فقهيات

أقسام فرعية

أقسام فرعية

منها ما هو ’غير ثابت’.. ماذا تعرف عن الأغسال المستحبة؟
قد ذكر الفقهاء (قدّس الله أسرارهم) كثيراً من الأغسال المستحبّة، ولكنّه لم يثبت استحباب جملة منها، والثابت منها ما يلي:

[اشترك]
1- غسل الجمعة، وهو من المستحبّات المؤكّدة. ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب، والأفضل الإتيان به قبل الزوال، والأحوط الأولى أن يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف إعواز الماء يوم الجمعة، وتستحبّ إعادته إذا وجد الماء فيه.
2-7- غسل الليلة الأولى، والليلة السابعة عشرة، والتاسعة عشرة، والحادية والعشرين، والثالثة والعشرين، والرابعة والعشرين من شهر رمضان المبارك.
8،9- غسل يوم العيدين الفطر والأضحى. ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والأفضل أن يؤتى به قبل صلاة العيد.
11،10- غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجّة الحرام. والأفضل في اليوم التاسع أن يؤتى به عند الزوال.
12- غسل الإحرام.
13- غسل دخول الحرم المكي.
14- غسل دخول مكة.
15- غسل زيارة الكعبة المشرّفة.
16 غسل دخول الكعبة المشرّفة.
17- غسل النحر والذبح.
18- غسل الحلق.
19- غسل دخول حرم المدينة المنوّرة.
20- غسل دخول المدينة المنوّرة.
21- غسل دخول مسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
22- الغسل لوداع قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
23- غسل المباهلة مع الخصم.
24- غسل صلاة الاستخارة.
25- غسل صلاة الاستسقاء.
26- غسل من مسّ الميّت بعد تغسيله.

وهذه الأغسال تجزئ عن الوضوء، وأمّا غيرها فيؤتى بها رجاءً، ولا بُدَّ معها من الوضوء، فنذكر جملة منها:


1- الغسل في ليالي الإفراد من شهر رمضان المبارك، وتمام ليالي العشرة الأخيرة.
2- غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.
3- غسل الرابع والعشرين من ذي الحجّة الحرام.
4- غسل يوم النيروز (أول أيّام الربيع).
5- غسل يوم النصف من شعبان.
6- الغسل في أوّل رجب وآخره ونصفه، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.
7- الغسل لزيارة كلّ واحد من المعصومين (عليهم السلام) من قريب أو بعيد.
8- غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/17

المتعة أو الزواج المنقطع.. ماذا تعرف عنه وما الدليل عليه؟
زواج المتعة أو الزواج المنقطع، هو زواج كالزواج الدائم من حيث احتياجه الى عقد زواج، ومهر معلوم وكون المرأة غير متزوجة فعلا حال العقد، ولزوم خلو رحمها من حمل سابق على العقد .

[اشترك]

والفرق بينه وبين الزواج الدائم، هو ذكر الأجل، وأن الزوجين لا يتوارثان إذا مات أحدهما.

أدلة زواج المتعة

والدليل عليه الكتاب والسنة وعمل الصحابة والتابعين وإجماع الأمة الإسلامية على ذلك، وإليك التفصيل.

اما الكتاب: فقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (النساء 25).

وهذه الآية المباركة لم تنسخ الى أن توفي رسول الله صلى الله عليه واله، ولا دليل على نسخها كما شهد بذلك جملة من علماء الإسلام.

وأما السنة فروايات كثيرة سأذكر بعضا منها على سبيل المثال:

ففي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (ع) عن المتعة، فقال: نزلت في القرآن " فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة فلا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. (الكافي الكليني 5/ 644)

وروى البخاري قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِى بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ . (صحيح البخارى 15/ 4).

وروى الطبري في تفسيره قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ , فَهَذِهِ الْمُتْعَةُ؛ الرَّجُلُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِشَرْطٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى , وَيَشْهَدُ شَاهِدَيْنِ , وَيَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا , وَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ وَهِيَ مِنْهُ بَرِيَّةٌ , وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ مَا فِي رَحِمِهَا , وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ , لَيْسَ يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ "( تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/ 586).

قال السيد الخوئي رحمه الله (وقد أجمعت الشيعة الإمامية على بقاء حلية المتعة وأن الآية المباركة لم تنسخ ، و وافقهم على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ، قال ابن حزم: ثبت على إباحتها - المتعة - بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ابن مسعود ، ومعاوية ، وأبو سعيد، وابن عباس ، وسلمة ، ومعبد ابنا أمية بن خلف ، وجابر ، وعمرو بن حريث، ورواه جابر عن جميع الصحابة : " مدة رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر " ثم قال : " ومن التابعين طاووس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء وسائر فقهاء مكة ".

ونسب شيخ الاسلام المرغيناني القول بجواز المتعة إلى مالك ، مستدلا عليه بقوله : " لانه - نكاح المتعة - كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه " ونسب ابن كثير جوازها إلى أحمد بن حنبل عند الضرورة في رواية  وقد تزوج ابن جريح أحد الاعلام وفقيه مكة في زمنه سبعين امرأة بنكاح المتعة). (البيان في تفسير القرآن ص: 209)

2022/11/16

2022/11/15

أموات لا يغسّلون!
أحكام الميت وغسله: (مسألة 90): الأحوط وجوباً توجيه المؤمن - ومن بحكمه - حال احتضاره إلى القبلة، بأن يوضع على قفاه وتمدّ رجلاه نحوها بحيث لو جلس كان وجهه تجاهها، والأحوط الأولى للمحتضر نفسه أن يفعل ذلك إن أمكنه.

[اشترك]

ولا يعتبر في توجيه غير الوليّ إذن الوليّ إن علم رضا المحتضر نفسه بذلك ما لم يكن قاصراً، وإلّا اعتبر إذنه على الأحوط وجوباً.

ولا فرق في الميّت بين الرجل والمرأة والكبير والصغير.

ويستحبّ الإسراع في تجهيزه، إلّا أن يشتبه أمر موته فإنّه يجب التأخير حينئذٍ حتّى يتبيّن موته.

(مسألة 91): يجب تغسيل الميّت وسائر ما يتعلّق بتجهيزه من الواجبات التي يأتي بيانها على وليّه، فعليه التصدّي لها مباشرة أو تسبيباً، ويسقط مع قيام غيره بها بإذنه، بل مطلقاً في الدفن ونحوه. نعم، مع فقدان الوليّ يجب تجهيز الميّت على سائر المكلّفين كفاية، وكذا مع امتناعه عن القيام به بأحد الوجهين، ويسقط اعتبار إذنه حينئذٍ.

ويختصّ وجوب التغسيل بالميّت المسلم ومن بحكمه كأطفال المسلمين ومجانينهم، ويستثنى من ذلك صنفان:

1- من قُتل رجماً أو قصاصاً بأمر الإمام (عليه السلام) أو نائبه، فإنّه يغتسل - والأحوط وجوباً أن يكون غسله كغسل الميّت الآتي تفصيله - ثُمَّ يحنّط ويكفّن كتكفين الميّت، ثُمَّ يُقتل فيُصلّى عليه ويدفن بلا تغسيل.

2- من قُتل في الجهاد مع الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ، أو في الدفاع عن الإسلام. ويشترط أنْ لا تكون فيه بقيّة حياة حين يدركه المسلمون، وإن أدركوه وبه رمق وجب تغسيله.

(مسألة 92): إذا أوصى الميّت بتغسيله أو بسائر ما يتعلّق به من التكفين والصلاة عليه والدفن إلى شخص خاصّ فهو أولى به من غيره.

ومع عدم الوصيّة فالزوج أولى بزوجته، وأمّا في غير الزوجة فالأولى بميراث الميّت من أقربائه - حسب طبقات الإرث - أولى بأحكامه من غيره، والذكور في كلّ طبقة أولى من الإناث. وفي تقديم الأب على الأولاد، والجدّ على الأخ، والأخ من الأبوين على الأخ من أحدهما، والأخ من الأب على الأخ من الأمّ، والعمّ على الخال إشكال، فالأحوط وجوباً الاستئذان من الطرفين في ذلك.

ولا ولاية للقاصر، ولا للغائب الذي لا يتيسّر إعلامه وتصدّيه لتجهيز الميّت بأحد الوجهين مباشرة أو تسبيباً. وإذا لم يكن للميّت وارث غير الإمام فالأحوط الأولى الاستئذان من الحاكم الشرعي في تجهيزه، وإن لم يتيسّر الحاكم فمن بعض عدول المؤمنين.

(مسألة 93): يجب تغسيل السقط وتحنيطه وتكفينه إذا تمّت له أربعة أشهر، بل وإن لم تتمّ له ذلك إذا كان مستوي الخلقة على الأحوط لزوماً. ولا تجب الصلاة عليه كما أنّها لا تستحبّ. وإذا لم تتمّ له أربعة أشهر ولم يكن مستوي الخلقة فالأحوط وجوباً أن يلّف في خرقة ويدفن.

(مسألة 94): يحرم النظر إلى عورة الميّت ومسّها كما يحرم النظر إلى عورة الحيّ ومسّها، ولكنّ الغسل لا يبطل بذلك.

(مسألة 95): يعتبر في غسل الميّت إزالة عين النجاسة عن بدنه، ولكن لا يعتبر إزالتها عن جميع جسده قبل أن يشرع في الغسل بل يكفي إزالتها عن كلّ عضو قبل الشروع فيه. ويستحبّ أن يوضع الميّت مستقبل القبلة حال الغسل كالمحتضر.

شروط المغسل

يعتبر في من يباشر غسل الميّت أن يكون عاقلاً مسلماً بل ومؤمناً أيضاً على الأحوط وجوباً، ولا يعتبر أن يكون بالغاً، فيكفي تغسيل الصبيّ المميّز إذا أتى به على الوجه الصحيح.

ويعتبر في المُغسِّل أيضاً أن يكون مماثلاً للميّت في الذكورة والأنوثة، ويستثنى من ذلك موارد:

1- الزوج والزوجة، فيجوز لكلّ منهما تغسيل الآخر اختياراً، سواء أكان مجرّداً أم من وراء الثياب، وسواء وجد المماثل أم لا.

2- الطفل غير المميّز، والأحوط استحباباً أن لا يزيد سنُّه على ثلاث سنين، فيجوز حينئذٍ للذكر والأنثى تغسيله، سواء أكان ذكراً أم أنثى.

3- المَحْرَم، أي كلّ من يحرم عليه نكاحه مؤبّداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة - دون المحرّم بغيرها كالزنا واللواط واللعان -، فيجوز له أن يغسّل مَحْرَمه غير المماثل. والأولى أن يكون التغسيل حينئذٍ من وراء الثوب، هذا إذا لم يوجد المماثل، وإن وجد فالأحوط وجوباً أن لا يتصدّى المَحْرَم غير المماثل للتغسيل.

(مسألة 96): إذا غسَّل المسلم غير الاثني عشري من يوافقه في المذهب لم يجب على الاثني عشري إعادة تغسيله إلّا أن يكون وليّه. وإذا غسله الاثنا عشري وجب عليه أن يغسّله على الطريقة الاثنا عشرية في غير موارد التقيّة.

(مسألة 97): إذا لم يوجد مسلم اثنا عشري مماثل للميّت أو مَحْرَم له جاز أن يغسّله المسلم المماثل غير الاثنا عشري. وإن لم يوجد هذا أيضاً جاز أن يغسّله الكافر الكتابي المماثل بأن يغتسل هو أوّلاً ثُمَّ يغسّل الميّت ثانياً. وإن لم يوجد المماثل حتّى الكتابي سقط وجوب الغسل ودفن بلا غسل.

كيفية تغسيل الميت

يجب تغسيل الميّت على الترتيب الآتي:

1- بالماء المخلوط بالسدر.

2- بالماء المخلوط بالكافور.

3- بالماء القراح (الخالص).

ولا بُدَّ من أن يكون الغسل ترتيبيّاً بأن يغسل الرأس والرقبة ثُمَّ الطرف الأيمن ثُمَّ الطرف الأيسر، ولا يكفي الارتماسي مع التمكّن من الترتيبي على الأحوط.

وإذا كان الميّت مُحْرِماً لا يجعل الكافور في ماء غسله، إلّا الحاج إذا مات بعد الفراغ من المناسك التي يحلّ له الطيب بعدها.

(مسألة 98): السدر والكافور لا بُدَّ من أن يكونا بمقدار يصدق معه عرفاً أن الماء مخلوط بهما، ويعتبر أن لا يكونا في الكثرة بحدّ يخرج معه الماء من الإطلاق إلى الإضافة.

(مسألة 99): إذا لم يوجد السدر أو الكافور أو كلاهما فالأحوط وجوباً أن يغسّل حينئذٍ بالماء القراح بدلاً عن الغسل بما هو المفقود منهما قاصداً به البدليّة عنه مراعياً للترتيب بالنيّة، ويضاف إلى ذلك تيمّم واحد أيضاً.

وإذا لم يوجد الماء القراح، فإن تيسّر ماء السدر أو الكافور فالأحوط وجوباً أن يغسّل به بدلاً عن الغسل بالماء القراح ويضمّ إليه التيمّم، وإلّا اكْتُفِي بالتيمّم.

(مسألة 100): إذا كان عنده من الماء ما يكفي لغسل واحد فقط فإن لم يوجد السدر والكافور غسل بالماء القراح وضمّ إليه تيمّم واحد على الأحوط وجوباً، وإن وجد السدر مع الكافور أو بدونه يغسّل الميّت بماء السدر ثُمَّ يُيَمَّم مرّة واحدة على الأحوط وجوباً، وإن وجد الكافور فقط غسّل بماء الكافور وضمّ إليه تيمّم واحد أيضاً على الأحوط وجوباً.

(مسألة 101): إذا لم يوجد الماء أصلاً يُيَمّم الميّت بدلاً عن الغسل، ويكفي تيمّم واحد، وإن كان الأحوط الأولى أن يُيَمّم ثلاث مرّات، ويقصد فيها البدليّة عن الأغسال الثلاثة على الترتيب المعتبر فيها.

(مسألة 102): إذا كان الميّت جريحاً أو محروقاً أو مجدوراً وخيف من تناثر لحمه إذا غسل وجب أن يُيَمّم، ويعتبر أن يكون التيمّم بيد الحيّ، والأحوط استحباباً مع التمكّن الجمع بينه وبين التيمّم بيد الميّت.

(مسألة 103): يجوز تغسيل الميّت من وراء الثوب وإن كان المغسل مماثلاً له، بل لا يبعد أن يكون ذلك أفضل من تغسيله مجرّداً مستور العورة حتّى في الزوج والزوجة والمَحْرَم.

(مسألة 104): يعتبر في غسل الميّت طهارة الماء وإباحته وإباحة السدر والكافور.

ولا يعتبر إباحة الفضاء الذي يشغله الغسل وظرف الماء، ولا مجرى الغُسالة ولا السدة التي يُغسّل عليها، هذا مع عدم الانحصار، وأمّا معه فيسقط الغسل ويُيَمَّم الميّت، لكن إذا غسّل صحّ الغسل.

(مسألة 105): يعتبر قصد القربة في التغسيل. ولا يجوز أخذ الأجرة عليه على الأحوط وجوباً، ولا بأس بأخذ الأجرة على المقدّمات كبذل الماء ونحوه ممّا لا يجب بذله مجّاناً.

(مسألة 106): إذا تنجّس بدن الميّت أثناء الغسل أو بعده بنجاسة خارجيّة أو من الميّت لم تجب إعادة الغسل، بل وجب تطهير الموضع إذا أمكن بلا مشقّة ولا هتك ولو كان ذلك بعد وضعه في القبر على الأحوط وجوباً.

تكفين الميت

يجب تكفين الميّت المسلم بقطعات ثلاث: مئزر، وقميص، وإزار.

والأحوط وجوباً في المئزر أن يكون من السرّة إلى الركبة، والأفضل أن يكون من الصدر إلى القدم.

والأحوط وجوباً في القميص أن يكون من المنكبين إلى النصف من الساقين، والأفضل أن يكون إلى القدمين.

والواجب في الإزار أن يغطّي جميع البدن، والأحوط وجوباً أن يكون طولاً بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه، وعرضاً بحيث يقع أحد جانبيه على الآخر.

ويعتبر أن يكون الكفن ساتراً لما تحته، ويكفي حصول الستر بالمجموع، وإن كان الأحوط استحباباً في كلّ قطعة أن يكون وحده ساتراً لما تحته.

وإذا لم تتيسّر القطعات الثلاث اقتصر في تكفين الميّت بما يتمكّن منها.

(مسألة 107): إذا لم يكن للميّت تركة بمقدار الكفن لم يدفن عارياً، بل على المسلمين بذل كفنه على الأحوط وجوباً، ويجوز احتسابه من الزكاة.

(مسألة 108): يخرج المقدار الواجب من الكفن وكذا الزائد عليه من المستحبّات المتعارفة ولا سيّما اللازمة بالنسبة إلى مثله من أصل التركة، وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها وأجرة حمل الميّت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك ممّا يصرف في أي عمل من واجبات الميّت، فإنّ كلّ ذلك يخرج من أصل التركة وإن كان الميّت مديوناً أو كانت له وصيّة، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرّع بشيء من ذلك وإلّا لم يخرج من التركة.

وأمّا ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز إخراجه من الأصل، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فإنّه لا يجوز أن يخرج من الأصل إلّا ما هو المتعارف بحسب القيمة، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميّت لا يحتاج إلى بذل مال وفي البعض الآخر يحتاج إليه قدّم الأوّل. نعم، يجوز إخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصيّة الميّت به أو وصيّته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلّاً أو بعضاً، كما يجوز إخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم، دون القاصرين إلّا مع إذن الوليّ على تقدير وجود مصلحة تسوّغ له ذلك.

(مسألة 109): كفن الزوجة على زوجها حتّى مع يسارها أو كونها منقطعة أو ناشزة، هذا إذا لم يتبرّع غير الزوج بالكفن وإلّا سقط عنه، وكذلك إذا أوصت به من مالها وعمل بالوصيّة، أو تقارن موتها مع موته، أو كان البذل حرجيّاً على الزوج، فلو توقّف على الاستقراض أو فكّ ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعيّن ذلك، وإلّا لم يجب.

(مسألة 110): يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير، ولكن يلزم أن يكون ذلك بنحو لا يتنجّس موضع الكتابة بالدم أو غيره من النجاسات، كأن يكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميّت، ويجوز أن يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

شروط الكفن

يعتبر في الكفن أمور:

1- الإباحة.

2- الطهارة، بأن لا يكون نجساً ولا متنجّساً.

3- أن لا يكون من الحرير الخالص، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط أن يكون حريره أقلّ من خليطه. والأحوط وجوباً أن لا يكون الكفن مُذهّباً، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا من جلد الميتة وإن كان طاهراً. ولا بأس أن يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم، بل لا بأس أن يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً.

وكل هذه الشروط - غير الإباحة - يختصّ بحال الاختيار ويسقط في حال الضرورة، فلو انحصر الكفن في الحرام دُفن عارياً، ولو انحصر في غيره من الأنواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كُفِّن به، فإذا انحصر في واحد منها تعيّن، وإذا تعدّد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجّس وتكفينه بالنجس قدّم الأوّل، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجّس وبين الحرير قدّم الثاني، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدّم الغير، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهّب والتكفين بأجزاء ما لا يؤكل لحمه تخيّر بينهما، وإن كان الاحتياط بالجمع حسناً.

(مسألة 111): الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه، إلّا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

(مسألة 112): يستحبّ وضع جريدتين خضراوين مع الميّت، وينبغي أن تكونا من النخل، فإن لم يتيسّر فمن السدر أو الرمان، وإن لم يتيسّرا فمن الخلاف (الصَّفْصَاف). والأولى في كيفيّته جعل إحداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والإزار.

الحنوط

يجب تحنيط الميّت المسلم، وهو: إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته، ويكفي فيه وضع المسمّى.

ويشترط فيه إباحته، فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكّن من الكافور المباح، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجّس بدن الميّت على الأحوط وجوباً. والأفضل أن يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل، ويستحبّ خلطه بقليل من التربة الحسينيّة، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

(مسألة 113): الأحوط الأولى أن يكون الإمساس بالكف، وأن يبتدئ من الجبهة، ولا ترتيب في سائر الأعضاء. ويجوز أن يباشر التحنيط الصبيّ المميّز، بل وغيره أيضاً.

(مسألة 114): يسقط التحنيط فيما إذا مات الميّت في إحرام العمرة أو الحجّ، فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب. نعم، إذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحلّ له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

(مسألة 115): وجوب التحنيط كوجوب التغسيل، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

الصلاة على الميت

تجب الصلاة على كلّ مسلم ميّت وإن كان فاسقاً، ووجوبها كوجوب التغسيل، وقد مرّ في المسألة (91).

(مسألة 116): لا تجب الصلاة على أطفال المسلمين إلّا من عقل منهم الصلاة، ومع الشكّ في ذلك فالعبرة ببلوغه ستّ سنين. وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة إشكال، والأحوط وجوباً عدم الإتيان بها إلّا رجاءً.

(مسألة 117): تصحّ الصلاة على الميّت من الصبيّ المميّز، وتجزئ عن البالغين.

(مسألة 118): يجب تقديم الصلاة على الدفن، إلّا أنّه إذا دفن قبل أن يُصلّى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز أن ينبش قبره للصلاة عليه، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر، فالأحوط وجوباً الإتيان بها رجاءً.

كيفية صلاة الميت

يجب في الصلاة على الميّت خمس تكبيرات، والدعاء للميّت عقيب إحدى التكبيرات الأربع الأُوَل، وأمّا الثلاثة الباقية فيتخيّر فيها بين الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والشهادتين والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى، ولكنّ الأحوط استحباباً أن يكبّر أوّلاً ويتشهد الشهادتين، ثُمَّ يكبّر ثانياً ويصلّي على النبيّ وآله، ثُمَّ يكبّر ثالثاً ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ثُمَّ يكبّر رابعاً ويدعو للميت، ثُمَّ يكبّر خامساً وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، أَرْسَلَهُ بِالحَقِّ بَشِيْراً وَنَذِيْراً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ».

