيهم في العلم، المطّلعون على مستويات من هم في أطراف شبهة الأعلمية في أهم ما يلاحظ فيها، وهي أمور ثلاثة: * الأول: العلم بطرق إثبات صدور الرواية، والدخيل فيه: علم الرجال وعلم الحديث بما له من الشؤون كمعرفة الكتب، ومعرفة الرواية المدسوسة بالاطلاع على دواعي الوضع، ومعرفة النسخ المختلفة، تمييز الأصح عن غيره، والخلط الواقع أحياناً بين متن الحديث وكلام المصنفين ونحو ذلك. * الثاني: فهم المراد من النص بتشخيص القوانين العامة للمحاورة، وخصوص طريقة الأئمة عليهم السلام في بيان الأحكام، ولعلم الأصول والعلوم الأدبية والاطلاع على أقوال من عاصرهم من فقهاء العامة دخالة ثابتة في ذلك. * الثالث: استقامة النظر في مرحلة تفريع الفروع على الأصول، وطريق الإطلاع بعد البحث والمذاكرة معهم أو الرجوع الى مؤلفاتهم أو تقريرات محاضراتهم الفقهية والأصولية. والمكلف الباحث عن الأعلم إذا لم يمكنه التعرف على أهل الخبرة بنفسه، فيمكنه ـ بحسب الغالب ـ أن يتعرف عليهم عن طريق من يعرفه من رجال الدين وغيرهم من الموثوق بهم وبدرايتهم كما تقدم، والبعد المكاني لا يشكل عائقاً عن الاتصال بهم في هذا العصر الذي تتوفر فيه الكثير من وسائل الاتصال السهلة والسريعة. السؤال: هل يجب الرجوع الى أهل الخبرة في تعيين الأعلم في التقليد؟ الجواب: يجب الرجوع في تعيين الأعلم إلى الثقة من أهل الخبرة والاستنباط المطّلع ـ ولو إجمالاً ـ على مستويات من هم في أطراف شبهة الأعلمية في الأمور الدخيلة فيها، ولا يجوز الرجوع إلى من لا خبرة له بذلك. السؤال: ماذا نفعل لو اختلف أهل الخبرة في تعيين الفقيه الأعلم؟ الجواب: يؤخذ برأي الأقوى خبرة بحيث يصرف الريب والشك الى غيره. السؤال: هل ان أهل الخبرة يتساقطون عندما يتعارضون في شهادتهم؟ الجواب: مع المعارضة يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحد يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره. السؤال: تركن النفس أحياناً لمجتهد ما، فهل يكفي هذا في تقليده فيما لو اختلف أهل الخبرة في تشخيص المجتهد الأعلم؟ الجواب: إذا اختلف أهل الخبرة في تحديد الأعلم يلزم الأخذ بقول من هو الأكثر خبرة وكفاية منهم، كما هو الحكم في سائر موارد وقوع الاختلاف بين آراء أهل الخبرة. السؤال: إذا اختلف أهل الخبرة في تشخيص المجتهد الأعلم، أو قالوا بإجزاء تقليد عدد منهم، فهل يحق للمكلف أن يقلد مجتهداً في فتوى ما، ويقلد مجتهداً آخر في فتوى أخرى حتى يتضح له المجتهد الأعلم فيقلده؟ الجواب: لهذا السؤال فروض ثلاثة: * الفرض الأول: أن يعلن بعض أهل الخبرة بإجزاء تقليد واحد أو جماعة، وهذا لا يترتب عليه أي أثر شرعي. * الفرض الثاني: أن يعلنوا بتساوي رجلين أو أكثر في العلم والورع (بمعنى التثبت في استنباط الأحكام)، فالمكلف مخيّر حينئذ في تطبيق عمله على فتوى أي واحد منهم أو منهما في جميع المسائل، إلا أن الأحوط وجوباً في بعض المسائل هو الجمع بين فتاواهم مع الإمكان وذلك في مثل مسائل القصر والتمام. * الفرض الثالث: أن يعلن بعض أهل الخبرة بأعلمية أحد، ويعلن بعض آخر بأعلمية آخر، ولهذا حالتان: الحالة الأولى: أن يعلم المكلف بأن أحدهما أعلم، ولكنه لا يعرفه بالتحديد، وهذه حالة نادرة ولحكمه تفصيل في كتاب (منهاج الصالحين، مسألة ٩). الحالة الثانية: أن لا يعلم المكلف بأعلمية أحدهما، ومعنى ذلك أنه يحتمل تساويهما في العلم والورع، وفي ذلك يأتي حكم الفرض الثاني الذي مرّ ذكره. السؤال: يقول لنا الفقهاء يجب عليكم تقليد المجتهد الأعلم، وحين نسأل رجال الدين قربنا من هو المجتهد الأعلم؟ لا نحصل على جواب واضح قاطع لنقلد ونستريح، وحين نسألهم عن السبب يقولون لنا: نحن لسنا من أهل الخبرة ويضيفون: غير أنا سألنا عدداً من أهل الخبرة فقالوا لنا: إن تحديد المجتهد الأعلم يحتاج الى دراسة كتب الفقهاء المجتهدين حتى نستطيع تحديد المجتهد الأعلم من بينهم، وهذه عملية طويلة ومعقدة وصعبة، فسلوا غيرنا. فإذا كانت مشكلة تحديد المجتهد الأعلم معقدة في مراكز الدراسة الدينية، فكيف تكون المشكلة في الدول البعيدة عنها، كما في الدول الغربية وأمريكا، وإذا كنا بعد مكابدة نقنع الشاب والشابة بالإلتزام الشرعي بالواجبات والابتعاد عن المحرمات في بلدان كهذه حتى نوصلهم الى هذا السؤال، عمّن يقلدون، فيسألون، فإذا بهم لا يجدون جوابا فهل من حلّ لهذه المشكلة؟ الجواب: إذا كان بعض أهل الخبرة بالأعلمية يمتنع عن تعيين الأعلم ـ لسبب أو لآخر ـ فإن فيهم من لا يمتنع عن ذلك، ويمكن التعرف على هؤلاء عن طريق رجال الدين وغيرهم من الموثوق بهم وبدرايتهم ممن له صلة بالحوزات العلمية وبالعلماء المنتشرين في سائر البلدان، فتشخيص المجتهد الأعلم وإن لم يخل عن بعض الصعوبات، ولكن لا ينبغي أن يعدّ مشكلة معقدة. السؤال: هل يمكن لغير العالم الديني أن يشخص المجتهد أو المرجع الأعلم فيكون هو من أهل الخبرة في مسألة الاجتهاد والأعلمية؟ الجواب: لا يمكنه تشخيص المجتهد أو الأعلم ولكن يمكنه أن يسأل أهل الخبرة في ذلك وفي مثل ذلك إذا اطمأن الإنسان بتشخيصه لأهل الخبرة الذين يسألهم حول الموضوع جاز له الاعتماد على شهادة من يثق به منهم. السؤال: هل يعتبر في شهادة العدلين ان يكونا من أهل الخبرة؟ الجواب: يعتبر في شهادة العدلين ان يكونا من أهل الخبرة، وان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف، ولا يبعد ثبوتهما بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وان كان واحداً، ومع التعارض يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحدٍ يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره.
2022/01/13

