العلاقة بين المرجع والمقلّد: لا يهمّنا غير ’الفتوى’!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

نحنُ أناسٌ مقلِّدة، بمعنى أنَّ رجوعَنا إلى العالِم كرجوع المريضِ إلى الطبيب، وإياب صاحب الدَّار إلى مُهندسِها، وليس يهمُّني بعد ذلك كيف وصل المرجع إلى استنباط الفتوى، كما لا يهمُّني كيف توصَّل الطبيبُ إلى تشخيص المرض، والمهندسُ إلى رسم الخريطة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

نعم، قد أناقشُ الطبيبَ في النتيجة التي وصَل إليها ولكن لا من باب المجادلَة للتفتيش عن هفوة، ولا من طريق المخاتلة للتنقير عن عورة، بل من باب الاستفهام لا الاستنكار، والتعلّم لا التعنّت.

فإن العلاقةَ بين الطبيب والمريض مبنيَّةٌ على ثقة المريض بعلميَّة بل و أعلميَّة هذا الطبيب على غيرِهِ من الأطباءِ في هذا الاختصاص؛ فلا تعجب أن ترى ملايين المرضى عبر العصور يجعلون أرواحهم رهينة علم هذا الطبيب في العمليات الكبرى للقلب والدماغ والعيون ونحوها.

وكذلك المرجعُ الأعلى، إنَّ العلاقة بين المرجعيَّة ومقلديها يجب أن تكون مبنيَّةً على دعامتين: الثقة العالية بالمرجع التي رداؤها العدالة، ورائدُها الاستقامة على جادَّة الشريعة وعدم الخروج عنها بترك واجب أو فعل محرم، والإيمان بأعلميَّته وخبرته في مجال اختصاصه الفقهيّ.

لذا كان من أولِ واجبات المُقلِّد البحث عن مرجعٍ فيه هذان الشرطان المهمان، وأن يكون الاستدلال عليهما عن قناعةٍ تقربُ من العقيدةِ، ودليلٍ يدنو من البديهة، حتى لا يتزلزل عند كلِّ عاصفةِ شك، ويهتز عند كلِّ بارقةِ ريب.

ومن هنا رأيتُ - رأيَ العين - نكوصَ كثيرٍ من الناس عن مرجع تقليده، وترددُهُم في علميَّتِه وعدالته لأنهم لم يضبطوا حقيقة هذين الشرطين من قبلُ وكان رائدُهم هوى النَّفس وحاديهم سائقُ الجهل، مع أنَّ مرجعَهم - لو عقلوا - حائزٌ عليهما بشهادة أهل الخبرة العدول.

ثم إنَّ كثيراً من الفتاوى لا يُمكن تعليل نتائجها بالعقل، فدينُنا قائمٌ على الغيب، وكُلَّما كان حبُّك لله تعالى أكثر كانت طاعتُك أعلى.

أرأيت طفلَك الصغيرَ إذا بكى، وزاد حدَّةً في بكائه وغضبه وطلبَ منك شيئاً، قد يكون هذا الشيءُ - كما هو الغالِبُ - غير معقولٍ ولا مقبول، ولكنَّ حبَّك أيَّاه يجعلُك تصلُ بهذا الطلب إلى درجة الأمر، وتنفّذه رغم عدم إيمانِك بجدواه،

الحبُّ هو الذي يجعلك ترمي الحجارة على رمز الشيطان في مكة، وتطوف سبعاً، وتصلي الصبح ركعتين والعشاء أربعا، ويجعلك تؤمن بأنَّ بيع الدولار آجِلاً بالدينار حلالٌ، وبالدولار مع المُدَّة حرام، وأنَّ الأغاني حرامٌ مع ما يُدَّعى أنَّ فيها ترويحاً للنفس وتطيباً للخاطر، وترضيَّةً للقلب.

الحبُّ هو الذي يجعلك تؤمنُ بذلك كلِّه حلالِه وحرامِه مع خفاء وجه الحكمة عليك؛ لأنَّ من أساسِ الإيمان بالدين إيمانُك بالغيب.

وما اختلاف الفقيه عن الفقيه الآخر في تشخيص حكم مسألةٍ فقهيَّةٍ ما، إلَّا كاختلاف الطبيب مع الطبيب الآخر في تشخيص مسألةٍ طبيَّةٍ ما، وبما أنَّ البشر غير معصوم ومن طبيعة الإنسان النسيان، فالخطأ ورادٌ عليهما، وكما أنَّ الخطأ لا يُخرجُ الطبيبَ عن كونه طبيباً كذلك لا يُخرِجُ الفقيهَ عن كونه فقيهاً، ولو كان من شرطِ كلِّ مختصِّ في مجالِه من الطبِّ والهندسة والتكلنوجيا والفيزياء والعلوم أن لا يُخطيء وإلَّا خرج عن كونه مختصَّاً ووجب التشنيعُ عليه لكان طلب المختصين في سائرِ العلومِ من المُحال، ولأوجبنا شرط العصمة فيهم عقلاً وهو غير معقول.

أنت يا أيُّها المُقلِّد عليك بالنتيجة الفقهيَّة ولستَ مُطالَباً بدليلِها؛ لأنَّك ببساطة لست أهلاً لمعرفة الدليل؛ لا لقصورٍ في نفسِك - حاشا لله - بل لقصورٍ في علمك ولعدم الاختصاص.