لماذا يغيب المنتج الثقافي في العراق؟

الثقافة هي الأساس لحل المشكلات وغيابها أساس لكل الأزمات، والثقافة الإيجابية تحقق التقدم في الأمم، ويلاحظ ذلك التقدم من ناحية الإنتاج الثقافي كما ونوعا.

البعض يقول إن الثقافة هي سلعة كمالية، ليس لها قيمة أولية في بناء المجتمع، لكن الثقافة هي الأساس وهي عمق المجتمع، والعقل الأساسي الذي يحرك المجتمع، ولكنه مخفي غير واضح وغير مرئي بشكل مباشر.

وإذا لاحظتم ذلك من خلال قراءة التاريخ المعاصر حيث يؤكد أن بعض الكتاب والأدباء والمفكرين أثرّوا في مسيرة أمة كاملة، من خلال كتاباتهم، كما نلاحظ ذلك على سبيل المثال في كتابات شكسبير في المسرح البريطاني وكيف أثر على نهضة بريطانيا الثقافية التي لا تزال آثارها موجودة حتى الآن، وكذلك نلاحظ تأثير رواية البؤساء لفيكتور هيجو ومدى تأثيرها في الثورة الفرنسية وكذلك بالنسبة لجان جاك روسو، وكذلك تشارلز ديكنز في روايته أوليفر تويست أو قصة مدينتين، وكيف أثر ذلك على التفاوت الطبقي في بريطانيا.

في الجانب المقابل حول التأثير السلبي نلاحظ ذلك في كيفية تأثير كتابات فريدرك نيتشة باندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، كأساس أيديولوجي وفلسفي لثقافة أمة أخذت تحارب تحت سطوة الدكتاتور، لذلك فإن الكاتب والكتابة مؤثران على بناء الأمة.

أما غياب المنتج الثقافي في العراق فيعود إلى ثلاثة أسباب:

أولا: النظام الاستبدادي الشمولي

ثانيا: الحروب، وقد أدت إلى تآكل المؤسسات والبنى التحتية التي تحرك وتبني الثقافة، مثل المدارس، والجامعات، وأنا أتذكر جيدا كيف تعلّمنا أساليب الكتابة في المدرسة من خلال كتابة الإنشاء، وكذلك النحو وقواعد اللغة العربية، وكيف كانت المدرسة كحاضنة ثقافية أساسية، لكن لو سألنا هل المدارس اليوم تمتلك القدرة على البناء الثقافي أو على بناء أناس منتجين ثقافيا؟، كلا بالطبع لأن أبسط القضايا كالنحو والإملاء والكتابة غير موجودة. لذلك كما أتصور فإن المنتوج الثقافي هو الأساس في تقدم الأمة أو تخلّفها.

ثالثا: طغيان العامل الاستهلاكي والمادي

فكلما ازداد الطغيان المادي الاستهلاكي تتسطّح الثقافة إلى حد بعيد، وتصبح شكلية لاسيما مع سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي في عالم اليوم.

فإذا أردنا أن نتحرك على تعزيز الإنتاج الثقافي، فهذا هو الذي سيؤدي إلى عملية التغيير والإصلاح في المجتمع، فأي تغيير سياسي وحتى التغيير الاقتصادي لا يمكن إذا لم يكن هناك تغيير ثقافي، فحين يظهر لدينا مجموعة من الكتاب وعلى مستوى راقٍ ويقدمون إنتاجا ثقافيا للمجتمع فإننا سنذهب نحو التغيير الجيد، لأن المجتمع قائم على إنتاج الأفكار وليس الانتاج الرومانسي أو الجمالي، أو الإنتاج الممتع والمرفِّه.

في بعض الأحيان يكون الأدب مرفِّها للإنسان، لكن الأدب في نفس الوقت مؤثر في بناء سلوك الإنسان وفي بناء جودة الحياة، وتحسين مستوى الحياة للفرد والمجتمع، فيحتاج الأمر إلى مجموعة من الكتاب يقدمون كتابات جيدة وراقية، لكنني أتصوّر أن هذا الهدف الآن صعب جدا، ولكن مع وجود المؤسسات الجيدة التي تستطيع أن تقدم أدباء وكتّابا جيدين سوف تتكون لدينا بعض الحركات الإصلاحية التي تؤدي إلى التغيير الاقتصادي والسياسي أيضا.

فطالما لا تتغير العقلية الموجودة عند الإنسان ولا يقرأ، فلن يحدث التغيير، والإعلام الموجود اليوم، سواء كان إعلاما صحفيا أو الإعلام الموجود في شبكات التواصل الاجتماعي هو تسطيحي مضلِّل يؤدي إلى تهشيم وتحطيم الثقافة وكل أنواع السلوك الجيد في المجتمع، لذلك من الضروري أن تكون لدينا دورات ثقافية في بناء وتربية الكتّاب والمؤلفين والادباء والمثقفين على الابتكار والابداع في الإنتاج الثقافي الجيد حتى نستطيع أن نحقق نهضة تغييرية في المجتمع.