التقيّة المداراتية.. إخفاء للعقيدة أم دعوة للتعايش السلمي؟

التقية المداراتية مصطلح فقهي لدى فقهاء الشيعة، و يراد بهذا المصطلح الالتزام بمبدأ احترام عقائد و فقه سائر الطوائف الإسلامية و المسايرة معهم في ما يمكن حفاظاً على الوحدة الإسلامية و تجنباً عن الخلافات التي تسبب تشتت صفوف المسلمين في المجتمعات التي تتعدد فيه الطوائف و المذاهب ، رغم وجود اختلاف في الفروع و بعض الاحكام ، كل ذلك من أجل المصالح الرئيسية و العامة التي أمر أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم بالالتزام بها و إن لم يكن في تركها خطر عليهم .  

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

والتقية المداراتية أسلوب عقلي و شرعي و من مقومات التعايش السلمي المتحضِّر مع سائر الطوائف بل و سائر الاديان ، حيث تحتفظ كل طائفة على عقائدها و أحكامها الشرعية دون التنازل عنها في الأصول ، و تكون فرصة التحاور الفكري موجودة بين الاطراف المختلفة من دون حساسيات طائفية تُثير البغضاء و العداوة و تسبب الخلافات التي لا تحمد عقباها .  فقد رَوَى زَيْدٌ الشَّحَّامُ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : " يَا زَيْدُ خَالِقُوا النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ ، صَلُّوا فِي‏ مَسَاجِدِهِمْ‏ ، وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا الْأَئِمَّةَ وَ الْمُؤَذِّنِينَ فَافْعَلُوا ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ رَحِمَ اللَّهُ جَعْفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ ، وَ إِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الْجَعْفَرِيَّةُ فَعَلَ اللَّهُ بِجَعْفَرٍ  مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ " 1.  

فالتقية المداراتية ليست إخفاءً للعقائد و الاحكام الشرعية كما يحاول البعض تصوير ذلك، و إنما هي دعوة إلى التعايش السلمي والمتحضر مع احترام افكار و عقائد الأطراف الأخرى حفاظاً على المصالح العامة للمسلمين، و حفاظاً على الوحدة الإسلامية .

الهوامش:

 1. من لا يحضره الفقيه : 1 / 838 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .