استفهامات: متى يحين نهوض التعليم في العراق؟.. حوار مع السيد محمد علي بحر العلوم

ينشر موقع الأئمة الاثني عشر حواراً لسماحة السيد محمد علي بحر العلوم سلّط فيه الضوء على ملف التعليم في العراق وسبل تطويره.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فيما يلي نص الحوار:

 

▪️ من يتحمل سوء إدارة الملف التعليمي، وغياب التخطيط الاستشرافي؟

كلا السؤالين يتحمل مسئوليتها الدولة من خلال غياب الرؤية الحقيقية الفاعلة في إدارة الملف الاقتصادي وغياب التخطيط الاستشرافي للملف التعليمي، وبقاء كوادر ترفض التغيير والانفتاح والخروج عما اعتادته طيلة عقود من الزمان أدى الى ضياع العديد من الفرص ومرور الزمان من دون الاستفادة منه بشكل جيد.

▪️ كيف تقيمون تجربة التعليم الإلكتروني، وهل تعتقدون انها ستعتمد مستقبلاً، ولماذا نجحت في دول وفشلت بأخرى؟

الطرق والاليات التعليمية فيها ثغرات وعيوب، وفيها إيجابيات ونقاط مضيئة،  وتعتمد بالأساس على مدى جدية الأستاذ وحرصه على إعطاء المادة العلمية حقها، ومع ان المشافهة والحضور لها دور مهم واثار حقيقية في طلب العلم والمعرفة، فإن التواصل مع الكفاءات العلمية في مختلف البلاد وذلك من خلال التعليم الالكتروني يمكن ان يضفي قيمة علمية على الدراسات في يومنا هذا، والنجاح والفشل يعتمد على مدى توافر الوسائل المناسبة والدعم اللوجستي لتحقيق هذا الأمر وانجاحه، وتحتل طريقة الدراسة عن بعد رواجا كبيرا في العالم لما تهيئه من فرصة للعديد من الطلبة الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات أو منعتهم الظروف من السفر الى الجامعات العالمية، وبذلك انفتحت امامهم افاقا جديدة تساهم بجد في تحسين مستواهم العلمي وادائهم الوظيفي.

 

▪️ هناك دعوات لإلغاء مادة التربية الدينية في المؤسسات الاكاديمية، كيف تنظرون لهذه الدعوات، وهل تعتقدون ان هناك ضرورة لإبقاء التربية الدينية؟ واذا كنتم مع ضرورة بقاءها كيف يمكن لها ان تقدم؟

كانت لنا محاولة بلورة رؤية حول هذا الموضوع من خلال عقد عدد من الورش الخاصة بهذا الامر خلال الأعوام السابقة، وتم عقد ورشتين شارك فيها العديد من ذوي الاختصاص من مختلف الأديان والمذاهب في العراق، والامر الذي يكاد ان يتفق عليه الجميع هو ضرورة بقاء هذه المادة في ضمن المراحل التعليمية المختلفة. مع بقاء المناطق المختلفة او المدارس المختلفة بخصوصيات الدينية الخاصة بعد التعريف بالإطار العام.

▪️ كيف يمكن النأي بمنهج التربية الدينية عن سياسات الحكومات المتعاقبة، وهل يندرج هذا التدخل في تسيس الدين لمصالح حزبية؟

إن المشكلة التي تواجهنا اليوم في النظام التعليمي هي غياب الرؤية الواضحة لما يمكن ان يكون عليه التعليم في العراق، وما هي الأسس التي يراد لهذا النظام ان يغذيها للطالب في المراحل المختلفة، وقد يكون ذلك ناشئا من بناء النظام التعليمي على أسس أيديولوجية خاصة طيلة العقود السابقة إبان النظام السابق، وبعد التغيير لم تكن هناك أيديولوجية خاصة يراد توجيه المجتمع اليها، مما أدى الى غياب النظر العامة الكلية التي توجه النظام التعليمي، فكانت نتيجته بقاء التوجهات السابقة وضياع البوصلة في هداية المجتمع نحو الأفضل والأحسن، وهذه نقطة مهمة غفل عنها القائمون على شئون التعليم في الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد التغيير. ومادة التربية الدينية هي أحد النماذج لغياب تلك الرؤية العامة.

