ذكريات الجمعة: النجاح يبدأ من الأسرة.. وخدمة البلد بحاجة إلى ’مواطن صالح’

تنويه هام: النص من أرشيف خطب الجمعة

ليعلم الإخوة الأساتذة في الجامعات والمدرّسون والمعلّمون أنّ مهنة التعليم والتربية تمثّل في بعض جوانبهما امتداداً لمهنة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) في تعليم الناس وتربيتهم، فاجعلوا -أيّها الأساتذة أيّها المعلّمون أيّها المدرّسون... فاجعلوا مقصدكم والباعث لديكم هي النيّة الخالصة لله تعالى ليكون لكم بذلك الأجر في عملكم، ولتُجعَلَ ساعاتُ تعليمكم في ميزان حسناتكم.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ثانياً: المأمول من الإخوة الأساتذة والمعلّمين أن يلتفتوا الى أنّ هؤلاء الطلبة أمانةٌ في أعناقهم، هؤلاء الطلبة فلذّات أكبادنا، أيّها الأساتذة في الجامعات أيّها المدرّسون أيّها المعلّمون هؤلاء الطلبة أمانة في أعناقكم، فالآباء والأمّهات بل المجتمع بأكمله قد سلّموا اليكم عقول وقلوب هؤلاء تصوغونها بما تشاءُهُ أفكاركم وتعاليمكم، فأعيدوا هذه الأمانة صالحةً بالمبادئ والخلق الرفيع -كما سُلّمت- مصونةً من الجهل والانحراف وتذكّروا أن مهمّتكم لا تقتصر على التعليم المهنيّ في مجال اختصاصاتكم، بل مهمّتكم هي التعليم والتربية على الأخلاق الفاضلة والمواطنة الصالحة معاً.

فلا ثمرةَ للتعليم بدون الأخلاق وتربية النفس على هذه القيم، والأستاذ الأكثر تأثيراً في طلبته هو الذي يبدأ بنفسه فيربّيها ويؤدّبها على محاسن الأخلاق ومحامد الصفات ويترجمها الى سلوك فعليّ أمام طلبته، ومن ذلك حسن التعامل مع الطلبة والتواضع لهم وعدم التعالي عليهم وسعة الصدر والتحمّل لهفواتهم وسلوكهم الخاطئ أحياناً، وذلك بإرشادهم بالحُسنى والموعظة الحسنة الى السلوك الصحيح وتنبيههم على ضرورة الاهتمام بأخلاقهم وسلوكيّاتهم كاهتمامهم بالحصول على الدرجات المتقدّمة في دروسهم، وهذا الكلام أيضاً نوجّهه اليكم يا أولياء الأمور للطلبة كما تهتمّون وتحرصون على أن ينال أولادكم الدرجات العالية في الدروس العلميّة والاختصاصية احرصوا واجهدوا أنفسكم في أن ينالوا المراتب العالية في الأخلاق وتربية النفس، فإنّ كلا الأمرَيْن مهمّان في حياتنا، وعلى المعلّم أن يحترم جميع الطلبة ولا يهين من لا يمتلك الذكاء العالي لتلقّي العلم، بل يعلّمه كيفيّة تطوير قابليّاته ليتقدّم في مسيرته العلميّة، وعليه أن يوضّح للطلبة -هذه نقطةٌ مهمّة أيضاً أرجو الالتفات اليها من أولياء الأمور ومن الطلبة ومن المعلّمين- وعليه أن يوضّح للطلبة أنّ النجاح في الدراسة...

أيّها الإخوة والأخوات ما هو معيار نجاحنا في الحياة هل أن ننال الدرجات العالية في دروس الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللّغة وغير ذلك من الدروس الاختصاصية؟ أم إنّه أمرٌ آخر؟ النجاح في الحياة له مفهومٌ أوسع وأكبر وعلينا أن نوضّح هذا المفهوم للطلبة في المدارس وأن نوضّحه للجميع وهو أمرٌ مهمّ حتى ننجح ونسعد في حياتنا الدنيا والآخرة، وعليه أن يوضّح للطلبة أنّ النجاح في الدراسة مهمٌّ ولكنّه جزءٌ من النجاح الأكبر المطلوب في الحياة ألا وهو بناء العلاقة الصحيحة مع الله تعالى ومع بقيّة أفراد المجتمع، وامتلاك الشعور بالمسؤولية في أيّ موقع كان بعد التخرّج والقدرة على النجاح فيه، وبناء الأسرة الصالحة وخدمة المجتمع بصورةٍ صحيحة.

