آثار المزاح الباطل
ما من مفردة من مفردات الحياة، إلا وللشريعة فيها رأي، فرب العالمين له في كل حركة رأي، حتى أنه ذكر أدق المستحبات والمكروهات؛ ومنها المزاح.
[اشترك]
أولاً: المزاح المذموم
هو ذلك المزاح الذي يكون بالباطل، فبعض الناس يكذب حتى يُضحك الآخرين، وبعضهم يكذب على حساب وهن الآخرين، وبعضهم يعلق على إنسان لديه عيب في خلقته، ليضحك الآخرين.. وهناك من يستهزئ بألقاب الآخرين، أو بعشيرتهم.. فصور الاستهزاء كثيرة.
ثانياً: آثار المزاح
1. عن الإمام علي (عليه السلام): (من كثر مزاحه؛ استجهل)؛ أي كأن هذا الإنسان لا يلحق بالعقلاء.. فالإنسان كثير المزاح عندما يدلي بدلوه في قضية من القضايا؛ لا يؤخذ بكلامه.
2. عن الإمام علي (عليه السلام): (من كثر مزحه؛ قلّ وقاره)؛ أي أن المزاح الكثير من موجبات إذهاب الوقار؛ فكم من الجميل أن يُرى الأب وقوراً في العائلة! فبعض الآباء يحافظون على وقارهم إلى آخر عمرهم، رغم أن أولادهم يرونهم صباحاً ومساءً، وعلى مائدة الطعام، وفي ثياب النوم.
3. عن الإمام علي (عليه السلام): (من جعل ديدنه الهزل؛ لم يعرف جده).. بعض كثيري المزاح عندما يأتي بخبرٍ؛ لا أحد يصدقه، بل يُطلب منه أن يُقسم على صحة قوله، وأنه ليس بمزاح.. هذا الإنسان لا يعرف جده من هزله، وهذه كارثة لأنه إنسان لا تعلم هويته وشخصيته.
ثالثاً: المزاح المطلوب
1. المزاح بحق: إن المزاح المطلوب، هو المزاح الذي يكون بحق، وليس فيه كذب، هذا الشرط الأول للمزاح.. ينقل عن النبي (صلی الله عليه) أنه قال للعجوز الأشجعية: (يا أشجعية!.. لا تدخل العجوز الجنة، فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي (صلی الله عليه) فقال: والأسود كذلك، فجلسا يبكيان، فرآهما العباس فذكرهما له، فقال: والشيخ كذلك، ثم دعاهم وطيّب قلوبهم، وقال: ينشئهم الله كأحسن ما كانوا، وذكر أنهم يدخلون الجنة شبانا مّنورين، وقال: إنّ أهل الجنة جردٌ مردٌ مكحلون).. فالكلام الذي قاله النبي (صلی الله عليه) للعجوز كلام حقيقي؛ لأن الله تعالى يقول في سورة “الواقعة”: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا).. فإذن، النبي (صلی الله عليه) استعمل المزاح، ولكن بشكل لا يجانب الحقيقة.
2. المزاح غير المفرط: ليس المراد بالمزاح المطلوب، أن يمزح الإنسان في كل صغيرة وكبيرة، فالمؤمن بشكل عام فيه أريحية، وفيه طيبة، روي عن رسول الله (صلی الله عليه) أنه قال: (الْمُؤْمِنُ: دَعِبٌ، لَعِبٌ.. وَالْمُنَافِقُ: قَطِبٌ، وَغَضِبٌ)؛ ليس بمعنى الدعابة واللعب الباطل، ولكن بمعنى خفة الدم: فإن سافر مع قوم -مثلاً- لا يزعجهم، وينساق معهم، ويساعدهم.. وإن حلّ ضيفاً على أحد؛ يكون ضيفاً محبوباً! أما المنافق فإنه قطب غضب: أي عبوس ووجهه مكفهر، وهذه ليست من صفات المؤمن أبداً.
3. المزاح الهادف: روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (ما من مؤمن إلا وفيه دعابة.. قلت: وما الدعابة؟.. قال المزاح).. ومن أرقى أنواع المزاح، ذاك المزاح الذي يكون ظاهره مزاحاً؛ ولكن باطنه أعلى صور الجد، وهو الذي يُذهب هماً وغماً عن قلب مؤمن.. كأن يرى الزوح زوجته مهمومة حزينة: إما لأذى الناس، أو لأذى أولادها، أو لأي شيء؛ فيمزح معها مزحة؛ وإذا بها تنسى ما فيها من الهموم! هذا السرور الذي أدخله على قلب زوجته، قد يكون عند الله عز وجل؛ أفضل بكثر من الجد!
رابعاً: الفرق بين المزاح المحمود والمزاح المذموم
إن المزاح المذموم، هو: ما كان بالباطل، وبلا هدف.. والمحمود: ما كان بالحق، وبهدف.. المؤمن يكون في كل حالاته هكذا؛ لأن بعض الأولاد عندما يكبرون يتجاسرون على آبائهم، ويتكلمون معهم بكلمات بذيئة؛ وذلك بسبب المزاح الباطل الذي كان يمزحه الأب معهم وهم صغار.. روي عن الإمام العسكري (عليه السَّلام) أنه قال: (لَا تُمَارِ فَيَذْهَبَ بَهَاؤُكَ، وَلَا تُمَازِحْ فَيُجْتَرَأَ عَلَيْكَ)؛ فالأب الذي يتلفظ بألفاظ قبيحة أمام ولده الصغير، هذا الولد عندما يكبر يبادله تلك الكلمات التي حفظها في صغره.
فإذن، إن المزاح في حياة المؤمن، كملح الطعام؛ يستعمله بالمقدار الذي يلزم في حياته الاجتماعية.