وبعد التكبيرة الثانية: «اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيْمَ وَآلِ إِبْرَاهِيْمَ، إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَصَلِّ عَلَىٰ جَمِيْعِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِيْنَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيْقِيْنَ وَجَمِيْعِ عِبَادِ الله الصَّالِحِيْنَ».

وبعد التكبيرة الثالثة: «اللّٰهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالمُسْلِمِيْنَ وَالمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، تَابِعِ اللّٰهُمَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالخَيْرَاتِ، إِنَّكَ مُجِيْبُ الدَّعَوَاتِ، إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٍ».

وبعد الرابعة: «اللّٰهُمَّ إِنَّ هَذَا المُسَجَّىٰ قُدَّامَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُوْلٍ بِهِ، اللّٰهُمَّ إِنَّا لَا نَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا خَيْرَاً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللّٰهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنَاً فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيْئَاً فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِه وَاغْفِرْ لَهْ، اللّٰهُمَّ اجْعَلْهُ عِنْدَكَ فِي أَعْلَىٰ عِلِّيِّيْنَ وَاخْلُفْ عَلَىٰ أَهْلِهِ فِي الغَابِرِيْنَ وَارْحَمْهُ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ»، ثُمَّ يكبّر وبها تتمّ الصلاة.

ولا بُدَّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميّت. وتختصّ هذه الكيفيّة بما إذا كان الميّت مؤمناً بالغاً، وفي الصلاة على أطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة: «اللّٰهُمَّ اجْعَلْهُ لِأَبَوَيْهِ وَلَنَا سَلَفَاً وَفَرَطَاً وَأَجْرَاً».

(مسألة 119): يعتبر في صلاة الميّت أمور:

1- أن تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين، وإلّا بطلت ولا بُدَّ من إعادتها. وإذا تعذّر غسل الميّت أو التيمّم بدلاً عنه - وكذلك التكفين والتحنيط - لم تسقط الصلاة عليه.

2- النيّة، بأن يقصد بها القربة مع تعيين الميّت على نحو يرفع الإبهام.

3- القيام مع القدرة عليه.

4- أن يكون رأس الميّت على يمين المصلّي.

5- أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

6- استقبال المصلّي للقبلة حال الاختيار.

7- أن يكون الميّت أمام المصلّي.

8- أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه، ولا يضرّ الستر بمثل النعش أو ميّت آخر.

9- الموالاة بين التكبيرات والأذكار، بأن لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

10- أن لا يكون بين الميّت والمصلّي بُعدٌ مفرط، إلّا مع اتّصال الصفوف في الصلاة جماعة أو مع تعدّد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

11- أن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علوّاً مفرطاً.

12- أن يكون الميّت مستور العورة - إذا تعذّر الكفن - ولو بحجر أو لَبِنَة.

دفن الميت

يجب دفن الميّت المسلم ومن بحكمه، ووجوبه كوجوب التغسيل، وقد مرّ في المسألة (91).

وكيفيّة الدفن: أن يوارى في حفيرة في الأرض، فلا يجزئ البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يُؤْمَن على جسده من السباع وإيذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته، ولكنّ الأحوط استحباباً أن تكون الحفيرة بنفسها على كيفيّة تمنع من انتشار رائحة الميّت ووصول السباع إلى جسده. ويجب أن يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجّهاً وجهه إلى القبلة.

(مسألة 120): يجب دفن الجزء المبان من الميّت وإن كان شعراً أو سنّاً أو ظفراً على الأحوط وجوباً. نعم، لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

(مسألة 121): من مات في السفينة ولم يمكن دفنه في البر ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك، يغسّل ويكفّن ويحنّط ويُصلّى عليه، ثُمَّ يوضع في خابية ونحوها ويشدّ رأسها باستحكام، أو يشدّ برجله ما يثقله من حجر أو حديد، ثُمَّ يلقى في البحر. والأحوط استحباباً اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان، وكذلك الحال في ميّت خيف عليه من أن يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

(مسألة 122): لا يجوز دفن الميّت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفّار. ولا يجوز دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

(مسألة 123): يعتبر في موضع الدفن الإباحة، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب، أو فيما وقف لجهة خاصّة - كالمدارس والحسينيّات ونحوهما - وإن لم يكن مضرّاً بالوقف أو مزاحماً لجهته على الأحوط وجوباً.

(مسألة 124): إذا دفن الميّت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره وإخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه، إلّا في بعض الموارد المذكورة في «العروة الوثقى» وتعليقتنا عليها.

(مسألة 125): إذا دفن الميّت بلا غسل أو كفن أو حنوط مع التمكّن منها وجب إخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط أن لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته، وإلّا ففيه إشكال.

(مسألة 126): لا يجوز نبش قبر المسلم إلّا في موارد خاصّة تقدّم بعضها، ومنها ما لو أوصى الميّت بنقله إلى المشاهد المشرفة فدُفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها، فإنّه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر. وأمّا لو أوصى بنبش قبره ونقله بعد مدّة إلى الأماكن المشرفة ففي صحّة وصيّته إشكال.

(مسألة 127): إذا كان الموجود من الميّت يصدق عليه عرفاً أنّه بدن الميّت كما لو كان مقطوع الأطراف (الرأس واليدين والرجلين) كلّاً أو بعضاً، أو كان الموجود جميع عظامه مجرّدة عن اللحم أو معظمها بشرط أن تكون من ضمنها عظام صدره، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه، وكذا ما يتقدّمها من التغسيل والتحنيط إن وجد بعض مساجده، والتكفين بالإزار والقميص بل وبالمئزر أيضاً إن وجد بعض ما يجب ستره به.

وإذا كان الموجود من الميّت لا يصدق عليه أنّه بدنه بل بعض بدنه، فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن - أي الصدر وما يوازيه من الظهر - سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه وكذا التغسيل والتكفين بالإزار والقميص وبالمئزر إن كان محلّه موجوداً - ولو بعضاً - على الأحوط وجوباً، ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على الأحوط وجوباً. ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على الأحوط وجوباً.

وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميّت كأن وجدت أطرافه كلّاً أو بعضاً مجرّدة عن اللحم أو معه، أو وجد بعض عظامه - ولو كان فيها بعض عظام الصدر - فلا يجب الصلاة عليه، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه.

وإن وجد منه شيء لا يشتمل على العظم - ولو كان فيه القلب - لم يجب فيه أيضاً شيء ممّا تقدّم عدا الدفن، والأحوط وجوباً أن يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

صلاة ليلة الدفن

روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «لَا يَأْتِيْ عَلَىٰ المَيِّتِ سَاعَةٌ أَشَدُّ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ، فَارْحَمُوْا مَوْتَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، فِإِنْ لَمْ تَجِدُوْا فَلْيُصَلِّ أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِيْ الأُوْلَى فَاتِحَةَ الكِتَابِ مَرَّةً وَآيَةَ الكُرْسِيِّ مَرَّةً وَ«قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» مَرَّتَيْنِ، وَفِيْ الثَّانِيَةِ فَاتِحَةَ الكِتَابِ مَرَّةً وَ«أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ» عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَيُسَلِّمْ وَيَقُوْلُ: اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَابْعَثْ ثَوَابَهُمَا إِلَىٰ قَبْرِ ذَلِٰكَ المَيِّتِ فُلَانِ بْنِ فُلَان...».

وفي رواية أخرى أنّه يقرأ في الأولى الحمد وآية الكرسي، وفي الثانية الحمد والقدر عشر مرّات.

غسل مسّ الميت

يجب الغسل على من مسّ الميّت بعد برده وقبل إتمام غُسْلِه، ولا فرق بين أن يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها، كما لا فرق في الممسوس والماسّ بين أن يكون ممّا تحلّه الحياة وما لا تحلّه كالسنّ والظفر. نعم، لا يبعد عدم العبرة بالشعر سواء كان ماسّاً أم ممسوساً.

ولا يختصّ الوجوب بما إذا كان الميّت مسلماً، فيجب في مسّ الميّت الكافر أيضاً، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد أو دفاع عن الإسلام، أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على الأحوط وجوباً فيهما.

(مسألة 128): يجوز لمن عليه غسل المسّ دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم. نعم، لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها ممّا لا يجوز للمحدث، ولا يصحّ له كلّ عمل مشروط بالطهارة كالصلاة إلّا بالغسل، والأحوط استحباباً ضمّ الوضوء إليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

(مسألة 129): لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميّت أو الحيّ وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً، وإن كان الغسل أحوط استحباباً.

(مسألة 130): إذا يُمِّمَ الميّت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/15

دم تراه المرأة غير الحيض والنفاس: الاستحاضة.. هذه تفاصيلها
الاستحاضة هي: الدم الذي تراه المرأة حسب ما يقتضيه طبعها غير الحيض والنفاس، فكلّ دم لا يكون حيضاً ولا نفاساً ولا يكون من دم البكارة أو القروح أو الجروح فهو استحاضة.

[اشترك]

والغالب في الاستحاضة أن يكون على خلاف ما ذكرناه للحيض من الصفة، ولا حدّ لأقلّه ولا لأكثره، ولا للطهر المتخلّل بين أفراده، ولا يتحقّق قبل البلوغ، وفي تحقّقه بعد الستّين إشكال، فالأحوط وجوباً العمل معه بوظائف المستحاضة.

أقسام الاستحاضة وأحكامها

الاستحاضة على ثلاثة أقسام: كثيرة، ومتوسّطة، وقليلة.

الكثيرة هي: أن يغمس الدم القطنة التي تحملها المرأة ويتجاوزها إلى الخرقة ويلوّثها.

والمتوسّطة هي: أن يغمسها الدم ولا يتجاوزها إلى الخرقة التي فوقها.

والقليلة هي: أن تتلوّث القطنة بالدم ولا يغمسها.

(مسألة 79): يجب على المرأة في الاستحاضة الكثيرة ثلاثة أغسال:

غسل لصلاة الصبح، وغسل للظهرين تجمع بينهما، وغسل للعشاءين كذلك. ويجوز لها التفريق بين الظهرين أو العشاءين، ويجب عليها حينئذٍ الغسل لكلّ صلاة، والأحوط الأولى أن تتوضّأ قبل كلّ غسل.

هذا كلّه إذا كان الدم صبيباً لا ينقطع بروزه على القطنة، وأمّا إذا كان بروزه عليها متقطّعاً بحيث تتمكّن من الاغتسال والإتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم عليها مرّة أخرى فالأحوط وجوباً الاغتسال عند بروز الدم، وعلى ذلك فلو اغتسلت وصلّت ثُمَّ برز الدم على القطنة قبل الصلاة الثانية وجب عليها الاغتسال لها، ولو برز الدم في أثنائها أعادت الصلاة بعد الاغتسال، وليس لها الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، ولو كان الفصل بين البروزين بمقدار تتمكّن فيه من الإتيان بصلاتين أو عدّة صلوات كان لها ذلك من دون حاجة إلى تجديد الغسل.

(مسألة 80): يجب على المرأة في الاستحاضة المتوسّطة أن تتوضّأ لكلّ صلاة، والأحوط وجوباً أن تغتسل كلّ يوم مرّة واحدة مقدّماً على الوضوء تأتي به لكلّ صلاة حدثت الاستحاضة المتوسّطة قبلها، فإذا كانت الاستحاضة متوسّطة قبل أن تصلّي صلاة الفجر اغتسلت ثُمَّ توضّأت وصلّت، ويكفي الوضوء لغيرها من الصلوات في ذلك اليوم، وإذا كانت قبل صلاة الظهر اغتسلت وتوضّأت لها وصلّت غيرها من الصلوات بالوضوء وهكذا. والضابط أنّها تضمّ إلى الوضوء غسلاً واحداً للصلاة التي تحدث الاستحاضة المتوسّطة قبلها.

(مسألة 81): لا يجب الغسل للاستحاضة القليلة، ولكنّه يجب معها الوضوء لكلّ صلاة واجبة أو مستحبّة.

(مسألة 82): الأحوط وجوباً للمستحاضة أن تختبر حالها قبل الصلاة لتعرف أنّها من أي قسم من الأقسام الثلاثة. وإذا صلّت من دون اختبار بطلت إلّا إذا طابق عملها الوظيفة اللازمة لها. هذا فيما إذا تمكّنت من الاختبار، وإلّا تبني على أنّها ليست بمتوسّطة أو كثيرة إلّا إذا كانت مسبوقة بها فتأخذ بالحالة السابقة حينئذٍ.

(مسألة 83): إذا انتقلت المرأة من الاستحاضة القليلة إلى المتوسّطة جرى عليها حكم المتوسّطة بعد الانتقال، فيجب عليها الغسل مرّة في كلّ يوم على الأحوط كما مرّ، وإذا انتقلت من القليلة أو المتوسّطة إلى الكثيرة جرى عليها حكم الكثيرة، فلو كانت الاستحاضة قليلة أو متوسّطة وصلّت صلاة الفجر بالوضوء وحده أو مع الغسل ثُمَّ انقلبت كثيرة قبل صلاة الظهر وجب عليها الغسل للظّهرين إذا جمعت بينهما، ولكلّ منهما إذا فرّقت بينهما على تفصيل قد مرّ.

(مسألة 84): الأحوط وجوباً في الاستحاضة الكثيرة تبديل القطنة التي تحملها أو تطهيرها لكلّ صلاة إذا تمكّنت من ذلك، وكذلك الخرقة التي تشدّها فوق القطنة، وأمّا في غيرها فلا يجب تبديل القطنة أو تطهيرها وإن كان ذلك أحوط استحباباً.

(مسألة 85): يجب على المستحاضة أن تصلي بعد التوضّؤ أو الاغتسال من دون فصل طويل مطلقاً على الأحوط لزوماً. ويجب عليها أيضاً أن تتحفّظ من خروج الدم مع الأمن من الضرر من حين الفراغ من الغسل - على الأحوط لزوماً - إلى أن تتمّ الصلاة.

(مسألة 86): لا يجب الغسل لانقطاع الدم في المستحاضة المتوسّطة، وأمّا في الكثيرة فوجوبه مبنيّ على الاحتياط فيما إذا كانت سائلة الدم ولم يستمرّ دمها إلى ما بعد الصلاة التي أتت بها مع ما هو وظيفتها، وكذا في غيرها إذا لم يظهر الدم على الكُرْسُف من حين الشروع في الغسل السابق.

(مسألة 87): يحرم على المستحاضة مسّ كتابة القرآن قبل طهارتها بالوضوء أو الغسل، ولا يبعد جواز المسّ لها قبل إتمام الصلاة دون ما بعدها.

(مسألة 88): يجوز طلاق المستحاضة ولا يجري عليها حكم الحائض والنفساء.

(مسألة 89): لا يحرم وطء المستحاضة، ولا يحرم عليها الدخول في المساجد ولا وضع شيء فيها ولا المكث فيها، ولا قراءة آيات السجدة، وهي من الأمور المحرّمة على الحائض والنفساء كما تقدّم.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/13

بالفيديو: كيف تقضي ما في ذمتك من صلوات؟
قضاء الصلاة من لم يؤدّ الفريضة اليوميّة أو أتى بها فاسدة حتّى ذهب وقتها يجب عليه قضاؤها خارج الوقت، إلّا صلاة الجمعة فإنّه إذا خرج وقتها يلزم الإتيان بصلاة الظهر. ولا فرق في ذلك بين العامد والناسي والجاهل وغيرهم، ويستثنى من هذا الحكم موارد:

[اشترك]

1- ما فات من الصلوات من الصبيّ أو المجنون.

2- ما فات من المغمى عليه إذا لم يكن الإغماء بفعله واختياره، وإلّا وجب عليه القضاء على الأحوط لزوماً.

3- ما فات من الكافر الأصلي، فلا يجب عليه القضاء بعد إسلامه، وأمّا المرتدّ فيلزمه القضاء.

4- الصلوات الفائتة من الحائض أو النفساء، فلا يجب قضاؤها بعد الطهر.

(مسألة 432): إذا بلغ الصبيّ أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو المغمى عليه أو طهرت الحائض أو النفساء في أثناء الوقت، فإن لم يتّسع لأداء الصلاة ولو بإدراك ركعة من الوقت فلا شيء عليه أداءً ولا قضاءً، وأمّا إن اتّسع ولو لركعة منها فيجب أداؤها، وإن لم يصلّها وجب القضاء في خارج الوقت.

نعم، وجوب الأداء مع عدم سعة الوقت إلّا للصلاة مع الطهارة الترابيّة أو مع عدم سعته لتحصيل سائر الشروط مبنيّ على الاحتياط، وكذلك وجوب القضاء في مثل ذلك إذا لم يصلّ حتّى فات الوقت.

(مسألة 433): من تمكّن من أداء الصلاة في أوّل وقتها مع الطهارة ولو كانت ترابيّة ولم يأت بها ثُمَّ جنّ أو أغمي عليه حتّى خرج الوقت وجب عليه القضاء. وهكذا المرأة إذا تمكّنت بعد دخول الوقت من تحصيل الطهارة - ولو الترابيّة - وأداء الفريضة ولم تفعل حتّى حاضت وجب عليها القضاء.

ولا فرق في الموردين بين التمكّن من تحصيل بقيّة الشروط قبل دخول الوقت وعدمه على الأحوط لزوماً في الصورة الأخيرة.

(مسألة 434): فاقد الطهورين (الماء والتراب) يجب عليه القضاء ويسقط عنه الأداء، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بينهما.

(مسألة 435): من رجع إلى مذهبنا من سائر الفرق الإسلاميّة لا يجب عليه أن يقضي الصلوات التي صلّاها صحيحة في مذهبه أو على وفق مذهبنا مع تمشّي قصد القربة منه، بل لا تجب إعادتها إذا رجع وقد بقي من الوقت ما يسع إعادتها.

(مسألة 436): الفرائض الفائتة يجوز قضاؤها في أي وقت من الليل أو النهار في السفر أو في الحضر، ولكنّ ما يفوت في الحضر يجب قضاؤه تماماً وإن كان في السفر، وما يفوت في السفر يجب قضاؤه قصراً وإن كان في الحضر. وما فات المسافر في مواضع التخيير يجب قضاؤه قصراً على الأحوط لزوماً وإن كان القضاء في تلك المواضع. وأمّا ما يفوت المكلّف من الصلوات الاضطراريّة كصلاة المضطجع والجالس فيجب قضاؤه على نحو صلاة المختار، وكذا الحكم في صلاة الخوف وشدّته.

(مسألة 437): من فاتته الصلاة وهو مكلّف بالجمع بين القصر والتمام - لأجل الاحتياط الوجوبي - وجب عليه الجمع في القضاء أيضاً.

(مسألة 438): من فاتته الصلاة وقد كان حاضراً في أوّل وقتها ومسافراً في آخره أو بعكس ذلك وجب عليه في القضاء رعاية آخر الوقت، فيقضي قصراً في الفرض الأوّل وتماماً في الفرض الثاني، والأحوط استحباباً الجمع في كلا الفرضين.

(مسألة 439): لا ترتيب في قضاء الفرائض، فيجوز قضاء المتأخّر فوتاً قبل قضاء المتقدّم عليه، وإن كان الأحوط استحباباً رعاية الترتيب. نعم، ما كان مرتّباً من أصله كالظهرين أو العشاءين من يوم واحد وجب الترتيب في قضائه.

(مسألة 440): إذا لم يعلم بعدد الفوائت ودار أمرها بين الأقلّ والأكثر جاز أن يقتصر على المقدار المتيقّن، ولا يجب عليه قضاء المقدار المشكوك فيه.

(مسألة 441): إذا فاتته صلاة واحدة وتردّدت بين صلاتين مختلفتي العدد - كما إذا تردّدت بين صلاة الفجر وصلاة المغرب - وجب عليه الجمع بينهما في القضاء، وإن تردّدت بين صلاتين متساويتين في العدد - كما إذا تردّدت بين صلاتي الظهر والعشاء - جاز له أن يأتي بصلاة واحدة عمّا في الذمّة. ويتخيّر بين الجهر والخفوت إذا كانت إحداهما إخفاتيّة دون الأخرى.

(مسألة 442): وجوب القضاء موسّع فلا بأس بتأخيره ما لم ينته إلى المسامحة في أداء الوظيفة.

(مسألة 443): لا ترتيب بين الحاضرة والفائتة، فمن كانت عليه فائتة ودخل عليه وقت الحاضرة تخيّر في تقديم أيّهما شاء إذا وسعهما الوقت، والأحوط استحباباً تقديم الفائتة ولا سيّما إذا كانت فائتة ذلك اليوم، وفي ضيق الوقت تتعيّن الحاضرة ولا تزاحمها الفائتة.

(مسألة 444): إذا شرع في صلاة حاضرة وتذكّر أن عليه فائتة جاز له أن يعدل بها إلى الفائتة إذا أمكنه العدول.

(مسألة 445): يجوز التنفّل لمن كانت عليه فائتة، سواء في ذلك النوافل المرتّبة وغيرها.

(مسألة 446): من كان معذوراً عن تحصيل الطهارة المائيّة فالأحوط لزوماً أن لا يقضي فوائته مع التيمّم إذا كان يرجو زوال عذره فيما بعد ذلك، وهكذا من لا يتمكّن من الصلاة التامّة لعذر فإنّه لا يجوز له على الأحوط أن يأتي بقضاء الفوائت إذا علم بارتفاع عذره فيما بعد، ولا بأس به إذا اطمأنّ ببقاء عذره وعدم ارتفاعه، بل لا بأس به مع الشكّ أيضاً، إلّا أنّه إذا ارتفع عذره لزمه القضاء ثانياً على الأحوط وجوباً. ويستثنى من ذلك ما إذا كان عذره في غير الأركان، ففي مثل ذلك لا يجب القضاء ثانياً وصحّ ما أتى به أوّلاً.

مثال ذلك: إذا لم يتمكّن المكلّف من الركوع أو السجود لمانع واطمأنّ ببقائه إلى آخر عمره أو أنّه شكّ في ذلك فقضى ما فاته من الصلوات مع الإيماء بدلاً عن الركوع أو السجود ثُمَّ ارتفع عذره وجب عليه القضاء ثانياً، وأمّا إذا لم يتمكّن من القراءة الصحيحة لعيب في لسانه واطمأنّ ببقائه أو شكّ في ذلك فقضى ما عليه من الفوائت ثُمَّ ارتفع عذره لم يجب عليه القضاء ثانياً.

(مسألة 447): لا يختصّ وجوب القضاء بالفرائض اليوميّة بل يجب قضاء كلّ ما فات من الصلوات الواجبة، حتّى المنذورة في وقت معيّن على الأحوط لزوماً. وسيأتي حكم قضاء صلاة الآيات في محلّه.

(مسألة 448): المؤمن إذا فاتته الفريضة لعذر ولم يقضها مع التمكّن منه حتّى مات فالأحوط وجوباً أن يقضيها عنه ولده الأكبر إن لم يكن قاصراً حين موته - لصغر أو جنون - ولم يكن ممنوعاً من إرثه ببعض أسبابه كالقتل والكفر، وإلّا لم يجب عليه ذلك، والأحوط الأولى القضاء عن الأمّ أيضاً.

ويختصّ وجوب القضاء بما وجب على الميّت نفسه، وأمّا ما وجب عليه باستئجار ونحو ذلك فلا يجب على الولد الأكبر قضاؤه، ومن هذا القبيل ما وجب على الميّت من فوائت أبيه ولم يؤدّه حتّى مات، فإنّه لا يجب قضاء ذلك على ولده.

(مسألة 449): إذا تعدّد الولد الأكبر وجب - على الأحوط - القضاء عليهما وجوباً كفائيّاً، فلو قضى أحدهما سقط عن الآخر.

(مسألة 450): لا يجب على الولد الأكبر أن يباشر قضاء ما فات أباه من الصلوات، بل يجوز أن يستأجر غيره للقضاء، بل لو تبرّع أحد فقضى عن الميّت سقط الوجوب عن الولد الأكبر، وكذلك إذا أوصى الميّت باستئجار شخص لقضاء فوائته كانت وصيّته نافذة شرعاً.

(مسألة 451): إذا شكّ الولد الأكبر في فوت الفريضة عن أبيه لم يجب عليه القضاء، وإذا دار أمر الفائتة بين الأقلّ والأكثر اقتصر على الأقلّ، وإذا علم بفوتها وشكّ في قضاء أبيه لها وجب عليه القضاء على الأحوط لزوماً.

(مسألة 452): لا تخرج أجرة قضاء ما فات الميّت من الصلوات من أصل التركة، فلو لم يكن له ولد ولم يوصِ بذلك لم يجب الاستئجار على سائر الورثة.

(مسألة 453): لا يحكم بفراغ ذمّة الولد الأكبر ولا ذمّة الميّت بمجرّد الاستئجار ما لم يتحقّق العمل في الخارج، فإذا مات الأجير قبل الإتيان بالعمل أو منعه مانع عنه وجب على الوليّ القضاء بنفسه أو باستئجار غيره على الأحوط لزوماً كما مرّ.

 

2022/11/12

هل تعدد واختلاف فتاوى الفقهاء أمر سلبي أم إيجابي؟!
الاختلاف في المباني يعود تارة إلى التباين بين المناهج الاجتهادية المختلفة، وتارة يعود إلى التباين بين مقاربات المجتهدين داخل المنهج الواحد.

[اشترك]

فاختلاف المباني بين المجتهد الشيعي والمجتهد السني تعود إلى الاختلاف في أصل المنهج الاجتهادي، فالمجتهد الشيعي لا يقبل من الأساس الأصول والقواعد التي يرتكز عليها المجتهد السني، بينما يعود الاختلاف داخل المنهج الاجتهادي الشيعي إلى مقاربات كل فقيه للقواعد والمباني الأصولية المتفق عليها بين جميع فقهاء الشيعة، ومن هنا لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بالسلب أو الإيجاب دون الفصل بين أسباب الاختلاف حول المباني الاجتهادية.

ويبدو أن التباين في تعريف الاجتهاد اصطلاحاً يعود إلى التباين في المناهج الاجتهادية، فقد مر مصطلح الاجتهاد في الدائرة الإسلامية بتعاريف مختلفة، حيث كانت الدلالة الأولى للاجتهاد تعني استخدام الرأي والظن الشخصي سوى في تفسير القرآن أو معرفة الأحكام الشرعية، ومن هنا نفسر موقف الرافضين لشرعية الاجتهاد داخل الدائرة الشيعية أمثال الأخباريين، فقد فسر هذا الاتجاه الاجتهاد بإعمال الظنون والآراء الشخصية، وهذا ما حرمته النصوص ونهت عنه بشدة، فمثلاً في ما يخص تفسير القرآن يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وان أخطأ كان إثمه عليه، وفي رواية أخرى: وان اخطأ فهو ابعد من السماء) وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي حرمت تفسير القرآن بالرأي، أما في ما يخص استنباط الأحكام الشرعية فهناك الكثير من الروايات التي حذرت من الإفتاء بالرأي فمثلاً عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادَّ الله حيث أحلَّ، وحرَّم فيما لا يعلم)، وهذا ما وقعت فيه بعض المناهج الاجتهادية التي اعتمدت على مجموعة من الأصول الظنية مثل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع وغير ذلك من الأصول التي تجعل الرأي الشخصي للفقيه هو الحاكم على أحكام الله، وهذا النوع من الاجتهاد كما هو واضح حرام ولا يجوز العمل به، وبالتالي هو امر سلبي بالمطلق.

وقد أسس علماء الشيعة منهجاً اجتهادياً يجعل الفقيه أكثر موضوعية في استنباطه للحكم الشرعي، وقد عمل الأصوليين الشيعة في الأمر بحذر شديد لكثرة الأخبار الناهية عن العمل بالرأي، كما أن معارضة الأخباريين للاجتهاد ساعدت على جعل أصول الفقه أكثر دقة وانضباطاً، وبخاصة مدرسةِ الوحيد البهبهاني التي اهتمت بالرد على الأخبارية مما أدى إلى تطوير علم الأصول وتنقيحه، والمتابع للنقاش الأخباري الأصولي يقف على الدقة العلمية لعماء الأصول والمراقبة اللصيقة من الاخباريين، وقد أدى كل ذلك إلى تأسيس منهج اجتهادي أكثر انضباطاً وموضوعية.

وعليه فإن الفقيه الشيعي يكتفي في استنباطه للحكم الشرعي على القرآن والسنة من دون الاعتماد على القياس، أو الاستحسان، أو سد الذرائع، أو فقه الصاحبي، أو شرع من قبلنا، أو عمل أهل المدينة، أو غير ذلك من المباني الظنية والمحرمة شرعاً، وفي حال عدم توفر الحكم في القرآن والسنة يلجا الفقيه للأصول العملية أو القواعد الفقهية التي عبدتنا النصوص بالرجوع إليها في تلك الحالة، ومع أن الشيعة نصوا على أن العقل هو الأصل الثالث بعد القرآن والسنة، إلا أنهم لم يحتاجوا إليه عملياً في استنباط الأحكام الشرعية، وكل ما هو موجود هو مناقشته أصولياً في باب الملازمات العقلية، وقد أشار الشهيد الصدر لهذه الحقيقة في مقدمة كتابه الفتاوى الواضحة، حيث قال: (ونرى من الضروري أن نشير أخيرا بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدنا بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة، وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة بامتدادها المتمثل في سنة الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم أحد الثقلين الذين امر النبي (ص) بالتمسك بهما ولم نعتمد في شيء من هذه الفتاوى على غير هذين المصدرين، أما القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوغا شرعيا للاعتماد عليها تبعا لائمة أهل البيت عليهم السلام. وأما ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أو لا فنحن وان كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به ولكنا لم نجد حكما واحدا يتوقف اثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة وأما ما يسمى بالإجماع فهو ليس مصدرا إلى جانب الكتاب والسنة ولا يعتمد عليه إلا من اجل كونه وسيلة إثبات للسنة في بعض الحالات، وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة ونبتهل إلى الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهما ومن استمسك بهما (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)) (الفتاوى الواضحة، ج1، ص 15).

 والذي يرجع للموسوعات الاستدلالية لفقهاء الشيعة سوف يقف على حضور النصوص في كل بحوثهم الفقهية، وفي حال عدم وجود النص في المسألة فإن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بينوا الأصول التي يتم الرجوع إليها، وتسمى هذه الأصول بالأصول العملية لأنها تكشف عن الموقف العملي في حال لم يكن في الموضوع نص شرعي، مثل الاستصحاب، والبراءة، والاحتياط، وغيرها، وقد بين الأصوليون الشيعة أن حجية تلك الأصول ليس في كشفها عن الواقع وإنما في نفس طريقيتها المجعولة من قبل الشارع، فينحصر مؤداها في المنجزية والمعذرية، فاستنباط الأحكام الشرعية يجب أن يقوم على منهجيات يحددها الشرع بنفسه، فليست كل منهجية أبدعتها العقلية البشرية تكون صالحة في ذلك، وبخاصة الطرق ذات المؤدى الظني، لأن حجية الدليل إما أن تكون ذاتية، فلا تحتاج إلى جعل الجاعل، وهي تختص بخصوص العلم الكاشف عن الواقع، فليس بعد كشفه والتعرف عليه شيء، فتكون الحجية حينئذ من اللوازم العقلية التي لا تنفك عنه، وإما أن تكون الحجة مجعولة؛ وهي التي لا تنهض بنفسها في مقام الاحتجاج، بل تحتاج إلى من يسندها من دليل عقلي أو شرعي، يقول السيد محمد تقي الحكيم: (وهي إنما تتعلق فيما عدا العلم بالأمارات والأصول إحرازية أو غير احرازية، أي فيما ثبتت له الطريقية الناقصة التي لا تكشف عن الواقع إلا في حدودٍ ما، أو لم تثبت له لعدم كشفه عنه) (أصول الفقه المقارن ص 32)، ولعدم تمامية هذه الأصول لكشف الواقع لا يمكن أن تصلح طريقاً لمعرفة أحكام الله إلا في حالة وجود سند شرعي أو دليل عقلي قطعي أمر باتباعها، يقول السيد الحكيم: (ومع كون الأمارات أو الأصول لا تملك الحجية الذاتية بداهة، فهي محتاجة إلى الانتهاء إلى ما يملكها، وليس هناك غير القطع، بجعل الحجية لها من قبل من بيده أمر وضعها ورفعها) (أصول الفقه المقارن ص 32). وبهذا نرفع اليد عن العمل بأي طريق لا يكون حجة بذاته أو اكتسب الحجية بدعم الدليل القطعي بوجوب العمل به، وقد حذر الله سبحانه من العمل بالظن إلا ما أذن به، قال تعالى: ﴿آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾، وقوله: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾.

وعليه فإن الضابط في الاجتهاد هو أن يكون قائماً على البحث عن الحكم الشرعي في الكتاب والسنة مستعيناً بالمناهج التي توجب أما القطع بحكم الله وأما الظن المعتمد شرعاً كما دلت عليه النصوص، وبعد الاتفاق على هذه الأصول والقواعد تبقى هناك مساحة للتباين بين الفقهاء في مقاربة كل أصل من هذه الأصول، والاختلاف من هذا النوع أمر طبيعي ومتصور في جميع التخصصات، فمثلاً علم الطب يقوم على أصول وقواعد أساسية تمثل مشتركاً بين جميع الأطباء، إلا أن تشخيص بعض الأمراض وتحديد العلاجات المناسبة قد يختلف من أخصائي لأخر، وكذلك الحال في عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فمع أنها عملية دقيقة وخاضعة لمجموعة من الشروط والضوابط إلا أن هناك مساحة لملكة الاستنباط بين فقيه وآخر، ومن هنا قد يختلف فقيهان في تقديرهم للمسألة أو في فهمهم للأدلة الخاصة بتلك المسألة أو في مقاربتهم للمباني الأصولية والفقهية، وكل ذلك امر إيجابي طالما يتحرك في إطار الأصول والقواعد المنضبطة علمياً ومنهجياً. 

2022/11/12

ما هو ’النفاس’؟ ومتى يبدأ؟
النفاس هو: الدم الذي يقذفه الرحم عند الولادة أو بعدها على نحو يستند خروج الدم إليها عرفاً. وتسمى المرأة في هذه الحال بـ «النُّفَساء».

[اشترك]

ولا نفاس لمن لم تر الدم من الولادة أصلاً، أو رأته بعد فصل طويل - بحيث لا يستند إليها عرفاً - كما إذا رأته بعد عشرة أيّام منها.

(مسألة 74): لا حدّ لأقل النفاس، ويمكن أن يكون بمقدار لحظة فقط، وأكثره عشرة أيّام، وإن كان الأحوط الأولى فيما زاد عليها إلى ثمانية عشر يوماً الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة.

ويلاحظ في مبدأ الحساب أمور:

1- أنّ مبدأه اليوم، فإن ولدت في الليل ورأت الدم كان من النفاس ولكنّه خارج عن العشرة.

2- أنّ مبدأه خروج الدم لا نفس الولادة، فإن تأخّر خروجه عنها كانت العبرة في الحساب بالخروج.

3- أنّ مبدأه الدم الخارج بعد الولادة، وإن كان الخارج حينها نفاساً أيضاً.

(مسألة 75): النفساء إذا رأت دماً واحداً فهي على أقسام:

1- التي لا يتجاوز دمها العشرة، فجميع الدم في هذه الصورة نفاس.

2- التي يتجاوز دمها العشرة وتكون ذات عادة عدديّة في الحيض وتعلم مقدار عادتها، ففي هذه الصورة يكون نفاسها بمقدار عادتها والباقي استحاضة، وكذلك إذا نسيت مقدار عادتها فإنّها تجعل أكبر عدد محتمل عادة لها في هذا المقام.

3- التي يتجاوز دمها العشرة ولا تكون ذات عادة عدديّة في الحيض - أي المبتدئة والمضطربة -، ففي هذه الصورة يكون نفاسها عشرة أيّام، ولا ترجع إلى عادة أقاربها في الحيض أو النفاس ولا إلى عادة نفسها في النفاس.

(مسألة 76): إذا كانت النفساء ذات عادة في الحيض وتجاوز دمها عن عددها استحبّ لها الاستظهار بيوم، وجاز لها الاستظهار إلى تمام العشرة من حين رؤية الدم، وقد تقدّم معنى الاستظهار في المسألة (57).

(مسألة 77): النفساء إذا رأت في عشرة الولادة أزيد من دم واحد، كأن رأت دمين أو ثلاثة أو أربعة وهكذا - سواء كان النقاء المتخلّل كالمستوعب لقصر زمن الدمين أو الدماء أم لم يكن كذلك - ففيها صورتان:

الأولى: أن لا يتجاوز شيء منها العشرة، ففي هذه الصورة يكون كلّ ما تراه نفاساً. وأمّا النقاء المتخلّل فالأحوط وجوباً الجمع فيه بين أعمال الطاهرة وتروك النفساء.

الثانية: أن يتجاوز الأخير منها اليوم العاشر، وهي على قسمين:

1- أن لا تكون المرأة ذات عادة عدديّة في الحيض، وحكمها ما تقدّم في الصورة الأولى، فما خرج عن العشرة من الدم الأخير يحكم بكونه استحاضة.

2- أن تكون المرأة ذات عادة عدديّة، فما تراه في مقدار أيّام عادتها نفاس، والأحوط وجوباً في الدم الخارج عن العادة إلى تمام العشرة الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة.

(مسألة 78): تثبت أحكام الحائض التي تقدّم بيانها - في الصفحة (60) - للنفساء أيضاً. نعم، حرمة جملة من محرّمات الحائض على النفساء تبتني على الاحتياط اللزومي، وهي:

1- قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة.

2- الدخول في المساجد بغير اجتياز.

3- المكث في المساجد.

4- وضع شيء فيها.

5- دخول المسجد الحرام ومسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولو على نحو الاجتياز.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/12

أول يوم ’حيض’.. طبقاً لفتوى السيد السيستاني
الحيض: دم تعتاده النساء في كلّ شهر مرّة في الغالب، وقد يكون أكثر من ذلك أو أقلّ.

(مسألة 48): الغالب في دم الحيض أن يكون أسود أو أحمر، حارّاً عبيطاً يخرج بدفق وحرقة. وأقلّه ثلاثة أيّام ولو ملفّقة، وأكثره عشرة أيّام. ويعتبر فيه الاستمرار - ولو في فضاء الفرج - في الثلاثة الأولى، وكذا فيما يتوسّطها من الليالي، فلو لم يستمر الدم لم تجر عليه أحكام الحيض. نعم، فترات الانقطاع اليسيرة المتعارفة ولو في بعض النساء لا تخلّ بالاستمرار المعتبر فيه.

(مسألة 49): يعتبر التوالي في الأيّام الثلاثة التي هي أقلّ الحيض، فلو رأت الدم يومين ثُمَّ انقطع ثُمَّ رأت يوماً أو يومين قبل انقضاء عشرة أيّام من ابتداء رؤية الدم فهو ليس بحيض، وإن كان الأحوط استحباباً في مثل ذلك الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في أيّام الدم، والجمع بين أحكام الحائض والطاهرة أيّام النقاء. وسيأتي بيان تروك الحائض - أي ما يلزمها تركه - في فصل أحكام الحائض، كما سيأتي أفعال المستحاضة - أي ما يجب عليها فعله - في فصل أقسام المستحاضة وأحكامها.

(مسألة 50): يعتبر في دم الحيض أن يكون بعد البلوغ وقبل سنّ الستّين، فكلّ دم تراه الصبيّة قبل بلوغها تسع سنين لا يكون دم حيض، وكذا ما تراه المرأة بعد بلوغها الستّين لا تكون له أحكامه. والأحوط الأولى في غير القرشيّة الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة فيما بين الخمسين والستّين فيما إذا كان الدم بحيث لو رأته قبل الخمسين لحكم بكونه حيضاً كالذي تراه أيّام عادتها.

وبالجملة: إنّ سنّ اليأس لدى المرأة - أي الذي إذا بلغته لم يحكم بكون ما تراه من الدم بعده حيضاً - محدّد بالستّين. نعم، إذا بلغت الخمسين وقد انقطع عنها الدم ولا يرجى عوده - لكبر السنّ لا لعارض - تسقط عنها العدّة في الطلاق كما سيأتي في المسألة (1097).

(مسألة 51): يجتمع الحيض مع الحمل قبل ظهوره وبعد ظهوره. نعم، الأحوط وجوباً أن تجمع الحامل ذات العادة الوقتيّة بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في صورة واحدة وهي ما إذا رأت الدم بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها وكان الدم بصفات الحيض، وفي غير هذه الصورة حكم الحامل وغير الحامل على حدّ سواء.

(مسألة 52): لا حدّ لأكثر الطهر بين الحيضتين، ولكنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيّام وتسع ليال متوسّطة بينها، فإذا كان النقاء بين الدمين أقلّ من عشرة أيّام فليسا بحيضتين يقيناً، فلو رأت الدم ثلاثاً أو أكثر ثُمَّ طهرت سبعاً ورأت الدم بعده مرّة أخرى لم يعتبر الدم الثاني حيضاً.

(مسألة 53): إذا تردّد الدم الخارج من المرأة بين الحيض ودم البكارة استدخلت قطنة في الفرج وصبرت فترة تعلم بنفوذ الدم فيها ثُمَّ استخرجتها برفق، فإن خرجت مطوّقة بالدم فهو دم البكارة، وإن كانت منغمسة به فهو دم الحيض.

أقسام الحائض

الحائض قسمان: ذات عادة، وغير ذات عادة.

وذات العادة ثلاثة أقسام:

1- وقتيّة وعدديّة.

2- عدديّة فقط.

3- وقتيّة فقط.

وغير ذات العادة: مبتدئة، ومضطربة، وناسية العدد.

ذات العادة الوقتيّة والعدديّة هي: المرأة التي ترى الدم مرّتين متماثلتين من حيث الوقت والعدد من غير فصل بينهما بحيضة مخالفة، كأن ترى الدم في شهر من أوّله إلى اليوم السابع وترى في الشهر الثاني مثل الأوّل.

ذات العادة الوقتيّة فقط هي: التي ترى الدم مرّتين متواليتين متماثلتين من حيث الوقت دون العدد، كأن ترى الدم في الشهر الأوّل من أوّله إلى اليوم السابع، وفي الشهر الثاني من أوّله إلى اليوم السادس، أو من ثانيه إلى اليوم السابع، أو ترى الدم في الشهر الأوّل من اليوم الثاني إلى اليوم السادس، وفي الشهر الثاني من أوّله إلى اليوم السابع.

ذات العادة العدديّة فقط هي: التي ترى الدم مرّتين متواليتين متماثلتين من حيث العدد دون الوقت، كأن ترى الدم في شهر من أوّله إلى اليوم السابع، وفي الشهر الثاني من الحادي عشر إلى السابع عشر مثلاً.

المبتدئة هي: التي ترى الدم لأوّل مرّة.

المضطربة هي: التي تكرّرت رؤيتها للدم ولكن ليس لها فعلاً عادة مستقرّة لا من حيث الوقت ولا من حيث العدد.

الناسية هي: التي كانت لها عادة ونسيتها.

أحكام ذات العادة

(مسألة 54): ذات العادة الوقتيّة - سواء كانت عدديّة أيضاً أم لا - تتحيّض بمجرّد رؤية الدم في أيّام عادتها فتترك العبادة، سواء كان الدم بصفة الحيض أم لا، وكذا إذا رأت الدم قبل العادة بيوم أو يومين أو أزيد ما دام يصدق عليه تعجيل الوقت والعادة بحسب عرف النساء. وأمّا إذا رأت الدم قبل العادة بزمان أكثر ممّا تقدّم أو رأته بعدها - ولو قليلاً - فحكمها حكم غيرها الآتي في المسألة التالية.

ثُمَّ إنه في الفرض المتقدّم إن انقطع الدم قبل أن تمضي عليه ثلاثة أيّام كان عليها قضاء ما فات عنها في أيّام الدم من الصلاة.

 

(مسألة 55): ذات العادة العدديّة فقط تتحيّض بمجرّد رؤية الدم إذا كان بصفات الحيض، وأمّا مع عدمها فلا تتحيّض إلّا من حين العلم باستمراره إلى ثلاثة أيّام - وإن كان ذلك قبل إكمال الثلاثة -، وأمّا مع احتمال الاستمرار فالأحوط وجوباً الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.

ثُمَّ إنه إن زاد الدم على الثلاثة ولم يتجاوز العشرة جعلت الزائد حيضاً أيضاً وإن كان أزيد من عادتها، وأمّا إذا تجاوز العشرة فعليها أن ترجع في العدد إلى عادتها، وأمّا بحسب الوقت فإن كان لها تمييز يوافق عدد العادة رجعت إليه، وإن كان مخالفاً له رجعت إليه أيضاً لكن تزيد عليه مع نقصانه عن عدد العادة حتّى تبلغ العدد وتنقص عنه مع زيادته على عدد العادة حتّى تبلغه.

فالنتيجة: إنّ الصفات تحدّد الوقت فقط دون العدد، ومع عدم التمييز تجعل العدد في أوّل أيّام الدم.

(مسألة 56): المقصود بالتمييز أن يكون الدم في بعض أيّامه واجداً لبعض صفات الحيض وفي بعضها الآخر واجداً لصفة الاستحاضة، كما لو كان في خمسة أيّام أسود أو أحمر وفي سبعة مثلاً أصفر، بشرط أن يكون ما بصفة الحيض ثلاثة أيّام متواليات، وهكذا في سائر الصفات.

والمقصود بكون التمييز موافقاً للعدد أن يكون الدم في أيّام بعدد أيّام العادة بصفات الحيض.

(مسألة 57): من كانت عادتها دون العشرة وتجاوز الدم أيّامها فإن علمت بانقطاع الدم قبل تجاوز العشرة حكم بكونه حيضاً، وإن علمت بالتجاوز عنها وجب عليها بعد مضيّ أيّام العادة أن تغتسل وتعمل عمل المستحاضة، وإن لم تعلم شيئاً من الأمرين - بأن احتملت الانقطاع في اليوم العاشر أو قبله - فالأحوط الأولى أن تستظهر بيوم ثُمَّ تغتسل من الحيض وتعمل عمل المستحاضة، ولها أن تستظهر أزيد منه إلى تمام العشرة من أوّل رؤية الدم، والاستظهار هو: الاحتياط بترك العبادة.

وجواز الاستظهار إنّما ثبت في الحائض التي تمادى بها الدم - كما هو محلّ الكلام - ولا يشمل من استحاضت قبل أيّام عادتها واستمرّ بها الدم حتّى تجاوز العادة، فإنّه لا يشرع لها الاستظهار، بل إنّ عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد انقضاء أيّام العادة.

(مسألة 58): إذا انقطع دم الحيض قبل انقضاء أيّام العادة وجب عليها الغسل والصلاة حتّى إذا ظنّت عود الدم بعد ذلك، فإذا عاد قبل انقضائها أو عاد بعده ثُمَّ انقطع في اليوم العاشر أو دونه من أوّل زمان رؤية الدم فهو حيض، وإذا تجاوز العشرة فما رأته في أيّام العادة - ولو بعد النقاء المذكور - حيض والباقي استحاضة. وأمّا النقاء المتخلّل بين الدمين من حيض واحد فالأحوط وجوباً فيه الجمع بين أحكام الطاهرة والحائض.

(مسألة 59): ذات العادة الوقتيّة والعدديّة إذا رأت قبل العادة وفيها وبعدها دماً مستمراً فإن لم يكن المجموع أزيد من العشرة فالكل حيض، وإن كان أزيد منها فما كان في أيّام العادة فهو حيض، وما كان في طرفيها فهو استحاضة مطلقاً، حتّى فيما إذا رأت الدم السابق قبل العادة بيوم أو يومين من دون أن يكون الدم اللاحق واجداً لصفة الحيض، وكذا عكسه بأن رأت الدم قبل زمان عادتها بثلاثة أيّام أو أكثر وكان الدم اللاحق واجداً لصفة الحيض.

(مسألة 60): إذا لم ترَ الدم في أيّام العادة أصلاً ورأت الدم قبلها ثلاثة أيّام أو أكثر وانقطع يحكم بكونه حيضاً، وكذا إذا رأت بعدها ثلاثة أيّام أو أزيد. وإذا رأت الدم قبلها وبعدها فكلّ من الدمين حيض إذا كان النقاء بينهما لا يقلّ عن عشرة أيّام.

(مسألة 61): إذا رأت الدم قبل أيّام العادة واستمرّ إليها وزاد المجموع على العشرة فما كان في أيّام العادة فهو حيض وإن كان بصفات الاستحاضة، وما كان قبلها استحاضة وإن كان بصفة الحيض.

وإذا رأته أيّام العادة وما بعدها وتجاوز المجموع العشرة كان ما بعد العادة استحاضة حتّى فيما كان منه في العشرة بصفة الحيض ولم يتجاوزها بهذه الصفة.

 

وإذا استمرّ الدم بعد أيّام العادة ثلاثة عشر يوماً أو أكثر فإنّ ما زاد على العشرة استحاضة كما قبلها، إلا إذا اختلفت صفات الدم بعد عشرة الطهر فإنّها تعتبر حيضة أخرى، ولكن لا بُدَّ من ملاحظة فصل عشرة أيّام بين ما يعدّ حيضاً منه وبين العادة الآتية.

(مسألة 62): إذا شكّت المرأة في انقطاع دم الحيض وجب عليها الفحص ولم يجز لها ترك العبادة بدونه.

وكيفيّة الفحص: أن تدخل قطنة وتتركها في موضع الدم وتصبر أزيد من الفترة اليسيرة التي يتعارف انقطاع الدم فيها مع بقاء الحيض - كما تقدّم - ثُمَّ تخرجها، فإن كانت نقيّة فقد انقطع حيضها فيجب عليها الاغتسال والإتيان بالعبادة، وإلّا فلا.

(مسألة 63): المرأة التي يجب عليها الفحص إذا اغتسلت من دون فحص حكم ببطلان غسلها، إلّا إذا انكشف أن الغسل كان بعد النقاء وقد اغتسلت برجاء أن تكون نقيّة.

أحكام المبتدئة والمضطربة

(مسألة 64): حكم المبتدئة والمضطربة في التحيّض برؤية الدم هو ما تقدّم في المسألة (55) في ذات العادة العدديّة، كما أنهما تشتركان معها فيما تقدّم في تلك المسألة من جعل مجموع الدم حيضاً إذا لم يتجاوز العشرة.

(مسألة 65): ما تراه المبتدئة أو المضطربة من الدم إذا تجاوز العشرة فإما أن يكون واجداً للتمييز بأن يكون الدم المستمر بعضه بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة، وإمّا أن يكون فاقداً له بأن يكون ذا لون واحد وإن اختلفت مراتبه، كما إذا كان الكل بصفة دم الحيض وإن كان بعضه أسود وبعضه أحمر، أو كان الجميع بصفة دم الاستحاضة - أي أصفر - وإن كان مع اختلاف درجات الصفرة.

ففي القسم الأوّل تجعل الدم الفاقد لصفة الحيض استحاضة، كما تجعل الدم الواجد لها حيضاً مطلقاً إذا لم يلزم من ذلك محذور عدم فصل أقلّ الطهر - أي عشرة أيّام - بين حيضتين مستقلتين، وإلّا فعليها جعل الثاني استحاضة أيضاً.

هذا إذا لم يكن الواجد أقلّ من ثلاثة أيّام ولا أكثر من العشرة، وأمّا مع كونه أقلّ أو أكثر فلا بُدَّ في تعيين عدد أيّام الحيض من الرجوع إلى أحد الطريقين الآتيين في القسم الثاني بتكميل العدد إذا كان أقلّ من ثلاثة بضمّ بعض أيّام الدم الفاقد لصفة الحيض، وتنقيصه إذا كان أكثر من العشرة بحذف بعض أيّام الدم الواجد لصفة الحيض، ولا يحكم بحيضية الزائد على العدد.

وأمّا في القسم الثاني فالمبتدئة تقتدي ببعض نسائها في العدد.

ويعتبر فيمن تقتدي بها أمران:

الأوّل: عدم العلم بمخالفتها معها في مقدار الحيض، فلا تقتدي المبتدئة بمن كانت قريبة من سن اليأس مثلاً.

الثاني: عدم العلم بمخالفة عادة من تريد الاقتداء بها مع عادة من يماثلها من سائر نسائها.

وإذا لم يمكن الاقتداء ببعض نسائها كانت مخيّرة في كلّ شهر في التحيّض فيما بين الثلاثة إلى العشرة، ولكن ليس لها أن تختار عدداً تطمئنّ بأنّه لا يناسبها، والأحوط استحباباً اختيار السبعة إذا لم يكن غير مناسب لها.

وأمّا المضطربة فالأحوط وجوباً أن ترجع أوّلاً إلى بعض نسائها، فإن لم يمكن رجعت إلى العدد على النحو المتقدّم فيهما.

هذا كلّه فيما إذا لم تكن المضطربة ذات عادة أصلاً، وأمّا إذا كانت ذات عادة ناقصة بأن كان لأيّام دمها عدد (فوق الثلاثة) لا ينقص عنه كأن لم تكن ترى الدم أقلّ من خمسة أيّام، أو كان لها عدد (دون العشرة) لا تزيد عليه كأن لم تكن ترى الدم أكثر من ثمانية أيّام، أو كان لها عدد من كلا الجانبين (قلة وكثرة) كأن لم تكن ترى الدم أقلّ من خمسة ولا أكثر من ثمانية فليس لها أن تأخذ بأحد الضوابط الثلاثة في مورد منافاتها مع تلك العادة الناقصة.

أحكام الناسية للعادة

(مسألة 66): إذا كانت ذات عادة عدديّة فقط ونسيت عادتها ثُمَّ رأت الدم ثلاثة أيّام أو أكثر ولم يتجاوز العشرة كان جميعه حيضاً، وأمّا إذا تجاوزها فحكمها في ذلك كلّه حكم المبتدئة المتقدّم في المسألة السابقة، ولكنّها تمتاز عنها في موردين:

1- ما إذا كان العدد الذي يقتضيه أحد الضوابط الثلاثة المتقدّمة أقلّ من المقدار المتيقّن من عادتها، كما إذا كان العدد المفروض سبعة وهي تعلم أن عادتها المنسيّة إما كانت ثمانية أو تسعة، ففي مثل ذلك لا بُدَّ أن تجعل القدر المتيقّن من عادتها حيضاً، وهو الثمانية في المثال.

2- ما إذا كان العدد المفروض أكبر من عادتها، كما إذا كان ثمانية وهي تعلم بأن عادتها كانت خمسة أو ستّة، ففي ذلك لا بُدَّ أن تجعل أكبر عدد تحتمل أنّه كان عادة لها حيضاً، وهو الستّة في المثال.

وأمّا في غير هذين الموردين فلا عبرة بالعدد المنسي، ولكنّها إذا احتملت العادة فيما زاد على العدد المفروض فالأحوط الأولى أن تعمل فيه بالاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.

(مسألة 67): إذا كانت ذات عادة وقتيّة فقط فنسيتها وتجاوز الدم عن العشرة فحكمها ما تقدّم في المبتدئة من لزوم الرجوع إلى التمييز أو الرجوع إلى بعض نسائها أو اختيار العدد على التفصيل المتقدّم، ولا خصوصيّة للمقام إلّا في موردين:

الأوّل: ما إذا علمت بأن زماناً خاصّاً - أقلّ من الثلاثة - ترى فيه الدم فعلاً جزء من عادتها الوقتيّة ولكنّها نسيت مبدأ الوقت ومنتهاه، فحكمها حينئذٍ لزوم التمييز بالدم الواجد للصفات المشتمل على ذلك الزمان، وأمّا مع عدم الاشتمال عليه فتعتبر فاقدة للتمييز فتختار العدد المشتمل عليه على التفصيل المتقدّم.

الثاني: ما إذا لم تعلم بذلك ولكنّها علمت بانحصار زمان العادة في بعض الشهر كالنصف الأوّل منه، وحينئذٍ فلا أثر للدم الواجد للصفة إذا كان خارجاً عنه، كما أنّه ليس لها اختيار العدد في غيره.

هذا والأحوط الأولى لها أن تحتاط في جميع أيّام الدم مع العلم بالمصادفة مع وقتها إجمالاً.

(مسألة 68): إذا كانت ذات عادة عدديّة ووقتيّة فنسيتها ففيها صور:

الأولى: أن تكون ناسية للوقت مع حفظ العدد، فإن لم يتجاوز الدم العشرة فجميعه حيض، وإن تجاوزها فالحكم فيها هو الرجوع في العدد إلى عادتها وفي الوقت إلى التمييز على التفصيل المتقدّم في المسألة السابقة، ومع عدم إمكان الرجوع إليه تجعل العدد في أوّل رؤية الدم إذا أمكن جعله حيضاً، وإلّا فتجعله بعده كما إذا رأت الدم المتجاوز عن العشرة بعد تمام الحيض السابق من دون فصل عشرة أيّام بينهما.

الثانية: أن تكون حافظة للوقت وناسية للعدد، ففي هذه الصورة مع تذكّرها مبدأ الوقت تجعل ما تراه من الدم في وقتها المعتاد - بصفة الحيض أو بدونها - حيضاً، فإن لم يتجاوز العشرة فجميعه حيض، وإن تجاوزها فعليها أن ترجع في تعيين العدد إلى التمييز إن أمكن وإلّا فإلى بعض أقاربها، وإن لم يمكن الرجوع إلى الأقارب أيضاً فعليها أن تختار عدداً مخيّرة بين الثلاثة إلى العشرة. نعم، لا عبرة بشيء من الضوابط الثلاثة في موردين تقدّم بيانهما في المسألة (66).

الثالثة: أن تكون ناسية للوقت والعدد معاً، والحكم في هذه الصورة وإن كان يظهر ممّا سبق إلّا أنّا نذكر فروعاً للتوضيح:

1- إذا رأت الدم بصفة الحيض أيّاماً لا تقل عن ثلاثة ولا تزيد على عشرة كان جميعه حيضاً، وأمّا إذا كان أزيد من عشرة ولم تعلم بمصادفته لأيّام عادتها تحيّضت به وترجع في تعيين عدده إلى بعض أقاربها، وإلّا فتختار عدداً بين الثلاثة والعشرة على التفصيل المشار إليه في الصورة الثانية.

2- إذا رأت الدم بصفة الحيض أيّاماً لا تقل عن ثلاثة ولا تزيد على عشرة، وأيّاماً بصفة الاستحاضة ولم تعلم بمصادفة ما رأته من الدم مع أيّام عادتها جعلت ما بصفة الحيض حيضاً وما بصفة الاستحاضة استحاضة، إلّا في موردين تقدّم بيانهما في المسألة (66).

3- إذا رأت الدم وتجاوز عشرة أيّام وعلمت بمصادفته لأيّام عادتها فوظيفتها الرجوع إلى التمييز إن أمكن وإلّا فإلى بعض نسائها، فإن لم يمكن الرجوع إليهنّ أيضاً فعليها أن تختار عدداً بين الثلاثة والعشرة، ولا أثر للعلم بالمصادفة مع الوقت إلّا في موردين تقدّم التعرّض لهما في المسألة (67)، وإنّما ترجع إلى العدد الذي يقتضيه أحد الضوابط الثلاثة المتقدّمة فيما إذا لم يكن أقلّ من القدر المتيقّن من عددها المنسي ولا أزيد من أكبر عدد تحتمل أن تكون عليه عادتها، وأمّا في هذين الموردين فحكمها ما تقدّم في المسألة (66).

أحكام الحائض

لا تصحّ من الحائض الصلاة الواجبة والمستحبّة، ولا قضاء لما يفوتها من الصلوات حال الحيض حتّى الآيات والمنذورة في وقت معيّن، ولا يصحّ منها الصوم أيضاً، لكن يجب عليها أن تقضي ما يفوتها من الصوم في شهر رمضان، والأحوط وجوباً قضاء المنذور في وقت معيّن، ولا يصحّ منها أيضاً الاعتكاف ولا الطواف الواجب، وهكذا الطواف المندوب على الأحوط لزوماً.

(مسألة 69): يحرم على الحائض كلّ ما كان يحرم على الجنب، وقد تقدّم ذلك في المسألة (41).

(مسألة 70): يحرم وطء الحائض في قبلها أيّام الدم، ويجوز وطؤها بعد انقطاعه وقبل الغسل، والأحوط وجوباً أن يكون ذلك بعد غسل الفرج. وأمّا الوطء في الدبر فيكره كراهة شديدة في الحائض وغيرها مع رضاها، وأمّا مع عدمه فالأحوط وجوباً تركه.

(مسألة 71): الأحوط الأولى للزوج أن يكفِّر عن وطء زوجته حال الحيض مع علمه بذلك، والكفّارة تختلف باختلاف زمان الوطء، فإنّ أيّام الدم تنقسم إلى ثلاثة أقسام، فإذا كان الوطء في القسم الأوّل فكفارته ثماني عشرة حبّة من الذهب المسكوك، وإذا كان في القسم الثاني فهي تسع حبّات منه، وإذا كان في القسم الثالث فأربع حبّات ونصف. وتجزئ قيمة الذهب عنه.

(مسألة 72): لا يصحّ طلاق الحائض، وتفصيل ذلك يأتي في محلّه.

(مسألة 73): غسل الحيض كغسل الجنابة من حيث الترتيب والارتماس، والظاهر إغناؤه عن الوضوء كما تقدّم، وإن كان الأحوط استحباباً بل الأفضل الوضوء قبله.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/10

هل يتوقف شفاء بعض الأمراض على شرب ’الخمر’؟!
لو وصلتنا روايةٌ صحيحة السند ولكنَّها غير متواترة، تحمل مضموناً مخالفا لما عليه التجارب الطبيَّة والعلمية التي يطمئن الأطباء والعلماء إلى نتائجها، فما هو العمل فهل نُؤول الرواية؟

[اشترك]

أو نرد قول العلماء؟ أو نرد علمها إلى أهلها؟ وربما يُمثل لذلك بما ورد في الكافي بسنده عن عمرو بن أذينة قال: كتبتُ إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الرجل يُنعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذ، ليس يُريد به اللذَّة إنَّما يريد به الدواء؟ فقال: لا، ولا جرعة ثم قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يجعل في شيءٍ ممَّا حرم دواء ولا شفاء".

فإنَّ الأطباء يقولون إنَّ بعض المحرمات فيها شفاء من بعض الأمراض كما هو معروف فما تقولون؟

الجواب من سماحة الشيخ محمد صنقور:

لو ثبت انَّ الخمر وشبهه من المحرَّمات يصلح دواءً لبعض الأمراض فإنَّ ذلك لا يُنافي مفاد الرواية المذكورة وشبهها، فإنّها إنَّما تكون منافيةً لو كان مفادها هو امتناع واستحالة أنْ يكون مثل الخمر صالحاً لشفاء أيِّ مرضٍ من الأمراض فيكون معنى "ما جعل الله في شيء مما حرَّم دواءً ولا شفاء"(1) هو نفي الجعل التكويني فإنَّ ذلك بحسب الفرض منافٍ لما ثبت علمياً من أنَّ بعض المحرَّمات تصلح لشفاء بعض الأمراض.

وأمَّا لو كان مفاد الرواية هو أنَّ الله تعالى لم يُرخِّص في الاستشفاء بشيءٍ من المحرَّمات فحينئذٍ لا تكون مثل هذه الرواية نافية لصلاحيَّة المحرَّم للشفاء تكويناً وإنَّما هي نافية لإباحة الاستشفاء بالمحرَّم شرعاً وإنْ كان هذا المحرَّم مقتضياً للشفاء تكويناً.

 

فالجعل المنفي في الرواية المذكورة -بناءً على ذلك- هو الجعل التشريعي وليس هو الجعل التكوينى أي إنَّ معنى قوله (ع): "ما جعل الله في شيء ممَّا حرَّم دواءً ولا شفاء" هو أنَّ الله تعالى لم يجعل الرخصةَ والاباحة في الاستشفاء بشيءٍ ممَّا حرَّم.

والمؤيِّد لذلك هو أنَّ رواياتٍ عديدة شدَّدت النهي على ترك التداوي بمثل الخمر ولم يُشر شيءٌ منها إلى أنَّ من عللِ ذلك أو مِن حِكَمه أنَّ الخمر غير مقتضٍ للشفاء تكويناً رغم انَّ ذكر ذلك أَدعى لترك التداوي به عند المخاطَب، وهو في ذات الوقت ينفي عن المخاطَب الاستيحاش من النهي عن شرب الخمر للاستشفاء لأنَّه يرى أنَّ ذلك ينبغي أنْ يكون مسِّوغاً لاباحة شربه، فإذا علم أنَّ شربه لا يقتضي الشفاء واقعاً فإنَّ الاستيحاش من النهي عن شربه للاستشفاء يزول بذلك إذ أنَّ إباحته لو قُدِّر لها أنْ تثبت فهي إنَّما ستثبت في ظرف صلاحيته للتداوي والشفاء فإذا لم يكن صالحاً لذلك تكويناً فلا مسوَّغ حينئذٍ لإباحته.