لا تضربوا وجوه الدواب: لماذا أجاز الإسلام قتل الحيوانات ’غير المملوكة’؟!

ما العلة التي لأجلها أجاز الشارع قتل الحيوانات غير المملوكة؟

المبدأ العام هو تسخير الطبيعة بما فيها من دواب للإنسان، ولا يعني التسخير إباحة التصرف بشكل مطلق، وإنما بمقدار الحاجة بحسب تقدير العقلاء.

[اشترك]

وعلى ذلك لا وجود لحكم واحد يجيز قتل الحيوان البري بشكل مطلق، وإنما يتعدد الحكم بتعدد العناوين الموجبة للقتل، فإن كان قتله صيداً من أجل الطعام فهو مباح، بل قد يكون واجباً إذا توقفت حياة الإنسان عليه، أما إذا كان قتله تعدياً وعبثاً فهو حرام، لكونه مخالفاً لطبيعة تسخير الحيوان وولاية الإنسان عليه، فإن كان هذا التسخير سبباً في ظلم الحيوان بدون وجه حق تسقط ولاية للإنسان عليه، وإلا يصبح الإنسان مفسداً في الأرض وسبب في تخريب الطبيعة المستحفظ عليها، والحال نفسه ينطبق على الحيوانات البرية غير المأكولة للإنسان فلا يجوز أيضاً قتلها إلا إذا كان في وجودها ضرر على حياة الإنسان، فقد اوصت الروايات بجميع ذوات الأرواح، حيث أمرت بأن تسقي ذوات الأرواح إذا عطشت، حتى لو كانت من الهوام ومن غير مأكول اللحم، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة يعج إلى الله تعالى يقول: يا رب، إن هذا قتلني عبثاً، لم ينتفع بي، ولم يدعني فآكل من حشارة الأرض)، وعن جابر قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقتل شيء من الدواب صبراً)، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لعن الله من مثل بالحيوان) وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): أن أقذر الذنوب ثلاثة: قتل البهيمة، وحبس حق المرأة، ومنع الأجير حقه. وقد غرم أمير المؤمنين (عليه السلام) من فعل ذلك قيمته، وجلده جلدات، فقد روي: أنه قضى فيمن قتل دابة عبثاً، أو قطع شجراً، أو أفسد زرعاً، أو هدم بيتاً، أو عوَّر بئراً، أو نهراً، أن يغرم قيمة ما استهلك وأفسد، ويضرب جلدات نكالاً، وإن أخطأ ولم يتعمد ذلك، فعليه الغرم). وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تضربوا وجوه الدواب، وكل شيء فيه الروح فإنه يسبح بحمد الله)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: نهى رسول (صلى الله عليه وآله) عن إتيان الطير بالليل، وقال: إن الليل أمان لها)، وعن الأفلح قال سألت علي بن الحسين (عليه السلام) عن العصفور يفرخ في الدار، هل يؤخذ فراخه؟ فقال (عليه السلام): لا، إن الفرخ في وكره في ذمة الله ما لم يطر، ولو أن رجلاً رمى صيداً في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعاً فإنه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ، وذلك أن الفراخ ليس بصيد ما لم يطر، وإنما يؤخذ باليد، وإنما يكون صيداً إذا طار)

وفي المحصلة العلة التي أجاز فيها الشرع قتل الحيوان البري وغير المملوك أما أن يكون ذلك صيداً ضمن شروط حددها الشرع، وإما يكون لدفع ضرر على الإنسان، ولا يجوز قتله عبثاً بدون أي مبرر يقبله العقلاء. 

2022/01/12