 

▪️ يرى البعض ان الدراسات العليا اصبحت عبئا على المجتمع بسبب غياب الاستثمار الحقيقي لتلك الطاقات؟

الاستثمار الحقيقي يتحقق من خلال البرامج والتوجهات العامة التي تؤسس لها الدولة ويتحقق ذلك من خلال تقوية واسناد مراكز الأبحاث والدراسات التي ترفد مؤسسات الدولة بما تحتاجه من دراسات ورؤى مستقبلية، والدراسات العليا مراحل دراسية متقدمة توفر أدوات متقدمة للباحثين في سبيل تحقيق نتائج ونظريات ورؤى جديدة للمجتمع. وهو امر لابد منه وحجره على فئات معينة وشروط صعبة يمنع من تطوير الكفاءات والخبرات.

تجربتنا في معهد العلمين للدراسات العليا وهو اول معهد اهلي متخصص في مرحلة الدراسات العليا في قسمي القانون والعلوم السياسية اثبتت الحاجة الماسة والتعطش الذي لدى الخريجين من اجل اكمال دراستهم في هذا المضمار، وخصوصا عند ملاحظة عدم اتاحة الفرصة للعديد من الخريجين في العقود الماضية ولذا كان الاقبال كبيرا جدا في السنوات الأولى خصوصا مع عدم اشتراط السن، وهذا يدل على الحاجة في هذا المجال. وهنا نلاحظ ان الارتقاء الوظيفي يتم من خلال فسح المجال للموظفين ان يكملوا هذه الدراسات التي سوف تؤثر في مستوى أدائهم الإداري.

واعتقد انه جزء من تطوير الدراسات العليا هي تغيير الرؤية الحكومية للتعليم الأهلي خصوصا في هذه المرحلة المهمة، و قد يكون تلك الرؤية لها علاقة بمجمل النظر الى القطاع الخاص الذي يعاني من نقص في القوانين التي تحميه وتنهض به، وإن كان على مستوى التعليم العالي كانت هناك نهضة قوية في تأسيس الجامعات والكليات الاهلية على مستوى العراق، ولكن الامر بحاجة الى استراتيجية واضحة تعطيها نحوا من الحرية لوضع برامج علمية وبحثية تنهض بالواقع العلمي بشكل افضل.

 

ومن باب المثال حاولنا ان نخلق أفقا جديدا من خلال فسح المجال امام تغير التخصصات وقبول خريجي فروع علمية أخرى لأجل اكمال دراستهم في العلوم السياسية بعد ان يقضوا سنة تأهيلية يدرسون فيها المواد التي يحتاجونها في ذلك، وقد لاقت تجاوبا واسعا وتم رصد تفوق العديد من الذين أتوا من اختصاصات أخرى للتخصص في العلوم السياسية،  ولكن هذه التجربة واجهت العديد من الصعوبات الإدارية والقانونية، ولم يكتب لها الاستمرار، مع ان مسالة تغيير الاختصاص الى فروع أخرى في مراحل الدراسة العليا امر متبع في العديد من دول العالم إلا ان العراق ما يزال يحتاج الى تشريعات وقناعات في ذلك.

▪️ هل يمكن ان يساهم الباحث العراقي في معالجة الواقع المحلي ومواجهة التطرف الديني والارهاب؟

الباحث العراقي بشكل عام نشط ومبدع، ونجاح الكفاءات العراقية في الكثير من البلدان العربية والأجنبية دليل على ذلك، وعدم اتاحة الفرصة لظهور مثل هذه الكفاءات أدى الى هجرة العديد منها الى الخارج، كما أن المجتمع الذي اكتوى بنار التطرف والإرهاب يمكن ان يخلق الأجواء الصحية لمحاربتهما بشرط وجود رؤية وتخطيط من قبل الدولة لذلك.

المصدر: شفقنا