وهنا أودّ أن أُلفت النظر نحن نخاطب المعلّمين والأساتذة ونخاطبكم أيّها الإخوة والأخوات، فنحن نعيش تلك الحالة وهي أنّه كثيراً ما يأتي الطالب ويطلب منّا أن ندعو له بالنجاح في امتحانات الدراسة، والآباء والأمّهات حريصون على أن ينجح أولادهم في امتحانات الدراسة التخصّصية ولكن علينا أن نُفهم الطالب أنّ النجاح الأكبر المطلوب في الحياة -إضافةً الى النجاح في الدراسة التخصّصية- هو أن نبني العلاقة الصحيحة مع الله تعالى وأن نتعلّم كيف نبني أسرة صالحة، لا يكفي أن يكون الطبيب متفوّقاً في طبّه ولا يكفي أن يكون المهندس متفوّقاً في هندسته أو الفيزيائيّ في فيزيائيّته وغير ذلك، بل نحتاج الى طبيبٍ ينجح في بناء أسرةٍ صالحة ينجح في خدمة مجتمعه ومرضاه، والمهندس والمسؤول والسياسي أن ينجح في خدمة مجتمعه وأن يُدير الشؤون المكلَّف بها بنجاحٍ كبير، هذا هو النجاح الأكبر أمّا النجاح في الدراسة لوحدها دون تحقيق هذا النجاح الثاني فإنّه فشلٌ كبير، لذلك علينا أن نلتفت الى هذه المفاهيم ونغرسها في نفوس أبنائنا وجيلنا.

ثالثاً: تذكّر -أيّها الأستاذ أيّها المعلّم- أنّ لديك أبناء يُدرّسهم أساتذةٌ ومعلّمون مثلك، (المعلّم والأستاذ والمدرّس أيضاً لديه أبناء يدرسون في المدراس والجامعات) فأحسن التعليم والتربية لتلاميذك وابذل كلّ ما بوسعك للارتقاء بمستوياتهم العلميّة، يُقيّض الله تعالى لأبنائك معلّمين يُحسنون اليهم، فالجزاء من جنس العمل، وتذكّر أنّ بين يديك -أيّها المعلّم أيّها المدرّس أيّها الأستاذ- تذكّر أنّ بين يديك جيل المستقبل الذي هو أمل مجتمعك، فأشعرْهم بذلك وبثّ في روحهم العزيمة والهمّة والاندفاع للتعلّم وحبّب اليهم وطنهم، -أيّها الأساتذة أيّها المعلّمون حبّبوا للطلبة وطنهم وبلدهم- وأيقظْ فيهم النخوة والحميّة ليكونوا بناةً صالحين لهذا الوطن.

نلتفت أيّها الإخوة -كما قلنا- لا نحتاج فقط الى التفوّق في الدراسة، المواطن الصالح الذي إذا تسلّم مسؤوليةً في البلد همّه أن يخدم بلده هذا هو البناء العلميّ الصحيح..، ليكونوا بناةً صالحين لهذا الوطن وقادةً أمناء لهذا الشعب لا قادةً فاسدين، -هذا هو الغرض من التعليم والتربية ليكونوا بناةً صالحين لهذا الوطن وقادةً أمناء لهذا الشعب-، وتذكّر أنّ أوقات الدوام هي حقٌّ للطلبة والتلاميذ وعليك استفراغها لتعليمهم وتربيتهم وليس لك أن تنتقص من حقّهم شيئاً، إنّ تأخّرك عن الدوام ولو قليلاً أو خروجك من المدرسة قبل نهايته خلافاً للتعليمات أو غيابك عن بعض الحصص التعليميّة من دون عذرٍ يعتبر تخلّفاً عن عقد توظيفك، والوفاء بالعقود واجبٌ شرعاً وأخلاقاً.

وعليكم بالتواصل -أيّها الآباء والأمّهات- مع إدارات مدارس أولادكم فإنّه ضروريّ لنجاحهم وتقدّمهم وليس من الصحيح إهمال ذلك بعذر الانشغال بهموم الكسب والحياة، بل إنّ من أهمّ واجباتكم متابعة سلوك أولادكم وتوجيههم بالأسلوب الصحيح في علاقاتهم مع الآخرين، ماذا يقرأون؟ ماذا يشاهدون؟ مَنْ يصحبون؟ أيّها الآباء والأمّهات هؤلاء الأولاد مسؤوليّتهم في أعناقكم، تابعوا أولادكم كما تقضون الكثير من الوقت والجهد في التكسّب بأمور الدنيا، راقبوا أولادكم ماذا يقرأون؟ ماذا يشاهدون؟ من يصحبون؟ فهذه نقطة مهمّة، اسأل عن ولدك من يُصاحب من يُزامل من يُراقب من يخرج معه في اللّيل؟ وعن بنتك من تُصاحب ومن تُرافق ومع من تخرج؟ فإنّ الكثير من الأخلاق والسيرة لهؤلاء الشباب والبنات إنّما تُكتسب من خلال العشرة والمصاحبة، لذلك كما عليكم توفير مستلزمات المعيشة لأولادكم عليكم توفير مستلزمات التربية الصالحة والنجاح في الحياة الدنيا والآخرة، فإنّهم كما هم أمانةٌ في أعناق معلّميهم هم أمانةٌ في أعناقكم وأنتم مسؤولون عنهم.

أرشيف خطبة الجمعة الثانية، 23أيلول 2016م