وبذلك يتَّضح أنَّ ذكر التعليل بأنَّ الخمر غير مقتض للشفاء تكويناً يكون مناسباً جداً لو كانت هذه القضية ثابتة واقعاً وكان أهل البيت (ع) قد عللوا بها النهي في موارد أخرى.

ولهذا يكون عدم ذكر هذا التعليل في أكثر الروايات مؤيِّداً واضحاً على عدم إرادتهم لهذا التعليل في الروايات المستظَهر منها بدواً إرادة هذا التعليل.

ولمزيدٍ من التوضيح ننقل بعض الروايات التي أفادت حرمة التداوي بمثل الخمر دون أنْ تُشير إلى أنَّ مثل الخمر لا يصلح تكويناً للشفاء.

الرواية الأولى: عن أبي بصير قال: دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله (ع) وأنا عنده فقالت: جعلتُ فداك إنَّه يعتريني قراقر في بطني وقد وصف لي أطباءُ العراق النبيذ بالسويق فقال (ع): ما يمنعك من شربه؟ فقالت: قد قلدتُك ديني فقال: فلا تذوقي منه قطرة، لا والله لا آذن لك في قطرةٍ منه، فإنَّما تندمين إذا بلغت نفسك ههنا وأومىءَ بيده إلى حنجرته يقولها ثلاثاً، أفهمت؟ فقالت: نعم، ثم قال أبو عبد الله (ع): ما يبلُّ الميل يُنجَّس حَّباً من ماء يقولها ثلاثاً(2).

الرواية الثانية: عن أسباط عن أبيه قال كنتُ عند أبي عبد الله (ع) فقال له رجل: إنَّ بي أرياح البواسير وليس يوافقني إلا شرب النبيذ قال: فقال: مالك ولِما حرَّم اللهُ ورسولُه، يقول ذلك ثلاثا -عليك بهذا المريس الذي تمرسه بالليل وتشربه بالغداة وتمرسه بالغداة وتشربه بالعشي فقال: هذا ينفخ البطن فقال: فأدلك على ما هو أنفع من هذا، عليك بالدعاء فإنَّه شفاء من كلِّ داء، قال: فقلنا له: فقليلُه وكثيره حرام؟ قال: قليلُه وكثيره حرام(3).

الرواية الثالثة: رواه العياشي في تفسيره عن شيخ من أصحابنا، عن أبي عبد الله (ع) قال: "كنَّا عنده فسأله شيخ فقال: إنَّ بي وجعاً وأنا أشربُ له النبيذ ووصفه له الشيخ فقال له: ما يمنعك من الماء الذي جعل الله منه كلَّ شيء حي قال، لا يوافقني قال: فما يمنعك من العسل قال الله: "فيه شفاء للناس؟ قال: لا أجده قال: فما يمنعك من اللبن الذي نبت منه لحمك واشتَّد عظمك؟ قال: لا يوافقني قال أبو عبد الله (ع): تريد أنْ آمرك بشرب الخمر لا والله لا آمرك"(4).

فهذه الروايات ومثلها غيرُها لم يشتمل شيءٌ منها على الإشارة إلى أنَّ المحرَّم لا يقتضي الشفاء تكويناً رغم اتحادها موضوعاً مع الرواية التي وقع السؤال عنها وهو اتخاذ الخمر للتداوي والاستشفاء، فالإمام (ع) لم يذكر في هذه الروايات وكذلك غيرها أنَّ الخمر لا يصلح تكويناً للشفاء رغم أنَّ المناسب هو ذكر ذلك أو الإشارة إليه لما بينَّاه.

على أنَّ الرواية تسترعي الإشارة إلى ذلك لو كان ثابتاً واقعاً، وذلك لانَّ السائل قد أفاد أن أطباء العراق قد وصفوا الخمر دواءً لدائه فالمناسب هو نفي الصحَّة عن توصيفهم خصوصاً وأنَّ الواضح من حال السائل أنَّه يُقدِّم قول الإمام (ع) على تشخيص الأطباء إلا أنَّ الإمام عدل عن تخطئتهم في التشخيص الموضوعي وتمحَّض جوابه في بيان الحكم الشرعي، وذلك ما قد يُوهم إقرار الإمام (ع) بصحَّة تشخيصهم الموضوعي وأنَّ النبيذ يصلح دواءً تكويناً إلا أنَّ الشأن في جواز اتخاذه دواءً وعدم جوازه أو أنَّ سكوته عن تشخيصهم وعدوله - إلى بيان الحكم الشرعي يُوهم بإقراره بإمكانية صحة قولهم.

وعلى كلا التقدير تنتفي دعوى بناء الإمام (ع) على أنَّ مثل الخمر لا يصلح للاستشفاء تكونياً بنحو مطلق.

وكذلك الحال في الرواية الثانية فإنَّ السائل أفاد بأنَّه ينتفع بشرب النبيذ وأنَّه لا شيء غيره ينتفع به لعلاج مرضه، فهو يُخبر عن وجدان، فالإمام (ع) لم ينفِ صحَّة ما يجده السائل وأنَّه متوهِّم فيما يجد بل عدل عن ذلك وتصدَّى لبيان حكم الاستشفاء بالنبيذ، وأفاد أنَّه ممَّا حرَّمه الله تعالى ورسوله (ص) فلو كان السائل كاذباً لكان الأولى بالإمام (ع) ردعه عن دعواه أنَّ الله قد جعل شفاءه في الحرام، ولوكان مخطئاً فيما يجد لكان المناسب تنبيهه أنَّ ما يجده من الموافقة ما هو إلا وهم وأنَّ الله لم يجعل الشفاء في الخمر، فإنَّ عدم تنبيهه على أنَّ ما يجده كان وهماً يُشعر بإقرار الإمام (ع) أنَّ السائل لم يكن متوهَّماً وإلا فالمناسب هو بيان ذلك للسائل رفعاً لاستيحاشه من النهى عن شرب دواءٍ ينفعه وجداناً وليكون ذلك أدعى لترك الاستشفاء به والسعي من أجل البحث عن دواءٍ آخر.

فعدول الإمام (ع) عن ذلك وتمحّض جوابه في بيان الحكم الشرعي ثم تأكيده أنَّ قليل الخمر مثل كثيره حرام مشعرٌ بأنَّ ما يجده من الانتفاع بالنبيذ ليس منافياً للواقع بل هو منافٍ للاباحة الشرعية وحسب.

وهكذا الحال في الرواية الثالثة فإنَّ الإمام (ع) عدل عن نفي صحة ما يدعيه السائل من موافقة النبيذ لوجعه إلى نعت أشربةٍ أُخرى كالعسل واللبن، فلو كان الواقع أنَّ النبيذ لا يُوافقه لكان المناسب هو تفنيد دعوى السائل إلا أنَّ الإمام (ع) لم يفعل ذلك بل وصف له أشربةً أخرى، فحين اعتذر عنها أفاد الإمام (ع) أنَّه لا يأذن له في الاستشفاء بالخمر.

فمساقُ الرواية مشعر إذا لم يكن ظاهراً في إقرار الإمام (ع) إمكانية أنْ يكون النبيذ دواءً لمرض السائل إلا أنَّ شفاءه من هذا المرض لا ينحصر بهذا الدواء.

والمتحصَّل أنَّ مثل هذه الروايات تصلح مؤيداً على أنَّ ما يُستظهر بدواً من رواية ابن أُذينة ليس هو المراد بل المراد هو نفي الجعل الشرعي للترخيص في الاستشفاء بالمحرَّم.

ثم إنَّ هنا رواياتٍ ظاهرها الإقرار بإمكانية أنْ يكون المحرمَّ مقتضياً للشفاء تكويناً، وهو ما يؤيد عدم إرادة الإمام (ع) من معتبرة ابن اُذينة امتناع أنَ يكون المحرَّم دواءً تكويناً، فإنَّ كلام أهل البيت (ع) يُفسَّر بعضُه بعضاً.

فمِن هذه الروايات ما رواه الشيخ بسنده عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع) في رجلٍ اشتكى عينيه فنعت له بكحل يُعجن بالخمر فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة فإنْ كان مضطراً فليكتحل به(5).

فمثل هذه الرواية ظاهرة جداً في إقرار الامام (ع) بامكانيَّة اقتضاء المحرَّم للشفاء، ولو قيل إنَّ أقصى ما تدلُّ عليه هذه الرواية هو امكانيَّة الاستشفاء بالمحرَّم إذا كان بغير الشرب، فلا مانع من حمل معتبرة ابن أُذينه على أنَّ المراد منها هو امتناع الشفاء بالمحرم تكونياً إذا كان بنحو الشرب، وعليه فرواية هارون لا تنفي ماهو المُستظَهَر من معتبرة ابن أُذنية في الامتناع التكوينى للشفاء بالمحرَّم.

لو قيل ذلك فإنَّ جوابه أنَّ هذا الإشكال لا يرد على مثل رواية سماعة قال: قال لى أبو عبدالله (ع) عن رجل كان به داء فأُمر بشرب البول فقال: لا يشربه، قلتُ إنَّه مضطرٌ إلى شربه قال: إنْ كان مضطراً إلى شربه ولم يجد دواءً لدائه فليشرب بوله، وأمَّا بول غيره فلا"(6).

فإنَّ هذه الرواية ظاهرة جداً في تسليم الامام (ع) بامكانية اقتضاء المحرَّم وهو البول للشفاء تكويناً.

وكذلك يصحُّ الاستشهاد بالروايات التى أباحت شربَ بولِ البقر للإستشفاء بناءً على حرمته لخباثته.

والمتحصل ممَّا ذكرناه أنَّ امتناع اقتضاء المحرَّم للشفاء تكويناً ليس هو المعنى المتعيَّن من مفاد معتبرة ابن أذنية، فإنَّ هذا المعنى وإنْ كان هو المُستظَهر بدْواً إلا أن هذا الظهور لا يستقرُّ بعد ملاحظة ماذكرناه من قرائن ومؤِّيدات للمعنى الآخر، فإما أنْ تكون مثل معتبرة ابن اذنية ظاهرة في المعنى الثاني الذي ذكرناه وهو إرادة نفي الجعل التشريعي أو تكون مجملة.

ومع الاصرار على استظهار المعنى الاول يتعيَّن حملها على أن المراد من أنَّ الله لم يجعل فيما حرَّم شفاء هو أنَّه تعالى لم يجعل فيما حرَّم شفاءً مستقراً ومن تمام الجهات، فالمستشفي بمثل الخمر وإن كان قد يتعافي من مرضه الذي يُعاني منه إلا أنَّه يبتلي بأمراضٍ أخرى أو بمضاعفات تظهر عليه فيما بعد.

فمعنى الرواية بناءً على ذلك هو أنَّ الله تعالى لم يجعل شفاءً حقيقياً مستقراً مجرداً من التبعات في شيءٍ ممَّا حرَّم لله.

الهوامش: 1- كفاية الأحكام -المحقق السبزواري- ج2 / ص628. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص344. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص345. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص348. 5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص350. 6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص346.
2022/11/09

6 أسباب توجب عليك ’الغُسل’.. تعرّف عليها
الغسل - موجبات الغسل ستّة: 1- الجنابة. 2- الحيض. 3- النفاس. 4- الاستحاضة. 5- مسّ الميّت. 6- الموت.

غسل الجنابة

تتحقّق الجنابة بأمرين:

1- خروج المنيّ في الرجل من الموضع المعتاد مطلقاً، وكذا من غيره إذا كان الخروج طبيعيّاً، وإلّا فالأحوط الجمع بين الغسل والوضوء إذا كان محدثاً بالأصغر.

وفي حكم المنيّ ظاهراً الرطوبة المشتبهة به الخارجة بعد خروجه وقبل الاستبراء بالبول، وأمّا الرطوبة المشتبهة غيرها فإن كانت جامعةً للصفات الثلاثة (الشهوة، الدفق، الفتور) فهي بحكم المنيّ، وإلّا فلا يحكم به. ويكفي في المريض مجرّد الشهوة.

وأمّا المرأة فهي وإن لم يكن لها منيّ بالمعنى المعروف إلّا أنّ السائل الخارج منها بما يصدق معه الإنزال عرفاً بحكم المنيّ فيما إذا اقترن ذلك بوصولها إلى ذروة التهيّج الجنسي (الرعشة)، بل وإن لم يقترن بذلك على الأحوط لزوماً، دون البلل الموضعي الذي لا يتجاوز الفرج ويحصل بالإثارة الجنسيّة الخفيفة فإنّه لا يوجب شيئاً.

2- الجماع - ولو لم ينزل - في قبل المرأة ودبرها، وهو يوجب الجنابة للرجل والمرأة.

والأحوط وجوباً في وطء غير المرأة الجمع بين الغسل والوضوء للواطئ والموطوء إذا كانا محدثين بالأصغر، وإلّا كفى الغسل.

(مسألة 40): يجب غسل الجنابة لأربعة أمور:

1- الصلاة الواجبة ما عدا صلاة الميّت.

2- الأجزاء المنسيّة من الصلاة، وكذا صلاة الاحتياط. ولا تعتبر الطهارة في سجود السهو وإن كان ذلك أحوط.

3- الطواف الواجب وإن كان جزءاً لحجّة أو عمرة مندوبة.

4- الصوم على تفصيل يأتي.

(مسألة 41): يحرم على الجنب أمور:

1- مسّ لفظ الجلالة، وكذا سائر أسمائه تعالى وصفاته المختصّة به على الأحوط وجوباً. ويلحق به مسّ أسماء المعصومين (عليهم السلام) على الأحوط الأولى.

2- مسّ كتابة القرآن.

3- الدخول في المساجد وإن كان لأخذ شيء منها. نعم، لا يحرم اجتيازها بالدخول من باب والخروج من آخر أو نحوه.

4- المكث في المساجد.

5- وضع شيء في المساجد على الأحوط وجوباً وإن كان ذلك في حال الاجتياز أو من الخارج.

6- الدخول في المسجد الحرام ومسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان على نحو الاجتياز.

7- قراءة إحدى العزائم الأربع، وهي الآيات التي يجب السجود لقراءتها، والأحوط الأولى أن لا يقرأ شيئاً من السور التي فيها العزائم، وهي: «السجدة»، «فُصّلت»، «النجم»، «العلق».

(مسألة 42): المشاهد المشرّفة للمعصومين (عليهم السلام) تلحق بالمساجد على الأحوط وجوباً، ولا يلحق بها أروقتها - فيما لم يثبت كونه مسجداً كما ثبت في بعضها -، كما لا يلحق بها الصحن المطهّر وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً.

كيفية الغسل

الغسل قسمان: ارتماسي وترتيبي.

1- الارتماسي، وهو على نحوين: دفعي وتدريجي. والأوّل: هو تغطية الماء لمجموع البدن وستره لجميع أجزائه، وهو أمر دفعي يعتبر الانغماس التدريجي مقدّمة له. والثاني: هو غمس البدن في الماء تدريجاً مع التحفّظ فيه على الوحدة العرفيّة، فيكون غمس كلّ جزء من البدن جزءاً من الغسل لا مقدّمة له كما في النحو الأوّل، ويصحّ الغسل بالنحو الثاني كالأوّل.

ويعتبر في الثاني أن يكون كلّ جزء من البدن خارج الماء قبل رمسه بقصد الغسل، ويكفي في النحو الأوّل خروج بعض البدن من الماء ثُمَّ رمسه بقصد الغسل.

2- الترتيبي، والأحوط وجوباً في كيفيّته أن يغسل أوّلاً تمام الرأس والرقبة ثُمَّ بقيّة البدن. ولا يجب الترتيب بين الطرفين، فيجوز غسلهما معاً أو بأيّة كيفيّة أخرى، وإن كان الأحوط استحباباً أن يغسل أوّلاً تمام النصف الأيمن ثُمَّ تمام النصف الأيسر.

ويجب في غسل كلّ عضو إدخال شيء من الآخر ممّا يتّصل به إذا لم يحصل العلم بإتيان الواجب إلّا بذلك.

(مسألة 43): الأحوط وجوباً عدم الاكتفاء في الغسل بتحريك البدن تحت الماء بقصد الغسل، كأن يكون جميع بدنه تحت الماء فيقصد الغسل الترتيبي بتحريك الرأس والرقبة أوّلاً ثُمَّ الجانبين، وكذلك تحريك بعض الأعضاء وهو في الماء بقصد غسله. وأيضاً الأحوط وجوباً عدم الاكتفاء في الغسل بإخراج البدن من الماء بقصد الغسل، ومثله إخراج بعض الأعضاء من الماء بقصد غسله.

شروط الغسل

يعتبر في الغسل جميع ما تقدّم اعتباره في الوضوء من الشروط، ولكنّه يمتاز عن الوضوء من وجهين:

1- إنه لا يعتبر في غسل أي عضو هنا أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل، وقد تقدّم اعتبار هذا في الوضوء في الجملة.

2- الموالاة، فإنّها غير معتبرة في الغسل، وقد كانت معتبرة في الوضوء.

(مسألة 44): غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء، بل يجزئ عنه بقيّة الأغسال الواجبة أو الثابت استحبابها أيضاً، إلّا غسل الاستحاضة المتوسّطة فإنّه لا بُدَّ معه من الوضوء كما سيأتي.

والأحوط الأولى ضمّ الوضوء إلى سائر الأغسال غير غسل الجنابة. ويجوز الإتيان به قبلها أو بعدها، وكذا في أثنائها إذا جيء بها ترتيبيّة. نعم، في غسل الاستحاضة الكثيرة يؤتى به قبله فقط.

(مسألة 45): إذا كان على المكلّف أغسال متعدّدة - كغسل الجنابة والجمعة والحيض وغير ذلك - جاز له أن يغتسل غسلاً واحداً بقصد الجميع ويجزئه ذلك، كما يجوز له أن ينوي خصوص غسل الجنابة وهو أيضاً يجزئ عن غيره.

وأمّا إذا نوى غير غسل الجنابة فلا إشكال في إجزائه عمّا قصده، وفي إجزائه عن غيره كلام والصحيح هو الإجزاء. نعم، في إجزاء أيّ غسل عن غسل الجمعة من دون قصده ولو إجمالاً إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك. ومثله الأغسال الفعليّة سواء أكانت للدخول في مكان خاصّ كالحرم المكي أو للإتيان بفعل خاصّ كالإحرام.

ثُمَّ إن ما ذكر من إجزاء غسل واحد عن أغسال متعدّدة يجري في جميع الأغسال الواجبة والمستحبّة - مكانيّة أو زمانيّة أو لغاية أخرى -، ولكن جريانه في الأغسال المأمور بها بسبب ارتكاب بعض الأفعال - كمسّ الميّت بعد غسله الذي يستحبّ الغسل له - مع تعدّد السبب نوعاً لا يخلو عن إشكال.

(مسألة 46): إذا أحدث بالأصغر أثناء غسل الجنابة فله أن يتمّه، والأحوط وجوباً ضمّ الوضوء إليه حينئذٍ، وله العدول الاستئنافي من الترتيبي إلى الارتماسي وبالعكس، ولا حاجة حينئذٍ إلى ضمّ الوضوء.

(مسألة 47): إذا شكّ في غسل الجنابة بنى على عدمه، وإذا شكّ فيه بعد الفراغ من الصلاة لم تجب إعادتها، إلّا إذا كانت مؤقّتة وحدث الشكّ في الوقت وصدر منه الحدث الأصغر بعد الصلاة فإنّ الأحوط وجوباً إعادتها حينئذٍ. ويجب عليه الغسل لكلّ عمل تتوقّف صحّته أو جوازه على الطهارة من الحدث الأكبر من غير فرق بين الصلاة وغيرها حتّى مثل مسّ كتابة القرآن.

وهذا الغسل يمكن أن يقع على نحوين:

الأوّل: أن يقطع بكونه مأموراً به - وجوباً أو استحباباً - كأن يقصد به غسل يوم الجمعة أو غسل الجنابة المتجدّدة بعد الصلاة، وحينئذٍ فله الاكتفاء به في الإتيان بكلّ عمل مشروط بالطهارة، سواء سبقه الحدث الأصغر أم لا.

الثاني: أن لا يكون كذلك بأن أتى به لمجرّد احتمال بقاء الجنابة التي يشكّ في الاغتسال منها قبل الصلاة، وحينئذٍ يكتفى به في الإتيان بما هو مشروط بالطهارة عن الحدث الأكبر فقط كجواز المكث في المساجد.

وأمّا ما هو مشروط بالطهارة حتّى عن الحدث الأصغر فلا يكتفى فيه بالغسل بل يجب ضمّ الوضوء إليه إن سبقه صدور الحدث منه دون ما لم يسبقه.

 

2022/11/09

الطهارة والوضوء: ما الحدث.. وما الخبث؟
أحكام الطهارة: الطهارة تجب الطهارة بأمرين: الحدث والخبث. والحَدَث هو: القذارة المعنويّة التي توجد في الإنسان فقط بأحد أسبابها الآتية. وهو قسمان:

[اشترك]

أصغر وأكبر، فالأصغر يوجب الوضوء، والأكبر يوجب الغُسل.

والخَبَث هو: النجاسة الطارئة على الجسم من بدن الإنسان وغيره. ويرتفع بالغسل أو بغيره من المطهّرات الآتية.

الوضوء

يتركّب الوضوء من أربعة أمور:

1- غسل الوجه، وحدّه ما بين قصاص الشعر والذقن طولاً، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضاً، فيجب غسل كلّ ما دخل في هذا الحدّ. والأحوط وجوباً أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل، ويكفي في ذلك الصدق العرفي، فيكفي صبّ الماء من الأعلى ثُمَّ إجراؤه على كلّ من الجانبين على النهج المتعارف من كونه على نحو الخط المنحني.

2- غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع، والمرفق هو: مجمع عظمي الذراع والعضد. ويجب أن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفاً.

3- مسح مقدّم الرأس، ويكفي مسمّاه وإن كان الأحوط استحباباً أن يمسح بمقدار ثلاثة أصابع مضمومة، كما أن الأحوط استحباباً أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل، وأن يكون بباطن الكفّ، وبنداوة الكفّ اليمنى.

4- مسح الرجلين، والواجب مسح ما بين أطراف الأصابع إلى المفصل بين الساق والقدم، ولا يكفي المسح إلى قبة القدم على الأحوط وجوباً، ويكفي المسمّى عرضاً. والأولى المسح بكلّ الكفّ.

ويجب غسل مقدار من الأطراف زائداً على الحدّ الواجب، وكذلك المسح إذا لم يحصل اليقين بتحقّق المأمور به إلّا بذلك.

ولا بُدَّ في المسح من أن يكون بالبلّة الباقية في اليد، فلو جفّت لحرارة البدن أو الهواء أو غير ذلك أخذ البلّة من لحيته ومسح بها، والأحوط الأولى أن يأخذ البلّة من لحيته الداخلة في حدّ الوجه وإن جاز له الأخذ من المسترسل أيضاً إلّا ما خرج عن المعتاد، فإن لم يتيسّر له ذلك أعاد الوضوء، ولا يكتفي بالأخذ من بلّة الوجه على الأحوط لزوماً.

(مسألة 26): يجوز النكس في مسح الرجلين، بأن يمسح من الكعب إلى أطراف الأصابع. والأحوط استحباباً مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى واليسرى باليسرى وإن كان يجوز مسح كلّ منهما بكلّ منهما.

شرائط الوضوء

يشترط في صحّة الوضوء أمور:

1- النيّة، بأن يكون الداعي إليه قصد القربة، ويجب استدامتها إلى آخر العمل. ولو قصد أثناء الوضوء قطعه أو تردّد في إتمامه ثُمَّ عاد إلى قصده الأوّل قبل فوات الموالاة ولم يطرأ عليه مفسد آخر جاز له إتمام وضوئه من محلّ القطع أو التردّد.

2- طهارة ماء الوضوء. وفي اعتبار نظافته - بمعنى عدم تغيّره بالقذارات العرفيّة كالميتة الطاهرة وأبوال الدواب والقيح - قول، وهو أحوط وجوباً.

3- إباحة ماء الوضوء، بأن لا يكون مغصوباً.

وفي حكم الماء المتنجّس والمغصوب المشتبه بهما إذا كانت الشبهة محصورة، وضابطها: أن لا تبلغ كثرة الأطراف حدّاً يكون معه احتمال النجاسة أو الغصبيّة في كلّ طرف موهوماً.

(مسألة 27): إذا انحصر الماء المباح بما كان مشتبهاً بغيره ولم يمكن التمييز وكانت الشبهة محصورة وجب التيمّم. ولو انحصر الماء الطاهر بالمشتبه بغيره بالشبهة المحصورة جاز التيمّم بعد التخلّص منهما بالإراقة أو نحوها، ويشكل صحّة التيمّم قبل ذلك مع التمكّن من تحصيل الطهارة المائيّة ولو بأن يتوضّأ بأحدهما ويصلّي ثُمَّ يغسل مواضع إصابة الماء الأوّل بالماء الثاني ويتوضّأ منه ويعيد الصلاة.

(مسألة 28): إذا توضّأ بماء مغصوب - نسياناً أو جهلاً - فانكشف له الحال بعد الفراغ صحّ وضوؤه إذا لم يكن هو الغاصب. وأمّا الغاصب فلا يصحّ منه الوضوء بالماء المغصوب ولو كان ناسياً على الأحوط لزوماً.

(مسألة 29): الوضوء بالماء المتنجّس باطل ولو كان ذلك من جهة الجهل أو الغفلة أو النسيان.

(مسألة 30): لا يعتبر في الوضوء إباحة مكان التوضّؤ ولا الإناء الذي يتوضّأ منه وإن سقط وجوب الوضوء ووجب التيمّم لو انحصر المكان أو الإناء في المغصوب. ولكن لو خالف المكلّف وتوضّأ في المكان المغصوب صحّ، وكذا إذا توضّأ من الإناء المغصوب أثم وصحّ وضوؤه، من دون فرق بين الاغتراف منه دفعة أو تدريجاً والصبّ منه والارتماس فيه.

ويجري هذا الحكم في أواني الذهب والفضّة التي يحرم استعمالها في الأكل والشرب، بل وفي غيرهما أيضاً - كالطهارة من الخَبَث والحَدَث - على الأحوط وجوباً، فإنّه لو توضّأ منها صحّ وضوؤه، سواء أكان بالاغتراف تدريجاً أو بالصبّ أو بالارتماس.

4- إطلاق ماء الوضوء، فلا يصحّ الوضوء بالماء المضاف. وفي حكم المضاف المشتبه به إذا كانت الشبهة محصورة. ولا فرق في بطلان الوضوء بالماء المضاف بين صورتي العمد وغيره.

(مسألة 31): إذا اشتبه الماء المطلق بالمضاف جاز له أن يتوضّأ بهما متعاقباً، وإذا لم يكن هناك ماء مطلق آخر وجب ذلك ولا يسوغ له التيمّم.

5- طهارة أعضاء الوضوء، بمعنى أن يكون كلّ عضو طاهراً حين غسله أو مسحه. ولا يعتبر طهارة جميع الأعضاء عند الشروع فيه، فلو كانت نجسة وغسل كلّ عضو بعد تطهيره أو طهّره بغسلة الوضوء نفسها - حيث يكون الماء معتصماً - كفى.

6- أن لا يكون مريضاً بما يتضرّر معه من استعمال الماء، وإلّا لم يصحّ منه الوضوء ولزمه التيمّم.

7- الترتيب، بأن يغسل الوجه أوّلاً ثُمَّ اليد اليمنى ثُمَّ اليُسرى ثُمَّ يمسح الرأس ثُمَّ الرجلين، والأحوط الأولى رعاية الترتيب في مسح الرجلين فيقدّم مسح الرجل اليمنى على مسح الرجل اليسرى وإن كان يجوز مسحهما معاً. نعم، لا يجوز على الأحوط تقديم اليسرى على اليمنى.

8- الموالاة، وهي: التتابع العرفي في الغسل والمسح. ويكفي في الحالات الطارئة - كنفاد الماء وطروّ الحاجة والنسيان - أن يكون الشروع في غسل العضو اللاحق أو مسحه قبل أن تجفّ الأعضاء السابقة عليه، فإذا أخّره حتّى جفّت جميع الأعضاء السابقة بطل الوضوء، ولا بأس بالجفاف من جهة الحرّ أو الريح أو التجفيف إذا كانت الموالاة العرفيّة متحقّقة.

9- المباشرة، بأن يباشر المكلّف بنفسه أفعال الوضوء إذا أمكنه ذلك، ومع الاضطرار إلى الاستعانة بالغير يجوز له أن يستعين به، بأن يشاركه فيما لا يقدر على الاستقلال به، سواء أكان بعض أفعال الوضوء أم كلها، ولكنّه يتولّى النيّة بنفسه. وإن لم يتمكّن من المباشرة - ولو على هذا الوجه - طلب من غيره أن يوضّئه، والأحوط وجوباً حينئذٍ أن يتولّى النيّة كلّ منهما، ويلزم أن يكون المسح بيد نفس المتوضّئ، وإن لم يمكن ذلك أخذ المُعين الرطوبة التي في يده ومسح بها.

(مسألة 32): من تيقّن الوضوء وشكّ في الحدث بنى على الطهارة، ومن تيقّن الحدث وشكّ في الوضوء بنى على الحدث، ومن تيقّنهما وشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما وجب عليه الوضوء.

(مسألة 33): من شكّ في الوضوء بعد الفراغ من الصلاة بنى على صحّتها وتوضّأ للصلوات الآتية، حتّى فيما إذا تقدّم منشأ الشكّ على الصلاة بحيث لو التفت إليه قبلها لشكّ، كما إذا أحدث ثُمَّ غفل ثُمَّ صلّى ثُمَّ شكّ بعد الصلاة في التوضّؤ حال الغفلة. ولو شكّ في الوضوء أثناء الصلاة قطعها وأعادها بعد الوضوء.

(مسألة 34): إذا علم إجمالاً بعد الصلاة بطلان صلاته لنقصان ركن فيها - مثلاً - أو بطلان وضوئه وجبت عليه إعادة الصلاة فقط دون الوضوء.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء تسعة:

1،2- البول - وفي حكمه ظاهراً البلل المشتبه به قبل الاستبراء - والغائط، سواء أكان خروجهما من الموضع الأصلي - للنوع أو لفرد شاذّ الخلقة من هذه الجهة - أم من غيره مع انسداد الموضع الأصلي، وأمّا مع عدم انسداده فلا يكون ناقضاً إلّا إذا كان معتاداً له أو كان الخروج بدفع طبيعي لا بالآلة، وإن كان الأحوط استحباباً الانتقاض به مطلقاً.

ولا ينتقض الوضوء بالدم أو الصديد الخارج من أحد المخرجين ما لم يكن معه بول أو غائط، كما لا ينتقض بخروج المذي وهو: الرطوبة الخارجة عند ملاعبة الرجل المرأة ونحو ذلك ممّا يُثير الشهوة، والودي وهو: الرطوبة الخارجة بعد البول، والوذي وهو: الرطوبة الخارجة بعد المنيّ.

3- خروج الريح من مخرج الغائط - المتقدّم بيانه - إذا صدق عليها أحد الاسمين المعروفين.

4- النوم الغالب على السمع.

5- كلّ ما يزيل العقل من جنون أو إغماء أو سُكْر، دون مثل البَهَت.

6- الاستحاضة المتوسّطة والقليلة.

7-9- الجنابة والحيض والنفاس، فإنّها تنقض الوضوء وإن كانت لا توجب إلّا الغسل.

موارد وجوب الوضوء

يجب الوضوء لثلاثة أمور:

1- الصلوات الواجبة ما عدا صلاة الميّت. وأمّا الصلوات المستحبّة فيعتبر الوضوء في صحّتها كما يعتبر في الصلوات الواجبة.

2- الأجزاء المنسيّة من الصلاة الواجبة وكذا صلاة الاحتياط. ولا يجب الوضوء لسجدتي السهو وإن كان أحوط استحباباً.

3- الطواف الواجب وإن كان جزءاً لحجّة أو عمرة مندوبة.

(مسألة 35): يحرم على غير المتوضّئ أن يمسّ ببدنه كتابة القرآن. والأحوط وجوباً أن لا يمسّ اسم الجلالة والصفات المختصّة به تعالى، والأحوط الأولى إلحاق أسماء الأنبياء والأئمة والصدّيقة الطاهرة (عليهم السلام) بها.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/08

2022/11/07

ما هي الواجبات والمحرمات في الإسلام؟
التكاليف الإلزاميّة التي تقدّم أنّه يجب على كلّ مكلّف أن يحرز امتثالها بأحد الطرق المذكورة آنفاً على قسمين: الواجبات والمحرّمات.

[اشترك]

(مسألة 23): من أهمّ الواجبات في الشريعة الإسلاميّة:

1- الصلاة.

2- الصيام.

3- الحجّ.

وهذه الثلاثة يتوقّف أداؤها على تحصيل الطهارة بتفصيل سيأتي بيانه.

4- الزكاة.

5- الخمس.

6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويشتمل القسم الأوّل من هذه الرسالة على بيان شطر من أحكام الطهارة والواجبات الستّة المذكورة، كما يشتمل القسم الثاني على بيان شطر من أحكام العقود والإيقاعات التي يتعلّق بها واجب آخر من أهمّ الواجبات الشرعيّة، وهو الوفاء بالعقود والشروط والعهود ونحوها من التزامات المكلّف على نفسه تجاه ربه تعالى أو تجاه الناس.

وهناك جملة أخرى من الواجبات الشرعيّة ذكرت في هذه الرسالة، كما ذكر فيها بعض المستحبّات والمكروهات أحياناً.

(مسألة 24): من أهمّ المحرّمات في الشريعة الإسلاميّة:

1- اليأس من رَوح الله تعالى، أي رحمته وفرجه.

2- الأمن من مكر الله تعالى، أي عذابه للعاصي وأخذه إيّاه من حيث لا يحتسب.

3- التعرّب بعد الهجرة، والمقصود به: الانتقال إلى بلد ينتقص فيه الدين، أي يضعف فيه إيمان المسلم بالعقائد الحقّة، أو لا يستطيع أن يؤدّي فيه ما وجب عليه في الشريعة المقدّسة أو يجتنب ما حرّم عليه فيها.

4- معونة الظالمين والركون إليهم، وكذلك قبول المناصب من قبلهم إلّا فيما إذا كان أصل العمل مشروعاً وكان التصدّي له في مصلحة المسلمين.

5- قتل المسلم بل كلّ محقون الدم، وكذلك التعدّي عليه بجرح أو ضرب أو غير ذلك. ويلحق بالقتل إسقاط الجنين قبل ولوج الروح فيه حتّى العلقة والمضغة فإنّه محرّم أيضاً.

6- غيبة المؤمن، وهي: أن يُذكر بعيب في غيبته ممّا يكون مستوراً عن الناس، سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا.

7- سبّ المؤمن ولعنه وإهانته وإذلاله وهجاؤه وإخافته وإذاعة سرّه وتتبّع عثراته والاستخفاف به ولا سيّما إذا كان فقيراً.

8- البهتان على المؤمن، وهو: ذكره بما يعيبه وليس هو فيه.

9- النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم.

10- هجر المسلم أزيد من ثلاثة أيّام على الأحوط لزوماً.

11- قذف المحصن والمحصنة، وهو: رميهما بارتكاب الفاحشة كالزناء من دون بيّنة عليه.

12- الغشّ للمسلم في بيع أو شراء أو نحو ذلك من المعاملات، سواء بإخفاء الرديء في الجيد، أو غير المرغوب فيه في المرغوب، أو بإظهار الصفة الجيّدة وهي مفقودة، أو بإظهار الشيء على خلاف جنسه ونحو ذلك.

13- الفحش من القول، وهو: الكلام البذيء الذي يستقبح ذكره.

14- الغدر والخيانة حتّى مع غير المسلمين.

15- الحسد مع إظهار أثره بقول أو فعل، وأمّا من دون ذلك فلا يحرم وإن كان من الصفات الذميمة.

ولا بأس بالغبطة، وهي: أن يتمنّى الإنسان أن يرزق بمثل ما رزق به الآخر من دون أن يتمنّى زواله عنه.

16- الزنا واللواط والسحق والاستمناء وجميع الاستمتاعات الجنسيّة مع غير الزوج أو الزوجة حتّى النظر واللمس والاستماع بشهوة.

17- القيادة، وهي: السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرّم من الزنا واللواط والسحق.

18- الدياثة، وهي: أن يرى زوجته تفجر ويسكت عنها ولا يمنعها منه.

19- تشبّه الرجل بالمرأة وبالعكس على الأحوط لزوماً، والمقصود به: صيرورة أحدهما بهيئة الآخر وتزيِّيه بزيّه.

20- لبس الحرير الطبيعي للرجال، وكذلك لبس الذهب لهم، بل الأحوط لزوماً ترك تزّين الرجل بالذهب ولو من دون لبس.

21- القول بغير علم أو حجّة.

22- الكذب حتّى ما لا يتضرر به الغير، ومن أشدّه حرمة شهادة الزور واليمين الغموس والفتوى بغير ما أنزل الله تعالى.

23- خلف الوعد على الأحوط لزوماً. ويحرم الوعد مع البناء من حينه على عدم الوفاء به حتّى مع الأهل على الأحوط لزوماً.

24- أكل الربا بنوعيه المعاملي والقرضي، وكما يحرم أكله يحرم أخذه لآكله. ويحرم إعطاؤه وإجراء المعاملة المشتملة عليه. ويحرم تسجيل تلك المعاملة والشهادة عليها.

25- شرب الخمر وسائر أنواع المسكرات والمائعات المحرّمة الأخرى، كالفُقَّاع (البيرة) والعصير العنبي المغلي قبل ذهاب ثلثيه وغير ذلك.

26- أكل لحم الخنزير وسائر الحيوانات المحرّمة اللحم، وما أُزهق روحه على وجه غير شرعي.

27- الكبر والاختيال، وهو: أن يظهر الإنسان نفسه أكبر وأرفع من الآخرين من دون مزيّة تستوجبه.

28- قطعية الرحم، وهو: ترك الإحسان إليه بأيّ وجه في مقام يتعارف فيه ذلك.

29- عقوق الوالدين، وهو: الإساءة إليهما بأيّ وجه يعدّ تنكّراً لجميلهما على الولد. كما يحرم مخالفتهما فيما يوجب تأذّيهما الناشئ من شفقتهما عليه.

30- الإسراف والتبذير، والأوّل هو: صرف المال زيادة على ما ينبغي، والثاني هو: صرفه فيما لا ينبغي.

31- البخس في الميزان والمكيال ونحوهما بأن لا يوفي تمام الحقّ فيما إذا كال أو وزن أو عدّ أو ذرع ونحو ذلك.

32- التصرّف في مال المسلم ومن بحكمه من دون طيب نفسه ورضاه.

33- الإضرار بالمسلم ومن بحكمه في نفسه أو ماله أو عرضه.

34- السحر فعله وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به.

35- الكهانة فعلها والتكسّب بها، والرجوع إلى الكاهن وتصديقه فيما يقوله.

36- الرشوة على القضاء إعطاؤها وأخذها وإن كان القضاء بالحقّ. وأمّا الرشوة على استنقاذ الحقّ من الظالم فلا بأس بدفعها وإن حرم على الظالم أخذها.

37- الغناء. وفي حكمه قراءة القرآن والأدعية والأذكار بالألحان الغنائيّة، وكذا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط لزوماً.

38- استعمال الملاهي، كالدقّ على الدفوف والطبول والنفخ في المزامير والضرب على الأوتار على نحو ينبعث منه الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو واللعب.

39- القمار سواء أكان باللعب بالآلات المعدّة له كالشطرنج والنرد والدوملة أو بغير ذلك. ويحرم أخذ الرهن أيضاً، كما يحرم اللعب بالشطرنج والنرد ولو من دون مراهنة، وكذلك اللعب بغيرهما من آلات القمار على الأحوط لزوماً.

40- الرياء والسمعة في الطاعات والعبادات.

41- قتل الإنسان نفسه، وكذلك إيراد الضرر البليغ بها، كإزالة بعض الأعضاء الرئيسية أو تعطيلها، كقطع اليد وشلّ الرجل.

42- إذلال المؤمن نفسه، كأن يلبس ما يظهره في شنعه وقباحة عند الناس.

43- كتمان الشهادة ممّن أُشهد على أمر ثُمَّ طُلب منه أداؤها، بل وإن شهده من غير إشهاد إذا ميّز المظلوم من الظالم فإنّه يحرم عليه حجب شهادته في نصرة المظلوم.

وهناك جملة أخرى من المحرّمات ذكر بعضها في طيّ هذه الرسالة، كما ذكر فيها بعض ما يتعلّق بعدد من المحرّمات المذكورة من موارد الاستثناء وغيرها.

(مسألة 25): ينبغي للمؤمن الاستعداد لطاعة الله تبارك وتعالى باتّباع أوامره ونواهيه بتزكية النفس وتهذيبها عن الخصال الرذيلة والصفات الذميمة وتحليتها بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات، والسبيل إلى ذلك ما ورد في الكتاب العزيز والسُنّة الشريفة من استذكار الموت وفناء الدنيا وعقبات الآخرة من البرزخ والنشور والحشر والحساب والعرض على الله تعالى، وتذكّر أوصاف الجنة ونعيمها وأهوال النار وجحيمها وآثار الأعمال ونتائجها، فإنّ ذلك ممّا يعين على تقوى الله تعالى وطاعته والتوقّي عن الوقوع في معصيته وسخطه.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/07

2022/11/06

من هو المجتهد؟ .. كل ما تريد معرفته عن «الاجتهاد والتقليد»
يجب على كلّ مكلّف أن يحرز امتثال التكاليف الإلزاميّة الموجّهة إليه في الشريعة المقدّسة، ويتحقّق ذلك بأحد أمور: اليقين التفصيلي، الاجتهاد، التقليد، الاحتياط.

[اشترك]

وبما أن موارد اليقين التفصيلي في الغالب تنحصر في الضروريات فلا مناص للمكلّف في إحراز الامتثال فيما عداها من الأخذ بأحد الثلاثة الأخيرة.

الاجتهاد وهو: استنباط الحكم الشرعي من مداركه المقرّرة.

التقليد: ويكفي فيه تطابق عمل المكلّف مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجّة في حقّه فعلاً مع إحراز مطابقته لها.

والمقلِّد قسمان:

1- من ليست له أيّة معرفة بمدارك الأحكام الشرعيّة.

2- من له حظّ من العلم بها ومع ذلك لا يقدر على الاستنباط.

الاحتياط وهو: العمل الذي يتيقّن معه ببراءة الذمّة من الواقع المجهول، وهذا هو الاحتياط المطلق، ويقابله الاحتياط النسبي، كالاحتياط بين فتاوى مجتهدين يُعلم إجمالاً بأعلميّة أحدهم، وسيجيء في المسألة (18).

والاجتهاد واجب كفائي، فإذا تصدى له من يكتفى به سقط التكليف عن الباقين، وإذا تركه الجميع استحقّوا العقاب جميعاً.

وقد يتعذّر العمل بالاحتياط على بعض المكلّفين، وقد لا يسعه تمييز موارده - كما ستعرف ذلك -، وعلى هذا فوظيفة من لا يتمكّن من الاستنباط هو التقليد، إلّا إذا كان واجداً لشروط العمل بالاحتياط فيتخيّر - حينئذٍ - بين التقليد والعمل بالاحتياط.

(مسألة 1): المجتهد: مطلق ومتجزّئ.

المجتهد المطلق هو: الذي يتمكّن من الاستنباط في جميع أنواع الفروع الفقهيّة.

المجتهد المتجّزئ هو: القادر على استنباط الحكم الشرعي في بعضها دون بعض.

فالمجتهد المطلق يلزمه العمل باجتهاده أو أن يعمل بالاحتياط، وكذلك المتجزّئ بالنسبة إلى الموارد التي يتمكّن فيها من الاستنباط، وأمّا فيما لا يتمكّن فيه من الاستنباط فحكمه حكم غير المجتهد، فيتخيّر فيه بين التقليد والعمل بالاحتياط.

(مسألة 2): المسائل التي يمكن أن يبتلى بها المكلّف عادة - كجملة من مسائل الشكّ والسهو - يجب عليه أن يتعلّم أحكامها، إلّا إذا أحرز من نفسه عدم الابتلاء بها.

(مسألة 3): عمل غير المجتهد بلا تقليد ولا احتياط باطل، بمعنى أنّه لا يجوز له الاجتزاء به، إلّا إذا أحرز موافقته لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً، أو ما هو بحكم العلم بالموافقة، كما سيتضح بعض موارده من المسألة (5).

(مسألة 4): المقلِّد يمكنه تحصيل فتوى المجتهد الذي قلده بأحد طرق ثلاثة:

1- أن يسمع حكم المسألة من المجتهد نفسه.

2- أن يخبره بفتوى المجتهد عادلان أو شخص يثق بنقله.

3- أن يرجع إلى الرسالة العمليّة التي فيها فتوى المجتهد مع الاطمئنان بصحتها.

(مسألة 5): إذا مات المجتهد وبقي المكلّف على تقليده مدّة بعد وفاته من دون أن يقلّد الحيّ في ذلك غفلة عن عدم جواز ذلك ثُمَّ رجع إلى الحيّ، فإن جاز له - بحسب فتوى الحيّ - البقاء على تقليد المتوفى صحّت أعماله التي أتى بها خلال تلك المدّة مطلقاً، وإلّا رجع في الاجتزاء بها إلى الحيّ، فإن عرف كيفيّتها ووجدها مطابقة لفتاوى الحيّ حكم بصحّتها، بل يحكم بالصحّة في بعض موارد المخالفة أيضاً، وذلك فيما إذا كانت المخالفة مغتفرة حينما تصدر لعذر شرعي، كما إذا اكتفى المقلِّد بتسبيحة واحدة في صلاته حسب ما كان يفتي به المجتهد المتوفّى ولكنّ المجتهد الحيّ يفتي بلزوم الثلاث، ففي هذه الصورة يحكم أيضاً بصحّة صلاته. وإذا لم يعرف كيفيّة أعماله السابقة بنى على صحّتها - أيضاً - إلّا في موارد خاصّة لا يناسب المقام تفصيلها.

(مسألة 6): يجوز العمل بالاحتياط، سواء استلزم التكرار أم لا.

الاحتياط قد يقتضي العمل، وقد يقتضي الترك، وقد يقتضي الجمع بين أمرين مع التكرار، أو بدونه.

أمّا الأوّل: ففي ما إذا تردّد حكم فعل بين الوجوب وغير الحرمة، والاحتياط - حينئذٍ - يقتضي الإتيان به.

وأمّا الثاني: ففي ما إذا تردّد حكم فعل بين الحرمة وغير الوجوب، والاحتياط فيه يقتضي الترك.

وأمّا الثالث: ففي ما إذا تردّد الواجب بين فعلين، كما إذا لم يعلم المكلّف في مكان خاصّ أن وظيفته الإتمام في الصلاة أو القصر فيها، فإنّ الاحتياط يقتضي - حينئذٍ - أن يأتي بها مرّة قصراً ومرّة تماماً.

وأمّا الرابع: ففي ما إذا علم إجمالاً بحرمة شيء أو وجوب شيء آخر، فإنّ الاحتياط يقتضي في مثله أن يترك الأوّل ويأتي بالثاني.

(مسألة 7): كلّ مورد لا يتمكّن المكلّف فيه من الاحتياط يتعيّن عليه الاجتهاد أو التقليد، كما إذا تردّد مال شخصي بين صغيرين أو مجنونين أو صغير ومجنون، فإنّه قد يتعذّر الاحتياط في مثل ذلك فلا بُدَّ - حينئذٍ - من الاجتهاد أو التقليد.

(مسألة 8): قد لا يسع المكلّف أن يميّز ما يقتضيه الاحتياط التّام، مثال ذلك: أنّ الفقهاء قد اختلفوا في جواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، فالاحتياط يقتضي ترك ذلك، إلّا أنّه إذا لم يكن عند المكلّف غير هذا الماء فالاحتياط يقتضي أن يتوضّأ أو يغتسل به، ويتيمّم أيضاً إذا أمكنه التيمّم. فإذا عرف المكلّف كيفيّة الاحتياط التامّ في مثل ذلك كفاه العمل على وفقه.

وقد يعارض الاحتياطُ من جهةٍ الاحتياطَ من جهةٍ أخرى فيتعذّر الاحتياط التامّ - وقد يعسر على المكلّف تشخيص ذلك - مثلاً: إذا تردّد عدد التسبيحة الواجبة في الصلاة بين الواحدة والثلاث، فالاحتياط يقتضي الإتيان بالثلاث، لكنّه إذا ضاق الوقت واستلزم هذا الاحتياط أن يقع مقدار من الصلاة خارج الوقت وهو خلاف الاحتياط، ففي مثل ذلك ينحصر الأمر في التقليد أو الاجتهاد.

(مسألة 9): إذا قلّد مجتهداً يفتي بحرمة العدول حتّى إلى المجتهد الأعلم وجب عليه أن يقلّد الأعلم في هذه المسألة، سواء أكان هو هذا المجتهد أم غيره. وكذا الحال فيما إذا أفتى بجواز تقليد غير الأعلم ابتداءً.

(مسألة 10): يصحّ تقليد الصبيّ المميّز، فإذا مات المجتهد الذي قلده الصبيّ قبل بلوغه كان حكمه حكم غيره - الآتي في المسألة (14) - إلّا في وجوب الاحتياط بين القولين قبل البلوغ.

(مسألة 11): يجوز تقليد من اجتمعت فيه أمور:

1- البلوغ.

2- العقل.

3- الرجولة.

4- الإيمان، بمعنى أن يكون اثني عشريّاً.

5- العدالة.

6- طهارة المولد

7- الضبط، بمعنى أن لا يقلّ ضبطه عن المتعارف.

8- الاجتهاد.

9- الحياة، على تفصيل سيأتي.

(مسألة 12): تقليد المجتهد الميّت قسمان: ابتدائي وبقائي.

التقليد الابتدائي هو: أن يقلّد المكلّف مجتهداً ميّتاً من دون أن يسبق منه تقليده حال حياته.

والتقليد البقائي هو: أن يقلّد مجتهداً معيّناً شطراً من حياته ويبقى على تقليد ذلك المجتهد بعد موته.

(مسألة 13): لا يجوز تقليد الميّت ابتداءً ولو كان أعلم من المجتهدين الأحياء.

(مسألة 14): يجوز البقاء على تقليد الميّت ما لم يعلم - ولو إجمالاً - بمخالفة فتواه لفتوى الحيّ في المسائل التي هو في معرض الابتلاء بها، وإلّا فإن كان الميّت أعلم وجب البقاء على تقليده، ومع كون الحيّ أعلم يجب الرجوع إليه. وإن تساويا في العلم أو لم يثبت أعلميّة أحدهما من الآخر فإن ثبت أنّ أحدهما أورع من الآخر - أي أكثر تثبتاً واحتياطاً في مقام الإفتاء - وجب تقليده، وإن لم يثبت ذلك أيضاً كان المكلّف مخيّراً في تطبيق عمله مع فتوى أيّ منهما ولا يلزمه الاحتياط بين قوليهما إلّا في خصوص المسائل التي تقترن بالعلم الإجمالي بحكم إلزامي ونحوه، كما إذا أفتى أحدهما بوجوب القصر والآخر بوجوب الإتمام فيجب عليه الجمع بينهما، أو أفتى أحدهما بصحّة معاوضة والآخر ببطلانها فإنّه يعلم بحرمة التصرّف في أحد العوضين فيجب عليه الاحتياط حينئذٍ.

ويكفي في البقاء على التقليد - وجوباً أو جوازاً - الالتزام بالعمل بفتوى المجتهد المعيّن، ولا يعتبر فيه تعلّم فتاواه أو العمل بها حال حياته.

(مسألة 15): لا يجوز العدول إلى الميّت ثانياً بعد العدول عنه إلى الحيّ والعمل مستنداً إلى فتواه، إلّا إذا ظهر أنّ العدول عنه لم يكن في محلّه، كما إذا عدل إلى الحيّ بعد وفاة مقلَّده الأعلم فمات أيضاً، فقلّد من يوجب البقاء على تقليد الأعلم فإنّه يلزمه العود إلى تقليد الأوّل.

(مسألة 16): الأعلم هو: الأقدر على استنباط الأحكام، وذلك بأن يكون أكثر إحاطة بالمدارك وبتطبيقاتها من غيره، بحيث يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى فتوى غيره.

(مسألة 17): يجب الرجوع في تعيين الأعلم إلى الثقة من أهل الخبرة والاستنباط المطّلع - ولو إجمالاً - على مستويات من هم في أطراف شبهة الأعلميّة في الأمور الدخيلة فيها، ولا يجوز الرجوع إلى من لا خبرة له بذلك.

(مسألة 18): إذا تعدّد المجتهد الجامع للشروط ففيه صورتان:

1- أن لا يعلم المكلّف الاختلاف بينهم في الفتوى في المسائل التي تكون في معرض ابتلائه، ففي هذه الصورة يجوز له تقليد أيّهم شاء وإن علم أن بعضهم أعلم من البعض الآخر.

2- أن يعلم - ولو إجمالاً - الاختلاف بينهم في المسائل التي تكون في معرض ابتلائه، وهنا عدّة صور:

الأولى: أن يثبت لديه أن أحدهم المعيّن أعلم من الباقين، وفي هذه الحالة يجب عليه تقليده.

الثانية: أن يثبت لديه أن اثنين - مثلاً - منهم أعلم من الباقين مع تساوي الاثنين في العلم، وحكم هذه الصورة ما تقدّم في المسألة (14) في صورة تساوي المجتهدَيْن المتوفى والحيّ.

الثالثة: أن يثبت لديه أن أحدهم أعلم من الباقين ولكن يتعذّر عليه تعيينه بشخصه بأن كان مردّداً بين اثنين منهم - مثلاً -، وفي هذه الحالة يلزمه رعاية الاحتياط بين قوليهما في موارد اختلافهما في الأحكام الإلزاميّة، سواء أكان الاختلاف في مسألة واحدة كما إذا أفتى أحدهما بوجوب الظهر والآخر بوجوب الجمعة - ولو مع احتمال الوجوب التخييري -، أم في مسألتين كما إذا أفتى أحدهما بالجواز في مسألة والآخر بالوجوب فيها وانعكس الأمر في مسألة أخرى. وأمّا إذا لم يكن كذلك فالظاهر عدم وجوب الاحتياط، كما إذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو إلّا في مسألة واحدة، أو علم به في أزيد منها مع كون المفتي بالوجوب - مثلاً - في الجميع واحداً.

هذا كلّه مع إمكان الاحتياط، وأمّا مع عدم إمكانه - سواء أكان ذلك من جهة دوران الأمر بين المحذورين، كما إذا أفتى أحدهما بوجوب عمل والآخر بحرمته، أم من جهة عدم اتّساع الوقت للعمل بالقولين - فاللازم أنّ يعمل على وفق فتوى من يكون احتمال أعلميّته أقوى من الآخر، ومع تساويه في حقّ كليهما يتخيّر في العمل على وفق فتوى من شاء منهما.

(مسألة 19): إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة خاصّة أو لم يمكن للمقلِّد استعلامها حين الابتلاء جاز له الرجوع فيها إلى غيره مع رعاية الأعلم فالأعلم - على التفصيل المتقدّم -، بمعنى أنّه إذا لم يعلم الاختلاف في تلك الفتوى بين مجتهدين آخرين - وكان أحدهما أعلم من الآخر - جاز له الرجوع إلى أيّهما شاء، وإذا علم الاختلاف بينهما لم يجز الرجوع إلى غير الأعلم.

(مسألة 20): يثبت الاجتهاد أو الأعلمية بأحد أمور:

1- العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائيّة كالاختبار ونحوه، وإنّما يتحقّق الاختبار فيما إذا كان المقلِّد قادراً على تشخيص ذلك.

2- شهادة عادلين بها، والعدالة هي: الاستقامة العمليّة في جادة الشريعة المقدّسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس، وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤَمِّن.

ويعتبر في شهادة العدلين أن يكونا من أهل الخبرة، وأن لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف.

ولا يبعد ثبوتهما بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وإن كان واحداً. ومع التعارض يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحدٍّ يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره.

(مسألة 21): الاحتياط المذكور في هذه الرسالة قسمان: واجب ومستحب.

ونُعبّر عن الاحتياط الواجب بـ «الأحوط وجوباً»، أو «لزوماً»، أو «وجوبه مبنيّ على الاحتياط»، أو «مبنيّ على الاحتياط اللزومي»، أو «الوجوبي» ونحو ذلك، وفي حكمه ما إذا قلنا: «يشكل كذا» أو «هو مشكل»، أو «محلّ إشكال».

ونُعبّر عن الاحتياط المستحبّ بـ «الأحوط استحباباً» أو «الأحوط الأولى».

(مسألة 22): لا يجب العمل بالاحتياط المستحبّ. وأمّا الاحتياط الواجب فلا بُدَّ في موارده من العمل بالاحتياط، أو الرجوع إلى الغير مع رعاية الأعلم فالأعلم، على التفصيل المتقدّم.

المصدر: كتاب المسائل المنتخبة للمرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني دام ظله (الطبعة الجديدة المنقحة)
2022/11/06

2022/11/05

فساد ورشوة.. ما حكم إهدار «المال العام»؟ .. الجواب من مكتب السيد السيستاني (وثيقة)
يعيد «موقع الأئمة الاثني عشر» نشر استفتاء لسماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "الفساد الإداري" يعود لعام ۱٤۲٦الهجري.

[اشترك]

السؤال: لقد تفشى ما يسمى بـ (الفساد الإداري) في أوساط الموظفين الحكوميين بحدّ لم يسبق له مثيل، ويتخذ أشكالاً مختلفة:

منها: تخلّف الموظف عن أداء واجبه القانوني تجاه المُراجع إلا بعد أخذ مبلغ من المال.

ومنها: قيام الموظف بالتجاوز على القوانين والقرارات الرسمية لصالح المراجع إذا دفع له الرشوة على ذلك.

ومنها: منح الموظف مقاولة المشاريع الخدمية وغيرها بمبالغ تفوق بكثير متطلبات إنجازها إلى من يوافق على إعطائه جزءاً من مبلغ المقاولة.

ومنها: تولّي مجاميع من الموظفين مهمة القيام بمشروع ما ويتقاضون أموالاً طائلة عليه في حين أنه من ضمن واجباتهم الوظيفية التي يمنحون بازائها الرواتب الشهرية.

وهناك الكثير من الأشكال الاخرى، نرجو بيان الحكم الشرعي في جميع ذلك.

أدام الله تعالى سيدنا المرجع ذخراً وملاذاً.

مجموعة من المواطنين

۱٠ صفر ۱٤۲٦ هـ

 

الجواب:

بسمه تعالى

يحرم على الموظّفين التخلّف عن أداء واجباتهم بمقتضى عقود توظيفهم النافذة عليهم شرعاً، كما يحرم عليهم تجاوز القوانين والقرارات الرسمية ممّا يتعين رعايتها بموجب ذلك، وما يأخذه الموظّف من المال -من المُراجع أو غيره- خلافاً للقانون سحت حرام، كما أن إهدار المال العام والاستحواذ عليه بل مطلق التصرف غير القانوني فيه حرام ويستوجب الضمان واشتغال الذمة والله الهادي.

[image] - new.local

 

۱٥/صفر/۱٤۲٦هـ

مكتب السيد السيستاني (دام ظله)

النجف الأشرف

2022/11/05

كيف نتخلّص من الأحلام السيئة عند النوم؟.. السيد السيستاني يجيب
ذكر سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله في كتاب "التعليقة على العروة الوثقى" أن تسبيح الزهراء عليها السلام هو أفضل التعقيبات بعد أداء الصلاة كما أنه يدفع "الرؤيا السيئة عند إرادة النوم".

[اشترك]

وفيما ما يلي رأي سماحته كما جاء في كتاب "التعليقة على العروة الوثقى ـ الجزء الثاني":

 

تسبيح الزهراء (صلوات الله عليها)، وهو أفضلها -أي أفضل تعقيب- على ما ذكره جملة من العلماء، ففي الخبر : « ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة، (عليها السلام) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة » (عليها السلام) وفي رواية : « تسبيح فاطمة الزهراء الذكر الكثير الذي قال الله تعالى : اذكروا الله ذكرا كثيرا»، وفي اخرى عن الصادق (عليه السلام) : « تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم »، والظاهر استحبابه في غير التعقيب أيضاً بل في نفسه، نعم هو مؤكد فيه وعند إرادة النوم لدفع الرؤيا السيئة، كما أن الظاهر عدم اختصاصه بالفرائض بل هو مستحب عقيب كل صلاة.

وكيفيته : « الله أكبر » أربع وثلاثون مرة، ثم « الحمد لله » ثلاث وثلاثون، ثم « سبحان الله » كذلك، فمجموعها مائة، ويجوز تقديم التسبيح على التحميد وإن كان الأولى الأول.

2022/11/03

متى يحق للرجل حلق اللحية؟ .. الجواب من السيد السيستاني
يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء للمرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "حلق اللحية".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: ما هو الحكم الشرعي في نظر سماحة السيد (دام ظلّه) لحلاقة اللحية سواء مع وجود موجب خاص لحلقها ــ من عمل أو وظيفة أو ما شاكل ذلك ــ أو عدم وجود الموجب له؟

الجواب: المناط في جواز حلق اللحية ترتّب ضرر أو حرج معتدٌّ به على تركه أو وقوع تزاحم بينه وبين مراعاة حكم إلزامي آخر، وإلّا لم يجز ذلك على الأحوط.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله
2022/11/02

متى نلجأ إلى «الاستخارة»؟
يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء لسماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "الاستخارة".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: هل الخيرة عند الحيرة أم هي جائزة في كلّ الأحوال؟

الجواب: المتيقّن من مشروعيّتها هو حصول التحيّر مع تعذّر الاستشارة وعدم انتهائها إلى نتيجة.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)
2022/11/01

ما المقصود بـ «السيرة العقلائيّة»؟
(السيرة العقلائيّة): هي استمرار عادة العقلاء وتبانيهم العمليّ على فعل شيء أو ترك شيء.

وبعبارة أخرى: هي عبارة عن اتّفاق العقلاء على سلوك وعمل معيّن بنحوٍ يكون الدافع نحوه هو كونهم عقلاء، وسلوكهم لابدّ له من سبب ومبرّر، فلابدّ من أن تكون هناك قضية معيّنة يؤمنون بها وتبرّر لهم هذا السلوك العام، من قبيل أنَّ هذا السلوك يُنظم شؤونهم ومعاشهم.

وبهذا يظهر أنّه لو كانت سيرة الناس تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة أو الثقافات والعادات أو النحل والديانات، فهي ليست سيرة عقلائيّة معتبرة؛ لأنّ المعتبر فيها أن تكون ناشئة من عقل العقلاء بما هم عقلاء بحسب مصالحهم من دون ملاحظة اختلافهم في الأفكار والأمكنة والأزمنة.

ويعدّ البحث عن السيرة العقلائيّة من الأبحاث المهمّة عند علماء الأصول؛ لأنّها ـ أوّلاً ـ عمدة ما يُستدلّ به على حجّيّة جملة من الحجج، كظواهر الألفاظ وأخبار الآحاد، فبعض الحجج الشرعيّة تستند حجّيّتها على السيرة، ولأنّها ـ ثانياً ـ من جملة ما يستدلّ به الفقهاء على الأحكام الفرعيّة، خصوصاً في أبواب المعاملات.

ولمزيد من التفصيل حول شروط حجّيّة السيرة، وأدلّتها، ومقدار دلالتها، وغير ذلك، يراجع: أصول الفقه للشيخ المظفّر ج3 ص176، وبحوث في علم الأصول ج4 ص234، والأصول العامة للفقه المقارن ص197، الفائق في الأصول ص3، وغيرها."

2022/10/31

2022/10/31

ما حكم قيادة السيارة لمن لا يمتلك «إجازة سوق»؟

 

يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء للمرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "قيادة السيارة من دون رخصة".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: هل يجوز لمن لا يملك رخصة أن يقود السيارة مع العلم بأنّه يخالف القانون في الدولة سواء كان ذلك في حالة الضرورة أو في غيرها؟

الجواب: لا يجوز إذا كان فيه تعريض النفوس للخطر، بل وكذا في غير هذه الحالة على الأحوط.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله
2022/10/31

حجابكم يعبئ المرأة في «كيس أسود».. هل «الكعب العالي» هو الحل؟!

 

من الاعتراضات على الحجاب أنه يؤدّي إلى تعطيل الفعاليّات النسويّة، الّتي خلق الله في المرأة الاستعداد لها.

[اشترك]

فالمرأة كالرجل تتمتّع بذوق، وفكر، وفهم، وذكاء واستعداد للعمل، وهذه الاستعدادات منحها الله تعالى لها، ولم يكن ذلك عبثاً، وعليه يلزم استثمارها، فكلُّ استعداد طبيعيّ - من حيث الأساس - يدلُّ على وجود حقٍّ طبيعيّ، فحينما يُمنح كائن ما استعداداً ولياقة لعملٍ ما، فهذا يُمثِّل سنداً ودليلاً على أنّ لهذا الكائن حقّاً في تنشيط وترشيد الاستعداد، والحيلولة دون ذلك ظلم وعدوان.

لِمَ نقول إنّ لكلِّ أبناء البشر حقّاً في التعليم سواء كانوا رجالاً أو نساءً، ولم نُعط الحقّ للحيوانات؟

ذلك لأنّ استعداد التعلُّم موجود لدى البشر، دون الحيوانات. فالحيوان يتمتّع باستعداد التغذية والإنجاب، وحرمانه من ذلك يُعتبر عملاً مخالفاً للعدالة.

إنّ الحيلولة دون ممارسة المرأة للفعاليّات والاستعدادات الّتي منحتها لها يدُ الإبداع والخلق ليس ظلماً للمرأة فحسب، بل خيانة للأمّة أيضاً. فكلُّ عمل يؤدّي إلى تعطيل قوى الإنسان التكوينيّة، الّتي منحه الله إيّاها، فهو عمل ضارٌّ للجماعة. فالعامل الإنسانيُّ أكبر رأسمال اجتماعيّ، والمرأة إنسان أيضاً، فيلزم أنْ ينتفع المجتمع بعمل وفعاليّة هذا العامل وقواه الإنتاجيّة. فركود هذا العامل وتضييع طاقات نصف أبناء المجتمع يتناقض والحقّ الطبيعيّ الفرديّ للمرأة، كما يتناقض وحقّ المجتمع، ويؤدّي إلى جعل المرأة عالة وكَلّاً على الرجل.

الجواب: إنّ الحجاب الإسلاميّ - الّذي سنُوضِّح حدوده عاجلاً - لا يؤدّي إلى تضييع قُدرات المرأة وتعطيل استعداداتها الفطريّة. إنّ الإشكال أعلاه يَرِد على الحجاب الذي كان متداوَلاً بين الهنود والإيرانيّين قبل الإسلام أو الحجاب اليهوديّ، لكنّ حجاب الإسلام لا يقول: يلزم حبس المرأة في دارها، والحيلولة دون فعاليّاتها ونموّ استعداداتها، فأساس الحجاب في الإسلام - كما قلنا - هو: أنّ المتعة الجنسيّة يلزم حصرها في محيط المنزل وبالزوجة الشرعيّة، وأنْ يُترك المحيط الاجتماعيّ محيط عمل وإنتاج. ومن هنا لا يُسمح للمرأة حين خروجها من الدار أنْ تُهيّئ موجبات الإثارة الجنسيّة للرجال، كما لا يُسمح للرجل أنْ يتصيّد بنظراته النساء، إنّ هذا اللون من الحجاب لا يُعطِّل طاقات المرأة كما أنّه يؤدّي إلى تدعيم قُدراتها على العمل الاجتماعيّ أيضاً.

إذا قصر الرجل متعته الجنسيّة على زوجته الشرعيّة، وصمّم بعد خروجه من منزله ووطئت قدمه المحيط العامّ على أنْ لا يُفكِّر في مسائل الجنس، فمِنَ المقطوع به أنّه يستطيع العمل بشكلٍ أفضل ممّا لو كان جلّ همّه منصبّاً على ملاحقة الفتيات ومعاشرة النساء والتمتّع بهنّ.

هل أنّ خروج المرأة إلى ميدان العمل بوضع اعتياديّ غير مثير أفضل، أم خروجها بعد ساعات من التجميل والوقوف أمام المرآة، ثُمّ تخرج ليكون كلُّ سعيها باتّجاه جذب قلوب الرجال إليها، وتحويل الشباب - الذين ينبغي أنْ يُمثِّلوا المظهر الحقيقيّ لإرادة وحزم وفعاليّة الأمّة - إلى موجودات طائشة شهوانيّة لا إرادة لها؟

إنّه لأمر غريب، فبحجّة أن الحجاب يُعطِّل نصف أبناء المجتمع نركن إلى السفور والتحلُّل لنُعطِّل النصفين - الرجال والنساء!! فيضحى عمل المرأة التأمّل طويلاً أمام المرآة وصرف الوقت في التجمُّل، ويكون عمل الرجل في الركض خلف الشهوات وتصيّد الفتيات!

إنّ ما لا يُريده الإسلام هو أنْ لا يكون عمل المرأة منحصراً في استهلاك الثروة وإفساد أخلاق المجتمع وتخريب بناء الأُسرة، إنّ الإسلام لا يُعارض - على الإطلاق - نشاط المرأة الواقعيّ في المجتمع والاقتصاد والثقافة، والنصوص الإسلاميّة وتاريخ الإسلام شاهدان على هذا الادّعاء.

ففي ظلِّ الأوضاع القائمة الّتي تنزع إلى تجديد لا منطق له، لا نعثر على امرأة تصرف طاقتها - واقعاً - في النشاطات الاجتماعيّة، أو الثقافيّة أو الاقتصاديّة المثمرة، إلّا في بعض القرى، ولدى بعض العناصر المتديّنة الّتي تلتزم بأحكام الشرع الإسلاميّ التزاماً حقيقيّاً.

نعم، هناك لون من النشاط الاقتصاديّ الرائج، الّذي يلزم أنْ نُعدّه ثمرة التحرُّر من الحجاب وهو: أنْ يسعى صاحب المعرض - بدلاً من تهيئة السلعة الجيّدة والأفضل لزبائنه - إلى استخدام فتاة بعنوان "البائعة"، فيستثمر قدرتها النسويّة ورأسمالها المتمثّل في العفاف والشرف، ويُحوِّلها إلى أداة لتحصيل المال، واستغلال زبائنه. فالبائع يعرض السلعة على الزبون كما هي، إلّا أنّ الفتاة البائعة الجميلة تجذب الزبون بألوان من التغنُّج النسويّ، وعرض مفاتنها الجنسيّة. فيُقبل العديد من الأفراد الّذين لا ينوون شراء شيء من المعرض، لأجل التحدُّث مع البائعة بعض الوقت، ثم يشترون شيئاً من المعرض!

 

فهل هذا العمل فعاليّة اجتماعيّة؟ هل هذا العمل تجارة أم أنّه تحايل ورذالة؟

يقولون: لا تُعبِّئوا المرأة في كيس أسود.

نحن لا نقول لأحدٍ ضع زوجتك في كيس أسود، ولكنْ هل ينبغي للمرأة أنْ ترتدي لباسها، وتظهر أمام الملأ بحيث تثير نظرات الرجال الشهوانيّة؟ هل ينبغي للمرأة أنْ ترتدي تحت ثيابها الوسائل الاصطناعيّة الّتي تزيد في جمالها، لأجل سرقة قلوب الـرجـال؟ فـهل تـرتـدي الفتيات هذه الملابس لأزواجهنّ؟ لِمَ ترتدي الأحذية ذات الأكعاب؟ فهل هناك غير إظهار حركات ردفيها؟ وهل أنّ ارتداء الملابس الحاكية عن مواضع الحسن في الجسد يستهدف أمراً غير إثارة الرجال وتصيّدهم؟ وعلى الأغلب فالنساء الّلواتي يستعملن أمثال هذه الملابس والأحذية لا يضعن أزواجهنّ فقط في حسبانهنّ، دون سائر الرجال.

يُمكن للمرأة أنْ تستعمل ما تشاء من لباس وتجميل أمام محارمها، وأمام النساء، ـ بالحدود الشرعيّة ـ ولكنّ المؤسف أنّ تقليد الغرب يستهدف هدفاً آخر.

إذا ارتدت الفتيات ألبسة اعتياديّة في التجمّعات العامّة، وارتدينَ أحذية عاديّة وسترنَ شعورهن، ثُمّ ذهبنَ إلى المدرسة أو الجامعة، فهل أنّ تحصيلهنّ الدراسيّ أفضل، أم أنّه أفضل في الوضع القائم؟ لو لم تكن هناك متعة جنسيّة منظورة، فلِمَ هذا الإصرار على خروج المرأة بهذا الشكل؟ لِمَ يُصرّون على جعل المدارس الإعدادية مختلطة؟، سمعت أنّ العادة في باكستان - ولا أدري هل هي قائمة الآن أم لا - هي أنْ يُفصل قسم البنين بحاجز وبردة عن قسم البنات، ويبقى الأستاذ وحده مُشرِفاً على القسمين من وراء المنصّة، فأيُّ إشكال في ذلك؟

*الشيخ مرتضى مطهري
2022/10/30

ما هو أفضل وقت لأداء «صلاة الليل»؟

 

يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء للمرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "صلاة الليل".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: نرجو بيان كيفية صلاة الليل وما هو أفضل وقت لها؟

الجواب: أفضل وقتها السحر وهو الثلث الأخر من الليل وأفضله ما يقرب من الفجر وهي ثمان ركعات بنية نافلة الليل كل ركعتين بسلام ثم ركعتان بنية الشفع ليس فيهما قنوت ثم ركعة بنية الوتر يقنت فيها ويستحب ان يستغفر فيه سبعين مرة وان يدعو لأربعين مؤمناً.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله
2022/10/30

استفتاء: كيف نعرف نوع السمك «الحلال»؟

 

يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء للمرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "الأسماك".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: ما هي الشروط التي يجب أن تتوفّر في السمك لكي يحلّ أكله؟

الجواب: جواز أكل السمك بأنواعه المختلفة يتوقّف على توفّر شرطين:

الأول: أن يكون للسمك فلس.

الثاني: أن يجزم المسلم أو يطمئنّ بأنّ السمك قد أخرج من الماء وهو حيّ، أو أنّه مات وهو في شبكة الصيد.

ولا يشترط في صائد السمك الإسلام، ولا تشترط في تذكية السمك التسمية أو ذكر اسم الله عليه، فلو صاد السمك كافر فأخرجه من الماء حيّاً أو مات في شبكته أو حظيرته وكان له فلس حلّ أكله.

ويمكن للمسلم أن يتأكّد من الشرط الأوّل بملاحظة السمكة إن كانت معروضة أمامه أو كان اسمها مدوّناً عليها مع الاطمئنان بصدق الكتابة. (ويوجد في آخر كتاب الفقه للمغتربين ملحقاً خاصّاً بأسماء الأسماك ذوات الفلس).

والشرط الثاني متحقّق في جميع البلدان تقريباً كما يقولون، لأنّ الطرق العالميّة المعتمدة في الصيد تحقّق خروجه من الماء حيّاً أو موته في شبكة الصيد.

وبناءً على ذلك يجوز أخذه من الكافر وأكله مثلما يجوز أخذ السمك من المسلم وأكله معلّباً كان أو غير معلّب.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)
2022/10/29

هل يجوز التصرّف في «ممتلكات الدولة»؟

يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء للمرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "التصرف في ممتلكات الدولة".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: هل يجوز التصرّف في ممتلكات الدوائر الحكوميّة؟

الجواب: لا يجوز التصرّف في ممتلكات الدولة إلّا بإذن الجهة المسؤولة عن ذلك بحسب القانون.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله 
2022/10/25

كيف نصلي «صلاة الآيات»؟ السيد السيستاني يجيب...
يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء لسماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "صلاة الآيات".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: نرجوا من سماحتكم شرح كيفية صلاة الآيات؟

الجواب: صلاة الآيات ركعتان ، وفي كل ركعة منها خمسة ركوعات ، وكيفية ذلك أن يكبّر ويقرأ سورة الفاتحة وسورة تامة غيرها ، ثم يركع فإذا رفع رأسه من الركوع قرأ سورة الفاتحة وسورة تامة ، ثم يركع وهكذا إلى أن يركع الركوع الخامس ، فإذا رفع رأسه منه هوى إلى السجود وسجد سجدتين كما في الفرائض اليومية ، ثم يقوم فيأتي في الركعة الثانية بمثل ما أتى به في الركعة الاولى ، ثم يتشهد ويسلم كما في سائر الصلوات.
ويجوز الاقتصار في كل ركعة على قراءة سورة الفاتحة مرة وقراءة سورة اُخرى ، بأن يقرأ بعد سورة الفاتحة شيئاً من السورة ـ بشرط أن يكون آية كاملة أو جملة تامة على ـ الأحوط لزوماً ـ ثم يركع فإذا رفع رأسه من الركوع يقرأ جزءاً آخراً من تلك السورة من حيث قطعها ثم يركع ، وهكذا ، ويتم السورة بعد الركوع الرابع ثم يركع ، وكذلك في الركعة الثانية.
ويجوز له التبعيض بأن يأتي بالركعة الأولى على الكيفية الأولى ، ويأتي بالركعة الثانية على الكيفية الاُخرى ، أو بالعكس ، ولها كيفيات أخر لاحاجة إلى ذكرها. المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى (دام ظله)
2022/10/25

2022/10/25

للقلوب شهوة: هل التديّن يعني الابتعاد عن الترفيه والموسيقى؟

مما لا شك فيه أن الترفيه عن النفس وترويحها غريزة متأصلة في الإنسان لا يمكن كبتها ومصادرتها، وفي المقابل لا يترك لها الباب مفتوحاً على مصراعيه لتصبح الهم الأكبر للإنسان وشغله الشاغل.

[اشترك]

ولذلك كان الدين ضرورة لترويض الغرائز وتهذيبها حتى لا تكون عائقاً يحول بين الإنسان وبين الغايات التي خلق من أجلها، ومن هنا لا يعد الترفيه عن النفس من الخيارات الأصيلة في حياة الإنسان، كما لا يعد مساراً صالحاً يستنفذ الإنسان عمره من أجله، وإنما هو مجرد استثناء عارض يلجا إليه الإنسان ليستريح فيه أثناء مسيره الجاد، ويبدو أن ذلك صريح بعض الروايات التي أمرت بالتخفيف عن النفس بين الحين والآخر خوفاً عليها من الملل والتعب، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت"، ويقول الإمام علي (عليه السلام): "إن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً، فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها، فإن القلب إذا أُكره عمي"، وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: "إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكم"، وقال الإمام الرضا (عليه السلام): "إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها".

ويتضح من لسان الروايات أن الغرض من ترويح القلوب هو الحفاظ عليها من الكلل والملل، وبهذا المعنى لا يكون الترفيه مقصود بذاته وإنما مقصود من أجل إعادة النشاط للقلوب، وعليه فإن الضابطة العامة التي يمكن الارتكاز عليها هي إباحة الترفيه ما لم يكن لاهياً للإنسان عن أهدافه التي خلق من أجلها، فكل فعل يكون مزاحماً أو معارضاً لتلك الأهداف لا يجوز بحكم أصالة الغايات الكبرى للإنسان، وبما أن الدين هو الذي يحدد مسار الإنسان، وهو الذي يرسم أهدافه في الحياة، فلا بد حينها من الرجوع إليه لمعرفة ما هو مباح من وسائل الترفيه.

ومن الملاحظ أن القرآن لم يستخدم كلمة ترفيه وإنما استخدم بدل عنها كلمتي اللعب واللهو، في إشارة واضحة إلى أن كل فعل لا يخدم غايات الإنسان وأهدافه الأساسية يعد ضرباً من اللهو واللعب، وقد جعل القرآن ذلك وصفاً عاماً لمجمل الحياة الدنيا طالما لم تقم على الارتباط بالله تعالى، حيث قال: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، فقد وصفت الآية بدقة كل ما يعد محوراً لاهتمام الإنسان في الحياة الدنيا، ومن المؤكد أن ذلك يمثل مصدر جذب للإنسان بما هو إنسان، إلا أن الفرق بين المؤمن والكافر هو أن المؤمن يجعل من ذلك وسيلة إلى الله تعالى، بينما الكافر يجعله غاية في حد ذاته، ولذلك ضربت الآية مثلاً بالكافر الذي يعجبه الذرع بعد أن يهيج ويخضر، ولكن سرعان ما تصدمه الحقيقة عندما يراه حطاماً، فنهاية الدنيا وزوالها هي النهاية الطبيعية التي يلتفت لها المؤمن ولا يلتفت لها الكافر، ويبدو أن الآية ليست وصفاً خاصاً بحال الكفار وإنما هي وصف لحال الجميع، أي أن الدنيا محطة عابرة تنتهي لا محالة إلى محطة نهائية، فمن تعامل مع الدنيا بوصفها غاية يكون مصيره في الآخرة عذاب شديد، ومن يتعامل معها بوصفها وسيلة لغاية اسمى وهي رضوان الله تعالى سيكون مصيره في الآخرة مغفرة ورضوان، وقد بينت الآية كلا النتيجتين في قوله: (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ)، ثم ختمت الآية بتحذير الجميع من أن الافتتان بالدنيا، لأنها ليست إلا غرور يخدع الإنسان عن أهدافه الأساسية، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).

وقد أكد القرآن على هذا المعنى في اكثر من آياته، مثل قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ). وغير ذلك من الآيات التي تؤكد على أن كل فعل لا يمثل مساراً جاداً للإنسان يقع في خانة اللعب واللهو، أو كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (اللهو يفسد عزائم الجد)، ويقول أيضاً عليه السلام: (لا تفن عمرك في الملاهي، فتخرج من الدنيا بلا أمل).

وعليه يمكننا التأكيد على أن المبدأ العام في الحياة كونها خلقت للجد وليس للعب واللهو، وحري بالمؤمن ألا يضيع عمره فيما لا يفيده في دنياه وآخرته، ومع ذلك يكفي في أن يكون المؤمن ملتزماً أن يؤدي ما عليه من واجبات شرعية وأن ينتهي عن المحرمات، ومن المعلوم أن المحرمات محصورة في عدد محدد بينما المباحات لا يمكن حصرها وعدها، وعليه يجوز للمؤمن أن يرفه نفسه بما يشاء من وسائل الترفيه طالما لم تكن مشتملة على واحدة من المحرمات الشرعية مثل أدوات الموسيقى والغناء والرقص وأدوات القمار وغير ذلك من المحرمات.

وقد أكد فقهاء الشيعة في بحوثهم الفقهية عدم حرمة اللهو على أطلاقه واكتفوا بحرمة ما وردت فيه نصوص بعينها.

يقول الشيخ الانصاري في تعريف اللهو في كتاب المكاسب: "لكن الإشكال في معنى اللّهو، فإنّه إن أُريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح والقاموس، فالظاهر أنّ القول بحرمته شاذّ مخالف للمشهور والسيرة؛ فإنّ اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي، ولا خلاف ظاهراً في عدم حرمته على الإطلاق، نعم، لو خُصَّ اللّهو بما يكون عن بَطَرٍ وفسّر بشدّة الفرح كان الأقوى تحريمه، ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق، والضرب بالطشت بدل الدفّ، وكلّ ما يفيد فائدة آلات اللهو.."

ويضع الشيخ كاشف الغطاء في انوار الفقاهة ضابطة للهو المحرم بقوله: "اللهو الذي من شأنه أن يُنسي ذكر الله تعالى وعبادته ويلهي عن اكتساب الخير والرزق حرام‌ سواء كان بآلة أو بدونها كالرقص وبعض أنواع الصفق واقتناء بعض الطيور للّعب بها وصيد اللهو وهذا هو المفهوم من ذم اللّهو واللعب في الكتاب والسنة".

وقد خالف السيد البروجردي في حرمة الصيد بغرض اللعب واللهو حيث قال في معنى اللهو المحرم: "أن حرمة بعض أقسام اللهو وإن كانت قطعية، لكن لا يمكن الالتزام بحرمة جميع أقسامه، إذ المحرّم من اللهو هو ما أوجب خروج الإنسان من حالته الطبيعيّة بحيث يوجد له حالة سكر لا يبقى معها للعقل حكومة وسلطنة، كالألحان الموسيقيّة التي تخرج من استمعها من الموازين العقليّة وتجعله مسلوب الاختيار في حركاته وسكناته، فيتحرك ويترنّم على طبق نغماتها وإن كان من أعقل الناس وأمتنهم، وبالجملة: المحرّم منه ما يوجب خروج الإنسان من المتانة والوقار قهرا، و يوجد له سكرا روحيّا يزول معه حكومة العقل بالكليّة، ومن الواضحات أنّ التصيّد وإن كان بقصد التنزّه ليس من هذا القبيل".

وذكر السيد الخوئي في مصباح الفقاهة في ذيل حديث عن الإمام علي (عليه السلام) (كل ما الهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر): "أن كثيرا من الأمور يلهي عن ذكر اللّه و ليس بميسر، ولا بحرام، وإلا لزم الالتزام بحرمة كثير من الأمور الدنيوية، لقوله تعالى (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) بل قد أطلق اللهو على بعض الأمور المستحبة في جملة من الروايات كسباق الخيل، ومفاكهة الاخوان، وملاعبة الرجل أهله، ومتعة النساء، فإنها من الأشياء المندوبة في الشريعة، ومع ذلك أطلق عليها اللهو، وتوهم أن الملاهي غير المحرمة خارجة عن الحديث توهم فاسد، فإنه مستلزم لتخصيص الأكثر، وهو مستهجن".

وذكر أن الضرورة دلت على جواز اللهو في الجملة، وكونه من الأمور المباحة، كاللعب بالسبحة أو اللحية أو الحبل أو الأحجار ونحوها، فلا يمكن العمل بإطلاق هذه‌ الروايات على تقدير صحتها، وقد أشرنا إليه في مبحث حرمة القمار وعليه فلا بد من حملها على قسم خاص من اللهو أعني الغناء ونحوه، كما هو الظاهر، أو حملها على وصول الاشتغال بالأمور اللاغية إلى مرتبة يصد فاعله عن ذكر اللّه، فإنه حينئذ يكون من المحرمات الإلهية، والحاصل: أنه لا دليل على حرمة اللهو على وجه الإطلاق".

2022/10/24

ما حكم التصوير داخل حرم الإمام الحسين (ع)؟

يعيد "موقع الأئمة الاثني عشر" نشر استفتاء لسماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله حول "التصوير".

[اشترك]

أدناه نص الاستفتاء:

السؤال: هل يجوز التصوير داخل حرم الإمام الحسين (عليه السلام)؟

الجواب: لا بدّ من التقيّد بالتعليمات الصادرة بهذا الصدد من اللجنة المشرفة على الروضة المقدّسة.

المصدر: الموقع الرسمي لمكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله 
2022/10/23